You are on page 1of 30

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫حقوق الحيوان وضماناتها في الفقه‬


‫السلمي‬
‫إعداد‬
‫الدكتور أحمد ياسين القرالة‬
‫أستاذ مشارك‬

‫جامعة آل البيت‬
‫كلية الدراسات الفقهية والقانونية‬

‫الملخص‬

‫أثبتت الشريع السلمية للحيوان جملة من الحقوق التي تحقق المقاصد الشرعية من خلقه‬
‫ل ‪ ،‬وهذه الحقوق هي الحق في الحياة‬
‫وإيجاده ‪ ،‬وتحدد علقة النسان به انتفاعًا واستغل ً‬
‫والحق في الغذاء والحق في منع اللم والحق في المحافظة على نوعه ‪ ،‬وبينت الدراسة أن‬
‫هذه الحقوق ل يجوز المساس بها وإهدارها إل لمصلحة معتبرة شرعًا ‪ ،‬كما بينت أن هذه‬
‫الحقوق ليس مجرد توجيهات خلقية وإرشادات اختيارية ‪ ،‬وإنما هي حقوق محمية بجملة‬
‫‪2‬‬

‫من الضمانات التي تكفلها وتمنع انتهاكها والعتداء عليها ‪ ،‬وقد اشتمل هذا البحث على‬
‫مشروع قانون ينظم حقوق الحيوان ويحدد كيفية التعامل معه ‪.‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ,‬والصلة والسلم على سيد النبياء والمرسلين‪,‬‬


‫وعلى آله وصحبه وسلم‪,‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ً‬
‫فقد أثبتت الشريعة السلمية للحيوان حقوقا تكفل له حياته وتمنع عنه‬
‫اللم ‪ ,‬وتحافظ له على نوعه‪ ,‬ليؤدي وظيفته التي خلق لها ‪ ,‬لذلك أوجبت‬
‫الشريعة أن ليخرج تعامل النسان مع الحيوان عن الغاية التي خلق‬
‫لها‪,‬والمقصد من تسخيره للنسان‪.‬‬
‫وإن من يستقرأ هذه الحقوق لبد وأن يساوره شك ‪,‬أيعقل أن تكون هذه‬
‫الحقوق للحيوان؟! فإذا كانت حقوق الحيوان على هذا النحو ‪ ,‬فكيف هي‬
‫إذن حقوق النسان؟ وإذا كان للحيوان هذه الحرمة ‪ ,‬فما هي حرمة‬
‫النسان؟!‬
‫ة كبرى أن تدعي بعض المم الرفق بالحيوان بينما هي تسحق‬ ‫وإنها لكذب ٌ‬
‫النسان صباح مساء‪ ,‬أليس من العجيب أن الدولة الوحيدة في العالم التي‬
‫عندها قانون لحماية حق الحيوان ‪ ,‬هي دولة محتلة وهي إسرائيل؟!كما أنه‬
‫من عجيب هذا العالم وغرائبه ‪ ,‬أن تنفق دولة عظمى ما يعادل ستا ً وثلثين‬
‫مليار دولر على الحيوانات الليفة ‪ ,‬وهي في معظمها كلب وقطط ‪ ,‬بينما‬
‫يموت الف من الطفال جوعا ً في هذا العالم‪ ,‬وأخيرا ً فإن هولء الذين‬
‫‪3‬‬

‫يرعون تلك الكلب والقطط هم أكثر شعوب الرض شرها ً للحم الحيوان ‪,‬‬
‫إذ يبلغ معدل استهلك الفرد عندهم من اللحم ما يعادل ‪126‬كيلو غرام‪, 1‬‬
‫بينما لتصل حصة بعض الفراد في هذا العالم أكثر من كيلو غرام واحد‪.2‬‬
‫فالبحث وإن كان في حقوق الحيوان وضماناتها‪,‬وهي المقصودة أو ً‬
‫ل‪ ,‬إل أن‬
‫ة على حقوق النسان ‪.‬‬
‫ة قوي ً‬
‫فيه دلل ً‬

‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫تكمن مشكلة البحث في الجابة على التساؤلت التية‪:‬‬
‫هل للحيوان حقوق في الفقه السلمي؟‬ ‫‪.1‬‬
‫ما هي مصادر هذه الحقوق؟‬ ‫‪.2‬‬
‫ما هي ضمانات حقوق الحيوان في الفقه السلمي؟‬ ‫‪.3‬‬
‫حدود المشكلة‪:‬‬
‫ليسعى هذا البحث إلى بحث الحكام المتعلقة بالحيوان‪ ,‬كما ليس من‬
‫هدفه مقارنة أقوال الفقهاء في المور المتعلقة بحقوق الحيوان ‪ ,‬وإنما‬
‫اعتبرنا كل رأي من الراء التي تقرر حقا ً من حقوق الحيوان ‪ ,‬تمثل الفقه‬
‫السلمي ‪ ,‬لنه ليس بمقدور مذهب فقهي واحد إبراز عظمة وعبقرية‬
‫الفقه السلمي وتميزه ‪,‬في جوانب الحياة المختلفة على مر العصور‪,‬‬
‫أدبيات الدراسة‪:‬‬
‫كثيرة هي الكتب التي تتحدث عن الحكام المتعلقة بالحيوان والرفق به ‪,‬‬
‫إل أن معظم ما اطلعنا عليه من كتابات لم تبرز الجوانب التشريعية‬
‫الرائعة والرائدة في ميدان حقوق الحيوان‪ ,‬فكان معظم الكتابات يدور‬
‫حول الرفق بالحيوان‪ ,‬كما أن تلك الكتابات ‪ ,‬أغفلت إلى حد كبير ضمانات‬
‫حق الحيوان‪ ,‬لن حقا ً لضمانة له حق ضائع‪.‬‬
‫لذلك حاولت في هذا البحث أن أبرز مصادر حقوق الحيوان في الفقه‬
‫السلمي‪ ,‬ثم قمت بتصنيف هذه الحقوق ‪ ,‬وبيان كيفية تحقيقها‪ ,‬وأخيرا ً‬
‫بيان أهم الضمانات لتلك الحقوق ‪ ,‬مما يجعلها حقوقا ً ‪ ,‬لمجرد توجيهات‬
‫وإرشادات‪ ,‬وهذا ما يتميزه به هذا البحث‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اعتمدت في هذا البحث على المناهج التية‪:‬‬
‫المنهج الستقرائي‪ :‬لم يتناول الفقهاء حقوق الحيوان في‬ ‫‪(1‬‬
‫كتاب أو باب مستقل ‪,‬وإنما كانت التشريعات المتعلقة بها موزعة في‬
‫جميع أبواب وموضوعات الفقه السلمي‪ ,‬لذا كان لبد من تتبع هذه‬

‫‪ 1‬أشار "معهد سياسات الرض"‪ ،‬الذي يأخد من واشنطن مركزًا له إلى أن الصين إستهلكت ‪ 64‬مليون طن من اللحم في العام ‪2004‬‬
‫مقابل ‪ 38‬مليون طن للوليات المتحدة‪ ,‬وإذا كان عدد سكان الصين هو ‪1300‬مليون إنسان ‪ ,‬وعدد سكان الوليات المتحدة حوالي ‪300‬‬
‫مليون نسمة‪ ,‬فإن ناتج القسمة يكون على النحو التي‪:‬‬
‫‪ (1‬حصة الفرد الصيني السنوية من اللحم هي ‪ 49.23‬كيلو غرام‪.‬‬
‫‪ (2‬بينما حصة الفرد المريكي هي ‪ 126.66‬كيلو غرام‪ ,‬وهي أعلى نسبة في العالم‪.‬‬
‫أنظر ذلك التقرير في ‪ BBCArabic.com‬اقتصاد وأعمال ‪ ,‬الصين أكبر مستهلك على النطاق العالمي‪ ,‬الخميس ‪ 17‬فبراير ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪, http://www.kefaya.org/05znet/050408feesh.htm 2‬خالد الفيشاوي ‪ ,‬بيان حركة تحرير الحيوان ‪8 ,‬ابريل ‪ ,2005‬حيث‬
‫جاء فيه ‪) :‬ويعتبر المريكيون هم أكثر شعوب الرض توحشا وقسوة حيث يبلغ متوسط استهلك الفرد من اللحوم ‪ 111‬كيلو جراما‬
‫سنويا‪ ،‬يليهم الستراليون ‪ 90‬كيلوجراما سنويا‪ ،‬والنجليز ‪ ،70‬أما شعوب العالم الثالث فينخفض معدل الستهلك ليقل عن كيلو جرام‬
‫واحد سنويا في معظم البلدان‪(.‬‬
‫‪4‬‬

‫الحقوق واستقرائها ‪ ,‬لتصنيفها وتحديدها‪ ,‬لذا كان المنهج الستقرائي‬


‫من ضرورة هذا العمل‪.‬‬
‫المنهج التحليلي‪ :‬وقد اعتمدت عليه في تحليل النصوص‬ ‫‪(2‬‬
‫والقوال المتعلقة بتلك الحقوق‪ ,‬وتوظيفها بما يخدم فكرة البحث‬
‫ويساهم في حل مشكلته‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫تناولت هذا الموضوع في ثلثة مباحث هي ‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مصادر حقوق الحيوان‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أهم حقوق الحيوان‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ضمانات حقوق الحيوان‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬أهم نتائج البحث‪.‬‬
‫وأخيرا ً فقد حاولت في نهاية هذا البحث أن أتقدم بمشروع قانون مقترح‬
‫ينظم حقوق الحيوان في الفقه السلمي‪ ,‬قمت بصياغة مواده من الحكام‬
‫الفقهية الواردة في هذا البحث نصا ً أو دللة‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪,‬‬

‫المبحث الول‬
‫مصادر حقوق الحيوان‪:‬‬
‫المطلب الول‬
‫‪5‬‬

‫النصوص الشرعية‬
‫وهي نوعان ‪:‬‬
‫أول ً النصوص العامة‪ :‬وهي التي تأمر المسلم بالرفق والحسان‪,‬‬
‫في تعامله مع كل ما في هذا الوجود‪ ,‬وتنهاه عن الفساد والفساد في‬
‫الرض‪ ,‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن وَِإيَتاء ِذي‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬‫ل َوال ِ ْ‬‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َأ ُ‬ ‫قال تعالى ‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫‪(1‬‬
‫ن{‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ي ي َعِظ ُك ُ ْ‬‫منك َرِ َوال ْب َغْ ِ‬‫شاء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫قْرَبى وَي َن َْهى عَ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫]‪:90‬النحل [‬
‫وجه الدللة في الية الكريمة‪:‬‬
‫في الية أمر بالمصالح وأسبابها ‪ ,‬ونهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ‪,‬‬
‫وهذا نهي عن المفاسد وأسبابها‪ ,3‬وقد اعتبرالعز بن عبدالسلم هذه‬
‫الية أجمع آية في القرآن للحث على المصالح كلها ‪ ,‬والزجر عن‬
‫المفاسد بأسرها‪ ,4‬ويقول ابن العربي فيها‪) :‬وأما الحسان في العمل‬
‫فالحسن ما أمر الله به ‪ ,‬حتى إن الطائر في سجنك ‪ ,‬والسنور في‬
‫ً ‪5‬‬
‫دارك ‪ ,‬لينبغي أن تقصر في تعهده ‪,‬ويقال الحسان أل تترك لحد حقا(‬
‫َ‬
‫ك‬‫سد َ فِي َِها وَي ُهْل ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫ذا ت َوَّلى َ‬ ‫قال تعالى ‪} :‬وَإ ِ َ‬ ‫‪(2‬‬
‫ساد َ { ]‪:205‬البقرة[‬ ‫ف َ‬
‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َيُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ل َوالل ُ‬‫س َ‬
‫ث َوالن ّ ْ‬‫حْر َ‬‫ال ْ َ‬
‫وجه الدللة في الية الكريمة‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫تنعى الية على أولئك الذين يعملون الفساد في الرض بإتلف الزرع ‪,‬‬
‫وإهلك الحيوان وإفنائه دونما مقصد شرعي ‪ ,‬يقول الطبري ‪...) :‬والمراد‬
‫بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي ليحل قتله‬
‫بحال ‪,‬والذي يحل قتله في بعض الحوال إذا قتله بغير حق ‪,‬بل ذلك كذلك‬
‫عندي ‪ ,‬لن الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا ً دون شيء بل‬
‫‪7‬‬
‫عمه ‪,‬وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل(‬
‫روى المام مسلم قال‪ :‬ركبت عائشة بعيرا ً فكانت فيه صعوبة‬ ‫‪(3‬‬
‫فجعلت تردده ‪ ,‬فقال رسول الله‪ ‬عليك بالرفق ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ووجه الدللة واضح في الحديث ‪,‬أن النبي ‪ ‬طلب من عائشة رضي‬


‫الله عنها الرفق بالبعير الذي تسوقه ‪ ,‬وقال لها في رواية ‪) :‬إن الرفق‬
‫‪9‬‬
‫ليكون في شيء إل زانه ‪ ,‬ولينزع من شيء إل شانه(‬
‫ثانيا ً النصوص الخاصة ‪ ,‬وهي النصوص التي كان موضوعها مختصا ً‬
‫ببيان حقوق الحيوان ‪ ,‬ووجوب رعاياتها‪ ,‬والنهي عن انتهاكها والخروج‬
‫‪.‬عليها‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬عذبت‬ ‫‪(1‬‬
‫‪10‬‬
‫إمرأة في هرة سجنتها حتى ماتت ‪,‬فدخلت فيها النار لهي‬
‫‪ 3‬عز الدين بن عبدالسلم‪,‬قواعد الحكام في مصالح النام‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,1‬ص ‪156‬‬
‫‪ 4‬عز الدين بن عبدالسلم‪,‬قواعد الحكام‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪189‬‬
‫‪ 5‬محمد بن عبدال الندلسي ابن العربي‪,‬أحكام القرآن‪ ,‬بيروت ‪,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,3‬ص ‪155‬‬
‫‪ 6‬يقول الطبري ‪ ) :‬السعي في كلم العرب العمل(‪ ,‬محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري‪,‬جامع البيان عن آي القرآن‪,‬بيروت‪ ,‬دار‬
‫الفكر‪1405,‬هـ‪,‬ج ‪,2‬ص ‪316‬‬
‫‪ 7‬الطبري‪,‬جامع البيان‪1405,‬هـ‪,‬ج ‪ ,2‬ص ‪318‬‬
‫‪ 8‬رواه مسلم في كتاب البر والصلة والداب ‪ ,‬باب فضل الرفق‪.‬‬
‫‪ 9‬رواه مسلم في كتاب البر والصلة والداب ‪ ,‬باب فضل الرفق‪.‬‬
‫‪ 10‬والمعنى عذبت بسبب هرة ‪ ,‬أبو زكريا يحيى بن شرف النووي‪,‬صحيح مسلم بشرح النووي‪1981 ,‬م‪ ,‬ج ‪,14‬ص ‪ ,240‬وفي الحديث‬
‫دليل على أن في تستعمل للتعليل ‪,‬ابن حجر العسقلني‪,‬فتح الباري‪ ,‬ج ‪,1‬ص ‪317‬‬
‫‪6‬‬

‫أطعمتها وسقتها إذ حبستها ‪,‬ولهي تركتها تأكل من خشاش‬


‫‪11‬‬
‫الرض‬
‫‪12‬‬
‫وقوله خشاش الرض‪ ,‬بفتح الخاء ‪ ,‬ويجوز ضمها وكسرها ‪ ,‬هو ما لطف‬
‫جرمه ‪ ,‬وصغر حجمه ‪ ,‬وكان عديم السلح‪ ,13‬والمراد هوام الرض‬
‫وحشراتها‪.14‬‬
‫و الحديث يدل على تحريم حبس الهرة وما يشابهها من الدواب بدون‬
‫‪15‬‬
‫طعام وشراب ‪ ,‬لن ذلك من تعذيب خلق الله ‪ ,‬وقد نهى عنه الشارع ‪,‬‬
‫وهو يدل على حق الحيوان في الحياة ‪ ,‬وعلى تحريم قتله أوتعذيبه لغير‬
‫مقصد شرعي‪,‬لن الله تعالى عذب المرأة على ذلك الفعل ‪ ,‬ولو أن فعلها‬
‫محرم لما استحقت العذاب‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪) :‬بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه‬ ‫‪(2‬‬
‫ً‬
‫العطش‪ ,‬فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج ‪ ,‬فإذا كلب يلهث‬
‫يأكل الثرى من العطش فقال الرجل ‪ :‬لقد بلغ هذا الكلب من‬
‫العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ‪,‬فنزل البئرفمل خفه ثم أمسكه‬
‫بفيه حتى رقى فسقى الكلب ‪ ,‬فشكر الله له فغفر له‪ ,‬قالوا ‪:‬‬
‫يارسول الله ‪ ,‬إن لنا في البهائم أجرًا؟فقال ‪ :‬في كل كبد رطبة‬
‫‪16‬‬
‫أجر‪.‬‬
‫ووجه الدللة في الحديث‪:‬‬
‫دل الحديث على حق الحيوان في الحياة‪ ,‬وعلى حقه في رفع اللم‬
‫والمعاناة عنه‪ ,‬بدليل المغفرة لذلك الرجل بفعل السقاية للكلب‪ ,‬وهذا يدل‬
‫على أن ما قام به من فعل طاعة لله‪ ,‬كما أن الحديث اعتبر الحسان إلى‬
‫كل ما فيه روح فعل ً مثابا ً عليه‪ ,‬وفي هذا تحضيض على ذلك الفعل‪.17‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫مقاصد الشريعة‬
‫حكم التي تسعى الشريعة لتحقيقها‬ ‫مقاصد الشريعة ‪ :‬هي المعاني وال ِ‬
‫من تشريعها للحكام‪.18‬‬
‫وكان من مقاصد الشريعة المحافظة على الحيوان ‪ ,‬ومنع الضرار به إل‬
‫لمصلحة راجحة‪ ,‬ولغاية شرعية‪.‬‬
‫ويظهر دور مقاصد الشريعة في المحافظة على حقوق الحيوان في‬
‫التي‪:‬‬
‫منع المفسدة الواقعة بالحيوان‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫من المقرر في التشريع السلمي ‪ ,‬أن تحقيق المصلحة سواء كان ذلك‬
‫بجلب المنفعة ‪ ,‬أو درء المفسدة ‪ ,‬هو مقصد الشريعة‪ ,‬لذلك كان منع‬
‫المفسدة التي تلحق بالحيوان سواء بحقه في الحياة أو في الغذاء‪,‬أو‬
‫غيرها أحد مقاصد الشريعة ‪ ,‬وقد أثبت الفقهاء الكثير من الحكام التي‬

