Professional Documents
Culture Documents
جامعة آل البيت
كلية الدراسات الفقهية والقانونية
الملخص
أثبتت الشريع السلمية للحيوان جملة من الحقوق التي تحقق المقاصد الشرعية من خلقه
ل ،وهذه الحقوق هي الحق في الحياة
وإيجاده ،وتحدد علقة النسان به انتفاعًا واستغل ً
والحق في الغذاء والحق في منع اللم والحق في المحافظة على نوعه ،وبينت الدراسة أن
هذه الحقوق ل يجوز المساس بها وإهدارها إل لمصلحة معتبرة شرعًا ،كما بينت أن هذه
الحقوق ليس مجرد توجيهات خلقية وإرشادات اختيارية ،وإنما هي حقوق محمية بجملة
2
من الضمانات التي تكفلها وتمنع انتهاكها والعتداء عليها ،وقد اشتمل هذا البحث على
مشروع قانون ينظم حقوق الحيوان ويحدد كيفية التعامل معه .
يرعون تلك الكلب والقطط هم أكثر شعوب الرض شرها ً للحم الحيوان ,
إذ يبلغ معدل استهلك الفرد عندهم من اللحم ما يعادل 126كيلو غرام, 1
بينما لتصل حصة بعض الفراد في هذا العالم أكثر من كيلو غرام واحد.2
فالبحث وإن كان في حقوق الحيوان وضماناتها,وهي المقصودة أو ً
ل ,إل أن
ة على حقوق النسان .
ة قوي ً
فيه دلل ً
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في الجابة على التساؤلت التية:
هل للحيوان حقوق في الفقه السلمي؟ .1
ما هي مصادر هذه الحقوق؟ .2
ما هي ضمانات حقوق الحيوان في الفقه السلمي؟ .3
حدود المشكلة:
ليسعى هذا البحث إلى بحث الحكام المتعلقة بالحيوان ,كما ليس من
هدفه مقارنة أقوال الفقهاء في المور المتعلقة بحقوق الحيوان ,وإنما
اعتبرنا كل رأي من الراء التي تقرر حقا ً من حقوق الحيوان ,تمثل الفقه
السلمي ,لنه ليس بمقدور مذهب فقهي واحد إبراز عظمة وعبقرية
الفقه السلمي وتميزه ,في جوانب الحياة المختلفة على مر العصور,
أدبيات الدراسة:
كثيرة هي الكتب التي تتحدث عن الحكام المتعلقة بالحيوان والرفق به ,
إل أن معظم ما اطلعنا عليه من كتابات لم تبرز الجوانب التشريعية
الرائعة والرائدة في ميدان حقوق الحيوان ,فكان معظم الكتابات يدور
حول الرفق بالحيوان ,كما أن تلك الكتابات ,أغفلت إلى حد كبير ضمانات
حق الحيوان ,لن حقا ً لضمانة له حق ضائع.
لذلك حاولت في هذا البحث أن أبرز مصادر حقوق الحيوان في الفقه
السلمي ,ثم قمت بتصنيف هذه الحقوق ,وبيان كيفية تحقيقها ,وأخيرا ً
بيان أهم الضمانات لتلك الحقوق ,مما يجعلها حقوقا ً ,لمجرد توجيهات
وإرشادات ,وهذا ما يتميزه به هذا البحث.
منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث على المناهج التية:
المنهج الستقرائي :لم يتناول الفقهاء حقوق الحيوان في (1
كتاب أو باب مستقل ,وإنما كانت التشريعات المتعلقة بها موزعة في
جميع أبواب وموضوعات الفقه السلمي ,لذا كان لبد من تتبع هذه
1أشار "معهد سياسات الرض" ،الذي يأخد من واشنطن مركزًا له إلى أن الصين إستهلكت 64مليون طن من اللحم في العام 2004
مقابل 38مليون طن للوليات المتحدة ,وإذا كان عدد سكان الصين هو 1300مليون إنسان ,وعدد سكان الوليات المتحدة حوالي 300
مليون نسمة ,فإن ناتج القسمة يكون على النحو التي:
(1حصة الفرد الصيني السنوية من اللحم هي 49.23كيلو غرام.
(2بينما حصة الفرد المريكي هي 126.66كيلو غرام ,وهي أعلى نسبة في العالم.
أنظر ذلك التقرير في BBCArabic.comاقتصاد وأعمال ,الصين أكبر مستهلك على النطاق العالمي ,الخميس 17فبراير 2005م.
, http://www.kefaya.org/05znet/050408feesh.htm 2خالد الفيشاوي ,بيان حركة تحرير الحيوان 8 ,ابريل ,2005حيث
جاء فيه ) :ويعتبر المريكيون هم أكثر شعوب الرض توحشا وقسوة حيث يبلغ متوسط استهلك الفرد من اللحوم 111كيلو جراما
سنويا ،يليهم الستراليون 90كيلوجراما سنويا ،والنجليز ،70أما شعوب العالم الثالث فينخفض معدل الستهلك ليقل عن كيلو جرام
واحد سنويا في معظم البلدان(.
4
المبحث الول
مصادر حقوق الحيوان:
المطلب الول
5
النصوص الشرعية
وهي نوعان :
أول ً النصوص العامة :وهي التي تأمر المسلم بالرفق والحسان,
في تعامله مع كل ما في هذا الوجود ,وتنهاه عن الفساد والفساد في
الرض ,ومن ذلك:
ْ
ن وَِإيَتاء ِذي سا ِ ح َل َوال ِ ْمُر ِبال ْعَد ْ ِ ن الل ّ َ
ه ي َأ ُ قال تعالى } :إ ِ ّ (1
ن{ م ت َذ َك ُّرو َم ل َعَل ّك ُ ْ ي ي َعِظ ُك ُ ْمنك َرِ َوال ْب َغْ ِشاء َوال ْ ُ ح َ ن ال ْ َ
ف ْ قْرَبى وَي َن َْهى عَ ِال ْ ُ
]:90النحل [
وجه الدللة في الية الكريمة:
في الية أمر بالمصالح وأسبابها ,ونهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ,
وهذا نهي عن المفاسد وأسبابها ,3وقد اعتبرالعز بن عبدالسلم هذه
الية أجمع آية في القرآن للحث على المصالح كلها ,والزجر عن
المفاسد بأسرها ,4ويقول ابن العربي فيها) :وأما الحسان في العمل
فالحسن ما أمر الله به ,حتى إن الطائر في سجنك ,والسنور في
ً 5
دارك ,لينبغي أن تقصر في تعهده ,ويقال الحسان أل تترك لحد حقا(
َ
كسد َ فِي َِها وَي ُهْل ِ َ ف ِ ض ل ِي ُ ْسَعى ِفي الْر ِ ذا ت َوَّلى َ قال تعالى } :وَإ ِ َ (2
ساد َ { ]:205البقرة[ ف َ
ب ال َ ح ّ ه ل َيُ ِ ّ
ل َوالل ُس َ
ث َوالن ّ ْحْر َال ْ َ
وجه الدللة في الية الكريمة:
6
تنعى الية على أولئك الذين يعملون الفساد في الرض بإتلف الزرع ,
وإهلك الحيوان وإفنائه دونما مقصد شرعي ,يقول الطبري ...) :والمراد
بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي ليحل قتله
بحال ,والذي يحل قتله في بعض الحوال إذا قتله بغير حق ,بل ذلك كذلك
عندي ,لن الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا ً دون شيء بل
7
عمه ,وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل(
روى المام مسلم قال :ركبت عائشة بعيرا ً فكانت فيه صعوبة (3
فجعلت تردده ,فقال رسول الله عليك بالرفق .
8
11رواه مسلم في كتاب ,قتل الحيات ونحوه ,باب تحريم قتل الهر.
12محمد بن علي الشوكاني :نيل الوطار ,دار الحديث ,ج ,7ص 8
13أبو عثمان عمرو بن بحر ,كتاب الحيوان,تحقيق عبدالسلم هارون,بيروت ,دار الجيل,ج ,1ص 28
14الشوكاني :نيل الوطار ,ج ,7ص 8
15الشوكاني :نيل الوطار ,ج ,7ص 8
16رواه ومسلم ,في كتاب قتل الحيات ونحوها باب فضل ساقي البهائم المحترمة.
17النووي,صحيح مسلم بشرح النووي,ج ,14ص 241
18أنظر محمد الطاهر بن عاشور ,مقاصد الشريعة السلمية,تونس ,الشركة التونسية للتوزيع,بدون تاريخ ,ص .51
7
ترفع الفساد الواقع على الحيوان ,ومن الحكام التي شرعها الفقهاء بناء
على ذلك ما ذكره ابن قدامة:
)من ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها ,وبه
قال الليث والحسن بن صالح وإسحاق ,إل أن يكون تركها ليرجع إليها ,أو
ضلت منه ,وقال مالك هي لمالكها الول ويغرم ما أنفق عليها ,وقال
الشافعي وابن المنذر هي لمالكها والخر متبرع بالنفقة (
وقد استدل ابن قدامة بالدلة التية:
ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله .1
عليه وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها
19
فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له.
