Professional Documents
Culture Documents
المبحث الول
إسمه ونسبه وكنيته وألقابه وصفته
وأسرته وحياته في الجاهلية
أو ً
ل :أسمه ونسبه وكنيته وألقابه:
هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن
تيم بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي) ،(1ويلتقي
ويكنععى كعععب)(2 في النسب في الجد السادس مرة بن مع النبي ε
بأبي بكر ،وهي من البكر وهو الفتى من البل ،والجمع بكارة وأبكر
وُلقععب أبععوبكر ،τ عظيمة)(3 مت العرب بكرًا ،وهو أبو قبيلة
وقد س ّ
بألقاب عديدة كلها تدل على سمو المكانة ،وعلعو المنزلعة وشعرف
الحسب منها:
-1العتيق:
لقّبه به النبي ε؛ فقد قال له ) :εأنت عععتيقُ اللععه مععن النععار(
-1 -
وفي رواية عائشة قععالت :دخععل أبععو بكععر الصععديق عتيقا ً)(1 ي
م َ
س ّ
ف ُ
على رسول الله ،εفقال له رسععول اللععه ) :εأبشععر فععأنت عععتيق
سمي عتيقا ً) ،(3وقععد ذكععر المؤرخععون الله من النار() ،(2فمن يؤمئذ ُ
أسععبابا ً كععثيرة لهععذا اللقععب ،فقععد قيععل :إنمععا سععمي عتيقعا ً لجمععال
وجهه) ،(4وقيل لنه كععان قععديما ً فععي الخيععر) ،(5وقيععل سععمي عتيقعا ً
لعتاقة وجهه) ،(6وقيل إن أم أبي بكر كععان ليعيععش لهععا ولععد ،فلمععا
ولدته استقبلت به الكعبة وقالت :اللهم إن هذا عتيقك مععن المععوت
فهبه لي) ،(7ول مانع للجمع بين بعض هذه القوال ،فأبي بكر جميل
الوجه ،حسن النسب ،صاحب يد سابقة الى الخير ،وهو عتيق اللععه
له).(8 من النار بفضل بشارة النبي ε
-2الصديق:
لقبه به النبي εففعي حعديث أنعس τأنعه قععال :أن النععبي ε
صعد أحدًا ،وأبوبكر ،وعمر ،وعثمان ،فوجف بهم فقال :اثبععت أحععد،
فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان).(9
وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنبي ،εوفي هذا تروي أم
الععى المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،فتقول :لما أسري بالنبي ε
)( الحسان في تقريب صحيح ابن حبان ) (15/280إسناده صحيح. 1
)( رواه الترمذي رقم 3679في المناقب وصححه اللباني في السلسلة .1574 2
)( أصحاب الرسول ،محمود المصري ).(1/59 3
)( المعجم الكبير للطبراني ).(1/52 4
)( الصابة ).(1/146 5
)( المعجم الكبير ) ،(1/53الصابة ).(1/146 6
)( الكنى والسماء للدولبي ) (1/6نقل ً عن خطب أبي بكر ،محمد أحمد عاشور ،جمعال 7
الكومي ،ص .11
)( تاريخ الدعوة الى السلم في عهد الخلفاء الراشدين ،د.يسري محمد هاني ،ص .36 8
)( البخاري ،كتاب فضائل أصحاب النبي ،باب فضل ابي بكر ).(5/11 9
2
س ،كععانوا
المسجد القصى ،أصبح يتحععدث النععاس بععذلك ،فارتععد نععا ُ
آمنوا به وصدقوه وسعى رجال الى أبي بكر ،فقالوا :هععل لععك الععى
صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليله الى بيععت المقععدس! قععال :وقععد
قال ذلك؟ قالوا :نععم ،قععال :لئن قععال ذلععك فقعد صعدق .قععالوا :أو
تصدقه أنه ذهب الليلة الى بيت المقدس ،وجععاء قبععل أن يصععبح؟!!
قال نعم ،إني لصدقه فيما هو أبعد من ذلك ،أصدقه بخبر السععماء
في غدوة أو روحة ،فلذلك سمي أبوبكر الصديق).(1
وقد أجمعت المة على تسميته بالصديق لنه بادر الى تصديق
ولزمه الصدق فلم تقع منععه هنععاة أبععدا ً) ،(2فقععد اتصععف الرسول ε
بهذا اللقب ومدحه الشعراء:
قال ابو محجن الثقفي:
ميت صديقا ً وكل مهاجر
س ّ
و ُ
مى باسمه غير منكر
س ّ
سواك ي ُ َ
سبقت الى السلم والله شاهد
المشهر)(3 وكنت جليسا ً في العريش
وأنشد الصمعي) ،(4فقال:
ب بكل قلبي
ولكني أح ّ
وأعلم أن ذاك من الصواب
-3 -
ديق حب ّا ً
رسول الله والص ّ
الثواب)(1 به أرجو غدا ً حسن
-3الصاحب:
ق عد ْصُروه ُ فَ َ لقبه به الله عز وجل في القرآن الكريم} :إ ِل ّ ت َن ْ ُ
مععا فِععي ن إ ِذ ْ هُ َ ي اث ْن َي ْع ِ فُروا ث َععان ِ َ ن كَ َ ذي َ ه ال ّ ِ ج ُ خَر َ ه إ ِذ ْ أ َ ْ صَره ُ الل ّ ُ نَ َ
ل الل ّع ُ
ه معَن َععا فَعأ َن َْز َ ه َ ن الل ّع َ ن إِ ّ
ح عَز ْ حب ِهِ ل ت َ ْ صا ِ ل لِ َ قو ُ ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ
َ
نذي َ ة ال ّع ِ مع َ ل ك َل ِ َ جعَ ع َ م ت ََروْهَععا وَ َ جن ُععود ٍ ل َع ْه ع َل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ كين َت َ ُ
س ِ َ
م{ كي ع ٌ ح ِ زي عٌز َ ه عَ ِ ي ال ْعُل َْيا َوالل ّع ُ ة الل ّهِ ه ِ َ م ُ فَلى وَك َل ِ َ س ْ
فُروا ال ّ كَ َ
)التوبة ،الية (40:وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود هنا
هو أبوبكر ،( )τفعن أنس أن أبا بكر حععدثه فقععال :قلععت للنععبي ε 2
وهو في الغار :لو أن أحدهم نظر الى قدميه لبصرنا تحت قدميه!!
فقال النبي ) :εياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما().(3
قال الحافظ رحمه الله :ومن أعظم مناقبه قول اللععه تعععالى:
روا......... ن كَ َ
فعع ُ ه ال ّ ِ
ذي َ ج ُ ه إ ِذ ْ أ َ ْ
خَر َ صَره ُ الل ّ ُ
قد ْ ن َ َ }إ ِل ّ ت َن ْ ُ
صُروه ُ فَ َ
معَن َععا{فععإن المععراد بصععاحبه هنععا أبععوبكر بل منععازع)،(4 ن الل ّع َ
ه َ إِ ّ
والحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شععهيرة ولععم يشععركه
في المنقبة غيره).(5
-4التقى:
-5 -
صفرة ،حسن القامة ،نحيف عا ً خفيععف العارضععين، كان أبيض تخالطه ُ
أجنأ) ،(1ليستمسععك إزاره يسععترخي عععن حقععويه) (2رقيق عا ً معععروق
الوجه) ،(3غعائر العينيعن) ،(4اقنعى) ،(5حمعش السعاقين) ،(6ممحعوص
ويخضععب لحيتععه، الشعجاع)(8 الفخذين) ،(7وكان ناتئ الجبهة ،عععاري
وشيبه بالحناء والكتم).(9
ثالثًا :أسرته:
أما والده ،فهو عثمان بععن عععامر بععن عمععرو يكنععى أبععا قحافععة
فقعال :ياأبعا أسلم يوم الفتح ،وأقبل به الصديق على رسول الله ε
بكر هل تركته ،حتى نأتيه ،فقال أبوبكر :هوأولى أن يأتيععك يارسععول
الله ،فأسلم أبو قحافة وبايع رسول اللععه ،(10)εويععروى أن رسععول
هنأ أبا بكر بإسلم أبيه) ،(11وقال لبععي بكععر غيععروا هععذا مععن الله ε
)( الجنأ :ميل في الظهر. 1
)( الممحوص :هو الشديد الخلق في الفخذين ،مع قلة اللحم بهما. 7
)( البخاري رقم ،5895ومسلم ،2341أبوبكر الصديق ،مجدي السيد ،ص .32 9
() 10الصابة ).(4/375
6
شعره ،فقد كان رأس أبي قحافة مثل الثغامة).(1
في توقير كبععار وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سن ُّه النبي ε
السن واحترامهم ويؤكد ذلك قوله ) εليس منا من لم يوقر كبيرنععا
ويرحم صغيرنا().(2
وأما والدة الصديق ،فهي سلمى بن صخر بن عمرو بن كعععب
بن سعد بن تيم وكنيتها أم الخيععر أسععلمت مبكععرا ً وسععيأتي تفصععيل
على الظهور بمكة).(3 ذلك في واقعة إلحاح أبي بكر على النبي ε
وأما زوجاته؛ فقد تزوج τمن أربع نسوة أنجبن له ثلثة ذكععور
ن على التوالي:
وثلث إناث وه ّ
-1قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر ابن مالك:
اختلف فععي إسععلمها) ،(4وهععي والععدة عبععدالله وأسععماء وكععان
أبوبكر طلقها في الجاهلية -وقد جاءت بهدايا فيها أقط وسمن الععى
إبنتها أسماء بنت أبي بكر بالمدينة ،فابت أن تقبل هععديتها وتععدخلها
فقال النععبي ) :εل ِت ُعد ْ ِ
خلها بيتها فأرسلت الى عائشة تسأل النبي ε
ن
ذي َن اّلعع ِ
ه عَ ِم الل ّ ُولتقبل هديتها( ،وأنزل الله عز وجل }ل ي َن َْهاك ُ ُ
خرجععوك ُم معن ديععارك ُ َ
نمأ ْ ْ ِ ْ َِ ِ ْ م يُ ْ ِ ُن وَل َع ْ دي ِ
م فِععي الع ّ قععات ُِلوك ُ ْ ل َع ْ
م يُ َ
ن{ )سععورة طي َ
س ِ ق ِم ْب ال ْ ُ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ طوا إ ِل َي ْهِ ْ
م إِ ّ س ُ
ق ِ م وَت ُ ْ
ت َب َّروهُ ْ
-7 -
المتحنة ،الية (8:أي ليمنعكم الله من البر والحسان وفعل الخيععر
الى الكفععار الععذين سععالموكم ولععم يقععاتلوكم فععي الععدين كالنسععاء،
والضعفة منهم كصلة الرحم ،ونفع الجار ،والضيافة ،ولم يخرجععوكم
من دياركم ،وليمنعكم أيضا ً من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم ،بععأداء
مالهم من الحق ،كالوفاء لهم بالوعود ،وأداء المانة ،وإيفععاء أثمععان
المشتريات كاملة غير منقوصعة ،إن اللععه يحععب العععادلين ،ويرضعى
عنهم ،ويمقت الظالمين ويعاقبهم).(1
-2أم رومان بنت عامر بن عويمر:
من بني كنانة بن خزيمة ،مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة
بمكة ،فتزوجها أبععوبكر ،وأسععلمت قععديمًا ،وبععايعت ،وهععاجرت الععى
المدينة وهي والدة عبدالرحمن وعائشة رضي الله عنهم ،وتععوفيت
بالمدينة سنة ست من الهجرة).(2 في عهد النبي ε
ميس بن معبد بن الحارث:
-3أسماء بن عُ َ
أم عبدالله ،من المهاجرات الوائل ،أسلمت قديما ً قبل دخول
دار الرقم ،وبايعت الرسول ،εوهاجر بهععا زوجهععا جعفععر بععن أبععي
الى الحبشة ،ثم هاجرت معه الى المدينة فاستشهد يععوم طالب τ
مؤتة ،وتزوجها الصديق فولدت له محمدا ً روى عنها من الصععحابة :
عمر ،وأبو موسى ،وعبدالله بن عباس ،وأم الفضل امرأة العبععاس،
فكانت أكرم الناس أصععهارا ً فمععن أصععهارها :رسععول اللععه وحمععزة،
-9 -
قتل).(1
-4أسماء بنت أبي بكر:
ذات النطاقين أسن من عائشعة ،سععماها رسعول اللعه εذات
ولبيها سفرة لما هاجرا فلععم النطاقين لنها صنعت لرسول الله ε
تجد ماتشدها به فشقت نطاقها ،وشدت به السفرة فسماها النععبي
بذلك ،وهي زوجة الزبير بن العوام وهاجرت الععى المدينععة وهععي ε
حامل بعبدالله بن الزبير فولدته بعد الهجرة فكععان أول مولععود فععي
السلم بعدالهجرة ،بلغت مائة سنة ولم ينكر من عقلها شيء ،ولم
يسقط لها سن ،روى لها عععن الرسععول εسععتة وخمسععون حععديثًا،
روى عنها عبدالله بن عباس ،وأبناؤها عبدالله وعروة ،وعبدالله بععن
مل َْيكة وغيرهم وكانت جوادة منفقة توفيت بمكة سنة 73هع).(2
أبي ُ
-5عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها:
وهععي بنععت سععت الصديقة بنت الصديق تزوجها رسول الله ε
سنين ،ودخل بها وهي بنت تسع سععنين ،وأعععرس بهععا فععي شععوال،
أم عبدالله ،وكععان حبععه لهععا وهي أعلم النساء ،كناها رسول الله ε
مثال ً للزوجية الصالحة).(3
كععان الشعععبي يحععدث عععن مسععروق أنععه إذا تحععدث عععن أم
المؤمنين عائشععة يقعول :حععدثتني الصعديقة بنععت الصعديق المععبرأة
حبيبة حبيب الله ،εومسندها يبلغ ألفين ومائتين وعشععرة أحععاديث
-11-
وليس مععن الصععحابة مععن أسععلم أبععوه وأمععه وأولده ،وأدركععوا
وأدركه أيضا ً بنو أولده :إل أبوبكر من جهة الرجال والنساء النبي ε
-وقد بينت ذلك -فكلهم آمنوا بالنبي وصحبوه ،فهعذا بيعت الصعديق،
فأهله أهل إيمان ،ليس فيهم منععافق وليعععرف فععي الصععحابة مثععل
هذا لغير بيت أبي بكر رضي الله عنهم.
وكان يقال :لليمان بيوت وللنفاق بيوت؛ فبيت أبععي بكععر مععن
بيوت اليمان من المهاجرين ،وبني النجعار معن بيعوت اليمعان معن
النصار).(1
رابعًا :الرصيد ال ُ
خلقي للصديق في المجتمع الجاهلي:
كععان أبععو بكععر الصععديق فععي الجاهليععة مععن وجهععاء قريععش
وأشرافهم وأحد رؤسائهم ،وذلك أن الشرف في قريش قععد انتهععى
قبل ظهور السلم الى عشرة رهط مععن عشععرة أبطععن ،فالعبععاس
ابن عبدالمطلب من بني هاشم ،وكان يسقي الحجيج في الجاهلية،
وبقي له ذلك في السلم وابععو سععفيان بععن حععرب مععن بنععي أميععة،
وكان عنده العقاب راية قريش ،فإذا لم تجتمع قريععش علععى واحععد
رأسوه هو وقدموه ،والحارث بن عامر بن بني نوفععل ،وكععانت إليععه
الرفععادة ،وهعي مععاتخرجه قريععش مععن أموالهععا ،وترفععد بععه منقطعع
السبيل ،وعثمان بن طلحعة بعن زمععة بعن السععود معن بنعي أسعد،
وكانت إليه المشورة فل ُيجمع على أمر حتى يعرضععوه عليععه ،فععإن
وافق ولهم عليه ،وإل تخّير وكانو له أعوانًا ،وأبو بكر الصععديق مععن
)( ابوبكر الصديق ) (1/280لمحمد مال الله مستخرج من منهاج السّنة لبن تيمية. 1
12
بني تيم وكانت إليه الشناق وهي الديات والمغارم ،فكان إذا حمل
شيئا ً فسأل فيه قريشا ً صدقوه ،وامضوا حمالة من نهض معه ،وإن
احتملها غيره خذلوه ،وخالد بن الوليد من بني مخزوم ،وكانت إليععه
القبة والعنة ،أما القبعة فععإنهم كععانوا يضعربونها ثععم يجمعععون إليهععا
مايجهزون به الجيش ،وأما العنة فإنه كان على خيععل قريععش فععي
الحرب .وعمر بن الخطاب من بني عدي ،وكانت إليه السفارة في
الجاهلية ،وصعفوان بعن أميععة معن بنعي جمعح ،وكعانت إليععه الزلم.
والحارث بن قيس من بنععي سععهم ،وكععانت إليععه الحكومععة وأمععوال
آلهتهم).(1
لقد كان الصديق في المجتمعع الجعاهلي شعريفا ً معن أشعراف
قريش وكان من خيارهم ،ويستعينون به فيما نابهم وكانت له بمكة
ضيافات ليفعلها أحد).(2
وقد اشتهر بعدة أمور منها:
-1العلم بالنساب:
فهو عالم من علماء النساب وأخبار العرب ،وله في ذلك بعاع
طويل جعلععه أسععتاذ الكععثير مععن النسععابين كعقيععل بععن أبععي طععالب
وغيره ،وكانت له مزية حببته إلى قلوب العرب وهي :أنعه لعم يكعن
يعيب النساب ،وليذكر المثالب بخلف غيععره) ،(3فقعد كععان أنسعب
-13-
قريش لقريش وأعلم قريش بها ،وبما فيها من خير وشععر) ،(1وفععي
قععال :إن أبععا هذا تروي عائشة -رضي الله عنها -أن رسول اللععه ε
بكر أعلم قريش بأنسابها).(2
-2تجارته:
كععان فععي الجاهليععة تععاجرًا ،ودخععل ُبصععرى مععن أرض الشععام
للتجارة وارتحل بين البلدان وكععان رأس مععاله اربعيععن ألععف درهععم
عرف به في الجاهلية).(3
وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم ُ
-3موضع اللفة بين قومه وميل القلوب إليه:
فقد ذكر ابن اسحاق في السيرة أنهم كانوا يحبونه ،ويععألفونه،
ويعععترفون لععه بالفضععل العظيععم ،والخلععق الكريععم ،وكععانوا يععأتونه
ويألفونه لغير واحد من المر لعلمععه وتجععارته وحسععن مجالسععته)،(4
وقد قال له ابن الدغنه حيععن لقيععه مهععاجرًا ،إنععك لععتزين العشععيرة،
وتعين على النوائب ،وتكسععب المعععدوم وتفعععل المعععروف) ،(5وقععد
عّلق ابن حجر على قول ابن الدغنه فقال :ومعن أعظععم منععاقبه أن
ابن الدغنه سععيد القععارة لمععا رد عليععه جععواره بمكععة وصععفه بنظيععر
لما بعث ،فتواردا فيها نعت واحععد مععن ماوصفت به خديجة النبي ε
غير أن يتواطأ على ذلك ،وهذه غاية في مدحه لن صفات النبي ε
-15-
فععأطعمني فلععم ُيجبنععي فقلععت :إنععي عععار فأكسععني ،فلععم يجبنععي،
فألقيت عليه صخرة فخّر لوجهه)( وهكذا حمله خلقه الحميد وعقله
النير ،وفطرته السليمة على الترفع عن كل شيء يخدش المععروءة
وينقععص الكرامععة مععن أفعععال الجععاهليين ،وأخلقهععم الععتي تجععانب
الفطرة السليمة ،وتتنافى مع العقل الراجح ،والرجولة الصادقة)،(1
فل عجب على من كانت هذه أخلقه أن ينضم لموكب دعوة الحععق
ويحتل فيها الصدارة ويكون بعد إسععلمه أفضععل رجععل بعععد رسععول
الله ،εفقد قال :εخياركم في الجاهلية خياركم فععي السععلم إذا
فقهوا) ،(2وقد علق الستاذ رفيععق العظععم عععن حيععاة الصععديق فععي
الجاهلية فقال :اللهم إن امرأ ً نشأ بين الوثععان حيععث لديععن زاجععر،
ولشرع للنفوس قائد ،وهذا مكانه من الفضيلة ،واستمساكه بعرى
العفة والمروءة ...لجدير بأن يتلقى السلم بملعء الفعؤاد ،ويكعون
أول مؤمن بهادي العباد ،مبادر بإسععلمه لرغععام أنععوف أهععل الكععبر
والعناد ،ممهد سبيل الهتداء بدين الله القويم ،الذي يجتععث أصععول
الرذائل من نفوس المهتدين بهديه ،المستمسكين بمتين سببه).(3
لله در الصديق رضي الله عنه فقد كان يحمععل رصععيدا ً ضععخما ً
المبحث الثاني
إسلمه ودعوته وابتلؤه وهجرته الولى
)( منهععاج الس عّنة لبععن تيميععة ) (4/288،289نقل ً عععن كتععاب )ابععوبكر الصععديق أفضععل 1
الصحابة وأحقهم بالخلفة( لمحمد عبدالرحمن قاسم ،ص .18،19
-17-
أو ً
ل :إسلمه:
كان إسلم أبي بكر رضي الله عنه وليد رحلععة إيمانيععة طويلععة
في البحث عن الدين الحق الذي ينسجم مع الفطر السليمة ويلععبي
رغباتها ،ويتفق مع العقول الراجحععة ،والبصععائر النافععذة ،فقععد كععان
بحكعم عملعه التجععاري كعثير السعفار ،قَ َ
طععَ الفيعافي ،والصعحاري،
والمدن والقرى في الجزيرة العربية وتنقل من شمالها إلى جنوبها،
وشععرقها إلععى غربهععا ،واتصععل اتصععال ً وثيقععًا ،بأصععحاب الععديانات
المختلفة وبخاصة النصعرانية ،وكعان كعثير النصعات لكلمععات النفععر
الذين حملوا راية التوحيد ،راية البحععث عععن الععدين القععويم) ،(1فقععد
دث عن نفسه فقال :كنععت جالسعا ً بفنععاء الكعبععة ،وكععان زيععد بععن
ح ّ
صل ْ ِ
ت ،فقال :كيف أصبحت يا عمرو بن ُنفْيل قاعدًا ،فمّر ابن أبي ال ّ
باغي الخير؟ قال :بخير ،قال :وهل وجدت؟ قال :ل ،فقال:
كل دين يوم القيامة إل
ُبور)(2 ضى في الحنيفية
ما م َ
ن هذا النبي الععذي ينتظععر منععا أو منكععم ،قععال :ولععم أكععن
أما إ ّ
سمعت قبل ذلك بنبي ُينتظر وُيبعث ،قال :فخرجت أريد ورقععة بععن
صععدر-
نوفععل -وكععان كععثير النظععر إلععى السععماء ،كععثير همهمععة ال ّ
)( مواقف الصديق مع النبي بمكة ،د.عاطف لماضة ،ص .6 1
)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ،ص .52 2
18
فاستوقفته ،ثم قصصت عليه الحديث ،فقال :نعم يا ابعن أخعي ،إّنعا
أهععل الكتععب والعلععوم ،أل إن هععذا النععبي الععذي ُينتظععر مععن أوسععط
العرب نسبا ً -ولي علم بالنسب -وقومك أوسط العرب نسبًا .قلت:
م ومععايقول النععبي؟ قععال :يقععول ماقيععل لععه؟ إل إن ّععه ليظلععم،
يععاع ّ
دقته)،(1
آمنت بععه وصعع ّ ولُيظلم ول ُيظالم ،فلما ُبعث رسول الله ε
وكان يسمع مايقوله أمية بن أبي الصلت:
في مثل قوله :أل نبي لنا منا فيخبرنا
مابعد غايتنا من رأس مجرانا
إني أعوذ بمن حج الحجيج له
والرافعون لدين الله أركانا
لقد عايش أبو بكر هذه الفترة ،ببصعيرة نافعذة ،وعقعل نيعر ،و
فكر متألق ،وذهن وقاد ،وذكاء حاد ،وتأمععل رزيععن مل عليععه أقطععار
نفسه ،ولذلك حفظ الكثير مععن هععذه الشعععار ،ومععن تلععك الخبععار،
أصعحابه يومعا ً -وفيهععم أبععو بكععر فعنععدما سععأل الرسععول الكريععم ε
الصديق قائ ً
ل :من منكم يحفظ كلم -قيس بن ساعدة -فععي سععوق
عكععاظ؟ فسععكت الصععحابة ،ونطععق الصععديق قععائ ً
ل :إنععي أحفظهععا
يارسول الله،
كنت حاضرا ً يومها في سوق عكاظ ،ومن فععوق جملععه الورق
عوا ،وإذا وعيتم فععانتفعوا
وقف قيس -يقول :أيها الناس :اسمعوا وَ ُ
ت ،آت ،إن فعي
إن من عاش مات ومععن مععات فععات ،وكعل مععاهو آ ٍ
)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ،ص .52 1
-19-
ن فععي الرض لعععبرًا ،مهععاد موضععوع ،وسععقف
السععماء لخععبرًا ،وإ ّ
مرفوع ،ونجوم تمور ،وبحار لن تغور ،ليل داج ،وسماء ذات أبراج!!
ُيقسم قيس ،إن لله دينا ً هو أحب إليه مععن دينكععم الععذي أنتععم
عليععه .مععالي أرى النععاس يععذهبون ،وليرجعععون ،أرضععوا بالمقععام
فأقاموا ،أم تركوا فناموا ثم أنشد قائ ً
ل:
من القرون لنا بصععععائر في الذاهبين الولين
للموت ليس لهععا مصائر لمععععععا رأيت مواردا ً
-21-
بكر) ،(1وعن ابن عباس رضي الله عنهما قععال :أول مععن صععلى أبععو
بكر ثم تمثل بأبيات حسان:
إذا تذكرت شجوا ً من أخي ثقة
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعل
خير البرية أتقاها وأعدلها
إل النبي وأوفاها بما حمل
الثاني التالي المحمود مشهده
الرسل)(2 وأول الناس صدق
وثاني أثنين في الغار المنيف وقد
طاف العدو به إذ صعد الجبل
وعاش حميدا ً لمر الله متبعا ً
فقال) :والجمع بين القوال كلهععا :أن خديجععة أول مععن أسععلم مععن
)( صفة الصفوة )(1/237؛ احمد فضائل الصحابة ).(3/206 1
)( ديوان حسان بن ثابت تحقيق وليد عرفات ).(1/17 2
)( ديوان حسان ).(1/17 3
22
النساء
-وقيل الرجال أيضًا -وأول من أسلم من المععوالي زيععد بععن حارثععة،
وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب -فإنه كععان صععغيرا ً
دون البلوغ على المشهور -وهؤلء كانوا آنععذاك أهععل بيتععه ،εوأول
من أسلم من الرجال الحرار أبوبكر الصديق ،وإسععلمه كععان أنفععع
من اسلم من تقععدم ذكرهععم إذ كععان صععدرا ً معظم عًا ،ورئيس عا ً فععي
قريش مكرمًا ،وصاحب المععال وداعيععة الععى السععلم وكععان محببعا ً
متآلفا ً يبذل المال في طاعة الله ورسوله( ثم قال) :وقد أجاب أبو
بالجمع بين هذه القوال فإن أول من أسععلم مععن الرجععال حنيفة τ
الحرار أبوبكر ،ومن النساء خديجعة ومعن المعوالي زيعد بعن حارثعة
ومن الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين).(1
حيععث تقععول أم وبإسلم أبي بكر عم السععرور قلععب النععبي ε
المؤمنين عائشة رضي الله عنها :فلما فععرغ مععن كلمععه -أي النععبي
مععن عنععده ،ومععابين -εأسععلم أبععوبكر فععانطلق رسععول اللععه ε
الخشبين أحد أكثر سرورا ً منه بإسلم أبي بكر) .(2لقد كععان ابععوبكر
كنزا ً من الكنوز ادخعره اللعه تععالى لنععبيه وكعان معن أحعب قريعش
لقريش ،فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعلععه مععن
الموطئين أكنافًا ،من الذين يألفون ويؤلفون ،والخلق السمح وحده
ف للفة القوم وهو الذي قال فيه عليععه الصععلة والسععلم:
عنصر كا ٍ
-23-
أرحم أمتي بععأمتي ابععوبكر) ،(1وعلععم النسععاب عنععد العععرب ،وعلععم
النصعيب التاريخ هما أهم العلوم عندهم ،ولدى أبي بكر الصعديق τ
الوفععر منهمععا ،وقريععش تعععترف للصععديق بععأنه أ علمهععا بأنسععابها
وأعلمها بتاريخها ،ومافيه من خيععر وشععر ،فالطبقععة المثقفععة ترتععاد
مجلس أبي بكر لتنهل منه علمعا ً لتجعده عنعد غيعره غعزارة ووفعرة
وسععة ،ومعن أجعل هعذا كعان الشعباب النعابهون والفتيعان الذكيعاء
يرتادون مجلسه دائمًا ،إنهم الصفوة الفكرية المثقفة الععتي تععود أن
تلقى عنععده هععذه العلععوم ،وهععذا جععانب آخععر مععن جععوانب عظمتععه،
وطبقة رجال العمال ،ورجال المال في مكة ،هي كععذلك مععن رواد
مجلس الصديق ،فهو إن لم يكن التاجر الول فععي مكععة ،فهععو مععن
أشهر تجارها ،فأرباب المصالح هم كذلك قصاده ،ولطيبتععه وحسععن
خلقه تجد عوام الناس يرتادون بيته ،فهو المضياف الدمث الخلععق،
الذي يفرح بضيوفه ،ويأنس بهم ،فكل طبقات المجتمع المكي تجد
حظهععا عنععد الصععديق رضععوان اللععه عليععه) ،(2كععان رصععيده الدبععي
والعلمي والجتماعي في المجتمععع المكععي عظيم عًا ،ولععذلك عنععدما
تحرك في دعوته للسلم استجاب له صفوة من خيرة الخلق).(3
ثانيًا :دعوته:
وحمل الدعوة مع رسول الله ،εوتعلم مععن أسلم الصديق τ
رسععول اللععه εأن السععلم ديععن العمععل والععدعوة والجهععاد ،وأن
-25-
وأبععو عبيععدة بععن الجععراح ،وعبععدالرحمن بععن عععوف ،وأبوسعلمة بععن
عبدالسد ،والرقم بن أبي الرقم رضععي اللععه عنهععم ،وجععاء بهععؤلء
الصحابة الكرام فرادى فأسلموا بيععن يععدى رسععول اللععه ،εفكععانوا
الدعامات الولى التي قام عليها صرح الدعوة ،وكانوا العدة الولى
وبهم أعزه الله و أيده وتتابع النععاس في تقوية جانب رسول الله ε
يدخلون في دين الله أفواجًا ،رجععال ً ونسععاًء ،وكععان كععل مععن هععؤلء
الطلئع داعية الى السلم ،وأقبل معهععم رعيععل السععابقين ،الواحععد
والثنان ،والجماعة القليلة ،فكانوا على قلة عددهم كتيبععة الععدعوة،
وحصن الرسالة لم يسبقهم سابق ول يلحق بهععم لحععق فععي تاريععخ
السلم).(1
وإهتم الصععديق بأسععرته فأسععلمت أسععماء وعائشععة وعبععدالله
وزوجته أم رومان وخعادمه عععامر بععن فهيععرة ،لقعد كععانت الصععفات
الحميععدة والخلل العظيمععة والخلق الكريمععة الععتي تجسععدت فععي
شخصية الصديق عامل ً مؤثرا ً في الناس عند دعوتهم للسلم ،فقد
كان رصيده الخلقي ضخما ً في قومه وكبيرا ً في عشيرته ،فقد كان
ل ،مؤلفا ً لقومه ،محببا ً لهم ،سععه ً
ل ،أنسععب قريععش لقريععش بععل رج ً
كان فرد زمعانه فعي هعذا الفعن ،وكععان رئيسعا ً مكرمعا ً سعخيا ً يبععذل
المال ،وكانت له بمكة ضيافات ليفعلها أحد ،وكان رجل ً بليغا ً).(2
إن هذه الخلق والصفات الحميدة لبد منها للععدعاة إلععى اللععه
-27-
يضربه بنعلين مخصوفتين وُيحّرفهما لوجهه ،ونععزا علععى بطععن أبععي
بكر ،τحتى مايعرف وجهه معن أنفعه ،وجعاءت بنعو تميعم يتععادون
ملت بنو تميم أبا بكر في ثععوب
ح َ
فأجلت المشركين عن أبي بكر ،و َ
حتى أدخلوه منزلععه ،وليشععكون فععي مععوته ،ثععم رجعععت بنععو تميععم
فدخلوا المسجد وقالوا :والله لئن معات أبعو بكعر لنقتلعن عتبععة بععن
ربيعة فرجعوا إلى أبععي بكععر فجعععل أبععو قحافععة )والععده( وبنععو تيععم
يكلمون أبا بكر حتى أجاب ،فتكلم آخر النهار فقال :مافعل رسععول
اللععه ε؟ فم ّ
سععوا منععه بألسععنتهم وعععذلوه ،وقععالوا لمععه أم الخيععر:
انظري أن تطعميه شيئا ً أو تسقيه إياه .فلما خلت به ألحععت عليععه،
وجعل يقععول :مافعععل رسععول اللععه ε؟ فقععالت :واللععه مععالي علععم
بصاحبك .فقال :اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسععأليها عنععه،
فخرجت حتى جاءت أم جميل ،فقالت :إن أبا بكر سألك عن محمد
بن عبدالله .فقالت :ما أعرف أبععا بكععر ولمحمععد بععن عبععدالله ،وإن
كنت تحبين أن أذهب معك إلععى ابنععك .قععالت :نعععم ،فمضععت معهععا
حتى وجدت أبا بكر صريعا ً د َِنفًا ،فدنت أم جميل ،وأعلنت بالصععياح،
وقالت :والله إن قوما ً نالوا منك لهل فسق وكفر إننععي لرجععوا أن
ينتقم الله لك منهم ،قال :فمعا فععل رسعول اللعه ε؟ قعالت :هعذه
أمك تسمع ،قال :فلشيء عليك منها ،قععالت :سععالم صععالح ،قععال:
أين هو؟ قععالت :فععي دار الرقععم .قععال :فععإن للععه علععي أن ل أذوق
طعاما ً ول أشرب شععرابا ً أو آتععي رسععول اللععه ،εفأمهلتععا حععتى إذا
28
هدأت الّرجل وسكن الناس ،خرجتا به يتكئ عليهما ،حععتى أدخلتععاه
على رسول الله ،εفقال :فأكب عليه رسععول اللععه فقبلععه ،وأكععب
رقة شديدة فقال أبو بكر : عليه المسلمون ،ورقّ له رسول الله ε
بأبي وأمي يارسول الله ،ليععس بعي بععأس إل مععا نععال الفاسععق مععن
وجهي ،وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعهععا إلععى اللععه ،وأدع
الله لها عسععى اللععه أن يسععتنقذها بععك مععن النععار .قععال :فععدعا لهععا
ودعاها إلى الله فأسلمت).(1 رسول الله ε
إن هذا الحدث العظيم فععي طيععاته دروس وعععبر لكععل مسععلم
حريص على القتداء بهعؤلء الصعحب الكعرام ونحعاول أن نسعتخرج
بعض هذه الدروس التي منها:
-1حرص الصديق على إعلن السععلم واظهععاره أمععام الكفععار
وهذا يدل على قوة إيمانه وشجاعته وقد تحمل الذى العظيم حععتى
أن قومه كععانوا ليشععكون فععي معوته ،لقععد أشععرب قلبععه حععب اللععه
ورسوله أكثر من نفسه ،ولم يعد يهمععه -بعععد إسععلمه -إل أن تعلععوا
راية التوحيد ،ويرتفع النداء ل إلععه إل اللععه محمععد رسععول اللععه فععي
أرجاء مكة حتى لو كان الثمن حيععاته ،وكععاد أبععو بكععر فعل ً أن يععدفع
حياته ثمنا ً لعقيدته وإسلمه.
-2إصرار أبي بكر على الظهور بدعوة السلم وسط الطغيان
الجاهلي ،رغبة في إعلم الناس بذلك الدين الذي خالطت بشاشته
القلوب ،رغم علمه بالذى الذي قد يتعرض له وصحبه وماكان ذلك
)( السيرة النبوية لبن كثير )(441 -1/439؛ البداية والنهاية ).(3/30 1
-29-
إل لنه قد خرج من حظ نفسه.
-3حعب اللعه ورسععوله تغلغعل فعي قلععب أبعي بكعر علعى حبعه
لنفسه ،بدليل أنه رغم ما ألم به ،كععان أول مععا سععأل عنععه :مافعععل
رسول الله ،εقبل أن يطعم أو يشرب ،وأقسم أنه لن يفعل حتى
عند يأتي رسول الله ،εوهكذا يجب أن يكون حب الله ورسوله ε
نفسه لك كل مسلم أحب إليه مما سواهما حتى لو كلفه ذ
وماله).(1
-4إن العصبية القبلية كان لها في ذلك الحين دور فععي تععوجيه
الحداث والتعامل مع الفراد حتى مع اختلف العقيدة ،فهذه قبيلععة
أبي بكر تهدد بقتل عتبة إن مات أبو بكر).(2
-5تظهر مواقف رائعععة لم جميععل بنععت الخطععاب ،توضععح لنععا
ب الدعوة والحرص عليهععا ،وعلععى الحركععة لهععذا
ح ّ
كيف تربت على ُ
الدين ،فحينما سألتها أم أبي بكر عن رسول الله قالت :مععا أعععرف
أبا بكر ول محمد بن عبدالله ،فهذا تصرف حذر سليم ،لن أم الخير
لم تكن ساعتئذ مسلمة وأم جميل كانت تخفي إسلمها ،ولتععود أن
تعلم به أم الخير ،وفي ذات الوقت أخفت عنهععا مكععان الرسععول ε
مخافة أن تكعون عينعا ً لقريعش) ،(3وفعي نفعس العوقت حرصعت أم
جميععل أن تطمئن علععى سععلمة الصععديق ولععذلك عرضععت علععى أم
الخير أن تصحبها إلى ابنها وعندما وصلت للصديق كععانت أم جميععل
)( استخلف أبي بكر الصديق ،د .جمال عبدالهادي ،ص .131،132 1
)( محنة المسلمين في عهد المكي ،د .سليمان السويكت ،ص .79 2
)( السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية ،ص .50 3
30
في غاية الحيطة والحذر من أن تتسرب منها أي معلومة عن مكان
رسول الله وأبلغت الصديق بأن رسول الله سالم صالح) ،(1ويتجلى
الموقف الحذر من الجاهلية التي تفتن الناس عن دينهم في خروج
الثلثة عندما :هدأت الرجل وسكت الناس).(2
-6يظهر بععر الصععديق بععأمه وحرصععه علععى هععدايتها فععي قععوله
لرسول الله :εهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى اللععه
وادع الله لها عسى أن يسععتنقذها بععك مععن النععار .إنععه الخععوف مععن
لم عذاب الله والرغبة في رضاه وجنته ،ولقد دعععا رسععول اللععه ε
أبي بكر بالهداية فاستجاب الله له ،وأسلمت أم أبي بكر وأصععبحت
من ضمن الجماعة المؤمنة المباركة التي تسعععى لنشععر ديععن اللععه
تعالى ،ونلمس رحمة الله بعباده ونلحععظ مععن خلل الحععدث قععانون
المنحة بعد المحنة.
