You are on page 1of 172

‫*‪*1‬الجزء ‪ 9‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة هود‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مكيية إل اليات ‪ 114 ،17 ،12‬فمدنيية وآياتهيا ‪ 123‬نزلت بعيد يونيس‪ .‬مكيية فيي قول‬
‫الحسين وعكرمية وعطاء وجابر‪ .‬وقال ابن عباس وقتادة‪ :‬إل آيية؛ وهيي قوله تعالى‪" :‬وأقيم الصيلة‬
‫طرفي النهار" [هود‪ .]114 :‬وأسند أبو محمد الدارمي في مسنده عن كعب قال قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم (اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة)‪ .‬وروى الترمذي عن ابن عباس قال قال أبو‬
‫بكيير رضييي ال عنييه‪ :‬يييا رسييول ال قييد شبييت! قال‪( :‬شيبتنييي هود والواقعيية والمرسييلت وعييم‬
‫يتسياءلون وإذا الشميس كورت)‪ .‬قال‪ :‬هذا حدييث حسين غرييب‪ ،‬وقيد روي شييء مين هذا مرسيل‪.‬‬
‫وأخرجه الترمذي الحكيم أبو عبدال في "نوادر الصول"‪ :‬حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا محمد‬
‫بين بشير عين علي بين صيالح عين أبيي إسيحاق عين أبيي جحيفية قال‪ :‬قالوا ييا رسيول ال نراك قيد‬
‫شبيت! قال‪( :‬شيبتنيي هود وأخواتهيا)‪ .‬قال أبيو عبدال‪ :‬فالفزع يورث الشييب وذلك أن الفزع يذهيل‬
‫النفيس فينشيف رطوبية الجسيد‪ ،‬وتحيت كيل شعرة منبيع‪ ،‬ومنيه يعرق‪ ،‬فإذا انتشيف الفزع رطوبتيه‬
‫يبسيت المنابيع فيبيس الشعير وابييض؛ كميا ترى الزرع الخضير بسيقائه‪ ،‬فإذا ذهيب سيقاؤه يبيس‬
‫فابيض؛ وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده‪ ،‬فالنفس تذهل بوعيد ال‪ ،‬وأهوال ما‬
‫جاء به الخبر عن ال‪ ،‬فتذبل‪ ،‬وينشيف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به؛ فمنه تشيب‪ .‬وقال‬
‫ال تعالى‪" :‬يوميا يجعيل الولدان شيبيا" [المزميل‪ ]17 :‬فإنميا شابوا مين الفزع‪ .‬وأميا سيورة "هود"‬
‫فلما ذكر المم‪ ،‬وما حل بهم من عاجل بأس ال تعالى‪ ،‬فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم‬
‫ميين ملكييه وسييلطانه ولحظاتييه البطييش بأعدائه‪ ،‬فلو ماتوا ميين الفزع لحييق لهييم‪ ،‬ولكيين ال تبارك‬
‫وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الحايين حتى يقرؤوا كلمه‪ .‬وأما أخواتها فما أشبهها من السور؛‬
‫مثيل "الحاقية" [الحاقية‪ ]1 :‬و"سيأل سيائل" [المعارج‪ ]1 :‬و"إذا الشميس كورت" [التكويير‪]1 :‬‬
‫و"القارعية" [القارعية‪ ،]1 :‬ففيي تلوة هذه السيور ميا يكشيف لقلوب العارفيين سيلطانه وبطشيه‬
‫فتذهيل منيه النفوس‪ ،‬وتشييب منيه الرؤوس‪[ .‬قلت] وقيد قييل‪ :‬إن الذي شييب النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم مين سيورة "هود" قوله‪" :‬فاسيتقم كميا أمرت" [هود‪ ]112 :‬على ميا يأتيي بيانيه إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬وقال يزييد بين أبان‪ :‬رأييت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي مناميي فقرأت علييه سيورة‬
‫"هود" فلما ختمتهيا قال‪( :‬ييا يزييد هذه القراءة فأيين البكاء)‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬قال أبو جعفير النحاس‪:‬‬
‫يقال هذه هود فاعلم بغيير تنويين على أنيه اسيم للسيورة؛ لنيك لو سيميت امرأة بزييد‪ .‬لم تصيرف؛‬
‫وهذا قول الخليل وسيبويه‪ .‬وعيسي ابن عمر يقول‪ :‬هذه هود بالتنوين على أنه اسم للسورة؛ وكذا‬
‫إن سيمى امرأة بزييد؛ لنيه لميا سيكن وسيطه خيف فصيرف‪ ،‬فإن أردت الحذف صيرفت على قول‬
‫الجميييع‪ ،‬فقلت‪ :‬هذه هود وأنييت تريييد سييورة هود؛ قال سيييبويه‪ :‬والدليييل على هذا أنييك تقول هذه‬
‫الرحمن‪ ،‬فلول أنك تريد هذه سورة الرحمن ما قلت هذه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الر" تقدم القول فيه‪" .‬كتاب" بمعنى هذا كتاب‪" .‬أحكمت آياته" في موضع رفع‬
‫نعيت لكتاب‪ .‬وأحسين ميا قييل فيي معنيى "أحكميت آياتيه" قول قتادة؛ أي جعلت محكمية كلهيا ل خلل‬
‫فيها ول باطل‪ .‬والحكام منع القول من الفساد‪ ،‬أي نظمت نظما محكما ل يلحقها تناقض ول خلل‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬أي لم ينسخها كتاب‪ ،‬بخلف التوراة والنجيل‪ .‬وعلى هذا فالمعنى؛ أحكم بعض‬
‫آياتيه بأن جعيل ناسيخا غيير منسيوخ‪ .‬وقيد تقدم القول فييه‪ .‬وقيد يقيع اسيم الجنيس على النوع؛ فيقال‪:‬‬
‫أكلت طعام زيد؛ أي بعض طعامه‪ .‬وقال الحسن وأبو العالية‪" :‬أحكمت آياته" بالمر والنهي‪" .‬ثم‬
‫فصلت" بالوعد والوعيد والثواب والعقاب‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أحكمها ال من الباطل‪ ،‬ثم فصلها بالحلل‬
‫والحرام‪ .‬مجاهد‪ :‬أحكمت جملة‪ ،‬ثم بينت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد‬
‫والنبوة والبعييث وغيرهييا‪ .‬وقيييل‪ :‬جمعييت فييي اللوح المحفوظ‪ ،‬ثييم فصييلت فييي التنزيييل‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫"فصيلت" أنزلت نجميا نجميا لتتدبر‪ .‬وقرأ عكرمية "فصيلت" مخففيا أي حكميت بالحيق‪" .‬مين لدن"‬
‫أي من عند‪" .‬حكيم" أي محكم للمور‪" .‬خبير" بكل كائن وغير كائن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬أل تعبدوا إل ال إنني لكم منه نذير وبشير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل تعبدوا إل ال" قال الكسيائي والفراء‪ :‬أي بأل؛ أي أحكميت ثيم فصيلت بأل‬
‫تعبدوا إل ال‪ .‬قال الزجاج‪ :‬لئل؛ أي أحكمييت ثييم فصيلت لئل تعبدوا إل ال‪ .‬قييل‪ :‬أميير رسيوله أن‬
‫يقول للناس أل تعبدوا إل ال‪" .‬إننيي لكيم منيه" أي مين ال‪" .‬نذيير" أي مخوف مين عذابيه وسيطوته‬
‫لمين عصياه‪" .‬وبشيير" بالرضوان والجنية لمين أطاعيه‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين قول ال أول وآخرا؛ أي ل‬
‫تعبدوا إل ال إنني لكم منه نذير؛ أي ال نذير لكم من عبادة غيره‪ ،‬كما قال‪" :‬ويحذركم ال نفسه"‬
‫[آل عمران‪.]28 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 4 - 3 :‬وأن اسيتغفروا ربكيم ثيم توبوا إلييه يمتعكيم متاعيا حسينا إلى أجيل مسيمى‬
‫ويؤت كيل ذي فضيل فضله وإن تولوا فإنيي أخاف عليكيم عذاب يوم كيبير‪ ،‬إلى ال مرجعكيم وهيو‬
‫على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن استغفروا ربكم" عطف على الول‪" .‬ثم توبوا إليه" أي ارجعوا إليه بالطاعة‬
‫والعبادة‪ .‬قال الفراء‪" :‬ثم" هنا بمعنى الواو؛ أي وتوبوا إليه؛ لن الستغفار هو التوبة‪ ،‬والتوبة هي‬
‫السيتغفار‪ .‬وقييل‪ :‬اسيتغفروه مين سيالف ذنوبكيم‪ ،‬وتوبوا إلييه مين المسيتأنف متيى وقعيت منكيم‪ .‬قال‬
‫بعييض الصييلحاء‪ :‬السييتغفار بل إقلع توبيية الكذابييين‪ .‬وقييد تقدم هذا المعنييى فييي "آل عمران"‬
‫مسيتوفى‪ .‬وفيي "البقرة" عنيد قوله‪" :‬ول تتخذوا آيات ال هزوا" [البقرة‪ .]231 :‬وقييل‪ :‬إنميا قدم‬
‫ذكير السيتغفار لن المغفرة هيي الغرض المطلوب‪ ،‬والتوبية هيي السيبب إليهيا؛ فالمغفرة أول فيي‬
‫المطلوب وآخير فيي السيبب‪ .‬ويحتميل أن يكون المعنيى اسيتغفروه مين الصيغائر‪ ،‬وتوبوا إلييه مين‬
‫الكبائر‪" .‬يمتعكيم متاعيا حسينا" هذه ثمرة السيتغفار والتوبية‪ ،‬أي يمتعكيم بالمنافيع ثيم سيعة الرزق‬
‫ورغيد العييش‪ ،‬ول يسيتأصلكم بالعذاب كميا فعيل بمين أهلك قبلكيم‪ .‬وقييل‪ :‬يمتعكيم يعمركيم؛ وأصيل‬
‫المتاع الطالة‪ ،‬ومنييه أمتييع ال بييك ومتييع‪ .‬وقال سييهل بيين عبدال‪ :‬المتاع الحسيين ترك الخلق‬
‫والقبال على الحيق‪ .‬وقييل‪ :‬هيو القناعية بالموجود‪ ،‬وترك الحزن على المفقود‪" .‬إلى أجيل مسيمى"‬
‫قييل‪ :‬هيو الموت‪ .‬وقييل‪ :‬القيامية‪ .‬وقييل‪ :‬دخول الجنية‪ .‬والمتاع الحسين على هذا وقايية كيل مكروه‬
‫وأمر مخوف‪ ،‬مما يكون في القبر وغيره من أهوال القيامة وكربها؛ والول أظهر؛ لقوله في هذه‬
‫السييورة‪" :‬ويييا قوم اسييتغفروا ربكييم ثييم توبوا إلييه يرسييل السييماء عليكييم مدرارا ويزدكييم قوة إلى‬
‫قوتكيم" [هود‪ ]52 :‬وهذا ينقطيع بالموت وهيو الجيل المسيمى‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال مقاتيل‪ :‬فأبوا فدعيا‬
‫عليهييم رسييول ال صيلى ال علييه وسييلم‪ ،‬فابتلوا بالقحييط سييبع سيينين حتييى أكلوا العظام المحرقية‬
‫والقذر والجيييف والكلب‪" .‬ويؤت كييل ذي فضييل فضله" أي يؤت كييل ذي عمييل ميين العمال‬
‫الصالحات جزاء عمله‪ .‬وقيل‪ :‬ويؤت كل من فضلت حسناته على سيئاته "فضله" أي الجنة‪ ،‬وهي‬
‫فضيل ال؛ فالكنايية فيي قوله‪" :‬فضله" ترجيع إلى ال تعالى‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬هيو ميا يحتسيبه النسيان‬
‫من كلم يقوله بلسانه‪ ،‬أو عمل يعمله بيده أو رجله‪ ،‬أو ما تطوع به من ماله فهو فضل ال‪ ،‬يؤتيه‬
‫ذلك إذا آمن‪ ،‬ول يتقبله منه إن كان كافرا‪" .‬وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير" أي يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهو كبير لما فيه من الهوال‪ .‬وقيل‪ :‬اليوم الكبير هو يوم بدر وغيره‪ :‬و"تولوا" يجوز أن‬
‫يكون ماضيا ويكون المعنى‪ :‬وإن تولوا فقل لهم إني أخاف عليكم‪ .‬ويجوز أن يكون مستقبل حذفت‬
‫منه إحدى التاءين والمعنى‪ :‬قل لهم إن تتولوا فإني أخاف عليكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى ال مرجعكم" أي بعد الموت‪" .‬وهو على كل شيء قدير" من ثواب وعقاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬أل إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه أل حين يستغشون ثيابهيم يعلم ما يسيرون‬
‫وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه" أخبر عن معاداة المشركين للنبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم والمؤمنيين‪ ،‬ويظنون أنيه تخفيي على ال أحوالهيم‪" .‬يثنون صيدورهم" أي يطوونهيا‬
‫على عداوة المسييلمين ففيييه هذا الحذف‪ ،‬قال ابيين عباس‪ :‬يخفون مييا فييي صييدورهم ميين الشحناء‬
‫والعداوة ويظهرون خلفيه‪ .‬نزلت فيي الخنيس بين شرييق‪ ،‬وكان رجل حلو الكلم حلو المنطيق‪،‬‬
‫يلقيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بميا يجيب‪ ،‬وينطوي له بقلبيه على ميا يسيوء‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫"يثنون صيدورهم" شكيا وامتراء‪ .‬وقال الحسين‪ :‬يثنونهيا على ميا فيهيا مين الكفير‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي‬
‫بعض المنافقين‪ ،‬كان إذا مر بالنبي صلى ال عليه وسلم ثنى صدره وظهره‪ ،‬وطأطأ رأسه وغطى‬
‫وجهه‪ ،‬لكيل يراه النبي صلى ال عليه وسلم فيدعوه إلى اليمان؛ حكي معناه عن عبدال بن شداد‬
‫فالهاء فيي "منيه" تعود على النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬قال المنافقون إذا غلقنيا أبوابنيا‪،‬‬
‫واستغشينا ثيابنا‪ ،‬وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا؟ فنزلت الية‪ .‬وقيل‪ :‬إن قوما من‬
‫المسيلمين كانوا يتنسيكون بسيتر أبدانهيم ول يكشفونهيا تحيت السيماء‪ ،‬فيبين ال تعالى أن التنسيك ميا‬
‫اشتملت عليه قلوبهم من معتقد‪ ،‬وأظهروه من قول وعمل‪ .‬وروى ابن جرير عن محمد ابن عباد‬
‫بين جعفير قال‪ :‬سيمعت ابين عباس رضيي ال عنهميا يقول‪" :‬أل أنهيم تثنوي صيدورهم ليسيتخفوا‬
‫منه" قال‪ :‬كانوا ل يجامعون النساء‪ ،‬ول يأتون الغائط وهم يفضون إلى السماء‪ ،‬فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫وروى غيير محميد بين عباد عين ابين عباس‪" :‬أل إنهيم تثنوي صيدورهم" بغيير نون بعيد الواو‪ ،‬فيي‬