ولن في الحكم بملكها: .2
إحياءها وإنقاذها من الهلك , •
وحفظا ً للمال عن الضياع •
ومحافظة على حرمة الحيوان, •
وفي القول بأنها لتملك تضييع •
20
لذلك كله من غير مصلحة
والتعليل بالمصلحة واضح في هذه الدلة.
منع المفسدة المتوقعة على الحيوان. 2
ً
ليكتفي التشريع السلمي برفع الفساد الواقع ,وإنما يعمل جاهدا لرفع
الفساد المتوقع ,لن مآله في النهاية فساد كالفساد الواقع,ومن الدلة
التشريعية التي تمنع الفساد المتوقع قبل وقوعه سد الذرائع ,وقد اعتمد
عليه الفقهاء في تقرير حقوق الحيوان ,ومن المثلة على ذلك ما يأتي:
منع الفقهاء بيع الديكة لمن (1
21
يهارش بها ,والكباش لمن يناطح بها ,والدابة لمن يحملها فوق
طاقتها.22
نص الفقاء على انه يحرم على مالك الدابة (2
23
أن يحلب من لبنها ما يضر بولدها ,لن كفايته واجبة على مالكه .
وهذه الحكام هي من باب العمل بسد الذرائع ,تحقيقا ً لمصلحة
الحيوان.
المطلب الثالث
القياس
استند الفقهاء إلى القياس كثيرا ً لثبات حقوق الحيوان ,وبيان حدودها و
ة
ضوابطها ,ولبيان حكم العتداء عليها ,ومن المعلوم أن القياس حج ٌ
ة ومصدٌر من المصادر التي يعتمد عليها في إثبات الحكام,ومن شرعي ٌ
الحقوق التي أثبتها الفقهاء بالقياس ما يأتي :
نص الفقهاء على عدم جواز قتل الهر إذا سرق مرة , (1
ولم يتكررمنه فعل السرقة ,فل يقاس على الميئوس منه
19حديث مرسل رواه أبوداود في كتاب البيوع باب من أحيا حسيرًا ,حديث 3523رقم ,سليمان بن الشعث السجستاني ,سنن أبي داود
تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ,دار الفكر ,بيروت.
20ابن قدامة :المغني ,ج ,6ص 33المسألة رقم 4553
21أحمد سلمة القليوبي وأحمد البرسلي عميرة,حاشيتا قليوبي وعميرة,بيروت ,دار إحياء اكتب العربية ,ج ,2ص 229
22أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي ,تحفة المحتاج في شرح المنهاج ,بيروت دار إحياء التراث العربي ,ج ,4ص 317
23منصور بن يونس البهوتي ,كشاف القناع عن متن القناع,بيروت ,دار الكتب العلمية ,ج ,5ص 494
8
المبحث الثاني
حقوق الحيوان
أثبتت الشريعة السلمية للحيوان جملة من الحقوق ,تسعى إلى تحقيق
مقصد خلقه ,وغاية وجوده ,وهذه الحقوق تؤول في النهاية لمنفعة
ومصلحة النسان ,لن الحيوان إنما خلق لمنفعة النسان ,فأضحت
ة للنسان مآ ً
ل, مصلحته حال ً مصلح ً
وفي المطالب التية نبين أهم هذه الحقوق.
المطلب الول
حق الحيوان في الحياة.
للحيوان الحق في الحياة ,يجب المحافظة له عليها ,وهذه الحياة مقيدة
بأن لتكون على حساب غذاء أو مصلحة أو حياة النسان ,يقول الصفهاني
) :واعلم أن كل ما أوجد في هذا العالم فإنما أوجد لجل النسان ,إما
لنتفاعه به كالخيل والبغال والحمير ,أو الغذية له كالبقر والغنم والحبوب
32
والثمار ,وإما لنتفاع ما ينتفع به النسان كالعشب والحشرات(
ويظهر هذا الحق في المور التية:
لحرمة قتل الحيوان لغير منفعة. أو ً
من المور التي لشك فيها أن مصلحة النسان مقدمة على مصلحة
الحيوان,لن كل ما في هذه الوجود خلق لمنفعة النسان ومصلحته ,قال
ميعًا{ ]:29البقرة[ ,والمعنى ج ِ
ض َ ِ ما ِفي ال َْر كم ّ خل َقَ ل َ ُ ذي َ تعالى }هُوَ ال ّ ِ
كما يقول الطبري ) :أن الرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع (,33وقوله
ْ َ
م ِفيَها ن ،وَل َك ُ ْ من َْها ت َأك ُُلو َمَنافِعُ وَ ِ فٌء وَ َ م ِفيَها دِ ْ قَها ل َك ُ ْ خل َ َ م َ تعالى}َوالن َْعا َ
كوُنوام تَ ُ م إ َِلى ب َل َدٍ ل َ ْ قال َك ُ ْل أ َث ْ َم ُ ح ِن ،وَت َ ْ حو َ سَر ُ ن تَ ْحي َ ن وَ ِ حو َ ري ُ ن تُ ِ حي َ ل ِ ما ٌ ج َ َ
ميَر ح ْ ل وا لَ غا بْ ل وا
َ َ ْ َ َِ َ
ل ي خ ْ لوا ، م حي ر ف ؤو ُ ر َ ل م ُ ك ب ر ن إ س ُ ف َ
ن ل ا ق ش ب ّ ل إ ه غي ل با
َ َ ِ ٌ َ ِ ٌ ِ ِ ّ َ ّ ْ َ ْ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ّ
ن{ ]:8النحل[ مو َ َ
ما ل ت َعْل ُ خلقُ َ ُ ة وَي َ ْ ها وَِزين َ ً ل ِت َْرك َُبو َ
وقد قرر الفقهاء بناء على ذلك أن المصلحة المتحققة للنسان
أولى من المفسدة التي تلحق بالحيوان ,34وقرر الفقهاء أنه ليجوز
إيثار البهيمة وتقديمها على النفس ,يقول الزركشي ) :ول خلف أنه ليحل
إيثار البهيمة ,وكيف يظن هذا ,ويجب قتل البهيمة لستبقاء المهجة (,35
32أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل ,المعروف بالراغب الصفهاني ,الذريعة إلى مكارم الشريعة ,تحقيق أبو اليزيد العجمي
,القاهرة ,دار الصحوة ,ط ,1,1985ص 84
33الطبري,جامع البيان,ج ,1ص 190
34يقول العز بن عبدالسلم ) :ومفسدة هلك النسان أعظم من مفسدة هلك الحيوان( ,عبدالعزيزبن عبد السلم ,قواعد الحكام في
مصالح النام,بيروت ,دار الكتب العلمية,ص ,74ويقول أيضًا ) :ذبح الحيوان المأكول للتغذية مفسدة في حق
الحيوان ,لكنه جاز تقديما ً لمصلحة بقاء النسان على مصلحة بقاء الحيوان( ,قواعد الحكام في مصالح النام,ج
,1ص 102
35بدر الدين بن محمد بن بهادر الزركشي ,المنثور في القواعد الفقهية,تحقيق تيسير فائق ,وزارة الوقاف الكويتية,ج ,1ص 212
10
ويقول النووي ):وكذا ليؤثر بهيمة على نفسه( ,36والعلة في ذلك ما ذكره
ابن حجرمن أن ) حرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان(.37
وبناء على ذلك يجوز ذبح الحيوان للكل ,أو للنتفاع بجلده أو غيره ,وفي
هذه الحال يسقط حق الحيوان في الحياة ,كذلك يجوز ركوبه وتحميله
الثقال ,أما قتل الحيوان أو ذبحه لغير مأكلة أو منفعة حاصلة للنسان فقد
نص الفقهاء على حرمة ذلك الفعل وعدم جواز القيام به ,ويجب منعه,
والحيلولة دون وقوعه ,ومن الدلة على ذلك :
ن {] , م َل ي َ ْ
شعُُرو َ جُنود ُهُ وَهُ ْ
ن وَ ُ سل َي ْ َ
ما ُ من ّك ُ ْ
م ُ حط ِ َقوله تعالى َ } :ل ي َ ْ
:18النمل[ ,يقول القرطبي في تفسيرها ) :فقولها وهم ليشعرون التفاتة
مؤمن أي من عدل سليمان وفضله ,وفضل جنوده ليحطمون نملة فما
فوقها إل بأل يشعروا (, 38وهذا يدل على أن المؤمن ليصدر منه الذى
قصدًا,فهو مصدر أمن وأمان حتى للحيوان العجم ,يقول ابن العربي:
) فانظر إلى فهمها بأن جند سليمان لم يكن فيهم من يؤذي نملة مع
القصد إلى ذلك ,والعلم به ( ,39وهذا هو شأن المؤمن.