-7إن من أكثر الصععحابة الععذين تعرضععوا لمحنععة الذى والفتنععة
نظععرا ً لصععحبته الخاصععة لععه، بعد رسول الله εأبا بكععر الصععديق τ
والتصاقه به في المواطن التي كان يتعرض فيهععا للذى مععن قععومه
فينبري الصديق مدافعا ً عنه وفادي عا ً إيععاه بنفسععه ،فيصععيبه مععن أذى
القوم وسفههم ،هذا مع أن الصديق يعتبر مععن كبععار رجععال قريععش
المعروفين بالعقل والحسان).(3
)( السيرة النبوية ،قراءة لجوانب الحذر والحماية ،ص .51 1
)( استخلف الصديق ،د.جمال عبدالهادي ،ص .132 2
)( محنة المسلمين في العهد المكي ،ص .75 3
-31-
رابعًا :دفاعه عن النبي :ε
من صفات الصديق التي تميععز بهععا :الجععرأة والشععجاعة ،فقععد
كان ليهاب أحدا ً في الحق ،ولتأخذه لومة لئم في نصرة دين اللععه
فعن عروة بن الزبير قال سععألت والعمل له والدفاع عن رسوله ε
ابن عمرو بن العععاص بععأن يخععبرني بأشععد شععئ صععنعه المشععركون
يصععلي فععي حجععر الكعبععة ،إذ أقبععل بالنبي εفقال :بينمععا النععبي ε
عقبة بن أبي معيععط فوضععع ثععوبه فععي عنقععه فخنقععه خنقعا ً شععديدًا،
وقععال: فأقبل أبو بكععر حععتى أخععذ بمنكععبيه ودفعععه عععن النععبي ε
) (1
)أتقتلون رجل ً أن يقول ربي الله( )غافر ،آية .(28:وفي رواية أنس
مرة حتى غشععي رضي الله عنه أنه قال :لقد ضربوا رسول الله ε
عليه فقام أبو بكر τفجعل ينادي ويلكععم ) أتقتلععون رجل ً أن يقععول
ربي الله() .(2وفي حديث أسماء :فأتى الصريخ إلى أبي بكر ،فقال:
أدرك صاحبك .قالت فخرج من عندنا وله غععدائر أربععع وهععو يقععول:
ويلكم أتقتلون رجل ً أن يقول ربي الله .فلهوا عنه وأقبلوا على أبععي
بكر ،فرجع إلينا أبو بكر فجعععل ليمععس شععيئا ً مععن غععدائره إل رجععع
فقععد قععام خطيبعا ً معه) ( ،وأما في حديث علععي بععن أبععي طععالب τ 3
وقععال :يععا أيهععا النععاس مععن أشععجع النععاس؟ فقععالوا :أنععت يععا أميععر
المؤمنين فقال :أما إني مابارزني أحد إل انتصفت منععه ،ولكععن هععو
-33-
الذراع اليمنى لرسول الله ،εوتفرغ للدعوة وملزمة رسععول اللععه
وإعانته على من يدخلون الدعوة في تربيتهم وتعليمهم وإكرامهععم،
يقص لنا حديثه عن إسعلمه ففيعه...) :فقعال أبعوبكر: فهذا ابوذر τ
ائذن لي يارسول الله في طعامه الليلععة -وأنعه أطعمععه معن زبيععب
الطائف) ،(1وهكذا كان الصديق في وقوفه مع رسول الله يسععتهين
قعل أو كعثر بالخطر على نفسه ،ول يستهين بخطر يصيب النععبي ε
حيثما رآه واستطاع أن يذود عنه العادين عليه ،وانه ليراهم آخععذين
بتلبيبه فيدخل بينهم وبينه وهو يصيح بهم) :ويلكم أتقتلععون رجل ً ان
يقول ربي الله؟( فينصععرفون عععن النععبي وينحععون عليععه يضععربونه،
ويجذبونه من شعره فل يدعونه إل وهو صديع().(2
خامسًا :انفاقه الموال لتحرير المعذبين في الله:
ولصحابه مععع انتشععار تضاعف اذى المشركين لرسول الله ε
الدعوة في المجتمع المكي الجاهلي حتى وصععل الععى ذروة العنععف
وخاصعة فععي معاملعة المستضعععفين مععن المسععلمين ،فنكلععت بهععم
لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلمهم ،ولتجعلهم عبرة لغيرهم ،ولتنفععس
عن حقدها وغضبها بما تصبه عليهم من العذاب وقد تعرض بلل τ
لعذاب عظيم ولم يكن لبلل τظهر يسنده ،ول عشيرة تحميه ،ول
سيوف تذود عنه ،ومثل هذا النسان في المجتمع الجععاهلي المكععي
يعادل رقما ً مععن الرقععام ،فليععس لععه دور فععي الحيععاة إل أن يخععدم
)( الفتح )(7/213؛ الخلفة الراشدة ،يحيى اليحيى ،ص .156 1
)( عبقرية الصديق للعقاد ،ص 87؛ صديع :المشقوق الثوب. 2
34
ويطيع ويبععاع ويشععترى كالسععائمة ،أمععا أن يكععون لععه رأي أو يكععون
صاحب فكر ،أو صاحب دعوة أو صاحب قضية ،فهذه جريمة شنعاء
في المجتمع الجاهلي المكي تهععز أركععانه ،وتزلععزل أقععدامه ،ولكععن
الععدعوة الجديععدة الععتي سععارع لهععا الفتيععان وهععم يتحععدون تقاليععد
وأعراف آبائهم الكبار لمست قلععب هععذا العبععد المرمععي المنسععي،
فأخرجته إنسانا ً جديد في الحياة) ،(1قد تفجرت معاني اليمععان فععي
وإخععوانه فععي إعماقه بعد أن آمن بهذا الدين وانضم الععى محمععد ε
موكب اليمان العظيم وعندما علم سيده أميةبن خلف ،راح يهععدده
تارة ويغريه اطورا ً فما وجد عند بلل غير العزيمة وعدم السععتعداد
للعودة الى الوراء الى الكفر والجاهلية والضلل ،وفحنق عليه أمية
وقرر أن يعذبه عذابا ً شععديدًا ،فععأخرجه الععى شععمس الظهيععرة فععي
الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشععراب يومعا ً وليلععة ،ثععم ألقععاه
على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة ثم أمععر غلمععانه فحملععوا
صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلل وهو مقيد اليععدين ،ثععم قععال
له :لتزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمععد وتعبععد اللت والعععزى(
وأجاب بلل بكل صبر وثبات :أحد أحد .وبقي أميععة بععن خلععف مععدة
وهو يعذب بلل ً بتلك الطريقة البشعة) ( ،فقصد وزير رسول الله ε
2
الصديق موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقععال لععه) :أل تتقععي
الله في هذا المسكين؟ حتى متى! قال :أنت أفسدته فأنقععذه ممععا
-35-
ترى ،فقال أبوبكر :أفعل ،عندي غلم أسود أجلد منه وأقععوى علععى
دينك أعطيكه به ،قال :قد قبلععت؛ فقععال :هععو لععك فأعطععاه أبععوبكر
غلمه ذلك وأخذه فأعتقه() ،(1وفي رواية اشعتراه بسعبع الصديق τ
أواق أو بأربعين أوقية ذهبا ً) ،(2ماأصبر بلل وماأصلبه !τفقععد كععان
ص عُلب ولععم تليععن قنععاته أمععام
صادق السلم ،طاهر القلب ،ولذلك َ
التحديات وأمام صنوف العذاب ،وكان صبره ،وثبععاته ممععا يغيظهععم
ويزيد حنقهم ،خاصة أن كان الرجل الوحيد من ضعععفاء المسععلمين
الذي ثبت على السلم فلم يوات الكفار فيما يريدون معرددا ً كلمعة
التوحيععد بتحععد صععارخ ،وهععانت عليععه نفسععه فععي اللععه وهععان علععى
قومه).(3
وبعد كل محنة منحة فقععد تخلععص بلل مععن العععذاب والنكععال،
وتخلص من أسر العبودية ،وعاش مع رسول الله بقية حياته ملزما ً
-37-
يومئذ مشركا ً يضربها ،حتى إذا م ّ
ل قال :إنعي أعتعذر إليعك إنعي لعم
أتركك إل عن مللة فتقول :كععذلك فعععل اللععه بععك فابتاعهععا أبععوبكر
فأعتقها).(1
هكععذا كععان واهععب الحريععات ،ومحععرر العبيععد ،شععيخ السععلم
الوقور ،الذي عرف بين قومه ،بأنه يكسب المعدوم ،ويصل الرحم،
ويحمععل الكععل ،ويقععري الضععيف ،ويعيععن علععى نععوائب الحععق ،ولععم
ينغمس في إثم في جاهليته ،أليف مألوف يسيل قلبه رقة ورحمععة
على الضعفاء والرقاء ،أنفق جزًء كبيرا ً من ماله في شعراء العبيعد،
وعتقهم لله ،وفي الله ،قبل أن تنزل التشريعات السلمية المحببة
في العتق ،والواعدة عليه أجزل الثواب).(2
الذي يبععذل هععذا المععال كان المجتمع المكي يتندر بأبي بكر τ
كله لهؤلء المستضعفين ،أما في نظر الصديق ،فهؤلء إخعوانه فعي
الدين الجديد فكل واحد من هؤلء ليساوي عنععده مشععركي الرض
وطغاتها ،وبهذه العناصر وغيرها تبنى دولة التوحيد ،وتصنع حضععارة
ولم يكن الصديق يقصد بعملععه هععذا محمععدة ،ول الرائعة)(3 السلم
جاهًا ،ول دينًا ،وإنما كان يريد وجه الله ذا الجلل والكرام لقد قععال
له أبوه ذات يوم :يابني إني أراك تعتععق رقاب عا ً ضعععافًا ،فلععو أنععك إذ
فعلت أعتقت رجال ً جلد يمنعوك ،ويقومون دونك؟ فقال أبوبكر :τ
ياأبت إني إنما أريد ماأريد للععه عععز وجععل ،فل عجععب إذا كععان اللععه
)( السيرة النبوية لبن هشام ).(1/393 1
)( السيرة النبوية لبي شهبة ).(1/345 2
)( التربية القيادية ).(1/342 3
38
سبحانه أنزل في شأن الصديق قرآنا ً يتلععى الععى يععوم القيامععة قععال
ن أ َع ْ َ َ
صعععععد ّقَقعععععى`وَ َ طعععععى َوات ّ َ مععععع ْ معععععا َ تعععععععالى} :فَأ ّ
َ
خعععع َ
ل ن بَ ِمعععع ْ
مععععا َ
سععععَرى`وَأ ّ سععععُره ُ ل ِل ْي ُ ْ سععععَنى`فَ َ
سن ُي َ ّ ح ْ ِبال ْ ُ
ما ي ُغِْنععي
سَرى`وَ َ سُره ُ ل ِل ْعُ ْ سَنى`فَ َ
سن ُي َ ّ ح ْب ِبال ْ ُ ست َغَْنى`وَك َذ ّ َ
َوا ْ
خععَرةَ ن ل ََنععا َلل ِ دى`وَإ ِ ّ ن ع َل َي َْنععا ل َل ُْهعع َ دى`إ ِ ّ ذا َتععَر ّ ه إِ َ مععال ُ ُ
ه َع َْنعع ُ
ها إ ِل ّ ال َ ْ َ ُ
ذي قى`اّلعع ِ شعع َ صل َ ظى`ل ي َ ْ م َناًرا ت َل َ ّ َوالوَلى`فَأن ْذ َْرت ُك ُ ْ
ما كى`وَ َ مال َ ُ
ه ي َت ََز ّ ذي ي ُؤ ِْتي َ قى`ال ّ ِ جن ّب َُها ال َت ْ َ سي ُ َب وَت َوَّلى`وَ َ ك َذ ّ َ
ه
جعععهِ َرب ّععع ِجعععَزى`إ ِل ّ اب ْت ِغَعععاَء وَ ْ معععةٍ ت ُ ْ ن ن ِعْ َمععع ْ عن ْعععد َه ُ ِ حعععد ٍ ِلَ َ
َ
ضى`{) ( )سورة الليل ،اليات.(21-5 : 1
ف ي َْر َ سو ْ َ الع َْلى`وَل َ َ
لقد كان الصديق من أعظم الناس إنفاقعا ً لمععاله فيمععا يرضعي
الله ورسوله.
كان هذا التكافل بين أفراد الجماعة السلمية الولى قمة من
قمم الخير والعطاء ،وأصبح هؤلء العبيد بالسلم ،أصععحاب عقيععدة
وفكرة يناقشون بها وينافحون عنها ،ويجاهدون في سععبيلها ،وكععان
على شرائهم ثععم عتقهععم دليل ً علععى عظمععة هععذا إقدام إبي بكر τ
الدين ومدى تغلغله في نفسية الصععديق ،τومععا أحععوج المسععلمين
اليوم أن يحيوا هذا المثل الرفيع ،والمشاعر السامية ليتععم التلحععم
والتعايش ،والتعاضد بين أبنععاء المععة الععتي يتعععرض ابناءهععا للبععادة
الشاملة من قبل أعداء العقيدة والدين.
سادسًا :هجرته الولى وموقف ابن الدغنة منها:
-39-
قالت عائشة رضي الله عنها :قالت :لععم أعقععل أبععوي قععط إل
وهما يدينان الدين ،ولم يمر علينا يوم إل يأتينا فيععه رسععول اللععه ε
طرفي النهار :بكرة وعشية فلمععا ابتلععى المسععلمون ،خععرج أبععوبكر
مهاجرا ً نحو أرض الحبشة حتى برك الغماد لقيه ابععن الدغنععة -وهععو
سيد القارة) -(2فقال :أيععن تريععد ياأبععابكر؟ فقععال ابععوبكر :أخرجنععي
قومي فأريد أن أسيح في الرض وأعبد ربي ،قال ابن الدغنة :فععإن
مثلععك ياأبععابكر ل يخععرج ول يخععرج إنععك تكسععب المعععدوم ،وتصععل
الرحم ،وتحمل الكل ،وتقري الضيف ،وتعين على نوائب الحق .فأنا
لك جار .ارجع وأعبد ربك ببلدك .فرجع ،وارتحل معععه ابععن الدغنععة،
فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهععم :إن أبععابكر
ل يخرج مثلعه ول يخعرج ،أتخرجعون رجل ً يكسعب المععدوم ،ويصعل
الرحم ،ويحمل الكل ويقري الضيف ،ويعين على نوائب الحق؟ فلم
تكذب قريش بجعوار ابعن الدغنعة ،وقععالوا لبعن الدغنعة :معر أبعابكر
فليعبد ربه في داره ،فليصل فيها وليقرأ ماشاء ول يؤذينا بععذلك ول
يستعلن به ،فإنا نخشى أن يفتععن نسععاءنا وأبناءنععا .فقعال ذلععك ابععن
الدغنة لبي بكر ،فلبث أبوبكر بذلك يعبد ربه في داره ،ول يسععتعلن
بصلته ول يقرأ في غير داره .ثم بدا لبي بكر فابتنى مسجدا ً بفنععاء
داره ،وكععان يصععلي فيععه ويقععرأ القععرآن ،فيتقععذف عليععه نسععاء
المشععركين ،وأبنععاؤهم ،وهععم يعجبععون منععه وينظععرون إليععه ،وكععان
)( ابن الدغنة :قيل اسمه الحارث بن يزيد وقيل مالك وقيععل ربيعععة بععن رفيععع .والقععارة 2
قبيلة من بني الهون بن خزيمة.
40
أبوبكر رجل ً بكاًء ليملك عينه إذا قرأ القرآن ،فععأفزع ذلععك أشععراف
قريش من المشععركين ،فأرسععلوا الععى ابععن الدغنععة ،فقععدم عليهععم
فقالوا :إنا كنا أجرنا أبابكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ،فقد
جاوز ذلك فابتنى مسجدا ً بفناء داره ،فأعلن بالصلة والقراءة فيععه،
وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه ،فإن أحععب أن يقتصععر
على أن يعبد ربه في داره فعل ،وإن أبى إل أن يعلعن بععذلك فسععله
أن يرد إليك ذمته ،فإنا قد كرهنا أن نغفرك ولسنا بمقرين لبي بكر
الستعلن .قالت عائشة :فأتى ابن الدغنة الى أبي بكععر فقععال :قععد
علمت الذي عاقدت لك عليه ،فإما أن تقتصععر علععى ذلععك وإمععا أن
ي ذمتي ،فإني ل أحب أن تسمع العععرب أنععى أخفععرت فععي
ترجع ال ّ
رجل عقععدت لععه .فقععال أبععوبكر :فععإني أرد إليععك جععوارك ،وأرضععى
بجوار الله عز وجل) ،(1وحيععن خععرج مععن جععوار ابععن الدغنععة ،يعنععي
ابوبكر ،لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد الععى الكعبععة فحثععا
على رأسه ترابًا ،فمر بأبي بكر الوليد بععن المغيععرة ،أو العععاص بععن
وائل -فقال له أبوبكر :τأل تر مايصنع هععذا السععفيه ،فقععال :أنععت
فعلت ذلك بنفسك ،وهو يقول :ربي ماأحلمك ،أي ربععي ماأحلمععك،
أي ربي ماأحلمك) .(2وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها:
فهاهو ابن -1كان ابوبكر في عز من قومه قبل بعثة محمد ε
الدغنة يقول له :مثلك ياأبابكر ليخرج ول يخرج مثلعه ،إنعك تكسعب
-41-
المعدوم ،وتصل الرحم ،وتحمل الكل ،وتقري الضيف ،وتعين علععى
نوائب الحق ،فأبوبكر لم يدخل في دين الله طلبا ً لجاه أو سععلطان،
ومادفعه الى ذلك إل حب الله ورسوله مما يععترتب علععى ذلععك مععن
ابتلءات ،أي أنه لم يكن له تطلعات سوى مرضات الله تعالى ،إنععه
يريد أن يفارق الهل والوطن والعشيرة ليعبععد ربععه لنععه حيععل بينععه
وبين ذلك في وطنه).(1
-2إن زاد الصعديق فعي دعععوته القعرآن الكريععم ولعذلك اهتععم
بحفظه وفهمه وفقهه والعمل به ،وأكسبه الهتمام بالقرآن الكريععم
براعة في تبليغ الدعوة ،وروعة في السلوب ،وعمقا ً فععي الفكععار،
وتسلسل ً عقليا ً فععي عععرض الموضععوع الععذي يععدعو إليععه ،ومراعععاة
لحوال السامعين وقوة في البرهان والدليل).(2
وكان الصديق يتأثر بالقرآن الكريععم ويبكععي عنععد تلوتععه وهععذا
يدل على رسوخ يقينه وقوة حضععور قلبععه مععع اللععه عععز وجععل ومععع
معاني اليات التي يتلوها ،والبكاء مبعثه قوة التأثير إما بحزن شديد
أو فرح غامر ،والمؤمن الحق يظل بيععن الفععرح بهدايععة اللععه تعععالى
الى الصعراط المسععتقيم ،والشعفاق معن النحعراف قليل ً ععن هعذا
ي وفكععر يقععظ كععأبي بكععر τ
الصراط ،وإذا كان صاحب إحساس ح ّ
فإن هذا القرآن يذ ّ
كره بالحياة الخرة ومافيها من حسععاب وعقععاب
أو ثواب ،فيظهر أثر ذلك في خشععوع الجسععم وانسععكاب العععبرات،
فيما استشكل عليه بأدب وتقدير واحترام ،فلما نزل قععوله تعععالى:
}ل َيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ
سععوًءا مع ْ
ل ُ ن ي َعْ َ
مع ْب َ ل ال ْك ِت َععا ِ
ي أه ْ ع ِ
َ ّ ْ َ ِ َ ّ ْ َ
را{ )سععورة صعي ًن الّلعهِ وَل ِّيعا َول ن َ ِ دو ِن ُ
مع ْ جد ْ َلع ُ
ه ِ جَز ب ِهِ َول ي َ ِ
يُ ْ
النساء ،الية (123:قال ابعوبكر يارسعول اللعه ،قعد جعاءت قاصعمة
الظهر ،وأينا لم يعمل سوءًا؟ فقال :ياأبابكر ،ألست تنصب؟ الست
تحزن؟ ألست تصيبك اللوى؟ فذلك مما تجزون به).(4
ن ن ال ّع ِ
ذي َ وقد فسر الصديق بعض اليات مثل قوله تعالى} :إ ِ ّ
)( التاريخ السلمي للحميدي )ج /20 ،19ص .(209 1
)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ،ص 117هذه الرواية فيها انقطاع. 2
)( الفتاوى لبن تيمية ).(6/212 3
)( احمد ) (1/11وقال الشيخ شاكر اسانيدها ضعععاف .وهععو صععحيح بطرقععه وشععواهده. 4
انظر :مسند المام احمد رقم .68
-43-
ة أ َل ّ
مَلئ ِك َع ُ
م ال َل ع َل َي ْهِع ُموا ت َت َن َعّز ُ قا ُ
سعت َ َما ْ قَععاُلوا َرب ّن َععا الل ّع ُ
ه ث ُع ّ
َ
ن{ دو َعع ُم ُتو َ جّنعةِ ال ِّتعي ك ُن ْت ُع ْ شعُروا ِبال ْ َ حَزُنعوا وَأب ْ ِ خاُفوا َول ت َ ْ تَ َ
)سورة فصلت ،اليععة (30 :قععال فيهععا :فلععم يلتفتععوا عنععه يمنععة ول
يسرة ،فلم يلتفتوا بقلوبهم الى ماسواه ل بععالحب ول بععالخوف ،ول
بالرجععاء ول بالسععؤال ول بالتوكععل عليععه ،بععل ل يحبععون إل اللععه ول
يحبون معععه أنععدادًا ،وليحبععون إل إيععاه ،ل لطلععب منفعععة ،ول لععدفع
مضععرة ،ول يخععافون غيععره كائن عا ً مععن كععان ،ول يسععألون غيععره ول
يتشرفون بقلوبهم الى غيره) ،(1وغير ذلك من اليات.
إن العدعاة العى اللعه عليهععم أن يكونععوا فعي صعحبة مسعتمرة
للقععرآن الكريععم ،يقععرؤه ويتععدبروه ويسععتخرجوا كنععوزه ومعععارفه
للناس ،وأن يظهروا للناس مافي القرآن من إعجاز بيععاني وعلمععي
وتشريعي ومافيه من سععبل إنقععاذ النسععانية المعذبععة مععن مأسععيها
وحروبها ،بأسلوب يناسب العصر ،ويكافئ ماوصل إليه النععاس مععن
كيف تكون تقدم في وسائل الدعوة والدعاية ،ولقد أدرك أبوبكر τ
قراءة القرآن الكريععم فععي المسععجد علععى مل مععن قريععش وسععيلة
مؤثرة من وسائل الدعوة الى الله).(2
سابعًا :بين القبائل العرب في السواق:
كان عالما ً بالنسععاب ولععه فيهععا البععاع قد علمنا أن الصديق τ
الطويل :قال السععيوطي رحمععه اللععه تعععالى :رأيععت بخععط الحععافظ
)( تاريخ الخلفاء ،ص 100نقل ً عن تاريخ الدعوة ،ص .95 1
)( نفس المصدر ،ص .96 2
)( ابوبكر الصديق لمحمد عبدالرحمن قاسم ،ص .92 3
-45-
من أبي بكر فقال :أبوبكر كيف العدد فيكم فقال مفروق :إنا لنزيد
على اللف ولن تغلب اللف من قلة فقععال أبععوبكر :وكيععف المنعععة
فيكععم فقعال مفعروق :إنعا لشعد معانكون غضععبا ً حيعن نلقعى وأشعد
مانكون لقاء حين نغضععب وإنععا لنععؤثر الجيععاد علععى الولد والسععلح
على اللقاح والنصر من عنععد اللععه يععديلنا مععرة ويععديل علينععا أخععرى
لعلك أخا قريش؛ فقال أبوبكر :إن كان بلغكععم أنععه رسععول اللععه ε
فها هوذا .فقال :مفروق إلم تععدعونا ياأخععا قريععش؟ فقععال رسععول
الله ) :εأدعوكم الى شهادة أن ل إلععه إل اللععه وحععده لشععريك لععه
وأني عبدالله ورسوله والى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشععا ً قععد
تظاهرت على الله وك ّ
ذبت رسععوله واسععتغنت بالباطععل عععن الحععق
واللععه هععو الغنععي الحميععد( فقععال مفععروق :وإلم تععدعو أيضعا ً ياأخععا
قريش فوالله ماسمعت كلما ً أحسن مععن هععذا فتل رسععول اللععه ε
م أ َل ّم ع َل َي ْك ُع ْ
م َرب ّك ُع ْ ح عّر َ
مععا َ ل َ وا أ َت ْع ُ ل ت َعَععال َ ْ قععوله تعععالى} :قُ ع ْ
َ
نمع ْ م ِ قت ُُلوا أْولد َك ُع ْ ساًنا َول ت َ ْ ح َ ن إِ ْ شي ًْئا وَِبال ْ َ
وال ِد َي ْ ِ كوا ب ِهِ َ شرِ ُ
تُ ْ
مععا ظ َهَ عَر ش َ ح َ وا ِ فع َقَرُبوا ال ْ َ
م َول ت َ ْ م وَإ ِّياهُ ْ ن ن َْرُزقُك ُ ْ
ح ُ ق نَ ْمل ٍإِ ْ
ق ه إ ِل ّ ب ِععال ْ َ
ح ّ م الل ّع ُ س ال ِّتي َ
حعّر َ ف َ قت ُُلوا الن ّ ْ ن َول ت َ ْ ما ب َط َ َ
من َْها وَ َِ
ن{ )سورة النعععام ،اليععة(151 : قُلو َ م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ
م ت َعْ ِ صاك ُ ْ
م وَ ّذ َل ِك ُ ْ
فقال مفروق :دعوت والله الى مكععارم الخلق ومحاسععن العمععال
ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك ثععم رد المععر الععى هععانئ بععن
قبيصة فقال :وهععذا هععانئ شععيخنا وصعاحب ديننععا فقعال هععانئ :قعد
46
سمعت مقالتك ياأخا قريععش وإنععي أرى تركنععا ديننععا واتباعنععا دينععك
لمجلس جلست إلينا ل أول ول آخر لذل في الرأي وقلة نظععر فععي
العاقبة أن الزلة مع العجلة وأنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدا ً
ولكن نرجع وترجععع وننظععر ثععم كععأنه أحععب أن يشععركه المثنععى بععن
حارثة فقععال :وهععذا المثنععى شععيخنا وصععاحب حربنععا فقععال المثنععى
-وأسلم بعد ذلك -قد سمعت مقالتععك ياأخععا قريععش والجععواب فيععه
جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا إنما نزلنععا
بين صيرين أحدهما اليمامة والخرى السمامة ،فقال رسول الله ε
وماهذان الصيران؟ فقال له أما أحدهما فطوق التزيد أي ماأشرف
من الرض -وأرض العرب ،وأما الخر فأرض فارس وأنهار كسععرى
وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لنحعدث حعدثًا ،ول نعؤي
محدثا ً ولعل هذا المر الذي تدعو إليه تكرهه الملععوك ،فأمععا ماكععان
مما يلي على بلد العرب فذنب صاحبه مغفور ،وعذره غير مقبول،
فإن أردت أن ننصرك مما يلي العرب فعلينا ،فقال رسول اللععه :ε
ماأسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين اللععه عععز وجععل لععن
ينصره إل من حاطه من جميع جعوانبه أريتعم إن لععم تلبثعوا إل قليل ً
)( البداية والنهاية )،3/142عع (143،145وفيها زيادات ليست عند الصالحي في سععبيل 1
الرشاد ) .(597 -2/596
-47-
وهذا جعلععه يفهععم السععلم -1ملزمة الصديق لرسول الله ε
بشموله وهيأه الله تعالى بأن يصبح أعلم الصحابة بدين اللععه ،فقععد
حقيقة السلم وتربى على يديه في معرفة تعلم من رسول الله ε
معانيه ،فاستوعب طبيعة الدعوة ومر بمراحلها المتعععددة واسععتفاد
وتشرب المنهج الرباني ،فعرف المولى من صحبته لرسول الله ε
عز وجل من خلله ،وطبيعة الحياة ،وحقيقة الكون ،وسععر الوجععود،
وماذا بعد الموت ومفهوم القضاء والقدر ،وقصة الشيطان مععع آدم
عليه السلم وحقيقة الصراع بن الحق والباطععل ،والهععدى والظلل،
واليمان والكفر ،وحببععت إليععه العبععادات كقيععام الليععل ،وذكععر اللععه
وتلوة القرآن فسمت أخلقه ،وتطهرت نفسه وزكت روحه.
يعدعو القبعائل -2وفي رفقته لرسعول اللعه εعنعدما كعان ε
للسلم استفاد الكثير ،فقععد عععرف أن النصععرة الععتي كععان يطلبهععا
لدعوته من زعماء القبائل أن يكون أهل النصرة غير رسول الله ε
مرتبطيععن بمعاهععدات دوليععة تتنععاقض مععع الععدعوة ول يسععتطيعون
التحرر منهععا ،وذلععك لن احتضععانهم للعدعوة والحالعة هععذه ُيعرضععها
لخطععر القضععاء عليهععا مععن قبععل الععدول الععتي بينهععم وبينهععا تلععك
المعاهدات ،والتي تجد في الدعوة السلمية خطرا ً عليهععا وتهديععدا ً
لمصالحها).(1
ان الحماية المشروطة أو الجزئيععة لتحقععق الهععدف المقصععود
فلن يخوض بنو شيبان حربا ً ضد كسرى لو أراد القبض على رسول
)( الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ،محمد هيكل ).(1/412 1
48
وتسليمه ،ولن يخوضوا حربعا ً ضععد كسععرى لععو أراد مهاجمععة الله ε
وأتباعه ،وبذلك فشلت المباحثات).(1 رسول الله ε
) -3إن دين الله لن ينصره إل من حععاطه مععن جميععع جععوانبه(
على المثنى بن حارثة حيث عرض علععى كان هذا الرد من النبي ε
النبي حمايته على مياه العرب دون مياه الفرس ،فمن يسبر أغوار
السياسعععة البعيعععدة يعععرى بععععد النظعععر السعععلمي النبعععوي العععذي
ليسامى).(2
-4كان موقف بني شيبان يتسم بالريحيعة والخلعق والرجولعة
وينم عن تعظيم هذا النبي ،وعن وضوح في العرض ،وتحديععد مععدى
قدرة الحماية التي يملكونها وقد بينوا أن أمععر الععدعوة ممععا تكرهععه
در الله لشيبان بعد عشر سنوات أو تزيد أن تحمل هععي
الملوك ،وق ّ
ابتداًء عبء مواجهة الملععوك ،بعععد أن أشععرق قلبهععا بنععور السععلم،
وكان المثنى بن حارثة الشيباني صععاحب حربهععم وبطلهععم المغععوار
الذي كان من ضمن قادة الفتوح في خلفة الصععديق فكععان وقععومه
من أجرأ المسلمين بعد إسلمهم علععى قتععال الفععرس ،بينمععا كععانوا
في جاهليتهم يرهبون الفععرس ول يفكععرون فععي قتععالهم ،بععل إنهععم
بعد قناعتهم بها لحتمال أن تلجئهععم العى قتععال ردوا دعوة النبي ε
الفرس ،المر الذي لم يكونوا يفكرون به أبدًا ،وبهععذا نعلععم عظمععة
هذا الدين الذي رفععع اللععه بعه المسععلمين فعي الععدنيا حيععث جعلهععم
-49-
سادة الرض مع معاينتظرون فعي أخراهعم معن النعيععم العدائم فعي
جنات النعيم).(1
المبحث الثالث
هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسععلم الععى
المدينة
من بني الديل بن بكر ،وكانت أمه امرأة من بني سهم بععن عمععرو،
وكان مشركا ً -يدلهما على الطريععق ،فععدفعا إليععه راحلتيهمععا فكانتععا
عنده يرعاهما لميعادهما).(2
وجاء في رواية البخاري عن عائشة في حديث طويل تفاصيل
مهمة وفي ذلك الحعديث ......) :قعالت عائشعة :فبينمععا نحعن يومعا ً
جلوسا ً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لبي بكععر هععذا
متقنعا ً) ،(3في ساعة لم يكن يأتينا فيها ،فقال رسول رسول الله ε
)( الهاجرة :نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو العصر. 1
)( السيرة النبوية لبن كثير ).(234 -2/233 2
)( متقنعًا :مغطيا ً رأسه. 3
-51-
لبي بكر :أخرج من عندك ،فقععال أبععوبكر :إنمععا هععم أهلععك. الله ε
فقال :فإني قد أذن لي في الخروج فقال أبوبكر :الصحبة بأبي أنت
:نعم ،قال ابوبكر :فخذ بأبي أنععت يارسول الله قال رسول الله ε
يارسول الله إحد راحلتي هاتين ،قال رسول الله :εبالثمن ،قععالت
عائشة :فجهزناهما أحسن الجهاز ،ووضعنا لهم سفرة فععي جععراب،
فقطمت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقهعا فربطععت بعه علعى
فم الجراب ،فبذلك سميت ذات النطاقين ،ثم لحق رسول اللععه ε
فيععه ثلث ليععال يععبيت عنععدهما فكمنععا)(1 وأبوبكر بغار في جبل ثور،
مععن ثقف) ،(2لقععن) ،(3فيدلععج)(4 عبدالله بن أبي بكر وهو غلم شاب
عندهما بسحر ،فيصععبح مععع قريعش بمكععة كبععائت ،فل يسععمع أمعرا ً
به إل وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلععك حيععن يختلععط الظلم، يكتادان)(5
ويرعى عليهما حيث تذهب ساعة مععن العشععاء فيبيتععان فععي رسععل
بغلس)(8 بها عامر بن فهيرة ورضيفهما) (6ينعق)(7 -وهو لبن منحهما
يفعل ذلك في كل ليلة مععن تلععك الليععالي الثلث ،واسععتأجر رسععول
وأبوبكر رجل ً من بني الععديل وهععو مععن بنععي عبععد ابععن عععدي الله ε
)( كمنا فيه :أي استترا واستخفيا ومنه الكمن في الحرب. 1
)( ثقف :ذو فطن وذكاء والمراد ثابت المعرفة بما يحتاج إليه) .النهاية .(1/216 2
)( لقن :فهم حسن التلقي لما يسمعه) ،النهاية.(4/266 ، 3
)( يدلج :أدلج إذا سار أول الليل وأّدلج بالتشديد إذا سار آخره. 4
)( يكتادان :أي يطلب لهما فيه المكروه وهو من الكيد. 5
)( الرضيف :اللبن المرضوف وهو الذي طرح فيه الحجارة المحماة. 6
)( ينعق :نعق بغنمه ،أي صاح بها وزجرها) .القاموس المحيط.(3/265 ، 7
)( الغلس :ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح) .النهاية.(3/377 ، 8
52
في آل العاص بن حلفا ً)(1 -هاديا ً خريتا -والخريت الماهر -قد غمس
وائل السهمي ،وهععو علععى ديععن كفععار قريععش ،فأمنععاه فععدفعا إليععه
راحلتيهما ،وواعده غار ثور بعععد ثلث ليععال براحلتيهمععا صععبح ثلث،
وانطلععق معهمععا عععامر بععن فهيععرة والععدليل فأخععذ بهععم طريععق
السواحل).(2
أحد حين خرج إل علي بععن أبععي لم يعلم بخروج رسول الله ε
طالب ،وأبوبكر الصععديق ،وآل أبععي بكععر ،وجععاء وقععت الميعععاد بيععن
ابي بكر ،τفخرجا من خوخة) ،(3لبي بكر في ظهععر رسول الله ε
بيته ،وذلك للمعان في الستخفاء حتى لتتبعهما قريش ،وتمنعهمععا
من تلك الرحلعة المباركعة ،وقعد اتععدا معع الليععل علعى أن يلقاهمععا
عبدالله بن أريقط في غار ثور بعد ثلث ليال) ( ،وقد دعععا النععبي ε
4
)( غمس حلفًا :أي أخذ بنصيب من عقدهم وحلفهم يأمن به. 1
)( البخاري ،كتاب مناقب النصار ،باب هجرة النبي رقم .395 2
)( الهجرة في القرآن الكريم ،ص .334 3
)( خاتم النبيين لبي زهرة )(1/659؛ السيرة النبوية لبن كثير ).(2/234 4
)( السيرة النبوية لبن كثير ).(234 -2/230 5
)( الترمذي ،كتاب المناقب ،باب فضل مكة ).(5/722 6
-53-
فمروا بالغار ،فرآوا على بععابه نسععيج العنكبععوت ،فقععالوا :لععو دخععل
هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه) ،(1وهذه من جنود اللععه
ك إ ِل ّ هُ َ
و{ )سعورة المعدثر ،اليعة: جُنود َ َرب ّ َ ما ي َعْل َ ُ
م ُ عز وجل} :وَ َ
.(31
وبالرغم من كل السباب التي اتخذها رسول الله εفععإنه لععم
يرتكن إليها مطلقًا ،وإنما كان كامل الثقة في اللععه ،عظيععم الرجععاء
في نصره وتأييده ،دائم الدعاء بالصععيغة الععتي علمععه اللععه إياهععا)،(2
جن ِععي ق وَأ َ ْ
خرِ ْ ص عد ْ ٍل ِ خ َ خل ْن ِععي ُ
م عد ْ َ ب أ َد ْ ِ
ل َر ّقععال تعععالى} :وَقُ ع ْ
را{ )سععورة صععي ً سل ْ َ
طاًنا ن َ ِ ك ُ ن ل َد ُن ْ َم ْ ل ِلي ِ جعَ ْ
ق َوا ْ
صد ْ ٍ
ج ِخَر َ
م ْ
ُ
السراء ،الية.(80:
وفي هذه الية الكريمععة دعععاء ُيعّلمععه اللععه عععز وجععل لنععبيه ε
ليدعوه به ،ولتتعلم أمته كيف تععدعو اللععه وكيععف تتجععه إليععه؟ دعععاء
بصدق المدخل وصدق المخرج ،كناية عن صدق الرحلة كلها ،بععدئها
وختامها ،أولها وآخرهعا ومعابين الول والخعر ،وللصعدق هنععا قيمتعه
بمناسبة ماحاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه ليفععترى
على الله غيره ،وللصدق كععذلك ظللععه :ظلل الثبععات ،والطمئنععان
صععيًرا{ قععوة س عل ْ َ
طاًنا ن َ ِ ن ل َعد ُن ْ َ
ك ُ مع ْ والنظافة الخلص }َوا ْ
جعَ ْ
ل ل ِععي ِ
وهيبة استعلى بهما على سلطان الرض وقوة المشععركين ،وكلمععة
ن ل َد ُْنك{ تصور القرب والتصععال بععالله والسععتمداد مععن عععونه } ِ
م ْ
-55-
وأبععا بكععر قععد الوصول الى رسول الله ،وقد قلنا أن رسول اللععه ε
اسععتأجرا رجل ً مععن بنععي الععديل يسععمى عبععدالله بععن أريقععط وكععان
مشركا ً وقد أ ِ
مناهُ فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غععار ثععور بعععد ثلث
ليال براحلتيهما وقد جاءها فعل ً فععي الموعععد المحععدد وسععلك بهمععا
طريقعا ً غيععر معهععودة ليخفعي أمرهمععا عمععن يلحعق بهععم معن كفعار
بععأم معبععد)،(2 قريش) ( ،وفي أثناء الطريق الى المدينة مّر النبي ε 1
في قديد) ،(3حيععث مسععاكن خزاعععة ،وهععي أخععت حععبيش بععن خالععد
الخزاعي الذي روى قصععتها ،وهععي قصععة تناقلهععا الععرواة وأصععحاب
السير ،وقال عنها ابن كععثر) :وقصعتها مشعهورة مرويعة معن طعرق
يشد بعضها بعضًا().(4
حي عا ً وقد أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه من يأتي بالنبي ε
أو ميتا ً فله مائة ناقة وانتشر هذا الخبر عند قبائل العرب الذين في
ضواحي مكة وطمع سراقة بن مالك بن جعشم فععي نيععل الكسععب
فأجهععد نفسععه لينععال الذي أعدته قريش لمن يأتي برسععول اللععه ε
ذلك ،ولكن الله بقدرته التي ليغلبها غالب ،جعله يرجع مدافعا ً عععن
بعد أن كان جاهدا ً عليه).(5 رسول الله ε
مععن ولما سععمع المسععلمون بالمدينععة بمخععرج رسععول اللععه ε
)( المستفاد من قصص القرآن ،زيدان ).(2/101 1
)( هي عاتكة بنت كعب الخزاعية. 2
)( وادي قديد يبعد عن الطريق المعبد حوالي ثمانية كيلومترات. 3
)( البداية والنهاية ).(3/188 4
صلبي ،ج ،1ص .(543
)( السيرة النبوية ،عرض لوقائع وتحليل لحداثها لل ّ 5
56
مكة ،كانوا يفدون كل غداة الى الحرة ،فينتظرون حتى يردهم حععر
الظهيرة ،فانقلبوا يوما ً بعد ماأطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم
من آطامهم لمر ينظر إليه فبصر أطم)(1 أوفى رجل من يهود على
رسول الله ،εوأصحابه مبيضععين) ،(2يععزول بهععم السععراب) ،(3فلععم
يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته ،يامعشر العرب هععذا جععدكم)،(4
الذي تنتظرون ،فثار المسلمون الى السلح فتلقوا رسععول اللععه ε
بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بنععي عععوف،
من شهر ربيععع الول) ،(6فقععام أبععابكر الثنين)(5 وذلك يوم الخميس
عند ذلك).(7 حتى ظلل عليه بردائه ،فعرف الناس رسول الله ε
كان يوم وصول الرسول εوأبي بكر الععى المدينععة يععوم فععرح
وابتهاج لم تر المدينة يومعا ً مثلععه ،ولبععس النععاس أحسعن ملبسععهم
كأنهم في يوم عيد ،ولقد كان حقا ً يوم عيد ،لنه اليوم الععذي انتقععل
فيه السلم من ذلك الحيز الضععيق فععي مكععة الععى رحابععة النطلق
والنتشار بهعذه البقععة المباركعة المدينعة ،ومنهعا العى سعائر بقعائع
الرض لقععد أحععس أهععل المدينععة بالفضععل الععذي حبععاهم اللععه بععه،
-57-
وبالشرف الذي اختصهم الله به ،فقد صارت بلععدتهم موطنعا ً ليععواء
رسول الله وصحابته المهاجرين ثععم لنصععرة السععلم كمععا أصععبحت
موطنا ً للنظام السلمي العام التفصيلي بكل مقوماته ولذلك خععرج
أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج ويقولون يارسول الله يامحمد
يارسول الله) ،(1وبعد هذا الستقبال الجمعاهيري العظيععم العذي لعم
حتى نععزل فععي دار يرد مثله في تاريخ النسانية سار رسول الله ε
أبععي أيععوب النصععاري ،( )τونععزل الصععديق علععى خارجععة بععن زيععد
2
الخزرجي النصاري.