‫وزن تنطوي؛ ومعنى "تثنوي" والقراءتين الخريين متقارب؛ لنها ل تثنوي حتيى يثنوها‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫كان بعضهيم ينحنيي على بعيض يسياره فيي الطعين على المسيلمين‪ ،‬وبلغ مين جهلهيم أن توهموا أن‬
‫ذلك يخفييي على ال تعالى‪" :‬ليسييتخفوا" أي ليتواروا عنييه؛ أي عيين محمييد أو عيين ال‪" .‬أل حييين‬
‫يسيتغشون ثيابهيم" أي يغطون رؤوسيهم بثيابهيم‪ .‬قال قتادة‪ :‬أخفيى ميا يكون العبيد إذا حنيى ظهره‪،‬‬
‫واستغشى ثوبه‪ ،‬وأضمر في نفسه همه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬وما من دابة في الرض إل على ال رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في‬
‫كتاب مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما من دابة في الرض إل على ال رزقها" "ما" نفي و"من" زائدة و"دابة" في‬
‫موضيع رفيع؛ التقديير‪ :‬وميا دابية‪" .‬إل على ال رزقهيا" "على" بمعنيى "مين"‪ ،‬أي مين ال رزقهيا؛‬
‫يدل علييه قول‪ ،‬مجاهيد‪ :‬كيل ميا جاءهيا مين رزق فمين ال‪ .‬وقييل‪" :‬على ال" أي فضل ل وجوبيا‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬وعدا منيه حقيا‪ .‬وقيد تقدم بيان هذا المعنيى فيي "النسياء" وأنيه سيبحانه ل يجيب علييه شييء‪.‬‬
‫"رزقهيا" رفيع بالبتداء‪ ،‬وعند الكوفيين بالصفة؛ وظاهير الية العموم ومعناها الخصيوصي؛ لن‬
‫كثيرا مين الدواب هلك قبيل أن يرزق‪ .‬وقييل‪ :‬هيي عامية فيي كيل دابية‪ :‬وكيل دابية لم ترزق رزقيا‬
‫تعييش به فقيد رزقيت روحهيا؛ ووجه النظيم به قبل‪ :‬أنيه سبحانه أخبر برزق الجمييع‪ ،‬وأنيه ل يغفل‬
‫عين تربيتيه‪ ،‬فكييف تخفيى علييه أحوالكيم ييا معشير الكفار وهيو يرزقكيم؟ ! والدابية كيل حيوان يدب‪.‬‬
‫والرزق حقيقتييه مييا يتغذى بييه الحييي‪ ،‬ويكون فيييه بقاء روحييه ونماء جسييده‪ .‬ول يجوز أن يكون‬
‫الرزق بمعنيى الملك؛ لن البهائم ترزق ولييس يصيح وصيفها بأنهيا مالكية لعلفهيا؛ وهكذا الطفال‬
‫ترزق اللبيين ول يقال‪ :‬إن اللبيين الذي فييي الثدي ملك للطفييل‪ .‬وقال تعالى‪" :‬وفييي السييماء رزقكييم"‬
‫[الذاريات‪ ]22 :‬ولييس لنيا فيي السيماء ملك؛ ولن الرزق لو كان ملكيا لكان إذا أكيل النسيان مين‬
‫ملك غيره أن يكون قيد أكيل مين رزق غيره‪ ،‬وذلك محال؛ لن العبيد ل يأكيل إل رزق نفسيه‪ .‬وقيد‬
‫تقدم فيي "البقرة" هذا المعنيى والحميد ل‪ .‬وقييل لبعضهيم‪ :‬مين أيين تأكيل؟ وقال‪ :‬الذي خلق الرحيى‬
‫يأتيهيا بالطحيين‪ ،‬والذي شدق الشداق هيو خالق الرزاق‪ .‬وقييل لبيي أسييد‪ :‬مين أيين تأكيل؟ فقال‪:‬‬
‫سبحانه ال وال أكبر! إن ال يرزق الكلب أفل يرزق أبا أسيد!‪ .‬وقيل لحاتم الصم‪ :‬من أين تأكل؟‬
‫فقال‪ :‬من عند ال؛ فقيل له‪ :‬ال ينزل لك دنانير ودراهم من السماء؟ فقال‪ :‬كأن ماله إل السماء! يا‬
‫هذا الرض له والسماء له؛ فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الرض؛ وأنشد‪:‬‬
‫ورازق هذا الخلق في العسر واليسر‬ ‫وكيف أخاف الفقر وال رازقي‬
‫وللضب في البيداء والحوت في البحر‬ ‫تكفل بالرزاق للخلق كلهم‬
‫وذكير الترمذي الحكييم فيي "نوادر الصيول" بإسيناده عين زييد بين أسيلم‪ :‬أن الشعرييين أبيا موسيى‬
‫وأبيا مالك وأبيا عامير فيي نفير منهيم‪ ،‬لميا هاجروا وقدموا على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي‬
‫ذلك وقيد أرملوا مين الزاد‪ ،‬فأرسيلوا رجل منهيم إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يسيأله‪ ،‬فلميا‬
‫انتهى إلى باب رسول ال صلى ال عليه وسلم سمعه يقرأ هذه الية "وما من دابة في الرض إل‬
‫على ال رزقهييا ويعلم مسييتقرها ومسييتودعها كييل فييي كتاب مييبين" فقال الرجييل‪ :‬مييا الشعريون‬
‫بأهون الدواب على ال؛ فرجيع ولم يدخيل على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فقال لصيحابه‪:‬‬
‫أبشروا أتاكيم الغوث‪ ،‬ول يظنون إل أنيه قيد كلم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فوعده؛ فبينميا هيم‬
‫كذلك إذ أتاهييم رجلن يحملن قصييعة بينهييا مملوءة خبزا ولحمييا فأكلوا منهييا مييا شاؤوا‪ ،‬ثييم قال‬
‫بعضهيم لبعيض‪ :‬لو أنيا رددنيا هذا الطعام إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ليقضيي بيه حاجتيه؛‬
‫فقالوا للرجلين‪ :‬اذهبا بهذا الطعام إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنا قد قضينا منه حاجتنا‪ ،‬ثم‬
‫إنهم أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا رسول ال ما رأينا طعاما أكثر ول أطيب من‬
‫طعام أرسلت به؛ قال‪( :‬ما أرسلت إليكم طعاما) فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم‪ ،‬فسأله رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فأخيبره ميا صينع‪ ،‬وميا قال لهيم‪ ،‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ذلك‬
‫شيء رزقكموه ال)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويعلم مسيتقرها" أي مين الرض حييث تأوي إلييه‪" .‬ومسيتودعها" أي الموضيع‬
‫الذي تموت فيييه فتدفيين؛ قاله مقسييم عيين ابيين عباس رضييي ال عنهمييا‪ .‬وقال الربيييع بيين أنييس‪:‬‬
‫"مسيتقرها" أيام حياتهيا‪" .‬ومسيتودعها" حييث تموت وحييث تبعيث‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير عين ابين‬
‫عباس‪" :‬مسيتقرها" فيي الرحيم "ومسيتودعها" فيي الصيلب‪ .‬وقييل‪" :‬يعلم مسيتقرها" فيي الجنية أو‬
‫النار‪" .‬ومسيتودعها" فيي القيبر؛ يدل علييه قوله تعالى فيي وصيف أهيل الجنية وأهيل النار‪" :‬حسينت‬
‫مسيتقرا ومقاميا" [الفرقان‪" ]76 :‬سياءت مسيتقرا ومقاميا" [الفرقان‪" .]66 :‬كيل فيي كتاب ميبين"‬
‫أي في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وهو الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم‬
‫أيكييم أحسيين عمل ولئن قلت إنكييم مبعوثون ميين بعييد الموت ليقولن الذييين كفروا إن هذا إل سييحر‬
‫مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهيو الذي خلق السيماوات والرض فيي سيتة أيام" تقدم فيي "العراف" بيانيه‬
‫والحميد ل‪" .‬وكان عرشيه على الماء" بيين أن خلق العرش والماء قبيل خلق الرض والسيماء‪ .‬قال‬
‫كعب‪ :‬خلق ال ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة ال تعالى؛ فلذلك‬
‫يرتعد الماء إلى الن وإن كان ساكنا‪ ،‬ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها‪ ،‬ثم وضع العرش على‬
‫الماء‪ .‬وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس‪ :‬إنه سئل عن قوله عز وجل‪" :‬وكان عرشه على الماء"‬
‫فقال‪ :‬على أي شييء كان الماء؟ قال‪ :‬على متين الرييح‪ .‬وروى البخاري عين عمران بين حصيين‪.‬‬
‫قال‪ :‬كنيت عنيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذ جاءه قوم مين بنيي تمييم فقال‪( :‬اقبلوا البشرى بابنيي‬
‫تميم) قالوا‪ :‬بشرتنا فأعطنا [مرتين] فدخل ناس من أهل اليمن فقال‪( :‬اقبلوا البشرى يا أهل اليمن‬
‫إذ لم يقبلها بنو تميم) قالوا‪ :‬قبلنا‪ ،‬جئنا لنتفقه في الدين‪ ،‬ولنسألك عن هذا المر ما كان؟ قال‪( :‬كان‬
‫ال ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والرض وكتب فيي الذكر كل‬
‫شيء) ثم أتاني رجل فقال‪ :‬يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت‪ ،‬فانطلقت أطلبها فإذا هي يقطع دونها‬
‫السراب؛ وايم ال لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليبلوكم أيكم أحسن عمل" أي خلق ذلك ليبتلي عباده بالعتبار والستدلل على‬
‫كمال قدرتيه وعلى البعيث‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معنيى "أيكيم أحسين عمل" "أيكيم" أتيم عقل‪ .‬وقال الحسين‬
‫وسفيان الثوري‪ :‬أيكم أزهد في الدنيا‪ .‬وذكر أن عيسى عليه السلم مر برجل نائم فقال‪ :‬يا نائم قم‬
‫فتعبيد‪ ،‬فقال ييا روح ال قيد تعبدت‪ ،‬فقال (وبيم تعبدت)؟ قال‪ :‬قيد تركيت الدنييا لهلهيا؛ قال‪ :‬نيم فقيد‬
‫فقت العابيد بن الضحاك‪ :‬أيكم أكثير شكرا‪ .‬مقاتل‪ :‬أيكم أتقى ل‪ .‬ابن عباس‪ :‬أيكم أعمل بطاعة ال‬
‫عيز وجيل‪ .‬وروي عين ابين عمير أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪" :‬أيكيم أحسين عمل" قال‪( :‬أيكيم‬
‫أحسيين عقل وأورع عيين محارم ال وأسييرع فييي طاعيية ال) فجمييع القاويييل كلهييا‪ ،‬وسيييأتي فييي‬
‫"الكهيف" هذا أيضيا إن شاء ال تعالى‪ .‬وقيد تقدم معنيى البتلء‪" .‬ولئن قلت إنكيم مبعوثون" أي‬
‫دللت ييا محميد على البعيث‪" .‬مين بعيد الموت" وذكرت ذلك للمشركيين لقالوا‪ :‬هذا سيحر‪ .‬وكسيرت‬
‫(إن) لنهيا بعيد القول مبتدأة‪ .‬وحكيى سييبويه الفتيح‪" .‬ليقولن الذيين كفروا" فتحيت اللم لنيه فعيل‬
‫متقدم ل ضميير فييه‪ ،‬وبعده "ليقولن" لن فييه ضميرا‪ .‬و"سيحر" أي غرور باطيل‪ ،‬لبطلن السيحر‬
‫عندهم‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي "إن هذا إل سحر مبين" كناية عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 8 :‬ولئن أخرنيا عنهيم العذاب إلى أمية معدودة ليقولن ميا يحبسيه أل يوم يأتيهيم لييس‬
‫مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن أخرنيا عنهيم العذاب إلى أمية معدودة" اللم فيي "لئن" للقسيم‪ ،‬والجواب‬
‫"ليقولن"‪ .‬ومعنيى "إلى أمية" إلى أجيل معدود وحيين معلوم؛ فالمية هنيا المدة؛ قاله ابين عباس‬
‫ومجاهيد وقتادة وجمهور المفسيرين‪ .‬وأصيل المية الجماعية؛ فعيبر عين الحيين والسينين بالمية لن‬
‫المية تكون فيهيا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو على حذف المضاف‪ ،‬والمعنيى إلى مجييء أمية لييس فيهيا مين يؤمين‬
‫فيسيتحقون الهلك‪ .‬أو إلى انقراض أمية فيهيا مين يؤمين فل يبقيى بعيد انقراضهيا مين يؤمين‪ .‬والمية‬
‫اسييم مشترك يقال على ثمانييية أوجييه‪ :‬فالميية تكون الجماعيية؛ كقوله تعالى‪" :‬وجييد عليييه أمية ميين‬
‫الناس" [القصيص‪ .]23 :‬والمية أيضيا اتباع النيبياء عليهيم السيلم‪ .‬والمية الرجيل الجاميع للخيير‬
‫الذي يقتدى بيه؛ كقوله تعالى‪" :‬إن إبراهييم كان أمية قانتيا ل حنيفيا" [النحيل‪ .]120 :‬والمية الديين‬
‫والملة؛ كقوله تعالى‪" :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة" [الزخرف‪ .]22 :‬والمة الحين والزمان؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" وكذلك قوله تعالى‪" :‬وادكر بعد أمة" [يوسف‪:‬‬
‫‪ ]45‬والمية القامية‪ ،‬وهيو طول النسيان وارتفاعيه؛ يقال مين ذلك‪ :‬فلن حسين المية أي القامية‪.‬‬
‫والمة الرجل المنفرد بدينه وحده ل يشركه فيه أحد؛ قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬يبعث زيد‬
‫بن عمرو بن نفيل أمة وحده)‪ .‬والمة الم؛ يقال‪ :‬هذه أمة زيد‪ ،‬يعني أم زيد‪.‬‬
‫"ليقولن ميا يحبسيه" يعنيي العذاب؛ وقالوا هذا إميا تكذيبيا للعذاب لتأخره عنهيم‪ ،‬أو اسيتعجال‬
‫واستهزاء؛ أي ما الذي يحبسه عنا‪" .‬أل يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم" قيل‪ :‬هو قتل المشركين‬
‫ببدر؛ وقتييل جبريييل المسييتهزئين على مييا يأتييي‪" .‬وحاق بهييم" أي نزل وأحاط‪" .‬مييا كانوا بييه‬
‫يستهزئون" أي جزاء ما كانوا به يستهزئون‪ ،‬والمضاف محذوف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 10 - 9 :‬ولئن أذقنيا النسيان منيا رحمية ثيم نزعناهيا منيه إنيه ليؤوس كفور‪ ،‬ولئن‬
‫أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن أذقنيا النسيان" النسيان اسيم شائع للجنيس فيي جمييع الكفار‪ .‬ويقال‪ :‬إن‬
‫النسان هنا الوليد بن المغيرة وفيه نزلت‪ .‬وقيل‪ :‬في عبدال بن أبي أمية المخزومي‪" .‬رحمة" أي‬