وقد اعتبر الفقهاء أن حق الحيوان في الحياة راجع إلى حق الله تعالى
40
وهذا يدل أهمية ذلك الحق ,وأهمية المحافظة عليه ,يقول الشربيني :
)ويحرم إتلف الحيوان المحترم للنهي عن ذبح الحيوان إل لكله ,وخالف
الشجار ,لن للحيوان حرمتين :حق مالكه ,وحق الله تعالى ...ولذلك
يمنع مالك الحيوان من إجاعته وعطشه بخلف الشجار( ,41وقد نص
الفقهاء على حرمة اصطياد المأكول بغير نية الذكاة ,لنه يؤول إلى إهلكه
بغير مقصد شرعي ,مما يجعل الفعل عبثا ً وهو ممنوع شرعا ً . 42
كما يجوز قتل الحيوان لدفع أذاه الذي يلحق بالنسان ,أما ما لضرره منه
فل يجوز قتله ,يقول ابن قدامة ) :كل ما آذى الناس ,وضرهم في
أنفسهم وأموالهم ,يباح قتله ,لنه يؤذي بل نفع ,أشبه الذئب ,وما
لمضرة فيه ,ليباح قتله ,لما ذكرنا من الخبر( ,43وجواز قتل المؤذي مقيد
بما يأتي:
أن ليندفع أذاه إل بالقتل ,فإن أمكن دفع أذاه بل قتل فل •
44
يجوز قتله .
45 ً
أن يكون أذاه أو ضرره خارجا عن المعتاد والمحتمل . •
وحق الحيوان في الحياة مقدم على حق النبات ,كما أن حرمة الحيوان
مقدمة على حرمة المال الذي لروح ,فإذا تعارض حق الحيوان في الحياة
مع حرمة المال يقدم الحيوان ويضحى بالمال وليجوز تقديم المال ,يقول
البهوتي ) :ولو أشرفت السفينة على الغرق فالواجب على الركبان إلقاء
36يحيى بن شرف النووي :المجموع شرح المهذب ,القاهرة,المطبعة المنيرية,ج ,9ص 48
37العسقلني ,فتح الباري,ج ,6ص 359
38محمد بن أحمد النصاري القرطبي,الجامع لحكام القرآن,القاهرة ,دار الشعب ,ج ,13ص 170
39ابن العربي,أحكام القرآن,ج ,3ص 475
40محمد بن أبي بكر الزرعي ,المعروف بإبن قيم الجوزية ,إعلم الموقعين عن رب العالمين,تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد,
بيروت ,دار الكتب العلمية ,ج ,2ص 18
41الشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,6ص 37
42مختصر خليل ,مطبوع مع شرحه مواهب الجليل ج ,3ص ,222زكريا بن محمد بن زكيا النصاري ,أسنى المطالب شرح دليل
الطالب ,بيروت ,دار الكتاب السلمي ,ج ,1ص 555
43ابن قدامة :المغني ,ج ,4ص 173المسألة رقم 3156
44أحمد بن محمد بن علي بن حجرالهيثمي,الفتاوى الفقهية الكبرى,المكتبة السلمية ,ج ,4ص 240
45الحطاب :مواهب الجليل ,دار الفكر,ج ,3ص 236
11
بعض المتعة حسب الحاجة ,أي يجب إلقاء ما تظن به النجاة من المتاع ,
ولو كله دفعا ً لعظم المفسدتين بأخفهما ,لن حرمة الحيوان أعظم
من حرمة المتاع ,ويحرم إلقاء الدواب المحترمة ,حيث أمكن التخفيف
بالمتعة ,وإن ألجأت الضرورة إلى إلقائها أي الدواب ,جاز القاؤها صونا ً
للدميين ( ,46ومن المسائل التي ذكرها الفقهاء والتي تدل على تقديم
حق الحيوان على حرمة المال ما يا يأتي:
ً ً
ما لو غصب رجل خيطا فخاط به شيئا ,فإن كان (1
ماخاط به لروح فيه وجب عليه نزع الخيط ورده إلى
صاحبه ,وإن كان فيه روح كالحيوان المحترم فل يجوز نزعه,
) إبقاًء لحرمته ,لن حرمة الحيوان آكد من حرمة المال ,
47
لنه ينجبر برد بدله ,وحق الحيوان لجابر له (
المحافظة على أجنة الحيوان ,والمنع من العتداء (2
ً
عليها ,وقد ذكر الفقها ء صورا من ذلك تثير العجب والدهشة
من احترام السلم لحق جنين الحيوان في الحياة,ومن ذلك :
ما ذكره المام النووي ) :لو قتل -أي المحرم- •
ً ً
صيدا حامل قابلناه بمثله حامل ,ولنذبح الحامل بل ً
48
يقوم المثل حامل ً ويتصدق بقيمته طعاما ً أو يصوم(
ويقول ابن حجر في الهر) إذا ما اخذ شيئا ً وهرب •
وغلب على الظن أنه ليدركه فله رميه بنحو سهم
ليعوقه عن الهرب ,وإن أدى إلى قتله ,ومحله إن
لم يكن أنثى حامل ً ,وإل لم يجز رميها مطلقا ً
رعاية لحملها ,إذ هو محترم لم يقع منه
49
جناية ,فل يهدر بجناية غيره(
حق الحيوان في الحياة زمن الحرب.
ولم يكتف فقهاء المسلمين ,بالمحافظة على حق الحيوان في وقت
السلم فقط ,وإنما حافظوا عليها في زمن الحرب ,فقد منع فقهاء
المسلمين استهداف الحيوان بالسلح أو غيره مما يؤدي إلى قتله أو
إيذائه ,هذا إذا لم يكن الحيوان مشاركا ً في عملية المداد والسناد,عن
سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما بعث أمراء الجنود
نحو الشام يزيد بن أبي سفيان ,وعمرو بن العاص ,وشرحبيل بن حسنة ,
قال ) :أوصيكم بتقوى الله عزوجل أغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر
بالله ,فإن الله تعالى ناصر دينه ولتغلوا ولتغدروا ولتجنبوا ولتفسدوا في
الرض ولتغرقن نخل ً ولتحرقنها ,ولتعقروا بهيمة ,ولشجرة تثمر ول
تهدموا بيعة(50ويقول المام الشافعي ) :فلما كان قتل ذوات الرواح من
البهائم محظورا ً إل بما وصفت لك ,كان عقر الخيل والدواب التي ل راكب
عليها من المشركين محظورا ً داخل ً في معنى الحظر ,خارجا ً من معنى
المباح(,51
46منصور بن يونس البهوتي ,كشاف القناع عن متن القناع,بيروت ,دار الكتب العلمية ,ج 132 ,4
47زكريا بن محمد بن زكريا النصاري ,أسنى المطالب شرح روض الطالب, ,ج ,2ص 359
48النووي ,المجموع,ج ,7ص 433
49ابن حجر الهيثمي ,الفتاوى الفقهية الكبرى,ج ,4ص 240
50أحمد بن محمد الطحاوي,مشكل الثار,بيروت ودار الكتب العلمية ,ج ,1ص 145
51الشافعي ,الم,ج ,4ص 274
12
المطلب الثاني
حق الحيوان في الغذاء
من الحقوق المقررة للحيوان في التشريع السلمي حقه في الطعام
والشراب ,سواء كان الحيوان مملوكا ً أو غير مملوك,ويظهر اعتبار التشريع
السلمي لهذا الحق في المور التية:
أول ً حرمة الحيلولة بين الحيوان وبين الغذاء,
والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (3
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :عذبت إمرأة في
هرة سجنتها حتى ماتت ,فدخلت فيها النار لهي أطعمتها وسقتها إذ
حبستها ,ولهي تركتها تأكل من خشاش الرض. 62
ووجه الدلة في الحديث :
ً
) إن مجرد ربط الحيوان المملوك ليس حراما ,لنه لم يرتب الذم إل
على ترك إطعامها وإرسالها ,وقال النووي فيه دليل لتحريم قتل الهرة,
وتحريم حبسها بغير طعام أوشراب (,63
ثانيا ً وجوب تقديم الغذاء له إن كان قدرا ً عليه ,وزائدا ً عن
حاجته.
يحب على مالك الحيوان والدواب ,أن يتعهدها بالطعام والشراب ,ويحرم
عليه المتناع عن ذلك ,هذا ما نص عليه الفقهاء ,ويمكن بيان مظاهر هذا
الوجوب في المور التية:
الحيوان وإن كانت واجبة ديانة إل أنها ليست واجبة قضاًء ,فليجبر إل
من باب المعروف والنهي عن المنكر,
ودليلهم في ذلك:
إن الجبر على الحق إنما يكون عند الطلب والخصومة من صاحب
الحق ,ولخصم هنا ,لن الدابة ليست أهل ً للخصومة.69
القول الثاني :وهو قول الجمهورومعهم أبو يوسف من الحنفية أن
نفقة الحيوان واجبة قضاًء كما هي واجبة ديانة.
ودليلهم:
.1لن في ترك النفقة على الحيوان تعذيبا ً له بل فائدة ,وتضييعا ً
للمال ,وهي أمور منهي عنها شرعًا ,لنه سفه وخال عن العاقبة
الحميدة ,والسفه حرام عقل ً.70
.2لنها نفقة واجبة عليه ,فكان للسلطان إجباره عليها. 71
والذي نراه راجحا ً هو قول الجمهور ,لقوة أدلتهم ,ثم إن
الخصومة,يمكن أن يتولها المحتسب,كما في متولى الوقف.