وبدأت رحلة المتاعب والمصععاعب والتحععديات ،فتغلععب عليهععا
للوصول للمستقبل الباهر للمععة والدولععة السععلمية رسول الله ε
التي استطاعت أن تصنع حضارة إنسععانية رائعععة علععى أسععس مععن
اليمععان والتقععوى والحسععان والعععدل بعععد أن تغلبععت علععى اقععوى
دولتين كانتا تحكمان فعي الععالم ،وهمععا الفعرس والععروم) ،(3وكععان
منذ بععزوغ الععدعوة حععتى الصديق τالساعد اليمن لرسول الله ε
وفاته ،εوكان ابوبكر τينهععل بصععمت وعمععق مععن ينععابيع النبععوة:
حكمة وإيمانًا ،يقينعا ً وعزيمععة ،تقععوى وإخلصعًا ،فععإذا هععذه الصععحبة
حبا ً وصفاء ،عزيمة وتصععميمًا،
ديقية ،ذكرا ً ويقظةُ ،
تثمر :صلحا ً وص ّ
إخلصا ً وفهمًا ،فوقف مواقفه المشهودة بعد وفاة رسععول اللععه ،ε
حب ِهِ
صععا ِ ل لِ َ قععو ُ ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ ن إ ِذ ْ هُ َ ي اث ْن َي ْ ِ
فُروا َثان ِ َن كَ َذي َال ّ ِ
جُنودٍ
َ
ه ع َل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ كين َت َ ُ
س ِ
ه َ ل الل ّ ُمعََنا فَأ َن َْز َ ه َن الل ّ َ
ن إِ ّ حَز ْ
ل تَ ْ
ة الل ّعهِ فَلى وَك َل ِ َ
مع ُ سع ْ ن كَ َ
ف عُروا ال ّ ذي َة ال ّع ِ ل ك َل ِ َ
م َ جعَ َ ها وَ َ م ت ََروْ َلَ ْ
م{ )سورة التوبة ،الية .(40 كي ٌح ِزيٌز َ ه عَ ِ ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ
هِ َ
ففي هذه الية الكريمة دللة على أفضلية الصديق من سععبعة
أوجه ففي الية الكريمة من فضائل أبي بكر :τ
-1أن الكفار أخرجوه:
الكفععار أخرجععوا الرسععول )ثععاني أثنيععن( فلععزم أن يكونععوا
أخرجوهما ،وهذا هو الواقع.
-2أنه صاحبه الوحيد:
الذي كان معه حيععن نصععره اللععه إذ أخرجععه الععذين كفععروا هععو
ن{ ففععي أبوبكر ،وكان ثاني أثنيععن اللععه ثالثهمععا .قععوله }ث َععان ِ َ
ي اث ْن َي ْع ِ
مععن أكععابر الصععحابة إل و احععد المواضع التي ليكععون مععع النععبي ε
يكون هو ذلك الواحد مثل سفره في الهجرة ومقامه يوم بععدر فععي
العريش لعم يكعن مععه فيعه إل أبعوبكر ،ومثعل خروجعه العى قبعائل
-59-
العرب يدعوهم الى السعلم كعان يكعون مععه معن أكععابر الصعحابة
أبوبكر ،وهذا اختصععاص فععي الصععحبة لععم يكععن لغيععره باتفععاق أهععل
المعرفة بأحوال النبي .ε
-3أنه صاحبه في الغار:
الفضععيلة فععي الغععار ظععاهرة بنععص القععرآن وقععد أخرجععا فععي
الصحيحين من حديث أنس ،عن أبي بكر الصديق ،τقععال :نظععرت
الى أقدام المشركين على رؤسنا ونحن في الغار ،فقلت :يارسول
الله لو أن أحدهم نظر الى قدميه لبصرنا .فقال :ياأبععابكر ماظنععك
باثنين الله ثالثهما) .(1وهذا الحديث مع كونه ممععا اتفععق أهععل العلععم
على صحته وتلقيه بالقبول فلم يختلف فععي ذلععك اثنععان منهععم فهععو
مما دل القرآن على معناه).(2
-4أنه صاحبه المطلق:
ه{ ليختص بمصععحابته فععي الغععار ،بععل
حب ِ ِ
صا ِ
ل لِ َ قوله} :إ ِذ ْ ي َ ُ
قو ُ
هو صاحبه المطلق الذي عمل فععي الصععحبة كمععا لععم يشععركه فيععه
غيره -فصار مختصا ً بالكملية من الصحبة ،وهذا مما لنزاع فيه بين
ولهعذا قعال معن قعال معن العلمعاء :إن أهل العلم باحوال النععبي ε
فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره).(3
-5أنه المشفق عليه:
ن{ يدل على أن صاحبه كان مشفقا ً عليه محب عا ً قوله }ل ت َ ْ
حَز ْ
)( البخاري ،كتاب فضائل الصحابة ،رقم 3653؛ مسلم رقم .1854 1
)( منهاج السّنة ) .(4/240،241 2
)( منهاج السّنة ) .(4/252،245 3
60
له ناصرا ً له حيث حزن ،وإنما بحزن النسان حال الخوف على من
لئل يقتل ويذهب السلم ،ولهذا لما يحبه ،وكان حزنه على النبي ε
كان معه في سفر الهجرة كعان يمشعي امعامه تعارة ،ووراءه تعارة،
عن ذلك ،فقال :أذكر الرصد فأكون أمامك ،وأذكععر فسأله النبي ε
الطلععب فععأكون وراءك) ،(1وفععي روايععة أحمععد فععي كتععاب فضععائل
الصحابة... :فجعل أبوبكر يمشععي خلفععه ويمشععي أمععامه فقععال لععه
مالععك؟ قععال :يارسععول اللععه أخععاف أن تععؤتى مععن أمامععك النبي ε
فأتقدم ،قال :فلما انتهينا الى الغار قال أبوبكر :يارسععول اللععه كمععا
أنت حتى أيمه...فلما رأى أبوبكر حجعرا ً فعي الغعار فألقمهعا قعدمه،
وقال يارسول الله إن كانت لسعة أو لدغة كانت بععي) .(2فلععم يكععن
يرضى بمساواة النبي؛ بل كان ليرضععى بععأن يقتععل رسععول اللععه ε
وهو يعيش؛ بععل كععان يختععار أن يفععديه بنفسععه وأهلععه ومععاله .وهععذا
واجب على كل مؤمن ،والصديق أقوم المؤمنين بذلك).(3
-6المشارك له في معية الختصاص:
قوله} :إ ِّن الل َّه َمعََنا{ صريح في مشععاركة الصععديق للنععبي ε
في هذه المعية التي اختص بها الصديق لم يشععركه فيهععا أحععد مععن
الخلق ...وهي تدل على أنعه معهعم بالنصعر والتأييعد والعانعة علعى
قععد أخععبر أن اللععه ينصععرني وينصععرك عععدوهم -فيكععون النععبي ε
ياأبابكر ،ويعيننا عليهم ،نصر إكععرام ومحبععة كمععا قععال اللععه تعععالى:
)( ابوبكر الصديق أفضل الصحابة وأحقهم بالخلفة ،ص .43 1
)( منهاج السّنة ) .(4/262،263 2
)( نفس المصدر ).(4/263 3
-61-
م من ُععوا فِععي ال ْ َ
حَيعاةِ العد ّن َْيا وَي َعوْ َ ن َءا َ سل ََنا َواّلع ِ
ذي َ صُر ُر ُ}إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
د{ )سورة غافر ،الية .(51وهععذا غايععة المععدح لبععي م ال َ ْ
شَها ُ قو ُ يَ ُ
بكر؛ إذ دل على أنه ممن شهد له الرسول باليمان المقتضي نصععر
الله له مع رسوله في مثل هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق
إل من نصره الله).(1
وقال الدكتور عبععدالكريم زيععدان عععن المعيععة فععي هععذه اليععة
ن الّلعع َ
ه الكريمة وهذه المعية الربانية المستفادة من قوله تعالى }إ ِ ّ
معََنا{ أعلى من معيته للمتقين والمحسنين فععي قععوله تعععالى }إ ِ ّ
ن َ
ن{ لن المعيععة هنععا لععذات س عُنو َ
ح ِ
م ْ
م ُ
ن هُ ع ْ وا َوال ّ ِ
ذي َ ق ْ
ن ات ّ َ معَ ال ّ ِ
ذي َ الل ّ َ
ه َ
الرسول وذات صاحبه ،غير مقيدة بوصف هو عمععل لهمععا ،كوصععف
التقوى والحسان بل هععي خاصععة برسععوله وصععاحبه مكفولععة هععذه
المعية بالتأييد باليات وخوارق العادات).(2
-7أنه صاحبه في حال إنزال السكينة والنصر:
جن ُععود ٍ ل َع ْ
م َ
ه ع َل َي ْعهِ وَأي ّعد َه ُ ب ِ ُ
كين َت َ ُ
س ِ قال تعالى }فَأ َن َْز َ
ل الل ّ ُ
ه َ
ها) {...سورة التوبة ،الية (40فإن من كان صععاحبه فععي حععال ت ََروْ َ
الخوف الشديد فلن يكون صاحبه في حضور النصر والتأييععد أولععى
وأحرى ،فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحععال لدللععة الكلم
والحال عليها .وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أنمععا حصععل
للرسول من إنزال السكينة والتأييد بالجنود الععتي لععم يرهععا النععاس
-63-
الوجه المتلثم).(1
أبا بكر أن يخرج من عنععده ،ولمععا تكلععم لععم يععبين إل -3أمر ε
المر بالهجرة دون تحديد التجاه .
-4وكان الخروج ليل ً ومن باب خلفي في بيت أبي بكر).(2
-5بلععغ الحتيععاط مععداه ،باتخععاذ طععرق غيععر مألوفععة للقععوم،
والستعانة بذلك بخبير يعرف مسالك البادية ،ومسععارب الصععحراء،
وكان ذلك الخبير مشركا ً مادام على خلق ورزانة وفيععه دليععل علععى
كععان ليحجععم عععن السععتعانة بععالخبرات مهمععا يكععن أن الرسول ε
مصدرها) ،(3وقد بين الشيخ عبدالكريم زيعدان أن القاععدة والصعل
عدم الستعانة بغيععر المسععلم فععي المععور العامععة ،ولهععذه القاعععدة
استثناء وهو جواز السععتعانة بغيععر المسععلم بشععروط معينععة وهععي:
تحقق المصلحة أو رجحانها بهذه الستعانة ،وأن ليكون ذلععك علععى
حساب الدعوة ومعانيها ،وأن يتحقق الوثوق الكافي بمععن يسععتعان
به ،وأن لتكون هذه الستعانة مثععار شععبهة لفععراد المسععلمين ،وأن
تكون هناك حاجة حقيقية لهذه الستعانة على وجععه السععتثناء ،وإذا
قععد دعععا أولده لم تتحقق لم تجز الستعانة) ( ،وقد كان الصديق τ
4
للسلم ونجح بفضل اللععه فععي هععذا الععدور الكععبير والخطيععر ،وقععام
)( السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحيطة ،ص .141 1
)( معين السيرة للشامي ،ص .147 2
)( الهجرة في القرآن الكريم ،ص .361 3
)( المستفاد من قصص القرآن ) .(2/144،145 4
64
بتوظيف أسرته لخدمة السلم ونجاح هجرة رسول اللععه ،εفععوزع
بين أولده المهام الخطيرة في مجال التنفيذ العملي لخطة الهجرة
المباركة:
-1دور عبدالله بن أبي بكر-رضي الله عنهما:-
فقد قام بدور صععاحب المخععابرات الصععادق وكشععف تحركععات
العدو ،لقد ربى عبدالله على حععب دينععه ،والعمععل لنصععرته ببصععيرة
نافذة وفطنة كاملة وذكاء متوقد ،يععدل علععى العنايععة الفائقععة الععتي
اتبعها سيدنا أبو بكر في تربيته وقد رسم له أبوه دوره في الهجععرة
فقام به خير قيام ،وكان يمتثل في التنقل بين مجععالس أهععل مكععة
يستمع أخبارهم ،ومايقولونه في نهارهم ثععم يعأتي الغععار إذا أمسعى
مايععدور بعقععول أهععل مكععة فيحكععي للنععبي εولبيععه الصععديق τ
ومايدبرونه ،وقد أتقن عبدالله هذا الواجب بطريقة رائعة فلم تأخععذ
واحدا ً من أهل مكة ريبة فيه ،وكان يبيت عند الغار حارسا ً حععتى إذا
اقترب النهار عاد إلى مكة فما شعر به أحد).(1
-2دور عائشة وأسماء رضي الله عنهما:
كان لسماء وعائشة دور عظيم أظهر فوائد التربية الصععحيحة
حيث قامتا عنععد قععدوم النععبي ε
إلععى بيععت أبععي بكععر ليلععة الهجععرة
بتجهيز طعام للنبي εولبيهما :تقععول أم المععؤمنين عائشععة رضععي
الله عنها ،فجهزناهما -تقصد رسول الله εوأباهععا -أحسععن الجهععاز
فصنعنا لهما سفرة في جراب ،فقطعت أسماء قطعة مععن نطاقهععا
-65-
فربطت به على فم الجراب فلذلك سميت ذات النطاقين).(1
-3دور أسماء في تحمل الذى وإخفاء أسرار المسلمين:
أظهرت أسماء رضي الله عنها دور المسلمة الفاهمععة لععدينها،
المحافظة علععى أسععرار الععدعوة المتحملععة لتوابععع ذلععك مععن الذى
والتعنت فهذه أسماء تحدثنا بنفسها حيث تقول :لمععا خععرج رسععول
أتانا نفر من قريش ،فيهم أبو جهععل بععن هشععام، الله εوأبو بكر τ
فوقفوا على باب أبي بكر ،فخرجت إليهم ،فقالوا :أين أبوك يععابنت
أبي بكر؟ قلت :ل أدري والله أين أبي؟ قالت :فرفع أبعو جهعل يععده
-وكان فاحشا ً خبيثًا -فلطم خ ّ
دي لطمة طرح منها قرطي قالت :ثم
انصرفوا.(2)(...
فهذا درس من أسماء رضي الله عنها تعلمه لنساء المسلمين
جيل ً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين عن العداء وكيف تقف
صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم؟
-4دور أسماء رضي الله عنها في بث المععان والطمأنينععة فععي
البيت:
ومعه ماله كله وهو مععاتبقى خرج أبو بكر τمع رسول الله ε
من رأسماله -وكععان خمسععة آلف أو سععتة آلف درهععم -وجععاء أبععو
قحافة ليتفقععد بيععت ابنععه ،ويطمئن علععى أولده وقععد ذهععب بصععره،
فقال :والله إني لراه قد فجعكععم بمععاله مععع نفسععه ،قععالت :كل يععا
ت ،ضع يدك على هععذا المععال .قععالت :فوضععع يععده عليععه ،فقععال:
أب ِ
-67-
من العادة عند كثير من الناس إهمال الخادم ،وقلعة الكعتراث
بأمره ،لكن الدعاة الربانيين ليفعلون ذلععك ،إنهععم يبععذلون جهععدهم
عععامر بععن فهيععرة مععوله لهدايععة مععن يلقععوه لععذا أدب الصععديق τ
وعلمه ،فأضحى عامر جاهزا ً لفداء السلم وخدمة الدين.
وقد رسم له سيدنا أبو بكر τدورا ً هام عا ً فععي الهجععرة ،فكععان
يرعى الغنم مع رعيان مكة لكن ليلفععت النظععار لشععيء ،حععتى إذا
فاحتلبععا وذبحععا ثععم أمسى أراح بغنم سيدنا أبي بكر علععى النععبي ε
يكمل عامر دور عبدالله بن أبي بكر حين يغدو من عند رسول اللععه
وصاحبه عائدا ً إلى مكة فيتتبع آثار عبدالله ليعض عليها ممععا يعععد ε
ذكاء ،وفطنة في العداد لنجاح الهجرة).(1
وإن لدرس عظيم يستفاد من الصديق لكي يهتععم المسععلمون
بالخدم الذين يأتونهم من مشارق الدنيا ومغاربها ويعععاملونهم علععى
كونهم بشرا ً أول ً ثم يعلمونهم السلم ،فلعل الله يجععل منهععم مععن
يحمل هذا الدين كما ينبغي.
إن ماقام به الصديق من تجنيد أسرته لخدمة صععاحب الععدعوة
عليه الصلة والسلم في هجرته يدل على تدبير للمععور علععى نحععو
رائع دقيق ،واحتياط للظروف بأسلوب حكيم ،ووضع لكععل شععخص
من أشخاص الهجرة في مكعانه المناسعب ،وسعد لجميعع الثغعرات،
وتغطية بديعة لكل مطالب الرحلة ،واقتصار على العدد اللزم مععن
بالسععباب الشخاص من غير زيادة ول إسراف لقد أخذ الرسول ε
)( تاريخ الدعوة في عهد الخلفاء الراشدين ،ص .115 1
68
المعقولة أخذا ً قويعا ً حسعب اسعتطاعته وقعدرته ...ومعن ثععم بعاتت
عناية الله متوقعة).(1
إن اتخاذ السباب أمععر ضععروري وواجععب ،ولكععن ليعنععي ذلععك
دائما ً حصول النتيجة ،ذلك لن هذا أمر يتعلق بععأمر اللععه ،ومشععيئته
ومن هنا كان التوكل أمرا ً ضروريا ً وهععو مععن بععاب اسععتكمال اتخععاذ
السباب.
أعد كل السباب واتخذ كل الوسععائل ولكنععه إن رسول الله ε
في الوقت نفسه مع الله يدعوه ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح
وهنا يستجاب الدعاء ،ويكلل العمل بالنجاح).(2
ثالثًا :جندية الصديق الرفيعة وبكائه من الفرح:
تظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكعر الصعديق ،τفعأبو
عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة وقععال لععه رسععول اللععه :ε بكر τ
)لتعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا( فقد بدأ في العداد والتخطيععط
للهجرة )فابتاع راحلتين واحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا ً لععذلك(
وفي رواية البخاري ،وعلف راحلتين كانتععا عنععده ورق السععمر-وهععو
وهععو الععذي الخبط -أربعة أشهر( .لقد كععان يععدرك بثععاقب بصععره τ
تربى ليكون قائدًا ،أن لحظة الهجرة صعبة قععد تععأتي فجععأة ولععذلك
هيأ وسيلة الهجرة ،ورتب تموينها ،وسخر أسععرته لخدمععة النععبي ،ε
وأخبره إن الله قد أذن لععه فععي الخععروج وعندما جاء رسول الله ε
)( أضواء على الهجرة ،لتوفيق محمد ،ص .397 -393 1
)( من معين السيرة ،ص .148 2
-69-
والهجرة ،بكا من شدة الفرح وتقول عائشعة رضعي اللعه عنهعا فعي
هذا الشأن :فوالله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا ً يبكي من
الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ،إنها قمة الفععرح البشععري ،أن
يتحول الفرح إلى بكاء مما قال الشاعر عن هذا:
ورد الكتاب من الحبيب بأنه
سيزورني فاستعبرت اجفاني
ي حتى إنني
غلب السرور عل ّ
من فرط ماقد سرني أبكاني
ياعين صار الدمع عندك عادة
تبكين من فرح ومن أحزاني
يعلم أن معنى هععذه الصععحبة أنععه سععيكون وحععده فالصديق τ
برفقة رسول رب العالمين بضعة عشرة يوما ً على القل وهو الذي
فأي فوز في هذا سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى ε
الوجود يفوق هذا الفععوز :أن يتفععرد الصععديق وحععده مععن دون أهععل
الرض ومن دون الصحب جميعا ً برفقععة سععيد الخلععق وصععحبته كععل
هذه المدة) ،(1وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو
في الغار من أن يراهما المشركون ليكون الصديق مثل ً لمععا ينبغععي
أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق مع قائده الميععن حيععن يحععدق
به الخطر من خوف وإشفاق على حياته ،فما كان أبو بكعر سعاعتئذ
بالذي يخشى على نفسه الموت ،ولو كان كذلك لما رافععق رسععول
)( التربية القيادية ) .(2/191،192 1
70
في هذه الهجرة الخطيرة وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن الله ε
أمسكه المشركون مع رسول الله ،εولكنه كان يخشى على حياة
في الرسول الكريم ،εوعلى مستقبل السلم إن وقع الرسول ε
قبضة المشععركين) ،(1ويظهععر الحععس المنععي الرفيععع للصععديق فععي
في مواقف كثيرة منها ،حين أجاب السائل :من هجرته مع النبي ε
هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال :هذا هادٍ يهععديني السععبيل ،فظععن
السائل بأن الصديق يقصد الطريق ،وإنما كان يقصععد سععبيل الخيععر
وهذا يععدل علععى حسععن اسععتخدام أبعي بكعر للمعععاريض فععرارا ً مععن
الحععرج أو الكععذب) ،(2وفععي إجععابته للسععائل توريععة وتنفيععذا ً للتربيععة
المنية التي تلقاها من رسول الله ،εلن الهجرة كانت سععرا ً وقععد
على ذلك).(3 أقره الرسول ε
رابعًا :فن قيادة الرواح وفن التعامل مع النفوس:
يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب ابي بكععر لرسععول
في الهجرة ،كمععا يظهععر حعب سعائر الصعحابة أجمعيعن فعي الله ε
وهععذا الحععب الربععاني كععان نابع عا ً مععن سيرة الحبيب المصععطفى ε
القلب ،وبإخلص ،لم يكن حب نفاق أو نابعا ً من مصلحة دنيويععة ،أو
رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقععع ومععن أسععباب هععذا الحععب
صفاته القيادية الرشيدة ،فهو يسهر ليناموا ،ويتعععب لرسول الله ε
ليستريحوا ،ويجوع ليشبعوا ،كان يفععرح لفرحهععم ويحععزن لحزنهععم،
-71-
مععع صععحابته ،فععي حيععاته الخاصععة فمععن سععلك سععنن الرسععول ε
والعامة ،وشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم وكععان عملععه لععوجه
الله أصابه هذا الحب إن كان من الزعماء أو القادة أو المسععؤولين
في أمة السلم).(1
وصدق الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي عندما قال:
فإذا أحب الله باطن عبده
ظهرت عليه مواهب الفتاح
وإذا صفت لله نية مصلح
بالرواح)(2 مال العباد عليه
إن القيادة الصحيحة هي التي تسععتطيع أن تقععود الرواح قبععل
كل شيء وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها ،وعلععى قععدر
إحسان القيادة يكون إحسان الجنود وعلى قدر البععذل مععن القيععادة
رحيم عًا ،وشععفوقا ً بجنععوده يكععون الحععب مععن الجنععود ،فقععد كععان ε
وأتباعه ،فهو لم يهاجر إل بعد أن هاجر معظم أصععحابه ،ولععم يبقععى
إل المستضعععفين والمفتععونين ومععن كععانت لععه مهمععات خاصععة
بالهجرة).(3
والجدير بالذكر أن حب الصديق لرسول الله εكان لله وممععا
يبين الحب لله والحب لغير اللععه :أن ابععا بكععر كععان يحععب النععبي ε
مخلصا ً لله ،وأبوطالب عمه كان يحبه وينصره لهواه ل للععه ،فتقبععل
)( الهجرة النبوية لبي فارس ،ص .54 1
صلبي ).(2/7
)( الحركة السنوسية لل ّ 2
)( الهجرة النبوية المباركة ،ص .205 3
72
ذي قععى`ال ّع ِ جن ّب َُها ال َت ْ َ
سعي ُ َالله عمل أبي بكر وأنزل فيه قوله } :وَ َ
جعَزى`إ ِل ّ م عة ٍ ت ُ ْن ن ِعْ َ مع ْ عن ْعد َه ُ ِ مععا ل َ َ
ح عد ٍ ِ مال َ ُ
ه ي َت ََزك ّععى`وَ َ ي ُؤ ِْتي َ
َ
ضععى`{ )سععورة الليععل، ف ي َْر َس عو ْ َ جهِ َرب ّهِ الع ْل َععى`وَل َ َ اب ْت َِغاَء وَ ْ
اليات ،(21-17:وأما أبوطالب فلم يتقبل عملععه ،بععل أدخلععه النععار،
لنه كان مشركا ً عععامل ً لغيععر اللععه .وأبععوبكر لععم يطلععب أجععره مععن
ول من غيره ،بل آمن به وأحبه وكله وأعانه الخلق ،ل من النبي ε
من الله ،متقربا ً بذلك الى الله وطالبا ً الجر من الله ويبلغ عن اللععه
أمره ونهيه ووعده ووعيده).(1
خامسًا :مرض أبي بكر الصديق بالمدينة في بداية الهجرة:
وأصحابه عن البلد المين تضحية عظيمة كانت هجرة النبي ε
عّبر عنها النبي εبقوله) :والله إنععك لخيععر أرض اللععه وأحععب أرض
الله الى الله ،ولول أني أخرجت منك ماخرجت().(2
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :لمععا تقعدم رسععول اللعه ε
المدينة قدمها وهي أوبأ ارض الله من الحمى ،وكان واديهععا يجععري
نجل ً -يعني ماًء آجنًا -فأصاب أصحابه منها بلًء وسقم وصععرف اللععه
ذلك عن نبيه .قالت :فكان أبوبكر ،وعامر بن فهيرة وبلل في بيت
فععي عيععادتهم واحد ،فأصابتهم الحمععى ،فاسععتأذنت رسععول اللععه ε
فأذن ،فدخلت إليهم أعودهم وذلك قبل أن يضععرب علينععا الحجععاب
-73-
وبهم مال يعلمه إل الله من شدة الوععك) ،(1فعدنوت معن أبعي بكعر
فقلت:
ياأبت كيف تجدك؟ فقال:
كل امرئ مصبح في أهله
والموت أدنى من شراك نعله
قالت :فقلت والله مايدري أبي مايقول.ثم دنوت من عامر بن
فهيرة فقلت :كيف تجدك ياعامر؟ فقال:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه
إن الجبان حتفه من فوقه
بطوقه)(2 كل امرئ مجاهد
بروقه)(3 كالثور يحمى جلده
قالت :قلت :والله مايدري عامر مايقول .قالت :وكان بلل إذا
أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت ثم يرفع عقيرته) ،(4ويقول:
أل ليت شعري هل أبيتن ليلة
وجليل إذخر)(5 بواد وحولي
ُ
جَنة دن يوما ً مياه َ
م ِ وهل أرِ َ
وطفيل)(6 وهل يبدون لي شامة
)( البخاري ،كتاب الدعوات ،باب الدعاء يرفع الوباء والوجع رقم .6372 1
)( التربية القيادية ).(2/310 2
)( تاريخ الدعوة الى السلم في عهد الخلفاء الراشدين ،ص .121 3
-75-
76
المبحث الرابع
ديق في ميادين الجهادالص ّ
ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبابكر شععهد مععع النععبي ε
بدرا ً والمشاهد كلها ،ولم يفته منها مشهد ،وثبت مع رسول اللعه ε
يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه النبي εرايتععه العظمععى يععوم
تبوك وكانت سوداء).(1
وقال ابن كثير :ولم يختلف أهل السير في أن أبابكر الصععديق
في مشهد من مشاهده كلها).(2 τلم يتخلف عن رسول الله ε
وقال الزمخشري :إنه -يعني أبععابكر -τكععان مضععافا ً لرسععول
الى البد ،فإنه صحبه صغيرا ً وأنفق ماله كبيرًا ،وحملععه الععى الله ε
المدينة براحلته وزاده ،ولم يزل ينفق عليه ماله في حياته ،وزوجععه
ابنته ،ولم يزل ملزمعا ً لععه سععفرا ً وحضععرا ً ،فلمععا تععوفي دفنععه فععي
حجرة عائشة أحب النساء إليه .(3)ε
وعن سععلمة بععن الكععوع :غععزوت مععع النععبي εسععبع غععزوات،
وخرجت فيما يبعث مععن البعععوث تسععع غععزوات مععرة علينععا أبععوبكر
ومرة علينا أسامة).(4
الطبقات الكبرى )(1/124؛ صفة الصفوة ) .(1/242 )( 1
أسد الغابة ).(3/318 )( 2
خصائص العشرة الكرام البررة ،ص .41 )( 3
البخاري ،كتاب المغازي ،باب بعث النبي أسامة ،رقم .4270 )( 4
-77-
ومن خلل هعذا المبحعث سععنحاول أن نتتبعع حيععاة الصعديق τ
الجهادية مع النبي εلنرى كيف جاهد الصديق بنفسه ومععاله ورأيععه
في نصرة دين الله تعالى.
-79-
:ε
الععى ربععه بعد الشروع في الخذ بالسباب اتجه رسول الله ε
يدعوه ويناشده النصر الذي وعده ويقول في دعععائه) :اللهععم أنجععز
لي ماوعدتني ،اللهم إن تهلك هععذه العصععابة مععن أهععل السععلم فل
يدعو ويستغيث حتى سععقط رداوه، تعبد في الرض أبدًا( ومازال ε
فأخذه أبوبكر ورده على منكععبيه وهععو يقععول :يارسععول اللععه كفععاك
مناشدتك ربك فإنه منجر لك ماوعععدك() ،(1وأنععزل اللععه عععز وجععل:
ب ل َك ُ ْ
م{ وفي رواية ابن عبععاس قععال: جا َ ن َرب ّك ُ ْ
م َفا ْ
ست َ َ }إ ِذ ْ ت َ ْ
ست َِغيُثو َ
يوم بدر) :الله انشدك عهد ووعدك ،الله إن شئت لععم قال النبي ε
وهععو يقععول:تعبد( فأخذ ابوبكر بيده ،فقال :حسبك اللععه ،فخععرج ε
ن الد ّب َُر{) ( ،وقد خفق النععبي εخفقععة وهععو
2
معُ وَي ُوَّلو َ م ال ْ َ
ج ْ } َ
سي ُهَْز ُ
في العريش ثم انتبه فقال :ابشر ياأبابكر أتاك نصر الله هذا جبريل
آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايععاه النقععع( يعنععي الغبععار ،قععال :ثععم
الى الناس فحرضهم).(3 خرج رسول الله ε
وقد تعلم الصديق مععن هععذا الموقععف درسعا ً ربانيعا ً مهمعا ً فععي
التجرد النفسععي وحظهععا والخلععوص واللجععوء للععه وحععده والسععجود
والجثي بين يدي الله سبحانه لكي ينزل نصره وبقععى هععذا المشععهد
راسخا ً في ذاكرة الصديق وقلبععه ووجععدانه يقتععدي برسععول اللععه ε
في تنفيذه في مثل هذه الساعات ،وفي مثل هذه المواطن ويبقى
)( مسلم ،كتاب الجهاد ،باب المداد بالملئكة ببدر قم .(3/1384 ) 1763 1
)( البخاري ،كتاب المغازي ،باب قصة بدر ) (5/6رقم .3953 2
)( السيرة النبوية لبن هشام ) (2/457نقل ً عن تاريخ الدعوة ،ص .125 3
80
هذا المشععهد درسعا ً لكععل قععائد أو حععاكم أو زعيععم أو فععرد يريععد أن
وصحابته الكرام. يقتدي بالنبي ε
ولما اشتد أوار المعركة وحمى وطيسها نععزل رسععول اللععه ε
وحرض على القتال والناس على مصافهم يذكرون الله تعالى ،وقد
بنفسه قتال ً شديد وكان بجانبه الصديق) ،(1وقد ظهرت منه قاتل ε
شجاعة وبسالة منقطعة النظير ،وكان على اسععتعداد لمقاتلععة كععل
كافر عنيد ولو كععان أبنععه ،وقععد شععارك ابنععه عبععدالرحمن فععي هععذه
المعركة مع المشركين ،وكان مععن أشععجع الشععجعان بيععن العععرب،
ومن أنفذ الرماة سععهما ً فعي قريعش ،فلمعا أسعلم قعال لبيعه :لقعد
أهدفت لي )أي ظهرت أمامي كهدف واضح( يوم بدر ،فملت عنععك
م ْ
ل عنك).(2 ولم اقتلك .فقال له أبوبكر :ولكنك لو أهدفت لي لم أ ِ
-5الصديق والسرى:
قال ابن عباس ... :τفلما أسروا السارى قال رسول الله ε
لبي بكر وعمر) :ماترون في هؤلء السارى؟( فقال أبوبكر :يععانبي
الله هم بنو العم والعشعيرة :أرى أن تأخعذ منهعم فديعة فتكعون لنععا
قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم الى السلم .فقععال رسععول
:ماترى يابن الخطاب؟ قال :ل والله يارسول ،ماأرى الععذي الله ε
يراه أبوبكر ،ولكني أرى أن تمكننا منهم ،فنضرب أعناقهم ،فتمكعن
عليا ً من عقيل فيضععرب عنقععه ،وتمكننععي مععن فلن )نسععيبا ً لعمععر(
-81-
فأضرب عنقه فإن هؤلء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسععول اللععه
الى ماقال أبوبكر ولعم يهعو معاقلت :فلمعا كعان الغعد جئت فعإذا ε
وأبوبكر قاعدين يبكيان ،قلت يارسععول اللععه أخععبرني رسول الله ε
من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ،فإن وجدت بكععاء بكيععت وإن لععم
أجد بكاء تباكيت لبكائكما .فقال رسول الله :εأبكي للععذي عععرض
ي عذابهم أدنى مععن
ي أصحابك من أخذهم الفداء ولقد عرض عل ّ
عل ّ
هذه الشجرة -شجرة قريبة من النبي -εوأنزل الله عز وجلَ } :
ما
كون ل َ َ َ
م مععا غَن ِ ْ
مت ُع ْ سَرى {.....الى قععوله }فَك ُل ُععوا ِ
م ّ هأ ْن يَ ُ َ ُ
يأ ْن ل ِن َب ِ ّ َ
كا َ
وفي روايععة عععن عبععدالله الغنيمة)(1 حلل ط َي ًّبا {.....فأحل الله لهم
َ
بععن مسعععود τقععال :لمععا كععان يععوم بععدر قععال رسععول اللععه :ε
)ماتقولون في هؤلء السرى؟( فقال ابوبكر :يارسول اللععه قومععك
وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم .وقال عمععر:
يارسول اللععه أخرجععوك وكععذبوك قربهععم فاضععرب أعنععاقهم .وقععال
عبدالله بن رواحة :يارسول الله انظر واديا ً كثير الحطب ،فععادخلهم
فيه ثم اضرم عليهم نعارًا .فقعال العبعاس :قطععت رحمعك ،فعدخل
ولم يرد عليهم شيئًا .فقععال نععاس :يأخععذ بقععول ابععي رسول الله ε
بكر ،وقال ناس :يأخذ بقول عمر ،وقال ناس :يأخععذ بقععول عبععدالله
فقال) :إن الله ليلين قلوب بن رواحة ،فخرج عليهم رسول الله ε
رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن اللععه ليشععد قلععوب رجععال
فيه حتى تكون أشد من الحجارة ،وإن مثلك ياأبابكر كمثععل عيسععى
)( مسلم ،كتاب الجهاد والسير ،رقم .(3/1385 ) 1763 1
82
فْر ل َهُ ْ
م ن ت َغْ ِ ك وَإ ِ ْ عَباد ُ َ م ِ م فَإ ِن ّهُ ْ ن ت ُعَذ ّب ْهُ ْعليه السلم إذ قال} :إ ِ ْ
فَإن َ َ
م{ )سععورة المععائدة ،اليععة (118:وإن كيع ُ ح ِزيعُز ال ْ َ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ ِّ
ب ل ت َعذ َْر ع َل َععى ح َر ّ ل ن ُععو ٌ مثلك ياعمر كمثل نععوح إذ قععال} :وََقا َ
ن د َّياًرا{ )سورة نوح ،الية .(26 ن ال ْ َ َ
ري َكافِ ِ م َض ِ الْر ِ
كسععى َرب ّن َععا إ ِن ّع َ مو َ ل ُ وإن مثلك كمثل موسى إذ قال} :وََقا َ
َءاتيت فرع َون ومل َه زينع ً َ
حي َععاةِ العد ّن َْيا َرب َّنعا وال فِععي ال ْ َ مع َ ة وَأ ْ َْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ
شد ُد ْ ع ََلععى َ
م َوا ْ وال ِهِ ْم َ س ع ََلى أ ْ م ْ ك َرب َّنا اط ْ ِ سِبيل ِ َ ن َ ضّلوا ع َ ْ ل ِي ُ ِ
َ حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ
م{ )سععورة يععونس، ب الِلي َ ذا َ مُنوا َ م َفل ي ُؤ ْ ِ قُُلوب ِهِ ْ
إذ استشار أصحابه أول من يتكلم أبوبكر الية .( )(88كان النبي ε 1
في الشورى ،وربما تلكم غيععره ،وربمععا لمععن يتكلععم غيععره ،فيعمععل
برأيه وحده ،فإذا خالفه غيره ابتع رأيه دون رأي من يخالفه).(2
ثانيًا :في أحد وحمراء السد:
في يوم أحد تلقى المسلمون درسعا ً صعععبًا ،فقععد تفرقععوا مععن
حععول النععبي ،εوتبعععثر الصععحابة فععي أرجععاء الميععدان ،وشععاع أن
قتععل وكععان رد الفعععل علععى الصععحابة متباينععًا ،وكععان الرسععول ε
الميدان فسععيحا ً وكععل مشععغول بنفسععه ،وشععق الصععديق الصععفوف
وكان اول من وصل الى رسول الله ،εواجتمععع الععى رسععول اللععه
أبوبكر ،وأبوعبيدة بن الجراح ،وعلععي ،وطلحععة والزبيععر ،وعمععر بععن
الخطاب والحارث بن الصمة ،وأبودجانععة ،وسعععد بععن ابععي وقععاص،
-83-
الشعب من وغيرهم ....رضي الله عنهم وقصدوا مع رسول الله ε
جبل أحد في محاولة لسترداد قوتهم المادية والمعنوية).(1
وكان الصديق إذا ذكر أحد قال :ذلك يوم كله لطلحة ثم أنشععأ
يحدث قال :كنت أول مععن فععاء يععوم أحععد ،فرأيععت رجل ً يقاتععل فععي
سبيل الله دونه ،قال قلت :كن طلحة حيث فععاتني مافععاتني ،وكععان
بيني وبين المشركين رجل ل أعرفه ،وأنا أقرب الى رسول اللعه ε
منه ،وهععو يخطلععف المشععي خطف عا ً ل أخطفععه فععإذا هععو أبوعبيععدة،
وقد كسرت ربععاعيته وشععج وجهععه ،وقععد فانتهينا الى رسول الله ε
دخل في وجنتيه حلقتعان معن حلعق المغفعر ،قعال رسعول اللعه :ε
عليكما صاحبكما :يريد طلحة وقد نزف فلم نلتفت الى قوله ،قال:
ذهبت لنزع مععن وجهععه ،فقععال أبوعبيععدة أقسععم عليععك بحقععي لمععا
فأرزم عليه بفيه تركتني فتركته فكره تناولها فيؤذي رسول الله ε
فاستخرج إحدى الحلقتين ووقعت ثنيته الخععرى مععع الحلقععة فكععان
أبوعبيدة من أحسن الناس هتمًا...فأصلحنا من شأن رسول الله ε
ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وسبعون مععن بيععن
طعنة ورمية ،وضربة ،وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه).(2
وتتضح منزلة الصديق في هذه الغزوة من موقف أبي سععفيان
عندما سأل وقال :أفي القوم محمد؟ ثلث مرات .فنهاهم النبي ε
أن يجيبوه .ثم قال :أفي القوم أبعن أبعي قحافعة؟ ثلث معرات .ثعم
)( مواقف الصديق مع النبي في المدينة ،د .عاطف لماضة ،ص .27 1
)( منحة المعبود ) (2/19نقل ً عن تاريخ الدعوة السلمية ،ص .130 2
84
قال :أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلث مععرات ثععم رجعع العى أصعحابه
فقال :أما هؤلء فقد قتلوا) ...(1فهععذا يععدل علععى ظععن أبععي سععفيان
زعيم المشركين حينئذ بأن أعمدة السلم ،وأساسه رسول الله ε
وابوبكر وعمر).(2
وعنعععدما حعععاول المشعععركون أن يقبضعععوا علعععى المسعععلمين
ويستأصععلوا شععفأتهم ،كععان التخطيععط النبععوي الكريععم قععد سععبقهم
المسععلمين مععع مععابهم مععن وأبطععل كيععدهم ،وأمععر رسععول اللععه ε
جراحات وقرح شديد للخروج في إثععر المشععركين ،فأسععتجابوا للععه
ولرسوله مع مابهم من البلء وانطلقوا فعن عائشة رضي الله عنها
جاُبوا ل ِل ّعهِ
س عت َ َ
نا ْ قالت لعروة بن الزبير في قععوله تعععالى} :ال ّ ِ
ذي َ
قرح ل ِل ّعذي َ َ
م
من ْهُ ع ْ
س عُنوا ِ ح َ نأ ِْ َ م ال ْ َ ْ ُ
صاب َهُ ُ
ما أ َ
ن ب َعْد ِ َ
م ْ
ل ِسو ِ َوالّر ُ
م{ )سورة آل عمران ،الية :(172 :ياأبن أختي َ
ظي ٌجٌر ع َ ِوا أ ْ
ق ْ
َوات ّ َ
ماأصععاب كان أبواك منهم :الزبير وأبوبكر لما أصاب رسول الله ε
يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال :من يذهب
فععي إثرهععم؟( فانتععدب منهععم سععبعون رج ً
ل :كععان فيهععم أبععوبكر
والزبير).(3
ثالثًا :في غزوة بنعي النضععير ،وبنععي المصععطلق وفعي الخنععدق
وبني قريظة:
الى بني النضير يسععتعينهم فعي ديعة القععتيلين أ -خرج النبي ε
)( الفتح ) ،(6/188الفتح ).(7/405 1
)( مواقف الصديق مع النبي في المدينة ،د .عاطف لماضة ،ص .28 2
)( مسلم رقم .2418 3
-85-
اللذين قتلهما عمرو بن أمية من بني عععامر علععى وجععه الخطععأ لن
عمرا ً لم يعلم بالعهد الذي بين بني عامر وبين النبي ،εوكععان بيععن
قالوا :نعععم بني النضير وبني عامر حلف وعهد ،فلما آتاهم النبي ε
ياأبا القاسم نعينك على مععاأحببت ،ثععم خل بعضععهم ببعععض فقععالوا:
إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ،ورسول الله الععى جنععب
جدار من بيوتهم قاعد .قالوا :فمعن يعلعوا علعى هعذا العبيت فيلقعي
عليه صخرة فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحععاش بععن كعععب
فقال :أنا لذلك ،فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ،ورسول الله ε
في نفر من أصحابه فيهم أبوبكر وعمر وعلي فأتى رسععول اللععه ε
الخبر من السماء بما أراد القعوم فقعام وخعرج العى المدينعة ،فلمععا
أصعحابه قععالوا فعي طلبععه فععرأوا رجل ً مقبل ً مععن اسععتلبت النععبي ε
المدينة فسألوه عنععه فقععال :رأيتععه داخل ً المدينععة .فأقبععل أصععحاب
حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من النبي ε
الغدر به.
محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جععواره فبعث النبي ε
وبلده ،فبعث إليهم أهل النفاق يحرضونهم علععى المقععام ويعععدونهم
بالنصر ،فقويت نفوسهم وحمى حيي بن أخطب وبعثوا الى رسععول
أنه ليخرجون ،ونابذوه بنقض العهد فعنععد ذلععك أمععر رسععول الله ε
اللععه εالنععاس بععالخروج إليهععم فحاصععروهم خمععس عشععرة ليلععة
فتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله εبقطع النخيل والتحريق،
86
ثم أجلهععم علععى أن لهععم مععاحملت البععل مععن أمععوالهم إل الحلقععة
فنزلت سورة الحشر).(1
ب-بني المصطلق:
أراد بنو المصطلق أن يغزو المدينة ،فخععرج لهععم رسععول اللععه
في أصحابه فلما انتهى إليهم دفععع رايععة المهععاجرين إلععى أبععي بكععر
الصديق ،ويقال إلى عمار بععن ياسععر ورايععة النصععار إلععى سعععد بععن
عبادة .ثم أمر عمر بن الخطاب فنادى في النععاس أن قولععوا ل إلععه
إل الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم فأبوا ،فتراموا بالنبععل ثععم أمععر
المسلمين فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهععم رسول الله ε
رجل واحعد ،وقتععل منهععم عشععرة وأسععر سععائرهم ،ولععم يقتععل مععن
المسلمين سوى رجل واحد).(2
جع-في الخندق وبني قريظة:
كان الصديق في الغزوتين مرافقا ً للنبي ،εوكان يوم الخندق
يحمل التراب في ثيابه وساهم مع الصحابة للسراع في انجاز حفر
الخندق في زمن قياسي مما جعل فكرة الخندق تصيب هدفها فععي
مواجهة المشركين).(3
رابعًا :في الحديبية:
في ذي القعدة سنة ست من الهجرة يريد خرج رسول الله ε
)( البخععاري ،كتععاب المغععازي ،بععاب حععديث بنععي النضععير )(5/217؛ مغععازي الواقععدي ) 1
(1/363؛ البداية والنهاية ).(4/86
)( البداية والنهاية ).(4/157 2
)( مواقف الصديق مع النبي في المدينة ،ص .32 3
-87-
زيارة البيت الحرام في كوكبة من الصحابة عددها أربع عشرة مائة
وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس مععن حربععه ،وليعلععم
الناس أنه إنما خرج زائر لتعظيم بيت الله الحععرام فبعععث النععبي ε
عينا ً له من خزاعة فعاد بالخبر أن أهل مكة جمعوا جموعهم لصععده
ي أيهععا النععاس ،فقععال أبععو بكععر τ
عععن الكعبععة فقععال :أشععيروا عل ع ّ
يارسول الله خرجت عامدا ً لهعذا العبيت لتريعد حربعه أو قتعل أحعد،
فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ،قال امضوا على اسم اللععه ،وقععد
ثارت ثائرة قريش وحلفعوا أن ليعدخل الرسععول ε
مكععة عنععوة ثععم
قامت المفاوضات بين أهل مكة ورسول الله εوقد عزم النبي ε
على إجابة أهل مكة على طلبهم إن أرادوا شيئا ً فيه صلة رحم).(1
أ-في المفاوضات:
وكان أول من أتى بديل جاءت وفود قريش لمفاوضة النبي ε
والمسعلمين رجعع بن ورقاء من خزاعة فلما علم بمقصعد النععبي ε
إلى أهل مكة ثم جاء مكرز بن حفص ثم بععالحليس بععن علقمععة ثععم
وعععروة بععن عروة بن مسعود الثقفي فدار هذا الحوار بين النبي ε
وبعععض مسعععود الثقفععي واشععترك فععي هععذا الحععوار أبععو بكععر τ
أصحابه).(2
قال عروة :يامحمد أجمعت أوباش الناس ثععم جئت بهععم إلععى
بيضععتك لتفضععها بهععم؟ إنهععا قريععش قععد خرجععت معهععا )العععوذ
-89-
َ
ن{ )آل عمران، مؤْ ِ
مِني َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م ُ م ال َعْل َوْ َ
ن إِ ْ }َول ت َهُِنوا َول ت َ ْ
حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ
آية.(139:
ب-موقفه من الصلح:
إلععى الصععلح بقيععادة ولما توصل المشركون مع رسول الله ε
سهيل بن عمرو أصغى الصديق إلى مععاوافق عليععه رسععول اللععه ε
من طلب المشركين رغم ماقععد يظهععر للمععرء أن فععي هععذا الصععلح
بعض التجاوز أو الجحعاف بالمسعلمين وسعار علعى هعدي النعبي ε
ليقينه بأن النبي لينطق عن الهوى ،وأنه فعل ذلععك لشععيء أطلعععه
الله عليه).(1
وقد ذكر المؤرخععون أن عمععر بعن الخطععاب أتعى رسععول اللعه
معلنععا ً معارضععته لهععذه التفاقيععة وقععال لرسععول اللععه : εألسععت
برسول الله؟ قال :بلى ،قال :أولسنا بالمسلمين؟ قال :بلى ،قععال:
أوليسوا بالمشركين؟ قال :بلى قال :فعلم نعطي الدنية في ديننا؟
قال :إني رسول الله ولسععت أعصععيه) ،(2وفععي روايععة :أنععا عبععدالله
ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني) ،(3قلت أوليس كنعت تحعدثنا
أنا سنأتي العبيت فنطعوف بعه؟ قعال بلعى ،فأخبرتعك أنعا نعأتيه هعذا
العام؟ قلت ل ،قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر :فأتيت أبا بكر
فقلت له :يا أبا بكر :أليس برسول الله :قععال :بلععى ،قععال :أولسععنا
بالمسلمين؟ قال :بلى ،قال :أوليسوا بالمشركين؟ قال :بلى ،قال:
-91-
سد ّ الصحابة رأيا ً وأكملهم عقل ً).(1
أ َ لقد كان الصديق τ
خامسًا :في غزوة خيبر ،وسرية نجد وبني فزازة:
ضرب رسول الله ε
حصارا ً على خيبر واستعد لقتالهم ،فكان
أول قائد يرسله εأبا بكر τإلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع
ولم يكن فتح ،وقد جهد ،ثم بعث عمر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح،
ثم قال لعطين الراية غدا ً رجل ً يحب الله ورسوله ،فكان علي بععن
بقطع النخيععل حععتى أبي طالب ،( )τوأشار بعض أصحاب النبي ε 2
-93-
ب-في سرية ذات السلسل:
عمرو بععن قال رافع بن عمرو الطائي : τبعث رسول الله ε
العاص على جيش ذات السلسل) ،(1وبعث معه فععي ذلععك الجيععش
سَراة) (2أصحابه ،فععانطلقوا حععتى
أبا بكر وعمر ،رضي الله عنهما ،و َ
ي ،فقال عمععرو :انظععروا إلععى رجععل دليععل بععالطريق، نزلوا جبل ط َ ّ
فقالوا :مانعلمه إل رافع بن عمرو ،فإنه كان َربيل ً) (3فععي الجاهليععة.
قال رافع :فلما قضينا غََزاتنا وانتهيت إلى المكان الذي كنععا خرجنععا
سمت أبا بكر ،τوكانت له عباءة فدكية) ،(4فإذا ركب َ
خّلهععا منه ،تو ّ
عليه بخلل) ،(5وإذا نزل بسطها فأتيته فقلت :ياصاحب ال ِ
خلل ،إني
توسمتك من بين أصحابك ،فائتني بشعيء إذا حفظتعه كنعت مثلكعم
ى .فقال :تحفظ أصابعك الخمس؟ قلت :نعم، ي فأْنس َول عل ّول تط ّ
قال :تشععهد أن ل إلععه إل اللععه وأن محمععدا ً عبععده ورسععوله ،وتقيععم
الصلوات الخمس وتؤتي زكاة مالك إن كان لك مال ،وتحج الععبيت،
ن
مَر ّ
وتصوم رمضان :هل حفظععت؟ قلععت نعععم ،قععال :وأخععرى لت ُععؤ ّ
در) .(6فقععال:
مع َ
على اثنين قلت :وهل تكون المرة إل فيكم أهععل ال َ
يوشك أن تفشو حتى تبلغك ومن هعو دونعك ،إن اللعه عزوجعل لمعا
دخل الناس في السلم ،فمنهم معن دخعل للععه فهعداه بعث نبيه ε
واد اللعه وجيعران اللعه
سععيف ،فكلهعم عُع ّ
الله ،ومنهم معن أكرهعه ال ّ
ذات السلسل :مكان وراء وادي القرس وبينها وبين المدينة عشرة أيام. )( 1
شرفاء :اصحابه. )( 2
الربيل :اللص يغزو وحده ويغير على غيره. )( 3
منسوبة الى فدك ،وهي قرية من خيبر ،بينها وبين المدينة ست ليال. )( 4
خّلها عليه أي جمع بين طرفيها بخلل من عود أو حديد.
َ )( 5
المدر :الطين اللزج المتماسك والمعقود سكان البيوت المبنية. )( 6
94
فارةُ) (1الله ،إن الرجل إذا كان أميرًا ،فتظالم الناس بينهععم فلععم
خ َ
و َ
يأخذ لبعضهم من بعض انتقم الله منه ،إن الرجل منكم لتؤخذ شاة
جاره فيظل َناتئ) (2عضلته غضبا ً لجاره والله من وراء جاره).(3
ففععي هععذه النصععيحة دروس وعععبر لبنععاء المسععلمين يقععدمها
الصحابي الجليل أبو بكر الصديق الذي تربى على السلم وعلى يد
من أهمها: رسول الله ε
-1أهمية العبادات :الصلة لنها عماد الدين ،والزكععاة والصععوم
والحج.
-2عععدم طلععب المععارة )ولتكععونن أميععرًا( تمام عا ً كمععا أوصععى
رسول الله ،εأبا ذر الغفاري )وإنها أمانة وإنها يعوم القيامعة خععزي
وندامة ،إل من أخذها بحقها() (4ولذلك فإن أبا بكععر الفععاهم الععواعي
جاء في رواية :وأنه من يك أميرا ً فإنه أطععول لكلم حبيبه محمد ε
الناس حسابًا ،وأغلظهم عذابًا ،ومععن ليكععن أميععرا ً فععإنه مععن أيسععر
الناس حسابًا ،وأهونهم عذابا ً) ،(5فهذا فهم الصديق لمقام المارة.
-3إن الله حرم الظلم على نفسه ،ونهى عبععاده أن يتظععالموا،
أن يظلم بعضهم بعضا ،لن الظلم ظلمات يوم القيامععة ،كمععا نهععى
-95-
عن ظلم المؤمنين)من آذى لي وليعا ً فقعد آذنتعه بعالحرب() ،(1وهعم
جيران الله ،وهم عواذ الله ،والله أحق أن يغضب لجيرانه).(2
-4على عهد الصدر الول كان أمراء المة خيارها ،وجاء وقععت
فشاء أمرها )المارة( وكثرت حععتى نالهعا معن ليععس لهعا بأهععل :إن
هذه المارة ليسيرة ،وقد أوشكت أن تفشوا حتى ينالها مععن ليععس
لها بأهل).(3
-5وفي غزوة ذات السلسل ظهر موقف متميز للصععديق فععي
احترام المراء مما يثبت أن أبا بكر كان صاحب نفس تنطوي علععى
قعععوة هائلعععة ،وقعععدرة متميعععزة فعععي بنعععاء الرجعععال ،وتقعععديرهم
واحترامهم) ( ،فعن عبعدالله بعن بريعدة قعال :بععث رسعول اللعه ε 4
96
حدثني الزهري عععن عععروة ابعن الزبيععر عععن المسععور بععن مخرمعة،
ومروان بن الحكم أنهما حدثاه جميعا ً قال :فععي صععلح الحديبيععة أنععه
من شاء أن يدخل في عقد محمد دخل ،ومععن شععاء أن يععدخل فععي
عقد قريش وعهدهم دخل ،فتواثبت خزاعة وقالوا نحن نععدخل فععي
عقد محمد وعهده ،وتواثبت بنو بكعر وقععالوا نحعن نعدخل فعي عقعد
قريش وعهدهم ،فمكثوا فععي ذلععك نحععو السععبعة أو الثمانيععة عشععر
شهرًا ،ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليل ً بمععاء يقعال لععه الععوتير-
وهو قريب من مكة -وقالت قريش مايعلم بنا محمعد ،وهعذا الليععل
ومايرانا من أحد فأعانوهم عليهم بالكراع والسلح وقاتلوهم معهععم
فقععدم عمععرو بععن سععالم إلععى المدينععة للضغن على رسول اللععه ε
فأنشد رسول الله εقائ ً
ل:
اللهم إني ناشد محمدا ً
-97-
المدة ،فقال النبي :εولذلك قدمت؟ هل كععان مععن حععدث قبلكععم،
فقععال معععاذ اللععه نحععن علععى عهععدنا وصععلحنا يععوم الحديبيععة لنغيععر
يقصعد مقابلعة الصعحابة عليهععم ولنبدل ،فخعرج معن عنعد النععبي ε
الرضوان).(1
-1أبو بكر وأبو سفيان:
أن يجدد العقععد ويزدهععم فععي طلب أبو سفيان من أبي بكر τ
المدة ،فقال أبو بكر :جواري فععي جععوار رسععول اللععه ،εواللععه لععو
وجدت الععذر تقععاتلكم لعنتهععا عليكععم .وهنععا تظهععر فطنععة الصععديق
وحنكته السياسية ثم يظهر اليمعان القعوي بعالحق العذي هعو عليعه
ويعلن أمام أبي سفيان دون خوف أنه مستعد لحععرب قريععش بكععل
مايمكن ولو وجد الذر تقاتل قريشا ً لعانها عليها).(2
-2بين عائشة وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما:
على عائشة وهي تغربععل حنطععة وقععد أمرهععا دخل الصديق τ
النبي εبأن تخفي ذلك ..فقال لها أبو بكر :يابنية لم تصعنعين هعذا
الطعام؟ فسكتت ،فقععال :أيريععد رسععول اللععه أن يغععزو؟ فصععمتت،
فقال لعله يريد بني الصفر -أي الروم -فصمتت ،فقال لعله يريععد
أهععل نجععد؟ فصععمتت ،فقععال لعلععه يريععد قريشعًا ،فصععمتت ،فععدخل
فقعال الصعديق لعه :يارسعول اللعه أتريعد أن تخعرج رسعول اللعه ε
مخرجًا؟ قال :نعم ،لعل تريد بني الصفر؟ قال :ل ،قال :أتريد أهعل
نجد؟ قال :ل ،قال :فلعلك تريد قريشًا؟ قال :نعععم .قععال أبععو بكععر:
)( التاريخ السياسي والعسكري ،د .علي معطي ،ص 365؛ الطبري ).(3/43 1
)( تاريخ الدعوة السلمية ،ص .145 2
98
يارسول الله أليس بينك وبينهععم مععدة؟ قععال :ألععم يبلغععك ماصععنعوا
ببني كعب؟
وهنا سلم أبو بكر للنبي εوجهز نفسععه ليكععون مععع القععائد ε
في هععذه المهمععة الكععبرى وذهععب مععع رسععول اللععه εالمهععاجرون
والنصار فلم يتخلف منهم أحد). (1
-3الصديق في دخول مكة:
مكة في عام الفتح وكان بجانبه أبو بكر رأى لما دخل النبي ε
وقععال :يععا أبععا النساء يلطمن وجوه الخيل فابتسم إلى أبععي بكععر τ
بكر كيف قال حسان؟ فأنشد أبو بكر:
خيلنا إن لم ترْوها
مَنا َ
عَدِ ْ
دها ك َ َ
داُء ع ُ
موْ ِ
ُتثير الّنقعَ َ
مصغيات ن ال َ ِ
سّنة ُ يباري ْ َ
ل ال ّ
ظباُء على أكَتاِفها الس ُ
دنا متم ّ
طرات تظ ّ
ل جيا ُ
ء) (2
النسا ُ خمرِ
ن بال ُ
تلطمهُ ّ
فقال النبي :εادخلوها من حيععث قععال حسععان) ،(3وقععد ت ّ
مععت
النعمععة علععى الصععديق فععي هععذا الجععو العظيععم بإسععلم أبيععه أبععي
. قحافة)(4
-99-
ب-في حنين:
أخذ المسلمون يوم حنين درسا ً قاسيًا ،إذ لحقتهم هزيمة فععي
أول المعركة جعلتهم يفرون معن هعول المفاجععأة وكعانوا كمععا قعال
وجعععل رسععول أحععد)(1 المام الطبري :فانشمروا ليلوي أحعد ٌ علععى
ي ،أنا رسول الله ،أنا محمععد
يقول :أين أيها الناس ،هلموا إل ّ الله ε
بن عبدالله ..يامعشر النصار ،أنا عبدالله ورسوله ..ثم نععادى عمععه
العباس وكععان جهععوري الصععوت فقععال لععه :ياعبععاس نععاد :يامعشععر
النصار ،يا أصحاب السمرة) ،(2كان هععذا هععو حععال المسععلمين فععي
أول المعركة ،النبي وحده لم يثبت معه أحد إل قلة ،ولم تكن الفئة
ثععم التي صبرت مع النبي إل فئة من الصحابة يتقدمهم الصععديق τ
نصرهم الله بعد ذلععك نصععرا ً عزيعزا ً مععؤزرا ً) ،(3وكععانت هنععاك بععض
المواقف للصديق منها:
-1فتوى الصديق بين يدي رسول الله:
قال ابعو قتعادة :لمععا كععان يعوم حنيععن نظعرت إلعى رجعل معن
المسلمين يقاتل رجل ً من المشركين ،وآخر من المشععركين يختلععه
من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع ليضربني وأضرب
ما ً شديدا ً حتى تخوفت ثععم تععرك
يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ض ّ
فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسععلمون وانهزمععت معهععم ،فععإذا
بعمر بن الخطاب في الناس ،فقلت له :ماشأن النععاس؟ قععال أمععر
)( ل يعطه :أي ليعطي رسول اللععه .وقععوله أصععيبغ نععوع مععن الطيععور شععبه لععه لعجععزه 1
وضعفه.
)( يدع :يترك. 2
)( خرافًا :أي بستانا ً أقام الثمر مقام الصل. 3
)( البخاري ،كتاب المغازي ) (5/119رقم .4322 4
)( الرياض الناظرة في مناقب العشرة ،ابي جعفر محب الدين ،ص .185 5
-101-
وأنها بمنزلة رفيعة بالنسبة له).(1
-2الصديق وشعر عباس بن مرداس:
حين استقل العباس بن مرداس عطاءه من غنائم حنيععن قععال
حيث قال: شعرا ً عاتب فيه رسول الله ε
كانت نهابا تلفيتها
جَرع
مهرِ في ال ْ
بكّري على ال ُ
وإيقاظي القوم أن يرقدوا
إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد
والقرع)(2 بين عيينة
دراء وقد كنت في الحرب ذا ت ُ ْ
ُ فلم ُأع َ
ط شيئا ً ولم أ ْ
مَنع
إل أفائل أعطيتها
الربع)(3 عديد قوائمها
وما كان حصن ولحابس
يفوقان شيخي في المجمع
وماكنت دون امرئ منهما
لي ُرفع)(4 ومن تضع اليوم
ِ ْ
فقععال رسععول اللععه :εاذهبععوا بععه ،فععأقطعوا عنععي لسععانه،
فأعطوه حتى َرضي ،فكان ذلك قطع لسانه الععذي أمععر بععه رسععول
ما ع َل ّ ْ
من َععاهُ فقععال أبععوبكر :أشععهد أنععك كمععا قععال اللععه تعععالى} :وَ َ
ن{ )سععورة مِبي ع ٌ ن هُوَ إ ِل ّ ذ ِك ٌْر وَقُْرَءا ٌ
ن ُ ما ي َن ْب َِغي ل َ ُ
ه إِ ْ ال ّ
شعَْر وَ َ
يس ،الية .(2)(69
ج -في الطائف:
في حصعار الطعائف وقععت جراحعات فعي اصعحاب النععبي ε
وشهادة ،ورفع رسول الله εعن أهل الطائف الحصار ورجععع الععى
المدينة وممن استشهد من المسلمين في هذه الغزوة عبدالله بععن
أبي بكر رضي الله عنهما رمي بسم فتوفي منه بالمدينة بعد وفععاة
النبي .(3)ε
وعندما قدم وفد ثقيف للمدينة ليعلنوا إسلمهم فمععا إن ظهععر
الوفد قرب المدينة حتى تنافس كل من أبي بكر والمغيرة على أن
يكون هعو البشععير بقعدوم الوفعد للرسعول ،εوفععاز الصعديق بتلعك
البشارة) ( ،وبعععد أن أعلنععوا إسععلمهم وكتععب لهععم رسععول اللععه ε 4
-103-
أبي العاص -وكان أحدثهم سنا ً فقععال الصععديق :يارسععول اللععه إنععي
رأيعت هعذا الغلم معن أحرصعهم علعى التفقعه فعي السعلم وتعلعم
القرآن) ،(1فقد كان عثمان بن أبي العاص كلما نام قومه بالهاجرة،
فساله في الععدين واسععتقرأه القععرآن حععتى عمد الى رسول الله ε
نائم عا ً عمععد الععى فقه في الدين وعلم ،وكان إذا وجد رسول الله ε
أبي بكر وكان يكتم ذلك عن أصحابه فععأعجب ذلعك رسععول اللعه ε
وعجب منه وأحبه).(2
وعندما علم الصديق بصاحب السهم الذي أصععاب أبنععه كععانت
ي
م َ
له مقوله تدل على عظمة إيمانه فعن القاسم بن محمد قالُ :ر ِ
عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما بسهم يوم الطائف ،فانتفضت
به بعد وفاة رسول الله εبععأربعين ليلععة ،فمععات فقععدم عليععه وفععد
ثقيف ولم يزل ذلك السهم عنده ،فأخرجه إليهم فقال :هل يعععرف
م منكم أحد؟ فقال سعيد بن عبيد ،أخو بنععي عجلن :هععذا
سه َ
هذا ال ّ
ه ورشته) ،(3عقبته) ،(4وأنا رميت به .فقععال أبععوبكر :τ
سهم أنا ب َرِي ْت ُ ُ
فإن هذا السهم الذي قتل عبدالله بععن أبععي بكععر ،فالحمععدلله الععذي
أكرمه بيدك ،ولم ي ُِهنك بيده ،فإنه أوسع لكما).(5
ثامنًا :في غزوة تبوك ،وإمارة الحج ،وفي حجة الوداع:
-105-
فنزلنا منزل ً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا سععتقطع حععتى
إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه ،ثم يجعل مابقي على
ودك فععي كبده ،فقال أبوبكر الصديق ،يارسول اللععه إن اللععه قععد عع ّ
الدعاء خيرًا ،فأدع الله ،قال :أتحب ذلععك؟ قععال :نعععم ،فرفععع يععديه
فلم يردهما حتى قعالت السععماء -أي تهيئت لنعزال مائهععا -فعأظلت
-أي أنزلت مطرا ً خفيفًا -ثم سكبت فملوا مامعهم ثم ذهبنععا ننظععر
فلم نجدها جاوزت العسكر).(1
-3نفقة الصديق في تبوك:
الصععحابة فععي غععزوة تبععوك علععى النفععاق حث رسول اللععه ε
بسععبب بعععدها ،وكععثرة المشععركين فيهععا ،ووعععد المنفقيععن بععالجر
صععاحب العظيم من الله ،فأنفق كل حسب مقدرته وكان عثمان τ
القدح المعلى في النفاق في هذه الغزوة).(2
وتصدق عمععر بععن الخطععاب بنصععف مععاله وظععن أنععه سيسععبق
أبابكر بذلك ونترك الفاروق يحدثنا بنفسه عن ذلك حيث قال :أمرنا
يوما ً أن نتصدق ،فوافق ذلك مال عندي ،فقلت اليوم رسول الله ε
أسبق أبابكر إن سبقته يومًا ،فجئت بنصف مالي ،فقال رسول الله
بكل ماعنععده، ،εماأبقيت لهلك؟ قلت :مثله ،قال :وأتى أبوبكر τ
فقال له رسععول اللععه :εمععاأبقيت لهلععك؟ قععال أبقيععت لهععم اللععه
ورسوله ،قلت :لأسابقك الى شيء أبدا ً).(3
)( ابن حبان ،كتاب الجهاد ،باب غزوة تبوك رقم .1707 1
)( السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية ،ص .615 2
)( سنن ابي داود ،كتاب الزكاة ) (313 -2/312رقم 1678وحسنه اللباني. 3
106
كان فعل عمر فيما فعله من المنافسة والغبطة مباح عا ً ولكععن
أفضل منه لنه خال من المنافسة مطلقا ً ول ينظر حال الصديق τ
الى غيره).(1
ب -الصديق أمير الحج سنة 9هع:
مسععتمرة كانت تربية المجتمع وبناء الدولة في عصر النبي ε
على كافة الصعدة والمجالت العقائدية والقتصادية ،والجتماعيععة،
والسياسية والعسكرية والتعبدية وكانت فريضعة الحعج لعم تمععارس
في السنوات الماضية ،وحجة عام 8هع بعد الفتح ك ُّلف بها عّتاب بن
أسيد ،ولم تكن قد تميزت حجة المسلمين عن حجة المشركين)،(2
ولكنه قععال) :إنععه يحضععر الععبيت فلما حل موسم الحج أراد الحج ε
عراة مشركون يطوفون بععالبيت ،فل أحععب أن أ حععج حععتى ليكععون
الصديق أميرا ً على الحج سنة تسعة هجرية، ذلك( فأرسل النبي ε
فخرج أبوبكر الصديق بركب الحجيج نزلت سورة براءة فدعا النبي
وأمره أن يلحععق بععأبي بكععر الصععديق ،فخععرج علععى ناقععة εعليا ً τ
رسول الله :εالعضباء حتى أدرك الصديق ابابكر بذي حليفة ،فلما
رآه الصديق قال له :أمير أم مأمور؟ فقعال :بععل معأمور ،ثععم سععار،
فأقام أبععوبكر للنععاس الحععج علععى منععازلهم الععتي كععانوا عليهععا فععي
الجاهلية ،وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كمععا دلععت علععى
ذلك الروايععات الصععحيحة ل فععي شععهر ذي القعععدة كمععا قيععل ،وقععد
-107-
خطب الصديق قبل التروية ،ويوم عرفة ،ويوم النحععر ،ويععوم النفععر
الول فكععان يعععّرف النععاس مناسععكهم :فععي وقععوفهم وإفاضععتهم،
ونحرهم ،ونفرهم ،ورميهم للجمععرات..الععخ وعلععي بععن أبععي طععالب
يخلفه في كل موقف من هذه المواقعف فيقعرأ علعى النعاس صعدر
سورة براءة ثم ينععادي فععي النععاس بهععذه المععور الربعععة :ل يععدخل
الجنة إل مععؤمن ،وليطععوف بععالبيت عريععان ،ومععن كععان بينععه وبيععن
رسول الله عهد فعهده الى مدته ،وليحج بعد العام مشرك).(1
وقععد أمععر الصععديق ابععا هريععرة فععي رهععط آخععر مععن الصععحابة
لمساعدة علي بن أبي طالب في إنجاز مهمته).(2
علي عا ً بععإعلن نقععض العهععود علععى مسععامع وقد كلف النععبي ε
المشركين في موسم الحج مراعاة لما تعارف عليععه العععرب فيمععا
بينهم من عقد العهود ونقضها أن ليتععولى ذلععك إل سععيد القبيلععة أو
رجل من رهطه ،وهععذا العععرف ليععس فيععه منافععاة للسععلم فلععذلك
المر وأرسل عليا ً بذلك فهذا هو السبب في تكليف تدارك النبي ε
عليا ً τبتبليغ صدر سورة براءة ل مععازعمته الرافضعة معن أن ذلععك
للشارة الى أن عليا ً τأحق بالخلفة من أبي بكر وقععد علععق علععى
ذلك الدكتور محمد ابو شهبة فقال :ول أدري كيف غفلوا عععن قععول
الصديق له :أمير أم مأمور)(3؟ وكيف يكون المأمور أحععق بالخلفععة
،εوزمالة أبي بكر واحدة مع غلم لبي بكر فجلس أبوبكر ينتظععر
أن يطلع عليه ،فطلع وليس معه بعيره!! فقال :أين بعيرك؟ فقال:
أظللته البارحة! فقال أبععوبكر :بعيععر واحععد تضععله!! فطفععق يضععربه
ورسول الله يبتسم ويقول :انظروا الى هذا المحرم ومايصنع).(5
-109-
المبحث الخامس
الصديق في المجتمع المدني وبعض صفاته وشععيء
من فضائله
عظيمًا ،إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلععك غضععبت
لله مما قال ،وضربت وجهععه ،فجحععد ذلععك فنحععاص وقععال :مععاقلت
ذلك ،فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا ً عليععه ،وتصععديقا ً لبععي
ن
حع ُقي عٌر وَن َ ْ ن الل ّ َ
ه فَ ِ ن َقاُلوا إ ِ ّ ذي َل ال ّ ِ معَ الل ّ ُ
ه ق َو ْ َ س ِقد ْ َ بكر} :ل َ َ
َ
لقععو ُ
ح عقّ وَن َ ُم ال َن ْب ِي َععاَء ب ِغَي ْعرِ َما َقاُلوا وَقَت ْل َهُ ع ُ ب َ سن َك ْت ُ ُ
أغ ْن َِياُء َ
ق{ )سورة آل عمران ،الية.(181 : ري ِ ب ال ْ َ
ح ِ ذا َ ذوُقوا ع َ َ ُ
-111-
الغضب)(2 ونزل في ابي بكر الصديق ،τومابلغه في ذلك من
ن
مع َن ِ معُ ّ م وَل َت َ ْ
سع َ س عك ُ ْف ِ م وَأ َن ْ ُوال ِك ُ ْ م َ
َ
ن ِفي أ ْ قوله تعالى }ل َت ُب ْل َوُ ّ
ذىكوا أ َ ً ش عَر ُن أَ ْ ذي َن ال ّع ِمع َ م وَ ِ ن قَب ْل ِك ُع ْ مع ْ ب ِن أوُتوا ال ْك َِتا َ
ال ّذي ُ
ِ َ
مععوِر{ ُ ن ذ َل ِع َ قععوا فَ عإ ِ ّ ك َِثي عًرا وَإ ِ ْ
ن ع َعْزم ِ ال ُ مع ْ ك ِ ص عب ُِروا وَت َت ّ ُ ن تَ ْ
)سورة آل عمران ،الية.(186:
)( الحسان في تقريب صحيح بن حيان )(15/300؛ مسلم رقم .863 1
)( البخاري رقم .3665 2
ً
)( الزهد للمام أحمد ) (110نقل عن التاريخ السلمي للحميدي ) .(19/13 3
-113-
والملبس في الدين ،وعلقة ذلك بإجابة الدعاء) ،(1كمعا فعي حعديث
الشعث الغبر وفيه) :يمد يديه الى السماء :يارب ومطعمه حعرام،
ومشربه حععرام ،وملبسععه حععرام ،وغُععذي بععالحرام ،فععأنى ُيسععتجاب
لذلك().(2
-6أدخلني في السلم ،كما أدخلتماني في الحرب:
فسعمع صعوت ابنتعه دخعل أبعوبكر الصعديق τعلعى النععبي ε
عائشة عاليا ً فلما اقترب منها تناولها ليلطمها وقععال :اراك ترفعيععن
صوتك على رسول الله ،فجعل رسول الله بحجععزه ،وخععرج أبععوبكر
لعائشة حين خرج أبوبكر :أرايت كيف أنقذتك مغضبا ً فقال النبي ε
من الرجل؟ فمكععث أبععوبكر أيام عًا ،ثععم أسععتأذن علععى رسععول اللععه
فوجدهما قد اصععطلحا .فقععال لهمععا) :أدخلنععي فععي سععلمكما ،كمععا
أدخلتماني في حربكما( فقال النبي ) :εقد فعلنا().(3
-7أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
دخل أبوبكر على عائشععة رضععي اللععه عنهععم فععي أيععام العيععد،
وعنععدها جاريتععان مععن النصععار تغنيععان فقععال أبععوبكر :τأبمزمععار
معرضعا ً الشيطان في بيت رسععول اللععه ε؟ وكععان رسععول اللععه ε
بععوجهه عنهمععا ،مقبل ً بععوجهه الكريععم الععى الحععائط .فقععال :دعهمععا
ياأبابكر ،فإن لكل قععوم عيععدًا ،وهععذا عيععدنا أهععل السععلم) ،(4ففععي
-115-
-فجععدع وسععب ،وقععال: يععاعنثر)(1 قال :فذهبت أنا فاختبأت ،فقال:
كلوا هنيئا ً وقال :واللععه لأطعععم أبععدًا ،وحلععف الضععيف أن ليطعمععه
حتى يطعم أبوبكر ،فقال أبعوبكر :هعذه معن الشعيطان ،قعال فعدعا
بالطعام فأكل ،فقال :وأيم الله ماكنا نأخذ لقمة إل ربا من أسععفلها
أكثر منها ،فقال حتى شبعوا وصععارت أكععثر ممععا كععانت قبععل ذلععك،
فنظر إليها فععإذا هععي كمععا هععي وأكععثر فقععال لمرأتععه :يععاأخت بنععي
فراس ماهذا؟ قالت :ل وقرة عيني هي الن لكثر منهععا قبععل ذلععك
بثلث مرات ،فأكععل أبععوبكر وقععال :إنمععا كععان ذلععك مععن الشععيطان
-يعني يمينه -ثععم أكععل منهععا لقمععة ثععم حملهععا الععى رسععول اللععه ε
فأصبحت عنده ،وكان بيننا وبين القوم عقد فمضى الجععل فتفرقنععا
اثنى عشر رجل ً مع كل واحد منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل
منهم فأكلوا منها أجمعين).(2
وفي هذه القصة دروس وعبر منها:
أ -حععرص الصععديق علععى تطععبيق اليععات القرآنيععة والحععاديث
ه النبوية التي تحث على إكرام الضيف مثععل قععوله تعععالى} :فَ َ
قّرب َ ُ
إل َيهم َقا َ َ ْ
ن{ )سورة الذاريات ،الية .(27 ل أل ت َأك ُُلو َ ِ ِْ ْ
وقوله ) :εمن كان يؤمن بالله واليوم الخر ،فيلكععرم ضععيفه(
) . (3
ب -وفي هذه القصة كرامة للصديق حيث جععل ليأكعل لقمعة
)( غنثر :الثقيل الوخيم وقيل الجاهل. 1
)( مسلم ،كتاب الشربة رقم .2057 2
)( مسلم ).(3/1353 3
116
إل ربي من أسفلها أكثر منها فشبعوا ،وصارت أكثر ممععا هععي قبععل
ذلك ،فنظر إليها أبوبكر وامرأته فإذا هي أكثر ممععا كععانت ،فرفعهععا
وشععبعوا)(1 الى رسول الله ،εوجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منهععا
في كافة وهذه الكرامة حصلت ببركة اتباع الصديق لرسول الله ε
أحععواله وهععي تععدل علععى مقععام الوليععة للصععديق فأوليععاء اللععه هععم
فيفعلععون مععاأمر بععه وينتهععون عمععا عنععه زجععر، المقتدون بمحمد ε
ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيععه ،فيؤيععدهم بملئكتععه وروح
منه ويقذف الله في قلوبهم من أنواره ،ولهم الكرامات التي يكعرم
الله بها أولياؤه المتقين).(2
ج -تقول السيدة عائشة رضي الله عنها :إن أبابكر لععم يحنععث
في يمين قط حتى أنزل الله كفارة اليميععن ،فقععال :ل أحلععف علععى
يمين فرأيت غيرها خير منها إل أتيعت العذي هعو خيعر وكفعرت ععن
يميني) ،(3فكان إذا حلف على شيء ورأى غيره خيرا ً منه كفر وأتى
الذي هو خير) ،(4وفي هذه القصة مايدل على ذلك حيث ترك يمينه
الولى أكراما ً لضيوفه وأكل معهم).(5
-9ماهي بأول بركتكم ياآل أبي بكر:
فععي قالت عائشة رضي الله عنها :خرجنا مععع رسععول اللععه ε
بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء -أو بذات الجيععش -انقطععع عقععد
-117-
على التماسه ،وأقام النععاس معععه ،وليععس لي فأقام رسول الله ε
علعى معاء وليععس معهعم مععاء فعأتى النعاس أبعابكر فقعالوا :ألتعرى
وبالنععاس معععه وليسععوا ماصنعت عائشة؟ أقععامت برسععول اللععه ε
واضع رأسه على ماء وليس معهم ماء فجاء أبوبكر ورسول الله ε
ت رسععول اللععه εوالنععاس وليسععوا
حَبس ٍ
ذي قد نام فقالِ : على فَ ِ
خ ِ
على ماء وليععس معهععم مععاء قلععت :فعععاتبين وقععال ماشععاء اللععه أن
يقول ،وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فل يمنعني من التحععرك إل
حععتى أصععبح مكان رسول الله εعلى فخذي فنععام رسععول اللععه ε
دا ط َي ّب ًععا{
صعِعي ً
موا َ على غير ماء فأنزل الله آية التيمم....}:فَت َي َ ّ
م ُ
)سععورة النسععاء ،اليععة .(43فقععال أسععيد بععن حضععير :مععاهي بععأول
بركتكم ياآل أبي بكر فقالت عائشة :فبعثنا البعير الذي كنععت عليععه
فوجدنا العقد تحته().(1
وفععي هععذه القصععة يظهععر حععرص الصععديق علععى التععأدب مععع
رسوله ،وحساسيته الشديدة على أن يضععايقه شععيئا ً ول يقبععل ذلععك
ولو كان من أقععرب النععاس وأحبهععم الععى رسععول اللععه ،εكعائشععة
قععدوة للععدعاة فععي الدب الجععم مععع رضي الله عنهم ،فقععد كععان τ
النبي εومع نفسه ومع المسلمين) (.
2
فسلم ،وقال :يارسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطععاب شععيء
فأسرعت إلي ثم ندمت ،فسألته أن يغفر لي فععأبي علععي ،فععأقبلت
إليك .فقال :يغفر الله لك ياأبابكر ثلثًا .ثم إن عمر ندم فأتى منزل
أبي بكر فسأل :أثم أبوبكر؟ قالوا :ل .فأتى النبي εفسععلم عليععه،
فجععثى أبععوبكر)(3 يتمعععر) ،(2حععتى أشععفق فجعل وجه رسول الله ε
على ركبتيه فقال يارسععول اللععه :واللععه أنععا كنععت أظلععم مرتيععن)،(4
فقال النبي :εإن الله بعثني إليكم فقلتععم :كععذبت ،وقععال ابععوبكر:
صدق ،وواسععاني بنفسععه ومععاله) ،(5فهععل أنتععم تععاركوا لععي صععاحبي
مرتين .فما أوذي بعدها).(6
وفي هذه القصة دروس وعبر كععثيرة منهععا؛ الطبيعععة البشععرية
للصععحابة ومايحععدث بينهععم مععن خلف ،وسععرعة رجععوع المخطععئ
وطلب المغفرة والصفح من أخيه ،تواد الصحابة فيما بينهم ،مكانععة
ثم أصحابه.......الخ. الصديق الرفيعة عند رسول الله ε
-11قل :غفر الله لك ياأبابكر:
-119-
قال ربيعة السلمي :τكنت أخدم النبي ε
...وذكر حععديثا ً ثععم
قال :إن رسول الله εأعطاني بعد ذلك ارضا ً وأعطى أبوبكر أرضا ً
دي،
وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة ،فقلععت أنععا :هععي فععي ح ع ّ
وقال أبوبكر ،هي في حدي ،فكان بيني وبين أبعي بكععر كلم ،فقععال
ابوبكر كلمة كرهها وندم فقععال لععي :ياربيعععة رد عليهععا مثلهععا حععتى
تكععون قصاصععًا ،قععال :قلععت :ل أفعععل ،فقععال أبععوبكر :لتقععولن أو
لستعدين عليك رسول الله ،εفقلت :ماأنا بفاعععل ،قععال :ورفععض
الى النععبي ،εوانطلقععت أتلععوه ،فجععاء الرض) ( ،وأنطلق أبوبكر τ
1
ناس من أسلم فقالوا لي :رحم الله أبابكر ،في أي شيء يسععتعدي
وهو قد قععال لععك ماقععال ،قلععت :اتععدرون مععن عليك رسول الله ε
هععذا؟ هععذا أبععوبكر الصععديق ،هععذا ثععاني أثنيععن ،وهععذا ذو شععيبة
المسلمين ،إياكم ل يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضععب ،فيععأتي
رسول الله εفيغضععب لغضععبه فيغضععب اللععه عععز وجععل لغضععبهما
فيهلك ربيعة ،قال :ماتأمرنا؟ قال :ارجعوا ،قال :فانطلق أبععوبكر τ
الى رسول الله εفتبعته وحدي حتى أتى النبي εفحعدثه الحعديث
ي رأسه فقعال :ياربيعععة مالععك وللصعديق؟ قلععت:
كما كان ،فرفع إل ّ
يارسول الله كان كذا كان كذا ،قال لي كلمة كرهها فقال :قل لععي
كما قلت حتى يكون قصاصا ً فابيت ،فقال رسول اللععه :εأجععل فل
ترد عليه ،ولكن قل :غفر الله لععك ياأبععابكر ،فقلععت :غفععر اللععه لععك
-121-
وقد استنكر قوم ربيعة أن يذهب أبوبكر يشععتكي الععى رسععول
وهو الذي قال ماقال ،ولم يعلموا ماعلمه أبوبكر مععن لععزوم الله ε
إنهاء قضايا الخصومات ،وإزالة ماقد يعلق في القلوب من الوجععدة
في الدنيا قبل أن يكتب ذلك في الصععحف ويععترتب عليععه الحسععاب
يوم القيامة.