‫‪ 11‬رواه مسلم في كتاب ‪ ,‬قتل الحيات ونحوه‪ ,‬باب تحريم قتل الهر‪.‬‬
‫‪ 12‬محمد بن علي الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪ ,‬دار الحديث‪ ,‬ج ‪,7‬ص ‪8‬‬
‫‪ 13‬أبو عثمان عمرو بن بحر ‪,‬كتاب الحيوان‪,‬تحقيق عبدالسلم هارون‪,‬بيروت‪ ,‬دار الجيل‪,‬ج ‪,1‬ص ‪28‬‬
‫‪ 14‬الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪,‬ج ‪,7‬ص ‪8‬‬
‫‪ 15‬الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪,‬ج ‪,7‬ص ‪8‬‬
‫‪ 16‬رواه ومسلم‪ ,‬في كتاب قتل الحيات ونحوها باب فضل ساقي البهائم المحترمة‪.‬‬
‫‪ 17‬النووي‪,‬صحيح مسلم بشرح النووي‪,‬ج ‪,14‬ص ‪241‬‬
‫‪ 18‬أنظر محمد الطاهر بن عاشور ‪ ,‬مقاصد الشريعة السلمية‪,‬تونس‪ ,‬الشركة التونسية للتوزيع‪,‬بدون تاريخ‪ ,‬ص ‪.51‬‬
‫‪7‬‬

‫ترفع الفساد الواقع على الحيوان ‪ ,‬ومن الحكام التي شرعها الفقهاء بناء‬
‫على ذلك ما ذكره ابن قدامة‪:‬‬
‫)من ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها‪ ,‬وبه‬
‫قال الليث والحسن بن صالح وإسحاق ‪ ,‬إل أن يكون تركها ليرجع إليها ‪ ,‬أو‬
‫ضلت منه ‪ ,‬وقال مالك هي لمالكها الول ويغرم ما أنفق عليها ‪ ,‬وقال‬
‫الشافعي وابن المنذر هي لمالكها والخر متبرع بالنفقة (‬
‫وقد استدل ابن قدامة بالدلة التية‪:‬‬
‫ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله‬ ‫‪.1‬‬
‫عليه وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها‬
‫‪19‬‬
‫فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له‪.‬‬
‫ولن في الحكم بملكها‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إحياءها وإنقاذها من الهلك ‪,‬‬ ‫•‬
‫وحفظا ً للمال عن الضياع‬ ‫•‬
‫ومحافظة على حرمة الحيوان‪,‬‬ ‫•‬
‫وفي القول بأنها لتملك تضييع‬ ‫•‬
‫‪20‬‬
‫لذلك كله من غير مصلحة‬
‫والتعليل بالمصلحة واضح في هذه الدلة‪.‬‬
‫منع المفسدة المتوقعة على الحيوان‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫ليكتفي التشريع السلمي برفع الفساد الواقع ‪ ,‬وإنما يعمل جاهدا لرفع‬
‫الفساد المتوقع ‪,‬لن مآله في النهاية فساد كالفساد الواقع‪,‬ومن الدلة‬
‫التشريعية التي تمنع الفساد المتوقع قبل وقوعه سد الذرائع‪ ,‬وقد اعتمد‬
‫عليه الفقهاء في تقرير حقوق الحيوان‪ ,‬ومن المثلة على ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫منع الفقهاء بيع الديكة لمن‬ ‫‪(1‬‬
‫‪21‬‬
‫يهارش بها‪ ,‬والكباش لمن يناطح بها ‪ ,‬والدابة لمن يحملها فوق‬
‫طاقتها‪.22‬‬
‫نص الفقاء على انه يحرم على مالك الدابة‬ ‫‪(2‬‬
‫‪23‬‬
‫أن يحلب من لبنها ما يضر بولدها ‪ ,‬لن كفايته واجبة على مالكه ‪.‬‬
‫وهذه الحكام هي من باب العمل بسد الذرائع ‪ ,‬تحقيقا ً لمصلحة‬
‫الحيوان‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫القياس‬
‫استند الفقهاء إلى القياس كثيرا ً لثبات حقوق الحيوان ‪ ,‬وبيان حدودها و‬
‫ة‬
‫ضوابطها‪ ,‬ولبيان حكم العتداء عليها‪ ,‬ومن المعلوم أن القياس حج ٌ‬
‫ة ومصدٌر من المصادر التي يعتمد عليها في إثبات الحكام‪,‬ومن‬ ‫شرعي ٌ‬
‫الحقوق التي أثبتها الفقهاء بالقياس ما يأتي ‪:‬‬
‫نص الفقهاء على عدم جواز قتل الهر إذا سرق مرة ‪,‬‬ ‫‪(1‬‬
‫ولم يتكررمنه فعل السرقة ‪ ,‬فل يقاس على الميئوس منه‬

‫‪ 19‬حديث مرسل رواه أبوداود في كتاب البيوع باب من أحيا حسيرًا‪ ,‬حديث ‪ 3523‬رقم ‪,‬سليمان بن الشعث السجستاني‪ ,‬سنن أبي داود‬
‫تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 20‬ابن قدامة ‪ :‬المغني ‪ ,‬ج ‪,6‬ص ‪ 33‬المسألة رقم ‪4553‬‬
‫‪ 21‬أحمد سلمة القليوبي وأحمد البرسلي عميرة‪,‬حاشيتا قليوبي وعميرة‪,‬بيروت ‪,‬دار إحياء اكتب العربية‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪229‬‬
‫‪ 22‬أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي ‪,‬تحفة المحتاج في شرح المنهاج‪ ,‬بيروت دار إحياء التراث العربي‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪317‬‬
‫‪ 23‬منصور بن يونس البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع عن متن القناع‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,5‬ص ‪494‬‬
‫‪8‬‬

‫من النسان والحيوان‪,‬وهذا يسمى بقياس العكس‪ ,24‬يقول‬


‫الحطاب في حكم ذلك ) إذا وقع ذلك منه فلتة ‪ ,‬فل يوجب‬
‫قتله ‪ ,‬فل يكون كالميئوس من استصلحه من الدميين‬
‫‪25‬‬
‫والبهائم(‬
‫عدم جواز قتل الحيوان في حال الحرب لغاظة العداء‬ ‫‪(2‬‬
‫ً‬
‫وكسر شوكتهم‪ ,‬قياسا على عدم جواز قتل نسائم وصبيانهم‪,‬‬
‫فقد جاء في المغني في تعليل ذلك ‪) :‬ولنه حيوان ذو روح‬
‫فلم يجز قتله لغيظ المشركين ‪ ,‬كنسائهم وصبيانهم(‪. 26‬‬
‫يجب على مالك الماء أن يبذله للحيوان المضطر ‪,‬‬ ‫‪(3‬‬
‫وليجوز له تركه يهلك عطشا ً ‪ ,‬قياسا ً على وجوب بذله‬
‫للنسان‪ ,‬يقول الصنعاني ‪ ):‬وكما يجب سد رمق الدمي‬
‫المضطر كذلك غيره من سائر الحيوانات التي لتؤكل ‪,‬‬
‫‪27‬‬
‫وليجوز قتلها(‬
‫وجوب الفطار لتخليص حيوان محترم من الهلك ‪ ,‬مع‬ ‫‪(4‬‬
‫ً‬
‫وجوب القضاء والفدية ‪ ,‬قياسا على المرأة المرضع‪ ,‬يقول‬
‫الشربيني في تعليل ذلك ) لنهم نزلوا الحيوان المحترم‬
‫في وجوب الدفع عنه منزلة الدمي المعصوم(‪,28‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫العرف العام‬
‫يعتبر العرف‪ 29‬أحد الدلة والمصادر في التشريع‪ ,‬حيث ليكون هناك دلي ٌ‬
‫ل‬
‫غيُره ‪ ,‬ويحتج به في بناء الحكام الشرعية والترجيح القضائي‪ ,‬وفي مجال‬
‫حقوق الحيوان كان للعرف دوٌر في إقرار تلك الحقوق ‪ ,‬وبيان الثار‬
‫المترتبة عليها‪ ,‬وقد أشار الفقهاء إلى ذلك في الكثير من أحكامهم ‪ ,‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫أن من أودع عنده شخص دابة ‪,‬‬ ‫‪(1‬‬
‫ً‬
‫ولم يأمره صاحبها بإطعامها ول سقايتها‪ ,‬كان ملزما بذلك‪,‬‬
‫لن ذلك من تمام الحفظ الواجب ‪ ,‬لن العرف يقتضي‬
‫إطعامها وسقايتها‪ ,‬فهو مأمور به عرفا ً ‪ ,‬والواجب عرفا ً‬
‫كالواجب نصا ً ‪ ,‬فإن لم يعلفها أو لم يسقها فماتت جوعا ً أو‬
‫عطشا ً ‪ ,‬ضمنها الوديع لتقصيره في الحفظ ‪ ,‬وتعديه بترك ما‬
‫ً ‪30‬‬
‫أمر به عرفا‬

‫يجوز لصاحب الحيوانات والبهائم‬ ‫‪(2‬‬


‫سقايتها من الجداول والنهار المملوكة ‪ ,‬إذا كان ذلك ليضر بها‬
‫أو بمالكها‪ ,‬بدللة الذن العرفي‪.31‬‬
‫‪ 24‬قياس العكس‪ :‬هو إثبات نقيض الحكم في غيره لفتراقهما في علة الحكم ‪ ,‬بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي‪,‬البحر المحيط‪,‬دار‬
‫الكتبي‪,‬ج ‪ ,7‬ص ‪60‬‬
‫‪ 25‬الحطاب‪ :‬مواهب الجليل ‪,‬ج ‪,3‬ص ‪236‬‬
‫‪ 26‬ابن قدامة ‪ :‬المغني ‪ ,‬ج ‪ ,9‬ص ‪232‬المسألة رقم ‪7580‬‬
‫‪ 27‬العنسي‪,‬التاج المذهب لحكام المذهب‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪295‬‬
‫‪ 28‬محمدبن أحمد الشربيني‪ ,‬مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج‪,‬بيروت‪,‬دار الكتب العلمية‪,‬ج ‪,2‬ص ‪175‬‬
‫‪ 29‬العرف ‪ :‬هو عادة جمهور في قول أو فعل‪ ,‬وهذا من أحسن التعاريف التي وقفنا عليها للعرف‪ ,‬وهو للعلمة مصطفى الزرقا‪,,‬‬
‫مصطفى أحمد الزرقا‪ ,‬المدخل الفقهي العام ‪,‬بيروت‪)1968 ,‬ط ‪ (10‬دار الفكر‪,‬ج ‪, 2‬ص ‪840‬‬
‫‪ 30‬منصور بن يونس البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع عن متن القناع‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪170‬‬
‫‪ 31‬عز الدين بن عبدالسلم‪,‬قواعد الحكام‪,‬ج ‪,2‬ص ‪133‬‬
‫‪9‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حقوق الحيوان‬
‫أثبتت الشريعة السلمية للحيوان جملة من الحقوق ‪,‬تسعى إلى تحقيق‬
‫مقصد خلقه ‪ ,‬وغاية وجوده‪ ,‬وهذه الحقوق تؤول في النهاية لمنفعة‬
‫ومصلحة النسان ‪ ,‬لن الحيوان إنما خلق لمنفعة النسان ‪ ,‬فأضحت‬
‫ة للنسان مآ ً‬
‫ل‪,‬‬ ‫مصلحته حال ً مصلح ً‬
‫وفي المطالب التية نبين أهم هذه الحقوق‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫حق الحيوان في الحياة‪.‬‬
‫للحيوان الحق في الحياة ‪ ,‬يجب المحافظة له عليها ‪ ,‬وهذه الحياة مقيدة‬
‫بأن لتكون على حساب غذاء أو مصلحة أو حياة النسان‪ ,‬يقول الصفهاني‬
‫‪) :‬واعلم أن كل ما أوجد في هذا العالم فإنما أوجد لجل النسان ‪ ,‬إما‬
‫لنتفاعه به كالخيل والبغال والحمير ‪ ,‬أو الغذية له كالبقر والغنم والحبوب‬
‫‪32‬‬
‫والثمار ‪ ,‬وإما لنتفاع ما ينتفع به النسان كالعشب والحشرات(‬
‫ويظهر هذا الحق في المور التية‪:‬‬
‫لحرمة قتل الحيوان لغير منفعة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫من المور التي لشك فيها أن مصلحة النسان مقدمة على مصلحة‬
‫الحيوان‪,‬لن كل ما في هذه الوجود خلق لمنفعة النسان ومصلحته‪ ,‬قال‬
‫ميعًا{ ]‪:29‬البقرة[‪ ,‬والمعنى‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِفي ال َْر‬ ‫كم ّ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى }هُوَ ال ّ ِ‬
‫كما يقول الطبري ‪) :‬أن الرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع (‪,33‬وقوله‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ن ‪ ،‬وَل َك ُ ْ‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬‫مَنافِعُ وَ ِ‬ ‫فٌء وَ َ‬ ‫م ِفيَها دِ ْ‬ ‫قَها ل َك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى}َوالن َْعا َ‬
‫كوُنوا‬‫م تَ ُ‬ ‫م إ َِلى ب َل َدٍ ل َ ْ‬ ‫قال َك ُ ْ‬‫ل أ َث ْ َ‬‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫ن ‪ ،‬وَت َ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬‫حي َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ميَر‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫غا‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ َ ْ َ َِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ؤو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫غي‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫َ َ ِ‬ ‫ٌ َ ِ ٌ‬ ‫ِ ِ ّ َ ّ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ّ‬
‫ن{ ]‪:8‬النحل[‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫خلقُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ة وَي َ ْ‬ ‫ها وَِزين َ ً‬ ‫ل ِت َْرك َُبو َ‬
‫وقد قرر الفقهاء بناء على ذلك أن المصلحة المتحققة للنسان‬
‫أولى من المفسدة التي تلحق بالحيوان‪ ,34‬وقرر الفقهاء أنه ليجوز‬
‫إيثار البهيمة وتقديمها على النفس ‪ ,‬يقول الزركشي ‪) :‬ول خلف أنه ليحل‬
‫إيثار البهيمة ‪ ,‬وكيف يظن هذا ‪ ,‬ويجب قتل البهيمة لستبقاء المهجة (‪,35‬‬

‫‪ 32‬أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل‪ ,‬المعروف بالراغب الصفهاني ‪ ,‬الذريعة إلى مكارم الشريعة ‪,‬تحقيق أبو اليزيد العجمي‬
‫‪,‬القاهرة ‪ ,‬دار الصحوة‪ ,‬ط ‪,1,1985‬ص ‪84‬‬
‫‪ 33‬الطبري‪,‬جامع البيان‪,‬ج ‪,1‬ص ‪190‬‬
‫‪ 34‬يقول العز بن عبدالسلم ‪) :‬ومفسدة هلك النسان أعظم من مفسدة هلك الحيوان(‪ ,‬عبدالعزيزبن عبد السلم‪ ,‬قواعد الحكام في‬
‫مصالح النام‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الكتب العلمية‪,‬ص ‪,74‬ويقول أيضًا ‪) :‬ذبح الحيوان المأكول للتغذية مفسدة في حق‬
‫الحيوان‪ ,‬لكنه جاز تقديما ً لمصلحة بقاء النسان على مصلحة بقاء الحيوان(‪ ,‬قواعد الحكام في مصالح النام‪,‬ج‬
‫‪,1‬ص ‪102‬‬
‫‪ 35‬بدر الدين بن محمد بن بهادر الزركشي ‪,‬المنثور في القواعد الفقهية‪,‬تحقيق تيسير فائق ‪,‬وزارة الوقاف الكويتية‪,‬ج ‪,1‬ص ‪212‬‬
‫‪10‬‬