‫نعمية‪" .‬ثيم نزعناهيا منيه" أي سيلبناه إياهيا‪" .‬إنيه ليؤوس" أي يائس مين الرحمية‪" .‬كفور" للنعيم‬
‫جاحيد لهيا؛ قال ابين العرابيي‪ .‬النحاس‪" :‬ليؤوس" مين يئس ييأس‪ ،‬وحكيى سييبويه يئس ييئس على‬
‫فعل يفعل‪ ،‬ونظير حسب يحسب ونعم ينعم‪ ،‬ويأس ييئس؛ وبعضهم يقول‪ :‬يئس ييئس؛ ول يعرف‬
‫فيي الكلم [العربيي] إل هذه الربعية الحرف مين السيالم جاءت‪ .‬على فعيل يفعيل؛ وفيي واحيد منهيا‬
‫اختلف‪ .‬وهو يئس و"يؤوس" على التكثير كفخور للمبالغة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن أذقناه نعماء" أي صيحة ورخاء وسعة في الرزق‪" .‬بعد ضراء مسته" أي‬
‫بعيد ضير وفقير وشدة‪" .‬ليقولن ذهيب السييئات عنيي" أي الخطاييا التيي تسيوء صياحبها مين الضير‬
‫والفقر‪" .‬إنه لفرح فخور" أي يفرح ويفخر بما ناله من السعة وينسى شكر ال عليه؛ يقال‪ :‬رجل‬
‫فاخيير إذا افتخيير ‪ -‬وفخور للمبالغيية ‪ -‬قال يعقوب القارئ‪ :‬وقرأ بعييض أهييل المدينيية (لفرح) بضييم‬
‫الراء كما يقال‪ :‬رجل فطن وحذر وندس‪ .‬ويجوز في كلتا اللغتين السكان لثقل الضمة والكسرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬إل الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل الذيين صيبروا وعملوا الصيالحات" يعنيي المؤمنيين‪ ،‬مدحهيم بالصيبر على‬
‫الشدائد‪ .‬وهو في موضع نصب‪ .‬قال الخفش‪ :‬هو استثناء ليس من الول؛ أي لكن الذين صبروا‬
‫وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة‪ .‬وقال‪ ،‬الفراء‪ :‬هو استثناء من "ولئن أذقناه" أي من‬
‫النسيان‪ ،‬فإن النسيان بمعنيى الناس‪ ،‬والناس يشميل الكافير والمؤمين؛ فهيو اسيتثناء متصيل وهيو‬
‫حسن‪" .‬أولئك لهم مغفرة" ابتداء وخبر "وأجر" معطوف‪" .‬كبير" صفة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لول أنزل عليه‬
‫كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير وال على كل شيء وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلعلك تارك بعيض ميا يوحيى إلييك" أي فلعلك لعظييم ميا تراه منهيم مين الكفير‬
‫والتكذيب تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم لما قالوا‪" :‬لول أنزل عليه كنز‬
‫أو جاء معيه ملك" هيم أن يدع سيب آلهتهيم فنزلت هذه اليية؛ فالكلم معناه السيتفهام؛ أي هيل أنيت‬
‫تارك ما فيه سب آلهتهم كما سألوك؟ وتأكد عليه المر في البلغ؛ كقوله‪" :‬يا أيها الرسول بلغ ما‬
‫أنزل إليك من ربك" [المائدة‪ .]67 :‬وقيل‪ :‬معنى الكلم النفي مع استبعاد؛ أي ل يكون منك ذلك‪،‬‬
‫بل تبلغهم كل ما أنزل إليك؛ وذلك أن مشركي مكة قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم لو أتيتنا بكتاب‬
‫ليييس فيييه سييب آلهتنييا لتبعناك‪ ،‬فهييم النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أن يدع سييب آلهتهييم؛ فنزلت‪.‬‬
‫"وضائق بيه صيدرك" عطيف على "تارك" و"صيدرك" مرفوع بيه‪ ،‬والهاء فيي "بيه" تعود على‬
‫"ما" أو على بعض‪ ،‬أو على التبليغ‪ ،‬أو التكذيب‪ .‬وقال‪" :‬ضائق" ولم يقل ضيق ليشاكل "تارك"‬
‫الذي قبله؛ ولن الضائق عارض‪ ،‬والضييق ألزم منه‪" .‬أن يقولوا" فيي موضع نصب؛ أي كراهيية‬
‫أن يقولوا‪ ،‬أو لئل يقولوا كقوله‪" :‬يبين ال لكم أن تضلوا" [النساء‪ ]176 :‬أي لئل تضلوا‪ .‬أو لن‬
‫يقولوا‪" .‬لول" أي هل "أنزل علييه كنيز أو جاء معيه ملك" يصيدقه؛ قاله عبدال بين أبيي أميية بين‬
‫المغيرة المخزومي؛ "إنما أنت نذير" فقال ال تعالى‪ :‬يا محمد إنما عليك أن تنذرهم‪ ،‬ل بأن تأتيهم‬
‫بما يقترحونه من اليات‪" .‬وال على كل شيء وكيل" أي حافظ وشهيد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 13 :‬أم يقولون افتراه قيل فأتوا بعشير سيور مثله مفتريات وادعوا مين اسيتطعتم مين‬
‫دون ال إن كنتم صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون افتراه" "أم" بمعنيى بيل‪ ،‬وقيد تقدم فيي "يونيس" أي قيد أزحيت علتهيم‬
‫وإشكالهييم فييي نبوتييك بهذا القرآن‪ ،‬وحججتهييم بييه؛ فإن قالوا‪ :‬افتريتييه ‪ -‬أي اختلقتييه ‪ -‬فليأتوا بمثله‬
‫مفترى بزعمهم‪" .‬وادعوا من استطعتم من دون ال" أي من الكهنة والعوان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 14 :‬فإن لم يسيتجيبوا لكيم فاعلموا أنميا أنزل بعلم ال وأن ل إله إل هيو فهيل أنتيم‬
‫مسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإلم يسيتجيبوا لكيم" "فإن لم يسيتجيبوا لكيم" أي فيي المعارضية ولم تتهييأ لهيم فقيد‬
‫قاميت عليهيم الحجية؛ إذ هيم اللسين البلغاء‪ ،‬وأصيحاب اللسين الفصيحاء‪" .‬فاعلموا أنميا أنزل بعلم‬
‫ال" واعلموا صدق محمد صلى ال عليه وسلم‪" ،‬و" اعلموا "أن ل إله إل هو فهل أنتم مسلمون"‬
‫اسيتفهام معناه المير‪ .‬وقيد تقدم القول فيي معنيى هذه اليية‪ ،‬وأن القرآن معجيز فيي مقدمية الكتاب‪.‬‬
‫والحميد ل‪ .‬وقال‪" :‬قيل فأتوا" وبعده‪" .‬فإن لم يسيتجيبوا لكيم" ولم يقيل لك؛ فقييل‪ :‬هيو على تحوييل‬
‫المخاطبة من الفراد‪ ،‬إلى الجمع تعظيما وتفخيما؛ وقد يخاطب الرئيس بما يخاطب به الجماعة‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬الضميير فيي "لكيم" وفيي "فاعلموا" للجمييع‪ ،‬أي فليعلم للجمييع "أنميا أنزل بعلم ال"؛ قاله‬
‫مجاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬الضميير فيي "لكيم" وفيي "فاعلموا" للمشركيين؛ والمعنيى‪ :‬فإن لم يسيتجب لكيم مين‬
‫تدعونه إلى المعاونة؛ ول تهيأت لكم المعارضة "فاعلموا أنما أنزل بعلم ال"‪ .‬وقيل‪ :‬الضمير في‬
‫"لكم" للنبي صلى ال عليه وسلم وللمؤمنين‪ ،‬وفي "فاعلموا" للمشركين‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 15 :‬ميين كان يريييد الحياة الدنيييا وزينتهييا نوف إليهييم أعمالهييم فيهييا وهييم فيهييا ل‬
‫يبخسون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من كان" كان زائدة‪ ،‬ولهذا جزم بالجواب فقال‪" :‬نوف إليهم" قاله الفراء‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪" :‬من كان" في موضع جزم بالشرط‪ ،‬وجوابه "نوف إليهم" أي من يكن يريد؛ والول في‬
‫اللفظ ماضي والثاني مستقبل‪ ،‬كما قال زهير‪:‬‬
‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬ ‫ومن هاب أسباب المنية يلقها‬
‫واختلف العلماء فييي تأويييل هذه الييية؛ فقيييل‪ :‬نزلت فييي الكفار؛ قال الضحاك‪ ،‬واختاره النحاس؛‬
‫بدليل الية التي بعدها "أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار" [هود‪ ]16 :‬أي من أتى منهم‬
‫بصيلة رحيم أو صيدقة نكافئه بهيا فيي الدنييا‪ ،‬بصيحة الجسيم‪ ،‬وكثرة الرزق‪ ،‬لكين ل حسينة له فيي‬
‫الخرة‪ .‬وقيد تقدم هذا المعنيى فيي "براءة" مسيتوفى‪ .‬وقييل‪ :‬المراد باليية المؤمنون؛ أي مين أراد‬
‫بعمله ثواب الدنيييا عجييل له الثواب ولم ينقييص شيئا فييي الدنيييا‪ ،‬وله فييي الخرة العذاب لنييه جرد‬
‫قصيده إلى الدنييا‪ ،‬وهذا كميا قال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إنميا العمال بالنيات) فالعبيد إنميا يعطيي‬
‫على وجيه قصيده‪ ،‬وبحكيم ضميره؛ وهذا أمير متفيق علييه فيي الميم بيين كيل ملة‪ .‬وقييل‪ :‬هيو لهيل‬
‫الرياء؛ وفي الخبر أنه يقال لهل الرياء‪( :‬صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد‬
‫قيل ذلك) ثم قال‪( :‬إن هؤلء أول من تسعر بهم النار)‪ .‬رواه أبو هريرة‪ ،‬ثم بكى بكاء شديدا وقال‪:‬‬
‫صدق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" ،‬من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" وقرأ اليتين‪ ،‬خرجه‬
‫مسيلم [فيي صيحيحه] بمعناه والترمذي أيضيا‪ .‬وقييل‪ :‬اليية عامية فيي كيل مين ينوي بعمله غيير ال‬
‫تعالى‪ ،‬كان معه أصل إيمان أو لم يكن؛ قال مجاهد وميمون بن مهران‪ ،‬وإليه ذهب معاوية رحمه‬
‫ال تعالى‪ .‬وقال ميمون بن مهران‪ :‬ليس أحيد يعميل حسينة إل وفي ثوابهيا؛ فإن كان مسيلما مخلصيا‬
‫وفيي فيي الدنييا والخرة‪ ،‬وإن كان كافرا وفيي الدنييا‪ .‬وقييل‪ :‬مين كان يرييد [الدنييا] بغزوه ميع النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم وفيهيا‪ ،‬أي وفيي أجير الغزاة ولم ينقيص منهيا؛ وهذا خصيوص والصييحيح‬
‫العموم‪.‬‬
‫@ قال بعض العلماء‪ :‬معنى هذه الية قوله عليه السلم‪( :‬إنما العمال بالنيات) وتدلك هذه الية‬
‫على أن من صام في رمضان ل عن رمضان ل يقع عن رمضان‪ ،‬وتدل على أن من توضأ للتبرد‬
‫والتنظف ل يقع قربة عن جهة الصلة‪ ،‬وهكذا كل ما كان في معناه‪.‬‬
‫@ ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الية مطلقة؛ وكذلك الية التي في "الشورى" "من كان يريد‬
‫حرث الخرة نزد له فييي حرثيه ومين كان يرييد حرث الدنييا نؤتيه منهيا" [الشورى‪ ]20 :‬اليية‪.‬‬
‫وكذلك "ومين يرد ثواب الدنييا نؤتيه منهيا" [آل عمران‪ ]145 :‬قيدهيا وفسيرها التيي فيي "سيبحان"‬
‫"من كان يرييد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نرييد" [السراء‪ ]18 :‬إلى قوله‪" :‬محظورا"‬
‫[السراء‪ ]20 :‬فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد وال سبحانه يحكم ما يريد‪ ،‬وروى الضحاك‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما (في قوله‪" :‬من كان يريد الحياة الدنيا" أنها منسوخة بقوله‪" :‬من‬
‫كان يريد العاجلة") [السراء‪ .]18 :‬والصحيح ما ذكرناه؛ وأنه من باب الطلق والتقييد؛ ومثله‬
‫قوله‪" :‬وإذا سييألك عبادي عنييي فإنييي قريييب أجيييب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة‪ ]186 :‬فهذا‬
‫ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال‪ ،‬وليس كذلك؛ لقوله تعالى‪" :‬فيكشف ما تدعون‬
‫إلييه إن شاء" [النعام‪ ]41 :‬والنسييخ فييي الخبار ل يجوز؛ لسيتحالة تبدل الواجبات العقليية‪،‬‬
‫ولسييتحالة الكذب على ال تعالى فأمييا الخبار عيين الحكام الشرعييية فيجوز نسييخها على خلف‬
‫فيه‪ ،‬على ما هو مذكور في الصول؛ ويأتي في "النحل" بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا‬
‫يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار" إشارة إلى التخليد‪ ،‬والمؤمن ل يخلد؛‬
‫لقوله تعالى‪" :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفير ميا دون ذلك" [النساء‪ ]48 :‬الية‪ .‬فهيو محمول‬
‫على ميا لو كانيت‪ .‬موافاة هذا المرئي على الكفير‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى لييس لهيم إل النار فيي أيام معلومية‬
‫ثييم يخرج؛ إمييا بالشفاعيية‪ ،‬وإمييا بالقبضيية‪ .‬والييية تقتضييي الوعيييد بسييلب اليمان؛ وفييي الحديييث‬
‫الماضيي يرييد الكفير وخاصية الرياء‪ ،‬إذ هيو شرك على ميا تقدم بيانيه فيي "النسياء" ويأتيي فيي آخير‬
‫"الكهف"‪" .‬وباطل ما كانوا يعملون ابتداء وخبر‪ ،‬قال أبو حاتم‪ :‬وحذف الهاء؛ قال النحاس‪ :‬هذا ل‬
‫يحتاج إلى حذف؛ لنيه بمعنيى المصيدر؛ أي وباطيل عمله‪ .‬وفيي حرف أبيي وعبدال "وباطل ميا‬
‫كانوا يعملون" وتكون "ما" زائدة؛ أي وكانوا يعملون باطل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 17 :‬أفمين كان على بينية مين ربيه ويتلوه شاهيد منيه ومين قبله كتاب موسيى إماميا‬
‫ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده فل تك في مرية منه إنه الحق‬
‫من ربك ولكن أكثر الناس ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمن كان على بينة من ربه" ابتداء والخبر محذوف؛ أي أفمن كان على بينة من‬
‫ربه في اتباع النبي صلى ال عليه وسلم ومعه من الفضل ما يتبين به كغيره ممن يريد الحياة الدنيا‬