64الشربيني :مغني المحتاج,ج ,5منصور بن يونس البهوتي ,كشاف القناع عن متن القناع,بيروت ,دار الكتب العلمية ,ج ,5ص,
,494أحمدبن يحيى بن المرتضى :البحر الزخار,دار الكتاب السلمي ,ج , 4ص ,284
65النصاري :أسنى المطالب ,ج ,3ص 456
66محمد بن شهاب الدين الرملي :نهاية المحتاج على شرح المنهاج,بيروت ,دار الفكر ,ج ,7ص 243
67منصور بن يونس البهوتي,شرح منتهى الرادات,بيروت ,دار الكتب العلمية,ج ,3ص 247
68مسعود بن أحمد الكاساني,بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ,بيروت ,دار الكتب العلمية,ج ,4ص 40
69الكاساني,بدائع الصنائع ,ج ,4ص 40
70الكاساني,بدائع الصنائع ,ج ,4ص 40
71ابن قدامة :المغني ,ج ,8ص ,206المسألة رقم 6579
15
المطلب الثالث
حقه في منع التعذيب
القاعدة العامة في التشريع السلمي هي أن الصل هو عصمة بدن
الحيوان عن اليلم والبتذال ,72وعليه فإذا لم يكن هناك حاجة معتبرة
شرعا ً ليلم الحيوان يحرم إيلمه,وقد نص الفقهاء على الكثير من الصور
الممنوعة والمحرمة ,لنها تلحق اللم بالحيوان ,وأهمها ما يأتي:
أول ً التعذيب بالضرب لغير منفعة.
يجوز الحاق اللم بالحيوان إذا كان في إيلمه مصلحة معتبرة شرعا ً,73
كمصلحة الترويض والتأديب والعلج ,74أو إذا كانت المنفعة راجعة لنسان,
وذلك بالشروط التية:
أن تكون المنفعة المتحصلة من إيقاع اللم أعظم من .1
المفسدة الناشئة عنه,فإذا كانت المنفعة تافهة في مقابل اللم الذي
يلحق بالحيوان ,فل يجوز إيقاعها.75
التدرج في ايقاع اللم ,فإذا تحقق المقصود دون ألم فل يجوز .2
اليلم ,لن اللم بذاته غير مشروع ,وإن تحصل بالدنى لم يعدل
عنه إلى العلى.76
أن يكون اللم معتادا ً مألوفًا ,أما إذا كان غيَر معتاد ول مألوف .3
ً
,وكان قاسيا شديدا فل يجوز إيقاعه ,ومن ذلك الكشف عن الحمل ً
عند الدواب عند بيعها أو شرائها,فإن كان الكشف من الخارج ,فهو
جائز ,أما إن كان الكشف داخليا ً بإدخال اليد في الفرج فل يجوز
ذلك ,لن فيه إيلما ً لمبرر له ,وهو من تعذيب الحيوان المنهي عنه
شرعا ً.77
ثانيا ً تكليف الحيوان فوق طاقته.
للحيوان طاقة معينة وقدرة محددة ليجوز تجاوزها ,وتكليفه من العمال
ما ليتحمله وليطيقه,إل بعنت وحرج شديدين ,لن في ذلك تعذيبا ً له,
وانتهاكا ً لحقه وحرمته ,وهو من الضرر المنهي عنه شرعا ً ,78ومن الصور
التي ذكرها الفقهاء في هذا المجال ما يأتي:
ة فحملها المؤجُر فوق طاقتها ليجوز للمستأجر الرضى لو استأجر رج ٌ
ل داب ً
بذلك,
عدم جواز إجارة البهائم المريضة والزمنة)ذات المرض
ً
المزمن( ,لن في هذه الجارة تكليفا للحيوان فوق طاقته .
79
ة ,أو دفع أذى. ثالثا ً إحسان قتلها إذا ما كان في قتلها مصلح ٌ
بينا سابقا ً جواز قتل الحيوان أو ذبحه لمنفعة مقصودة شرعا ً كمنفعة الكل
,أو مصلحة دفع الذى ,وهذا كله مقيد ٌ بإحسان القتل والذبح ,لقوله:
72يقول الحطاب) :إن الصل عدم تعذيب الحيوان( ,مواهب الجليل ,ج ,3ص .189
73بل يجوز إلحاق اللم بالنسان نفسه ,كما في حالة العلج أو الصلح ,فالعقوبات لتعدو كونها ألمًا يلحق بالنسان ,إل أنه معتبر
شرعًا ,لصلح الجاني ,وزجر غيره.
74جاء في البحر الرائق ) :وفي المحيط أن الصل إيصال اللم إلى الحيوان لمصلحة تعود إلى الحيوان يجوز( زين الدين بن إبراهيم بن
نجيم,البحر الرائق شرح كنز الدقائق,بيروت ,دار الكتاب السلمي,ج 232 ,8
75عبدالعزيزبن عبد السلم ,قواعد الحكام,ج ,1ص 122
76عبدالعزيزبن عبد السلم ,قواعد الحكام ,ص 88
77محمد بن أحمد بن محمد عليش :فتح العلي المالك ,بيروت و دار المعرفة ,ج ,2ص 119
78البهوتي ,كشاف القناع,ج ,5ص 494
79علي بن سليمان المرداوي ,النصاف في معرفة الراجح من الخلف ,بيروت ,دار إحياء التراث العربي ,ج ,6ص 34
16
)إن الله كتب الحسان على كل شيء ,فإذا قتلتم فأحسنوا اِلقتلة ,وإذا
ح ذبيحَته(,80 دكم شفرَته ,ولير ْ ذبح ,وليحد ْ أح ُ
ذبحتم فأحسنواال ِ
وقد وضع الفقهاء جملة من المور التي يجب على الذابح اتباعها,لتخفيف
ألم الذبح على الحيوان,ومن ذلك:81
أن ليجر الحيوان برجلهاجرًا عنيفًا. •
أن ليذبح بسكين كالة غير حادة. •
أن ليشرع في السلخ حتى تبرد الذبيحة ,وتخرج منها الروح. •
وإحسان القتل ليس مقتصرا على الحيوان المأكول بل هو واجب في كل ً
حيوان حتى المؤذي منها ,كالذئب المفترس ,والكلب العقور ,فإذا اندفع
أذاه بالقتل الرفيق ليجوز المعان في اللم ,وعليه فليجوز قتله بما فيه
تعذيب له ,كأن يحبس ليهلك جوعا ً أو عطشا ً أوغيره,82والقاعدة العامة أن
عه,ما دام أن المقصود يتحقق بدونه ,حتى كل ما فيه زيادة ألم ليجوز إيقا ُ
83
وإن كان الذبح أو القتل لغاية مشروعة .
رابعا ً كراهيه حبسها لغير منفعة معتبرة شرعاً.
لخلف بين العلماء في جواز حبس الحيوان لمنفعة تعود عليه أو على
النسان ,ولكن بشرط أن يتعهده صاحبه بالعناية والرعاية ,وأن يحفظ له
قه في الطعام والشراب ,يقول ابن حجر الهيثمي ) :وسئل القفال عن ح َ
حبس الطيور في أقفاص لسماع أصواتها وغير ذلك فأجاب بالجواز ,إذا
84
تعهدها مالكها بما تحتاج إليه ,لنها كالبهيمة تربط(
85 ً
إل أن البعض ذهب إلى كراهة ذلك الفعل ,لن فيه تعذيبا للحيوان ,يقول
السفاريني ) :وقد سئل ابن عقيل حمه الله ورضي عنه عن حبس الطير
ه وبطٌر يكفينا أن نقدم على ذبحها لطيب نغمتها ,فقال طيب الله ثراه :سف ٌ
ة على الطيران ف من الحمام ربما هتفت نياح ً للكل فحسب ,لن الهوات َ
م بنياحته ؟! ,فقد منع وذكر فراخها ,أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا ً ليترن َ
ً 86
من هذا أصحابنا وسموه سفها (
خامسا ً حرمة التحريش بينها وبين غيرها من النسان
والحيوان.
87
نص الفقهاء على حرمة الغراء بين الحيوانات والتحريش بينها ,لن هذا
ة معتبرةٌ شرعا ً ,ولنه يؤدي إلى تعذيب الحيوان الفعل ليس فيه مصلح ٌ
وإيلمه من غير فائدة تعود على الحيوان أو النسان ,وقد استند الفقهاء
في ذلك الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول
88
الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم(
يقول الشوكاني ) :قال في القاموس :التحريش :الغراء بين القوم أو
الكلب ,وظاهر الحديث أن الغراء بين ما عدا الكلب من البهائم ,يقال
80رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ,باب المر بإحسان الذبح والقتل و تحديد الشفرة.