‫ويقول النووي ‪):‬وكذا ليؤثر بهيمة على نفسه(‪ ,36‬والعلة في ذلك ما ذكره‬
‫ابن حجرمن أن ) حرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان(‪.37‬‬
‫وبناء على ذلك يجوز ذبح الحيوان للكل ‪ ,‬أو للنتفاع بجلده أو غيره‪ ,‬وفي‬
‫هذه الحال يسقط حق الحيوان في الحياة‪ ,‬كذلك يجوز ركوبه وتحميله‬
‫الثقال‪ ,‬أما قتل الحيوان أو ذبحه لغير مأكلة أو منفعة حاصلة للنسان فقد‬
‫نص الفقهاء على حرمة ذلك الفعل وعدم جواز القيام به‪ ,‬ويجب منعه‪,‬‬
‫والحيلولة دون وقوعه‪ ,‬ومن الدلة على ذلك ‪:‬‬
‫ن {‪] ,‬‬ ‫م َل ي َ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫جُنود ُهُ وَهُ ْ‬
‫ن وَ ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما ُ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫حط ِ َ‬‫قوله تعالى ‪َ } :‬ل ي َ ْ‬
‫‪:18‬النمل[‪ ,‬يقول القرطبي في تفسيرها ‪) :‬فقولها وهم ليشعرون التفاتة‬
‫مؤمن أي من عدل سليمان وفضله ‪ ,‬وفضل جنوده ليحطمون نملة فما‬
‫فوقها إل بأل يشعروا (‪, 38‬وهذا يدل على أن المؤمن ليصدر منه الذى‬
‫قصدًا‪,‬فهو مصدر أمن وأمان حتى للحيوان العجم‪ ,‬يقول ابن العربي‪:‬‬
‫) فانظر إلى فهمها بأن جند سليمان لم يكن فيهم من يؤذي نملة مع‬
‫القصد إلى ذلك ‪ ,‬والعلم به (‪ ,39‬وهذا هو شأن المؤمن‪.‬‬
‫وقد اعتبر الفقهاء أن حق الحيوان في الحياة راجع إلى حق الله تعالى‬
‫‪40‬‬
‫وهذا يدل أهمية ذلك الحق ‪ ,‬وأهمية المحافظة عليه ‪ ,‬يقول الشربيني ‪:‬‬
‫)ويحرم إتلف الحيوان المحترم للنهي عن ذبح الحيوان إل لكله ‪ ,‬وخالف‬
‫الشجار ‪ ,‬لن للحيوان حرمتين ‪ :‬حق مالكه ‪ ,‬وحق الله تعالى‪ ...‬ولذلك‬
‫يمنع مالك الحيوان من إجاعته وعطشه بخلف الشجار(‪ ,41‬وقد نص‬
‫الفقهاء على حرمة اصطياد المأكول بغير نية الذكاة ‪ ,‬لنه يؤول إلى إهلكه‬
‫بغير مقصد شرعي‪ ,‬مما يجعل الفعل عبثا ً وهو ممنوع شرعا ً ‪. 42‬‬
‫كما يجوز قتل الحيوان لدفع أذاه الذي يلحق بالنسان‪ ,‬أما ما لضرره منه‬
‫فل يجوز قتله ‪ ,‬يقول ابن قدامة ‪) :‬كل ما آذى الناس ‪ ,‬وضرهم في‬
‫أنفسهم وأموالهم ‪ ,‬يباح قتله ‪ ,‬لنه يؤذي بل نفع‪ ,‬أشبه الذئب ‪ ,‬وما‬
‫لمضرة فيه ‪ ,‬ليباح قتله ‪ ,‬لما ذكرنا من الخبر(‪ ,43‬وجواز قتل المؤذي مقيد‬
‫بما يأتي‪:‬‬
‫أن ليندفع أذاه إل بالقتل ‪ ,‬فإن أمكن دفع أذاه بل قتل فل‬ ‫•‬
‫‪44‬‬
‫يجوز قتله ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫ً‬
‫أن يكون أذاه أو ضرره خارجا عن المعتاد والمحتمل ‪.‬‬ ‫•‬
‫وحق الحيوان في الحياة مقدم على حق النبات ‪ ,‬كما أن حرمة الحيوان‬
‫مقدمة على حرمة المال الذي لروح‪ ,‬فإذا تعارض حق الحيوان في الحياة‬
‫مع حرمة المال يقدم الحيوان ويضحى بالمال وليجوز تقديم المال‪ ,‬يقول‬
‫البهوتي ‪) :‬ولو أشرفت السفينة على الغرق فالواجب على الركبان إلقاء‬

‫‪ 36‬يحيى بن شرف النووي ‪ :‬المجموع شرح المهذب ‪ ,‬القاهرة‪,‬المطبعة المنيرية‪,‬ج ‪,9‬ص ‪48‬‬
‫‪ 37‬العسقلني ‪ ,‬فتح الباري‪,‬ج ‪,6‬ص ‪359‬‬
‫‪ 38‬محمد بن أحمد النصاري القرطبي‪,‬الجامع لحكام القرآن‪,‬القاهرة‪ ,‬دار الشعب‪ ,‬ج ‪,13‬ص ‪170‬‬
‫‪ 39‬ابن العربي‪,‬أحكام القرآن‪,‬ج ‪,3‬ص ‪475‬‬
‫‪ 40‬محمد بن أبي بكر الزرعي‪ ,‬المعروف بإبن قيم الجوزية‪ ,‬إعلم الموقعين عن رب العالمين‪,‬تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد‪,‬‬
‫بيروت ‪,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪18‬‬
‫‪ 41‬الشربيني‪ ,‬مغني المحتاج ‪,‬ج ‪,6‬ص ‪37‬‬
‫‪ 42‬مختصر خليل‪ ,‬مطبوع مع شرحه مواهب الجليل ج ‪ ,3‬ص ‪ ,222‬زكريا بن محمد بن زكيا النصاري ‪,‬أسنى المطالب شرح دليل‬
‫الطالب‪ ,‬بيروت ‪,‬دار الكتاب السلمي‪ ,‬ج ‪,1‬ص ‪555‬‬
‫‪ 43‬ابن قدامة ‪ :‬المغني ‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪ 173‬المسألة رقم ‪3156‬‬
‫‪ 44‬أحمد بن محمد بن علي بن حجرالهيثمي‪,‬الفتاوى الفقهية الكبرى‪,‬المكتبة السلمية ‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪240‬‬
‫‪ 45‬الحطاب‪ :‬مواهب الجليل‪ ,‬دار الفكر‪,‬ج ‪,3‬ص ‪236‬‬
‫‪11‬‬

‫بعض المتعة حسب الحاجة ‪ ,‬أي يجب إلقاء ما تظن به النجاة من المتاع ‪,‬‬
‫ولو كله دفعا ً لعظم المفسدتين بأخفهما‪ ,‬لن حرمة الحيوان أعظم‬
‫من حرمة المتاع ‪ ,‬ويحرم إلقاء الدواب المحترمة ‪,‬حيث أمكن التخفيف‬
‫بالمتعة ‪ ,‬وإن ألجأت الضرورة إلى إلقائها أي الدواب ‪ ,‬جاز القاؤها صونا ً‬
‫للدميين (‪ ,46‬ومن المسائل التي ذكرها الفقهاء والتي تدل على تقديم‬
‫حق الحيوان على حرمة المال ما يا يأتي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما لو غصب رجل خيطا فخاط به شيئا ‪ ,‬فإن كان‬ ‫‪(1‬‬
‫ماخاط به لروح فيه وجب عليه نزع الخيط ورده إلى‬
‫صاحبه ‪ ,‬وإن كان فيه روح كالحيوان المحترم فل يجوز نزعه‪,‬‬
‫) إبقاًء لحرمته ‪ ,‬لن حرمة الحيوان آكد من حرمة المال ‪,‬‬
‫‪47‬‬
‫لنه ينجبر برد بدله ‪ ,‬وحق الحيوان لجابر له (‬
‫المحافظة على أجنة الحيوان ‪ ,‬والمنع من العتداء‬ ‫‪(2‬‬
‫ً‬
‫عليها‪ ,‬وقد ذكر الفقها ء صورا من ذلك تثير العجب والدهشة‬
‫من احترام السلم لحق جنين الحيوان في الحياة‪,‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫ما ذكره المام النووي ‪) :‬لو قتل‪ -‬أي المحرم‪-‬‬ ‫•‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صيدا حامل قابلناه بمثله حامل ‪ ,‬ولنذبح الحامل بل‬ ‫ً‬
‫‪48‬‬
‫يقوم المثل حامل ً ويتصدق بقيمته طعاما ً أو يصوم(‬
‫ويقول ابن حجر في الهر) إذا ما اخذ شيئا ً وهرب‬ ‫•‬
‫وغلب على الظن أنه ليدركه فله رميه بنحو سهم‬
‫ليعوقه عن الهرب ‪ ,‬وإن أدى إلى قتله ‪ ,‬ومحله إن‬
‫لم يكن أنثى حامل ً ‪ ,‬وإل لم يجز رميها مطلقا ً‬
‫رعاية لحملها ‪ ,‬إذ هو محترم لم يقع منه‬
‫‪49‬‬
‫جناية ‪ ,‬فل يهدر بجناية غيره(‬
‫حق الحيوان في الحياة زمن الحرب‪.‬‬
‫ولم يكتف فقهاء المسلمين ‪ ,‬بالمحافظة على حق الحيوان في وقت‬
‫السلم فقط ‪ ,‬وإنما حافظوا عليها في زمن الحرب ‪ ,‬فقد منع فقهاء‬
‫المسلمين استهداف الحيوان بالسلح أو غيره مما يؤدي إلى قتله أو‬
‫إيذائه‪ ,‬هذا إذا لم يكن الحيوان مشاركا ً في عملية المداد والسناد‪,‬عن‬
‫سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما بعث أمراء الجنود‬
‫نحو الشام يزيد بن أبي سفيان ‪ ,‬وعمرو بن العاص ‪ ,‬وشرحبيل بن حسنة ‪,‬‬
‫قال‪ ) :‬أوصيكم بتقوى الله عزوجل أغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر‬
‫بالله ‪ ,‬فإن الله تعالى ناصر دينه ولتغلوا ولتغدروا ولتجنبوا ولتفسدوا في‬
‫الرض ولتغرقن نخل ً ولتحرقنها ‪ ,‬ولتعقروا بهيمة ‪,‬ولشجرة تثمر ول‬
‫تهدموا بيعة(‪50‬ويقول المام الشافعي ‪) :‬فلما كان قتل ذوات الرواح من‬
‫البهائم محظورا ً إل بما وصفت لك ‪ ,‬كان عقر الخيل والدواب التي ل راكب‬
‫عليها من المشركين محظورا ً داخل ً في معنى الحظر ‪ ,‬خارجا ً من معنى‬
‫المباح(‪,51‬‬

‫‪ 46‬منصور بن يونس البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع عن متن القناع‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪132 ,4‬‬
‫‪ 47‬زكريا بن محمد بن زكريا النصاري‪ ,‬أسنى المطالب شرح روض الطالب‪, ,‬ج ‪,2‬ص ‪359‬‬
‫‪ 48‬النووي ‪,‬المجموع‪,‬ج ‪,7‬ص ‪433‬‬
‫‪ 49‬ابن حجر الهيثمي ‪,‬الفتاوى الفقهية الكبرى‪,‬ج ‪,4‬ص ‪240‬‬
‫‪ 50‬أحمد بن محمد الطحاوي‪,‬مشكل الثار‪,‬بيروت ودار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,1‬ص ‪145‬‬
‫‪ 51‬الشافعي ‪,‬الم‪,‬ج ‪,4‬ص ‪274‬‬
‫‪12‬‬

‫ولم يكتف الفقهاء المسلمون بالمتناع عن قتل الحيوان وإيذائه ‪ ,‬وإنما‬


‫طالبوا غيرهم بمراعاة هذه الحقوق‪,‬حيث نص المام الشافعي على أن‬
‫المام يشترط على أهل الذمة عقد الذمة ‪,‬أن ليعذبوا بهيمة ‪ ,‬وليقتلوها‬
‫بغير الذبح‪.52‬‬
‫وهذا يدل على البعد الدولي والممي لحقوق الحيوان في التشريع‬
‫السلمي‪.‬‬
‫ثانيا وجوب انقاذه من الهلك ودفع الضرر‬ ‫ً‬
‫عنه‬
‫ليس حق الحيوان في التشريع السلمي مقتصرا ً على حرمة اتلفه‬
‫والعتداء على حياته دون مقصد شرعي ‪ ,‬لن هذا ليعدو كونه فعل ً سلبيا ً ‪,‬‬
‫وإنما ذهب الفقه السلمي إلى أبعد من ذلك ‪ ,‬إذ أوجب على المسلم أن‬
‫يدفع الضرر والذى الذي يلحق بالحيوان بقدر طاقته واستطاعته‪ ,‬وقد‬
‫ذكرنا سابقا ً أن رجل ً دخل الجنة بإحسانه إلى كلب ‪,‬يقول الشربيني ‪ ) :‬أما‬
‫مافيه روح فيجب الدفع عنه إذا قصد إتلفه ما لم يخش على نفسه أو بضع‬
‫سه إتلفا ً محرما ً وجب‬ ‫ي شخصا ً يتلف حيوان نف ِ‬‫لحرمة ‪ ,‬حتى لو رأى أجنب ٌ‬
‫عليه دفعه(‪ ,53‬ويقول العنسي ‪ ) :‬وكما يجب سد رمق الدمي المضطر‬
‫كذلك غيره من سائر الحيوانات التي لتؤكل ‪ ,‬وليجوز قتلها ‪ ,‬وسواء كانت‬
‫له أو لغيره ‪ ,‬فأما لو كانت مما يؤكل وهي له لم يجب ‪ ,‬لكنه يجب تذكيتها‬
‫إذا خشي عليها وليتركها تموت جوعا ً أو عطشا ً أو نحوهما ‪ ,‬وإن كانت‬
‫‪54‬‬
‫لغيره وجب عليه إيثارها مع خشية التضمين(‬
‫ومن الحكام التي شرعها الفقهاء للمحافظة على حق‬
‫الحيوان‪:‬‬
‫إيثار الحيوان المضطر بالماء والعدول إلى‬ ‫‪(1‬‬
‫التيمم‪.‬‬
‫ن‬
‫إذا كان الماء الذي يملكه النسان ليكفي إل لوضوئه ‪ ,‬وكان هناك حيوا ٌ‬
‫م‪ ,‬وإيثار‬ ‫ب على صاحب الماء التيم ُ‬ ‫م ‪ ,‬مضطٌر لذلك الماء ‪ ,‬فإن الواج َ‬ ‫محتر ٌ‬
‫ً‬
‫الحيوان بالماء والعدول إلى التيمم ‪ ,‬ولو كان صاحب الماء ميتا ‪ ,‬فإنه ييمم‬
‫كذلك ويدفع الماء إلى الحيوان ليشرب ‪ ,‬ويعلل الفقهاء ذلك بالمحافظة‬
‫ل اللحم‬ ‫على حياة الحيوان‪ ,55‬ولفرق في ذلك بين أن يكون الحيوان مأكو َ‬
‫َ‬
‫م ‪.57‬‬‫ل ‪ ,‬فإن لم يفعل وتوضأ بالماء كان وضؤه صحيحا ً وأث َ‬
‫‪56‬‬
‫أوغيَر مأكو ٍ‬
‫وجوب سد رمق الحيوان بالغذاء حتى وإن كان‬ ‫‪(2‬‬
‫غيَر مملوك للباذل‪.‬‬
‫يجب على مالك الطعام الزائد عن حاجته ‪ ,‬أن يقدمه للحيوان المضطر ‪,‬‬
‫وليجوز له أن يترك الحيوان يصارع الموت من الجوع وهو قادرعلى‬
‫مساعدته ثم يمتنع‪ ,‬ول فرق في ذلك بين أن يكون الحيوان مملوكا ً له أو‬
‫لغيره‪.58‬‬

‫‪ 52‬الشافعي ‪,‬الم‪,‬ج ‪,4‬ص ‪218‬‬


‫‪ 53‬الشربيني ‪:‬مغني المحتاج‪ ,‬ج ‪,5‬ص ‪528‬‬
‫‪ 54‬العنسي‪,‬التاج المذهب لحكام المذهب‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪295‬‬
‫‪ 55‬الدردير ‪ ,‬الشرح الكبيرمع حاشية الدسوقي‪ ,‬بيروت ‪ ,‬دار إحياء التراث العربي ‪,‬ج ‪,1‬ص ‪162‬‬
‫‪ 56‬الحطاب‪ :‬مواهب الجليل‪,‬ج ‪,1‬ص ‪335‬‬
‫‪ 57‬العنسي‪,‬التاج المذهب لحكام المذهب‪ ,‬ج ‪,1‬ص ‪53‬‬
‫‪ 58‬النووي ‪ :‬المجموع‪,‬ج ‪,9‬ص ‪51‬‬
‫‪13‬‬