‫وزينتهيا؟ ! عين علي بين الحسيين والحسين بين أبيي الحسين‪ .‬وكذلك قال ابين زييد إن الذي على بينية‬
‫هيو مين اتبيع النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪" .‬ويتلوه شاهيد منيه" مين ال‪ ،‬وهيو النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ .‬وقيل المراد بقوله "أفمن كان على بينة من ربه" النبي صلى ال عليه وسلم والكلم راجع‬
‫إلى قوله‪" :‬وضائق به صدرك" [هود‪]12 :‬؛ أي أفمن كان معه بيان من ال‪ ،‬ومعجزة كالقرآن‪،‬‬
‫ومعيه شاهيد كجبرييل ‪ -‬على ميا يأتيي ‪ -‬وقيد بشرت به الكتيب السيالفة يضييق صيدره بالبلغ‪ ،‬وهيو‬
‫يعلم أن ال ل يسلمه‪ .‬والهاء في "ربه" تعود عليه‪ ،‬وقوله‪" :‬ويتلوه شاهد منه" وروى عكرمة عن‬
‫ابين عباس (أنيه جبرييل)؛ وهيو قول مجاهيد والنخعيي‪ .‬والهاء فيي "منيه" ل عيز وجيل؛ أي ويتلو‬
‫البيان والبرهان شاهييد ميين ال عييز وجييل‪ .‬وقال مجاهييد‪ :‬الشاهييد ملك ميين ال عييز وجييل يحفظييه‬
‫ويسدده‪ .‬وقال الحسن البصري وقتادة‪ :‬الشاهد لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال محمد بن‬
‫علي بين الحنفيية‪ :‬قلت لبيي أنيت الشاهيد؟ فقال‪ :‬وددت أن أكون أنيا هيو‪ ،‬ولكنيه لسيان رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬هيو علي بين أبيي طالب؛ روي عين ابين عباس أنيه قال‪( :‬هيو علي بين‬
‫أبي طالب)؛ وروي عن علي أنه قال‪( :‬ما من رجل من قريش إل وقد أنزلت فيه الية واليتان؛‬
‫فقال له رجيل‪ :‬أي شييء نزل فييك؟ فقال علي‪" :‬ويتلوه شاهيد منيه")‪ .‬وقييل‪ :‬الشاهيد صيورة رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم ووجهيه ومخائله؛ لن مين كان له فضيل وعقيل فنظير إلى النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم علم أنيه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فالهاء على هذا ترجيع إلى النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬على قول ابن زيد وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬الشاهد القرآن فيي نظمه وبلغته‪ ،‬والمعاني الكثيرة‬
‫منيه في اللفظ الواحيد؛ قال الحسيين بن الفضيل‪ ،‬فالهاء فيي "منه" للقرآن‪ .‬وقال الفراء قال بعضهيم‪:‬‬
‫"ويتلوه شاهد منه" النجيل‪ ،‬وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق؛ والهاء في "منه" ل عز‬
‫وجيل‪ .‬وقييل‪ :‬البينية معرفية ال التيي أشرقيت لهيا القلوب‪ ،‬والشاهيد الذي يتلوه العقيل الذي ركيب فيي‬
‫دماغه وأشرق صدره بنوره‪" .‬ومن قبله" أي من قبل النجيل‪" .‬كتاب موسى" رفع بالبتداء‪ ،‬قال‬
‫أبييو إسييحاق الزجاج والمعنييى ويتلوه ميين قبله كتاب موسييى؛ لن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫موصيوف فيي كتاب موسيى "يجدونيه مكتوبيا عندهيم فيي التوراة والنجييل" [العراف‪]157 :‬‬
‫وحكيى أبيو حاتيم عين بعضهيم أنيه قرأ "ومين قبله كتاب موسيى" بالنصيب؛ وحكاهيا المهدوي عين‬
‫الكلبيي؛ يكون معطوفيا على الهاء فيي "يتلوه" والمعنيى‪ :‬ويتلو كتاب موسيى جبرييل علييه السيلم؛‬
‫وكذلك قال ابين عباس رضيي ال عنهميا؛ المعنيى مين قبله (تل جبرييل كتاب موسيى على موسيى)‪.‬‬
‫ويجوز على ما ذكره ابن عباس أيضا من هذا القول أن يرفع "كتاب" على أن يكون المعنى‪ :‬ومن‬
‫قبله كتاب موسيى كذلك؛ أي تله جبرييل على موسيى كميا تل القرآن على محميد‪" .‬إماميا" نصيب‬
‫على الحال‪" .‬ورحمة" معطوف‪" .‬أولئك يؤمنون به" إشارة إلى بني إسرائيل‪ ،‬أي يؤمنون بما في‬
‫التوراة من البشارة بك؛ وإنما كفر بك هؤلء المتأخرون فهم الذين موعدهم النار؛ حكاه القشيري‪.‬‬
‫والهاء فيي "بيه" يجوز أن تكون للقرآن‪ ،‬ويجوز أن تكون للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪" .‬ومين يكفير‬
‫بيه" أي بالقرآن أو بالنيبي علييه السيلم‪" .‬مين الحزاب" يعنيي مين الملل كلهيا؛ عين قتادة؛ وكذا قال‬
‫سيعيد بين جيبير‪" :‬الحزاب" أهيل الديان كلهيا؛ لنهيم يتحازبون‪ .‬وقييل‪ :‬قرييش وحلفاؤهيم‪" .‬فالنار‬
‫موعده" أي هو من أهل النار؛ وأنشد حسان‪:‬‬
‫فالنار موعدها والموت لقيها‬ ‫أوردتموها حياض الموت ضاحية‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث أبي يونس عن النبي صلى ال عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده ل‬
‫يسمع بي أحد من هذه المة يهودي ول نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من‬
‫أصحاب النار)‪" .‬فل تكن في مرية" أي في شك‪".‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منيه" أي مين القرآن‪" .‬إنيه الحيق مين ربيك" أي القرآن من ال؛ قاله مقاتيل‪ .‬وقال‬
‫الكلبيي‪ :‬المعنيى فل تيك فيي مريية فيي أن الكافيير فييي النار‪" .‬إنيه الحيق" أي القول الحيق الكائن؛‬
‫والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد جميع المكلفين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 19 - 18 :‬ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول‬
‫الشهاد هؤلء الذيين كذبوا على ربهيم أل لعنية ال على الظالميين‪ ،‬الذيين يصيدون عين سيبيل ال‬
‫ويبغونها عوجا وهم بالخرة هم كافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا" أي ل أحد أظلم منهم لنفسهم لنهم افتروا‬
‫على ال كذبيييا؛ فأضافوا كلميييه إلى غيره؛ وزعموا أن له شريكيييا وولدا‪ ،‬وقالوا للصييينام هؤلء‬
‫شفعاؤنا عند ال‪" .‬أولئك يعرضون على ربهم" أي يحاسبهم على أعمالهم "ويقول الشهاد" يعني‬
‫الملئكية الحفظة؛ عن مجاهد وغيره؛ وقال سفيان‪ :‬سيألت العمش عن (الشهاد) فقال‪ :‬الملئكة‪.‬‬
‫الضحاك‪ :‬هيم النيبياء والمرسيلون؛ دليله قوله‪" :‬فكييف إذا جئنيا مين كيل أمية بشهييد وجئنيا بيك على‬
‫هؤلء شهيدا" [النسياء‪ .]41 :‬وقييل‪ :‬الملئكية والنيبياء والعلماء الذيين بلغوا الرسيالت‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬عن الخلئق أجمع‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث صفوان بن محرز عن ابن عمر عن النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وفييه قال‪( :‬وأميا الكفار والمنافقون فينادى بهيم على رؤوس الخلئق هؤلء‬
‫الذييين كذبوا على ال)‪" .‬أل لعنيية ال على الظالمييين" أي بعده وسييخطه وإبعاده ميين رحمتييه على‬
‫الذين وضعوا العبادة في غير موضعها‪..‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيين يصيدون عين سيبيل ال" يجوز أن تكون "الذيين" فيي موضيع خفيض نعتيا‬
‫للظالمين‪ ،‬ويجوز أن تكون في موضع رفع؛ أي هم الذين‪ .‬وقيل‪ :‬هو ابتداء خطاب من ال تعالى؛‬
‫أي هم الذين يصدون أنفسهم وغيرهم عن اليمان والطاعة‪" .‬ويبغونها عوجا" أي يعدلون بالناس‬
‫عنها إلى المعاصي والشرك‪" .‬وهم بالخرة هم كافرون" أعاد لفظ "هم" تأكيدا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 20 :‬أولئك لم يكونوا معجزيين فيي الرض وميا كان لهيم مين دون ال مين أولياء‬
‫يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك لم يكونوا معجزين في الرض" أي فائتين من عذاب ال‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫لم يعجزوني أن آمر الرض فتنخسف بهم‪" .‬وما كان لهم من دون ال من أولياء" يعني أنصارا‪،‬‬
‫و"مين" زائدة‪ .‬وقييل‪" :‬ميا" بمعنيى الذي تقديره‪ :‬أولئك لم يكونوا معجزيين‪ ،‬ل هيم ول الذيين كانوا‬
‫لهيم مين أولياء مين دون ال؛ وهيو قول ابين عباس رضيي ال عنهميا‪" .‬يضاعيف لهيم العذاب" أي‬
‫على قدر كفرهم ومعاصيهم‪" .‬ما كانوا يستطيعون السمع" "ما" في موضع نصب على أن يكون‬
‫المعنيى‪ :‬بميا كانوا يسيتطيعون السيمع‪" .‬وميا كانوا يبصيرون" ولم يسيتعملوا ذلك فيي اسيتماع الحيق‬
‫وإبصياره‪ .‬والعرب تقول‪ :‬جزيتيه ميا فعيل وبميا فعيل؛ فيحذفون الباء مرة ويثبتونهيا أخرى؛ وأنشيد‬
‫سيبويه‪:‬‬
‫فقد تركتك ذا مال وذا نشب‬ ‫أمرتك الخير فافعل ما أمرت به‬
‫ويجوز أن تكون "ميا" ظرفيا‪ ،‬والمعنيى‪ :‬يضاعيف لهيم أبدا‪ ،‬أي وقيت اسيتطاعتهم السيمع والبصير‪،‬‬
‫وال سيبحانه يجعلهيم فيي جهنيم مسيتطيعي ذلك أبدا‪ .‬ويجوز أن تكون "ميا" نافيية ل موضيع لهيا؛ إذ‬
‫الكلم قد تم قبلها‪ ،‬والوقف على العذاب كاف؛ والمعنى‪ :‬ما كانوا يستطيعون في الدنيا أن يسمعوا‬
‫سيمعا ينتفعون بيه‪ ،‬ول أن يبصيروا إبصيار مهتيد‪ .‬قال الفراء‪ :‬ميا كانوا يسيتطيعون السيمع؛ لن ال‬
‫أضلهيم فيي اللوح المحفوظ‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬لبغضهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم وعداوتهيم له ل‬
‫يسييتطيعون أن يسييمعوا منييه ول يفقهوا عنييه‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا معروف فييي كلم العرب؛ يقال‪:‬‬
‫فلن ل يستطيع أن ينظر إلى فلن إذا كان ذلك ثقيل عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 22 - 21 :‬أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون‪ ،‬ل جرم أنهم‬
‫في الخرة هم الخسرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذيين خسيروا أنفسهم" ابتداء وخيبر‪" .‬وضيل عنهم ما كانوا يفترون" أي‬
‫ضاع عنهم افتراؤهم وتلف‪" .‬ل جرم" للعلماء فيها أقوال؛ فقال الخليل وسيبويه‪" :‬ل جرم" بمعنى‬
‫حيق‪ ،‬فيي "ل" و"جرم" عندهميا كلمية واحدة‪ ،‬و"أن" عندهميا فيي موضيع رفيع؛ وهذا قول الفراء‬
‫ومحمد بن يزيد؛ حكاه النحاس‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وعن الخليل أيضا أن معناها لبد ول محالة‪ ،‬وهو‬
‫قول الفراء أيضييا؛ ذكره الثعلبييي‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬ل" هييا هنييا نفييي وهييو رد لقولهييم‪ :‬إن الصيينام‬
‫تنفعهييم؛ كأن المعنييى ل ينفعهييم ذلك‪ ،‬وجرم بمعنييى كسييب؛ أي كسييب ذلك الفعييل لهييم الخسييران‪،‬‬
‫وفاعيل كسيب مضمير‪ ،‬و"أن" منصيوبة بجرم‪ ،‬كميا تقول كسيب جفاؤك زيدا غضبيه علييك؛ وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫بما جرمت يداه وما اعتدينا‬ ‫نصبنا رأسه في جذع نخل‬
‫أي بميا كسيبت‪ .‬وقال الكسيائي‪ :‬معنيى "ل جرم" ل صيد ول منيع عين أنهيم‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ل قطيع‬
‫قاطع‪ ،‬فحذف الفاعل حين كثر استعماله؛ والجرم القطع؛ وقد جرم النخل واجترمه أي صرمه فهو‬
‫جارم‪ ،‬وقوم وجرم وجرام وهذا زميين الجرام والجرام‪ ،‬وجرمييت صييوف الشاة أي جززتييه‪ ،‬وقييد‬
‫جرمت منه أي أخذت منه؛ مثل جلمت الشيء جلما أي قطعت‪ ،‬وجلمت الجزور أجلمها جلما إذا‬
‫أخذت ميا على عظامهيا مين اللحيم‪ ،‬وأخذت الشييء بجلمتيه ‪ -‬سياكنة اللم ‪ -‬إذا أخذتيه أجميع‪ ،‬وهذه‬
‫جلمة الجزور ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬أي لحمها أجمع؛ قاله الجوهري‪ .‬قال النحاس‪ :‬وزعم الكسائي أن فيها‬
‫أربيع لغات‪ :‬ل جرم‪ ،‬ول عين ذا جرم؛ ول أن ذا جرم‪ ،‬قال‪ :‬وناس مين فزارة يقولون‪ :‬ل جرأنهيم‬
‫بغييير ميييم‪ .‬وحكييى الفراء فيييه لغتييين أخريييين قال‪ :‬بنييو عاميير يقولون ل ذا جرم‪ ،‬قال‪ :‬وناس ميين‬
‫العرب‪ .‬يقولون‪ :‬ل جرم بضم الجيم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 23 :‬إن الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات وأخبتوا إلى ربهيم أولئك أصيحاب الجنية هيم‬
‫فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذييين آمنوا" "الذييين" اسييم "إن" و"آمنوا" صييلة‪ ،‬أي صييدقوا‪" .‬وعملوا‬