الععى عععدم وبالرغم مما ظهر من رضى ربيعة وتوجيه النبي ε
الرد على أبي بكر فإن أبابكر قد بكى من خشية الله تعععالى ،وهععذا
دليل على قوة إيمانه ،ورسوخ يقينه.
وأخيرا ً موقف يذكر لربيعة بن كعععب السععلمي ،τحيععث قععام
بإجلل أبي بكر ،τوأبى أن يرد عليه بالمثل ،وهذا من تقععدير أهععل
الفضععل والتقععدم والمعرفععة بحقهععم ،وهععو دليععل علععى قععوة الععدين
ورجاحة العقل).(1
-12مسابقته في الخيرات:
بععالخلق الحميععدة ،والصععفات الرفيعععة اتصععف الصععديق τ
ومسابقته في الخيرات حتى صعار فعي الخيععر قعدوة ،وفعي مكعارم
الخلق أسوة ،وكان حريصا ً أشد الحرص على الخيرات ،فقد أيقععن
أن مايمكن أن يقوم به المرء اليوم ،قد يكون غير ممكن في الغععد،
فاليوم عمل ول حساب ،وغععدا ً حسععاب ول عمععل ولععذلك كععان مععن
قعال رسعول اللعه :ε المسارعين في الخيرات ،فعن أبي هريرة τ
من أصبح منكم صائمًا؟ قال أبوبكر :أنا .قال :فمن تبع منكم اليععوم
-123-
تعالى.
على عدم ويتبين لنا كذلك من هذا الموقف حرص الصديق τ
إغضاب النبي εوالمسارعة الى إرضائه وفي الحديث ذم الغضععب
للنفس ،والنهي عنه ،والتحذير منه ،واعتزال النبياء للمجالس التي
يحضرها الشععيطان ،وبيععان الفضععل للمظلععوم ،الصععابر ،المحتسععب
للجععر والثععواب ،وفيععه حععث علععى العطايععا ،وصععلة الرحععام ،وذم
للمسألة وأهلها.
وظل الصديق متمسععكا ً بععالحلم ،وكظععم الغيععظ ،حععتى عُععرف
بالحلم والناة ،ولين الجانب ،والرفععق ،وهععذا ليعنععي أن أبععابكر لععم
يكن يغضب ،وإنما كان غضبه لله تعالى ،فإذا رأى محععارم اللععه قععد
انتهكت غضب لذلك غضبا ً شديدا ً).(1
متأمل ً ومتفكرا ً وعععامل ً بقععوله تعععالى لقد عاش رسول الله ε
ت وا ُم َ سعع َضععَها ال ّجن ّةٍ ع َْر ُ ن َرب ّك ُ ْ
م وَ َ م ْ فَرةٍ ِ مغْ ِ عوا إ َِلى َ سارِ ُ }وَ َ
سععّراِء ن ِفععي ال ّ قععو َ ن ي ُن ْفِ ُ
ذي َن`اّلعع ِ قيعع َ ت ل ِل ْ ُ
مت ّ ِ عععد ّ ْ ض أُ ِ َ
َوالْر ُ
هس َوالّلع ُ ن الّنعا ِ ن ع َع ِظ َوال َْععاِفي َ ن ال ْغَي ْع َمي َ كعاظ ِ ِ ضعّراِء َوال ْ َ َوال ّ
ن`{ )سورة آل عمران ،اليتين .(133،134 سِني َ ح ِ م ْب ال ْ ُ ح ّيُ ِ
-14بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي:
ح ابن أ َُثاَثة ،فلمععا قعال فعي عائشعة
سط َ َ كان أبوبكر τي َُعول ِ
م ْ
رضي الله عنها ماقال ،في حعديث الفععك المشععهور -أقسععم بععالله
ل ُأول ُععو ْ
أبوبكر أل ينفعه أبدًا ،فلما أنععزل اللععه عععز وجععلَ} :ول ي َأت َ ِ
)( سيرة وحياة الصديق ،مجدي فتحي السيد ،ص .145 1
124
ن
كي َ
سععا ِ م َ قْرب َععى َوال ْ َن ي ُؤ ُْتوا ُأول ِععي ال ْ ُ َ
سعَةِ أ ْ م َوال ّ من ْك ُ ْل ِ ض ِ ف ْ ال ْ َ
ن حوا َأل ت ُ ِ
حب ّععو َ ف ُ
صع َ فععوا وَل ْي َ ْ
ل الل ّهِ وَل ْي َعْ ُ سِبي ِ ن ِفي َ ري َ ج ِمَها ِ َوال ْ ُ
َ
م{ )سورة النور ،الية .(22 حي ٌفوٌر َر ِ ه غَ ُ م َوالل ّ ُ ه ل َك ُ ْفَر الل ّ ُ ن ي َغْ ِ أ ْ
قال ابوبكر :والله إني أحب أن يغفعر اللعه لعي فرجعع العى النفقعة
التي كان ينفق عليه وقال :واللعه ل أنزعهععا منععه أبعدا ً) .(1لقعد فهععم
الصديق من الية بأن على المؤمن التخلق بأخلق الله ،فيعفو عععن
الهفوات والزلت والمزالععق ،فععإن فعععل ،فععالله يعفععو عنععه ويسععتر
ن ي َغْفِ عَر حبو َ َ
نأ ْذنوبه ،وكما تدين تدان ،والله سبحانه قال }:أل ت ُ ِ ّ َ
م{ أي كما تحبون عفو اللععه عععن ذنععوبكم فكععذلك اغفععروا ه ل َك ُ ْ
الل ّ ُ
وكما أن في الية مععن حلععف علععى شععيء أل يفعلععه، دونكم)(2 لمن
فععر عععن يمينععه ،وقععال بعععض
فرأى أن فعله أولى من تركه ،أتاه وك ّ
العلماء :هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى ،من حيععث لطععف اللععه
بالقذفة العصاة بهذا اللفظ).(3
لقد دلت هذه الية على أن أبا بكر أفضل الناس بعد النبي ،ε
لن الله وصفه بصفات عجيبة في هذه الية ،دالة علععى علععو شععأنه
في الدين ،أورد الرازي في تفسيره أربععع عشععرة صععفة مسععتنبطة
ل ُأوُلو ال ْ َ ْ
ة{ منها أنه
سعَ ِ من ْك ُ ْ
م َوال ّ ل ِ
ض ِ
ف ْ من هذه اليةَ} :ول ي َأت َ ِ
وصععفه بععأنه صععاحب الفضععل علععى الطلق مععن غيععر تقييععد لععذلك
بشخص دون شخص ،والفضل يدخل فيه الفضال ،وذلك يدل علععى
أنه ،τكان فاضل ً على الطلق كان مفضل ً على الطلق.ومنها أنعه
)( البخاري رقم .4750 1
)( تفسير المنير ).(18/190 2
)( نفس المصدر ).(18/190 3
-125-
لمععا وصععفه تعععالى بععأنه أولععوا الفضععل والسعععة بععالجمع ل بالواحععد
وبالعموم لبالخصوص على سبيل المدح ،وجب أن يقعال :إنعه كعان
خاليا ً عن المعصية لن الممعدوح إلعى هعذا الحعد ليكعون معن أهعل
النار).(1
-15خروجه للتجارة من المدينة إلى الشام:
للتجارة إلى بصععرى ببلد الشععام فععي خرج أبو بكر الصديق τ
عهد النععبي εمععامنعه حبععه لملزمععة النععبي مععن الععذهاب للتجععارة،
ولمنع النبي εالصديق من ذلععك مععع شععدة حبععه لععه) ( .وفععي هععذا
2
-127-
وعن ميمون بن مهران قال :أتععى أبععو بكععر بغععراب وافععر فتباكوا)(1
-129-
فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا ً نزل من السماء فععوزنت أنععت وأبععو
بكر فرجحت أنت بأبي بكر ،ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبععو بكععر،
ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمععر ،ثععم رفععع الميععزان -فاسععتاء لهععا
فقال :خلفة نبوة ثم يؤتى الله الملك من يشاء).(1 رسول الله ε
قال :صلى رسععول اللععه صععلة الصععبح ثععم وعن أبي هريرة τ
أقبل على الناس فقال :بينا رجععل يسععوق بقععرة إذ ركبهععا فضععربها،
فقالت :إنا لم نخلق لهذا ،إنما خلقنا للحرث .فقال الناس :سععبحان
الله بقرة تتكلم؟ فقال :إني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمععر .وماهمععا
ثم .وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشععاة ،فطلععب
حتى كأنه استنقذها منه ،فقال له الذئب :هذا استنقذتها مني ،فمن
لها يوم السبع ،يو لراعي لها غيعري؟ فقعال النعاس :سعبحان اللعه،
ذئب يتكلم؟ قال :فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر .وماهما ثم).(2
ومن شععدة إيمععانه والععتزامه بشععرع اللععه تعععالى وصععدقه وإخلصععه
للسلم أحبه النبي ،εوأصبحت تلك المحبة مقدمععة عنععد النععبي ε
على غيره من الصحابة ،فعن عمرو بن العاص :τأن النبي εبعثه
على جيش ذات السلسععل ،قععال :فععأتيته فقلععت :أي النععاس أحععب
إليك؟ قال :عائشة .فقلت من الرجال؟ قال :أبوها .قلت ثععم مععن؟
قال عمر بن الخطاب فعد رجال ً) .(3وبسععبب هععذا اليمععان العظيععم
والتزامه بشرع الله القويم ولجهععوده الععتي بععذلها لنصععرة ديععن رب
)( أبوداود رقم 4634؛ الترمذي رقم .2288 1
)( مسلم ،رقم .2388 2
)( صحيح البخاري ،رقم .3662 3
130
العالمين استحق بشارة رسول الله بالجنة وأنععه يععدعى مععن جميععع
أبوابها ،فعن أبععي موسععى الشعععري أنععه توضععأ فععي بيتععه ثععم خععرج
فقلت :للزمن رسععول اللععه ولكععونن معععه يععومي هععذا .قععال فجععاء
فقالوا :خرج ووجه هنا ،فخرجت علععى المسجد فسأل عن النبي ε
أثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس ،فجلست عند الباب وباب من
جريد حتى قضى رسول الله حاجته فتوضأ ،فقمععت إليععه ،فععإذا هععو
جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشععف عععن سععاقيه ودلهمععا
في البئر ،فسلمت عليه ثم انصرفت فجلسععت عنععد البععاب فقلععت:
لكونن بواب رسول الله اليوم ،فجاء أبو بكر فعدفع البعاب ،فقلعت:
من هذا فقال :أبععو بكععر .فقلععت :علععى رسععلك ،ثععم ذهبععت فقلععت:
يارسول الله هذا أبو بكر يستأذن ،فقععال :ائذن لععه وبشععره بالجنععة،
فأقبلت حتى قلت لبي بكر :ادخععل ورسععول اللععه يبشععرك بالجنععة.
معه في القف ودلى فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله ε
رجليه في البئر كما صنع النبي εوكشف عن ساقيه ( )...وعن أبي
1
هريرة τأن رسول الله εقال :من أنفق زوجيععن مععن شععيء مععن
الشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة :ياعبععدالله هععذا خيععر،
فمن كان من أهل الصلة دعي من باب الصلة ،ومن كان من أهل
الجهاد دعي من باب الجهاد ،ومن كان من أهل الصععيام دعععي مععن
باب الريان ،ومن كان من أهععل الصععدقة دعععي مععن بععاب الصععدقة.
ماعلى هذا ُيدعى مععن تلععك البععواب مععن ضععرورة، فقال أبو بكر τ
)( البخاري رقم .3674 1
-131-
وقال :فهل يدعى أحد من تلك البواب كلها؟ قال :نعععم ،وأرجععو أن
تكون منهم يا أبا بكر).(1
-2علمه :τ
كان الصديق من أعلم الناس بالله وأخوفهم له) ،(2وقععد اتفععق
أهل السنة على أن أبا بكر أعلم المة ،وحكعى الجمععاع علعى ذلععك
غير واحد) ،(3وسبب تقدمه على كل الصحابة فععي العلععم والفضععل
ملزمته للنبي ،εفقععد كععان أدوم اجتماععا ً بععه ليل ً ونهععارًا ،وسععفرا ً
بععد العشعاء ،يتحعدث مععه فعي وحضرًا ،وكان يسمر عند النعبي ε
أمور المسلمين ،دون غيره من أصحابه ،وكان إذا استشار أصععحابه
أول من يتكلم أبو بكر في الشورى ،وربمعا تكلععم غيععره ،وربمععا لععم
يتكلم غيره ،فيعمل برأيه وحده ،فععإذا خععالفه غيععره اتبععع رأيععه دون
على أول حجة حجت من رأي من يخالفه) ( ،وقد استعمله النبي ε
4
ولم تكن هذه المرتبة لغيرة وقد بينت ذلععك فععي سععلب أبععي قتععادة
بحنيععن) ،(2وقععد ظهععر فضععل علمععه وتقععدمه علععى غيععره بعععد وفععاة
الرسول ،εفإن المة لم تختلف في وليته فععي مسععألة إل فصععلها
هو بعلم يبينه لهم وحجة يذكرها لهععم مععن الكتععاب والسععنة ،وذلععك
لكمال علم الصديق وعععدله ،ومعرفتععه بالدلععة الععتي تزيععل النععزاع،
وتثبيتهم على وكان إذا أمرهم أطاعوه .كما بين لهم موت النبي ε
اليمان ثم بين لهم موضع دفنه ،وبين لهم ميراثه ،وبين لهععم قتععال
مانعي الزكاة لما اسععتراب فيععه عمععر ،وبيععن لهععم أن الخلفععة فععي
قريش ،وتجهيز جيش أسامة ،وبيععن لهععم أن عبععدا ً خيععره اللععه بيععن
وسععيأتي تفصععيل ذلععك فععي الععدنيا والخععرة هععو رسععول اللععه ε
) (3
لبنًا ،فشربت منه حتى تملت ،فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد
واللحم ،ففضلت منهعا فضعلة ،فأعطيتهععا أبعا بكعر .قعالوا :يارسعول
الله ،هذا علععم أعطععاكه اللعه حععتى إذا تملت منععه ،فضععلت فضععلة،
)( أبوبكر الصديق أفضل الصحابة وأحقهم بالخلفة ،ص .60 1
)( نفس المصدر ،ص .57 2
)( المصدر السابق ،ص .59 3
-133-
فأعطيتها أبا بكر ،فقال :εقد أصبتم).(1
يرى أن الرؤيا حق ،وكان يجيد تأويلهععا وكععان وكان الصديق ε
دثنا بهععا وكععان يقععول لن
يقول إذا أصبح)من رأى رؤيا صالحة فليح ع ّ
يرى رجل مسلم مسبغ الوضععوء رؤيععا صععالحة أحععب إلععى مععن كععذا
أن رجل ً وكذا) ( ،ومما عبره τمن الرؤى مايلي :عن ابن عباس τ 2
أتى رسول الله فقال :إنععي رأيععت الليلععة فععي المنععام ظل ّععة تنطععف
السععمن والعسععل ،فععأرى النععاس يتكففععون منهععا ،فالمسععتكثر
ق ّ
ل ،وإذا سبب واصل من الرض إلى السماء ،فأراك أخذت والمست ِ
ص َ
ل ،فقععال أبععو بكععر: به فعلوت ،ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ،ثم وُ ِ
دعّني فأعب َُرهعا .فقعال النعبي :ε
يارسول الله ،بأبي أنعت ،واللعه لتع َ
اعْب ُْر .قعال :أمعا الظ ّّلعة فالسعلم ،وأمعا العذي ينطعف معن العسعل
والسعععمن فعععالقرآن ،حلوتعععه تنطعععف فالمسعععتكثر معععن القعععرآن،
والمستقل ،وأما السبب الواصععل مععن السععماء إلععى الرض فععالحق
الذي أنت عليه ،تأخذ به فُيعليك الله ،ثم يأخذ بععه رجععل مععن بعععدك
فيعلو به ،ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به ،فأخبرني يارسول الله ،بععأبي
أنت ،أصبت أم أخطأت؟ قال النبي :εأصبت بعضا وأخطأت بعضا
وعععن عائشععة لُتقسم)(3 حد َث َّني بالذي أخطأت .قال:
قال :فوالله لت َ
رضي الله عنها أنها رأت كأنه وقع فععي بيتهععا ثلثععة أقمععار ،فقصععتها
على أبي بكعر -وكععان مععن أعععبر النععاس فقعال :إن صعدقت رؤيععاك
)( الحسان في تقريب صحيح ابن حبان ).(15/269 1
)( خطب أبي بكر الصديق ،محمد عاشور ،جمال الكومي ،ص .155 2
)( البخاري ،كتاب التعبير ،رقم .7046 3
134
قال لي ُد ْفَن َّن في بيتك من خير أهل الرض ثلثة .فلما قبض النبي ε
ياعائشة هذا خيُر أقمارك) ( ،فقد كان الصديق τأعععبر هععذه المععة 1
بعد نبيها).(2
من أعلم الصععحابة إل أنععه مععن أبعععد النععاس عععن ومع كونه τ
التكلف ،فعن ابراهيم النخعي قال :قرأ أبو بكر الصديق }وََفاك َِهعع ً
ة
وَأ َّبا{ )سورة عبس :آية (31فقيل ماالب :فقيل كععذا وكععذا فقععال
أبو بكر :إن هذا لهو التكلف ،أي أرض تقلني وأي سععماء تظلنععي إذا
قلت في كتاب الله مال أعلم).(3
-135-
يستغيث بالله ويستنصره ويطلب المدد منععه وقععد حععرص الصععديق
علعى أن يتعلععم هععذه العبععادة معن رسععول اللعه ،وأن يكعون دعععاؤه
ويرتضععيها ،إذ وتسبيحه على الصيغة التي يععأمر بهععا رسععول اللععه ε
ليس للمسلم أن يفضل على الصيغة المأثورة في الدعاء والتسبيح
والصلة على النبي صيغا ً أخرى ،مهمععا كععانت فععي ظاهرهععا حسععنة
هو معلععم الخيععر ،والهععادي اللفظ ،جيدة المعنى ،لن رسول الله ε
إلى الصراط المستقيم ،وهو أعرف بالفضل والكمل) ،(1وقععد جععاء
قععال :يارسععول اللععه علمنععي في الصحيحين :أن أبا بكر الصديق τ
دعاء أدعو به في صلتي ،قال :قل :اللهم إني ظلمت نفسي ظلما ً
يارسول الله ،علمني دعاء أدعو به إذا أصبحت وإذا أمسيت ،فقال:
قل :اللهم فاطر السععماوات والرض عععالم الغيععب والشععهادة ،رب
كععل شععيء ومليكععه ،أشععهد أن ل إلععه إل أنععت ،أعععوذ بععك مععن شععر
)( أبوبكر الصديق ،علي طنطاوي ،ص .207 1
)( مسلم ،الذكر والدعاء رقم 2705؛ البخاري رقم .843 2
)( الفتاوى ).(9/146 3
136
نفسي ،ومن شر الشيطان وشركه ،وأن اقترف على نفسي سوءا ً
أو أجععره إلععى مسععلم .قلععه إذا أصععبحت وإذا أمسععيت وإذا أخععذت
مضجعك).(1
أنه ليععس لحععد أن يظععن فقد تعلم الصديق من رسول الله ε
استغناءه عن التوبة إلى الله والستغفار من الذنوب ،بععل كععل أحععد
ة ع َل َععى مان َع َ َ محتاج إلى ذلععك دائم عا ً قععال تعععالى} :إ ِّنا ع ََر ْ
ضعَنا ال َ
ن مل ْن َهَععا وَأ َ ْ الس عموات وال َرض وال ْجبععال فَ عأ َبي َ
ق َف ْ
شع َ ح ِن يَ ْ
نأ ْ َْ َ ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ ِ َ ِ
ب الل ّع ُ
ه جهُععول`ل ِي ُعَعذ ّ َ ن ظ َُلو ً
مععا َ ه ك َععا َ
ن إ ِن ّ ُ مل ََها ال ِن ْ َ
سا ُ ح َ
من َْها وَ َ
ِ
ب
ت وَي َت ُععو َ ش عرِ َ
كا ِ م ْن َوال ْ ُكي َ
ش عرِ ِ ت َوال ْ ُ
م ْ قععا ِمَنافِ َن َوال ْ ُ قي َ
مَنافِ ِال ْ ُ
مععا`{ حي ً ه غَ ُ
فوًرا َر ِ ن الل ّ ُ ت وَ َ
كا َ مؤ ْ ِ
مَنا ِ ن َوال ْ ُ
مِني َ مؤ ْ ِ ه ع ََلى ال ْ ُالل ّ ُ
)سععورة الحععزاب ،آيععة (73-72:فالنسععان ظععالم جاهععل وغايععة
المؤمنين والمؤمنات التوبة ،وقد أخبر الله تععالى فعي كتععابه بتوبعة
عباده الصالحين ومغفرته لهم .وثبت في الصععحيحين عععن النععبي ε
أنه قال):لن يدخل الجنة أحد بعلمه( قالوا :ول أنت يارسععول اللععه؟
وهععذا لينععافي قععوله برحمتععه()(2 قال) :ول أنا إل أن يتغمععدني اللععه
م ِفي ال َّيام ِ ال ْ َ َ
ة{
خال ِي َ ِ سل َفْت ُ ْ
ما أ ْ تعالى} :ك ُُلوا َوا ْ
شَرُبوا هَِنيًئا ب ِ َ
)سورة الحاقة ،آية (24:فإن الرسول نفيى باء المقابلععة والمعادلععة
والقرآن أثبت باء السبب ،وقول من قععال :إذا أحععب اللععه عبععدا ً لععم
تضره الذنوب ،معناه :أنه إذا أحعب عبعدا ً ألهمعه التوبعة والسعتغفار
)( ابوداود في الدب رقم 5067؛ الترمذي في الدعوات رقم .3529 1
)( البخاري في الرقاق رقم .6463 2
-137-
فلم يصر على الذنوب ،ومن ظن أن الذنوب لتضر من أصر عليهععا
فهو ضال مخالف للكتاب والسنة ،وإجمععاع السععلف والئمععة ،فمععن
يعمل مثقال ذرة خيرا ً يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا ً يره).(1
كان أبو بكر دائم الذكر لله تعالى شديد التضرع كععثير التععوجه
لله ،لينفك عن الدعاء في كل أحيانه وقد نقععل إلينععا بعععض أدعيتععه
وتضرعاته ومنها:
أ-أسألك تمام النعمة في الشياء كلها ،والشكر لك عليها حتى
ة،
خي َععر ُ
ترضى ،وبعععد الرضععى ،والخيععرة فععي جميععع مععاتكون إليععه ال َ
بجميع ميسور المور كلها ،لبمعسورها ياكريم).(2
ب -وكان يقول في دعائه :اللهم إني أسألك الذي هو خير لي
في عاقبة الخير،اللهم اجعععل آخععر مععاتعطيني مععن الخيععر رضععوانك
. النعيم)(3 والدرجات العل من جنات
جع-وكان يقول في دعائه :اللهم اجعل خير عمري آخره ،وخير
عملي خواتمه ،وخير أيامي يوم ألقاك).(4
د-وكان إذا سمع أحدا ً يمععدحه مععن النععاس يقععول):اللهععم أنععت
أعلم بي من نفسي ،وأنا أعلم بنفسي منهعم ،اللهعم أجعلنعي خيعرا ً
الفصل الثاني
وفاة الرسول ،وسقيفة بني سعاعدة ،وجيعش
أسامة
المبحث الول
-139-
وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة
أو ً
ل :وفاة الرسول:
إن الرواح الشفافة الصافية لتدرك بعض مايكون مخبوءا ً وراء
حجععب الغيععب بقععدرة اللععه تعععالى ،والقلععوب الطععاهرة المطمئنععة
دث صاحبها بما عسى أن يحدث له فيما يسععتقبل مععن الزمععان،
لتح ّ
والعقول الذكيععة المسععتنيرة بنععور اليمععان لتععدرك مععاوراء اللفععاظ
من هذه الصفات والحداث من إشارات وتلميحات ولنبينا محمد ε
يطععاول)(1 الحظ الوفر ،وهو منها بالمحل الرفع الذي ليسامى ول
ولقد جاءت بعض اليات القرآنية مؤكدة على حقيقة بشععرية النععبي
،εوأنه كغيره من البشر سوف يذوق الموت ويعاني سكراته كمععا
مععن بعععض اليععاتذاقه من قبل إخوانه مععن النبيععاء ولقععد فهععم ε
اقتراب أجله ،وقد أشار εفي طائفة من الحاديث الصععحيحة إلععى
اقتراب وفاته ،منها ماهو صريح الدللة على الوفععاة ومنهععا مععاليس
كذلك ،حيث لم يشعر ذلك منها إل الحاد من كبار الصععحابة الجلء
كأبي بكر والعباس ومعاذ رضي الله عنهم).(2
-1مرض رسول الله وبدء الشكوى:
مععن حجععة الععوداع فععي ذي الحجععة ،فأقععام رجع رسول الله ε
-141-
يبقى من مبشرات النبععوة إل الرؤيععا) ،(1وأوصععى بالنصععار خيععرا ً)،(2
في أيام مرضه فقال :إن الله خّير عبدا ً بين العدنيا وبيعن وخطب ε
ماعند الله فاختار ذلك العبد ماعند الله .فبكععى أبععو بكععر فقععال أبععو
عن عبد خيععر، سعيد الخدري :τفعجبنا لبكائه أن يخبر الرسول ε
فكان رسول الله εهو المخّير وكان أبو بكر أعلمنععا فقععال رسععول
ي في صحبته وماله أبععو بكععر ،ولععو كنععت
ن الناس عل ّ الله :εإن أ َ
م ّ
متخذا ً خليل ً غير ربي لتخذت أبا بكر ولكن أخععوة السععلم ومععودته،
سد ّ إل باب أبي بكر).(3
ليبقين في المسجد باب إل ُ
فهم الرمز الذي أشععار قال الحافظ ابن حجر :وكأن أبا بكر τ
به النبي εمن قرينة ذكره ذلك في مرض موته فاستشعر منه أنه
أراد نفسه فلذلك بكععى) ( ولمععا اشععتد المععرض بععالنبي εوحضععرته
4
-143-
واشتدت سكرات الموت بالنبي ،εودخل عليه أسامة بن زيد
وقد صمت فل يقدر على الكلم ،فجعل يرفع يديه إلى السععماء ثععم
يضعها على أسامة ،فعرف أنه يععدعو لععه ،وأخععذت السععيدة عائشععة
رسول الله وأوسدته إلى صعدرها بيعن سعحرها) ،(1ونحرهععا ،فعدخل
عبدالرحمن بن أبي بكر وبيده سواك ،فجعل رسول الله ينظر إليه،
فقالت عائشة :آخذه لك ،فأشار برأسه نعم ،فأخذته من أخيهععا ثععم
مضغته ولينته وناولته إياه فاسععتاك بععه كأحسععن مععايكون السععتياك
وكل ذلك وهو لينفك عن قععوله :فععي الرفيععق العلععى) ( ،وكععان ε
2
بجانبه ركوة ماء أو علبة فيها ماء ،فيمسح بها وجهه ويقععول :ل إلععه
إل الله ..إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق
كععان العلى ..حتى قبض ومععالت يععده) ( ،وفععي لفععظ أن النععبي ε
3
عند يهودي بثلثين صاعا ً من شعير) ،(3وكععان ذلععك يععوم الثنيععن 12
ربيع الول سععنة 11هعع للهجععرة بعععد الععزوال) ،(4ولععه ثلث وسععتون
سنة) ،(5وكان أشد اليام سوادا ً ووحشة ومصععابا ً علععى المسععلمين،
ومحنة كبرى للبشرية ،كما كان يوم ولدته أسعععد يععوم طلعععت فيععه
الشمس) ( ،يقول أنس :τكان اليوم الذي قدم فيه رسول الله ε 6
المدينة أضاء منها كل شيء ،فلما كان الذي مات فيععه أظلععم منهععا
وبكت أم أيمن فقيل لهععا مايبكيعك علعى النععبي قععالت: شيء)(7 كل
إني قد علمت أن رسول اللععه εسععيموت ولكععن إنمععا أبكععي علععى
الوحي الذي رفع عنا).(8
-145-
ثانيًا :هول الفاجعة وموقف أبي بكر منها:
اضععطرب قععال ابععن رجععب :ولمععا تععوفي رسععول اللععه ε
المسلمون ،فمنهم من ُدهش فخولط ومنهم معن أقععد فلععم ُيطعق
القيام ،ومنهم من أعُتقل لسانه فلم يطق الكلم ،ومنهم مععن أنكععر
موته بالكلية).(1
قال القرطبي مبينا ً عظم هعذه المصعيبة ومعاترتب عليهعا معن
أمور :من أعظم المصائب المصيبة في الدين ..قععال رسععول اللععه
:εإذا أصععاب أحععدكم مصععيبة فليععذكر مصععابه بععي فإنهععا أعظععم
المصائب) ،(2وصدق رسول الله ،εلن المصيبة به أعظم من كععل
مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلععى يععوم القيامععة ،انقطععع الععوحي،
وماتت النبوة ،وكان أول ظهعور الشعر بارتعداد الععرب وغيعر ذلعك،
وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه).(3
عظمععت بعه وقععال ابعن اسعحاق :ولمععا تعوفي رسععول اللعه ε
مصيبة المسلمين ،فكععانت عائشععة فيمععا بلغنععي تقععول :لمععا تععوفي
ارتععدت العععرب ،واشععرأبت اليهوديععة ،والنصععرانية ونجععم النععبي ε
النفاق ،وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشععاتية لفقععد
نبيهم).(4
وقال القاضي أبععو بكععر بععن العربععي ... :واضععطربت الحععال ..
فكان موت النععبي εقاصععمة الظهععر ،ومصععيبة العمععر ،فأمععا علععي
لطائف المعارف ،ص .114 )( 1
السلسلة الصحيحة لللباني رقم .1106 )( 2
تفسير القرطبي ).(2/176 )( 3
ابن هشام ).(4/323 )( 4
146
فاستخفى في بيت فاطمة ،وأما عثمان فسكت ،وأما عمعر فعأهجر
وقال :مامععات رسععول اللععه وإنمععا واعععده ربععه كمععا واعععد موسععى،
وليرجعن رسول الله ،فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم) (1ولمععا سععمع
سععنح ،حععتى نععزل،
أبو بكر الخبر أقبل علععى فععرس مععن مسععكنه بال ّ
فدخل المسجد ،فلم يكّلم الناس ،حتى دخععل علععى عائشععة فععتي ّ
مم
ب مغ ّ
شى بثوب حبرة ،فكشف عن وجهه ،ثم أك ّ وهو ُ رسول الله ε
عليه فقبله وبكى ،ثم قال :بأبي أنت وأمي ،والله ليجمع الله عليك
موتتين ،أما الموتة التي عليك فقد متهععا) ،(2وخععرج أبععو بكععر وعمععر
يتكلم فقال :اجلععس يععاعمر ،وهععو ماضععي فععي كلمععه ،وفععي ثععورة
غضبه ،فقام أبو بكعر فعي النعاس خطيبعا ً بععد أن حمعد اللعه وأثنعى
عليه:
أما بعد :فإن من كان يعبد محمد فإن محمدا ً قععد مععات ،ومععن
مد ٌح ّم َما ُ كان يعبد الله فإن الله حي ليموت ،ثم تل هذه الية} :وَ َ
لت أ َوْ قُت ِع َمععا َ
ن َ
خل َت معن قَبل ِعه الرسع ُ َ
ل أ ف َ عإ ِ ْ ل قَد ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ّ ُ سو ٌ ِإل َر ُ
ض عّرن يَ ُ قب َي ْعهِ فَل َع ْب ع َل َععى ع َ ِ
قل ِ ْ
ن ي َن ْ َ
م ْ
م وَ َ م ع ََلى أ َع ْ َ
قاب ِك ُ ْ قل َب ْت ُ ْ
ان ْ َ
ن{ )سورة آل عمععران ،آيععة:
ري َ
شاك ِ ِ زي الل ّ ُ
ه ال ّ ج ِ شي ًْئا وَ َ
سي َ ْ الل ّ َ
ه َ
.(144فنشج الناس يبكون).(3
قال عمر :فععوالله معا إن سععمعت أبععا بكععر تلهععا فهععويت إلععى
-147-
قععال مععات)(1 الرض ماتحملني قدماي ،وعلمت أن رسول الله قععد
القرطبي :هذه الية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته ،فععإن
دهما ثبععوت القلععب عنععد حلععول المصععائب،
الشععجاعة والجععرأة ح ع ّ
فظهرت شجاعته وعلمععه ،قععال ولمصيبة أعظم من موت النبي ε
النععاس :لععم يمععت رسععول اللععه εمنهععم عمععر ،وخععرس عثمععان،
واستخفى علي ،واضطرب المر ،فكشفه الصديق بهذه اليععة حيععن
سنح).(2
قدومه من مسكنه بال ّ
وبهذه الكلمات القلئل ،واستشععهاد الصععديق بععالقرآن الكريععم
خرج النععاس مععن ذهععولهم وحيرتهععم ورجعععوا إلععى الفهععم الصععحيح
رجوعا ً جمي ً
ل ،فالله هو الحي وحده الذي ليموت ،وأنه وحده الععذي
يستحق العبادة ،وأن السلم باق بعد مععوت محمععد ،(3)εكمععا جععاء
في رواية من قول الصديق :إن دين الله قائم ،وإن كلمة الله تامععة
وإن الله ناصر من نصره ،ومعز دينه ،وإن كتاب اللععه بيععن اظهرنععا،
وفيه حلل اللععه وحرامععه، وهو النور والشفاء وبه هدا الله محمد ε
واللععه لنبععالي مععن أجلععب علينععا مععن خلععق اللععه ،إن سععيوف اللععه
ن مععن خالفنععا كمععا جاهععدنا مععع
لمسلولة ماوضعناها بعععد ،ولنجاهععد ّ
رسول الله فل يبغين أحد إل على نفسه).(4
-149-
لترشععيح مععن يتععولى الخلفععة)،(1 مجتمعون مع أبي بكر الصععديق τ
قال المهاجرون لبعضهم :انطلقوا بنا إلى إخواننا من النصار ،فععإن
لهم في هذا الحق نصيبا ً) ،(2قال عمععر :τفانطلقنععا نريععدهم ،فلمععا
دنونا منهم لقينا منهم رجلن صالحان ،فععذكر ماتمععال عليععه القععوم.
فقال :أين تريدون يامعشر المهاجرين؟ قلنا :نريد إخواننا هؤلء من
النصار ،فقال :لعليكم أن لتقربوهم ،اقضوا أمركم .فقلعت :واللعه
لنأتيّنهم) ،(3فانطلقنا حتى أتينععاهم فععي سععقيفة بنععي سععاعدة ،فععإذا
م ُ
ل بين ظهرانيهم ،فقلت :من هذا؟ فقالوا :هععذا سعععد بععن رجل مز ّ
عك .فلما جلسنا قليل ً تشّهد خطيبهم
عبادة ،فقلت :ماله؟ قالواُ :يو َ
فأثنى على الله بما هو أهله ،ثم قععال :أمععا بعععد فنحععن أنصععار اللععه
وكتيبة السلم وأنتم -معشر المهاجرين -رهط ،وقد دفت دافة من
قومكم) ،(4فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من
-151-
نحن الوزراء وأنتم المراء).(1
رابعًا :أهم الدروس والعبر والفوائد في هذه الحادثة:
-1الصديق وتعامله مع النفوس وقدرته على القناع:
من رواية المام أحمد يتضح لنا كيف استطاع الصديق أبو بكر
أن يدخل إلى نفوس النصار فيقنعهم بما رآه هو الحق مععن غيععر τ
أن ُيعّرض المسلمين للفتنة ،فأثنى على النصععار ببيععان ماجععاء فععي
فضلهم من الكتاب والسنة ،والثناء علععى المخععالف منهععج إسععلمي
يقصد منه إنصاف المخالف وامتصاص غضبه وانتزاع بواعث الثععرة
والنانية في نفسه ليكون مهّيأ لقبول الحق إذا تععبين لعه ،وقعد كعان
الكثير من المثلة التي تدل على ذلك ثععم توصععل في هدي النبي ε
أبو بكر من ذلك إلى أن فضلهم وإن كان كبيرا ً ليعني أحقيتهم في
قد نص علععى أن المهععاجرين مععن قريععش هععم الخلفة لن النبي ε
دمون في هذا المر) ،(2وقد ذكععر ابععن العربععي المععالكي أن أبععا
المق ّ
بكر استدل على أن أمر الخلفة في قريش بوصية رسععول اللععه ε
بالنصار خيرًا ،وأن يقبلوا من محسنهم ويتجاوزا عن مسيئهم ،احتج
ماكم
به أبو بكر على النصار قوله :إن الله سمانا )الصععادقين( وس ع ّ
ن ن ال ّ ِ
ذي َ ري َج ِ مَها ِقَراِء ال ْ ُ)المفلحين( إشارة إلى قوله تعالى} :ل ِل ْفُ َ
َ أُ ْ
ن الل ّعهِ مع َض عل ً ِ ن فَ ْ م ي َب ْت َغُععو َوال ِهِ ْ
مع َ
م وَأ ْن ِديععارِه ِ ْ مع ْ جععوا ِ خرِ ُ
مهععععع ُ ك ُه ُأول َئ ِ َسعععععول َ ُ ه وََر ُ ن الّلععععع َ صعععععُرو َواًنا وَي َن ْ ُضععععع َ
وَرِ ْ
ن
حّبععو َ ن قَب ْل ِهِ ْ
م يُ ِ م ْ
ن ِ
ما َ
لي َ
داَر َوا ِ
ن ت َب َوُّءوا ال ّ ن`َوال ّ ِ
ذي َ صاد ُِقو َ
ال ّ
)( مسند أحمد )(1/5؛ الخلفة والخلفاء ،البهنساوي ،ص .50 1
)( التاريخ السلمي ).(9/24 2
152
مععا ُأوت ُععوام ّة ِ جع ًحا َ
م َدورِه ِ ْص ُ ن ِفي ُ دو َ ج ُم َول ي َ ِ جَر إ ِل َي ْهِ ْ ها َن َ م ْ َ
ق
ن ُيعو َ مع ْ ة وَ َ صع ٌصا َ
خ َم َ ن ب ِهِع ْ م وَل َوْ َ
كعا َ س هِ ْف ِن ع ََلى أ َن ْ ُ وَي ُؤ ْث ُِرو َ
ن`{ )سععورة الحشععر ،آيععة-8: حو َفل ِ ُ
م ْ م ال ْ ُ ك هُ ُسهِ فَُأول َئ ِ َ ف ِ ح نَ ْ
ش ّ ُ
َ
نذي َ .(9وقد أمركم أن تكونوا معنععا حيثمععا كنععا فقععالَ} :ياأي َّها ال ّع ِ
ن{ )سععورة التوبععة ،آيععة: صاد ِِقي َ معَ ال ّ كوُنوا َ ه وَ ُ قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ َءا َ
.(119إلى غير ذلك من القوال المصيبة والدلة القويععة .فتععذكرت
النصار ذلك وانقععادت إليععه) ،(1وبيععن الصععديق فععي خطععابه أن مععن
مؤهلت القوم الذين يرشحون للخلفة أن يكونوا ممععن يععدين لهععم
العرب بالسيادة وتستقر بهم المور ،حتى لتحععدث الفتععن فيمععا إذا
تولى غيرهم ،وأبان أن الععرب ليعععترفون بالسععيادة إل للمسععلمين
منهم ولما استقر في اذهان الععرب معن من قريش لكون النبي ε
تعظيمهم واحترامهم.