‫جواز الفطار للصائم إذا توقف إنقاذ الحيوان‬ ‫‪(3‬‬


‫من الهلك على الفطار‪.‬‬
‫كذلك نص الفقهاء على وجوب الفطار لنقاذ حياة الحيوان من الهلك ‪ ,‬إذا‬
‫توقف النقاذ على الفطار‪ ,‬ويجب عليه القضاء والفدية‪.59‬‬
‫جواز ترك الجمعة والجماعة لنقاذ حياة‬ ‫‪(4‬‬
‫الحيوان‪.‬‬
‫كذلك يجوز للمسلم التخلف عن صلة الجمعة والجماعة ‪ ,‬لنقاذ الحيوان‬
‫من الهلك‪ ,‬جاء في شرح البهجة في مايباح فيه ترك الجمعة والجماعة‪:‬‬
‫‪60‬‬
‫)حفظ الدمي يحتمل أن الحيوان المحترم كالدمي (‬
‫جواز غصب الطعام أو الدواء لحفظ حياته‪.‬‬ ‫‪(5‬‬
‫إذا اضطر المسلم إلى إطعام الحيوان انقاذا ً لحياته‪ ,‬ولم يجد ما يطعمه‬
‫إل مال غيره‪,‬يجوز له إطعامه من ذلك الطعام وإن لم يرض صاحبه بذلك‬
‫بشرط أن ليكون له ضررورة به‪ ,‬وكذلك يجوز له غصب كل ما يؤدي إلى‬
‫حفظ حياته ‪ ,‬كغصب خيط لخياطة جرحه إذا لم يوجد بديل آخر‪ ,‬يقول‬
‫الزركشي في قاعدة الضرورات تبيح المحظورات‪ ) :‬ويجوز غصب الخيط‬
‫لخياطة جرح حيوان محترم إذا لم يجد خيطا ً حلل(‬
‫ً ‪61‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫حق الحيوان في الغذاء‬
‫من الحقوق المقررة للحيوان في التشريع السلمي حقه في الطعام‬
‫والشراب‪ ,‬سواء كان الحيوان مملوكا ً أو غير مملوك‪,‬ويظهر اعتبار التشريع‬
‫السلمي لهذا الحق في المور التية‪:‬‬
‫أول ً حرمة الحيلولة بين الحيوان وبين الغذاء‪,‬‬
‫والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫‪(3‬‬
‫عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬عذبت إمرأة في‬
‫هرة سجنتها حتى ماتت ‪,‬فدخلت فيها النار لهي أطعمتها وسقتها إذ‬
‫حبستها ‪,‬ولهي تركتها تأكل من خشاش الرض‪. 62‬‬
‫ووجه الدلة في الحديث ‪:‬‬
‫ً‬
‫) إن مجرد ربط الحيوان المملوك ليس حراما ‪ ,‬لنه لم يرتب الذم إل‬
‫على ترك إطعامها وإرسالها ‪,‬وقال النووي فيه دليل لتحريم قتل الهرة‪,‬‬
‫وتحريم حبسها بغير طعام أوشراب (‪,63‬‬
‫ثانيا ً وجوب تقديم الغذاء له إن كان قدرا ً عليه‪ ,‬وزائدا ً عن‬
‫حاجته‪.‬‬
‫يحب على مالك الحيوان والدواب ‪ ,‬أن يتعهدها بالطعام والشراب ‪ ,‬ويحرم‬
‫عليه المتناع عن ذلك‪ ,‬هذا ما نص عليه الفقهاء ‪ ,‬ويمكن بيان مظاهر هذا‬
‫الوجوب في المور التية‪:‬‬

‫‪ 59‬النصاري‪,‬أسنى المطالب‪,‬ج ‪,1‬ص ‪ ,429‬الشربيني‪ ,‬مغني المحتاج‪,‬ج ‪,2‬ص ‪175‬‬


‫‪ 60‬النصاري‪,‬شرح البهجة‪ ,‬ج ‪1‬وص ‪411‬‬
‫‪ 61‬الزركشي ‪,‬المنثور في القواعد الفقهية‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪ ,318‬عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪,‬الشباه والنظائر ‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الكتب‬
‫العلمية‪,‬ص ‪84‬‬
‫‪ 62‬رواه مسلم في كتاب ‪ ,‬قتل الحيات ونحوه‪ ,‬باب تحريم قتل الهر‪.‬‬
‫‪ 63‬عبد الرحيم بن حسين العراقي ‪:‬طرح التثريب‪ ,‬بيروت ‪ ,‬دار إحياء التراث العربي ‪ ,‬ج ‪ ,8‬ص ‪243‬‬
‫‪14‬‬

‫حق الصغير في الرضاعة من أمه إذا لم يكن مكتفيا ً‬ ‫‪(1‬‬


‫بغيرها‪,‬‬
‫يحرم على مالك الدابة أن يحلب ما يضر بولدها ‪ ,‬لنه غذاؤه ‪ ,‬وإنما يحلب‬
‫ما فضل عن ِري ولدها ‪ ,‬وهوما يقيمه حتى ليموت ‪....‬وله أن يعدل به إلى‬
‫لبن غير أمه إن استمرأه ‪ ,‬وإل فهو أحق بلبن أمه‪ ,64‬وإذا كان حليب الم‬
‫ليكفي حاجته وجب على صاحبه تكميل غذائه من غيرها ‪.65‬‬
‫سه ‪,‬‬‫الحيوان الذي يصنع غذاَءه بنفسه ‪ ,‬وهو في الوقت نف ِ‬ ‫‪(2‬‬
‫غذاٌء للنسان ‪,‬ليجوز للنسان أن يأخذ جميع الغذاء‬
‫ن بل طعام‪ ,‬بل يجب عليه أن يبقي له ما‬ ‫ويتر َ‬
‫ك الحيوا َ‬
‫‪66‬‬
‫يكفيه ‪ ,‬أو أن يزوده بطعام بديل ‪.‬‬
‫نفقة الحيوان واجبة على مالكه حتى وإن فاتت‬ ‫‪(3‬‬
‫ح‪ ,‬وليجوز تركه بل طعام وشراب‪,‬يقول‬ ‫منفعُته ‪ ,‬مادام فيه رو ٌ‬
‫البهوتي ‪ ) :‬وإن عطبت بهيمة فلم ينتفع بها ‪ ,‬فإن كانت مما ليؤكل‬
‫أجبر على النفاق عليها‪ ,‬وإن كانت مأكولة خير بين ذبحها والنفاق‬
‫‪67‬‬
‫عليها(‬
‫هذا ولخلف بين الفقهاء في أن النفقة على الحيوان المملوك واجبة‬
‫ديانة على صاحبه ‪ ,‬يؤمر به من باب المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ,‬ولكنهم اختلفوا في وجوبه قضاء على قولين‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬وهو قول جمهور الحنفية خلفا ً لبي يوسف ‪,‬أن نفقة‬
‫‪68‬‬

‫الحيوان وإن كانت واجبة ديانة إل أنها ليست واجبة قضاًء‪ ,‬فليجبر إل‬
‫من باب المعروف والنهي عن المنكر‪,‬‬
‫ودليلهم في ذلك‪:‬‬
‫إن الجبر على الحق إنما يكون عند الطلب والخصومة من صاحب‬
‫الحق ‪ ,‬ولخصم هنا ‪ ,‬لن الدابة ليست أهل ً للخصومة‪.69‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وهو قول الجمهورومعهم أبو يوسف من الحنفية أن‬
‫نفقة الحيوان واجبة قضاًء كما هي واجبة ديانة‪.‬‬
‫ودليلهم‪:‬‬
‫‪ .1‬لن في ترك النفقة على الحيوان تعذيبا ً له بل فائدة‪ ,‬وتضييعا ً‬
‫للمال ‪ ,‬وهي أمور منهي عنها شرعًا‪ ,‬لنه سفه وخال عن العاقبة‬
‫الحميدة ‪ ,‬والسفه حرام عقل ً‪.70‬‬
‫‪ .2‬لنها نفقة واجبة عليه ‪ ,‬فكان للسلطان إجباره عليها‪. 71‬‬
‫والذي نراه راجحا ً هو قول الجمهور ‪ ,‬لقوة أدلتهم ‪ ,‬ثم إن‬
‫الخصومة‪,‬يمكن أن يتولها المحتسب‪,‬كما في متولى الوقف‪.‬‬

‫‪ 64‬الشربيني ‪:‬مغني المحتاج‪,‬ج ‪ ,5‬منصور بن يونس البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع عن متن القناع‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,5‬ص‪,‬‬
‫‪ ,494‬أحمدبن يحيى بن المرتضى ‪:‬البحر الزخار‪,‬دار الكتاب السلمي ‪ ,‬ج ‪, 4‬ص ‪,284‬‬
‫‪ 65‬النصاري ‪ :‬أسنى المطالب‪ ,‬ج ‪,3‬ص ‪456‬‬
‫‪ 66‬محمد بن شهاب الدين الرملي ‪:‬نهاية المحتاج على شرح المنهاج‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬ج ‪,7‬ص ‪243‬‬
‫‪ 67‬منصور بن يونس البهوتي‪,‬شرح منتهى الرادات‪,‬بيروت‪ ,‬دار الكتب العلمية‪,‬ج ‪,3‬ص ‪247‬‬
‫‪ 68‬مسعود بن أحمد الكاساني‪,‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار الكتب العلمية‪,‬ج ‪,4‬ص ‪40‬‬
‫‪ 69‬الكاساني‪,‬بدائع الصنائع ‪,‬ج ‪,4‬ص ‪40‬‬
‫‪ 70‬الكاساني‪,‬بدائع الصنائع ‪,‬ج ‪,4‬ص ‪40‬‬
‫‪ 71‬ابن قدامة ‪ :‬المغني ‪ ,‬ج ‪,8‬ص ‪,206‬المسألة رقم ‪6579‬‬
‫‪15‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫حقه في منع التعذيب‬
‫القاعدة العامة في التشريع السلمي هي أن الصل هو عصمة بدن‬
‫الحيوان عن اليلم والبتذال ‪,72‬وعليه فإذا لم يكن هناك حاجة معتبرة‬
‫شرعا ً ليلم الحيوان يحرم إيلمه‪,‬وقد نص الفقهاء على الكثير من الصور‬
‫الممنوعة والمحرمة ‪ ,‬لنها تلحق اللم بالحيوان ‪ ,‬وأهمها ما يأتي‪:‬‬
‫أول ً التعذيب بالضرب لغير منفعة‪.‬‬
‫يجوز الحاق اللم بالحيوان إذا كان في إيلمه مصلحة معتبرة شرعا ً‪,73‬‬
‫كمصلحة الترويض والتأديب والعلج‪ ,74‬أو إذا كانت المنفعة راجعة لنسان‪,‬‬
‫وذلك بالشروط التية‪:‬‬
‫أن تكون المنفعة المتحصلة من إيقاع اللم أعظم من‬ ‫‪.1‬‬
‫المفسدة الناشئة عنه‪,‬فإذا كانت المنفعة تافهة في مقابل اللم الذي‬
‫يلحق بالحيوان ‪ ,‬فل يجوز إيقاعها‪.75‬‬
‫التدرج في ايقاع اللم‪ ,‬فإذا تحقق المقصود دون ألم فل يجوز‬ ‫‪.2‬‬
‫اليلم ‪,‬لن اللم بذاته غير مشروع‪ ,‬وإن تحصل بالدنى لم يعدل‬
‫عنه إلى العلى‪.76‬‬
‫أن يكون اللم معتادا ً مألوفًا‪ ,‬أما إذا كان غيَر معتاد ول مألوف‬ ‫‪.3‬‬
‫ً‬
‫‪ ,‬وكان قاسيا شديدا فل يجوز إيقاعه‪ ,‬ومن ذلك الكشف عن الحمل‬ ‫ً‬
‫عند الدواب عند بيعها أو شرائها‪,‬فإن كان الكشف من الخارج‪ ,‬فهو‬
‫جائز ‪ ,‬أما إن كان الكشف داخليا ً بإدخال اليد في الفرج فل يجوز‬
‫ذلك‪ ,‬لن فيه إيلما ً لمبرر له‪ ,‬وهو من تعذيب الحيوان المنهي عنه‬
‫شرعا ً‪.77‬‬
‫ثانيا ً تكليف الحيوان فوق طاقته‪.‬‬
‫للحيوان طاقة معينة وقدرة محددة ليجوز تجاوزها ‪ ,‬وتكليفه من العمال‬
‫ما ليتحمله وليطيقه‪,‬إل بعنت وحرج شديدين‪ ,‬لن في ذلك تعذيبا ً له‪,‬‬
‫وانتهاكا ً لحقه وحرمته‪ ,‬وهو من الضرر المنهي عنه شرعا ً‪ ,78‬ومن الصور‬
‫التي ذكرها الفقهاء في هذا المجال ما يأتي‪:‬‬
‫ة فحملها المؤجُر فوق طاقتها ليجوز للمستأجر الرضى‬ ‫لو استأجر رج ٌ‬
‫ل داب ً‬
‫بذلك‪,‬‬
‫عدم جواز إجارة البهائم المريضة والزمنة)ذات المرض‬ ‫‪‬‬
‫ً‬
‫المزمن(‪ ,‬لن في هذه الجارة تكليفا للحيوان فوق طاقته ‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫ة ‪ ,‬أو دفع أذى‪.‬‬ ‫ثالثا ً إحسان قتلها إذا ما كان في قتلها مصلح ٌ‬
‫بينا سابقا ً جواز قتل الحيوان أو ذبحه لمنفعة مقصودة شرعا ً كمنفعة الكل‬
‫‪ ,‬أو مصلحة دفع الذى‪ ,‬وهذا كله مقيد ٌ بإحسان القتل والذبح ‪,‬لقوله‪: ‬‬

‫‪ 72‬يقول الحطاب‪) :‬إن الصل عدم تعذيب الحيوان(‪ ,‬مواهب الجليل‪ ,‬ج ‪,3‬ص ‪.189‬‬
‫‪ 73‬بل يجوز إلحاق اللم بالنسان نفسه ‪ ,‬كما في حالة العلج أو الصلح ‪ ,‬فالعقوبات لتعدو كونها ألمًا يلحق بالنسان ‪ ,‬إل أنه معتبر‬
‫شرعًا ‪ ,‬لصلح الجاني ‪ ,‬وزجر غيره‪.‬‬
‫‪ 74‬جاء في البحر الرائق‪ ) :‬وفي المحيط أن الصل إيصال اللم إلى الحيوان لمصلحة تعود إلى الحيوان يجوز( زين الدين بن إبراهيم بن‬
‫نجيم‪,‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪,‬بيروت‪ ,‬دار الكتاب السلمي‪,‬ج ‪232 ,8‬‬
‫‪ 75‬عبدالعزيزبن عبد السلم‪ ,‬قواعد الحكام‪,‬ج ‪,1‬ص ‪122‬‬
‫‪ 76‬عبدالعزيزبن عبد السلم‪ ,‬قواعد الحكام ‪,‬ص ‪88‬‬
‫‪ 77‬محمد بن أحمد بن محمد عليش‪ :‬فتح العلي المالك ‪,‬بيروت و دار المعرفة ‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪119‬‬
‫‪ 78‬البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع‪,‬ج ‪,5‬ص ‪494‬‬
‫‪ 79‬علي بن سليمان المرداوي ‪,‬النصاف في معرفة الراجح من الخلف‪ ,‬بيروت ‪ ,‬دار إحياء التراث العربي‪ ,‬ج ‪,6‬ص ‪34‬‬
‫‪16‬‬

‫)إن الله كتب الحسان على كل شيء‪ ,‬فإذا قتلتم فأحسنوا اِلقتلة ‪ ,‬وإذا‬
‫ح ذبيحَته(‪,80‬‬ ‫دكم شفرَته ‪ ,‬ولير ْ‬ ‫ذبح ‪ ,‬وليحد ْ أح ُ‬
‫ذبحتم فأحسنواال ِ‬
‫وقد وضع الفقهاء جملة من المور التي يجب على الذابح اتباعها‪,‬لتخفيف‬
‫ألم الذبح على الحيوان‪,‬ومن ذلك‪:81‬‬
‫أن ليجر الحيوان برجلهاجرًا عنيفًا‪.‬‬ ‫•‬
‫أن ليذبح بسكين كالة غير حادة‪.‬‬ ‫•‬
‫أن ليشرع في السلخ حتى تبرد الذبيحة‪ ,‬وتخرج منها الروح‪.‬‬ ‫•‬
‫وإحسان القتل ليس مقتصرا على الحيوان المأكول بل هو واجب في كل‬ ‫ً‬
‫حيوان حتى المؤذي منها ‪ ,‬كالذئب المفترس‪ ,‬والكلب العقور‪ ,‬فإذا اندفع‬
‫أذاه بالقتل الرفيق ليجوز المعان في اللم ‪ ,‬وعليه فليجوز قتله بما فيه‬
‫تعذيب له ‪ ,‬كأن يحبس ليهلك جوعا ً أو عطشا ً أوغيره‪,82‬والقاعدة العامة أن‬
‫عه‪,‬ما دام أن المقصود يتحقق بدونه‪ ,‬حتى‬ ‫كل ما فيه زيادة ألم ليجوز إيقا ُ‬
‫‪83‬‬
‫وإن كان الذبح أو القتل لغاية مشروعة ‪.‬‬
‫رابعا ً كراهيه حبسها لغير منفعة معتبرة شرعا‪ً.‬‬
‫لخلف بين العلماء في جواز حبس الحيوان لمنفعة تعود عليه أو على‬
‫النسان ‪ ,‬ولكن بشرط أن يتعهده صاحبه بالعناية والرعاية‪ ,‬وأن يحفظ له‬
‫قه في الطعام والشراب‪ ,‬يقول ابن حجر الهيثمي ‪ ) :‬وسئل القفال عن‬ ‫ح َ‬
‫حبس الطيور في أقفاص لسماع أصواتها وغير ذلك فأجاب بالجواز ‪ ,‬إذا‬
‫‪84‬‬
‫تعهدها مالكها بما تحتاج إليه‪ ,‬لنها كالبهيمة تربط(‬
‫‪85‬‬ ‫ً‬
‫إل أن البعض ذهب إلى كراهة ذلك الفعل ‪ ,‬لن فيه تعذيبا للحيوان ‪ ,‬يقول‬
‫السفاريني ‪ ) :‬وقد سئل ابن عقيل حمه الله ورضي عنه عن حبس الطير‬
‫ه وبطٌر يكفينا أن نقدم على ذبحها‬ ‫لطيب نغمتها‪ ,‬فقال طيب الله ثراه‪ :‬سف ٌ‬
‫ة على الطيران‬ ‫ف من الحمام ربما هتفت نياح ً‬ ‫للكل فحسب ‪ ,‬لن الهوات َ‬
‫م بنياحته ؟!‪ ,‬فقد منع‬ ‫وذكر فراخها ‪ ,‬أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا ً ليترن َ‬
‫ً ‪86‬‬
‫من هذا أصحابنا وسموه سفها (‬
‫خامسا ً حرمة التحريش بينها وبين غيرها من النسان‬
‫والحيوان‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫نص الفقهاء على حرمة الغراء بين الحيوانات والتحريش بينها ‪ ,‬لن هذا‬
‫ة معتبرةٌ شرعا ً ‪ ,‬ولنه يؤدي إلى تعذيب الحيوان‬ ‫الفعل ليس فيه مصلح ٌ‬
‫وإيلمه من غير فائدة تعود على الحيوان أو النسان‪ ,‬وقد استند الفقهاء‬
‫في ذلك الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول‬
‫‪88‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم(‬
‫يقول الشوكاني ‪ ) :‬قال في القاموس ‪ :‬التحريش‪ :‬الغراء بين القوم أو‬
‫الكلب ‪ ,‬وظاهر الحديث أن الغراء بين ما عدا الكلب من البهائم ‪ ,‬يقال‬