81محمد بن محمد بن أحمد بن الخوة القرشي :معالم القربة في معالم الحسبة ,كمبرج ,دار الفنون ,ص 98
82الرملي :نهاية المحتاج ,ج ,7ص 242
83مجموعة من العلماء :الفتاوى الهندية ,بيروت ,دار الفكر ج ,5ص 288
84ابن حجرالهيثمي ,تحفة المحتاج ,ج ,9ص 210
85البهوتي,شرح منتهى الرادات,ج ,3ص 593
86محمد بن أحمد بن سالم السفاريني,غذاء الللباب في شرح منظومة الداب,مؤسسة قرطبة ,ج ,1ص 230
87النووي :المجموع,ج ,6ص 157
88رواه ابو داود والترمذي بإسناد صحيح ,لكن فيه أبو يحيى القتات ,وفي توثيقه خلف,وروى له مسلم في صحيحه ,النووي :
المجموع ,ج ,6ص 155
17
له تحريش ,ووجه النهي أنه إيلم للحيوانات واتعاب لها بدون فائدة ,بل
89
مجرد عبث (
ويدخل في ذلك مصارعة الثيران التي تحدث في بعض دول العالم ,إذ فيه
من اللم والضرار بالحيوان ما يقطع بتحريمه.
سادسا ً عدم حبسها أو جمعها مع ما يؤذيها من الحيوانات
الخرى.
ليكتفى من مالك الدواب أن يمتنع عن إيذائها ,وإنما يحب عليه أن يمنع
عنها كل ما يؤذيها من الناس والدواب ,لذلك ليجوز له أن يسمح للطفال
والسفهاء بالعبث فيها ,وإيذائها بصور اليذاء المختلفة ,ومن ذلك أيضا ً أن
يحبسها مع ما يؤذيها من الحيوانات الخرى ,يقول العز) :حقوق البهائم
ة مثلها ,ولو زمنت والحيوان على النسان ,وذلك أن ينفق عليها نفق َ
أو مرضت بحيث لينتفع بها ,وأن ليحملها ما لتطيق ,وليجمع بينها وبين
ما يؤذيها من جنسها أو من غير جنسها بكسر أو نطح أو جرح (.90
وكذلك نص الفقهاء على حرمة إنزاء الخيل على البقر ,وعللوا ذلك
باليذاء الذي يلحق بالبقر من جراء ذلك الفعل ,يقول الشربيني) :قال
الذرعي :والظاهر تحريم إنزاء الخيل على البقر ,لضعفها وتضررها بكبر
91
آلة الخيل(
سابعًاعدم إطعامها ما يؤذيها ,أو فوق حاجتها لجل تسمينها.
ليجوز إطعام الحيوان طعاما ً أوسقايته شرابا ً يؤذيه لغير فائدة تعود عليه
أوعلى النسان ,فليحل إطعامه سما ً أو حشيشة ,92أو سقيها الخمر أو ما
هو مسكر ,لن فيه تعذيبا ً لها,93
وكذلك كره الفقهاء إجبار الحيوان على الكل أو الشرب فوق طاقته لجل
تسمينه , 94لن في ذلك تعذيبا ً له,95
ثامنا ً التفريق بينها وبين ولدها.
نص الفقهاء على حرمة التفريق بين البهيمة وولدها ,إذا كان صغيرا ً
معتمدا ً على أمه في رضاعته ,وحياته متوقفة عليها ,أما إذا أخذ الصغير
96
لذبحه فيجوز ,لنتفاء التعذيب عنه,
وقد نص الفقهاء أيضا ً على أن الراعي إذا استؤجر لرعي الغنام ولم يكن
عرفه برعاية الولد ,يجب على رب الغنم أن يأتي ,براٍع آخر ليرعى معه
الصغار ,حتى ليفرق بين الصغار وبين أمهاتها ,97ويعلل الدسوقي ذلك
عليها ودعوها فإنها ملعونة ,قال عمران فكأني أراها الن تمشي في الناس
104
ما يعرض لها أحد.
ً
يقول النووي في شرحه ) :إنما قال هذا زجرا لها ولغيرها ,وكان قد سبق
نهيها ونهي غيرها عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة ,والمراد النهي عن
مصاحبته لتلك الناقة في الطريق ,وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير
مصاحبته وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا ,فهي
باقية على الجواز ,لن الشرع ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما
105
كان(
تحريم تشويه وجهه بضربه أو (2
وسمه.
قد تدعو الحاجة أحيانا ً إلى ضرب الحيوان لصلحه وتأديبه ,إذا تعين
الضرب وسيلة لذلك ,ويكون هذا الفعل جائزا ً بمقدار ما تتحقق به
ة ,وكذلك وسم الحيوان ,إل أن الفقهاء نصوا على حرمة ضرب المصلح ُ
الحيوان في الوجه وكذلك وسمه ,فقد روى المام مسلم عن جابر قال :
نهى رسول الله عن الضرب في الوجه ,وعن الوسم في الوجه.106
يقول الشوكاني في شرحه ) :وفيه دليل على تحريم وسم الحيوان في
وجهه ,وهو معنى النهي حقيقة ,ويؤيد ذلك اللعن الوارد لمن فعل ذلك ,
كما في الرواية المذكورة في حديث الباب ,فإنه ليلعن -ρ -إل من فعل
محرما ً ,وكذلك ضرب الوجه ,قال النووي :وأما الضرب في الوجه
فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الدمي والحمير والخيل والبل
والبغال والغنم وغيرها ...وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالجماع
م لكرامته ,ولنه لحاجة إليه للحديث ولما ذكرنا ,فأما الدمي فوسمه حرا ٌ
وليجوز تعذيبه ,وأما غير الدمي فقال جماعة من أصحابنا :ليجوز فأشار
إلى تحريمه وهو الظهر ,لن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ,
واللعن يقتضي التحريم ,وأما وسم غير الوجه من غير الدمي فجائز بل
خلف عندنا ,لكن يستحب في َنعم الزكاة والجزية و وليستحب في غيرها
,ولينهى عنه ,قال أهل اللغة :الوسم أثر الكي ...وأصله من
107
السمةالعلمة (
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم الستنجاء بأجزاء الحيوان المتصلة,
كالذنب والذن والصوف والوبر والشعر وغيرها ,لن فيه امتهانا ً وابتذال ً
له.108
حادي عشر إراحته من اللم والعناء بالقتل الرحيم.
قد يعجزالحيوان عن إعالة نفسه لمرض أو هرم أو صغر,ويعجز مالكه عن
رعايته والنفقة عليه ,وقد يصاب بمرض أو بجرح يلحق به اللم الشديد ,أو
قد ليتيسر له الطعام أو الشراب ,مما يجعل حياته عذابا ً له ,فنقف أمام
ذلك عاجزين عن رفع اللم والمعاناة عنه ,لذلك نص الفقهاء على جواز
ذبحه لراحته من اللم والعذاب ,ارتكابا ً لخف الضررين ,109يقول القرافي:
) قال صاحب البيان قال ابن القاسم:الدابة التي ليؤكل لحمها إذا طال
104رواه مسلم في كتاب البر والصلة والداب ,باب النهي عن لعن الدواب,
105النووي,صحيح مسلم بشرح النووي,1981,ج ,16ص 147
106رواه مسلم في كتاب باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه.
107الشوكاني :نيل الوطار ,ج ,8ص 99
108النووي :المجموع,ج ,2ص 138
109الحطاب :مواهب الجليل,ج ,3ص 236
20
أثبت الفقه السلمي للحيوان الحق في بقاء نوعه ,لذلك ليجوز قتله أو
ذبحه إذا كان ذلك يؤدي إلى انقراضه وفنائه ,وإن من مفاخر السلم
العظيمة أن أول محمية طبيعية عرفتها البشرية كانت في السلم ,وهي
مكة المكرمة والمدينة ,113إذ ليجوز صيدها ,ول يقطع شجرها ,وليروع
آمنها,فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال
حرم الله مكة فلم تحل لحد قبلي ول لحد بعدي ,أحلت لي ساعة من
نهار ,ل يختلى خلها ,ول يعضد شجرها ,ول ينفر صيدها ,ول تلتقط لقطتها
ف ,فقال العباس رضي الله عنه إل الذخر لصاغتنا وقبورنا فقال إل لمعر ٍ
114
إل الذخر .