‫الصييالحات وأخبتوا إلى ربهييم" عطييف على الصييلة‪ .‬قال ابيين عباس‪( :‬أخبتوا أنابوا)‪ .‬مجاهييد‪:‬‬
‫أطاعوا‪ .‬قتادة‪ :‬خشعوا وخضعوا‪ .‬مقاتيل‪ :‬أخلصيوا‪ .‬الحسين‪ :‬الخبات الخشوع للمخافية الثابتية فيي‬
‫القلب‪ ،‬وأصيل الخبات السيتواء‪ ،‬مين الخبيت وهيو الرض المسيتوية الواسيعة‪ :‬فالخبات الخشوع‬
‫والطمئنان‪ ،‬أو النابية إلى ال عيز وجيل المسيتمرة ذلك على اسيتواء‪" .‬إلى ربهيم" قال الفراء‪ :‬إلى‬
‫ربهم ولربهم واحد‪ ،‬وقد يكون المعنى‪ :‬وجهوا إخباتهم إلى ربهم‪" .‬أولئك" خبر "إن"‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 24 :‬مثييل الفريقييين كالعمييى والصييم والبصييير والسييميع هيل يسييتويان مثل أفل‬
‫تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثيل الفريقيين" ابتداء‪ ،‬والخيبر "كالعميى" وميا بعده‪ .‬قال الخفيش‪ :‬أي كمثيل‬
‫العميى‪ .‬النحاس‪ :‬التقديير مثيل فرييق الكافير كالعميى والصيم‪ ،‬ومثيل فرييق المؤمين كالسيميع‬
‫والبصيير؛ ولهذا قال‪" :‬هيل يسيتويان" فرد إلى الفريقيين وهميا اثنان روي معناه عين قتادة وغيره‪.‬‬
‫قال الضحاك‪ :‬العميى والصيم مثيل للكافير‪ ،‬والسيميع والبصيير مثيل للمؤمين‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى هيل‬
‫يسيتوي العميى والبصيير‪ ،‬وهيل يسيتوي الصيم والسيميع‪" .‬مثل" منصيوب على التميييز‪" .‬أفل‬
‫تذكرون" في الوصفين وتنظرون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 26 - 25 :‬ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين‪ ،‬أن ل تعبدوا إل ال إني‬
‫أخاف عليكم عذاب يوم أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد أرسيلنا نوحيا إلى قوميه" ذكير سيبحانه قصيص النيبياء عليهيم السيلم للنيبي‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم تنبيهييا له على ملزميية الصييبر على أذى الكفار إلى أن يكفيييه ال أمرهييم‪.‬‬
‫"إنيي" أي فقال‪ :‬إنيي؛ لن فيي الرسيال معنيى القول‪ .‬وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو والكسيائي "أنيي"‬
‫بفتح الهمزة؛ أي أرسلناه بأني لكم نذير مبين‪ .‬ولم يقل "إنه" لنه رجع من الغيبة إلى خطاب نوح‬
‫لقوميه؛ كميا قال‪" :‬وكتبنيا له فيي اللواح مين كيل شييء" [العراف‪ ]145 :‬ثيم قال‪" :‬فخذهيا بقوة"‬
‫[العراف ‪.]145‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل تعبدوا إل ال" أي اتركوا الصنام فل تعبدوها‪ ،‬وأطيعوا ال وحده‪ .‬ومن قرأ‬
‫"إني" بالكسير جعله معترضا في الكلم‪ ،‬والمعنيى أرسلناه بأل تعبدوا إل ال‪" .‬إني أخاف عليكم‬
‫عذاب يوم أليم"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 27 :‬فقال المل الذيين كفروا مين قوميه ميا نراك إل بشرا مثلنيا وميا نراك اتبعيك إل‬
‫الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقال المل" قال أبو إسحاق الزجاج‪ :‬المل الرؤساء؛ أي هم مليؤون بما يقولون‪.‬‬
‫وقييد تقدم هذا فييي "البقرة" وغيرهييا‪" .‬مييا نراك إل بشرا" أي آدميييا‪" .‬مثلنييا" نصييب على الحال‪.‬‬
‫و"مثلنا" مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يا رب مثلك في النساء غريرة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما نراك اتبعك إل الذين هم أراذلنا" أراذل جمع أرذل وأرذل جمع رذل؛ مثل‬
‫كلب وأكلب وأكالب‪ .‬وقيييل‪ :‬والراذل جمييع الرذل‪ ،‬كأسيياود جمييع السييود ميين الحيات‪ .‬والرذل‬
‫النذل؛ أرادوا اتبعيك أخسياؤنا وسيقطنا وسيفلتنا‪ .‬قال الزجاج‪ :‬نسيبوهم إلى الحياكية؛ ولم يعلموا أن‬
‫الصييناعات ل أثيير لهييا فييي الديانيية‪ .‬قال النحاس‪ :‬الراذل هييم الفقراء‪ ،‬والذييين ل حسييب لهييم‪،‬‬
‫والخسييسو الصيناعات‪ .‬وفيي الحدييث (أنهيم كانوا حاكية وحجاميين)‪ .‬وكان هذا جهل منهيم؛ لنهيم‬
‫عابوا نبي ال صلى ال عليه وسلم بما ل عيب فيه؛ لن النبياء صلوات ال وسلمه عليهم‪ ،‬إنما‬
‫عليهم أن يأتوا بالبراهين واليات‪ ،‬وليس عليهم تغييير الصور والهيئات‪ ،‬وهم يرسلون إلى الناس‬
‫جميعا‪ ،‬فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لن عليهم أن يقبلوا إسلم كل من أسلم‬
‫منهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الراذل هنيا هيم الفقراء والضعفاء؛ كميا قال هرقيل لبيي سيفيان‪ :‬أشراف الناس اتبعوه أم‬
‫ضعفاؤهييم؟ فقال‪ :‬بييل ضعفاؤهييم؛ فقال‪ :‬هييم أتباع الرسييل‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬إنمييا كان ذلك لسييتيلء‬
‫الرياسة على الشراف‪ ،‬وصعوبة النفكاك عنها‪ ،‬والنفة من النقياد للغير؛ والفقير خلي عن تلك‬
‫الموانع‪ ،‬فهو سريع إلى الجابة والنقياد‪ .‬وهذا غالب أحوال أهل الدنيا‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في تعيين السفلة على أقوال؛ فذكر ابن المبارك عن سفيان أن السفلة هم الذين‬
‫يتقلسييون‪ ،‬ويأتون أبواب القضاة والسييلطين يطلبون الشهادات وقال ثعلب عيين ابيين العرابييي‪:‬‬
‫السفلة الذين يأكلون لدنيا بدينهم؛ قيل له‪ :‬فمن سفلة السفلة؟ قال‪ :‬الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه‪.‬‬
‫وسئل علي رضي ال عنه عن السفلة فقال‪ :‬الذين إذا اجتمعوا غلبوا؛ وإذا تفرقوا لم يعرفوا‪ .‬وقيل‬
‫لمالك بين أنييس رضييي ال عنيه‪ :‬ميين السيفلة؟ قال‪ :‬الذي يسيب الصيحابة‪ .‬وروي عين ابين عباس‬
‫رضي ال عنهما‪( :‬الرذلون الحاكة والحجامون)‪ .‬يحيى بن أكثم‪ :‬الدباغ والكناس إذا كان من غير‬
‫العرب‪.‬‬
‫إذا قالت المرأة لزوجها‪ :‬يا سَفِلة‪ ،‬فقال‪ :‬إن كنت منهم فأنت طالق؛ فحكى النقاش أن رجل جاء‬
‫إلى الترمذي فقال‪ :‬إن امرأتي قالت لي يا سفلة‪ ،‬فقلت‪ :‬إن كنت سفلة فأنت طالق؛ قال الترمذي‪ :‬ما‬
‫صيناعتك؟ قال‪ :‬سيماك؛ قال‪ :‬سيفلة وال‪ ،‬سيفلة وال سيفلة‪ .‬قلت‪ :‬وعلى ميا ذكره ابين المبارك عين‬
‫سفيان ل تطلق‪ ،‬وكذلك على قول مالك‪ ،‬وابن العرابي ل يلزمه شيء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بادي الرأي" أي ظاهير الرأي‪ ،‬وباطنهيم على خلف ذلك‪ .‬يقال‪ :‬بدا يبدو‪ .‬إذا‬
‫ظهر؛ كما قال‪:‬‬
‫فاليوم حين بدون للنظار‬
‫ويقال للبرية بادية لظهورها‪ .‬وبدا لي أن أفعل كذا‪ ،‬أي ظهر لي رأي غير الول‪ .‬وقال الزهري‪:‬‬
‫معناه فيميا يبدو لنيا مين الرأي‪ .‬ويجوز أن يكون "بادي الرأي" مين بدأ يبدأ وحذف الهمزة‪ .‬وحقيق‬
‫أبييييو عمرو الهمزة فقرأ‪" :‬بادئ الرأي" أي أول الرأي؛ أي اتبعوك حييييين ابتدؤوا ينظرون‪ ،‬ولو‬
‫أمعنوا النظيير والفكيير لم يتبعوك؛ ول يختلف المعنييى ههنييا بالهمييز وترك الهمييز‪ .‬وانتصييب على‬
‫حذف "في" كما قال عز وجل‪" :‬واختار موسى قومه" [العراف‪" .]155 :‬وما نرى لكم علينا‬
‫مين فضيل" أي فيي اتباعيه؛ وهذا جحيد منهيم لنبوتيه صيلى ال علييه وسيلم "بيل نظنكيم كاذبيين"‬
‫الخطاب لنوح ومن آمن معه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 28 :‬قال ييا قوم أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي وآتانيي رحمية مين عنده فعمييت‬
‫عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال ييا قوم أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي" أي على يقيين؛ قاله أبيو عمران‬
‫الجونيي‪ .‬وقييل‪ :‬على معجزة؛ وقيد تقدم فيي "النعام" هذا المعنيى‪" .‬وآتانيي رحمية مين عنده" أي‬
‫نبوة ورسالة؛ عن ابين عباس؛ (وهيي رحمية على الخلق)‪ .‬وقيل‪ :‬الهداية إلى ال بالبراهيين‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫باليمان والسيلم‪" .‬فعمييت عليكيم" أي عمييت عليكيم الرسيالة والهدايية فلم تفهموهيا‪ .‬يقال‪ :‬عمييت‬
‫عن كذا‪ ،‬وعمي علي كذا أي لم أفهمه‪ .‬والمعنى‪ :‬فعميت الرحمة؛ فقيل‪ :‬هو مقلوب؛ لن الرحمة ل‬
‫تعميى إنميا يعميى عنهيا؛ فهيو كقولك‪ :‬أدخلت فيي القلنسيوة رأسيي‪ ،‬ودخيل الخيف فيي رجلي‪ .‬وقرأهيا‬
‫العميش وحمزة والكسيائي "فعمييت" بضيم العيين وتشدييد المييم على ميا لم يسيم فاعله‪ ،‬أي فعماهيا‬
‫ال عليكم؛ وكذا في قراءة أبي "فعماها" ذكرها الماوردي‪" .‬أنلزمكموها" قيل‪ :‬شهادة أن ل إله إل‬
‫ال‪ .‬وقيل‪ :‬الهاء ترجع إلى الرحمة‪ .‬وقيل‪ :‬إلى البينة؛ أي أنلزمكم قبولها‪ ،‬وأوجبها عليكم؟ ! وهو‬
‫استفهام بمعنى النكار؛ أي ل يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها؛ وإنما قصد نوح عليه السلم‬
‫بهذا القول أن يرد عليهم‪ .‬وحكى الكسائي والفراء "أنلزمكموها" بإسكان الميم الولى تخفيفا؛ وقد‬
‫أجاز مثل هذا سيبويه‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫إثما من ال ول واغل‬ ‫فاليوم أشرب غير مستحقب‬
‫وقال النحاس‪ :‬ويجوز على قول يونيييس [فيييي غيييير القرآن] أنلزمكمهيييا يجري المضمييير مجرى‬
‫المظهر؛ كما تقول‪ :‬أنلزمكم ذلك‪" .‬وأنتم لها كارهون" أي ل يصح قبولكم لها مع الكراهة عليها‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬وال لو استطاع نبي ال نوح عليه السلم للزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 29 :‬وييا قوم ل أسيألكم علييه مال إن أجري إل على ال وميا أنيا بطارد الذيين آمنوا‬
‫إنهم ملقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويا قوم ل أسألكم عليه مال" أي على التبليغ‪ ،‬والدعاء إلى ال‪ ،‬واليمان به أجرا‬
‫أي "مال" فيثقييل عليكييم‪" .‬إن أجري إل على ال" أي ثوابييي فييي تبليييغ الرسييالة‪" .‬ومييا أنييا بطارد‬
‫الذين آمنوا" سألوه أن يطرد الراذل الذين آمنوا به‪ ،‬كما سألت قريش النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يطرد الموالي والفقراء‪ ،‬حسب ما تقدم في "النعام" بيانه؛ فأجابهم بقوله‪" :‬وما أنا بطارد الذين‬
‫آمنوا إنهييم ملقييو ربهييم" يحتمييل أن يكون قال هذا على وجييه العظام لهييم بلقاء ال عييز وجييل‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون قاله على وجه الختصام؛ أي لو فعلت ذلك لخاصموني عند ال‪ ،‬فيجازيهم على‬
‫إيمانهم‪ ،‬ويجازي من طردهم‪" .‬ولكني أراكم قوما تجهلون" في استرذالكم لهم‪ ،‬وسؤالكم طردهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬ويا قوم من ينصرني من ال إن طردتهم أفل تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويا قوم من ينصرني من ال" قال الفراء‪ :‬أي يمنعني من عذابه‪" .‬إن طردتهم"‬
‫أي لجل إيمانهم‪" .‬أفل تتذكرون" أدغمت التاء في الذال‪ .‬ويجوز حذفها فتقول‪َ :‬تذَكرون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 31 :‬ول أقول لكيم عندي خزائن ال ول أعلم الغييب ول أقول إنيي ملك ول أقول‬
‫للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ال خيرا ال أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول أقول لكيم عندي خزائن ال ول أعلم الغييب" أخيبر بتذل وتواضعيه ل عيز‬
‫وجل‪ ،‬وأنه ل يدعي ما ليس له من خزائن ال؛ وهي إنعامه على من يشاء من عباده؛ وأنه ل يعلم‬
‫الغييب؛ لن الغييب ل يعلميه إل ال عيز وجيل‪" .‬ول أقول إنيي ملك" أي ل أقول إن منزلتيي عنيد‬
‫الناس منزلة الملئكيية‪ .‬وقييد قالت العلماء‪ :‬الفائدة فييي الكلم الدللة على أن الملئكيية أفضييل ميين‬
‫النبياء؛ لدوامهم على الطاعة‪ ،‬واتصال عباداتهم إلى يوم القيامة‪ ،‬صلوات ال عليهم أجمعين‪ .‬وقد‬
‫تقدم هذا المعنييى فييي "البقرة"‪" .‬ول أقول للذي تزدري أعينكيييم" أي تسييتثقل وتحتقيير أعينكييم؛‬
‫والصل تزدريهيم حذفت الهاء والمييم لطول السيم‪ .‬والدال مبدلة من تاء؛ لن الصيل فيي تزدري‬