وبهذه الكلمات النيرة التي قالها الصععديق اقتنععع النصععار بععأن
يكونوا وزراء ُمعينين وجنودا ً مخلصين كما كانوا فععي عهععد النععبي ε
وبذلك توحد صف المسلمين).(2
-2زهد عمر وأبي بكر رضي الله عنهمععا فععي الخلفععة وحععرص
الجميع على وحدة المة:
دم عمععر وأبععا عبيععدة
م أبو بكر حديثه في السقيفة ق ع ّ
بعد أن ت ّ
للخلفة ،ولكن عمر كره ذلك وقال فيما بعد :فلععم أكععره ممععا قععال
غيرها .كان والله أن أقدم فتضرب عنقععي ليقّربنععي ذلععك مععن إثععم
-153-
مر على قوم فيهم أبو بكر).(1
أحب إلي من أن أتأ ّ
وبهذه القناعة من عمععر بأحقيععة أبععي بكععر بالخلفععة قععال لععه:
أبسط يدك يا أبا بكر ،فبسط يده ،قال :فبايعته وبععايعه المهععاجرون
والنصعار وجعاء فعي روايعة قعال عمعر .. :يامعشعر النصعار ألسعتم
م الناس فععأيكم تطيععب
تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤ ّ
فقالت النصار :نعوذ بععالله أن نتقععدم أبععا نفسه أن يتقدم أبا بكر τ
بكر).(2
وهذا ملحظ مهم وُّفق إليه عمر ،τوقد اهتععم بععذلك النععبي ε
في مرض موته فأصّر على إمامة أبي بكععر ،وهععو مععن بععاب الثععارة
بأنه أحق من غيره بالخلفة وكلم عمععر فععي غايععة الدب والتواضععع
والتجرد من حظ النفس ،ولقد ظهر زهد أبي بكر فععي المععارة فععي
خطبته التي اعتذر فيها من قبول الخلفة حيث قال :واللععه مععاكنت
حريصا ً على المارة يوما ولليلة قط ولكنت فيهععا راغب عا ً ولسععألتها
الله عزوجل في سّر وعلنية ،ولكني أشععفقت مععن الفتنععة ،ومععالي
في المارة من راحة ولكن قلدت أمرا ً عظيما ً مالي بععه مععن طاقععة
وليععد إل بتقويععة اللععه عزوجععل ،ولععوددت أن أقععوى النععاس عليهععا
مكاني).(3
وقد ثبت أنه قال :وددت أني يععوم سععقيفة بنععي سععاعدة كنععت
قذفت المر في عنق أحد الرجلين ،أبي عبيدة أو عمر فكععان أميععر
)( البخاري ،كتاب المحاربين رقم .6830 1
)( مسند أحمد ) (1/21وصحح إسناده أحمد شاكر ) (1/213رقم .133 2
)( المستدرك ) (3/66قال الحاكم :حديث صحيح وأقره الذهبي . 3
154
المؤمنين وكنت وزيرا ً) ،(1وقد تكررت خطب أبي بكر فعي العتعذار
عن تولي الخلفة وطلبه بالتنحي عنها .فقد قال ... :أيها الناس هذا
أمركم إليكم تولوا من أحببتععم علععى ذلععك وأكععون كأحععدكم فأجععابه
الناس رضينا بك قسما ً وحظ عا ً وأنععت ثععاني اثنيععن مععع رسععول اللععه
،(2)εوقد قام باستبراء نفوس المسلمين من أي معارضة لخلفتععه
واستحلفهم على ذلك فقال :أيها الناس أذكر اللععه أيمععا رجععل نععدم
على بيعتي لما قام على رجليه ،فقال علي بن أبععي طععالب ،ومعععه
السيف ،فدنا منه حتى وضع ِرجل ً على عتبة المنععبر والخععرى علععى
دمك رسول الله فمن ذا
الحصى وقال :والله لنقيلك ولنستقيلك ق ّ
يععؤخرك) ،(3ولععم يكععن أبععو بكععر وحععده الزاهععد فععي أمععر الخلفععة
م ذكرها
والمسؤولية بل إنها روح العصر .ومن هذه النصوص التي ت ّ
يمكن القول :إن الحوار الذي دار في سقيفة بنععي سععاعدة ليخععرج
عن هذا التجاه ،بععل يؤكععد حععرص النصععار علععى مسععتقبل الععدعوة
السلمية واستعدادهم المستمر للتضحية في سبيلها ،فما اطمععأنوا
على ذلك حتى استجابوا سراعا ً لبيعععة أبععي بكععر الععذي قبععل البيعععة
لهذه السباب ،وإل فإن نظرة الصحابة مخالفععة لرؤيععة الكععثير ممععا
جاء بعدهم ممن خالفوا المنهج العلمي ،والدراسة الموضوعية ،بععل
كانت دراستهم متناقضععة مععع روح ذلععك العصععر ،وآمععال وتطلعععات
)( النصععار فععي العصععر الراشععدي ،حامععد محمععد الخليفععة ،ص 108؛ تاريععخ الخلفععاء 1
للسيوطي ،ص .91
)( الخلفة الراشدة للعمري ،ص .13 2
)( النصار في العصر الراشدي ،ص .108 3
-155-
أصحاب رسول الله من النصار وغيرهم ،وإذا كان اجتماع السقيفة
أدى إلى انشقاق بين المهععاجرين والنصععار كمععا زعمععه بعضععهم)،(1
فكيععف قبععل النصعار بتلعك النتيجععة وهععم أهعل العديار وأهعل الععدد
والعدة؟ وكيف انقادوا لخلفة أبي بكر ونفروا فععي جيععوش الخلفععة
شرقا ً وغربا ً مجاهععدين لتثععبيت أركانهععا؟ لععو لععم يكونععوا متحمسععين
لنصرتها).(2
فالصواب اتضح من حرص النصار على تنفيذ سياسة الخلفععة
والندفاع لمواجهة المرتدين ،وأنه لم يتخلف أحد مععن النصععار عععن
بيعة أبي بكر فضل ً عن غيرهم من المسلمين وأن أخوة المهاجرين
والنصععار أكععبر مععن تخيلت الععذين سععطروا الخلف بينهععم فععي
المغرضة. رواياتهم)(3
)( انظر :السلم وأصول الحكم ،محمد عمارة ،ص 71الى .74 1
)( النصار في العصر الراشدي ،ص .109 2
)( نفس المصدر ،ص .109 3
156
ظلت كما هي ،بل ازدادت توثقا ً كما يثبت ذلك النقل الصحيح ،ولم
يثبت النقل الصحيح تآمرا ً حدث بيعن أبعي بكعر وعمععر وأبعي عبيععدة
لحتكار الحكم بعد وفاة رسول اللععه .(1)εفهععم كععانوا أخشععى للععه
وأتقى من أن يفعلوا ذلك.
وقد حاول بععض الكت ّععاب مععن المععؤرخين أصعحاب الهععواء أن
منافسعا ً للمهععاجرين يسعععى للخلفععة يجعلوا من سعد بن عبععادة τ
بشره ،ويعدبر لهععا المععؤامرات ،ويسععتعمل فعي الوصععول إليهععا كععل
أساليب التفرقعة بيعن المسعلمين .هعذا الرجعل -إذا راجعنعا تعاريخه
تجعلععه مععن الصععفوة وتتبعنا مسلكه ،وجدنا مواقفه مع الرسععول ε
الخيار ،العذين لعم تكعن العدنيا أكعبر همهعم ،ولمبلعغ علمهعم ،فهعو
النقيب في بيعة العقبة الثانية حتى لجأت قريش إلععى تعقبععه قععرب
مكة وربطوا يديه إلى عنقه وأدخلوه مكة أسععير حععتى أنقععذه منهععم
جبير بن مطعم بن عدي حيث كان يجيرهم فععي المدينععة وهععو مععن
وحظى بمقام أهععل بععدر ومنزلتهععم عنععد اللععه، بدرا ً)(2 الذين شهدوا
وكععان وكان من بيععت جععود وكععرم وشععهد لععه ذلععك رسععول اللععه ε
رسول الله εيعتمد عليه -بعد الله -وعلى سعد بن معععاذ كمععا فععي
غزوة الخندق عندما استشارهم في إعطاء ثلث ثمار المدينة لعيينة
بن حصن الفععزاري ،فكععان رد السعععدين يععدل علععى عمععق اليمععان
وكمععال التضععحية) ،(3فمواقععف سعععد مشععهورة ومعلومععة ،فهععذا
)( استخلف ابوبكر ،جمال عبدالهادي ،ص .50،51،53 1
)( الستيعاب في معرفة الصحاب ).(2/594 2
)( الخلفة والخلفاء الراشدون ،سالم البهنساوي ،ص .48 3
-157-
الصععحابي الجليععل صععاحب الماضععي المجيععد فععي خدمععة السععلم
والصحبة الصادقة لرسول الله ليعقل ولم يثبت أنععه كععان يريععد أن
يحي العصبية الجاهلية في مؤتمر السقيفة لكي يحصععل فععي غمععار
هذه الفرقة على منصب الخلفة ،كما أنه لم يثبت ولم يصح مععاورد
في بعض المراجع من أنه -بعد بيعة أبي بكر -كان ليصلي بصععلتهم
عععن وليفيض في الحج بإفاضتهم) ( كأنما انفصل سعد بن عبادة τ
1
ثم ذكعّر سعععد بععن عبععادة النصار)(3 لسلكت وادي النصار أو شعب
بقول فصل وحجة لترد فقال :ولقد علمت ياسعععد أن رسععول اللععه
قال وأنت قاعد :قريش ولة هذا المر ،فبر النععاس تبععع لععبرهم، ε
وفعاجرهم تبعع لفعاجرهم قعال سععد :صعدقت نحعن العوزراء وأنتعم
المراء) ،(4فتتابع القوم على البيعة وبايع سعد) ،(5وبهذا تثبععت بيعععة
سعد بن عبادة ،وبها يتحقق إجماع النصار على بيعععة الخليفععة أبععي
بكر ،وليعععود أي معنععى للترويععج لروايععة باطلععة ،بععل سععيكون ذلععك
-159-
عمر قال :فلما كان الحباب بن المنذر هو الذي يجيبني لم يكن لي
معه كلم ،لنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله فنهععاني
عنه فحلفت أن لأكلمه كلمة تسؤوه أبدا ً).(1
كما أن مايروى عن الحبععاب فععي هععذه المنازعععة مخععالف لمععا
عهد عنه من حكمة ،ومن حسن تأتيه للمععور ،إذ كععان يلقععب )بععذي
ُ
فعي عهعد رسععول اللعه وذلعك لقبعول مشعورته فعي بعدر العرأي()(2
وخيبر) ،(3وأما قول الحباب بن المنذر :منا أمير ومنكععم أميععر ،فقععد
سوغ ذلك وأوضح أنه ليقصد بععذلك الوصععول إلععى المععارة ،فقععال:
فإنا والله ماننفس عليكم هذا المر ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا
آباءهم وإخوانهم) ،(4فقبل المهاجرون قوله وأقععروا عععذره ولسععيما
أنهم شركاء في دماء من قتل من المشركين).(5
-5حديث الئمة من قريش وموقف النصار منه:
ورد حديث الئمة من قريش في الصععحيحين ،وكتععب الحععديث
الخرى ،بألفاظ متعددة ،ففي صحيح البخاري عن معاوية قال :قال
رسول الله :εإن هذا المر في قريش ليعاديهم أحد إل أكبععه اللععه
وفي صععحيح مسععلم ليععزال الدين)(6 في النار على وجهه ما أقاموا
وعععن عبععدالله بععن عمععر قريععش)(7 السلم عزيزا ً بخلفاء كلهم من
-161-
أوفوا ،وإن حكموا عدلوا ،فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللععه
والملئكة والنععاس أجمعيععن) ،(1وبهععذا حععذرت الحععاديث مععن اتبععاع
قريش إن زاغوا عن الحكم بما أنزل الله فإن لم يمتثلععوا ويطبقععوا
مثل هذه الشروط ،فإنهم سيصععبحون خطععرا ً علععى المععة وحععذرت
الحاديث الشريفة من اتباعهم على غير ما أنزل اللععه ودعععت إلععى
اجتنععابهم والبععد عنهععم واعععتزالهم ،لمععا سععيترتب علعى معؤازرتهم
آنذاك من مخاطر على مصير المة قال :εإن هلك أمتي أو فساد
أمتي رؤوس أغيلمة سفهاء مععن قريععش) ،(2وعنععدما سععئل :εفمععا
تأمرنا قال :εلو أن الناس اعتزلوهم).(3
ومن هذه النصوص تتضح الصورة لمسألة الئمة مععن قريععش،
وأن النصععار انقععادوا لقريععش ضععمن هععذه الضععوابط وعلععى هععذه
السس ،وهذا مععا أكععدوه فععي بيعععاتهم لرسععول اللععه علععى السععمع
والطاعة ،والصبر على الثرة ،وأن لينازعوا المر أهله ،إل أن يععروا
كفرا ً بواحا ً عندهم من الله فيه برهان) ،(4فقعد كعان للنصعار تصعور
تام عن مسألة الخلفة ،وأنها لم تكن مجهولة عنععدهم ،وأن حععديث
الئمعة مععن قريععش كععان يرويععه كععثير منهععم ،وأن الععذين ليعلمععونه
سكتوا عندما رواه لهم أبو بكر الصديق ولهذا لم يراجعععه أحععد مععن
النصار عندما استشهد به ،فععأمر الخلفععة تععم بالتشععاور والحتكععام
سياسيا ً قرشيًا ،كان شائعا ً في ذلك العصر يعكس ثقل قريش فععي
المجتمععع العربععي فععي ذلععك الحيععن ،وعلععى هععذا فععإن نسععبة هععذه
الحاديث إلى أبي بكر وأنهععا شعععار لقريععش ،مععاهي إل صععورة مععن
صورة التشععويه الععتي يتعععرض لهععا تاريععخ العصععر الراشععدي وصععدر
السلم الذي قععام أساسعا ً علععى جهععود المهععاجرين والنصععار ومععن
تبعهععم بإحسععان ،وعلععى روابععط الخععوة المتينععة بيععن المهععاجرين
والنصار حتى قال فيهم أبو بكر نحن والنصار كما قال القائل:
أبو أن يملونا ولو أن أمنا
لملت)(2 تلقي الذين يلقون منا
-6اليات القرآنية التي فيها إشارة إلى خلفة الصديق:
وردت آيات في كتاب الله عزوجل فيهععا الشععارة إلععى أن أبععا
أحق النععاس فععي هععذه المععة بخلفععة سععيد الوليععن بكر الصديق τ
والخرين وتلك اليات هي:
-163-
ن ط اّلعع ِ
ذي َ صَرا َم` ِ قي َ
ست َ ِ ط ال ْ ُ
م ْ صَرا َ أ-قوله تعالى} :اهْد َِنا ال ّ
َ
ن`{ )سععورة ضاّلي َ
م َول ال ّ ب ع َل َي ْهِ ْ
ضو ِمغْ ُ م غ َي ْرِ ال ْ َ
ت ع َل َي ْهِ ْ
م َ
أن ْعَ ْ
فيمععن أمععر اللععه الفاتحععة ،آيععة .(7-6:ووجععه الدللععة أن أبععا بكععر τ
-جلوعل -عبعاده أن يسعألوه أن يهعديهم طريقهعم وأن يسعلك بهعم
سبيلهم وهم الذين أنعم الله عليهم وذكر منهم الصديقين في قوله
ك م عع ال ّعذي َ ُ
من أن ْعَ ع َِ َ ل فَ عأول َئ ِ َ َ َ سو َه َوالّر ُن ي ُط ِِع الل ّ َ م ْ تعالى} :وَ َ
ن
حي َ صعال ِ ِداِء َوال ّ ن َوال ّ
ش عه َ َ قي َ
دي ِ
صع ّ
ن َوال ّن الن ّب ِّييع َ
م َم ِ ه ع َل َي ْهِ ْالل ّ ُ
قععا{ )سععورة النسععاء ،آيععة .(69:وقععد أخععبر ك َرِفي ً ن ُأول َئ ِ َ سع َ ح ُ وَ َ
من الصديقين ،فدل ذلك على أنه واحد المصطفى εأن أبا بكر τ
ممععن طريقهععم هععو منهم بل هو المقدم فيهم ولما كان أبو بكععر τ
الصراط المستقيم فل يبقى أي شك لدى العاقل في أنه أحق خلق
الله في هذه المة بخلفععة المصععطفى .(1)εقععال محمعد بعن عمععر
ن ط ال ّع ِ
ذي َ ص عَرا َم` ِ قي َ
س عت َ ِ
م ْ ط ال ْ ُ ص عَرا َالععرازي :قععوله }:اهْد َِنا ال ّ
َ
ن`{ يععدل ضعاّلي َم َول ال ّ ب ع َل َي ْهِع ْضععو ِ
مغْ ُم غ َي ْعرِ ال ْ َ
ت ع َل َي ْهِ ْ
م َ
أن ْعَ ْ
لنا ذكرنا أن تقدير الية :اهدنا صراط الذين على إمامة أبي بكر τ
أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم اللععه
ك معع اّلعذي َ ُ
ه ع َل َي ِْهع ْ
م م الّلع ُ
ن أن َْعع َ
ِ َ عليهم من هم؟ فقال} :فَأول َئ ِ َ َ َ
ن{ اليععة ولشععك أن رأس الصععديقين قي َدي ِ
صعع ّ
ن َوال ّ
ن الن ّب ِّييعع َ
معع َ
ِ
فكععان معنععى اليععة أن اللععه أمرنععا أن ورئيسهم أبو بكر الصععديق τ
نطلب الهداية التي كان عليها أبععو بكععر الصععديق وسععائر الصععديقين
)( عقيدة أهل السّنة والجماعة في الصحابة ،ناصر حسن الشيخ ).(2/532 1
164
ولو كان أبو بكر ظال ً لما جاز القتداء بععه فثبععت بمععا ذكرنععاه دللععة
هذه الية على إمامة أبي بكر .(1)τ
وقال محمد المين الشنقيطي :يؤخذ من هععذه اليععة الكريمععة
لنععه داخععل فيمععن أمرنععا اللععه فععي صحة إمامة أبي بكر الصديق τ
السبع المثاني والقرآن العظيم
-أعنععي الفاتحععة -بععأن نسععأله أن يهععدينا صععراطهم فععدل علععى أن
صراطهم هععو الصععراط المسععتقيم وذلععك فععي قععوله تعععالى}اهععدنا
الصراط المستقيم صراط الذين أنعمعت عليهعم{ وقعد بيعن العذين
معن أنعم عليهم فععد منهععم الصععديقين وقععد بيععن εأن أبععا بكععر τ
الصديقين فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم الععذين أمرنععا
الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس فععي أن أبععا بكععر
على الصراط المستقيم وإن إمامته حق).(2 الصديق τ
َ
ن
م ع َع ْ من ْك ُع ْن ي َْرت َد ّ ِ م ْ مُنوا َ ن َءا َ ذي َب-قال تعالىَ} :ياأي َّها ال ّ ِ
ه أ َذ ِل ّعةٍ ع َل َععى ْ
حب ّععون َ ُ
م وَي ُ ِ
حب ّهُع ْقعوْم ٍ ي ُ ِ ه بِ َف ي َعأِتي الل ّع ُ ِدين ِهِ فَ َ
سو ْ َ
ل الل ّهِ َول سِبي ِ ن ِفي َ دو َجاه ِ ُن يُ َ ري َ
كافِ ِ عّزةٍ ع ََلى ال ْ َ ن أَ ِ
مِني َ ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
شعاُء َوالّلع ُ
ه ن يَ َ ل الّلعهِ ُيعؤ ِْتيهِ َ
مع ْ ض ُ ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ
ك فَ ْ ن ل َوْ َ
م َ خاُفو َ
يَ َ
م{ )سورة المائدة ،آية.(54: سعٌ ع َِلي ٌ
َوا ِ
هذه الصفات المذكورة في هذه الية الكريمة أول من تنطبق
وجيوشععه مععن الصععحابة الععذين قععاتلوا عليععه أبععو بكععر الصععديق τ
)( تفسير الرازي ).(1/260 1
)( أضواء البيان ).(1/36 2
-165-
المرتدين فقد مدحهم الله بأكمل الصفات ووجععه دللععة اليععة علععى
خلفة الصديق أنه )كان في علم الله سبحانه وتعالى مععايكون بعععد
من ارتداد قوم فوعد سععبحانه -ووعععده صععدق- وفاة رسول الله ε
أنعه يعأتي بقعوم يحبهعم ويحبعونه أذلعة علعى المعؤمنين أععزة علعى
الكافرين يجاهدون في سبيل الله وليخافون لومة لئم ،فلمعا وجعد
ماكان في علمه من ارتداد مععن ارتععد بعععد وفععاة رسععول اللععه وجععد
بقتالهم فجاهد بمن أطععاعه تصديق وعده بقيام أبي بكر الصديق τ
من الصحابة من عصاه من العراب ،ولم يخف في الله لومععة لئم
حتى ظهععر الحععق وزهععق الباطععل وصععار تصععديق وعععده بعععد وفععاة
آية للعالمين ودللة على صحة خلفة الصديق .(1)τ رسوله ε
هجع ُخَر َ ه إ ِذ ْ أ َ ْ
ص عَره ُ الل ّع ُ صُروه ُ فَ َ
قد ْ ن َ َ جع-قال تعالى} :إ ِل ّ ت َن ْ ُ
حب ِهِ
صععا ِ ل لِ َ قععو ُ ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ ن إ ِذ ْ هُ َ ي اث ْن َي ْ ِ
فُروا َثان ِ َن كَ َ
ذي َال ّ ِ
جُنودٍ
َ
ه ع َل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ كين َت َ ُ
س ِه َ ل الل ّ ُمعََنا فَأ َن َْز َ ه َن الل ّ َ
ن إِ ّحَز ْ
ل تَ ْ
ة الل ّعهِ فَلى وَك َل ِ َ
مع ُ سع ْ ن كَ َ
ف عُروا ال ّ ذي َة ال ّع ِ ل ك َل ِ َ
م َ جعَ َ ها وَ َ م ت ََروْ َلَ ْ
م{ )سورة التوبة ،آية.(40: كي ٌح ِزيٌز َ ه عَ ِ ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ
هِ َ
قال أبو عبدالله القرطبي :قال بعض العلماء في قوله تععالى:
}ثاني اثنين إذ هما في الغار{ مايدل على أن الخليفة بعد النبي ε
أبو بكر الصديق τلن الخليفة ليكون أبدا ً إل ثانيا ً وسمعت شععيخنا
أبا العباس أحمد بن عمر يقول :إنما اسععتحق أن يقععال ثععاني اثنيععن
لقيامه بعد النبي εبالمر كقيام النبي εبه أوًل ،وذلك أن النبي ε
)( العتقاد للبيهقي ،ص .174 -173 1
166
لمععا مععات ارتععدت العععرب كلهععا ولععم يبقععى السععلم إل بالمدينععة
وجواثا) ،(1فقام أبو بكر يععدعو النععاس إلععى السععلم ويقععاتلهم علععى
فاسععتحق معن هعذه الجهعة أن الدخول في الدين كما فعل النبي ε
يقال في حقه ثاني اثنين).(2
ن
ري َ ج ِ ن ال ْ ُ
مهَععا ِ مع َن ِ ن ال َوّل ُععو َقو َ سععاب ِ ُ ح -قال تعععالى َ} :وال ّ
َ
ضععوا م وََر ُ ه ع َن ْهُ ْي الل ّ ُ
ض َ ن َر ِ سا ٍح َ م ب ِإ ِ ْن ات ّب َُعوهُ ْ صارِ َوال ّ ِ
ذي َ َوالن ْ َ
َ حت ََها ال َن َْهاُر َ َ
دا
ن ِفيهَععا أب َع ً دي َ خاِلع ِ ري ت َ ْ ج ِت تَ ْ
جّنا ٍ م َ ه وَأع َد ّ ل َهُ ْ ع َن ْ ُ
م{ )سورة التوبة ،آية (100:الية ووجععه دللععة ظي ُفوُْز ال ْعَ ِ ك ال ْ َ ذ َل ِ َ
أن الهجععرة فعععل الية على أحقية الصععديق بالمامععة بعععد النععبي ε
شاق على النفس ومخالف للطبع فمن أقدم عليععه أول ً صععار قععدوة
لغيره في هذه الطاعة وكان ذلك مقويا ً لقلب الرسول عليه الصلة
والسلم وسببا ً لععزوال الوحشععة عععن خععاطره وكععذلك السععبق فععي
النصرة فإن الرسول عليه الصلة والسلم لما قدم المدينة فلشك
أن الذين سبقوا إلى النصععرة والخدمععة فععازوا بمنصععب عظيععم وإذا
ثبت هذا فإن أسبق الناس إلى الهجرة أبو بكر الصععديق فععإنه كععان
في خدمة المصطفى عليه الصلة والسلم وكععان مصععاحبا ً لععه فععي
كل مسكن وموضع فكان نصيبه من هذا المنصب أعلى من نصععيب
غيره وإذا ثبت هذا صار محكوما ً عليه بأنه رضعي اللعه عنعه ورضعي
هو عن الله وذلك في أعلى الععدرجات مععن الفضععل ،وإذا ثبععت هععذا
-167-
فصارت هذه الية مععن وجب أن يكون إماما ً حقا ً بعد رسول الله ε
أدل الدلئل على فضل أبععي بكععر وعمععر رضععي اللععه عنهمععا وعلععى
صحة إمامتهما).(1
مل ُععوام وَع َ ِ من ْك ُع ْ من ُععوا ِ ن َءا َ ذي َ ه ال ّع ِ خ -قال تعالى} :وَع َد َ الل ّ ُ
ف ال ّ ِ خل َ َ َ
نم ْن ِ ذي َ ست َ ْ
ما ا ْ ض كَ َ م ِفي الْر ِ فن ّهُ ْخل ِ َ
ست َ ْت ل َي َ ْ حا ِ صال ِ َال ّ
ن مع ْ م ِم وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْضى ل َهُ ْ ذي اْرت َ َ م ال ّ ِ م ِدين َهُ ُ ن ل َهُ ْمك ّن َ ّ م وَل َي ُ َ قَب ْل ِهِ ْ
ن كَ َ شرِ ُ خوفه َ
ف عَر مع ْ ش عي ًْئا وَ َ ن ِبي َ كو َ دون َِني ل ي ُ ْ مًنا ي َعْب ُ ُ مأ ْ ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ
ن{ )سورة النور ،آية.(55: قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ك هُ ُ ك فَُأول َئ ِ َ ب َعْد َ ذ َل ِ َ
وعلى خلفععة الثلثععة هذه الية منطبقة على خلفة الصديق τ
بعده فلما وجدت هذه الصفة من الستخلف والتمكين في أمر أبي
بكر وعمر وعثمان وعلي دل ذلك على أن خلفتهععم حععق) ،(2وقععال
الحافظ بن كثير :وقال بعض السلف خلفة أبي بكععر وعمععر رضععي
الله عنهما حق في كتاب الله ثم تل هذه الية).(3
َ خل ّ ِ
نسعت ُد ْع َوْ َ ب َ ن الع ْعَرا ِ مع َ ن ِ فيع َ م َل ل ِل ْ ُ
د-قال تعالى} :قُع ْ
قععات ُِلونه َ ْ ُ َ
ن ن ف َ عإ ِ ْمو َ س عل ِ ُ
م أوْ ي ُ ْ َُ ْ ديد ٍ ت ُ َ شع ِ س َ إ ِلى قَعوْم ٍ أول ِععي ب َعأ ٍ
تطيعوا يؤ ْت ِك ُم الل ّ َ
ن
مع ْ م ِ مععا ت َعوَل ّي ْت ُ ْ وا ك َ َ ن ت َت َوَل ّ ْ
سًنا وَإ ِ ْ ح َ جًرا َ هأ ْ ُ ُ ُ ُ ِ ُ
َ
مععا{ )سععورة الفتععح ،آيععة (16:قععال أبععو ذاًبا أِلي ً م ع َع َل ي ُعَعذ ّب ْك ُ ْقَب ْ ُ
الحسن الشعري رحمه الله تعالى):وقد دل علععى إمامععة أبععي بكععر
في سععورة بععراءة فقععال للقاعععدين عععن نصععرة نععبيه عليععه السععلم
)( تفسير الرازي ).(169 -16/168 1
)( تفسير القرآن العظيم لبن كثير ).(5/121 2
)( نفس المصدر ).(5/121 3
168
ة
فع ٍ ه إ ِل َععى َ
طائ ِ َ ك الل ّع ُ جعَع َ ن َر َ والمتخلفين عن الخروج معه } :فَإ ِ ْ
ندا وَل َع ْ
َ
ي أب َع ً
معِ َ
جوا َ خُر ُ
ن تَ ْل لَ ْ ق ْ ج فَ ُ خُرو ِ ك ل ِل ْ ُست َأ ْذ َُنو َ
م َفا ْ من ْهُ ِْ
دوامععّرةٍ َفاقُْععع ُ ل َ قُعود ِ أ َوّ َم ِبال ْ ُ ضيت ُ ْم َر ِ ي ع َد ُّوا إ ِن ّك ُ ْمعِ َ قات ُِلوا َ تُ َ
ن{ )سورة التوبة ،آية .(83:وقال فععي سععورة أخععرى: في َ م ع َ ال ْ َ
خال ِ ِ َ
م ها ذ َُروَنا ن َت ّب ِعْ ُ
كعع ْ ذو َ م ل ِت َأ ْ ُ
خ ُ م إ َِلى َ
مَغان ِ َ ذا ان ْط َل َ ْ
قت ُ ْ ن إِ َ
فو َخل ّ ُ
م َل ال ْ ُ
قو ُ } َ
سي َ ُ
يريدو َ
يمعِ َجوا َ خُر ُ ن تَ ْكلَم الل ِّه{ يعني الى قوله} :ل َ ْ ن ي ُب َد ُّلوا َ
نأ ْ ُ ِ ُ َ
َ
ن بَ ْ
ل قوُلو َ ل فَ َ
سي َ ُ ن قَب ْ ُ
م ْ ل الل ّ ُ
ه ِ م َقا َدا{ ثم قال الله تعالى }ك َذ َل ِك ُ ْ أب َ ً
لن ِإل قَِليل{ وقععال تعععالىُ} :قعع ْ قُهععو َ ف َ ل َ
كععاُنوا ل ي َ ْ دون ََنا َبعع ْ
سعع ُ
ح ُ تَ ْ
ْ ُ س عت ُد ْعَوْ َ َ َ
ديدٍ شع ِس َ ن إ ِلععى قَ عوْم ٍ أول ِععي ب َعأ ٍ ب َ
ن العْ عَرا ِ
مع َ
ن ِ خل ّ ِ
في ع َ م َ ل ِل ْ ُ
ن قععات ُِلونهم أ َو يس عل ِمون فَعإن تطيعععوا ي عؤْت ِك ُم الل ّع َ
س عًنا وَإ ِ ْ
ح َج عًرا َ
هأ ْ ُ ُ ُ ِ ْ ُ ِ ُ َُ ْ ْ ُ ْ ُ َ تُ َ
وا{ -يعني تعرضوا عن إجابععة الععداعي لكععم الععى قتععالكم -كمععا ت َت َوَل ّ ْ
ل يعذ ّبك ُم عَ َ َ
ما{ )سورة الفتح ،آيتان:
ذاًبا أِلي ً ن قَب ْ ُ ُ َ ْ ْ
م ْ }ت َوَل ّي ْت ُ ْ
م ِ
قععال اللععه -عزوجععل- .(15-16والداعي لهم إلى ذلك غير النبي ε
َ
ي عَد ُّوا{ وقععال فععي قات ُِلوا َ
معِ َ دا وَل َ ْ
ن تُ َ ي أب َ ًمعِ َ
جوا َ
خُر ُ ل لَ ْ
ن تَ ْ له }فَ ُ
ق ْ
سورة الفتح} :يريدو َ
ه{ فمنعهععم عععن الخععروج م الل ّ ِ كل َن ي ُب َد ُّلوا َنأ ُْ ِ ُ َ
مع نبيه عليه السلم وجعل خروجهم معه تبديل ً لكلمه فوجب بذلك
أن الداعي الذي يدعوهم إلععى القتععال داع يععدعوهم بععد نععبيه ،(1)ε
ديد{ .هم فارس والروم ْ ُ
ش ِ وقد قال مجاهد في قوله} :أوِلي ب َأ ٍ
س َ
وبه قال الحسن البصري .قال عطاء :هم فععارس وهععو أحععد قععولي
ابن عباس ،τوفي رواية أخرى عنه أنهم بنععو حنيفععة يععوم اليمامععة
)( البانة عن أصول الديانة ،ص 67؛ مقالت السلميين ) .(2/144 1
-169-
فإن كانوا أهل اليمامة فقد قوتلوا في أيام أبي بكععر :وهععو الععداعي
إلى قتال مسيلمة وبني حنيفعة معن أهعل اليمامعة ،وإن كعانوا أهعل
فارس والروم) ،(1فقد قوتلوا في أيام أبي بكععر وقععاتلهم عمععر مععن
بعده وفرغ منهم وإذا وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أبي بكععر كمععا
وجبت إمامة عمر لنه العاقد له المامة فقد دل القرآن على إمامة
الصديق والفاروق رضي الله عنهما ،وإذا وجبت إمامة أبي بكر بعععد
وجب أنه أفضل المسلمين .(2)τ رسول الله ε
ن
معع ْجوا ِ خرِ ُ ن أُ ْذي َن ال ّ ِ
ري َ
ج ِ
مَها ِقَراِء ال ْ ُ هع -قال تعالى} :ل ِل ْ ُ
ف َ
َ
نصعُرو َ
واًنا وَي َن ْ ُ
ض َن الل ّهِ وَرِ ْ
م َضل ً ِ ن فَ ْم ي َب ْت َُغو َ وال ِهِ ْم َم وَأ ِْديارِه ِ ْ
ن{ )سورة الحشر ،الية.(8 : صاد ُِقو َ م ال ّ ك هُ ُ ه ُأول َئ ِ َسول َ ُ ه وََر ُ الل ّ َ
أن الله عز وجععل سععماهم وجه دللة هذه الية على خلفته τ
)صادقين( ومن شهد له الرب -جل وعل -بالصدق فععإنه ليقععع فععي
الكذب ول يتخذه خلقا ً بحال وقد أطبق هؤلء الموصوفون بالصععدق
ومععن هنععا كععانت على تسمية الصديق ) τخليفة رسول اللععه() ( ε
3
-171-
الدلو من يدي ليروحني فنزع الدلوين وفي نزعه ضعف والله يغفععر
له فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نععزع رجععل قععط أقععوى منععه
حتى تولى الناس والحوض ملن يتفجر).(1
قال الشافعي رحمه الله :رؤيا النبياء وحي وقوله :وفي نزعه
ضعف قصر مدته وعجلعة معوته وشععله بعالحرب لهعل العردة ععن
الفتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته).(2
ث -قالت عائشة :قال لي رسول الله εفي مرضععه) :ادعععي
لي أبابكر ،وأخاك حععتى أكتععب كتاب عا ً فععإني أخععاف أن يتمععى متمععن
ويقول قائل :أنا أولى .ويأبى الله والمؤمنون إل أبابكر().(3
حيععث دل هذا الحديث دللععة واضععحة علععى فضععل الصععديق τ
أخبر النبي εبما سيقع في المستقبل بعد التحاقه بالرفيق العلععى
وأن المسلمين يأبون عقد الخلفة لغيععره τوفععي الحععديث إشععارة
أنه سيحصل نزاع ووقع كل ذلك كما أخبر عليه الصلة والسلم ثععم
اجتمعوا على أبي بكر .(4)τ
ج -عن عبيد الله بن عبدالله قال :دخلت علععى عائشععة فقلععت
لها :أل تحديثيني عن مرض رسول الله εقالت :بلى ثقل النععبي ε
فقال :أصلى بالناس .قلنا :ل وهم ينتظرونععك يارسععول اللععه .قععال:
-173-
هذا الحديث اشتمل على فوائد عظيمة منها :فضيلة أبعي بكععر
وترجيحععه علععى جميععع الصععحابة رضععوان اللععه عليهععم الصععديق τ
مععن أجمعين وتفضيله ،وتنبيه على أنه أحق بخلفععة رسععول اللععه ε
غيععره ومنهععا أن المععام إذا عععرض لععه عععذر عععن حضععور الجماعععة
استخلف من يصلي بهم وأنه ل يستخلف إل أفضلهم ،ومنها فضععيلة
لم يعدل الى غيره).(1 عمر بعد أبي بكر τلن أبابكر τ
د -قال عبدالله بن مسعود :τلما قبض رسول اللععه εقععالت
النصار:منا أمير ومنكم أمير قال :فأتاهم عمععر τفقععال :يامعشععر
النصار ،ألستم تعلمون أن رسول الله εقد أمر أبابكر يؤم الناس
فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبابكر τفقالت النصععار :نعععوذ بععالله
أن نتقدم أبابكر).(2
هع -روى ابن سعد بإسناده الى الحسن قععال :قععال علععي :لمععا
قد قدم أبععابكر فععي قبض النبي εنظرنا في أمرنا فوجدنا النبي ε
لععديننا فقععدمنا الصععلة فرضععينا لععدنيانا مععن رضععي رسععول اللععه ε
أبابكر).(3
لبي وقد علق أبو الحسن الشعري على تقديم رسول الله ε
بكر في الصلة فقال :وتقديمه له أمر معلععوم بالضععرورة مععن ديععن
السلم قال :وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما
ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلمععاء :أن رسععول اللععه ε
)( شرح النووي ).(4/137 1
)( المستدرك ).(3/67 2
)( الطبقات لبن سعد ).(3/183 3
174
قال :يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كععانوا فععي القععراءة سععواء
فأعلمهم بالسّنة ،فإن كانوا في السّنة سععواء فععأكبرهم سععنًا ،فععإن
كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلمًا( -قال ابن كثير -وهععذا مععن
كلم الشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بمععاء العذهب ثععم قعد
وأرضاه).(1 اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق τ
مععن حيععث هذا ولهععل السعّنة قععولن فععي إمامععة أبعي بكععر τ
الشارة إليها بالنص الخفي أو الجلي ،فمنهععم مععن قععال :إن إمامععة
ثابتة بالنص الخفي والشععارة وهععذا القععول ينسععب الععى أبي بكر τ
الحسن البصري رحمه الله تعالى وجماعة من أهل الحديث) ،(2وهو
روايععة عععن المععام أحمععد بععن حنبععل) ،(3رحمععة اللععه عليععه واسععتدل
بسععد أصحاب هذا القول بتقديم النبي εله في الصععلة وبععأمره ε
البواب إل باب أبي بكر ،ومنهععم مععن قععال :إن خلفععة أبععي بكععر τ
ثابتة بالنص الجلي وهذا قول طائفة من أهل الحععديث) ،(4وبععه قععال
أبومحمد بن حزم الظاهري) ،(5واستدل هذا الفريق بحديث المععرأة
التي قال لها :إن لم تجديني فأتي أبابكر) ،(6وبقعوله لعائشعة رضعي
الله عنها :ادعي لي أبابكر وأخاك حتى أكتب كتابا ً فععإني أخععاف أن
-175-
يتمنععى متمععن ويقععول قععائل أنععا أولععى ويععأبى اللععه والمؤمنععون إل
أبابكر) ،(1وحديث رؤيعاه :εأنعه علعى حعوض يسعقى النععاس فجعاء
أبوبكر فنزع الدلو من يده ليروحه().(2
والذي أميل إليه ويظهر لي مععن خلل البحععث :أن المصععطفى
εيأمر المسلمين بأن يكععون الخليفععة عليهععم مععن بعععده أبععابكر τ
وإنما دلهم عليهععا لعلم اللععه سععبحانه وتعععالى لععه بععان المسععلمين
سيختارونه لما له من الفضائل العالية التي ورد بها القرآن والس عّنة
وأرضاه).(3 وفاق بها غيره من جميع المة المحمدية τ
قععال ابععن تيميععة رحمععه اللععه :والتحقيععق أن النععبي εدل
المسلمين على استخلف أبي بكععر وأرشععدهم إليععه بععأمور متعععددة
من أقوله وأفعاله وأخبر بخلفته إخبار رضي بذلك حامد لععه وعععزم
على أن يكتب بذلك عهدا ً ثععم علععم أن المسععلمين يجتمعععون عليععه
فترك الكتاب اكتفاء بذلك ...فلو كان التعيين مما يشتبه على المة
بيان عا ً قاطع عا ً للعععذر ولكععن لمععا دلهععم دللت لععبينه رسععول اللععه ε
متعددة على أن أبابكر هو المتعين وفهموا ذلععك حصععل المقصععورد
ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته الععتي خطبهععا بمحضععر مععن
المهاجرين والنصار :وليس فيكم من تقطع إليه العناق مثععل أبععي
بكر (...الععى أن قععال) :فخلفععة أبععي بكععر الصععديق دلععت النصععوص
لععه بهععا الصععحيحة علععى صععحتها وثبوتهععا ورضععا اللععه ورسععوله ε
)( مسلم ) (4/1857حديث رقم .2387 1
)( مسلم ).(1862 -4/1861 2
)( عقيدة أهل السّنة والجماعة ).(2/548 3
176
وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختيارا ً استندوا فيععه
الععى مععاعملوه مععن تفضععيل اللععه ورسععوله فصععارت ثابتععة بععالنص
والجماع جميعا ً لكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق
وأن الله أمر بها وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من
مجرد العهد بها لنه حينئذ كععان يكععون طريععق ثبوتهععا مجععرد العهععد،
وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهععد ودلععت النصععوص
على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بعذلك كعان ذلعك دليل ً
على أن الصديق كان فيععه معن الفضعائل الععتي بعان بهععا ععن غيععره
ماعلم المسلمون به أنه أحقهم بالخلفة فإن ذلك ليحتاج فيه الععى
عهد خاص).(1
-177-
الله :εكرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة) ،(1وقععد نقععل
جماعة من أهل العلم المعتبرين إجماع الصحابة ومععن جععاء بعععدهم
أولى بالخلفة مععن كععل من أهل السّنة والجماعة على أن أبابكر τ
وهذه بعض أقوال أهل العلم: أحد)(2
-179-
وترعى مصععالحها ،وقععد ارتبطععت نشععأة الخلفععة بحاجععة المععة لهععا
واقتناعها بها ،ومن ثم كععان إسععراع المسععلمين فععي اختيععار خليفععة
لرسول الله ،εيقول المام أبو الحسن المععاوردي :إن اللععه جلععت
قدرته ندب للمة زعيما ً خلف به النبوة وحاط به الملة ،وفوض إليه
السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع ،وتجتمع الكلمة على رأي
متبوع ،فكانت المامة أصل ً عليه استقرت قواعععد الملععة وانتظمععت
به مصالح العامة حتى اسععتثبتت بععه المععور العامععة ،وصععدرت عنععه
الوليات الخاصة).(1
لقد كان على المة السلمية أن تواجه الموقف الصعب الذي
إلى الرفيق العلى ،وأن تحسم أمورهععا نشأ عن انتقال الرسول ε
بسرعة وحكمة وأل تدع مجال ً لنقسام قد يتسرب منه الشععك إلععى
نفوس أفرادها أو للضعف أن يتسلل إلى أركان البناء الععذي شععيده
رسول الله .(2)ε
ولما كانت الخلفة هي نظام حكم المسععلمين فقععد اسععتمدت
أصولها من دستور المسلمين ،من القرآن الكريم ومن سعّنة النععبي
،(3)εوقععد تحععدث الفقهععاء عععن أسععس الخلفععة السععلمية فقععالوا
بالشورى والبيعة وهما أصل ً قد أشير إليهما في القععرآن الكريععم)،(4
ومنصب الخلفة أحيانعا ً يطلعق عليعه لفعظ المامعة أو المعارة وقعد
-181-
قلبه ول في قلب أحد أنه يجوز خلو الرض من إمام( فدل ذلك كله
على أن الصحابة وهم الصدر الول كانوا على بكرة أبيهععم متفقيععن
على أنه لبد من إمام ،فذلك الجماع على هذا الععوجه دليععل قععاطع
على وجوب المام).(1
هذا وليس صحيحا ً مايروجه الحاقدون أن الطمع في الرئاسععة
سبب النشغال بالخلفة عن دفن النبي .(2)ε
هذا وقد عّرف ابن خلدون الخلفعة) :هعي حمعل الكافععة علعى
مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الخروية والدنيوية الراجعععة
إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع الععى اعتبارهععا بمصععالح
الخرة فهي في الحقيقة خلفة عن صاحب الشرع في حراسة هذا
الدين وسياسة الدنيا به().(3
وقد تحدث العلمة ابوالحسن الندوي عن شروط خلفة النبي
ومتطلباتها ،وقد أثبت بالدلة والحجج من خلل سيرة الصديق بععأن
أبابكر كانت شروط خلفة النبي متحققة فيه ونذكر هععذه الشععروط
بإيجاز وبدون ذكر الشواهد التي ذكرها الندوي وقد بينتهععا فععي هععذا
الكتاب متناثرة ،فأهم هذه الشروط:
أ -يمتاز بأنه ظل طول حياته بعد السلم متمتعا ً بثقععة رسععول
به وشهادته له ،واسععتخلفه إيععاه فععي القيععام ببعععض أركععان الله ε
)( الملل والنحل للشهرستاني )(7/83؛ نظام الحكععم ،محمععود الخالععدي ،ص 237الععى 1
.248
)( الخلفة والخلفاء والراشدون ،ص .49 2
)( المقدمة ،ص .191 3
182
الععدين الساسععية ،وفععي مهمععات المععور ،والصععحبة فععي مناسععبات
خطرة دقيقة ليستصحب فيها النسان إل مععن يثععق بععه كععل الثقععة،
ويعتمد عليه كل العتماد.