‫‪ 80‬رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ‪ ,‬باب المر بإحسان الذبح والقتل و تحديد الشفرة‪.‬‬
‫‪ 81‬محمد بن محمد بن أحمد بن الخوة القرشي‪ :‬معالم القربة في معالم الحسبة ‪ ,‬كمبرج‪ ,‬دار الفنون ‪ ,‬ص ‪98‬‬
‫‪ 82‬الرملي ‪:‬نهاية المحتاج ‪,‬ج ‪,7‬ص ‪242‬‬
‫‪ 83‬مجموعة من العلماء‪ :‬الفتاوى الهندية ‪,‬بيروت ‪ ,‬دار الفكر ج ‪,5‬ص ‪288‬‬
‫‪ 84‬ابن حجرالهيثمي ‪,‬تحفة المحتاج ‪,‬ج ‪,9‬ص ‪210‬‬
‫‪ 85‬البهوتي‪,‬شرح منتهى الرادات‪,‬ج ‪,3‬ص ‪593‬‬
‫‪ 86‬محمد بن أحمد بن سالم السفاريني‪,‬غذاء الللباب في شرح منظومة الداب‪,‬مؤسسة قرطبة‪ ,‬ج ‪,1‬ص ‪230‬‬
‫‪ 87‬النووي ‪ :‬المجموع‪,‬ج ‪,6‬ص ‪157‬‬
‫‪ 88‬رواه ابو داود والترمذي بإسناد صحيح ‪ ,‬لكن فيه أبو يحيى القتات ‪ ,‬وفي توثيقه خلف‪,‬وروى له مسلم في صحيحه‪ ,‬النووي ‪:‬‬
‫المجموع ‪,‬ج ‪,6‬ص ‪155‬‬
‫‪17‬‬

‫له تحريش ‪,‬ووجه النهي أنه إيلم للحيوانات واتعاب لها بدون فائدة ‪ ,‬بل‬
‫‪89‬‬
‫مجرد عبث (‬
‫ويدخل في ذلك مصارعة الثيران التي تحدث في بعض دول العالم ‪ ,‬إذ فيه‬
‫من اللم والضرار بالحيوان ما يقطع بتحريمه‪.‬‬
‫سادسا ً عدم حبسها أو جمعها مع ما يؤذيها من الحيوانات‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ليكتفى من مالك الدواب أن يمتنع عن إيذائها ‪ ,‬وإنما يحب عليه أن يمنع‬
‫عنها كل ما يؤذيها من الناس والدواب ‪ ,‬لذلك ليجوز له أن يسمح للطفال‬
‫والسفهاء بالعبث فيها ‪ ,‬وإيذائها بصور اليذاء المختلفة‪ ,‬ومن ذلك أيضا ً أن‬
‫يحبسها مع ما يؤذيها من الحيوانات الخرى‪ ,‬يقول العز‪) :‬حقوق البهائم‬
‫ة مثلها ‪ ,‬ولو زمنت‬ ‫والحيوان على النسان ‪ ,‬وذلك أن ينفق عليها نفق َ‬
‫أو مرضت بحيث لينتفع بها‪ ,‬وأن ليحملها ما لتطيق ‪ ,‬وليجمع بينها وبين‬
‫ما يؤذيها من جنسها أو من غير جنسها بكسر أو نطح أو جرح (‪.90‬‬
‫وكذلك نص الفقهاء على حرمة إنزاء الخيل على البقر ‪ ,‬وعللوا ذلك‬
‫باليذاء الذي يلحق بالبقر من جراء ذلك الفعل‪ ,‬يقول الشربيني‪) :‬قال‬
‫الذرعي ‪ :‬والظاهر تحريم إنزاء الخيل على البقر ‪,‬لضعفها وتضررها بكبر‬
‫‪91‬‬
‫آلة الخيل(‬
‫سابعًاعدم إطعامها ما يؤذيها‪ ,‬أو فوق حاجتها لجل تسمينها‪.‬‬
‫ليجوز إطعام الحيوان طعاما ً أوسقايته شرابا ً يؤذيه لغير فائدة تعود عليه‬
‫أوعلى النسان ‪ ,‬فليحل إطعامه سما ً أو حشيشة ‪ ,92‬أو سقيها الخمر أو ما‬
‫هو مسكر‪ ,‬لن فيه تعذيبا ً لها‪,93‬‬
‫وكذلك كره الفقهاء إجبار الحيوان على الكل أو الشرب فوق طاقته لجل‬
‫تسمينه‪ , 94‬لن في ذلك تعذيبا ً له‪,95‬‬
‫ثامنا ً التفريق بينها وبين ولدها‪.‬‬
‫نص الفقهاء على حرمة التفريق بين البهيمة وولدها ‪ ,‬إذا كان صغيرا ً‬
‫معتمدا ً على أمه في رضاعته ‪ ,‬وحياته متوقفة عليها‪ ,‬أما إذا أخذ الصغير‬
‫‪96‬‬
‫لذبحه فيجوز‪ ,‬لنتفاء التعذيب عنه‪,‬‬
‫وقد نص الفقهاء أيضا ً على أن الراعي إذا استؤجر لرعي الغنام ولم يكن‬
‫عرفه برعاية الولد ‪ ,‬يجب على رب الغنم أن يأتي ‪ ,‬براٍع آخر ليرعى معه‬
‫الصغار ‪ ,‬حتى ليفرق بين الصغار وبين أمهاتها‪ ,97‬ويعلل الدسوقي ذلك‬

‫‪ 89‬الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪ ,‬ج ‪ ,8‬ص ‪99‬‬


‫‪ 90‬عبدالعزيزبن عبد السلم‪ ,‬قواعد الحكام ‪,‬ج ‪,1‬ص ‪167‬‬
‫‪ 91‬الشربيني‪,‬مغني المحتاج‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪194‬‬
‫‪ 92‬ابن حجر الهيثمي ‪,‬الفتاوى الفقهية الكبرى‪,‬ج ‪,4‬ص ‪232‬‬
‫‪ 93‬الرملي ‪:‬نهاية المحتاج ‪ ,‬دار الفكر‪,‬ج ‪,8‬ص ‪14‬‬
‫‪ 94‬وهذا من الدلة على الجوانب الخلقية في القتصاد السلمي ‪ ,‬إذ ليجوز أن يكون تسمين الحيوان بتعذيبه وسيلًة للربح الوفير ‪,‬‬
‫كما تقوم به بعض الدول في الوقت المعاصر‪,‬والدليل على أن ول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن إخصاء الخيل والبهائم‪ ,‬قال ابن عمر‬
‫‪ :‬فيها نماء الخلق ‪.‬‬
‫يقول الشوكاني ‪) :‬الخصاء ‪ :‬سل الخصية ‪ ..‬وفيه دليل على تحريم خصي الحيوانات‪ ,‬وقول ابن عمر فيها نماء الخلق ‪ ,‬أي زيادته ‪,‬‬
‫ل ‪,‬بل لبد من عدم المانع ‪ ,‬وإيلم الحيوان‬ ‫إشارة إلى أن الخصي مما تنمو به الحيوانات ‪ ,‬ولكن ليس كل ما كان جالبًا لنفع يكون حل ً‬
‫ههنا مانع ‪ ,‬لنه إيلم لم يأذن به الشارع ‪ ,‬بل نهى عنه( محمد بن علي الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪ ,‬دار الحديث ‪ ,‬ج ‪ ,8‬ص ‪.99‬‬
‫‪ 95‬علي بن سليمان المرداوي ‪,‬النصاف في معرفة الراجح من الخلف‪ ,‬بيروت ‪ ,‬دار إحياء التراث العربي‪ ,‬ج ‪,9‬ص ‪414‬‬
‫‪ 96‬أحمد بن محمد بن علي بن حجر‪,‬الزواجر عن اقتراف الكبائر‪,‬بيروت‪ ,‬دار الفكر‪,‬ج ‪ ,1‬ص ‪ ,391‬الحطاب‪ :‬مواهب الجليل‪ ,‬ج ‪,4‬ص‬
‫‪ ,370‬محمد بن إسماعيل الصنعاني‪,‬سبل السلم‪,‬دار الحديث‪,‬ج ‪,2‬ص ‪ ,32‬ابن المرتضى ‪:‬البحر الزخار‪,‬ج ‪,4‬ص ‪318‬‬
‫‪ 97‬الحطاب‪ :‬مواهب الجليل‪,‬ج ‪,4‬ص ‪370‬‬
‫‪18‬‬

‫بقوله ‪ ):‬أي ليرعاها مع رعي المهات لمنفردًا‪ ,‬لما فيه من تعذيب‬


‫‪98‬‬
‫الحيوان(‬
‫ً‬
‫ونص الفقهاء أيضا على أن من ملك صيدا يحرم عليه إرساله‪,‬لن فيه‬ ‫ً‬
‫ة للمال‪ ,‬واستثنى الفقهاء جواز ارسال الحيوان لجل ولده الذي‬ ‫إضاع ً‬
‫يموت بفقد والده‪ ,‬بل أوجب الفقهاء إرساله‪ ,‬يقول الزركشي ‪) :‬من ملك‬
‫صيدا ً حرم عليه إرساله إل في صور ‪ :‬أن يحرم ‪ ,‬أو يكون للطائر فرخ‬
‫يموت بحبسه‪ ,‬أو لم يجد ما يطعمه أو ما يذبحه به فيجب إرساله(‪.99‬‬
‫تاسعا ً حرمة المتناع عن مساعدة الحيوان المتألم ‪ ,‬برفع الذى‬
‫واللم عنه‪.‬‬
‫حث السلم المسلم على أن يكون إيجابيا ً في تعامله مع الوجود ‪ ,‬وطالب‬
‫منه المبادرة إلى مساعدة الخرين ‪ ,‬لفرق بين إنسان وغيره‪ ,‬بدليل قوله‬
‫عليه السلم في كل كبد رطبة صدقة‪ ,‬لذلك نص الفقهاء على وجوب رفع‬
‫اللم الذي يلحق بالحيوان ‪ ,‬إذا كان قادرا ً على ذلك ‪ ,‬ولم يكن في ذلك‬
‫إلحاق للذى بنفسه‪ 100,‬ومن الصور التي نص عليها الفقهاء ما يأتي‪:‬‬
‫يجب على مالك الحيوان حمايته من الحر و البرد‬ ‫‪‬‬
‫ً‬
‫الشديدين ‪,‬وذلك بإلباسها لباسا يقيها الحر و البرد إذا كان ذلك يضرها‬
‫ضررًا بينًا ‪. 101‬‬
‫يجب على مالك الدابة حلبها ‪,‬ويحرم عليه تركه ‪,‬إن كان ترك الحلب يضر‬ ‫‪‬‬
‫بها‪,‬ويجب عليه تقليم أظافره قبل حلبها ‪ ,‬إن كان طول أظافره قد تفاحش بحيث يلحق‬
‫الضرر بها تؤذيها‪.102‬‬

‫عاشرا ً حرمة ابتذاله وإهانته‪.‬‬


‫للحيوان حرمة لجل روحه التي أودعها الله تبارك وتعالى فيه‪ ,‬وهو مخلوق‬
‫ومذلل لخدمة النسان ومنفعته‪ ,‬لذلك يجوز للنسان النتفاع به ‪ ,‬بكافة‬
‫صور النتفاع المباحة شرعًا‪ ,‬كالكل والشرب والركوب وغيرها‪ ,‬أما امتهان‬
‫الحيوان وابتذاله فهي مفسدة تلحق بالحيوان من غير أن تتحقق للنسان‬
‫ض إضرار ‪ ,‬وليجوز أن يكون قصد ُ المسلم‬‫ل مح َ‬ ‫ة ‪ ,‬فيغدو الفع ُ‬‫بها منفع ٌ‬
‫ض الضرار بالخرين‪.‬‬ ‫من فعله مح َ‬
‫وقد نص الفقهاء على الكثير من الصور التي يمتهن فيها الحيوان ‪ ,‬وليكون‬
‫ة يجنيها النسان‪ ,‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫لذلك المتهان منفع ً‬
‫تحريم لعن الحيوان وشتمه‪.‬‬ ‫‪(1‬‬
‫ليجوز لعن الحيوان وشتمه ‪ ,‬لن هذا الفعل لتتحقق به مصلحة للنسان ‪,‬‬
‫هذا فضل ً عن كونه فعل ً قبيحا ً ‪ ,‬لن المؤمن ليس بالطعان ول اللعان‪ ,‬كما‬
‫أن ليس فيه منفعة ترجى للحيوان‪ ,‬لن الحيوان ليفهم الشتم واللعن ‪,‬‬
‫فكان فعل ً مجردا ً من الغاية‪ ,‬فهو عبث ‪ ,‬والمؤمن ليفعل العبث‪ ,‬لذلك نص‬
‫الفقهاء على حرمة لعن الدابة‪, 103‬والدليل على ذلك ما رواه المام مسلم‬
‫عن عمران بن حصين قال‪ :‬بينما رسول الله ‪‬في بعض أسفاره وامرأة‬
‫من النصار فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله ‪ ‬فقال خذوا ما‬
‫‪ 98‬محمد بن احمد بن عرفة الدسوقي‪:‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪,‬بيروت ‪ ,‬دار إحياء التراث العربي‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪23‬‬
‫‪ 99‬الزركشي ‪,‬المنثور في القواعد الفقهية‪,‬ج ‪,2‬ص ‪113‬‬
‫‪ 100‬أنظر المثلة على ذلك في المطلب الول‪ ,‬تحت عنوان وحوب إنقاذه من الهلك ‪ ,‬ودفع الضرر عنه‪.‬‬
‫‪ 101‬زكريا بن محمد النصاري ‪ :‬أسنى المطالب شرح روض الطالب‪ ,‬ج ‪,3‬ص ‪.456‬‬
‫‪ 102‬زكريا بن محمد النصاري ‪ :‬أسنى المطالب شرح روض الطالب‪ ,‬ج ‪,3‬ص ‪455‬‬
‫‪ 103‬البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع‪,‬ج ‪ ,5‬ص ‪494‬‬
‫‪19‬‬