‫تزتري‪ ،‬ولكييين التاء تبدل بعيييد الزاي دال؛ لن الزاي مجهورة والتاء مهموسييية‪ ،‬فأبدل مييين التاء‬
‫حرف مجهور من مخرجها‪ .‬ويقال‪ :‬أزريت عليه إذا عبته‪ .‬وزريت عليه إذا حقرته‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫حليلته وينهره الصغير‬ ‫يباعده الصديق وتزدريه‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لن يؤتيهم ال خيرا" أي ليس لحتقاركم لهم تبطل أجورهم‪ ،‬أو ينقص ثوابهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال أعلم بما في أنفسهم" فيجازيهم عليه ويؤاخذهم به‪" .‬إني إذا لمن الظالمين" أي‬
‫إن قلت هذا الذي تقدم ذكره‪ .‬و"إذا" ملغاة؛ لنها متوسطة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" أي خاصمتنا فأكثرت خصومتنا وبالغت‬
‫فيهيا‪ .‬والجدل فيي كلم العرب المبالغية فيي الخصيومة؛ مشتيق مين الجدل وهيو شدة الفتيل؛ ويقال‬
‫للصقر أيضا أجدل لشدته في الطير؛ وقد مضى هذا المعنى في "النعام" بأشبع من هذا‪ .‬وقرأ ابن‬
‫عباس "فأكثرت جدلنا" ذكره النحاس‪ .‬والجدل في الدين محمود؛ ولهذا جادل نوج والنبياء قومهم‬
‫حتيى يظهير الحيق‪ ،‬فمين قبله أنجيح وأفلح‪ ،‬ومين رده خاب وخسير‪ .‬وأميا الجدال لغيير الحيق حتيى‬
‫يظهير الباطيل فيي صيورة الحيق فمذموم‪ ،‬وصياحبه فيي الداريين ملوم‪" .‬فأتنيا بميا تعدنيا" أي مين‬
‫العذاب‪" .‬إن كنت من الصادقين" في قولك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬قال إنما يأتيكم به ال إن شاء وما أنتم بمعجزين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال إنما يأتيكم به ال إن شاء" أي إن أراد إهلككم عذبكم‪" .‬وما أنتم بمعجزين"‬
‫أي بفائتين‪ .‬وقيل‪ :‬بغالبين بكثرتكم‪ ،‬لنهم أعجبوا بذلك؛ كانوا ملؤوا الرض سهل وجبل على ما‬
‫يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬ول ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان ال يريد أن يغويكم هو ربكم‬
‫وإليه ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول ينفعكم نصحي" أي إبلغي واجتهادي في إيمانكم‪" .‬إن أردت أن أنصح لكم"‬
‫أي لنكم ل تقبلون نصحا؛ وقد تقدم في "براءة" معنى النصح لغة‪".‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كان ال يرييد أن يغويكيم" أي يضلكيم‪ .‬وهذا مميا يدل على بطلن مذهيب‬
‫المعتزلة والقدريية ومين وافقهميا؛ إذ زعموا أن ال تعالى ل يرييد أن يعصيي العاصيي‪ ،‬ول يكفير‬
‫الكافيير‪ ،‬ول يغوي الغاوي؛ وأن يفعييل ذلك‪ ،‬وال ل يريييد ذلك؛ فرد ال عليهييم بقوله‪" :‬إن كان ال‬
‫يريد أن يغويكم"‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في "الفاتحة" وغيرها‪ .‬وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس‬
‫على ما بيناه في "العراف" في إغواء ال تعالى إياه حيث قال‪" :‬فبما أغويتني" [العراف‪]16 :‬‬
‫ول محييص لهيم عين قول نوح علييه السيلم‪" :‬إن كان ال يرييد أن يغويكيم" فأضاف إغواءهيم إلى‬
‫ال سيبحانه وتعالى؛ إذ هيو الهادي والمضيل؛ سيبحانه عميا يقول الجاحدون والظالمون علوا كيبيرا‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬أن يغويكم" يهلككم؛ لن الضلل يفضي إلى الهلك‪ .‬الطبري‪" :‬يغويكم" يهلككم بعذابه؛‬
‫حكيي عين طييء أصيبح فلن غاوييا أي مريضيا‪ ،‬وأغويتيه أهلكتيه؛ ومنيه "فسيوف يلقون غييا"‪.‬‬
‫[مريم‪" .]59 :‬هو ربكم" فإليه الغواء‪ ،‬وإليه الهداية‪" .‬وإليه ترجعون" تهديد ووعيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون افتراه" يعنون النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬افترى أفتعيل؛ أي اختلق‬
‫القرآن من قبل نفسه‪ ،‬وما أخبر به عن نوح وقومه؛ قال مقاتل‪ .‬وقال ابن عباس‪( :‬هو من محاورة‬
‫نوح لقومه) وهو أظهر؛ لنه ليس قبله ول بعده إل ذكر نوح وقومه؛ فالخطاب منهم ولهم‪" .‬قل إن‬
‫افتريتيه" أي اختلقتيه وافتعلتيه‪ ،‬يعنيي الوحيي والرسيالة‪" .‬فعلي إجراميي" أي عقاب إجراميي‪ ،‬وإن‬
‫كنيت محقيا فيميا أقوله فعليكيم عقاب تكذييبي‪ .‬والجرام مصيدر أجرم؛ وهيو اقتراف السييئة‪ .‬وقييل‬
‫المعنى‪ :‬أي جزاء جرمي وكسبي‪ .‬وجرم وأجرم بمعنى؛ عن النحاس وغيره‪ .‬قال‪:‬‬
‫بما جرمت يدي وجنى لساني‬ ‫طريد عشيرة ورهين جرم‬
‫ومن قرأ "أجرامي" بفتح الهمزة ذهب إلى أنه جمع جرم؛ وذكره النحاس أيضا‪" .‬وأنا بريء مما‬
‫تجرمون" أي من الكفر والتكذيب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 36 :‬وأوحيي إلى نوح أنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد آمين فل تبتئس بميا كانوا‬
‫يفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن" "أنه" في موضع رفع‬
‫على أنيه اسييم ميا لم يسييم فاعله‪ .‬ويجوز أن يكون فيي موضيع نصيب‪ ،‬ويكون التقدييير‪ :‬بيي "أنيه"‪.‬‬
‫و"آمن" في موضع نصب بي "يؤمن" ومعنى الكلم الياس من إيمانهم‪ ،‬واستدامة كفرهم‪ ،‬تحقيقا‬
‫لنزول الوعييد بهيم‪ .‬قال الضحاك‪ :‬فدعيا عليهيم لميا أخيبر بهذا فقال‪" :‬رب ل تذر على الرض مين‬
‫الكافرين ديارا" [نوح‪ ]26 :‬اليتين‪ .‬وقيل‪ :‬إن رجل من قوم نوح حمل ابنه على كتفه‪ ،‬فلما رأى‬
‫الصبي نوحا قال لبيه‪ :‬اعطني حجرا؛ فأعطاه حجرا‪ ،‬ورمى به نوحا عليه السلم فأدماه؛ فأوحى‬
‫ال تعالى إليه "أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن"‪" .‬فل تبتئس بما كانوا يفعلون" أي فل تغتم‬
‫بهلكهم حتى تكون بائسا؛ أي حزينا‪ .‬والبؤس الحزن؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫فلم أبتئس والرزء فيه جليل‬ ‫وكم من خليل أو حميم رزئته‬
‫يقال‪ :‬ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه‪ .‬والبتئاس حزن في استكانة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ول تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واصينع الفلك بأعيننيا ووحينيا" أي اعميل السيفينة لتركبهيا أنيت ومين آمين معيك‪.‬‬
‫"بأعيننا" أي بمرأى منا وحيث نراك‪ .‬وقال الربيع بن أنس‪ :‬بحفظنا إياك حفظ من يراك‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس رضي ال عنهما‪( :‬بحراستنا)؛ والمعنى واحد؛ فعبر عن الرؤية بالعين؛ لن الرؤية تكون‬
‫بهيا‪ .‬ويكون جميع العيين للعظمية ل للتكثيير؛ كميا قال تعالى‪" :‬فنعيم القادرون" [المرسيلت‪]23 :‬‬
‫"فنعيم الماهدون" "وإنيا لموسيعون" [الذاريات‪ .]47 :‬وقيد يرجيع معنيى العيين فيي هذه اليية‬
‫وغيرها إلى معنى عين؛ كما قال‪" :‬ولتصنع على عيني" وذلك كله عبارة عن الدراك والحاطة‪،‬‬
‫وهيو سيبحانه منزه عين الحواس والتشيبيه والتكيييف؛ ل رب غيره‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى "بأعيننيا" أي‬
‫بأعيين ملئكتنيا الذيين جعلناهيم عيونيا على حفظيك ومعونتيك؛ فيكون الجميع على هذا التكثيير على‬
‫بابيه‪ .‬وقييل‪" :‬بأعيننيا" أي بعلمنيا؛ قاله مقاتيل‪ :‬وقال الضحاك وسيفيان‪" :‬بأعيننيا" بأمرنيا‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫بوحينيا‪ .‬وقييل‪ :‬بمعونتنيا لك على صينعها‪" .‬ووحينيا" أي على ميا أوحينيا إلييك‪ ،‬مين صينعتها‪" .‬ول‬
‫تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" أي ل تطلب إمهالهم فإني مغرقهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬ويصنع الفلك وكلما مر عليه مل من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا‬
‫نسخر منكم كما تسخرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويصينع الفلك" أي وطفيق يصينع‪ .‬قال زييد بين أسيلم‪ :‬مكيث نوح صيلى ال علييه‬
‫وسيلم مائة سينة يغرس الشجير ويقطعهيا وييبسيها‪ ،‬ومائة سينة يعملهيا‪ .‬وروى ابين القاسيم عين ابين‬
‫أشرس عين مالك قال‪ :‬بلغنيي أن قوم نوح ملؤوا الرض‪ ،‬حتيى ملؤوا السيهل والجبيل‪ ،‬فميا يسيتطيع‬
‫هؤلء أن ينزلوا إلى هؤلء‪ ،‬ول هؤلء أن يصيييعدوا إلى هؤلء فمكيييث نوح يغرس الشجييير مائة‬
‫عام لعميل السيفينة‪ ،‬ثيم جمعهيا ييبسيها مائة عام‪ ،‬وقوميه يسيخرون؛ وذلك لميا رأوه يصينع مين ذلك‪،‬‬
‫حتيى كان مين قضاء ال فيهيم ميا كان‪ .‬وروي عين عمرو بين الحارث قال‪ :‬عميل نوح سيفينته ببقاع‬
‫دمشيق‪ ،‬وقطيع خشبهيا مين جبيل لبنان‪ .‬وقال‪ ،‬القاضيي أبيو بكير بين العربيي‪ :‬لميا اسيتنقذ ال سيبحانه‬
‫وتعالى من فيي الصيلب والرحام من المؤمنين أوحيى ال إليه‪" .‬أنيه لن يؤمن مين قومك إل من‬
‫قيد آمين" "فاصينع الفلك" قال‪ :‬ييا رب ميا أنيا بنجار‪ ،‬قال‪" :‬بلى فإن ذلك بعينيي" فأخيذ القدوم فجعله‬
‫بيده‪ ،‬وجعلت يده ل تخطييئ‪ ،‬فجعلوا يمرون بييه ويقولون‪ :‬هذا الذي يزعييم أنييه نييبي صييار نجارا؛‬
‫فعملها في أربعين سنة‪.‬‬
‫وحكيى الثعلبيي وأبيو نصير القشيري عين‪ ،‬ابين عباس قال‪( :‬اتخيذ نوح السيفينة فيي سينتين)‪ .‬زاد‬
‫الثعلبيي‪ :‬وذلك لنيه لم يعلم كييف صينعة الفلك‪ ،‬فأوحيى ال إلييه أن اصينعها كجؤجيؤ الطائر‪ .‬وقال‬
‫كعيب‪ :‬بناهيا فيي ثلثيين سينة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬المهدوي‪ :‬وجاء فيي الخيبر أن الملئكية كانيت تعلميه كييف‬
‫يصينعها‪ .‬واختلفوا فيي طولهيا وعرضهيا؛ فعين ابين عباس رضيي ال عنهميا (كان طولهيا ثلثمائة‬
‫ذراع‪ ،‬وعرضهيا خمسيون‪ ،‬وسيمكها ثلثون ذراعيا؛ وكانيت مين خشيب السياج)‪ .‬وكذا قال الكلبيي‬
‫وقتادة وعكرمييية كان طولهيييا ثلثمائة ذراع‪ ،‬والذراع إلى المنكيييب‪ .‬قال سيييلمان الفارسيييي‪ .‬وقال‬
‫الحسن البصري‪ :‬إن طول السفينة ألف ذراع ومائتا ذراع‪ ،‬وعرضها ستمائة ذراع‪ .‬وحكاه الثعلبي‬
‫فييي كتاب العرائس‪ .‬وروى علي بيين زيييد عيين يوسييف بيين مهران عيين ابيين عباس قال‪( :‬قال‬
‫الحواريون لعيسيى علييه السيلم‪ :‬لو بعثيت لنيا رجل شهيد السيفينة يحدثنيا عنهيا‪ ،‬فانطلق بهيم حتيى‬
‫انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب‪ ،‬قال أتدرون ما هذا؟ قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا كعييب حام بيين نوح قال فضرب الكثيييب بعصيياه وقال‪ :‬قييم بإذن ال فإذا هييو قائم ينفييض‬
‫التراب مين رأسيه‪ ،‬وقيد شاب؛ فقال له عيسيى‪ :‬أهكذا هلكيت؟ قال‪ :‬ل بيل ميت وأنيا شاب‪ ،‬ولكننيي‬
‫ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت‪ .‬قال‪ :‬أخبرنا عن سفينة نوح؟ قال‪ :‬كان طولها ألف ذراع ومائتي‬
‫ذراع‪ ،‬وعرضهيا سيتمائة ذراع‪ ،‬وكانيت ثلث طبقات‪ ،‬طبقية فيهيا الدواب والوحيش‪ ،‬وطبقية فيهيا‬
‫النيس‪ ،‬وطبقية فيهيا الطيير‪ .‬وذكير باقيي الخيير على ميا يأتيي ذكره إن شاء ال تعالى)‪ .‬وقال الكلبيي‬
‫فيما حكاه النقاش‪ :‬ودخل الماء فيها أربعة أذرع‪ ،‬وكان لها ثلثة أبواب؛ باب فيه السباع والطير‪،‬‬
‫وباب فيييه الوحييش‪ ،‬وباب فيييه الرجال والنسيياء‪ .‬ابيين عباس جعلهييا ثلث بطون؛ البطيين السييفل‬
‫للوحوش والسباع والدواب‪ ،‬والوسط للطعام والشراب‪ ،‬وركب هو في البطن العلى‪ ،‬وحمل معه‬
‫جسد آدم عليه السلم معترضا ببن الرجال والنساء‪ ،‬ثم دفنه بعد ببيت المقدس؛ وكان إبليس معهم‬
‫فييي الكوثييل‪ .‬وقيييل‪ :‬جاءت الحييية والعقرب لدخول السييفينة فقال نوح‪ :‬ل أحملكمييا؛ لنكمييا سييبب‬
‫الضرر والبلء‪ ،‬فقالتييا‪ :‬احملنييا فنحيين نضميين لك أل نضيير أحدا ذكرك؛ فميين قرأ حييين يخاف‬
‫مضرتهميا "سيلم على نوح فيي العالميين" [الصيافات‪ ]79 :‬لم تضراه؛ ذكره القشيري وغيره‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن عساكر في التاريخ له مرفوعا من حديث أبي أمامة قال قال رسول ال صلى ال‬