وإذا كان المقصد من إيجاد المحميات الطبيعية هو حماية الصناف
المهددة بالنقراض ,فإن مكة محمية لكل من وردها ,سواء كان مهددا ً
بالنقراض أم ل ,ومما يدل على أن الحفاظ على نوع الحيوان حق من
حقوق الحيوان ما يأتي :
َ
كسد َ فِي َِها وَي ُهْل ِ َ
ف ِ
ض ل ِي ُ ْ ذا ت َوَّلى َ
سَعى ِفي الْر ِ قال تعالى } :وَإ ِ َ .1
ساد َ { ]:205البقرة[ ف َب ال َ ه ل َيُ ِ
ح ّ ل َوالل ّ ُس َ
ث َوالن ّ ْ
حْر َال ْ َ
وجه الدللة في الية :
114رواه البخاري في كتاب الجنائز ,باب الذخر والحشيش في القبر ,حديث رقم .1349
21
ينعى الله تعالى على المنافقين الذين إذا سعوا في الرض عملوا 115فيها
الفساد ,وذلك بإهلكهم الزرع ,وإهلكهم لنسل الحيوان,ولول أن ذلك
الفعل قبيح لما نهاهم عنه ,ولما ذمهم عليه ,يقول الطبري ) :اختلف أهل
التأويل في وجه إهلك هذا المنافق الذي وصفه الله بما وصفه من صفة
إهلك الحرث والنسل ,فقال بعضهم كان ذلك منه إحراقا ً لزرع قوم من
المسلمين وعقرا ً لحمرهم...عن السدي...وكذلك جائز في معنى إهلكه
النسل أن يكون كان بقتله أمهاته أو آباءه التي منها يكون النسل فيكون
في قتله الباء والمهات انقطاع نسلهما ( 116ويقول)...والمراد بها كل من
سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي ليحل قتله بحال
,والذي يحل قتله في بعض الحوال إذا قتله بغير حق ,بل ذلك كذلك عندي
,لن الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا ً دون شيء بل عمه,
وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل(.117
وقوله تعالى والله ليحب الفساد يدل على أن هذا الفعل مبغوض إليه,
ليجوز القيام به.
روى أبو داود عن عبدالله بن مغفل قال ,قال رسول الله .2
لول أن الكلب أمة من المم ,لمرت بقتلها ,فاقتلوا منها السود
118
البيهم.
يقول الخطابي ) :معناه أنه كره إفناء أمة من المم وإعدام جيل من
الخلق حتى يأتي عليه كله ,فل يبقى منه باقية ,لنه ما من خلق لله تعالى
إل وفيه نوع من الحكمة ,وضرب من المصلحة ,يقول إذا كان المر على
هذا ول سبيل إلى قتلهن كلهن ,فاقتلوا شرارهن ,وهي السود البهم ,
119
وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة(
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله .3
ة قرصت نبيا ً من النبياء ,فأمر بقرية النمل فأحرقت , يقول نمل ٌ
فأوحى الله إليه في أن قرصتك نملة أهلكت أمة من المم تسبح,
120
وفي رواية :فهل نملة واحدة
ووجه الدللة في الحديث أن الله تعالى عاتب ذلك النبي عليه السلم على
قتل أمة من المم ,لجل نملة قرصته ,وهذا يدل على أنه لتجوز البادة
الجماعية للحيوان ,يقول المام النووي في شرح قوله ) فهل نملة
واحدة(:
) فهل عاقبت نملة واحدة هي التي قرصتك ,لنها الجانية ,وأما غيرها
121
فليس لها جناية ,وأما في شرعنا فل يجوز الحراق بالنار للحيوان (
وبناء على ذلك الحق نص فقهاء المسلمين على مجموعة من الحكام التي
تحفظ للحيوان نوعه ,ومن ذلك:
تمكين ذكورالحيوانات من تلقيح إناثها ,ليحصل التوالد (1
والتكاثر ,حتى ليفنى نوعها ,وقد نص على ذلك ,وقد اعتبره ابن قيم
الجوزية من الحقوق الثابتة للحيوان على النسان ,حيث يقول:
115الطبري ) :السعي في كلم العرب العمل( ,الطبري,جامع البيان,ج ,2ص 316
116الطبري,جامع البيان,ج ,2ص 317
117الطبري,جامع البيان,ج ,2ص 318
118رواه أبو داود في كتاب الصيد ,باب اتخاذ الكلب للصيد
119أبو سليمان أحمد بن حمد بن محمد الخطابي ,معالم السنن ,ط 2بيروت ,المكتبة العلمية,1981,ج ,4ص 289
120رواه البخاري في كتاب ,باب هل للسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو
121النووي,صحيح مسلم بشرح النووي,ج ,14ص 239
22
المبحث الثالث
ضمانات حماية حق الحيوان
ليست حقوق الحيوان في السلم مجرد َ مبادىء مثالية ,وتشريعات
ة لهواء الناسة و مستقرةٌ ,ليست موكول ً
نظرية ,بل هي حقوق ثابت ٌ
ورغباتهم ,قام التشريع السلمي برعايتها بضمانات كثيرة تمنع التعدي
عليها ,أو الخلل بها ,وفي المطالب التية ,نبين أهم هذه الضمانات.
المطلب الول
الجانب الديني الخلقي.
يعتبر الجانب الديني المتمثل في الستجابة الذاتية لوامر الله تعالى ,رغبة
في ثوابه ,ورهبة من عقابه من أهم الضمانات التي يعول عليها التشريع
السلمي لحسن المتثال لحكامه ,ومن أقوى الوسائل التي تمنع المكلف
من الخروج عنها أو التحايل عليها,
ي في كفالة هذه الحقوق وقد بينا سابقا ً كيف استثمر الوازعُ الدين ُ
واحترامها ,فهذه امرأةٌ تدخل الناَر في هرة ,لنها انتهكت حقا ً من حقوقها,
ة في كلب سقاه ,لنه صان حقا ً من حقوقه,وثال ٌ
ث ل دخل الجن َ وذاك رج ٌ
يستحق اللعن -وهو الطرد من رحمة الله -على تشويه خلق الحيوان
بوسمه في وجهه ,وأخيرا ً فهذا نبي من أنبياء الله تعالى يعاتب على قتله
قرية نمل ,لجل نملة قرصته ,فأي ضمانةٍ أكثر من هذه الضمانات ,وقد
التفت الفقهاء إلى هذه النصوص ووظفوها توظيفا ً جيدا ً في صيانة حقوق
الحيوان وحمايتها,
بل أو التعذي ِ
ك حقوق الحيوان بالقت ِ ن حجر الهيثمي انتها َ وقد اعتبر اب ُ
127
الشديدِ لغير فائدةٍ شرعيةٍ ,أو التمثيل به كبيرةً من الكبائر .
ومن استقرأ النصوص التي أوردناها سابقا ً يظهر له مدى البعد الديني في
دع إذا ترك سقي النخل رعاية حق الحيوان,فقد نص الفقهاء على أن المو َ
المودعة عنده حتى تلفت فإنه يكون ضامنا ً لها لكنه ليأثم بذلك ,أما إذا
ترك سقي الحيوان حتى مات ضمن وعليه الثم ,لحرمة الحيوان ,128ومن
أروع المثلة التي تدل على رعاية حق الحيوان ,أن بعض الفقهاء اعتبر
كسب النسان الذي أجهد فيه دابته كسبا ً فيه شبهة ,يقول الخادمي في
التفريق بين الطيب والحلل ما نصه) :قيل الطيب هو الحلل ,وقيل أخص
منه إذ الحلل يصدق على ما فيه نوع شبهة دون الطيب ومثل بأن الكسب
ة ,أو الزرع الذي حمل البقَر فيه فوق الذي أخر فيه الصلةَ أو ترك الجماع َ
129
طاقته ,وكذا مطلق تحميل الدابة...حلل ليس بطيب( .
وذهب فقهاء المسلمين إلى أكثر من ذلك حيث اعتبروا ظلم الدابة أشد
ة
من ظلم النسان ,لن النسان قادٌرعلى الدفاع عن نفسه والمطالب ِ
بحقه ,ومخاصمةِ من ظلمه ,130بخلف الدابة التي لتقدر على شيء من
ذلك ,يقول الحصكفي ) :إذ ظلم الدابة أشد من ظلم الذمي ,
131
وظلم الذمي أشد من ظلم المسلم (
المطلب الثاني
المر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ت على الناس ,وبينا انتهينا فيما سبق إلى أن حقوق الحيوانات تعتبر واجبا ٍ
عه ,فإذا وقع ,وجب على المسلمين م ,ليجوز إيقا ُ أن ظلم الحيوان حرا ٌ
ة بالمر بالمعروف والنهي منَعه ورفَعه ,لنه منكٌر ,والمسلم مأمور ديان ً
ْ كن منك ُ ُ
نمُرو َ ن إ َِلى ال ْ َ
خي ْرِ وَي َأ ُ عو َ ة ي َد ْ ُ م ٌمأ ّعن المنكر ,لقوله تعالى }وَل ْت َ ُ ّ ْ
ن {:104] ,آل حو َ فل ِ ُم ْم ال ْ ُك هُ ُمنك َرِ وَأ ُوَْلضئ ِ َ
ن ال ْ ُن عَ ِ
ف وَي َن ْهَوْ َ
معُْرو ِِبال ْ َ
ن رأى منكم منكرا ً فْليغيره بيده فإن لم يستط ْ
ع عمران[,ولقوله ) م ْ
132
,وقد تولى ف اليمان( فبلسانه فإن لم يستطعْ فبقلبه ,وذلك أضع ُ
النبي عليه السلم بنفسه النكاَر على من انتهك حقوق الحيوان ,فقد روى
مالمام مسلم عن ابن عباس قال :رأى رسول الله حمارا ً موسو َ
الوجه ,فأنكر ذلك(.133
وكذلك تولى صحابُته الكرام إنكاَر الفعال التي فيها اساءةٌ للحيوان,فقد
م قد نصبوا روى الشيخان عن أنس أنه دخل دار الحكم بن أيوب فإذا قو ٌ
ة يرمونها ,فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ُتصبَر دجاج ً
م.