‫عليها ودعوها فإنها ملعونة‪ ,‬قال عمران فكأني أراها الن تمشي في الناس‬
‫‪104‬‬
‫ما يعرض لها أحد‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول النووي في شرحه ‪) :‬إنما قال هذا زجرا لها ولغيرها ‪ ,‬وكان قد سبق‬
‫نهيها ونهي غيرها عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة‪ ,‬والمراد النهي عن‬
‫مصاحبته لتلك الناقة في الطريق ‪ ,‬وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير‬
‫مصاحبته ‪ ‬وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا ‪ ,‬فهي‬
‫باقية على الجواز ‪ ,‬لن الشرع ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما‬
‫‪105‬‬
‫كان(‬
‫تحريم تشويه وجهه بضربه أو‬ ‫‪(2‬‬
‫وسمه‪.‬‬
‫قد تدعو الحاجة أحيانا ً إلى ضرب الحيوان لصلحه وتأديبه‪ ,‬إذا تعين‬
‫الضرب وسيلة لذلك‪ ,‬ويكون هذا الفعل جائزا ً بمقدار ما تتحقق به‬
‫ة ‪ ,‬وكذلك وسم الحيوان‪ ,‬إل أن الفقهاء نصوا على حرمة ضرب‬ ‫المصلح ُ‬
‫الحيوان في الوجه وكذلك وسمه‪ ,‬فقد روى المام مسلم عن جابر قال ‪:‬‬
‫نهى رسول الله‪ ‬عن الضرب في الوجه ‪ ,‬وعن الوسم في الوجه‪.106‬‬
‫يقول الشوكاني في شرحه ‪) :‬وفيه دليل على تحريم وسم الحيوان في‬
‫وجهه ‪ ,‬وهو معنى النهي حقيقة ‪ ,‬ويؤيد ذلك اللعن الوارد لمن فعل ذلك ‪,‬‬
‫كما في الرواية المذكورة في حديث الباب ‪ ,‬فإنه ليلعن‪ -ρ -‬إل من فعل‬
‫محرما ً ‪ ,‬وكذلك ضرب الوجه ‪ ,‬قال النووي ‪ :‬وأما الضرب في الوجه‬
‫فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الدمي والحمير والخيل والبل‬
‫والبغال والغنم وغيرها ‪...‬وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالجماع‬
‫م لكرامته ‪ ,‬ولنه لحاجة إليه‬ ‫للحديث ولما ذكرنا ‪ ,‬فأما الدمي فوسمه حرا ٌ‬
‫وليجوز تعذيبه ‪ ,‬وأما غير الدمي فقال جماعة من أصحابنا ‪ :‬ليجوز فأشار‬
‫إلى تحريمه وهو الظهر ‪ ,‬لن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ‪,‬‬
‫واللعن يقتضي التحريم ‪ ,‬وأما وسم غير الوجه من غير الدمي فجائز بل‬
‫خلف عندنا ‪ ,‬لكن يستحب في َنعم الزكاة والجزية و وليستحب في غيرها‬
‫‪,‬ولينهى عنه ‪ ,‬قال أهل اللغة ‪ :‬الوسم أثر الكي ‪ ...‬وأصله من‬
‫‪107‬‬
‫السمةالعلمة (‬
‫وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم الستنجاء بأجزاء الحيوان المتصلة‪,‬‬
‫كالذنب والذن والصوف والوبر والشعر وغيرها‪ ,‬لن فيه امتهانا ً وابتذال ً‬
‫له‪.108‬‬
‫حادي عشر إراحته من اللم والعناء بالقتل الرحيم‪.‬‬
‫قد يعجزالحيوان عن إعالة نفسه لمرض أو هرم أو صغر‪,‬ويعجز مالكه عن‬
‫رعايته والنفقة عليه‪ ,‬وقد يصاب بمرض أو بجرح يلحق به اللم الشديد ‪,‬أو‬
‫قد ليتيسر له الطعام أو الشراب‪ ,‬مما يجعل حياته عذابا ً له‪ ,‬فنقف أمام‬
‫ذلك عاجزين عن رفع اللم والمعاناة عنه‪ ,‬لذلك نص الفقهاء على جواز‬
‫ذبحه لراحته من اللم والعذاب‪ ,‬ارتكابا ً لخف الضررين‪ ,109‬يقول القرافي‪:‬‬
‫) قال صاحب البيان قال ابن القاسم‪:‬الدابة التي ليؤكل لحمها إذا طال‬
‫‪ 104‬رواه مسلم في كتاب البر والصلة والداب‪ ,‬باب النهي عن لعن الدواب‪,‬‬
‫‪ 105‬النووي‪,‬صحيح مسلم بشرح النووي‪,1981,‬ج ‪,16‬ص ‪147‬‬
‫‪ 106‬رواه مسلم في كتاب باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه‪.‬‬
‫‪ 107‬الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪,‬ج ‪ ,8‬ص ‪99‬‬
‫‪ 108‬النووي ‪ :‬المجموع‪,‬ج ‪,2‬ص ‪138‬‬
‫‪ 109‬الحطاب‪ :‬مواهب الجليل‪,‬ج ‪,3‬ص ‪236‬‬
‫‪20‬‬

‫مرضها أو تعبت من السير في أرض لعلف فيها‪,‬ذبحها أولى من‬


‫بقائها‪,‬لتحصل راحتها من العذاب( ‪, 110‬‬
‫وذهب فريق آخر إلى عدم جواز ذبحه‪ ,‬للنهي عن إتلف المال‪,‬يقول‬
‫القرافي‪) :‬وقال ابن وهب لتذبح ول تعقر لنهيه عليه السلم عن تعذيب‬
‫الحيوان لغير مأكلة (‪ ,111‬ويقول البهوتي ‪ ) :‬ول يجوز قتلها أي البهيمة ول‬
‫ذبحها للراحة ‪ ,‬لنها مال ما دامت حية ‪ ,‬وذبحها إتلف لها ‪ ,‬وقد نهي عن‬
‫ً ‪112‬‬
‫إتلف المال كالدمي المتألم بالمراض الصعبة ‪..‬لنه معصوم مادام حيا(‬
‫ونحن نرى رجحان القول الول ‪ ,‬لنه كما أن إتلف المال منهي عنه ‪,‬‬
‫كذلك منهي عن إلحاق اللم بالحيوان ‪ ,‬أو المتناع عن رفع اللم عنه‪,‬‬
‫وقياس ذلك على النسان قياس مع الفارق‪ ,‬لورود النص بحرمة ذلك في‬
‫النسان ‪ ,‬كما أن النسان مكلف بالصبر والتحمل وهو مأجور على ذلك‬
‫الفعل ‪ ,‬وهذا غير متحقق في الحيوان‪ ,‬فل يصح القياس‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫حقه في الحفاظ على نوعه‬

‫أثبت الفقه السلمي للحيوان الحق في بقاء نوعه ‪ ,‬لذلك ليجوز قتله أو‬
‫ذبحه إذا كان ذلك يؤدي إلى انقراضه وفنائه‪ ,‬وإن من مفاخر السلم‬
‫العظيمة أن أول محمية طبيعية عرفتها البشرية كانت في السلم‪ ,‬وهي‬
‫مكة المكرمة والمدينة‪ ,113‬إذ ليجوز صيدها ‪ ,‬ول يقطع شجرها ‪ ,‬وليروع‬
‫آمنها‪,‬فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ‪ ‬قال‬
‫حرم الله مكة فلم تحل لحد قبلي ول لحد بعدي‪ ,‬أحلت لي ساعة من‬
‫نهار ‪,‬ل يختلى خلها‪ ,‬ول يعضد شجرها‪ ,‬ول ينفر صيدها ‪,‬ول تلتقط لقطتها‬
‫ف‪ ,‬فقال العباس رضي الله عنه إل الذخر لصاغتنا وقبورنا فقال‬ ‫إل لمعر ٍ‬
‫‪114‬‬
‫إل الذخر ‪.‬‬
‫وإذا كان المقصد من إيجاد المحميات الطبيعية هو حماية الصناف‬
‫المهددة بالنقراض‪ ,‬فإن مكة محمية لكل من وردها ‪ ,‬سواء كان مهددا ً‬
‫بالنقراض أم ل‪ ,‬ومما يدل على أن الحفاظ على نوع الحيوان حق من‬
‫حقوق الحيوان ما يأتي ‪:‬‬
‫َ‬
‫ك‬‫سد َ فِي َِها وَي ُهْل ِ َ‬
‫ف ِ‬
‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫ذا ت َوَّلى َ‬
‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫قال تعالى ‪} :‬وَإ ِ َ‬ ‫‪.1‬‬
‫ساد َ { ]‪:205‬البقرة[‬ ‫ف َ‬‫ب ال َ‬ ‫ه ل َيُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬‫س َ‬
‫ث َوالن ّ ْ‬
‫حْر َ‬‫ال ْ َ‬
‫وجه الدللة في الية ‪:‬‬

‫‪ 110‬القرافي ‪ :‬أنوار البروق‪,‬ج ‪,3‬ص ‪100‬‬


‫‪ 111‬القرافي ‪ :‬أنوار البروق‪,‬ج ‪,3‬ص ‪100‬‬
‫‪ 112‬البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع‪ ,‬ج ‪ ,5‬ص ‪494‬‬
‫‪113‬‬
‫ة‬
‫يقول الكككاتب‪ :‬د• ناصككر أحمككد سككنه ‪ ) :‬ض لقد عرفضضت الحضضضارة السضضلمية المحميضضات الطبيعيضضة واضضضع ً‬
‫حرم عليكضضم‬ ‫التشريعات للحفاظ على البيئة الحيوانية‪ ،‬فكانت مكة والمدينة أول المحميات الطبيعية‪) :‬و ّ‬
‫صيد البر ما دمتم حرمًا( المائدة‪< ،96 :‬إن هذا البلد ض )مكضضة( ضض حّرمضضه اللضضه ل يعضضضد شضضوكه‪ ،‬ول ينفضضر‬
‫صيده‪ ،‬ول تلتقط لقطته إل لمن عرفها>‪ ،‬فكان ذلك أنموذجا ً للعناية بالبيئة الحيوانية فضضي مختلضضف بقضضاع‬
‫الرض‪ ،‬بينما لم تعضضرف الحضضضارة الغربيضضة هضضذه المحميضضات إل العضضام ‪1864‬م‪ ،‬عنضضدما أعلنضضت الحكومضضة‬
‫الميركية وادي <يوسميتى> محمية طبيعية‪ ،‬ولمراقبة التعديات على غابضات المضازون ضض والضتي تعضادل‬
‫مساحتها مساحة أوربا الغربية ض تم في البرازيل العام ‪2002‬م تدشضضين مشضضروع بكلفضضة مليضضار دولر·( ‪,‬‬
‫حضارتهم وحضضضارتنا ) العنايضضة بضضالبيئة الحيوانيضضة أنموذجضًا( ?‪http://alwaei.com/topics/current/article.php‬‬
‫‪.sdd=294&issue=455‬‬

‫‪ 114‬رواه البخاري في كتاب الجنائز ‪ ,‬باب الذخر والحشيش في القبر‪ ,‬حديث رقم ‪.1349‬‬
‫‪21‬‬

‫ينعى الله تعالى على المنافقين الذين إذا سعوا في الرض عملوا‪ 115‬فيها‬
‫الفساد‪ ,‬وذلك بإهلكهم الزرع ‪ ,‬وإهلكهم لنسل الحيوان‪,‬ولول أن ذلك‬
‫الفعل قبيح لما نهاهم عنه ‪ ,‬ولما ذمهم عليه‪ ,‬يقول الطبري ‪) :‬اختلف أهل‬
‫التأويل في وجه إهلك هذا المنافق الذي وصفه الله بما وصفه من صفة‬
‫إهلك الحرث والنسل ‪ ,‬فقال بعضهم كان ذلك منه إحراقا ً لزرع قوم من‬
‫المسلمين وعقرا ً لحمرهم‪...‬عن السدي‪...‬وكذلك جائز في معنى إهلكه‬
‫النسل أن يكون كان بقتله أمهاته أو آباءه التي منها يكون النسل فيكون‬
‫في قتله الباء والمهات انقطاع نسلهما (‪ 116‬ويقول)‪...‬والمراد بها كل من‬
‫سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي ليحل قتله بحال‬
‫‪,‬والذي يحل قتله في بعض الحوال إذا قتله بغير حق ‪,‬بل ذلك كذلك عندي‬
‫‪ ,‬لن الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا ً دون شيء بل عمه‪,‬‬
‫وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل(‪.117‬‬
‫وقوله تعالى والله ليحب الفساد يدل على أن هذا الفعل مبغوض إليه‪,‬‬
‫ليجوز القيام به‪.‬‬
‫روى أبو داود عن عبدالله بن مغفل قال ‪ ,‬قال رسول الله ‪‬‬ ‫‪.2‬‬
‫لول أن الكلب أمة من المم ‪ ,‬لمرت بقتلها ‪ ,‬فاقتلوا منها السود‬
‫‪118‬‬
‫البيهم‪.‬‬
‫يقول الخطابي ‪) :‬معناه أنه كره إفناء أمة من المم وإعدام جيل من‬
‫الخلق حتى يأتي عليه كله ‪ ,‬فل يبقى منه باقية ‪ ,‬لنه ما من خلق لله تعالى‬
‫إل وفيه نوع من الحكمة ‪ ,‬وضرب من المصلحة ‪ ,‬يقول إذا كان المر على‬
‫هذا ول سبيل إلى قتلهن كلهن ‪ ,‬فاقتلوا شرارهن ‪ ,‬وهي السود البهم ‪,‬‬
‫‪119‬‬
‫وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة(‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ‪‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ة قرصت نبيا ً من النبياء‪ ,‬فأمر بقرية النمل فأحرقت ‪,‬‬ ‫يقول نمل ٌ‬
‫فأوحى الله إليه في أن قرصتك نملة أهلكت أمة من المم تسبح‪,‬‬
‫‪120‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬فهل نملة واحدة‬
‫ووجه الدللة في الحديث أن الله تعالى عاتب ذلك النبي عليه السلم على‬
‫قتل أمة من المم ‪ ,‬لجل نملة قرصته ‪ ,‬وهذا يدل على أنه لتجوز البادة‬
‫الجماعية للحيوان‪ ,‬يقول المام النووي في شرح قوله ‪ ) ‬فهل نملة‬
‫واحدة(‪:‬‬
‫) فهل عاقبت نملة واحدة هي التي قرصتك ‪ ,‬لنها الجانية ‪ ,‬وأما غيرها‬
‫‪121‬‬
‫فليس لها جناية ‪ ,‬وأما في شرعنا فل يجوز الحراق بالنار للحيوان (‬
‫وبناء على ذلك الحق نص فقهاء المسلمين على مجموعة من الحكام التي‬
‫تحفظ للحيوان نوعه ‪ ,‬ومن ذلك‪:‬‬
‫تمكين ذكورالحيوانات من تلقيح إناثها‪ ,‬ليحصل التوالد‬ ‫‪(1‬‬
‫والتكاثر‪ ,‬حتى ليفنى نوعها‪ ,‬وقد نص على ذلك ‪ ,‬وقد اعتبره ابن قيم‬
‫الجوزية من الحقوق الثابتة للحيوان على النسان‪ ,‬حيث يقول‪:‬‬
‫‪ 115‬الطبري ‪ ) :‬السعي في كلم العرب العمل(‪ ,‬الطبري‪,‬جامع البيان‪,‬ج ‪,2‬ص ‪316‬‬
‫‪ 116‬الطبري‪,‬جامع البيان‪,‬ج ‪,2‬ص ‪317‬‬
‫‪ 117‬الطبري‪,‬جامع البيان‪,‬ج ‪ ,2‬ص ‪318‬‬
‫‪ 118‬رواه أبو داود في كتاب الصيد ‪ ,‬باب اتخاذ الكلب للصيد‬
‫‪ 119‬أبو سليمان أحمد بن حمد بن محمد الخطابي ‪ ,‬معالم السنن‪ ,‬ط ‪ 2‬بيروت ‪ ,‬المكتبة العلمية‪,1981,‬ج ‪,4‬ص ‪289‬‬
‫‪ 120‬رواه البخاري في كتاب‪ ,‬باب هل للسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو‬
‫‪121‬النووي‪,‬صحيح مسلم بشرح النووي‪,‬ج ‪,14‬ص ‪239‬‬
‫‪22‬‬

‫)حقوق البهائم والحيوان على النسان ‪ ,‬وذلك أن ينفق عليها نفقة‬


‫مثلها ‪ ,‬ولو زمنت أو مرضت بحيث لينتفع بها‪ ... ,‬وأن يجمع بين‬
‫‪122‬‬
‫ذكورها وإناثها في إبان إتيانها (‬
‫علل الفقها ء النهي عن إنزاء الحمر على الخيل ‪ ,‬والنهي عن‬ ‫‪(2‬‬
‫‪123‬‬
‫أكل لحومها بأن ذلك يؤدي إلى انقطاع نسل الخيل أو تقليلها‪ ,‬يقول‬
‫ابن قيم الجوزية ‪ ) :‬إنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل ‪ ,‬لن ذلك‬
‫ذريعة إلى قطع نسل الخيل أو تقليلها ‪ ,‬ومن هذا نهيه عن أكل لحومها‬
‫إن صح الحديث فيه إنما كان لنه ذريعة إلى تقليها(‪ 124‬ويقول‬
‫السيوطي عن كراهية إنزاء الحمر على الخيل‪ ) :‬وعلة ذلك اختلف‬
‫الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل ‪ ,‬فيلزم منه‬
‫قلتها(‪ ,125‬ويقول الشوكاني ‪) :‬قال الخطابي ‪ :‬يشبه أن يكون المعنى‬
‫والله اعلم أن الحمر إذا حملت على الخيل قل عددها وانقطع نماؤها‬
‫وتعطلت منافعها (‪.126‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫ضمانات حماية حق الحيوان‬
‫ليست حقوق الحيوان في السلم مجرد َ مبادىء مثالية ‪ ,‬وتشريعات‬
‫ة لهواء الناس‬‫ة و مستقرةٌ ‪ ,‬ليست موكول ً‬
‫نظرية‪ ,‬بل هي حقوق ثابت ٌ‬
‫ورغباتهم ‪ ,‬قام التشريع السلمي برعايتها بضمانات كثيرة تمنع التعدي‬
‫عليها ‪ ,‬أو الخلل بها ‪ ,‬وفي المطالب التية ‪ ,‬نبين أهم هذه الضمانات‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫الجانب الديني الخلقي‪.‬‬
‫يعتبر الجانب الديني المتمثل في الستجابة الذاتية لوامر الله تعالى ‪ ,‬رغبة‬
‫في ثوابه ‪ ,‬ورهبة من عقابه من أهم الضمانات التي يعول عليها التشريع‬
‫السلمي لحسن المتثال لحكامه‪ ,‬ومن أقوى الوسائل التي تمنع المكلف‬
‫من الخروج عنها أو التحايل عليها‪,‬‬
‫ي في كفالة هذه الحقوق‬ ‫وقد بينا سابقا ً كيف استثمر الوازعُ الدين ُ‬
‫واحترامها‪ ,‬فهذه امرأةٌ تدخل الناَر في هرة‪ ,‬لنها انتهكت حقا ً من حقوقها‪,‬‬
‫ة في كلب سقاه ‪,‬لنه صان حقا ً من حقوقه‪,‬وثال ٌ‬
‫ث‬ ‫ل دخل الجن َ‬ ‫وذاك رج ٌ‬
‫يستحق اللعن‪ -‬وهو الطرد من رحمة الله‪ -‬على تشويه خلق الحيوان‬
‫بوسمه في وجهه ‪,‬وأخيرا ً فهذا نبي من أنبياء الله تعالى يعاتب على قتله‬
‫قرية نمل ‪,‬لجل نملة قرصته‪ ,‬فأي ضمانةٍ أكثر من هذه الضمانات ‪ ,‬وقد‬
‫التفت الفقهاء إلى هذه النصوص ووظفوها توظيفا ً جيدا ً في صيانة حقوق‬
‫الحيوان وحمايتها‪,‬‬
‫ب‬‫ل أو التعذي ِ‬
‫ك حقوق الحيوان بالقت ِ‬ ‫ن حجر الهيثمي انتها َ‬ ‫وقد اعتبر اب ُ‬
‫‪127‬‬
‫الشديدِ لغير فائدةٍ شرعيةٍ ‪ ,‬أو التمثيل به كبيرةً من الكبائر ‪.‬‬