‫عليييه وسييلم‪( :‬ميين قال حييين يمسييي صييلى ال على نوح وعلى نوح السييلم لم تلدغييه عقرب تلك‬
‫الليلة)‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وكلما" ظرف‪" .‬مر عليه مل من قومه سخروا منه" قال الخفش والكسائي‬
‫يقال‪ :‬سخرت به ومنه‪ .‬وفي سخريتهم منه قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم كانوا يرونه يبني سفينته في البر‪،‬‬
‫فيسخرون به ويستهزئون ويقولون‪ :‬يا نوح صرت بعد النبوة نجارا‪ .‬الثاني‪ :‬لما رأوه يبني السفينة‬
‫ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا‪ :‬يا نوح ما تصنع؟ قال‪ :‬أبني بيتا يمشي على الماء؛ فعجبوا من‬
‫قوله وسييخروا منييه‪ .‬قال ابيين عباس‪( :‬ولم يكيين فييي الرض قبييل الطوفان نهيير ول بحيير)؛ فلذلك‬
‫سيخروا منيه؛ ومياه البحار هيي بقيية الطوفان‪" .‬إن تسيخروا منيا فإنيا" أي مين فعلنيا اليوم عنيد بناء‬
‫السييفينة‪" .‬فإنييا نسييخر منكييم" غدا عنييد الغرق‪ .‬والمراد بالسييخرية هنييا السييتجهال؛ ومعناه إن‬
‫تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلونا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسييوف تعلمون ميين يأتيييه عذاب يخزيييه" تهديييد‪ ،‬و"ميين" متصييلة بيي "سييوف‬
‫تعلمون" و"تعلمون" هنييا ميين باب التعدييية إلى مفعول؛ أي فسييوف تعلمون الذي يأتيييه العذاب‪.‬‬
‫ويجوز أن تكون "مين" اسيتفهامية؛ أي أينيا يأتييه العذاب؟‪ .‬وقييل‪" :‬مين" فيي موضيع رفيع بالبتداء‬
‫و"يأتيه" الخبر‪ ،‬و"يخزيه" صفة لي "عذاب"‪ .‬وحكى الكسائي‪ :‬أن أناسا من أهل الحجاز يقولون‪:‬‬
‫سو تعلمون؛ وقال من قال‪" :‬ستعلمون" أسقط الواو والفاء جميعا‪ .‬وحكى الكوفيون‪ :‬سف تعلمون؛‬
‫ول يعرف البصيريون إل سيوف تفعيل‪ ،‬وسيتفعل لغتان ليسيت إحداهميا مين الخرى "ويحيل علييه"‬
‫أي يجب عليه وينزل به‪" .‬عذاب مقيم" أي دائم‪ ،‬يريد عذاب الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إل‬
‫من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور" اختلف في التنور على أقوال سبعة‪ :‬الول‪ :‬أنه‬
‫وجييه الرض‪ ،‬والعرب تسييمي وجييه الرض تنورا؛ قاله ابيين عباس وعكرميية والزهري وابيين‬
‫عيينية؛ وذلك أنيه قييل له‪ :‬إذا رأييت الماء على وجيه الرض فاركيب أنيت ومين معيك‪ .‬الثانيي‪ :‬أنيه‬
‫تنور الخبيز الذي يخبيز فييه؛ وكان تنورا مين حجارة؛ وكان لحواء حتيى صيار لنوح؛ فقييل له‪ :‬إذا‬
‫رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك‪ .‬وأنبع ال الماء من التنور‪ ،‬فعلمت به امرأته‬
‫فقالت‪ :‬يييا نوح فار الماء ميين التنور؛ فقال‪ :‬جاء وعييد ربييي حقييا‪ .‬هذا قول الحسيين؛ وقال مجاهييد‬
‫وعطية عن ابن عباس‪ .‬الثالث‪ :‬أنه موضع اجتماع الماء في السفينة؛ عن الحسن أيضا‪.‬‬
‫الرابيع‪ :‬أنيه طلوع الفجير‪ ،‬ونور الصيبح؛ مين قولهيم‪ :‬نور الفجير تنويرا؛ قاله علي بين أبيي طالب‬
‫رضيي ال عنيه‪ .‬الخاميس‪ :‬أنيه مسيجد الكوفية؛ قاله علي بين أبيي طالب أيضيا؛ وقال مجاهيد‪ .‬قال‬
‫مجاهيد‪ :‬كان ناحيية التنور بالكوفية‪ .‬وقال‪ :‬اتخيذ نوح السيفينة فيي جوف مسيجد الكوفية‪ ،‬وكان التنور‬
‫على يميين الداخيل مميا يلي كندة‪ .‬وكان فوران الماء منيه علميا لنوح‪ ،‬ودليل على هلك قوميه‪ .‬قال‬
‫الشاعر وهو أمية‪:‬‬
‫صار فوق الجبال حتى علها‬ ‫فار تنورهم وجاش بماء‬
‫السادس‪ :‬أنه أعالي الرض‪ ،‬والمواضع المرتفعة منها؛ قاله قتادة‪ .‬السابع‪ :‬أنه العين التي بالجزيرة‬
‫"عين الوردة" رواه عكرمة‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬كان ذلك تنور آدم‪ ،‬وإنما كان بالشام بموضع يقال له‪:‬‬
‫"عيين وردة" وقال ابين عباس أيضيا‪( :‬فار تنور آدم بالهنيد)‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذه القوال ليسيت‬
‫بمتناقضيية؛ لن ال عييز وجييل أخبرنييا أن الماء جاء ميين السييماء والرض؛ قال‪" :‬ففتحنييا أبواب‬
‫السماء بماء منهمر‪ .‬وفجرنا الرض عيونا" [القمر‪ .]12 - 11:‬فهذه القوال تجتمع في أن ذلك‬
‫كان علمة‪ .‬والفوران الغليان‪ .‬والتنور اسم أعجمي عربته العرب‪ ،‬وهو على بناء فعل؛ لن أصل‬
‫بنائه تنيير‪ ،‬وليييس فييي كلم العرب نون قبييل راء‪ .‬وقيييل‪ :‬معنييى "فار التنور" التمثيييل لحضور‬
‫العذاب؛ كقولهيم‪ :‬حميي الوطييس إذا اشتدت الحرب‪ .‬والوطييس التنور‪ .‬ويقال‪ :‬فارت قدر القوم إذا‬
‫اشتد حربهم؛ قال شاعرهم‪:‬‬
‫وقدر القوم حامية تفور‬ ‫تركتم قدركم ل شيء فيها‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قلنيا احميل فيهيا مين كيل زوجيين اثنيين" يعنيي ذكرا وأنثيى؛ لبقاء أصيل النسيل بعيد‬
‫الطوفان‪ .‬وقرأ حفص "من كل زوجين اثنين" بتنوين "كل" أي من كل شيء زوجين‪ .‬والقراءتان‬
‫ترجعان إلى معنيى واحيد‪ :‬شييء معيه آخير ل يسيتغني عنيه‪ .‬ويقال للثنيين‪ :‬هميا زوجان‪ ،‬فيي كيل‬
‫اثنين ل يستغني أحدهما عن صاحبه؛ فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجا يقال‪ :‬له زوجا نعل‬
‫إذا كان له نعلن‪ .‬وكذلك عنده زوجييييا حمام‪ ،‬وعليييييه زوجييييا قيود؛ قال ال تعالى‪" :‬وأنييييه خلق‬
‫الزوجين الذكر والنثى"‪[ .‬النجم‪ .]45 :‬ويقال للمرأة هي زوج الرجل‪ ،‬وللرجل هو زوجها‪ .‬وقد‬
‫يقال للثنييين همييا زوج‪ ،‬وقييد يكون الزوجان بمعنييى الضربييين‪ ،‬والصيينفين‪ ،‬وكييل ضرب يدعييى‬
‫زوجيا؛ قال ال تعالى‪" :‬وأنبتيت مين كيل زوج بهييج" [الحيج‪ ]5 :‬أي مين كيل لون وصينف‪ .‬وقال‬
‫العشى‪:‬‬
‫أبو قدامة محبو بذاك معا‬ ‫وكل زوج من الديباج يلبسه‬
‫أراد كييل ضرب ولون‪ .‬و"وميين كييل زوجييين" فييي موضييع نصييب بي ي "احمييل"‪" .‬اثنييين" تأكيييد‪.‬‬
‫"وأهلك" أي وأحمل أهلك‪" .‬إل من" "من" في موضع نصب بالستثناء‪" .‬عليه القول" منهم أي‬
‫بالهلك؛ وهو ابنه كنعان وامرأته واعلة كانا كافرين‪" .‬ومن آمن" قال الضحاك وابن جريج‪ :‬أي‬
‫احميل مين آمين بيي‪ ،‬أي مين صيدقك؛ فيي "مين" فيي موضيع نصيب بيي "احميل"‪" .‬وميا آمين معيه إل‬
‫قلييل" قال ابين عباس رضيي ال عنهميا‪( :‬آمين مين قوميه ثمانون إنسيانا‪ ،‬منهيم ثلثية مين بنييه؛ سيام‬
‫وحام ويافث‪ ،‬وثلث كنائن له‪ .‬ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية وهي اليوم تدعى قرية الثمانين‬
‫بناحيية الموصيل)‪ .‬وورد فيي الخيبر أنيه كان فيي السيفينة ثمانيية أنفيس؛ نوح وزوجتيه غيير التيي‬
‫عوقبت‪ ،‬وبنوه الثلثة وزوجاتهم؛ وهو قول قتادة والحكم بن عتيبة وابن جريج ومحمد بن كعب؛‬
‫فأصياب حام امرأتيه فيي السيفينة‪ ،‬فدعيا نوح ال أن يغيير نطفتيه فجاء بالسيودان‪ .‬قال عطاء‪ :‬ودعيا‬
‫نوح على حام أل يعدو شعير أولده آذانهيم‪ ،‬وأنهيم حيثميا كان ولده يكونون عيبيدا لولد سيام ويافيث‪.‬‬
‫وقال العمش‪ :‬كانوا سبعة؛ نوح وثلث كنائن وثلثة بنين؛ وأسقط امرأة نوح‪ .‬وقال ابن إسحاق‪:‬‬
‫كانوا عشرة سوى نسائهم؛ نوح وبنوه سام وحام ويافث‪ ،‬وستة أناس ممن كان آمن به‪ ،‬وأزواجهم‬
‫جميعيا‪ .‬و"قلييل" رفيع بآمين‪ ،‬ول يجوز نصيبه على السيتثناء‪ ،‬لن الكلم قبله لم يتيم‪ ،‬إل أن الفائدة‬
‫فيي دخول "إل" و"ميا" لنيك لو قلت‪ :‬آمين معيه فلن وفلن جاز أن يكون غيرهيم قيد أمين؛ فإذا‬
‫جئت بما وإل‪ ،‬أوجبت لما بعد إل ونفيت عن غيرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬وقال اركبوا فيها بسم ال مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال اركبوا فيهيا" أمير بالركوب؛ ويحتميل أن يكون مين ال تعالى‪ ،‬ويحتميل أن‬
‫يكون مين نوح لقوميه‪ .‬والركوب العلو على ظهير الشييء‪ .‬ويقال‪ :‬ركبيه الديين‪ .‬وفيي الكلم حذف؛‬
‫أي اركبوا الماء في السفينة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى اركبوها‪ .‬و"في" للتأكيد كقوله تعالى‪" :‬إن كنتم للرؤيا‬
‫تعيبرون" [يوسيف‪ ]43 :‬وفائدة "فيي" أنهيم أمروا أن يكونوا فيي جوفهيا ل على ظهرهيا‪ .‬قال‬
‫عكرمية‪ :‬ركيب نوح علييه السيلم فيي الفلك لعشير خلون مين رجيب‪ ،‬واسيتوت على الجودي لعشير‬
‫خلون من المحرم؛ فذلك ستة أشهر؛ وقال قتادة وزاد؛ وهو يوم عاشوراء؛ فقال لمن كان معه‪ :‬من‬
‫كان صيائما فليتيم صيومه‪ ،‬ومين لم يكين صيائما فليصيمه‪ .‬وذكير الطيبري فيي هذا حديثيا عين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم (أن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب‪ ،‬وصام الشهر أجمع‪ ،‬وجرت‬
‫بهم السفينة إلى يوم عاشوراء‪ ،‬ففيه أرست على الجودي‪ ،‬فصامه نوح ومن معه)‪ .‬وذكر الطبري‬
‫عين ابين إسيحاق ميا يقتضيي أنيه أقام على الماء نحيو السينة‪ ،‬ومرت بالبييت فطافيت بيه سيبعا‪ ،‬وقيد‬
‫رفعه ال عن الغرق فلم ينله غرق‪ ،‬ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجودي فاستوت عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بسم ال مُجراها ومُرساها" قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما‬
‫إل من شذ‪ ،‬على معنى بسم ال إجراؤها وإرساؤها؛ فمجراها ومرساها في موضع رفع بالبتداء؛‬
‫ويجوز أن تكون فيي موضيع نصيب‪ ،‬ويكون التقديير‪ :‬بسيم ال وقيت إجرائهيا ثيم حذف وقيت‪ ،‬وأقييم‬
‫"مجراهيا" مقاميه‪ .‬وقرأ العميش وحمزة والكسيائي‪" :‬بسيم ال مَجريهيا" بفتيح المييم و"مُرسياها"‬
‫بضم الميم‪ .‬وروى يحيى بن عيسى عن العمش عن يحيى بن وثاب "بسم ال مَجراها ومَرساها"‬
‫بفتح الميم فيهما؛ على المصدر من جرت تجري جريا ومجرى‪ ،‬ورست رسوا ومرسى إذا ثبتت‪.‬‬
‫وقرأ مجاهييد وسييليمان بيين جندب وعاصييم الجحدري وأبييو رجاء العطاردي‪" :‬بسييم ال مُجريهييا‬
‫ومُرسييها" نعيت ل عيز وجيل فيي موضيع جير‪ .‬ويجوز أن يكون فيي موضيع رفيع على إضمار‬
‫مبتدأ؛ أي هييو مجريهييا ومرسيييها‪ .‬ويجوز النصييب على الحال‪ .‬وقال الضحاك‪ .‬كان نوح عليييه‬
‫السيلم إذا قال بسيم ال مجراهيا جرت‪ ،‬وإذا قال بسيم ال مرسياها رسيت‪ .‬وروى مروان بين سيالم‬
‫عين طلحية بين عبدال بين كرييز عين الحسيين بين علي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬أمان‬
‫لمتيي مين الغرق إذا ركبوا فيي الفلك بسيم ال الرحمين الرحييم "وميا قدروا ال حيق قدره والرض‬
‫جميعييا قبضتييه يوم القيامية والسيماوات مطويات بيمينيه سييبحانه وتعالى عمييا يشركون" [الزميير‪:‬‬
‫‪" ]67‬بسم ال مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم"‪ .‬وفي هذه الية دليل‪ ،‬على ذكر البسملة‬
‫عند ابتداء كل فعل؛ كما بيناه في البسملة؛ والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ربي لغفور رحيم" أي لهل السفينة‪ .‬وروي عن ابن عباس قال‪( :‬لما كثرت‬
‫الرواث والقذار أوحييى ال إلى نوح اغمييز ذنييب الفيييل‪ ،‬فوقييع منييه خنزييير وخنزيرة فأقبل على‬
‫الروث؛ فقال نوح‪ :‬لو غمزت ذنب هذا الخنزير! ففعل‪ ،‬فخرج منه فأر وفأرة فلما وقعا أقبل على‬
‫السفينة وحبالها تقرضها‪ ،‬وتقرض المتعة والزواد حتى خافوا عل حبال السفينة؛ فأوحى ال إلى‬
‫نوح أن امسح جبهة السد فمسحها‪ ،‬فخرج منها سنوران فأكل الفئرة‪ .‬ولما حمل السد في السفينة‬
‫قال‪ :‬يييا رب ميين أييين أطعمييه؟ قال‪ :‬سييوف أشغله؛ فأخذتييه الحمييى؛ فهييو الدهيير محموم‪ .‬قال ابيين‬
‫عباس‪( :‬وأول ما حمل نوح من البهائم في الفلك حمل الوزة‪ ،‬وآخر ما حمل حمل الحمار)؛ قال‪:‬‬
‫وتعلق إبلييس بذنبيه‪ ،‬ويداه قيد دخلتيا فيي السيفينة‪ ،‬ورجله خارجية بعيد فجعيل الحمار يضطرب ول‬
‫يسيتطيع أن يدخيل‪ ،‬فصياح بيه نوح‪ :‬ادخيل ويلك فجعيل يضطرب؛ فقال‪ :‬ادخيل ويلك وإن كان معيك‬