البهائ ُ
وروى الشيخان عن سعيد بن جبير قال كنت عند بن عمر فمروا بفتية أو
ة يرمونها ,فلما رأوا بن عمر تفرقوا عنها ,وقال ابن بنفر نصبوا دجاج ً
عمر من فعل هذا؟ إن النبي لعن من فعل هذا.
وهذا ما أشار اليه الفقهاُء ,حتى الحنفية الذين يقولون بأن نفقة الحيوان
ب دياني ل قضائي,فإن صاحب الحيوان يأمر بأداء ذلك الواجب واج ٌ
الدياني ,فقد جاء في الفتاوى الهندية) :ومن ملك بهيمة لزمها علفها
128سليمان بن منصور الععجيلي المصري الجمل,حاشية الجمل ,بيروت ,دار الفكر ,ج ,4ص 80
129محمد بن محمد بن مصطفى الخادمي,بريقة محمود,بيروت ,دار إحياء التراث العربيو ج ,1ص 74
130محمد أمين بن عابدين ,رد المحتار على الدر المختار ,بيروت ,دار الكتب العلمية ,ج ,6ص 402
131الحصكفي ,الدر المختار مع شرحه رد المحتار ,ج ,6ص 401
132رواه مسلم في كتاب اليمان ,باب بيان كون النهي عن المنكر من اليمان ,وأن اليمان يزيد وينقص ,وأن المر بالمعروف والنهي
عن المنكر واجبان.
133رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة ,باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه.
24
وسقيها ,فإن امتنع عن ذلك لم يجبر عليه ,وليجبر على بيعها إل أن يؤمر
ديانة فيما بينه وبين الله تعالى ,على طريق المر بالمعروف والنهي عن
المنكر ( ,134
المطلب الثالث
سلطان الدولة
لم يكتف السلم في حماية حقوق الحيوان ,وضمانة صيانتها ,بالكتفاء
بالوازع الديني ,والجهد الذاتي من خلل المر بالمعروف والنهي عن
المنكر ,لن الناس ليسوا على درجة واحدة في الستجابة لهذه الوسائل ,
والخضوع لهذه الضمانات ,لذلك أناط السلم المسؤولية بالدولة لمتابعة
احترام هذه الحقوق ,بما لها من سلطان وهيبة في النفوس الضعيفه التي
لم يردعها إيمان ول خلق,ولم تنزجر بنصائح المؤمنين وإرشاداتهم .
وهذا الواجب الذي أناطه السلم بالدولة بما لها من ولية عامة في تسيير
شؤون الحياة ,له صور كثيرة أهمها:
أول ً الحتساب
كه ,ونهي عرف الماوردي الحسبة بقوله :هي أمٌر بالمعروف إذا ظهر تر ُ
عن المنكر إذا ظهر فعُله. 135
وهذا التعريف ليجعل فرقا ً بينها وبين المر بالمعروف والنهي عن المنكر,
سه إلى تسعة.136 مع أن بينهما فروقا ً كثيرة أوصلها الماوردي نف ُ
وبالتالي لبد من التفريق بينها وبين المر بالمعروف والنهي عن المنكر,
ولعل الفرقَ الجوهريَ بينهما ,وهو الذي نشأت عنه الفروق التي ذكرها
الماوردي ,هو أن الحسبة تستند إلى سلطة ممنوحة من ولي المر ,تمنح
صاحبها حق الجبار واللزام والتنفيذ ,وليس مجرد َ المر والنهي ,كما في
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ,فهو وإن كان واجبا ً دينيا ً ,إل إنه
ليخول صاحبه ,صلحيات المحتسب ,والدليل على ذلك أن ابن الخوة بين
أن المحتسب هو ) :من نصبه المام و أو نائبه للنظر في أحوال الرعية,
والكشف عن أمورهم ومصالحهم(,137وبناء على ذلك يمكن أن نعرف
الحسبة بأنها :سلطة يمنحها ولي المر تخول صاحبها حق المر بأداء
الوجبات ,والنهي عن فعل الممنوعات.
أي أن الحسبة وظيفة رسمية,كما أشار إلى ذلك ابن خلدون بقوله ) :أما
138
الحسبة :في وظيفة دينية من باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر(
والحتساب في مجال حقوق الحيوان يتم بدرجات ثلث هي:
ة اللهم
فإذا حصل الواجب ,وارتفعت المفسدة ,لم يعد للحتساب وظيف ٌ
إل إذا كان من باب النصح والرشاد.139
لذلك فإن مقصد المحتسب من احتسابه هو حصول الواجب ,أوالمنع من
حصول المفسدة ,فإذا تحقق ذلك بالدنى لم يعدل عنه إلى العلى
,وبالتالي فإن المحتسب أول ما يبدأ احتسابه يبدأه بالتوجيه والرشاد ,أي
أنه يكتفي بالمر أو النهي القولي,وبالتالي فعلى المحتسب أن يوجه
مالكي الدواب ومستخدميها إلى المور التية:140
عدم تحميل الحيوان فوق طاقته ,وإرهاقه بالثقال التي ترهق
كاهله.
عدم إيقاف الحيوانات لفترات طويلة ,وعلى ظهورها
الحمال والثقال.
عدم سوقها سوقا ً شديدا ً وهي تحمل الثقال.
عدم ضربها ضربا ً شديدا ً لستخراج أقصى طاقتها.
ع.
توفير العلف للحيوان ,بمايحقق الشب َ
ب -الجبار على الفعل أو المتناع.
ليقف دور المحتسب عند مجرد التوجيه والرشاد ,إذا لم تحصل الستجابة
,لن ذلك ليجعل من فرق بينه وبين غير من آحاد الناس الذين يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ,وإنما يجب عليه الجبارعلى أداء الواجب
الذي أخل به ,أو الجبار على ترك الممنوع الذي ظهر فعله,وقد أشار
الفقهاء إلى هذا ,ومن ذلك:
(1أن البهيمة إذا عطبت فلم ينتفع بها ,فإن كانت مما
ليؤكل لحمه أجبر صاحبهاعلى النفاق عليها ,وإن كانت
خير بين ذبحها والنفاق عليها,141
ة ُ
مأكول ً
(2لو أدخلت دابة رأسها في قمقم ,فلم يمكن إخراجه إل
ل ,ذبحت ...وإن امتنع بذبحها ,وكان الضرر في ذبحها اق َ
صاحب القمقم عن فعل ما يؤدي إلى تخليص ماله ليجبر
على شيء ,لن القمقم لحرمة له ,فل يجبر صاحبه على
تخليصه ,وأما صاحب الشاة فل يحل له تركها ,لما فيه من
تعذيب الحيوان فيقال :إما أن تذبح الشاة لتريحها من
العذاب ,وإما أن تغرم القمقم لصاحبه ,إذا كان كسره اقل
ضررًا ,ويخلصها ,لن ذلك من ضرورة إبقائها او تخليصها من
العذاب فلزمه كعلفها ,وإن كان الحيوان غير مأكول ,
م المأكول.142 احتمل أن يكون حكمه ,حك َ
جـ -التنفيذ الفعلي.
انتهينا فيما سبق إلى أن على المحتسب أن يجبر من أخل بحق من حقوق
الحيوان على رفع الخلل ,وإعادة المر إلى نصابه ,ولكن قد يحصل وأن
ف
ليستجيب المأمور ,وفي هذه الحالة ليجوز للمحتسب أن يقف مكتو َ
اليدين ,يرى الخلل والظلم ,وليفعل شيئا ً ,وإنما يجب عليه بحكم
وظيفته ,وبما له من سلطة ,أن يباشر التنفيذ بنفسه فعل ً أو تركا ً ,ومن
139محمد بن محمد الغزالي,إحياء علوم الدين,بيوت ,دار الرشاد الحديثةو ج ,2ص 324
140الشيزري,نهاية الرتبة ,ص 117
141البهوتي,شرح منتهى الرادات,ج ,3ص 247
142ابن قدامة :المغني ,ج ,5ص 165المسالة رقم 3986
26
الدلة على ذلك ما رواه البخاري عن بن عمر رضي الله عنهما أنه دخل
على يحيى بن سعيد ,وغلم من بني يحيى رابط دجاجة يرميها ,فمشى
إليها ابن عمر حتى حلها ,ثم أقبل بها وبالغلم معه فقال :ازجروا غلمكم
هذا عن أن يصبر الطير للقتل ,فإني سمعت النبي نهى أن تصبر بهيمة
أو غيرها للقتل.