ب -يمتاز هذا الفرد بالتماسععك والصععمود فععي وجععه العاصععير
والعواصف التي تكاد تعصف بجوهر الععدين ولبععه ،وتحبععط مسععاعي
صاحب رسالته ،وتنخلع لها قلوب كثير ممن قوى إيمععانهم وطععالت
صحبتهم ،ولكن يثبت هذا لفرد في وجهها ثبوت الجبال الراسععيات،
ويمثل دور خلفاء النبياء الصادقين الراسخين ،ويكشف الغطاء عن
العيون ،وينفض الغبار عن جوهرة الدين وعقيدته الصحيحة.
ج -يمتاز هذا الفرد في فهمه الععدقيق السععلم ،ومعايشععته لععه
على اختلف أطواره وألععوانه مععن سععلم وحععرب، في حياة النبي ε
وخوف وأمن ،ووحدة وإجتماع ،وشدة ورخاء.
د -يمتاز بشدة غيرته على أصالة هذا الدين وبقائه على ماكان
عليه في عهد نبّيه ،غيععرة أشععد مععن غيععرة الرجععال علععى العععراض
والكرامات ،والزواج والمهات ،والبنين والبنات ،ليحوله عععن ذلععك
خوف أو طمع أو تأويل أو عدم موافقة معن أقعرب النععاس وأحبهعم
إليه.
س -يكون دقيقا ً كل الدقة وحريصعا ً أشععد الحععرص فععي تنفيععذ
رغبات الرسول الذي يخلفه في أمته بععد وفعاته ،ليحيعد ععن ذلعك
قيد شعرة ،ول يساوم فيه أحدًا ،وليخاف لومة لئم.
-183-
و -يمتاز بالزهد فععي متععاع الععدنيا والتمت ّععع بععه ،زهععدا ً ل ُيت ّ
صععور
فوقه إل عند إمامه وهاديه سيد النبياء عليه الصععلة والسععلم ،وأن
ليخطر بباله تأسيس الملععك والدولععة وتوسععيعهما لصععالح عشععيرته
ووَرَثته ،كما اعتادت ذلك السر الملوكية الحاكمة في أقرب الععدول
والحكومات من جزيرة العرب ،كالروم والفرس).(1
وقد اجتمعت هذه الصفات والشروط كلها في سيدنا أبي بكر
قبل الخلفة ،τكما تمثلت في حياته وسيرته في حياة الرسول ε
وبعد الخلفة الى أن توفاه الله تعالى ،بحيث ليسع منكرا ً أن ينكره
أو مش ّ
ككا يشكك في صحته ،فقد تحقق بطريق البداهة والتواتر).(2
هذا وقد قام أهل الحل والعقد في سقيفة بني سععاعدة ببيعععة
الصديق بيعة ،خاصة ثم رشحوه للنععاس فععي اليععوم الثععاني وبععايعته
المة في المسجد البيعة العامة).(3
وقد افرز مادار في سقيفة بني ساعدة مجموعة من المبععادئ
منها :أن قيادة المة لتقام إل بالختيار ،وأن البيعععة هعي أصعل معن
أصول الختيار وشرعية القيادة ،وأن الخلفة ل يتولهععا إل الصععلب
دينا ً والكفأ إدارة ،فاختيار الخليفة يكععون وفععق مقومععات إسععلمية،
وشخصععية ،وأخلقيععة ،وأن الخلفععة لتععدخل ضععمن مبععدأ الوراثععة
النسبية أو القبليععة ،وإن إثعارة )قريععش( فععي سعقيفة بنععي سععاعدة
)( المرتضى ،سير أبي الحسن علي بن أبي طالب ،ص .65،66 1
)( سيرة ابي الحسن علي بن أبي طالب ،ص .67 2
)( الخلفة والخلفاء الراشدون ،ص .66،67 3
184
باعتباره واقع يجب أخععذه فععي الحسععبان ،ويجععب اعتبععار أي شععيء
مشابه مالم يكن متعارضا ً مع أصول السلم ،وأن الحوار الععذي دار
في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة المن النفسي السائد بيععن
المسلمين حيث لهرج ول مرج ،ول تكذيب ول مععؤامرات ول نقعض
للتفاق ،ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم حيععث المرجعيععة فععي
الحوار الى النصوص الشرعية).(1
وقد استدل الدكتور توفيق الشاوي علععى بعععض المثلععة الععتي
صدرت بالشورى الجماعية في عهد الراشدين من حادثة السععقيفة
حيث قال:
· أول مععاقرره اجتمععاع يععوم السععقيفة هععو أن )نظععام الحكععم
ودستور الدولة( يقرر بالشورى الحرة ،تطبيقا ً لمبدأ الشورى الععذي
نص عليه القرآن ،ولذلك كان هذا المبدأ محععل إجمععاع ،وسععند هععذا
الجمععاع النصععوص القرآنيععة الععتي فرضععت الشععورى ،أي أن هععذا
الجماع كشف وأكد أول أصل شرعي لنظععام الحكععم فععي السععلم
وهو الشورى الملزمة ،وهذا أول مبدأ دستوري تقرر بالجمععاع بعععد
،ثععم إن هععذا الجمععاع لععم يكععن إل تأييععدا ً وتطبيق عا ً وفاة رسولنا ε
لنصوص الكتاب والسّنة التي أوجبت الشورى .
· تقرر يوم السقيفة أيضا ً أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومععة
السلمية وتحديد سلطاته يجب أن يتم بالشورى ،أي البيعة الحععرة
التي تمنحه تفويضا ً ليتولى الولية بالشروط والقيود الععتي يتضععمنها
)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة للشجاع ،ص .256 1
-185-
عقد البيعععة الختياريععة الحععرة -الدسععتور فععي النظععم المعاصععرة،-
وكان هذا ثاني المبادئ الدستورية التي أقرها الجماع ،وكان قرارا ً
)( فقه الشورى والستشارة ،د .توفيق الشاوي ،ص .140 1
)( نفس المصدر ،ص .142 2
186
المبحث الثاني
البيعة العامة ،وإدارة الشؤون الداخلية
أو ً
ل :البيعة العامة:
البيعة الخاصة فععي سععقيفة بنععي بعد أن تمت بيعة أبي بكر τ
ساعدة ،كان لعمر τفي اليوم التالي موقععف فععي تأييععد أبععي بكععر
العامة قال للبيعة)(1 وذلك في اليوم التالي حينما اجتمع المسلمون
أنس بن مالك :لما بويع أبي بكعر فعي السعقيفة وكععان الغعد جلععس
ابوبكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمععدالله وأثنععى
عليه بما هو أهله ،ثم قال :أيها الناس إني كنت قلت لكععم بععالمس
مقالة ماكانت مما وجدتها في كتاب الله ،ول كانت عهدا ً عهده الى
ولكني قد كنت أرى أن رسول الله εسععيدبر أمرنععا رسول الله ε
-يقول يكون آخرنا -وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله
ورسوله ،εفإن عصيتم به هداكم الله لما كان هداه لععه ،وإن اللععه
ثعاني أثنيعن إذ قد جمع أمركم على خيركم صعاحب رسعول اللعه ε
هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبابكر بعد بيعة السقيفة
فتكلم أبوبكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال :أما بعد
)( عصر الخلفاء الراشدين ،د .فتحية النبراوي ،ص .30 1
-187-
أيها الناس فإني قد وليت عليكععم ولسععت بخيركععم ،فععإن أحسععنت
فععأعينوني ،وإن أسععأت فقومععوني ،الصععدق أمانععة والكععذب خيانععة،
والضعيف فيكم قوي عنععدي حعتى أرجعع عليععه حقعه إن شععاء اللعه،
والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ،ليععدع
قععوم الجهععاد فععي سععبيل اللععه إل ضععربهم اللععه بالععذل ،ول تشععيع
مهعم اللعه بعالبلء ،أطيععوني معاأطعت اللعه
الفاحشة في قوم ٍ إل ع ّ
ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فل طاعة لي عليكم ،قوموا الععى
صلتكم يرحمكم الله).(1
وقال عمر لبي بكر يومئذ :اصعد المنععبر ،فلععم يععزل بععه حععتى
صعد المنبر فبايعه الناس عامة).(2
وتعتبر هذه الخطبة الرائعة من عيون الخطب السلمية علععى
إيجازها وقد قرر الصديق فيها قواعد العدل والرحمة فععي التعامععل
بين الحاكم والمحكوم وركز على أن طاعة ولي المر مترتبة علععى
طاعة الله ورسوله ،ونص على الجهاد في سبيل الله لهميتععه فععي
إعععزاز المععة ،وعلععى اجتنععاب الفاحشععة لهميععة ذلععك فععي حمايععة
المجتمع من النهيار والفساد) ،(3من خلل الخطبة والحععداث الععتي
تمت بعد وفععاة الرسععول يمكععن للبععاحث أن يسععتنبط بععض ملمععح
نظام الحكم في بداية عهد الخلفة الراشدة والتي من أهمها:
-1مفهوم البيعة:
على وحدة المة وتماسك بنيانهععا أمععام العععداء فععي داخععل الدولععة
السلمية وخارجها).(5
قال ) :εمن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية()،(6
فهذا الحديث فيه حععث علععى وجععوب إعطععاء البيعععة والتوعععد علععى
تركهععا ،فمععن مععات ولععم يبععايع عععاش علععى الضععلل ومععات علععى
الضلل).(7
المقدمة ،ص .209 )( 1
جامع الصول في أحاديث الرسول ).(1/252 )( 2
نظام الحكم في السلم ،عارف ابوعيد ،ص .248 )( 3
نفس المصدر ،ص .250 )( 4
المصدر السابق ،ص .250 )( 5
مسلم ،كتاب المارة ،رقم .1851 )( 6
نظام الحكم في السلم ،ص .250 )( 7
-189-
وقال رسول اللععه ) :εومععن بععايع إمامعا ً فأعطععاه صععفقة يععده
وثمرة قلبه فيطعه مااستطاع ،فإن جاء آخر ينازعه فاضععربوا عنععق
الخر().(1
فالشارع الحكيم قد رتب القتل وأمر به ،نتيجعة الخعروج علعى
المام مما يدل علععى حرمععة هععذا الفعععل ،لنععه بطلععب بيعععة أخععرى
بالبيعة الولى التي هي فرض على المسلمين).(2
والذي يأخذ البيعة في حاضرة الدولععة هععو الخليفععة .وأمععا فععي
القاليم فقد يأخذها المام ،وقد يأخذها نواب المام ،كما حدث في
بيعة الصديق ،τفأهل مكة والطائف أخذها نواب الخليفة.
والععذي تجععب بيعتهععم للمععام هععم أهععل الحععل والعقععد ،وأهععل
الختيار من علماء المة وقادتهععا ،وأهععل الشععورى وأمععراء المصععار
وأما سائر الناس وعامتهم فيكفيهم دخولهم تحععت بيعععة هععؤلء ،ول
يمنع العامة من البيعة بعد بيعة أهععل الحععل والعقععد) ،(3وهنععاك مععن
العلماء من قال لبد من البيعة العامة لن الصديق لم يباشر مهامه
كخليفة للمسلمين إل بعد البيعة العامة له من المسلمين).(4
م للصعديق ل تعطعي إل
والبيعة بهعذا المعنعى الخعاص العذي تع ّ
للمام العظم في الدولة السلمية ولتعطى لغيره من الشععخاص
سوءا في ظل الدولة السلمية أو عند فقدها ،لما يترتب على هذه
جععا
حَر ً
م َ س عه ِ ْ
ف ِ دوا ِفي أ َن ْ ُ ج ُ م ثُ ّ
م ل يَ ِ جَر ب َي ْن َهُ ْش َ ما َ ك ِفي َ مو َحك ّ ُيُ َ
ما{ )سورة النساء ،الية.(65: سِلي ً
موا ت َ ْ سل ّ ُت وَي ُ َ ما قَ َ
ضي ْ َ م ِّ
فهذا مفهوم البيعة من خلل عصر أبي بكر الصديق .τ
-191-
-2مصدر التشريع في دولة الصديق:
قال أبوبكر :τأطيعوني ماأطعت الله ورسوله ،فععإن عصععيت
الله ورسوله فل طاعة لي عليكم) ،(1فمصدر التشريع عند الصععديق
:
أ -القرآن الكريم:
ن حك ُع َ
م ب َي ْع َ حقّ ل ِت َ ْب ب ِععال ْ َ
ك ال ْك َِتا َ قال تعالى} :إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ
ما{ )سععورة صععي ً خ ِ
ن َ ن ل ِل ْ َ
خععائ ِِني َ ه َول ت َك ُع ْ ك الل ّع ُ مععا أ ََرا َ
س بِ َ
الّنا ِ
النساء ،الية.(105:
فهو المصدر الول الذي يشتمل على جميع الحكام الشععرعية
التي تتعلق بشؤون الحياة ،كمععا يتضععمن مبععادئ أساسععية وأحكامعا ً
-193-
البيعة وتفويض المة له).(1
إن المة في فقه أبي بكععر لهععا إدارة حيععة واعيععة لهععا القععدرة
علععى المناصععرة والمناصععحة والمتابعععة والتقععويم ،فععالواجب علععى
الرعية ُنصرة المام الحاكم بما أنزل الله ومعاضدته ومناصرته فععي
أمور الدين والجهاد ،ومن نصرة المام أل يهان ،ومععن معاضععدته أن
يحترم ،وأن يكّرم فقوامته على المة وقيادته لها لعلء كلمة اللععه،
تستوجب تبجيله وإجلله وإكرامه وتبجيله ،إجلل ً وإكراما ً لشرع الله
الذي ينافع عنه ويدافع عنععه .قععال رسععول اللععه ) : εإن مععن إجلل
الله تعالى :إكرام ذي الشيبة المسلم ،وحامل القرآن غير المغععالي
فيه والجافي عنه ،وإكرام ذي السلطان المقسط() ،(2والمة واجب
عليها أن ُتناصح ولة أمرها قال ) :εالدين النصحية
-ثلثًا (-قال الصحابة :لمن يارسععول اللععه؟ قععال) :للععه -عععز وجععل-
ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم() ،(3ولقد اسععتقر فععي
مفهوم الصحابة أن بقاء المة على الستقامة رهن باستقامة ولتها
ولذلك كان من واجبات الرعيععة تجععاه حكععامهم نصععحهم وتقععويمهم
ولقععد أخععذت الدولععة الحديثععة تلععك السياسععة الععرائدة للصععديق τ
وترجمت ذلك الى لجان متخصصة ومجالس شععورية ،تمععد الحععاكم
بالخطط ،وتزوده بالمعلومات ،وتشير عليه بمععا يحسععن أن يقععرره،
والشيء المحزن أن كثيرا ً مععن الععدول السععلمية تعععرض عععن هععذا
)( فقه الشورى والستشارة ،ص .441 1
)( صحيح سنن ابي داود رقم .3504 2
)( مسلم ،كتاب اليمان ،باب أن الدين نصحية رقم .55 3
194
النظام الحكيععم ،فعظععم مصععيبتها فععي تسععلط الحكععام وجععبروتهم،
والتخلق الذي يعم معظم ديععار المسععلمين مععاهو إل نتيجعة لتسععلط
بغيعععض) ،ودكتاتوريعععة( لعيعععن ،أمعععاتت فعععي المعععة روح التناصعععح
والشجاعة ،وبذرت فيها ،وزرعت بهععا الجبععن والفععزع إل مععن رحععم
ربي ،وأما المة التي تقوم بدورها فععي مراقبععة الحععاكم ومناصععحته
تأخذ بأسباب القوة والتمكين في الرض ،فتنطلق الى آفععاق الععدنيا
تبلغ دعوة الله).(1
-4إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس:
قال أبو بكر :τالضعيف فيكم قععوي عنععدى حعتى أرجعع عليععه
حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء
الله).(2
إن من أهداف الحكم السععلمي الحععرص علععى إقامععة قواعععد
النظام السلمي التي تساهم فععي إقامععة المجتمععع المسععلم ومععن
أهم هذه القواعد ،الشعورى والععدل ،والمسعاواة والحريعات ،ففعي
خطععاب الصععديق للمععة أقعّر هععذه المبععادئ ،فالشععورى تظهععر فععي
طريقة اختياره وبيعته وفي خطبته فععي المسععجد الجععامع ،بمحضععر
من جمهور المسلمين وأما عدالته فتظهر في نص خطععابه ولشععك
أن العدل في فكر أبي بكععر هععو عععدل السععلم الععذي هععو الدعامععة
الرئيسية في إقامة المجتمع السلمي والحكم السععلمي فلوجععود
-195-
للسلم في مجتمع يسوده الظلم وليعرف العدل.
إن إقامة العدل بين الناس أفرادا ً وجماعات ودو ً
ل ،ليست من
المور التطوعية التي تترك لمزاج الحاكم أو المير وهععواه ،بععل إن
إقامععة العععدل بيععن النععاس فععي الععدين السععلمي تعععد مععن أقععدس
قععال العععدل)(1 الواجبات وأهمها ،وقد أجمعععت المععة علععى وجععوب
الفخر الرازي -رحمه الله -أجمعوا على أن مععن كععان حاكمعا ً وجععب
عليه أن يحكم بالعدل).(2
وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسععنة النبويععة .إن مععن
أهداف دولة السلم إقامة المجتمع السلمي الذي تسود فيه قيععم
العدل والمساواة ورفع الظلم ومحععاربته ،بكافععة أشععكاله وأنععواعه،
وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه
أن يصل إليه بأيسر السعبل وأسعرعها دون أن يكلفعه ذلعك جهعد أو
مال وعليها أن تمنع أي وسيلة مععن الوسععائل مععن شععأنها أن تعيععق
صاحب الحق من الوصول إلى حقه.
لقد أوجب السلم على الحكام أن يقيموا العععدل بيععن النععاس
دون النظععر إلععى لغععاتهم أو أوطععانهم أو أحععوالهم الجتماعيععة فهععو
يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ،وليهمعه أن يكعون المحكعوم
لهم أصدقاء أو أعداء ،أغنيععاء أو فقععراء عمععال ً أو أصععحاب عمععل)،(3
ن ل ِل ّعهِ ُ َ
داَء
ش عه َ َ مي َ
وا ِ مُنوا ُ
كوُنوا قَ ع ّ ن َءا َ قال تعالىَ} :ياأي َّها ال ّ ِ
ذي َ
)( فقه التمكين في القرآن الكريم ،ص .455 1
)( تفسير الرازي ).(10/141 2
)( فقه التمكين في القرآن الكريم ،ص .459 3
196
ن قَ عوْم ٍ ع َل َععى أ َل ّ ت َعْعد ُِلوا اع ْعد ُِلواشَنآ ُ م َمن ّك ُ ْ
جرِ َط َول ي َ ْ س ِق ْ ِبال ْ ِ
َ
ن{مل ُععو َمععا ت َعْ َ
خِبي عٌر ب ِ َ
ه َن الل ّع َه إِ ّقوا الل ّ َ
وى َوات ّ ُ ق َ هُوَ أقَْر ُ
ب ِللت ّ ْ
)سورة المائدة ،آية.(8:
قعدوة فعي ععدله يأسععر القلعوب ويبهععر لقعد كععان الصعديق τ
اللباب ،فالعدل في نظره دعوة عمليععة للسععلم فيععه تفتععح قلععوب
الناس لليمان ،لقد عدل بين الناس في العطععاء ،وطلععب منهععم أن
يكونوا عونا ً له في هذا العععدل ،وعععرض القصععاص مععن نفسععه فععي
واقعة تدل على العدل والخوف من الله سععبحانه) ،(1فعععن عبععدالله
قععام يععوم جمعععة بن عمرو بععن العععاص :τأن أبععا بكععر الصععديق τ
فقال :إذا كنا بالغداة فأحضععروا صععدقات البععل نقسععمها ،وليععدخل
علينا أحد إل بإذن ،فقالت امرأة لزوجها خذ هذا الخطععام لعععل اللععه
يرزقنا جم ً
ل ،فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر رضي الله عنهمععا قععد
دخل إلى البل فدخل معهمععا ،فععالتفت أبععو بكععر فقععال :مععا أدخلععك
علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه ،فلمعا فعرغ أبعو بكعر معن قسعم
البل دعا الرجل فأعطاه الخطام وقال :استقد ..فقال عمر :والله
ليستقد ولتجعلها سنة ،قال أبو بكر فمن لي من الله يوم القيامة؟
قال عمععر :أرضععه ،فععأمر أبععو بكععر غلمععه أن يععأتيه براحلععة ورحلهععا
وقطيفة وخمسة دنانير فأرضاه بها).(2
وأما مبدأ المساواة الذي أقره الصديق في بيععانه الععذي ألقععاه
)( تاريخ الدعوة الى السلم في عهد الخلفاء ،ص .410 1
)( نفس المصدر ،ص .411 2
-197-
على المة ،فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها السلم وهععي مععن
المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم وسبق به تشريعات
وقوانين العصر الحاضر ،ومما ورد في القرآن الكريم تأكيععدا ً لمبععدأ
خل َ ْ َ
ن ذ َك َع ٍ
ر م ْم ِقَناك ُ ْ س إ ِّنا َالمساواة قول الله تعالىَ} :ياأي َّها الّنا ُ
ل ل ِتعععارُفوا إ َ ُ
عن ْعد َ
م ِ مك ُع ْ
ن أك َْر َ ِ ّ شُعوًبا وَقَب َععائ ِ َ َ َ َ م ُ جعَل َْناك ُ ْ وَأن َْثى وَ َ
ر{ )سورة الحجرات ،آية.(13: خِبي ٌ م َ ن الل ّ َ
ه ع َِلي ٌ م إِ ّ قاك ُ ْالل ّهِ أ َت ْ َ
إن النعععاس جميععععا ً فعععي نظعععر السعععلم سواسعععية ،الحعععاكم
والمحكوم ،الرجال والنساء ،العرب والعجم ،البيض والسععود ،لقععد
ألغى السلم الفوارق بين الناس بسبب الجنس واللون أو النسععب
أو الطبقة ،والحكام والمحكومون كلهم في نظععر الشععرع سععواء)،(1
وجاءت ممارسة الصديق لهذا المبدأ خيععر شععاهد علععى ذلععك حيععث
يقول :وليت عليكم ولست بخيركععم ،فععإن أحسععنت فععأعينوني وإن
أسأت فقوموني القوي فيكم ضعيف عندي حععتى آخععذ الحععق منععه،
والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه).(2
ينفق معن بيعت معال المسعلمين فيعطعي كععل معافيه وكان τ
سواسية بين الناس ،فقد روى ابن سعد وغيره أن أبا بكععر ،τكععان
سنح معروف ،ليس يحرسه أحد ،فقيل له :أل تجعل
له بيت مال بال ّ
على بيت المال من يحرسه؟ فقال :ليخاف عليه ،قيععل لععه :ولععم؟
قال :عليه قفل! وكان يعطي مافيه حععتى ليبقععى فيععه شععيئًا ،فلمععا
-199-
فسويت بين الناس).(1
وكان يشتري البل والخيل والسلح ،فيحمل في سععبيل اللععه،
واشترى عاما ً قطائف )القطيفة كساء مخمل( أتى بها من الباديععة،
ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء وقد بلغ المال الذي ورد
على أبي بكر في خلفته مائتي ألف وزعت في أبواب الخير).(2
المنهج الرباني في إقعرار الععدل ،وتحقيعق لقد اتبع ابو بكر τ
المساواة بين الناس وراعى حقوق الضعفاء فععرأى أن يضععع نفسععه
في كفة هؤلء الواهنة أصواتهم فيتبعهم بسمع مرهععف وبصععر حععاد
وإرادة واعية لتستذلها عوامل القوة الرضية فتملي كلمتهععا ..إنععه
السلم في فقه رجل دولته النابه الذي قام يضع القهر تحت أقدام
قومه ،ويرفع بالعدل رؤوسهم فيؤمن بععه كيععان دولتععه ويحفععظ لهععا
دورها في حراسة الملة والمة).(3
لقععد قععام الصععديق منععذ أول لحظععة بتطععبيق هععذه المبععادئ
السامية ،فقد كان يدرك أن العدل عععز للحععاكم والمحكععوم ،ولهععذا
وضع الصديق سياسته تلك موضع التنفيععذ وهععو يعردد قععوله تعععالى:
ن وَِإيَتاِء ِذي ال ْ ُ }إن الل ّ ْ
قْرب َععى وَي َن ْهَععى سا ِح َ ل َوال ِ ْ مُر ِبال ْعَد ْ ِه ي َأ ُ
َ ِ ّ
م ت َعذ َك ُّرو َ
ن{ م ل َعَل ّك ُع ْ
ي ي َعِظ ُك ُع ْمن ْك َعرِ َوال ْب َغْ ع ِ
شاِء َوال ْ ُح َ ن ال ْ َ
ف ْ عَ ِ
)سورة النحل ،آية.(90:
أكان أبو بكر يريد أن يطمئن المسععلمون إلععى دينهععم ،وحريععة
)( الحكام السلطانية للماوردي ،ص .201 1
)( تاريخ الدعوة الى السلم ،ص .258 2
)( أبوبكر رجل الدولة ،ص .46 3
200
الدعوة إليه ،وإنما تتم الطمأنينععة للمسععلمين ماقععام الحععاكم فيهععم
على أساس من العدل المجرد عن الهوى.
والحكم على هذا الساس يقتضي الحاكم أن يسمو فععوق كععل
اعتبار شخصي وأن يكعون الععدل والرحمعة مجتمعيعن ،وقعد كعانت
نظرية أبي بكر في تععولي أمععور الدولععة قائمععة علععى إنكععار الععذات،
والتجرد لله تجععردا ً مطلقعا ً جعلععه يشعععر بضععف الضعععيف ،وحاجععة
المجتمع ويسمو بعععدله علععى كععل هععوى ،وينسععى فععي سععبيل ذلععك
نفسه وأبناءه ،وأهله ،ثم يتتبع أمور الدولة جليلها ،ورقيقها بكععل مععا
أتاه الله من يقظة وحذر).(1
وبناء على ماسبق يرفع العدل لععواءه بيععن النععاس ،فالضعععيف
آمن على حقه ،وكله يقين أن ضعفه يزول حينما يحكم العدل ،فهو
به قوي ليمنع حقععه وليضععيع ،والقععوي حيععن يظلععم يردعععه الحععق،
وينتصف منه للمظلوم ،فل يحتمي بجاه أو سععلطان أو قرابععة لععذي
سطوة أو مكانة ،وذلك هععو العععز الشععامخ ،والتمكيععن الكامععل فععي
الرض).(2
وما أجمل ماقاله ابن تيمية رحمه الله :إن اللععه ينصععر الدولععة
العادلععة وإن كععانت كععافرة ولينصععر الدولععة الظالمععة ولععو كععانت
الموال).(3 مسلمة ...،بالعدل تستصلح الرجال ،وتستغزر
-5الصدق أساس التعامل بين الحاكم والمحكوم:
-201-
أعلععن الصععديق خيانة)(1 قال أبو بكر :τالصدق أمانة والكذب
مبدأ أساسيا ً تقوم عليه خطته في قيادة المة وهععو :أن الصععدق τ
بيعن الحعاكم والمعة هعو أسعاس التعامعل ،وهعذا المبعدأ السياسعي
الحكيم له الثر الهام في قوة المة حيث ترسيخ جسور الثقة بينهععا
وبين حاكمها إنععه خلععق سياسععي منطلععق مععن دعععوة السععلم إلععى
َ
ع
م َ
كوُنوا َ قوا الل ّ َ
ه وَ ُ مُنوا ات ّ ُ
ن َءا َ الصدق قال تعالىَ} :ياأي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن{ )سورة التوبععة ،آيععة (119:ومععن التحععذير منععه كقععول صاد ِِقي َ
ال ّ
رسول الله :εثلثة ليكلمهم الله يوم القيامععة وليزكيهععم ولينظععر
إليهم ولهم عذاب أليم :شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر).(2
فهذه الكلمات )الصدق أمانععة( اكتسععت بالمعععاني ،فكععأن لهععا
روحا ً تروح بها وتغدو بيعن النعاس ،تلهعب الحمعاس ،وتصعنع المعل،
)والكذب خيانة( وهكذا يأبى أبو بكر إل أن يمس المعاني ،فيسععمي
الشياء بأسمائها ،فالحاكم الكذاب هععو ذلععك الوكيععل الخععائن الععذي
يأكعل خععبز المعة ثعم يخعدعها ،فمعا أتععس حعاكم يتععاطى الكعذب
فيسميه بغير اسمه ،لقععد نعتععه الصععديق بالخيانععة ،وأنععه عععدو أمتععه
الول ..وهل بعد الخيانة من عداوة؟ حقا لزال الصديق يطل على
الععدنيا مععن مععوقفه هععذا فيرفععع أقوامعا ً ويسععقط آخريععن! ..وتظععل
صناعة الرجال أرقى فنون الحكم! إذ هم عدة المة ورصيدها الذي
تدافع به عن نفسها ملمات اليام ،ولشك أن من تأمل كلمات أبعي
-203-
الصديق الجهاد إحععدى حقععائق الحكععم فععي دولتععه) ،(1ولععذلك حشععد
طاقات المة من أجل الجهاد ،لكي يرفععع الظلععم عععن المظلععومين
ويزيل الغشاوة عن أعيععن المقهععورين ويعيععد الحريععة للمحروميععن،
وينطلق بدعوة الله في آفاق الرض يزيل كل عائق ضدها.
-7إعلن الحرب على الفواحش:
قال أبو بكععر :τولتشععيع الفاحشععة فععي قععوم إل عمهععم اللععه
بععالبلء) ،(2والصععديق هنععا يععذكر المععة بقععول النععبي ):εلععم تظهععر
الفاحشة في قوم قععط حععتى يعلنععوا بهععا ،إل فشععا فيهععم الطععاعون
إن مضععوا(3)(... والوجاع التي لم تكن مضت فععي أسععلفهم الععذين
الفاحشة هععي داء المجتمععع العضععال الععذي لدواء لععه ،وهععي سععبيل
تحلله وضعفه حيث لقداسة لشيء ،فالمجتمع الفاحش ليغار ويقر
الدنية ويرضععاها ،إنععه مجتمععع الضعععف والعععار والوجععاع والسععقام،
وحععال النععاس أدل شععاهد .لقععد وقععف أبععو بكععر يحفععظ قيععم المععة
وأخلقهععا) ،(4فقعد حععرص فععي سياسععته علععى طهعر المععة ونقائهععا،
يريد بعذلك أمعة وبعدها عن الفواحش ماظهر منها ومابطن ،وهو τ
قوية لتشععغلها شععهواتها ،وليضععلها شععيطانها ،لتعيععش أمععة منتجععة
تعطي الخير ،وتقدم الفضل لكل الناس.
إن علقة الخلق بقيام الدول وظهور الحضارة علقة ظاهرة،
-205-
المسلمين أن يقتدوا به ،فالحعاكم التقعي العذكي الععادل هعو العذي
يربي أمته على الخلق القويمة لنه حينئذ سيقود شعبا ً أحس طعم
الدمية ،وجرى في عروقععه دم النسععانية ..وأمععا إن سععلب الحععاكم
الذكاء ،وصار من الغبياء ..أشاع الفاحشة في قععومه وعمععل علععى
حمايتها بععالقوة والقععانون ،وحععارب القيععم والخلق الحميععدة ودفععع
بقععومه إلععى مسععتنقعات الرذيلععة ليصععبحوا كالحيوانععات الضععالة،
والقطعان الهائمة لهم لها إل المتععاع ،والزينععة الخادعععة ،فيصععبحوا
ويصدق فيهم قععول والشهامة)(1 بعد ذلك أقزامًا ،قد وّدعوا الرجولة
ة مط ْ َ
مئ ِن ّع ً ة ُ من َع ً
ت َءا ِ ة ك َععان َ ْ
مث َل ً قَْري َع ً
ه َب الل ّع ُ ضَر َالله تعالى} :وَ َ
ذاقََها ت ب ِأ َن ْعُم ِ الل ّهِ فَأ َ َ ن فَك َفََر ْ م َ
كا ٍ ل َن كُ ّ م ْ دا ِي َأِتيَها رِْزقَُها َرغ َ ً
ْ
السياسي الول.
ثانيًا :إدارة الشؤون الداخلية:
أن ينفذ السياسة التي رسععمها لععدولته واتخععذ أراد الصديق τ
من الصحابة الكرام أعوانا ً يساعدونه على ذلععك ،فجعععل أبععا عبيععدة
بن الجراح أمين هذه المة )وزير المالية( فأسند إليععه شععؤون بيععت
المععال ،وتعولى عمععر بععن الخطععاب القضعاء )وزارة العععدل( وباشععر
الصديق القضاء بنفسه أيضًا ،وتععولى زيععد بععن ثععابت الكتابععة )وزيععر
)( دراسات في الحضارة السلمية ،احمد ابراهيم الشريف ،ص .210،219 1
)( أشهر مشاهير السلم في الحرب والسياسة ،ص .120 2
)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ،ص .92 3
-207-
وأحيان عا ً يكتععب لععه مععن يكععون حاضععر مععن والمواصععلت()(1 البريععد
الصحابة كعلي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان رضي الله عنهععم،
وأطلق المسعلمون علعى الصعديق لقعب خليفعة رسعول اللعه ورأى
رجل ً الصحابة ضرورة تفريغ الصديق للخلفة ،فقد كان أبععو بكععر τ
تاجرا ً يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتععاع فلمععا اسعُتخلف أصععبح
غاديا ً إلى السوق وعلى رقبته أثععواب يتجععر بهععا ،فلقيععه عمععر وأبععو
عبيدة فقال :أين تريععد ياخليفععة رسععول اللععه؟ قععال :السععوق .قععال:
تصنع مععاذا وقععد وليععت أمععور المسععلمين؟ قععال :فمععن أيععن أطعععم
عيالي؟ فقال):انطلق معنا حتى نفرض لععك شععيئًا .فععانطلق معهمععا
ففرضوا له كل يوم شطر شععاه) ،(2وجععاء فععي الريععاض النضععرة أن
رزقه الذي فرضوه له خمسون ومائتا دينار في السنة وشععاة يؤخععذ
من بطنها ورأسها وأكاِرعها ،فلم يكن يكفيععه ذلععك ولعيععاله ،قععالوا
وقد كان قد ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت مععال المسععلمين،
فععإذا هععو بنسععوة فخرج إلى البقيععع فتصععافق )بععايع( فجععاء عمععر τ
يقضعي جلوس ،فقال):ماشأنكن؟( قلن :نريد خليفة رسول اللعه ε
بيننا ،فانطلق فوجده في السوق فأخذه بيده فقال):تعععالى هاهنععا(.
فقال :لحاجة لي في إمارتكم) ،(3رزقتمععوني مععاليكفيني ولعيععالي
قال ):فإّنا نزيدك( .قال أبو بكر):ثلثمائة دينععار والشععاة كلهعا( قعال
وهمععا علععى حالهمععا تلععك ،قععال: عمر :أمععا هععذا فل ،فجععاء علععي τ
)( في التاريخ السلمي ،ابو مجليل ،ص .218 1
)( الرياض النضرة في مناقب العشرة ،ص .291 2
)( نفس المصدر ،ص .291 3
208
وانطلععق فعلنا()(1 )أكملها له( قال):ترى ذلك؟( قال :نعم ،قال):قد
فصعد المنبر ،واجتمع إليه الناس فقعال) :أيهععا النعاس إن أبوبكر τ
رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشععاة يؤخععذ مععن بطنهععا ورأسععها
-209-
لها ،وفوق هعذا فقععد تكدسعت لهععم المعوال فعي المصععارف خععارج
البلد ،حتى غععدت دول أجنبيععة تعيععش علععى هععذه المععوال لكثرتهععا
وأكثرها يعود إلى الحكام وأمراء الشعوب المستضعفة ،مع أنععه قععد
ظهر أن هذه الموال مهما بلغععت ،والعقععارات مهمععا كععثرت ،فإنهععا
لتكفي شيئًا ،ولتغني صاحبها شيئًا ،فإن شاه إيران مع ضخامة مععا
يملك لم يجد أرضا ً تقبله ليأوي إليها هذا في الدنيا ،وأما في الخرة
فالمر أشد والحساب عظيم).(1
فعلى حكام المسلمين أن يقتدوا بهذا الصحابي الجليععل الععذي
أدار دولة السلم بعد وفاة الرسععول ،εفمععا أجمععل قععوله :τلقععد
علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي وشغلت بعأمر
المسلمين ،فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال وأحترف للمسلمين
فيه).(2
إن الصديق يؤكد معاني بديعة ،فولية الععدين ليسععت فععي حععد
ذاتها مغنما ،أما مايفرض لها من رزق فلما تقضي إليه من اشتغال
عامل المة عن أمر نفسه).(3
لقد سطر الصديق والصحابة الكرام صفحات رائعة في جععبين
الزمن ،حتى أن البشرية تسعى في سععلم التطععور وتسعععى ثععم إذا
هي قابعة عند أقدامهم).(4
)( ابن سعد في الطبقات ) (3/186وله شواهد ،فإسناده حسن لغيره. 1
-211-
فهذا تواضع كبير من رجل كبير ،كبير في سنه ،وكععبير فععي منزلتععه
وجاهه ،حيث كان خليفة المسلمين ،وكان حريص عا ً علععى أن لتغيععر
الخلفة شيئا ً من معاملته للناس وإن كان ذلععك سععيأخذ عليععه وقتععا
هو بحاجة إليه ،كما أن هذا العمل يدلنا على مقدار تقعدير الصععحابة
رضععي اللععه عنهععم لعمععال الععبر والحسععان وإن كلفتهععم الجهععد
والوقت).(1
هذا أبو بكر τغلب بعزيمته الصادقة ،وثباته العجيب الجزيععرة
العربية ،وأخضععها لععدين اللعه ،ثععم بععث بهععا فقعاتلت تحعت ألععويته
الدولتين الكبريين على وجه الرض ،وغلبت عليها .أبو بكر ..يحلععب
ن ،ويقعول :أرجععو أن ليغيرنعي مععادخلت فيععه.