‫‪ 122‬عبدالعزيزبن عبد السلم‪ ,‬قواعد الحكام‪,‬ج ‪,1‬ص ‪167‬‬


‫‪ 123‬إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي‪ ,‬تفسير القرآن العظيم‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار الفكر‪1401,‬هـ‪ ,‬ج ‪,2‬ص ‪564‬‬
‫‪ 124‬إبن قيم الجوزية‪ ,‬إعلم الموقعين عن رب العالمين‪ ,‬ج ‪,3‬ص ‪121‬‬
‫‪ 125‬السيوطي‪,‬الشباه والنظائر ‪,‬ص ‪257‬‬
‫‪ 126‬الشوكاني ‪:‬نيل الوطار ‪ ,‬ج ‪ ,8‬ص ‪100‬‬
‫‪ 127‬ابن حجر الهيثمي‪:‬الزواجر عن اقتراف الكبائر‪,‬ج ‪,1‬ص ‪349‬‬
‫‪23‬‬

‫ومن استقرأ النصوص التي أوردناها سابقا ً يظهر له مدى البعد الديني في‬
‫دع إذا ترك سقي النخل‬ ‫رعاية حق الحيوان‪,‬فقد نص الفقهاء على أن المو َ‬
‫المودعة عنده حتى تلفت فإنه يكون ضامنا ً لها لكنه ليأثم بذلك ‪ ,‬أما إذا‬
‫ترك سقي الحيوان حتى مات ضمن وعليه الثم ‪ ,‬لحرمة الحيوان ‪ ,128‬ومن‬
‫أروع المثلة التي تدل على رعاية حق الحيوان ‪ ,‬أن بعض الفقهاء اعتبر‬
‫كسب النسان الذي أجهد فيه دابته كسبا ً فيه شبهة‪ ,‬يقول الخادمي في‬
‫التفريق بين الطيب والحلل ما نصه‪) :‬قيل الطيب هو الحلل ‪ ,‬وقيل أخص‬
‫منه إذ الحلل يصدق على ما فيه نوع شبهة دون الطيب ومثل بأن الكسب‬
‫ة ‪ ,‬أو الزرع الذي حمل البقَر فيه فوق‬ ‫الذي أخر فيه الصلةَ أو ترك الجماع َ‬
‫‪129‬‬
‫طاقته ‪ ,‬وكذا مطلق تحميل الدابة‪...‬حلل ليس بطيب( ‪.‬‬
‫وذهب فقهاء المسلمين إلى أكثر من ذلك حيث اعتبروا ظلم الدابة أشد‬
‫ة‬
‫من ظلم النسان ‪ ,‬لن النسان قادٌرعلى الدفاع عن نفسه والمطالب ِ‬
‫بحقه‪ ,‬ومخاصمةِ من ظلمه ‪ ,130‬بخلف الدابة التي لتقدر على شيء من‬
‫ذلك‪ ,‬يقول الحصكفي ‪) :‬إذ ظلم الدابة أشد من ظلم الذمي ‪,‬‬
‫‪131‬‬
‫وظلم الذمي أشد من ظلم المسلم (‬
‫المطلب الثاني‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫ت على الناس‪ ,‬وبينا‬ ‫انتهينا فيما سبق إلى أن حقوق الحيوانات تعتبر واجبا ٍ‬
‫عه ‪ ,‬فإذا وقع ‪ ,‬وجب على المسلمين‬ ‫م ‪,‬ليجوز إيقا ُ‬ ‫أن ظلم الحيوان حرا ٌ‬
‫ة بالمر بالمعروف والنهي‬ ‫منَعه ورفَعه ‪ ,‬لنه منكٌر ‪ ,‬والمسلم مأمور ديان ً‬
‫ْ‬ ‫كن منك ُ ُ‬
‫ن‬‫مُرو َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬‫مأ ّ‬‫عن المنكر‪ ,‬لقوله تعالى }وَل ْت َ ُ ّ ْ‬
‫ن {‪:104] ,‬آل‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ُ‬‫منك َرِ وَأ ُوَْلضئ ِ َ‬
‫ن ال ْ ُ‬‫ن عَ ِ‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬
‫معُْرو ِ‬‫ِبال ْ َ‬
‫ن رأى منكم منكرا ً فْليغيره بيده فإن لم يستط ْ‬
‫ع‬ ‫عمران[‪,‬ولقوله ‪ ) ‬م ْ‬
‫‪132‬‬
‫‪,‬وقد تولى‬ ‫ف اليمان(‬ ‫فبلسانه فإن لم يستطعْ فبقلبه ‪ ,‬وذلك أضع ُ‬
‫النبي عليه السلم بنفسه النكاَر على من انتهك حقوق الحيوان‪ ,‬فقد روى‬
‫م‬‫المام مسلم عن ابن عباس ‪ ‬قال ‪ :‬رأى رسول الله ‪ ‬حمارا ً موسو َ‬
‫الوجه ‪ ,‬فأنكر ذلك(‪.133‬‬
‫وكذلك تولى صحابُته الكرام إنكاَر الفعال التي فيها اساءةٌ للحيوان‪,‬فقد‬
‫م قد نصبوا‬ ‫روى الشيخان عن أنس أنه دخل دار الحكم بن أيوب فإذا قو ٌ‬
‫ة يرمونها ‪ ,‬فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ُتصبَر‬ ‫دجاج ً‬
‫م‪.‬‬
‫البهائ ُ‬
‫وروى الشيخان عن سعيد بن جبير قال كنت عند بن عمر فمروا بفتية أو‬
‫ة يرمونها ‪ ,‬فلما رأوا بن عمر تفرقوا عنها ‪ ,‬وقال ابن‬ ‫بنفر نصبوا دجاج ً‬
‫عمر من فعل هذا؟ إن النبي ‪ ‬لعن من فعل هذا‪.‬‬
‫وهذا ما أشار اليه الفقهاُء ‪ ,‬حتى الحنفية الذين يقولون بأن نفقة الحيوان‬
‫ب دياني ل قضائي‪,‬فإن صاحب الحيوان يأمر بأداء ذلك الواجب‬ ‫واج ٌ‬
‫الدياني‪ ,‬فقد جاء في الفتاوى الهندية‪) :‬ومن ملك بهيمة لزمها علفها‬
‫‪ 128‬سليمان بن منصور الععجيلي المصري الجمل‪,‬حاشية الجمل‪ ,‬بيروت ‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬ج ‪,4‬ص ‪80‬‬
‫‪ 129‬محمد بن محمد بن مصطفى الخادمي‪,‬بريقة محمود‪,‬بيروت‪ ,‬دار إحياء التراث العربيو ج ‪,1‬ص ‪74‬‬
‫‪ 130‬محمد أمين بن عابدين‪ ,‬رد المحتار على الدر المختار‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬ج ‪,6‬ص ‪402‬‬
‫‪ 131‬الحصكفي‪ ,‬الدر المختار مع شرحه رد المحتار ‪,‬ج ‪,6‬ص ‪401‬‬
‫‪ 132‬رواه مسلم في كتاب اليمان ‪ ,‬باب بيان كون النهي عن المنكر من اليمان ‪ ,‬وأن اليمان يزيد وينقص ‪ ,‬وأن المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر واجبان‪.‬‬
‫‪ 133‬رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة ‪ ,‬باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫وسقيها‪ ,‬فإن امتنع عن ذلك لم يجبر عليه ‪ ,‬وليجبر على بيعها إل أن يؤمر‬
‫ديانة فيما بينه وبين الله تعالى ‪ ,‬على طريق المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ( ‪,134‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫سلطان الدولة‬
‫لم يكتف السلم في حماية حقوق الحيوان ‪ ,‬وضمانة صيانتها ‪ ,‬بالكتفاء‬
‫بالوازع الديني ‪ ,‬والجهد الذاتي من خلل المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ,‬لن الناس ليسوا على درجة واحدة في الستجابة لهذه الوسائل ‪,‬‬
‫والخضوع لهذه الضمانات ‪ ,‬لذلك أناط السلم المسؤولية بالدولة لمتابعة‬
‫احترام هذه الحقوق ‪ ,‬بما لها من سلطان وهيبة في النفوس الضعيفه التي‬
‫لم يردعها إيمان ول خلق‪,‬ولم تنزجر بنصائح المؤمنين وإرشاداتهم ‪.‬‬
‫وهذا الواجب الذي أناطه السلم بالدولة بما لها من ولية عامة في تسيير‬
‫شؤون الحياة‪ ,‬له صور كثيرة أهمها‪:‬‬
‫أول ً الحتساب‬
‫كه ‪ ,‬ونهي‬ ‫عرف الماوردي الحسبة بقوله‪ :‬هي أمٌر بالمعروف إذا ظهر تر ُ‬
‫عن المنكر إذا ظهر فعُله‪. 135‬‬
‫وهذا التعريف ليجعل فرقا ً بينها وبين المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬‬
‫سه إلى تسعة‪.136‬‬ ‫مع أن بينهما فروقا ً كثيرة أوصلها الماوردي نف ُ‬
‫وبالتالي لبد من التفريق بينها وبين المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬‬
‫ولعل الفرقَ الجوهريَ بينهما ‪ ,‬وهو الذي نشأت عنه الفروق التي ذكرها‬
‫الماوردي ‪ ,‬هو أن الحسبة تستند إلى سلطة ممنوحة من ولي المر‪ ,‬تمنح‬
‫صاحبها حق الجبار واللزام والتنفيذ‪ ,‬وليس مجرد َ المر والنهي ‪ ,‬كما في‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬فهو وإن كان واجبا ً دينيا ً ‪ ,‬إل إنه‬
‫ليخول صاحبه ‪ ,‬صلحيات المحتسب ‪,‬والدليل على ذلك أن ابن الخوة بين‬
‫أن المحتسب هو ‪) :‬من نصبه المام و أو نائبه للنظر في أحوال الرعية‪,‬‬
‫والكشف عن أمورهم ومصالحهم(‪,137‬وبناء على ذلك يمكن أن نعرف‬
‫الحسبة بأنها‪ :‬سلطة يمنحها ولي المر تخول صاحبها حق المر بأداء‬
‫الوجبات‪ ,‬والنهي عن فعل الممنوعات‪.‬‬
‫أي أن الحسبة وظيفة رسمية‪,‬كما أشار إلى ذلك ابن خلدون بقوله‪ ) :‬أما‬
‫‪138‬‬
‫الحسبة ‪ :‬في وظيفة دينية من باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر(‬
‫والحتساب في مجال حقوق الحيوان يتم بدرجات ثلث هي‪:‬‬

‫أ‪ -‬التوجيه والرشاد‬


‫يعتبرالحتساب في السلم كما هو المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪,‬‬
‫وسيلة لجلب منفعة تم تركها ‪ ,‬أو دفع مفسدة حصل فعلها‪,‬وبناء على ذلك‬

‫‪ 134‬مجموعة من العلماء‪ :‬الفتاوى الهندية ‪,‬ج ‪,1‬ص ‪573‬‬


‫‪ 135‬علي بن محمد بن حبيب الماوردي‪,‬الحكام السلطانية والوليات الدينية‪,‬ط ‪ ,1‬بيروت‪ ,‬دار الكتب العلمية‪,‬ص ‪299‬‬
‫‪ 136‬الماوردي‪ ,‬الحكام السلطانية والوليات الدينية‪,‬ص ‪299‬‬
‫‪ 137‬ا بن الخوة القرشي‪ ,‬معالم القربة في معالم الحسبة ‪ ,‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 138‬عبدالرحمن بن محمد ابن خلدون‪,‬المقدمة‪,‬بيروت‪,‬دار إحياء التراث العربي‪,‬ص ‪255‬‬
‫‪25‬‬

‫ة اللهم‬
‫فإذا حصل الواجب‪ ,‬وارتفعت المفسدة ‪ ,‬لم يعد للحتساب وظيف ٌ‬
‫إل إذا كان من باب النصح والرشاد‪.139‬‬
‫لذلك فإن مقصد المحتسب من احتسابه هو حصول الواجب ‪,‬أوالمنع من‬
‫حصول المفسدة‪ ,‬فإذا تحقق ذلك بالدنى لم يعدل عنه إلى العلى‬
‫‪,‬وبالتالي فإن المحتسب أول ما يبدأ احتسابه يبدأه بالتوجيه والرشاد‪ ,‬أي‬
‫أنه يكتفي بالمر أو النهي القولي‪,‬وبالتالي فعلى المحتسب أن يوجه‬
‫مالكي الدواب ومستخدميها إلى المور التية‪:140‬‬
‫عدم تحميل الحيوان فوق طاقته‪ ,‬وإرهاقه بالثقال التي ترهق‬ ‫‪‬‬
‫كاهله‪.‬‬
‫عدم إيقاف الحيوانات لفترات طويلة ‪ ,‬وعلى ظهورها‬ ‫‪‬‬
‫الحمال والثقال‪.‬‬
‫عدم سوقها سوقا ً شديدا ً وهي تحمل الثقال‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عدم ضربها ضربا ً شديدا ً لستخراج أقصى طاقتها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ع‪.‬‬
‫توفير العلف للحيوان ‪,‬بمايحقق الشب َ‬ ‫‪‬‬
‫ب‪ -‬الجبار على الفعل أو المتناع‪.‬‬
‫ليقف دور المحتسب عند مجرد التوجيه والرشاد‪ ,‬إذا لم تحصل الستجابة‬
‫‪ ,‬لن ذلك ليجعل من فرق بينه وبين غير من آحاد الناس الذين يأمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ,‬وإنما يجب عليه الجبارعلى أداء الواجب‬
‫الذي أخل به ‪ ,‬أو الجبار على ترك الممنوع الذي ظهر فعله‪,‬وقد أشار‬
‫الفقهاء إلى هذا ‪ ,‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ (1‬أن البهيمة إذا عطبت فلم ينتفع بها ‪ ,‬فإن كانت مما‬
‫ليؤكل لحمه أجبر صاحبهاعلى النفاق عليها‪ ,‬وإن كانت‬
‫خير بين ذبحها والنفاق عليها‪,141‬‬
‫ة ُ‬
‫مأكول ً‬
‫‪ (2‬لو أدخلت دابة رأسها في قمقم ‪ ,‬فلم يمكن إخراجه إل‬
‫ل ‪,‬ذبحت ‪...‬وإن امتنع‬ ‫بذبحها ‪,‬وكان الضرر في ذبحها اق َ‬
‫صاحب القمقم عن فعل ما يؤدي إلى تخليص ماله ليجبر‬
‫على شيء ‪ ,‬لن القمقم لحرمة له ‪ ,‬فل يجبر صاحبه على‬
‫تخليصه ‪ ,‬وأما صاحب الشاة فل يحل له تركها‪ ,‬لما فيه من‬
‫تعذيب الحيوان فيقال‪ :‬إما أن تذبح الشاة لتريحها من‬
‫العذاب ‪ ,‬وإما أن تغرم القمقم لصاحبه‪ ,‬إذا كان كسره اقل‬
‫ضررًا‪ ,‬ويخلصها‪ ,‬لن ذلك من ضرورة إبقائها او تخليصها من‬
‫العذاب فلزمه كعلفها ‪ ,‬وإن كان الحيوان غير مأكول ‪,‬‬
‫م المأكول‪.142‬‬ ‫احتمل أن يكون حكمه ‪ ,‬حك َ‬
‫جـ‪ -‬التنفيذ الفعلي‪.‬‬
‫انتهينا فيما سبق إلى أن على المحتسب أن يجبر من أخل بحق من حقوق‬
‫الحيوان على رفع الخلل ‪ ,‬وإعادة المر إلى نصابه‪ ,‬ولكن قد يحصل وأن‬
‫ف‬
‫ليستجيب المأمور ‪ ,‬وفي هذه الحالة ليجوز للمحتسب أن يقف مكتو َ‬
‫اليدين ‪ ,‬يرى الخلل والظلم ‪ ,‬وليفعل شيئا ً ‪ ,‬وإنما يجب عليه بحكم‬
‫وظيفته ‪ ,‬وبما له من سلطة ‪ ,‬أن يباشر التنفيذ بنفسه فعل ً أو تركا ً ‪ ,‬ومن‬
‫‪ 139‬محمد بن محمد الغزالي‪,‬إحياء علوم الدين‪,‬بيوت‪ ,‬دار الرشاد الحديثةو ج ‪,2‬ص ‪324‬‬
‫‪ 140‬الشيزري‪,‬نهاية الرتبة ‪,‬ص ‪117‬‬
‫‪ 141‬البهوتي‪,‬شرح منتهى الرادات‪,‬ج ‪,3‬ص ‪247‬‬
‫‪ 142‬ابن قدامة ‪ :‬المغني ‪ ,‬ج ‪,5‬ص ‪165‬المسالة رقم ‪3986‬‬
‫‪26‬‬