فابن عمر قام بنفسه بحل الدجاجة ورفع اللم عنها ,وقد أشار الفقهاء
إلى ذلك في أكثر من موضع ,وقد نص الفقهاء على أن صاحب الحيوان
إذا امتنع من النفاق عليها أجبر على ذلك ,لنه واجب عليه ,كما يجبر
على سائر الواجبات ,فإن أبى النفاق عليها ,أو عجز عنه أجبر على بيعها
أو إجارتها أو ذبحها إذا كانت مأكولة ,لن بقاَءها في يده بترك النفاق
م يجب إزالته ,فإن أبى فعل أحد هذه المور ,فإن م ,والظل ُ
عليها ظل ٌ
الحاكم يفعل الصلح منها ,أو يقترض عليه وينفق عليها ,كما لو امتنع من
م
ب عليه فعل الحاك ُ أداء الدين ,143ويقول المرداوي ) :ولو أبى رُبها الواج َ
ح ,أو اقترض عليه ,قال في القاعدة الثالثة والعشرين :لو امتنع من الصل َ
النفاق على بهائمه أجبر على النفاق أو البيع ,أطلقه كثير من الصحاب ,
144
وقال ابن الزاغواني :إن أبى باع الحاكم عليه(
د-العقوبات المعنوية والمادية
انتهينا فيما سبق أن الخلل بحق من حقوق الحيوان حرام ,يجب إزالته
ورفعه ,لنه ظلم ,والظلم ممنوع,وبالتالي فقد تتعين العقوبة وسيلة لرفع
الظلم عندها لبد من المصير إليها والخذ بها.
وهذه العقوبة نوعان :
أول ً العقوبة المعنوية.
م بدني أو مالي يلحق بالشخص ,وإنما فيها وهي التي ليس فيها إيل ٌ
حرمان النسان من حق من الحقوق المعنوية التي له ,ودليل هذه العقوبة
ة في وجهها. م البهيم َ
ن من وس َ أن النبي لع َ
ثانيا ً العقوبة المادية :
وهي التي يكون معنى العقوبة والجزاء فيها ظاهرا ً كالضرب ,أو الغرامة,
أو الحكم ببطلن التصرف أوغيره.
ومن العقوبات التي نص عليها الفقهاء حماية لحق الحيوان ما يأتي :
نص بعض الفقهاء على أن استدامة حبس الطيورفي القفاص (1
كالقماري ,والبلبل لسماع أصواتها وتغريدها يجرح عدالة فاعله ,
وترد به شهادته ,لنه ليس من الحاجات ,كما أنه تعذيب
للحيوان,145.وكذلك النعي والغراء بين الحيوان يجرح العدالة لتحريمه
ومخالفته المروءة.146
نص بعض الفقهاء على أنه إذا اضطرت بهيمة الغير إلى طعام (2
الغير ,وكان قادرا ً على تقديمه لها ,دون ضرر يلحقه فامتنع من
تقديمه لها فماتت بسبب الجوع ,فإن عليه ضمانها .147
نص بعض الفقهاء على بطلن العقد ,إذا كان فيه انتقاص (3
لحق من حقوق الحيوان ,وقد نص ابن حجر على بطلن البيع الذي
يفرق فيه بين البهيمة وبين ولدها ,إذا كان معتمدا ً عليها في حياته غير
ن عنها,ولم يقصد بالشراء الذبح ,حيث يقول ):فإن لم يستغن مستغ ٍ
148
ولقصد الذبح حرم وبطل نحو البيع( ,
هـ -تحمل الدولة للمسؤولية
وأخيرا ً فإذا عجزت الوسائل السابقة عن حماية حق الحيوان ,بتأمين
الغذاء والشراب له ,ومنع اللم والمعاناة عنه يجب على الدولة أن تقوم
بذلك بنفسها بكفاية الحيوان ورعايته ,بالطريقة التي تراها مناسبة ,كأن
توجد مأوى للحيوانات الضالة أو الحيوانات الهرمة ,وقد ذكر ابن الخوة
القرشي ترتيب هذه الرعاية لحقوق الحيوان حيث يقول ) :ومن ملك
بهيمة وجب عليه القيام بعلفها ,وليحمل عليها ما يضرها كما في العبد ,
وليحلب من لبنها إل ما فضل عن ولدها ,لنه خلق غذاء للولد فليجوز
منعه منه ,وإن امتنع من النفاق عليها أجبر على ذلك ,كما يجبر على
نفقة زوجته ,فإن لم يكن له مال أكري عليه إن أمكن كراؤه ,وإن لم
يمكن بيع عليه كما يزال ملكه عن الزوجة عند العسار بنفقتها ,فإن لم
يرغب فيها راغب فكفايتها من بيت المال ,فإن لم يكن فعلى المسلمين
كفايتها(. 149
وهذا كله بعد أن تقوم الدولة بسن التشريعات التي تحدد كيفية التعامل مع
الحيوان ,وبيان حقوقه على مالكه ,والواجبات التي يجب على المالك أن
يؤديها تجاه الحيوان الذي يملكه ,كما يجب عليها أن تحدد فترات الصيد
المسموح بها خوفا ً من إلحاق الذى والضرر بالصغار ,وأن تسعى جاهدة
إلى توفير عيادات البيطرة وتوفير الدوية التي ترفع اللم والمعاناة عن
ة
ت طبيعي ًالحيوان ,كما يجب عليها أن تخصص مناطق معينة تكون محميا ٍ
ت المهددةُ بالنقراض ,كما عليها التنسيق مع الممتأوي إليها الحيوانا ُ
الخرى لما فيه صالح الحيوان الذي يعود في النهاية إلى الصالح النساني.
مال النسان على أن ليقل عن قيمة الحيوان إذا كان له 6
قيمة.
التجارب الطبية التي ليمكن أجراؤها دونه. 7
ركوب الحيوان ,وتحميله الثقال المعهودة. 8
المسابقة بين الخيول و البل. 9
التمتع بمناظرالحيوانات وتغريدها. 10
إراحته الحيوان من اللم والعناء . 11
إصلح الحيوان وعلجه. 12
المادة) :(3للحيوان الحق في الحياة ,وليجوز العتداء عليها إل لمقصد
شرعي.
المادة) :(4ليجوز تعذيب الحيوان أو إيلمه لغير مقصد شرعي.
المادة) :(5نفقة الحيوان المملوك على مالكه,فإن كان عاجزا ً عنها ,أجبر
على التصرف فيه.
المادة) :(6على مالك الحيوان نفقة علجه.
المادة) :(7على مالك الحيوان حفظه في مأوى مناسب له ,وليجوز له
تسييبه ,وجعله عرضة للذى.
المادة ) :(8ليجوز تكليف الحيوان فوق طاقته ,كما ليجوز إشراكه في
اللعاب الخطرة.
المادة) :(9على مالك الحيوان إن يحسن معاملته ,وأن ليكلفه فوق
طاقته.
المادة) :(10على الدولة نفقة الحيوان المملوك ,إذا كان مالكه عاجزا ً
عن نفقته ,وغير قادر على التصرف فيه.
المادة) :(11على الدولة حماية الحيوانات المهددة بالنقراض ,والتنسيق
مع الدول الخرى لحمايتها.
المادة) :(12تنظم الدولة الصيد ,وليجوز الصيد إل بترخيص مسبق.
المادة) :(13يعاقب ب) ( كل مكلف ارتكب بحق حيوان فعل ً من
الفعال التية :
تعمد قتله لغير مقصد شرعي. 1
تعمد إلحاق ألم شديد به لغير مقصد شرعي. 2
تعمد التمثيل به ,أو تشويه خلقه. 3
ً ً
عرض للذى حيوانا مكلفا برعايته بإهماله وتقصيره. 4
ً
قتله بالمتناع عن مساعدته ,وكان قادرا عليها بلخطر. 5
ً
سيب حيوانا يحتاج الى الرعاية والحفظ. 6
تسبب في إيذائه بإغراء صبي أو حيوان آخر . 7
المادة) :(14يؤدب الصغير على ما يلحقه بالحيوان من أذى.
المادة) :(15تملك الدولة الحيوانات السائبة ,مقابل جمعها والنفاق
عليها.
المادة):(16يقع باطل ً كل اتفاق ينتقص من حق الحيوان لغير مقصد
شرعي.
المادة) (17لكل مكلف الحق في رفع دعوى لحق الحيوان باسم الحق
الشرعي العام,
29
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين ,والصلة والسلم على سيدنا محمد ,وعلى آله
وصحبه وسلم,
وبعد:
فيمكن لي بعد النتهاء من هذا البحث أن ألخص نتائجه بالمور التية:
أثبتت الشريعة السلمية للحيوان الحقوق التية: (1
الحق في الحياة ,فل يجوز قتله من غير مقصد شرعي.
الحق في الغذاء ,إذ ليجوز الحيلولة بينه وبين غذائه,
كما يجب على مالكه توفيره له.
الحق في منع اللم ,إل لمقصد شرعي يعود نفعه إلى
النسان أو الحيوان.
الحق في بقائه واستمرار نوعه ,فيجب العمل على منع
انقراضه وفنائه.
الحيوان كالنسان في ثبوت الحقوق له ,ومنع العتداء عليها, (2
وليظهر فرق بينهما إل عند التعارض والتزاحم ,إذ في هذه الحالة يقدم
حق النسان قطعًا ,وليجوز بحال إيثار الحيوان وتقديمه ,لن في ذلك
قلبا ً للمعادلة ,لن الحيوان مخلوق لمنفعة النسان ومصلحته.
30