لجواري الحي أغنامه ّ
وليس الذي دخل فيععه بععالمر الهيععن ،بععل هععو خلفععة رسععول اللععه،
وسععيادة العععرب ،وقيععادة الجيععوش الععتي ذهبععت لتقلععع مععن الرض
الجبروت الفارسععي ،والعظمععة الرومانيععة ،وتنشععئ مكانهمععا صععرح
العدل ،والعلم والحضارة ،ثم يرجو أل ّ يغيره هذا كله ،وليمنعه مععن
ي).(2
حلب أغنام الح ّ
إن مععن ثمععار اليمععان بععالله تعععالى أخلق حميععدة منهععا خلععق
التواضع الذي تجسد في شخصية الصديق فعي هعذا الموقعف وفعي
غيره من المواقف وكان عندما يسقط خطععام نععاقته ينععزل ليأخععذه
أل فيقال له :لو أمرتنععا أن ننععاولكه ،فيقععول :أمرنععا رسععول اللععه ε
)( التاريخ السلمي ).(19/8 1
)( أبوبكر الصديق رضي الله عنه ،طنطاوي ،ص .186 2
212
نسأل الناس شععيئا ً) ،(1لقععد تععرك لنععا الصععديق مثععال ً حيعا ً فععي فهععم
َ
وتطععبيق خلععق التواضععع المسععتمد مععن قععوله تعععالى} :فَأ َ
خ عذ َْناهُ
ة
عاقَِبعع ُن َكععا َ م َفععان ْظ ُْر ك َْيعع َ
ف َ م ِفععي ال َْيعع ّ
جُنععود َه ُ فَن ََبععذ َْناهُ ْ وَ ُ
ن{ )سورة القصص ،آيععة (40:ومععن قععوله ) :εمانقصععت مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
صدقة من مال ،ومازاد الله عبدا ً بعفو إل عزا ،وماتواضععع أحععد للععه
إل رفعه اللععه() .(2ولقععد دفعععه هععذا الخلععق إلععى خدمععة المسععلمين
وبخاصة أهل الحاجة منهم والضعفاء فعععن أبععي صععالح الغفععاري أن
عمر بن الخطاب كان يتعهد عجوزا ً كبيرة عمياء في بعض حواشععي
المدينة من الليل ،فيسقي لها ،ويقوم بأمرها فكان إذا جاءهععا وجععد
غيره قد سبقه إليها فأصلح ماأرادت ،فجاءها غيععر مععرة كيل يسععبق
إليهععا –فرصععده عمععر ،فععإذا هععو أبععو بكععر الععذي يأتيهععا وهععو يععومئذ
بعععد وفععاة رسععول خليفة) ( ،وعن أنس بن مالك :τقال أبو بكر τ 3
الله εلعمر :انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كععان رسععول اللععه
εيزورها ،فلما انتهينا إليها بكت ،فقال مايبكيك؟ ماعنععد اللععه خيععر
لرسول الله ،εفقالت :ما أبكي أن أكون أعلم أن ماعند الله خيععر
لرسول اللعه ،εولكعن أبكعي أن العوحي قعد انقطعع معن السعماء.
فهيجتهما على البكاء فجعل يبكيان معها).(4
ب-نصحه لمرأة نذرت أن لتحدث أحدًا:
-213-
ينهى عن أعمال الجاهلية ،والبتداع في الدين، كان أبو بكر τ
ويدعو إلى إلى أعمال السلم ،والتمسك بالسّنة) ،(1فعن قيس بععن
أبي حازم :دخل أبو بكر على امرأة من أحمس) ،(2يقال لها زينععب،
فرآها لتتكلععم .فقععال أبععو بكععر :مالهععا لتتكلععم؟ قععالوا :نععوت حجععه
هعذا معن عمعل ليحعل(4)، فقعال لهععا :تكلمعي ،فععإن هعذا مصمتة)(3
الجاهلية .قال :فتكلمععت ،فقععالت :مععن أنععت؟ قععال :أنععا امععرؤ مععن
ي
المهاجرين .قالت :أيّ المهاجرين؟ قال :من قريش .قالت :من أ ّ
قريش أنت؟ قال :إنك لسؤول ،أنا أبو بكر .قالت :ياخليفععة رسععول
اللععه :مابقاؤنععا علععى هععذا المععر الصععالح ،الععذي جععاء اللععه بععه بعععد
الجاهلية؟ فقال :بقاؤكم عليه مااستقامت به أئمتكم.
قالت :وما الئمععة؟ قععال :أمععا كععان لقومععك رؤوس وأشععراف
يأمرونهم فيطيعونهم؟
قالت :بلى قال :فهم أولئك على الناس).(5
قال الخطابي رحمه الله :كععان مععن نسعك الجاهليععة الصععمت،
فكععان أحععدهم يعتكععف اليععوم والليلععة ،ويصععمت ،فنهععوا عععن ذلععك،
وأمروا بالنطق بالخير ،وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بععأن
من حلف أن ليتكلم استحب له أن يتكلم ،ولكفععارة عليععه ،لن أبععا
)( صحيح التوثيق في سيرة حياة الصديق ،ص ،140مجدي فتحي السيد. 1
)( نفس المصدر ،ص 140وقيل الحمس :المتشدد على نفسه في الدين والورع. 2
)( أي ساكنة. 3
)( أي ترك الكلم. 4
)( البخاري رقم .3834 5
214
بكر لم يأمرها بالكفارة ،وقياسه أن من نععذر أن ليتكلععم لععم ينعقععد
نذره ،لن أبا بكر أطلق أن ذلك ليحل ،وأنه من فعل الجاهلية ،وأن
السلم هدم ذلععك ،وليقععول مثععل هععذا إل عععن علععم مععن النععبي ε
فيكون في حكم المرفوع).(1
وقال ابن حجر :وأما الحاديث الععواردة فععي الصععمت وفضععله،
فليعارض لختلف المقاصد في ذلك ،فالصمت المرغب فيه :تععرك
الكلم بالباطل ،وكذا المباح إن جر إلى شيء مععن ذلععك ،والصععمت
المنهي عنه تععرك الكلم فععي الحععق لمععن يسععتطيعه ،وكععذا المبععاح
المستوي الطرفين ،والله أعلم).(2
جع-اهتمامه بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يعأمر بععالمعروف وينهعى ععن المنكععر ويعبين كعان الصعديق τ
للناس ما التبس عليهم من الفهم فعن قيععس بععن أبععي حععازم قععال
سمعت أبا بكر الصديق يقول) :يا أيها الذين آمنوا عليكععم أنفسععكم
يقععول: ليضركم من ضل إذا اهتديتم( إني سععمعت رسععول اللععه ε
إن القععوم إذا رأوا المنكععر فلععم يغي ّععروه عمهععم اللععه بعقععاب .وفععي
رواية :يا أيها الناس إنكم تقععرؤن هععذه اليععة ،وتضعععونها علععى غيععر
يقول :إن الناس إذا رأوا الظالم فلم مواضعها ،وإنا سمعنا النبي ε
قال النووي :وأما بعقاب)(3 يأخذوا على يديه ،أوشك أن يعمهم الله
-215-
س عك ُ ْ
م{ اليععة .فليععس م أ َن ْ ُ
ف َ من ُععوا عَل َي ْك ُع ْ
ن َءا َ
ذي َ
َ
قوله تعالى}َياأي ّهَععا ال ّع ِ
مخالفا ً لوجوب المر بالمعروف ،والنهي عن المنكععر ،لن المععذهب
الصحيح عند المحققين في معنى الية :أنكم إذا فعلتم ماكلفتم بععه
فليضركم تقصير غيركععم ،مثععل قععوله تعععالىَ} :ول ت َعزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر
خَرى{ فإذا كان كذلك فمما كلف به المر بالمعروف ،والنهي عن أُ ْ
المنكر ،فإذا فعله ،ولم يمتثععل المخععاطب فلعتععب بعععد ذلععك علععى
الفاعل لكونه أدى ماعليه).(1
يحث الناس على الصواب ،فععن ميمععون بعن مهعران وكان τ
أن رجل ً سّلم على أبي بكر فقععال :السععلم عليععك ياخليفععة رسععول
الله .قال :من بين هؤلء أجمعين) ،(2وكان τيععترك السععنة مخافععة
أن يظن مالعلم له أنها فريضة أو واجبة ،فعن حذيفة بععن أسععيد τ
أنه قال :رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ،وما يضحيان مخافععة
أن يستن بهما وفي رواية :كراهية أن يقتدي بهما) ،(3وكععان يوصععي
ابنه عبدالرحمن بحسن المعاملة لجيرانععه ،فقععد قععال لععه ذات يععوم
وهععو يخاصععم جععارا ً لععه :لتمععاظ جععارك ،فععإ ّ
ن هععذا يبقععى ويععذهب
الناس) ،(4وكان بارا ً بوالده فلما اعتمر في رجب سنة اثنععتي عشععر
من الهجرة ،دخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبوه أبو قحافععة جععالس
على باب داره ،معه فتيان يحوشععهم ،فقيععل لععه :هعذا ابنععك فنهعض
يحذر الناس مععن فقال :عّوضك الله منه ماعوضك منك) ( ،وكان τ
6
-217-
ن فيه ك ُ ّ
ن عليععه :البغععي، البغي ،والنكث ،والمكر ويقول ثلث من ك ُ ّ
وكان يعظ الناس ويذكرهم بعالله ومعن معواعظه والمكر)(1 والنكث
من خلل منععبر الجمعععة يحععث علععى الصععدق والحيععاء ويحععث علععى
العتبار والسععتعداد للقععدوم علععى اللععه ويحععذر مععن الغععرور ،فعععن
أوسط بن اسماعيل رحمه الله قععال :سععمعت أبععا بكععر الصععديق τ
يخطب بعد وفاة رسول الله بسنة فقال :قععام فينععا رسععول اللععه ε
مقامي هذا عام أول ،ثم بكعى أبعو بكعر ثعم قععال :وفعي روايعة ،ثعم
ذرفت عيناه ،فلععم يسععتطيع مععن العععبرة أن يتكلععم ،ثععم قععال :أيهععا
الناس :اسألوا الله العافية ،فإنه لم يعط أحد خير من العافيععة بعععد
اليقين ،وعليكم بالصدق فععإنه مععع الععبر ،وهمععا فععي الجنععة ،وإيععاكم
والكذب ،فإنه مع الفجور ،وهمععا فععي النععار ولتقععاطعوا ولتععدابروا،
ولتباغضوا ،ولتحاسدوا ،وكونوا عباد الله إخوانا ً) ،(3وقال الزبير بن
العوام :τإن أبا بكر قال وهو يخطب الناس :يامعشر المسععلمين:
استحيوا من الله عزوجععل ،فوالععذي نفسععي بيععده إنععي لظععل حيععن
سريع وفي رواية أخرى :أين مععن تعرفععون مععن إخععوانكم؟! مرهُ)(3
َ
ّ
ومن أصحابكم؟! قد وردوا على ماقدموا ،قدموا ماقدموا فععي أيععام
سلفهم ،وحلوا فيه بالشقوة والسعععادة .أيععن الجبععارون الععذين بنععوا
)( نفس المصدر ،ص .182 1
)( الوحا الوحا :السرعة السرعة ،يقال :توحيت أي أسرعت. 2
)( مره :مروره. 3
-219-
المدائن ،وحففوها بالحوائط ،قد صاروا تحععت الصععخر والبععار .أيععن
الوضاءة الحسنة وجوههم ،المعجبون بشبابهم؟ أيععن الملععوك وأيععن
الذين كانوا يعطون الغلبة في مععواطن الحععرب؟ قععد تضعضععع بهععم
الدهر ،فأصبحوا في ظلمات القبور .لخير في قول ليراد بععه وجععه
الله ،ولخير في مال لينفق في سععبيل اللععه ،ولخيععر فيمععن يغلععب
جهله حلمه ،ولخير فيمن يخاف في الله لومة لئم.
إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسععب يعطيععه بععه
خيرًا ،وليصرفه عن سوءًا ،إل بطاعته واتباع أمره ،وإنه لخير بخير
بعده النار ،ولشر بشر بعده الجنة ،واعلمععوا أنكععم مععا أخلفتععم للععه
عزوجل فربكم أطعتم ،وحقكم حفظتععم ،وأوصععيكم بععالله لفقركععم
وفاقتكم أن تتقوه ،وأن تثنوا عليه بما هو أهله ،وأن تستغفروه إنععه
كان غفارًا ،أقول قولي هذا ،واستغفر الله لي ولكم).(1
وهكععذا كععان الصععديق يهتععم بععالمجتمع فيععوعظ المسععلمين،
ويحثهم على الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،فهععذا غيععظ
من فيظ ،وقليل من كثير.
-2القضاء في عهد الصديق:
يعتبر عهد الصديق بداية العهد الراشدي الععذي تتجلععى أهميتععه
بصععلته بالعهععد النبععوي وقربععه منععه ،فكععان العهععد الراشععدي عامععة،
والجانب القضائي خاصة ،امتععدادا ً للقضععاء فععي العهععد النبععوي ،مععع
)( إسناده حسن لغيره ،مصنف ابععن أبععي شععيبة )(7/144؛ صععحيح التوثيععق فععي سععيرة 1
وحياة الصديق ،ص .181
220
المحافظة الكاملة والتامة علععى جميععع مععاثبت فععي العهععد النبععوي،
وتطععبيقه بحععذافيره وتنفيععذه بنصععه ومعنععاه ،وتظهععر أهميععة العهععد
الراشدي في القضاء بأمرين أساسيين:
· المحافظة على نصوص العهد النبععوي فععي القضععاء ،والتقيععد
بما جاء فيه ،والسير في ركابه ،والستمرار في اللتزام به.
· وضع التنظيمات القضععائية الجديععدة لترسععيخ دعععائم الدولععة
السلمية الواسعة ومواجهة المستجدات المتنوعة).(1
يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء ،ولععم تفصععل كان أبو بكر τ
ولية القضاء عن الولية العامة في عهده ،ولم يكععن للقضععاء وليععة
خاصة مستقلة كمععا كععان المععر فععي عهععد رسععول اللععه ،εإذ كععان
الناس على مقربععة مععن النبععوة ،يأخععذون أنفسععهم بهععدي السععلم،
وتقوم حياتهم على شريعته ،وقلما توجد بينهم خصومة تذكر ،ففععي
المدينة عهد أبو بكععر إلععى عمععر بالقضععاء ،ليسععتعين بععه فععي بعععض
القضية ولكن هذا لم يعطي لعمر صفة الستقلل بالقضاء) ،(2وأقر
معظععم القضععاة والععولة الععذين عينهععم رسععول اللععه أبععو بكععر τ
عهععده)(3 واستمروا على ممارسة القضاء والوليععة أو أحععديهما فععي
وسوف نأتي على ذكر الولة وأعمالهم بإذن الله تعالى.
هي: وأما مصادر القضاء في عهد الصديق τ
-1القرآن الكريم.
)( تاريخ القضاء في السلم للزحيلي ،ص .83،84 1
)( وقائع ندوة النظم السلمية أبوظبي ).(1/366 2
)( تاريخ القضاء في السلم ،ص .134 3
-221-
-2السنة النبوية ويندرج فيها قضاء رسول الله .ε
-3الجماع ،باستشارة أهل العلم والفتوى.
-4الجتهاد والرأي ،وذلك عند عدم وجود مايحكم به من كتاب
أو سنة أو إجماع).(1
إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعععالى، فكان ابو بكر τ
فإن وجد فيه مايقضي به قضى ،فإن لم يجد فععي كتععاب اللععه نظععر
في سنة رسول الله ،εفإن وجد فيها مايقضي به قضععى بععه ،فععإن
قضععى فيععه أعياه ذلك سأل الناس ،هل علمتععم أن رسععول اللععه ε
بقضاء ،فربما قام إليه القعوم فيقولععون :قضعى فيععه بكعذا أو بكعذا،
فيأخذ بقضاء رسول الله ،يقول عندئذ :الحمد لله الععذي جعععل فينععا
مععن يحفععظ عععن نبينععا وإن أعيععاه ذلععك دعععا رؤوس المسععلمين
وعلماءهم فاستشارهم ،فإذا اجتمع رأيهم على المعر قضعى بعه)،(2
ويظهععر أن الصععديق يععرأى الشععورى ملزمععة إذا اجتمععع رأي أهععل
الشورى على أمر ،إذ ليجوز للمععام مخععالفتهم وهععذا مععاحكى عنععه
في القضاء فإنه كان إذا اجتمع رأي المستشارين على المر قضععى
به وهذا ماأمر به عمرو بن العاص عندما أرسل إليه خالد بن الوليد
يتثبععت فععي مددا ً حيث قععال لععه :شععاورهم ولتخععالفهم) ( ،وكععان τ
3
قبول الخبار ،فعن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلعى أبعي بكعر
تلتمس أن تورث فقال :ما أجععد لععك فععي كتععاب اللععه تعععالى شععيئًا،
)( وقائع ندوة النظم السلمية ).(1/390 1
)( موسوعة فقه أبي بكر الصديق ،قلعجي ،ص .155 2
)( نفس المصدر ،ص .156 3
222
وماعلمت أن رسول الله εذكر لك شعيئًا ،ثعم سعأل النعاس فقعام
يعطيهععا السععدس فقععال أبععو المغيرة فقال :حضرت رسول اللععه ε
بكر :هل معك أحد؟ فشهد ابن مسلمة بمثل ذلععك فأنفععذه لهععا أبععو
بكر ،(1)τوكان يرأى أن القاضي ليحكععم بعلمععه الشخصععي ،إل إذا
أنععه كان معه شاهد آخر يعزز هذا العلم ،فقد روي عن أبععي بكععر τ
قال :لو رأيت رجل ً على حد ،لم أعاقبه حتى تقععوم البينععة عليععه ،أو
يكون معي شاهد آخر) ،(2وهذه بعض القضية التي صدرت في عهد
أبي بكر :τ
أ-قضيه قصاص:
قال علي بن ماجععدة السععهمي :قععاتلت رج ً
ل ،فقطعععت بعععض
أذنه ،فقدم أبو بكر حاجا ،فرفع شأننا إليه ،فقال لعمععر :انظععر هععل
جام ،فلما ذكر الحجام قععال
ي بالح ّ
بلغ أن يقتص منه ،قال :نعم ،عل ّ
يقععول :إنعي وهبععت لخععالتي ُ
غلمععا، أبو بكر :سمعت رسول اللعه ε
صععابًا ،أو
أرجو أن يبارك لها فيه ،وإني نهيتها أن تجعله حجام عًا ،أو ق ّ
صانعا ً).(3
-2نفقة الوالد على الولد:
عن قيس بن حازم قال :حضرت أبا بكر الصديق ،τفقال لععه
رجل :ياخليفة رسول الله :هذا يريد أن يأخععذ مععالي كلععه ويجتععاحه،
فقال أبو بكر :τإنما لك من ماله مايكفيك ،فقال :ياخليفة رسععول
)( تذكرة الحفاظ للذهبي ).(1/2 1
)( تراث الخلفاء الراشدين ،د .صبحي محمصاني ،ص .186 2
)( أخبار القضاة لوكيع ) (2/102نقل ً عن تاريخ القضاء للزحيلي ،ص .136 3
-223-
الله ،εأليس قال رسول الله :εأنت ومالك لبيك؟ فقال أبو بكععر
:τارض بما رضي الله به ،ورواه غيره عن المنذر بن زيععاد ،وقععال
فيه :إنما يعني بذلك النفقة).(1
-3الدفاع المشروع:
عن أبي مليكة عن جععده أن رجل ً ع ع ّ
ض يععد رجععل فأن عذ ََر ثنيتععه
)قلع سنه( فأهدرها أبو بكر).(2
-4الحكم بالجلد:
روى المام مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته :أن
أبا بكر الصديق أتى برجل قععد وقععع علععى جاريععة بكععر فأحبلهععا ،ثععم
اعترف على نفسه بالزنا ،ولم يكن أحصن ،فأمر به أبععو بكععر فجلععد
د ،ثم ُنفي إلى فدك) ،(3وفي رواية بععأنه لععم يجلععد الجاريععة ولععم
الح ّ
ينفها لنهععا اسععتكرهت ،ثععم زوجهعا إيعاه أبععو بكععر وأدخلعه عليهععا)،(4
وعندما سئل الصديق عن رجل زنى بععامرأة ،ثععم يريععد أن يتزوجهععا
قال :مامن توبععة أفضععل مععن أن يتزوجهععا ،خرجععا مععن سععفاح إلععى
نكاح).(5
-5الحضانة للم مالم تتزوج:
طلق عمر بن الخطاب امرأته النصارية-أم ابنه عاصم -فلقيها
)( السنن الكبرى ) (7/481نقل ً عن تاريخ القضاء للزحيلي ،ص .136ضعععيف جععدا ً بععل 1
قد تكون موضوعة .اللباني ارواء ) .(3/329
)( تارخ القضاء للزحيلي ،ص .137 2
)( الموطأ ،كتاب الحدود رقم .848 3
)( مصنف عبدالرزاق رقم .12796 4
)( نفس المصدر رقم 12796الرواية فيها راوي مجهول. 5
224
سر) ،(1ولقيه قد ُفطم ومشى ،فأخذ بيديه لينتزعه منها،
ح ّ
م َ
تحمله ب ُ
ونازعها إياه حتى أوجع الغلم وبكى ،وقععال :أنععا أحععق بععإبني منععك.
جُرهععا
ح ْ
فاختصمها إلى أبي بكععر ،فقضععى لهععا بععه ،وقععال :ريحهععا ،و ِ
وفي روايععة :هععي لنفسه)(2 وفرشها خير له منك حتى يشب ويختار
حنععا وأرأف ،وهععي أحععق بولععدها مععالم
أعطععف وألطععف وأرحععم وأ ْ
تتزوج).(3
هذه بعض القضية والحكام التي حدثت في عهععد الصععديق τ
هذا وقد تميز القضاء في عهد الصديق بعدة أمور منها:
أ-كان القضاء في عهد الصععديق امتععدادا ً لصععورة القضععاء فععي
العهععد النبععوي ،بععاللتزام بععه ،والتأسععي بمنهجععه ،وانتشععار التربيععة
الدينية ،والرتباط باليمان والعقيدة والعتماد على الععوازع الععديني،
والبساطة في سير الدعوى ،واختصعار الجعراءات القضعائية ،وقلعة
الدعاوى والخصومات.
ب -اصععبحت الحكععام القضععائية فععي عصععر الصععديق مععوئل
البععاحثين ،ومحععط النظععار للفقهععاء ،وصععارت الحكععام القضععائية،
مصدرا ً للحكام الشععرعية ،والجتهععادات القضععائية ،والراء الفقهيععة
في مختلف العصور.
جع-مارس الصديق وبعض ولته النظر في المنازعات ،وتععولي
القضاء بجانب الولية.
)( محسر :موضع بين مكة وعرفة .معجم البلدان ).(5/62 1
)( مصنف عبدالرزاق ) (7/54رقم .12601 2
)( نفس المصدر ) (7/54رقم .12600 3
-225-
د-ساهمت فترة الصديق في ظهور مصادر جديدة للقضاء في
العهد الراشدي ،وصععارت مصععادر الحكععام القضععائية هععي :القععرآن
الكريم ،والسنة الشععريفة ،الجمععاع ،القيععاس ،السععوابق القضعائية،
الرأي الجتهادي مع المشورة).(1
هع-كانت آداب القضععاء مرعيععة فععي حمايععة الضعععيف ،ونصععرة
المظلوم ،والمسععاواة بيععن الخصععوم وإقامععة الحععق والشععرع علععى
جميع الناس ،ولو كععان الحكععم علععى الخليفععة أو الميععر أو الععوالي،
وكععان القاضعي فعي الغععالب يتععولى تنفيععذ الحكععام ،إن لععم ينفعذها
الطراف طوعا ً واختيارًا ،وكان التنفيذ عقب صدور الحكم فورا ً).(2
-3الولية على البلدان:
كان أبو بكر يستعمل الولة في البلدان المختلفة ويعهد إليهععم
بالوليعة العامعة فععي الدارة والحكععم والمامعة ،وجبايععة الصعدقات،
وسععائر أنععواع الوليععات ،وكععان ينظععر إلععى حسععن اختيععار الرسععول
للمراء والولة على البلدان فيقتدي به في هذا العمل ،ولهذا نجععده
قعد أقعر جميعع عمعال الرسعول العذين تعوفي الرسعول وهعم علعى
وليتهم ،ولم يعزل أحدا ً منهم إل ليعينه في مكان آخععر أكععثر أهميععة
وكععانت العععاص)(3 من موقعه الول ويرضاه كمععا حععدث لعمععرو بععن
بالدرجععة الولععى مسؤوليات الولة فععي عهععد أبعي بكععر الصععديق τ
امتدادا ً لصعلحياتهم فعي عصعر الرسععول εخصوصعا ً العولة العذين
-227-
من أهل البلد الععتي كععانوا والطائف وغيرها بأخذ البيعة لبي بكر τ
يتولون عليها.
ح-كععانت هنععاك أمععور ماليععة توكععل إلععى الععولة إو إلععى مععن
يساعدهم ممن يعينهم الخليفة أو الوالي لخذ الزكععاة مععن الغنيععاء
وتوزيعها على الفقراء أو أخذ الجزية من غيععر المسععلمين وصععرفها
في محلها الشرعي وهي امتداد لما قام به ولة الرسععول فععي هععذا
الخصوص.
حيععث قععام والععي خ-تجديد العهود القائمة من أيام الرسول ε
بناء علععى نجران بتجديد العهد الذي كان بين أهلها وبين الرسول ε
طلب نصارى نجران).(1
د-كانت من أهم مسؤوليات الولة إقامة الحدود وتععأمين البلد
وهم يجتهدون رأيهععم فيمععا لععم يكعن فيععه نععص شععرعي ،كمععا فععل
المهاجر بن أبي أمية بالمرأتين اللتين تغنتععا بععذم الرسععول وفرحتععا
بوفاته وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى في جهععاد الصععديق لهععل
الردة.
س-كان للولة دور رئيسي في تعليم الناس أمور دينهم وفععي
نشر السلم في البلد التي يتولون عليها وكععان الكععثير مععن هععؤلء
الولة يجلسون في المساجد يعلمون الناس القرآن والحكام وذلك
وتعتبر هذه المهمة من أعظم المهام وأجلها عمل ً بسنة الرسول ε
في نظر الرسول وخليفته أبي بكر ،وقد اشتهر عععن ولة أبععي بكععر
)( تاريخ الطبري ).(3/165 1
228
ذلك حيث يتحدث أحد المؤرخين عن عمل زياد والي أبي بكر علععى
حضرموت فيقول :فلما أصبح زياد غدا ً يقرئ الناس كما كان يفعععل
قبل ذلك).(1
وبهذا التعليم كان للولة دور كبير في نشر السلم فععي ربععوع
البلد التي يتولونها ،وبهذا التعليم تثبععت أقععدام السععلم سععواء فععي
البلد المفتوحععة الحديثععة عهععد بالسععلم أو فععي البلد الععتي كععانت
مسلمة وارتععدت ،وهععي حديثععة عهععد بععالردة جاهلععة بأحكععام دينهععا،
إضافة إلى أن البلد المستقرة كمكة والطائف والمدينععة ،كععان بهععا
من يقرئ الناس بأمر مععن الععولة أو الخليفععة نفسععه ،أو مععن يعينععه
الخليفة على التعليم في هذه البلدان).(2
وقد كععان الععوالي هععو المسععؤل مسععئولية مباشععرة عععن إدارة
القليم الذي يتوله وفي حالة سفر هذا الوالي فإنه يتعين عليععه أن
يستخلف أو ينيب عنه من يقوم بعمله حتى يعععود هععذا الععوالي إلععى
عمله ،ومن ذلك أن المهاجر بن أبي أمية عينه الرسول على كنععدة
ثم أقره أبو بكر بعد وفاة الرسول ولم يصععل المهععاجر إلععى اليمععن
مباشرة وتأخر نظرا ً لمرضه فأرسل إلى )زياد بن لبيد( ليقوم عنععه
بعمله حتى شفائه وقدومه ،وقد أقرأ أبععو بكععر ذلععك) ،(3كععذلك كععان
خالد أثناء وليته للعراق ينيب عنه في الحيرة من يقوم بعمله حععتى
عودته.
)( الولية على البلدان ).(1/60 1
)( نفس المصدر ).(1/61 2
)( المصدر السابق ).(1/55 3
-229-
يشاور الكثير مععن الصععحابة قبععل إختيععار أحععد وكان أبو بكر τ
من المراء سواء على الجنععد أو علععى البلععدان ،ونجععد فععي مقدمععة
مستشاري أبي بكر في هذا المر عمر بن الخطاب وعلي بععن أبععي
يشاور الشععخص الععذي يريععد طالب وغيرهما) ( ،كما كان أبو بكر τ
1
بمنطقة لم تفتح بعد ولم تدخل ضمن سلطات الدولة ويتضععح ذلععك
في حروب الردة ،وفتوح الشام والعراق وقام الصديق أحيانا ً بضععم
)( الولية على البلدان ).(1/55 1
)( نفس المصدر ).(1/55 2
)( المصدر السابق ).(1/55 3
230
بعض الوليات إلى بعض ،خصوصا ً بعد النتهاء مععن قتععال المرتععدين
فقد ضم أبو بكر كندة إلى زياد بن لبيد البياضي ،وكععان والي عا ً علععى
حضرموت واستمر بعد ذلك واليا ً لحضرموت وكندة).(1
وكانت معاملة أبي بكر للولة تتسم بالحترام المتبععادل الععذي
لم تشبه شائبة ،وأما عن التصالت بين الععولة وبيععن الخليفععة أبععي
فقد كانت تجري بصفة دائمة وكانت هذه التصععالت تختععص بكر τ
بمصالح الولية ومهام العمل ،فقد كان الولة كثيرا ً مععايكتبون لبععي
بكر في مختلف شععئونهم يستشععيرونه ،وكععان أبععو بكععر يكتععب لهععم
الجابة على استفسععاراتهم ،أو يععوجه لهععم أوامععره وكععانت الرسععل
تأتي بالخبار من الولة سواء أخبار الجهاد أو قبل ذلك على جبهات
حروب المرتدين كذلك كان الولة يبعثون بأخبار ولياتهم من تلقععاء
أنفسهم) ،(2وكان الولة يتصل بعضهم ببعض عن طريق الرسععل أو
عن طريععق التصععال المباشععر واللقععاءات ،وتتمثععل هععذه اللقععاءات
والتصالت بالدرجة الولى بين ولة اليمن وحضرموت بعضععهم مععع
بعععض ،وكععذلك الحععال بالنسععبة لععولة الشععام ،الععذين كععانوا كععثيرا ً
-231-
هذا وقد قسمت الدولة السلمية في عهد أبععي بكععر إلععى الجناد)(1
-233-
فبايع أبا بكر)!(1
ومما يدل على أهمية حديث أبععي سعععيد الخععدري الصععحيح أن
المام )مسلم بن الحجاج( صاحب الجامع الصعحيح العذي هععو أصعح
الكتععب الحديثيععة بعععد صععحيح البخععاري -ذهععب إلععى شععيخه المععام
الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة – صاحب صحيح ابن خزيمة –
فسأله عن هذا الحديث ،فكتععب لععه ابععن الخزيمععة الحععديث ،وقععرأه
عليه ،فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة :هعذا الحعديث يسععاوي بدنععة،
فقعط ،إنعه يسعاوي ب َد ََنعة)(2 فقال ابن خزيمة :هذا الحديث ليساوي
مال ،وعلق على هذا الحديث ابن كثير –رحمه الله -فقععال: بدرة)(3
هذا إسناد صحيح محفوظ ،وفيه فائدة جليلة ،وهي مبايعة علي بععن
أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثععاني مععن الوفععاة ،وهععذا
حق ،فإن علي بن أبي طععالب لععم يفععارق الصععديق فععي وقععت مععن
الوقات ،ولم ينقطع في صلة من الصععلوات خلفعه) ،(4وفعي روايععة
حبيب بن أبي ثابت ،حيث قال :كان علي بن أبي طععالب فععي بيتععه،
ي إلععى
فأتاه رجل ،فقال له :قد جلس أبععو بكععر للبيعععة ،فخععرج عل ع ّ
جعل ،كراهعة
المسجد في قميص له ،معاعليه إزار ولرداء ،وهععو متع ّ
أن يبطئ عن البيعة .فبايع أبععا بكععر ،ثععم جلععس ،وبعععث إلععى ردائه،
وقد سأل عمرو بن حريث سعيد قميصه)(5 فجاؤوه به ،فلبسه فوق
صححه ابن كثير في البداية والنهاية ).(5/249 )( 1
البدنة :نقاة أو بقرة تنحر بمكة ولعظمها وضخامتها سميت بدنة. )( 2
البدرة :كيس فيه ألف أو عشرة آلف دينار والمعنى :أنه كنز ثمين. )( 3
البداية والنهاية ).(5/249 )( 4
الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص .56 )( 5
234
ت وفاة رسول الله ε؟
بن زيد ،τفقال له :أشهِد ْ َ
قال :نعم.
قال له :متى بويع أبو بكر؟
قال سعيد :يوم مات رسول الله ،εكره المسلمون أن يبقوا
بعض يوم ،وليسوا في جماعة.
قال :هل خالف أحد أبا بكر؟
قال سعيد :ل .لم يخالفه إل مرتد ،أو كعاد أن يرتعد ،وقعد أنقعذ
الله النصار ،فجمعهم عليه وبايعوه.
قال :هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟
قال سعيد :ل .لقد تتابع المهاجرون على بيعته).!!(1
فلم يفارق الصديق في وقعت معن الوقعات ولععم وأما علي τ
ينقطععع عنععه فععي جماعععة مععن الجماعععات ،وكععان يشععاركه فععي
المشورة ،وفي تدبير أمور المسلمين).(2
ويرى ابن كثير وكثير من أهل العلععم أن عليعا ً جع ّ
دد بيعتععه بعععد
ستة أشهر من البيعة الولى أي بعد وفاة فاطمة رضي اللععه عنهععا،
وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة).(3
جح عا ً لمععا فيععه
وكان علي في خلفة أبي بكر عيبة نصح له ،مر ّ
مصعلحة للسعلم والمسعلمين علعى أي شعيء آخعر ،ومعن العدلئل
السععاطعة علععى إخلصععه لبععي بكععر ونصععحه للسععلم والمسععلمين
)( الخلفاء الراشدون ،ص .56 1
)( نفس المصدر ،ص .56 2
)( البداية والنهاية ).(5/49 3
-235-
وحرصه على الحتفععاظ ببقععاء الخلفععة واجتمععاع شععمل المسععلمين
بنفسععه إلععى ذي القصععة)،(1 ماجاء من موقفه من توجه أبي بكععر τ
وعزمه على محاربة المرتدين ،وقيادته للتحركات العسكرية ضدهم
بنفسععه ،وماكععان فععي ذلععك مععن مخععاطرة وخطععر علععى الوجععود
السلمي) ،(2فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :لما برز أبععو بكععر
إلى ذي القصة ،واسععتوى علععى راحلتععه أخعذ علعي بععن أبعي طعالب
بزمامها ،وقال :إلى أين ياخليفة رسول اللععه ε؟ أقععول لععك ماقععال
يعمل بععه إل عملععت بععه ،فععإني أخشععى إن شيئا ً كان رسول الله ε
تركت شيئا ً من أمره أن أزيغ).(2
وعن عائشة رضي الله عنها قععالت :إن أزواج النععبي ،εحيععن
إلععى أبععي توفى رسول الله ،εأردن أن يبعثن عثمان بن عفععان τ
بكر ،يسألنه ميراثهن ،فقالت عائشة :أليععس قععال رسععول اللععه :ε
قععال رسععول اللععه :ε لنورث ماتركنا صدقة) ( ،وعن أبي هريرة τ
3
ليقتسم ورثتي دينارًا ،ماتركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهععو
صدقة).(4
مع فاطمععة رضععي اللععه عنهععا وهذا مافعله أبو بكر الصديق τ
إمتثال ً لقوله εلذلك قال الصديق :لست تاركعا ً شععيئا ً كععان رسععول
الله يعمل به إل عملت به) ،(5وقال :والله لأدع أمعرا ً رأيعت رسععول
يصنعه فيه إل صنعته).(6 الله ε
وقد تركععت فاطمععة رضععي اللععه عنهععا منععازعته بعععد احتجععاجه
بالحديث وبيانه لها وفيه دليل على قبولها الحق واذعانها لقععوله :ε
-237-
قال ابن قتيبة) ،(1وأما منازعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما فععي
ميراث النبي εفليس بمنكر ،لنها لم تعلم ماقععاله رسععول اللععه ε
وظنت أنها ترثه كما يرث الولد آباءهم فلما أخبرها بقوله كفت).(2
وقال القاضي عياض :وفي ترك فاطمة منازعة أبي بكععر بعععد
احتجاجه عليها بالحديث التسععليم للجمععاع علععى قضععية ،وأنهععا لمععا
بلغها الحديث وبين لها التأويل تركت رأيها ثم لم يكن منهععا ول مععن
ذريتها بعد ذلك طلب ميراث ثم ولي علي الخلفععة فلععم يعععدل بهععا
عما فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهم).(3
وقال حماد بن إسحاق :والذي جععاءت بععه الروايععات الصععحيحة
من أبي بكععر فيما طلبه العباس وفاطمة وعلي لها وأزواج النبي ε
رضي الله عنهم جميععا ً إنمععا هععو الميععراث حععتى أخععبرهم أبععو بكععر
أنعه قعال) :لنعورث ماتركنععا والكععابر معن أصعحاب رسعول اللعه ε
صدقة( فقبلوا بذلك وعلموا أنه الحق ولو لععم يقععل رسععول اللععه ε
ذلك كان لبي بكر وعمر فيه الحظ الوافر بميراث عائشة وحفصععة
رضي الله عنهمععا فععآثروا أمععر اللععه وأمععر رسععوله ،ومنعععوا عائشععة
وحفصة ،ومن سواهما ذلك ،ولو كان رسول ،يورث ،لكان لبي بكر
وعمر أعظم الفخر به أن تكون ابنتاهما وارثتي محمد .(4)ε
وأما ماذكره مععن الععرواة فعي كععون فاطمععة رضعي اللععه عنهععا
-239-
هذا ومن الثابت تاريخيا ً أن أبابكر دام أيام خلفته يعطي أهععل
في المدينة ،ومن أموال فععدك البيت حقهم في فيء رسول الله ε
وخمس خيبر ،إل أنه لم ينفذ فيها أحكام الميراث ،عمل ً بما سععمعه
وقععد روي عععن محمععد بععن علععي بععن الحسععين مععن رسععول اللععه ε
المشهور بمحمد الباقر ،وعن زيد بن علي أنهما قال :إنععه لععم يكععن
من أبي بكر -فيما يختص بآبائهم -شيء من الجععور أو الشععطط ،أو
مايشكونه من الحيف أو الظلم).(1
ولما توفيت فاطمة رضي الله عنها بعد رسععول اللععه εبسععتة
أشهر على الشهر ،وقد كان صلوات الله وسلمه عليععه عهععد إليهععا
أنها أول أهله لحوقا ً به ،وقال لها مع ذلععك :أمععا ترضععين أن تكععوني
سععيدة نسععاء أهععل الجنععة) ،(2وذلععك ليلععة الثلثععاء لثلث خلععون مععن
رمضان سنة إحدى عشرة ،عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيععه
عععن جععده علععي بععن الحسععين ،قععال :مععاتت فاطمععة بيععن المغععرب
والعشاء ،فحضرها أبوبكر وعمر وعثمان والزبير وعبععدالرحمن بععن
ضعت لُيصلى عليها ،قععال علعي :تقعدم ياأبععابكر ،قععال
عوف ،فلما وُ ِ
أبوبكر :وأنت شاهد ياأبا الحسن؟ قال :نعم تقدم ،فععوالله ل يصععلي
عليها غيرك؛ فصلى عليها أبوبكر ودفنت لي ً
ل ،وجاء في رواية :صلى
أربعا ً)(3 فكبر عليها أبوبكر الصديق على فاطمة بنت رسول الله ε
)( المرتضى لبي الحسن الندوي ،ص 90،91نقل ً عن نهج البلغة شرح أبي الحديد. 1
)( المرتضى للندوي ،ص .94 2
ً
)( المرتضى للندوي ،ص 94نقل عن الطبقات الكبرى ).(7/29 3
240
وفي رواية مسلم صلى عليها علي بن أبي طالب).(1
هذا وقد كانت صلة سيدنا أبي بكر الصديق خليفة رسول اللععه
بأعضاء أهل البيت ،صلة ودية تقديرية تليق به وبهم ،وقععد كععانت ε
مى علععي هذه المودة والثقة متبادلتين بين أبي بكر وعلي ،فقععد سع ّ
أحد أولده بأبي بكر) ،(2وقد احتضن علي ابن أبي بكععر محمععدا ً بعععد
وفاة الصععديق وكفلععه بالرعايععة ورشععحه للوليععة فععي خلفتععه حععتى
حسب عليه ،وانطلقت اللسنة بانتقاده من أجله).(3
هذا بعض القضععايا الداخليععة الععتي عالجهععا الصععديق τ
والععتزم
فيها بمتابعة الرسول εبكل دقة وحرص ر τوعن جميع الصععحابة
الكرام الطيبين البرار.
-241-