‫الدلة على ذلك ما رواه البخاري عن بن عمر رضي الله عنهما أنه دخل‬
‫على يحيى بن سعيد ‪ ,‬وغلم من بني يحيى رابط دجاجة يرميها ‪ ,‬فمشى‬
‫إليها ابن عمر حتى حلها ‪ ,‬ثم أقبل بها وبالغلم معه فقال ‪ :‬ازجروا غلمكم‬
‫هذا عن أن يصبر الطير للقتل ‪ ,‬فإني سمعت النبي ‪ ‬نهى أن تصبر بهيمة‬
‫أو غيرها للقتل‪.‬‬
‫فابن عمر ‪ ‬قام بنفسه بحل الدجاجة ورفع اللم عنها ‪ ,‬وقد أشار الفقهاء‬
‫إلى ذلك في أكثر من موضع‪ ,‬وقد نص الفقهاء على أن صاحب الحيوان‬
‫إذا امتنع من النفاق عليها أجبر على ذلك ‪ ,‬لنه واجب عليه ‪ ,‬كما يجبر‬
‫على سائر الواجبات ‪ ,‬فإن أبى النفاق عليها ‪ ,‬أو عجز عنه أجبر على بيعها‬
‫أو إجارتها أو ذبحها إذا كانت مأكولة ‪ ,‬لن بقاَءها في يده بترك النفاق‬
‫م يجب إزالته ‪ ,‬فإن أبى فعل أحد هذه المور ‪ ,‬فإن‬ ‫م ‪ ,‬والظل ُ‬
‫عليها ظل ٌ‬
‫الحاكم يفعل الصلح منها‪ ,‬أو يقترض عليه وينفق عليها ‪ ,‬كما لو امتنع من‬
‫م‬
‫ب عليه فعل الحاك ُ‬ ‫أداء الدين ‪ ,143‬ويقول المرداوي ‪) :‬ولو أبى رُبها الواج َ‬
‫ح ‪ ,‬أو اقترض عليه‪ ,‬قال في القاعدة الثالثة والعشرين ‪ :‬لو امتنع من‬ ‫الصل َ‬
‫النفاق على بهائمه أجبر على النفاق أو البيع ‪ ,‬أطلقه كثير من الصحاب ‪,‬‬
‫‪144‬‬
‫وقال ابن الزاغواني ‪ :‬إن أبى باع الحاكم عليه(‬
‫د‪-‬العقوبات المعنوية والمادية‬
‫انتهينا فيما سبق أن الخلل بحق من حقوق الحيوان حرام‪ ,‬يجب إزالته‬
‫ورفعه‪ ,‬لنه ظلم ‪ ,‬والظلم ممنوع‪,‬وبالتالي فقد تتعين العقوبة وسيلة لرفع‬
‫الظلم عندها لبد من المصير إليها والخذ بها‪.‬‬
‫وهذه العقوبة نوعان ‪:‬‬
‫أول ً العقوبة المعنوية‪.‬‬
‫م بدني أو مالي يلحق بالشخص ‪ ,‬وإنما فيها‬ ‫وهي التي ليس فيها إيل ٌ‬
‫حرمان النسان من حق من الحقوق المعنوية التي له‪ ,‬ودليل هذه العقوبة‬
‫ة في وجهها‪.‬‬ ‫م البهيم َ‬
‫ن من وس َ‬ ‫أن النبي ‪ ‬لع َ‬
‫ثانيا ً العقوبة المادية ‪:‬‬
‫وهي التي يكون معنى العقوبة والجزاء فيها ظاهرا ً كالضرب ‪ ,‬أو الغرامة‪,‬‬
‫أو الحكم ببطلن التصرف أوغيره‪.‬‬
‫ومن العقوبات التي نص عليها الفقهاء حماية لحق الحيوان ما يأتي ‪:‬‬
‫نص بعض الفقهاء على أن استدامة حبس الطيورفي القفاص‬ ‫‪(1‬‬
‫كالقماري ‪ ,‬والبلبل لسماع أصواتها وتغريدها يجرح عدالة فاعله ‪,‬‬
‫وترد به شهادته‪ ,‬لنه ليس من الحاجات‪ ,‬كما أنه تعذيب‬
‫للحيوان‪,145.‬وكذلك النعي والغراء بين الحيوان يجرح العدالة لتحريمه‬
‫ومخالفته المروءة‪.146‬‬
‫نص بعض الفقهاء على أنه إذا اضطرت بهيمة الغير إلى طعام‬ ‫‪(2‬‬
‫الغير ‪ ,‬وكان قادرا ً على تقديمه لها ‪ ,‬دون ضرر يلحقه فامتنع من‬
‫تقديمه لها فماتت بسبب الجوع‪ ,‬فإن عليه ضمانها ‪.147‬‬

‫‪ 143‬البهوتي ‪ ,‬كشاف القناع‪ ,‬ج ‪ ,5‬ص ‪494‬‬


‫‪ 144‬المرداوي ‪,‬النصاف‪,‬ج ‪ ,9‬ص ‪415‬‬
‫‪ 145‬محمد بن مفلح بن محمد المقدسي‪,‬الفروع‪ ,‬بيروت عالم الكتب‪ ,‬ج ‪ ,6,576‬وأنظر له الداب الشرعية‪ ,‬ج ‪3‬ص ‪346‬‬
‫‪ 146‬ابن المرتضى ‪:‬البحر الزخار‪,‬ج ‪ ,6‬ص ‪32‬‬
‫‪ 147‬المرداوي ‪,‬النصاف‪,‬ج ‪ ,10‬ص ‪52‬‬
‫‪27‬‬

‫نص بعض الفقهاء على بطلن العقد ‪ ,‬إذا كان فيه انتقاص‬ ‫‪(3‬‬
‫لحق من حقوق الحيوان‪ ,‬وقد نص ابن حجر على بطلن البيع الذي‬
‫يفرق فيه بين البهيمة وبين ولدها‪ ,‬إذا كان معتمدا ً عليها في حياته غير‬
‫ن عنها‪,‬ولم يقصد بالشراء الذبح‪ ,‬حيث يقول ‪ ):‬فإن لم يستغن‬ ‫مستغ ٍ‬
‫‪148‬‬
‫ولقصد الذبح حرم وبطل نحو البيع( ‪,‬‬
‫هـ‪ -‬تحمل الدولة للمسؤولية‬
‫وأخيرا ً فإذا عجزت الوسائل السابقة عن حماية حق الحيوان ‪ ,‬بتأمين‬
‫الغذاء والشراب له ‪ ,‬ومنع اللم والمعاناة عنه يجب على الدولة أن تقوم‬
‫بذلك بنفسها بكفاية الحيوان ورعايته‪ ,‬بالطريقة التي تراها مناسبة‪ ,‬كأن‬
‫توجد مأوى للحيوانات الضالة أو الحيوانات الهرمة ‪ ,‬وقد ذكر ابن الخوة‬
‫القرشي ترتيب هذه الرعاية لحقوق الحيوان حيث يقول ‪ ) :‬ومن ملك‬
‫بهيمة وجب عليه القيام بعلفها ‪ ,‬وليحمل عليها ما يضرها كما في العبد ‪,‬‬
‫وليحلب من لبنها إل ما فضل عن ولدها ‪ ,‬لنه خلق غذاء للولد فليجوز‬
‫منعه منه ‪ ,‬وإن امتنع من النفاق عليها أجبر على ذلك ‪ ,‬كما يجبر على‬
‫نفقة زوجته ‪ ,‬فإن لم يكن له مال أكري عليه إن أمكن كراؤه ‪ ,‬وإن لم‬
‫يمكن بيع عليه كما يزال ملكه عن الزوجة عند العسار بنفقتها ‪ ,‬فإن لم‬
‫يرغب فيها راغب فكفايتها من بيت المال ‪ ,‬فإن لم يكن فعلى المسلمين‬
‫كفايتها(‪. 149‬‬
‫وهذا كله بعد أن تقوم الدولة بسن التشريعات التي تحدد كيفية التعامل مع‬
‫الحيوان ‪ ,‬وبيان حقوقه على مالكه‪ ,‬والواجبات التي يجب على المالك أن‬
‫يؤديها تجاه الحيوان الذي يملكه‪ ,‬كما يجب عليها أن تحدد فترات الصيد‬
‫المسموح بها خوفا ً من إلحاق الذى والضرر بالصغار ‪ ,‬وأن تسعى جاهدة‬
‫إلى توفير عيادات البيطرة وتوفير الدوية التي ترفع اللم والمعاناة عن‬
‫ة‬
‫ت طبيعي ً‬‫الحيوان‪ ,‬كما يجب عليها أن تخصص مناطق معينة تكون محميا ٍ‬
‫ت المهددةُ بالنقراض ‪ ,‬كما عليها التنسيق مع المم‬‫تأوي إليها الحيوانا ُ‬
‫الخرى لما فيه صالح الحيوان الذي يعود في النهاية إلى الصالح النساني‪.‬‬

‫مشروع قانون حماية حقوق الحيوان‬


‫المادة)‪ :(1‬يكون للكلمات التية حيثما وردت المعاني التية‪:‬‬
‫الحيوان‪ :‬هو كل ما عدا النسان مما فيه روح ‪,‬مملوكا ً أو غير‬ ‫‪.1‬‬
‫مملوك ‪.‬‬
‫المقصد الشرعي ‪ :‬هو كل فعل من الفعال التية ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الغذاء والطعام للنسان والحيوان‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الشعائر الدينية والروحية‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫لباس النسان ومتعلقاته‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫صحة النسان‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫الدفاع الشرعي إذا تعين القتل وسيلة له‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 148‬ابن حجر الهيثمي‪ ,‬الزواجر عن اقتراف الكبائر‪,‬ج ‪1‬ص ‪391‬‬


‫‪ 149‬ا بن الخوة القرشي‪ :‬معالم القربة في معالم الحسبة ‪ ,‬ص ‪.27‬‬
‫‪28‬‬

‫مال النسان على أن ليقل عن قيمة الحيوان إذا كان له‬ ‫‪6‬‬
‫قيمة‪.‬‬
‫التجارب الطبية التي ليمكن أجراؤها دونه‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ركوب الحيوان ‪ ,‬وتحميله الثقال المعهودة‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫المسابقة بين الخيول و البل‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫التمتع بمناظرالحيوانات وتغريدها‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫إراحته الحيوان من اللم والعناء ‪.‬‬ ‫‪11‬‬
‫إصلح الحيوان وعلجه‪.‬‬ ‫‪12‬‬
‫المادة)‪ :(3‬للحيوان الحق في الحياة‪ ,‬وليجوز العتداء عليها إل لمقصد‬
‫شرعي‪.‬‬
‫المادة)‪ :(4‬ليجوز تعذيب الحيوان أو إيلمه لغير مقصد شرعي‪.‬‬
‫المادة)‪ :(5‬نفقة الحيوان المملوك على مالكه‪,‬فإن كان عاجزا ً عنها‪ ,‬أجبر‬
‫على التصرف فيه‪.‬‬
‫المادة)‪ :(6‬على مالك الحيوان نفقة علجه‪.‬‬
‫المادة)‪ :(7‬على مالك الحيوان حفظه في مأوى مناسب له‪ ,‬وليجوز له‬
‫تسييبه‪ ,‬وجعله عرضة للذى‪.‬‬
‫المادة )‪ :(8‬ليجوز تكليف الحيوان فوق طاقته‪ ,‬كما ليجوز إشراكه في‬
‫اللعاب الخطرة‪.‬‬
‫المادة)‪ :(9‬على مالك الحيوان إن يحسن معاملته‪ ,‬وأن ليكلفه فوق‬
‫طاقته‪.‬‬
‫المادة)‪ :(10‬على الدولة نفقة الحيوان المملوك ‪ ,‬إذا كان مالكه عاجزا ً‬
‫عن نفقته‪ ,‬وغير قادر على التصرف فيه‪.‬‬
‫المادة)‪ :(11‬على الدولة حماية الحيوانات المهددة بالنقراض‪ ,‬والتنسيق‬
‫مع الدول الخرى لحمايتها‪.‬‬
‫المادة)‪ :(12‬تنظم الدولة الصيد‪ ,‬وليجوز الصيد إل بترخيص مسبق‪.‬‬
‫المادة)‪ :(13‬يعاقب ب) ( كل مكلف ارتكب بحق حيوان فعل ً من‬
‫الفعال التية ‪:‬‬
‫تعمد قتله لغير مقصد شرعي‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫تعمد إلحاق ألم شديد به لغير مقصد شرعي‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫تعمد التمثيل به ‪,‬أو تشويه خلقه‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عرض للذى حيوانا مكلفا برعايته بإهماله وتقصيره‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ً‬
‫قتله بالمتناع عن مساعدته ‪ ,‬وكان قادرا عليها بلخطر‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ً‬
‫سيب حيوانا يحتاج الى الرعاية والحفظ‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫تسبب في إيذائه بإغراء صبي أو حيوان آخر ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫المادة)‪ :(14‬يؤدب الصغير على ما يلحقه بالحيوان من أذى‪.‬‬
‫المادة)‪ :(15‬تملك الدولة الحيوانات السائبة‪ ,‬مقابل جمعها والنفاق‬
‫عليها‪.‬‬
‫المادة)‪:(16‬يقع باطل ً كل اتفاق ينتقص من حق الحيوان لغير مقصد‬
‫شرعي‪.‬‬
‫المادة)‪ (17‬لكل مكلف الحق في رفع دعوى لحق الحيوان باسم الحق‬
‫الشرعي العام‪,‬‬
‫‪29‬‬

‫الخاتمة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ,‬والصلة والسلم على سيدنا محمد ‪ ,‬وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم‪,‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فيمكن لي بعد النتهاء من هذا البحث أن ألخص نتائجه بالمور التية‪:‬‬
‫أثبتت الشريعة السلمية للحيوان الحقوق التية‪:‬‬ ‫‪(1‬‬
‫الحق في الحياة‪ ,‬فل يجوز قتله من غير مقصد شرعي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الحق في الغذاء ‪ ,‬إذ ليجوز الحيلولة بينه وبين غذائه‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫كما يجب على مالكه توفيره له‪.‬‬
‫الحق في منع اللم ‪ ,‬إل لمقصد شرعي يعود نفعه إلى‬ ‫‪‬‬
‫النسان أو الحيوان‪.‬‬
‫الحق في بقائه واستمرار نوعه‪ ,‬فيجب العمل على منع‬ ‫‪‬‬
‫انقراضه وفنائه‪.‬‬
‫الحيوان كالنسان في ثبوت الحقوق له ‪ ,‬ومنع العتداء عليها‪,‬‬ ‫‪(2‬‬
‫وليظهر فرق بينهما إل عند التعارض والتزاحم‪ ,‬إذ في هذه الحالة يقدم‬
‫حق النسان قطعًا‪ ,‬وليجوز بحال إيثار الحيوان وتقديمه‪ ,‬لن في ذلك‬
‫قلبا ً للمعادلة ‪ ,‬لن الحيوان مخلوق لمنفعة النسان ومصلحته‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫حقوق الحيوان في الفقه السلمي ليست مجرد أمنيات‬ ‫‪(3‬‬


‫وتجليات فلسفية لضمان لها‪ ,‬وإنما هي حقوق ثابتة ومقررة ‪ ,‬محاطة‬
‫بسياج من الحرمة والرعاية ‪ ,‬بوسائل كثيرة‪ ,‬تمنع هدرها والخلل بها‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫‪ (1‬صياغة تشريع مستمد من الفقه السلمي ‪ ,‬ينظم حقوق‬
‫الحيوان ‪ ,‬ويحدد كيفية الستفادة منه ‪ ,‬وطريقة التعامل معه‪.‬‬
‫‪ (2‬إشاعة ثقافة الرفق بشكل عام ‪ ,‬والتعامل مع الحيوان بشكل‬
‫خاص‪.‬‬
‫‪ (3‬دراسة هذا الموضوع دراسة شاملة‪ ,‬برسالة علمية مستقلة ‪,‬‬
‫تستوفي جميع جوانبه ‪ ,‬من كافة زواياه‪.‬‬

‫والحمد لله رب العلمين‬

You might also like