‫الشيطان‪ ،‬كلمة زلت على لسيانه‪ ،‬فدخيل ووثيب الشيطان فدخيل‪ .‬ثيم إن نوحيا رآه يغنيي فيي السيفينة‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬ييا لعيين ميا أدخلك بيتيي؟ قال‪ :‬أنيت أذنيت لي؛ فذكير له؛ فقال له‪ :‬قيم فأخرج‪ .‬قال‪ :‬مالك بيد‬
‫فيي أن تحملنيي معيك‪ ،‬فكان فيميا يزعمون فيي ظهير الفلك‪ .‬وكان ميع نوح علييه السيلم خرزتان‬
‫مضيئتان‪ ،‬واحدة مكان الشمييس‪ ،‬والخرى مكان القميير‪ .‬ابيين عباس‪( :‬إحداهمييا بيضاء كييبياض‬
‫النهار‪ ،‬والخرى سيوداء كسواد الليل)؛ فكان يعرف بهميا مواقيت الصلة؛ فإذا أمسوا غلب سواد‬
‫هذه بياض هذه‪ ،‬وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد هذه؛ على قدر الساعات‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 42 :‬وهيي تجري بهيم فيي موج كالجبال ونادى نوح ابنيه وكان فيي معزل ييا بنيي‬
‫اركب معنا ول تكن مع الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهي تجري بهم في موج كالجبال" الموج جمع موجة؛ وهي ما ارتفع من جملة‬
‫الماء الكثيير عنيد اشتداد الرييح‪ .‬والكاف للتشيبيه‪ ،‬وهيي فيي موضيع خفيض نعيت للموج‪ .‬وجاء فيي‬
‫التفسيير أن الماء جاوز كيل شييء بخمسية عشير ذراعيا‪" .‬ونادى نوح ابنيه" قييل‪ :‬كان كافرا واسيمه‬
‫كنعان‪ .‬وقيل‪ :‬يام‪ .‬ويجوز على قول سيبويه‪" :‬ونادى نوح ابن هُ" بحذف الواو من "ابنه" في اللفظ‪،‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫له زجل كأنه صوت حاد‬
‫فأميا "ونادى نوح ا ْبنَهَي وَكان" فقراءة شاذة‪ ،‬وهيي مرويية عين علي بين أبيي طالب كرم ال وجهيه‪،‬‬
‫وعروة بين الزبيير‪ .‬وزعيم أبيو حاتيم أنهيا تجوز على أنيه يرييد "ابنهيا" فحذف اللف كميا تقول‪:‬‬
‫"ابنه"؛ فتحذف الواو‪ .‬وقال النحاس‪ :‬وهذا الذي قال أبو حاتم ل يجوز على مذهب سيبويه؛ لن‬
‫اللف خفيفيية فل يجوز حذفهييا‪ ،‬والواو ثقيلة يجوز حذفهييا "وكان فييي معزل" أي ميين دييين أبيييه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عن السفينة‪ .‬وقيل‪ :‬إن نوحا لم يعلم أن ابنه كان كافرا‪ ،‬وأنه ظن أنه مؤمن؛ ولذلك قال له‪:‬‬
‫"ول تكين ميع الكافريين" وسييأتي‪ .‬وكان هذا النداء مين قبيل أن يسيتيقن القوم الغرق؛ وقبيل رؤيية‬
‫اليأس‪ ،‬بل كان في أول ما فار التنور‪ ،‬وظهرت العلمة لنوح‪ .‬وقرأ عاصم‪" :‬يا بني اركب معنا"‬
‫بفتح الياء‪ ،‬والباقون بكسيرها‪ .‬وأصل "يا بني" أن تكون بثلث ياءات؛ ياء التصغير‪ ،‬وياء الفعل‪،‬‬
‫وياء الضافية؛ فأدغميت ياء التصيغير فيي لم الفعيل‪ ،‬وكسيرت لم الفعيل مين أجيل ياء الضافية‪،‬‬
‫وحذفيت ياء الضافية لوقوعهيا موقيع التنويين‪ ،‬أو لسيكونها وسيكون الراء فيي هذا الموضيع؛ هذا‬
‫أصيل قراءة مين كسير الياء‪ ،‬وهيو أيضيا أصيل قراءة مين فتيح؛ لنيه قلب ياء الضافية ألفيا لخفية‬
‫اللف‪ ،‬ثيم حذف اللف لكونهيا عوضيا مين حرف يحذف‪ ،‬أو لسيكونها وسيكون الراء‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫أمييا قراءة عاصييم فمشكلة؛ قال أبييو حاتييم‪ :‬يريييد يييا بنياه ثييم يحذف؛ قال النحاس‪ :‬رأيييت علي بيين‬
‫سيليمان يذهيب إلى أن هذا ل يجوز؛ لن اللف خفيفية‪ .‬قال أبيو جعفير النحاس‪ :‬ميا علميت أن أحدا‬
‫مين النحوييين جوز الكلم فيي هذا إل أبيا إسيحاق؛ فإنيه زعيم أن الفتيح مين جهتيين‪ ،‬والكسير مين‬
‫جهتين؛ فالفتح على أنه يبدل من الياء ألفا؛ قال ال عز وجل إخبارا‪" :‬يا ويلتا" [هود‪ ]72 :‬وكما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫فيا عجبا من رحلها المتحمل‬
‫فيرييد ييا بنييا‪ ،‬ثيم تحذف اللف‪ ،‬للتقاء السياكنين‪ ،‬كميا تقول‪ :‬جاءنيي عبدا ال فيي التثنيية‪ .‬والجهية‬
‫الخرى أن تحذف اللف؛ لن النداء موضييع حذف‪ .‬والكسيير على أن تحذف الياء للنداء‪ .‬والجهيية‬
‫الخرى على أن تحذفها للتقاء الساكنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال ل عاصم اليوم من أمر ال إل من‬
‫رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال سآوي" أي ارجع وانضم‪" .‬إلى جبل يعصمني" أي يمنعني "من الماء" فل‬
‫أغرق‪" .‬قال ل عاصييم اليوم ميين أميير ال" أي ل مانييع؛ فإنييه يوم حييق فيييه العذاب على الكفار‪.‬‬
‫وانتصيب "عاصيم" على التيبرئة‪ .‬ويجوز "ل عاصيم اليوم" تكون ل بمعنيي لييس‪" .‬إل مين رحيم"‬
‫فيي موضيع نصيب اسيتثناء لييس مين الول؛ أي لكين مين رحميه ال فهيو يعصيمه‪ ،‬قال الزجاج‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون فيي موضيع رفيع‪ ،‬على أن عاصيما بمعنيى معصيوم؛ مثيل‪" :‬ماء دافيق" [الطارق‪:‬‬
‫‪ ]6‬أي مدفوق؛ فالستثناء‪ .‬على هذا متصل؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫م أمسى فؤادي به فاتنا‬ ‫بطيء القيام رخيم الكل‬
‫أي مفتونا‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‬ ‫دع المكارم ل تنهض لبغيتها‬
‫أي المطعوم المكسو‪ .‬قال النحاس‪ :‬ومن أحسن ما قيل فيه أن تكون "من" في موضع رفع؛ بمعنى‬
‫ل يعصم اليوم من أمر ال إل الراحم؛ أي إل ال‪ .‬وهذا اختيار الطبري‪ .‬ويحسن هذا أنك لم تجعل‬
‫عاصيما بمعنيى معصيوم فتخرجيه مين بابيه‪ ،‬ول "إنيه" بمعنيى "لكين" "وحال بينهميا الموج" يعنيي‬
‫بين نوح وابنه‪" .‬فكان من المغرقين" قيل‪ :‬إنه كان راكبا على فرس قد بطر بنفسه‪ ،‬وأعجب بها؛‬
‫فلما رأى الماء جاء قال‪ :‬يا أبت فار التنور‪ ،‬فقال له أبوه‪" :‬يا بني اركب معنا" فما استتم المراجعة‬
‫حتى جاءت موجة عظيمة فالتقمته هو وفرسه‪ ،‬وحيل بينه وبين نوح فغرق‪ .‬وقيل‪ :‬إنه اتخذ لنفسه‬
‫بيتيا مين زجاج يتحصين فييه مين الماء‪ ،‬فلميا فار التنور دخيل فييه وأقفله علييه مين داخيل‪ ،‬فلم يزل‬
‫يتغوط فيه ويبول حتى غرق بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬إن الجبل الذي أوى إليه "طور سيناء"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 44 :‬وقييل ييا أرض ابلعيي ماءك وييا سيماء أقلعييي وغييض الماء وقضييي المير‬
‫واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي" هذا مجاز لنها موات‪ .‬وقيل‪ :‬جعل‬
‫فيها ما تميز به‪ .‬والذي قال إنه مجاز قال‪ :‬لو فتش كلم العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الية‬
‫على حسيين نظمهييا‪ ،‬وبلغيية رصييفها‪ ،‬واشتمال المعانييي فيهييا‪ .‬وفييي الثيير‪ :‬إن ال تعالى ل يخلي‬
‫الرض مين مطير عام أو عاميين‪ ،‬وأنيه ميا نزل مين السيماء ماء قيط إل بحفيظ ملك موكيل بيه إل ميا‬
‫كان مين ماء الطوفان؛ فإنيه خرج منيه ميا ل يحفظيه الملك‪ .‬وذلك قوله تعالى‪" :‬إنيا لميا طغيى الماء‬
‫حملناكيم فيي الجاريية" [الحاقية‪ ]11 :‬فجرت بهيم السيفينة إلى أن تناهيى المير؛ فأمير ال الماء‬
‫المنهمير مين السيماء بالمسياك‪ ،‬وأمير ال الرض بالبتلع‪ .‬ويقال‪ :‬بلع الماء يبلعيه مثيل منيع يمنيع‬
‫وبلع يبلع مثل حمد ويحمد؛ لغتان حكاهما الكسائي والفراء‪ .‬والبالوعة الموضع الذي يشرب الماء‪.‬‬
‫قال ابين العربيي‪ :‬التقيى الماءان على أمير قيد قدر‪ ،‬ميا كان فيي الرض وميا نزل مين السيماء؛ فأمير‬
‫ال ميا نزل مين السيماء بالقلع‪ ،‬فلم تمتيص الرض منيه قطرة‪ ،‬وأمير الرض بابتلع ميا خرج‬
‫منهيا فقيط‪ .‬وذلك قوله تعالى‪" :‬وقييل ييا أرض ابلعيي ماءك وييا سيماء أقلعيي وغييض الماء" وقييل‪:‬‬
‫ميز ال بين الماءين‪ ،‬فما كان من ماء الرض أمرها فبلعته‪ ،‬وصار ماء السماء بحارا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وغيض الماء" أي نقص؛ يقال‪ :‬غاض الشيء وغضته أنا؛ كما يقال‪ :‬نقص بنفسه‬
‫ونقصه غيره‪ ،‬ويجوز "غيض" بضم الغين‪" .‬وقضي المر" أي أحكم وفرغ منه؛ يعني أهلك قوم‬
‫نوح على تمام وإحكام‪ .‬ويقال‪ :‬إن ال تعالى أعقيم أرحامهيم أي أرحام نسيائهم قبيل الغرق بأربعيين‬
‫سنة‪ ،‬فلم يكن فيمن هلك صغير‪ .‬والصحيح أنه أهلك الولدان بالطوفان‪ ،‬كما هلكت الطير والسباع‪.‬‬
‫ولم يكين الغرق عقوبية للصيبيان والبهائم والطيير‪ ،‬بيل ماتوا بآجالهيم‪ .‬وحكيي أنيه لميا كثير الماء فيي‬
‫السيكك خشييت أم صيبي علييه؛ وكانيت تحبيه حبيا شديدا‪ ،‬فخرجيت بيه إلى الجبيل‪ ،‬حتيى بلغيت ثلثيه‪،‬‬
‫فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثيه‪ ،‬فلما بلغها الماء استوت على الجبل؛ فلما بلغ الماء رقبتها‬
‫رفعت يديها بابنها حتى ذهب بها الماء؛ فلو رحم ال منهم أحدا لرحم أم الصبي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسيتوت على الجودي وقييل بعدا للقوم الظالميين" أي هلكيا لهيم‪ .‬الجودي جبيل‬
‫بقرب الموصل؛ استوت عليه في العاشر من المحرم يوم عاشوراء؛ فصامه نوح وأمر جميع من‬
‫معه من الناس والوحش والطير والدواب وغيرها فصاموه‪ ،‬شكرا ل تعالى؛ وقد تقدم هذا المعنى‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬كان ذلك يوم الجمعية‪ .‬وروي أن ال تعالى أوحيى إلى الجبال أن السيفينة ترسيي على واحيد‬
‫منها فتطاولت‪ ،‬وبقي الجودي لم يتطاول تواضعا ل‪ ،‬فاستوت السفينة عليه‪ :‬وبقيت عليه أعوادها‪.‬‬
‫وفي الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه المة)‪ .‬وقال‬
‫مجاهييد‪ :‬تشامخييت الجبال وتطاولت لئل ينالهييا الغرق؛ فعل الماء فوقهييا خمسيية عشيير ذراعييا‪،‬‬
‫وتطامن الجودي‪ ،‬وتواضع لمر ال تعالى فلم يغرق‪ ،‬ورست السفينة عليه‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الجودي‬
‫اسم لكل جبل‪ ،‬ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل‪.‬‬
‫وقبلنا سبح الجودي والجمد‬ ‫سبحانه ثم سبحانا يعود له‬
‫ويقال‪ :‬إن الجودي مين جبال الجنية؛ فلهذا اسيتوت علييه‪ .‬ويقال‪ :‬أكرم ال ثلثية جبال بثلثية نفير‪:‬‬
‫الجودي بنوح‪ ،‬وطور سيناء بموسى‪ ،‬وحراء بمحمد صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين‪.‬‬
‫[مسألة]‪ :‬لما تواضع الجودي وخضع عز‪ ،‬ولما ارتفع غيره واستعلى ذل‪ ،‬وهذه سنة ال في خلقه‪،‬‬
‫يرفع من تخشع‪ ،‬ويضع من ترفع؛ ولقد أحسن القائل‪:‬‬
‫منا إليك فعزها في ذلها‬ ‫وإذا تذللت الرقاب تخشعا‬
‫وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال‪ :‬كانت ناقة للنبي صلى ال عليه وسلم تسمى‬
‫العضباء؛ وكانيت ل تسيبق؛ فجاء أعرابيي على قعود فسيبقها‪ ،‬فاشتيد ذلك على المسيلمين؛ وقالوا‪:‬‬
‫سبقت العضباء! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (إن حقا على ال أل يرفع شيئا من الدنيا إل‬
‫وضعه)‪ .‬وخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ما نقصت صدقة‬
‫مين مال وميا زاد ال عبدا بعفيو إل عزا وميا تواضيع أحيد ل إل رفعيه ال)‪ .‬وقال صيلى ال علييه‬
‫وسييلم‪( :‬إن ال أوحييى إلي أن تواضعوا حتييى ل يبغييي أحييد على أحييد ول يفخيير أحييد على أحييد)‪.‬‬
‫خرجه البخاري‪.‬‬
‫مسيألة‪ :‬نذكير فيهيا مين قصية نوح ميع قوميه وبعيض ذكير السيفينة‪ .‬ذكير الحافيظ ابين عسياكر فيي‬
‫التارييخ له عين الحسين‪ :‬أن نوحيا أول رسيول بعثيه ال إلى أهيل الرض؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬ولقيد‬
‫أرسيلنا نوحيا إلى قوميه فلبيث فيهيم ألف سينة إل خمسيين عاميا" [العنكبوت‪ ]14 :‬وكان قيد كثرت‬
‫فيهيييم المعاصيييي‪ ،‬وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا كيييبيرا‪ ،‬وكان نوح يدعوهيييم ليل ونهارا‪ ،‬سيييرا‬
‫وعلنيية‪ ،‬وكان صيبورا حليميا‪ ،‬ولم يلق أحيد مين النيبياء أشيد مميا لقيي نوح‪ ،‬فكانوا يدخلون علييه‬
‫فيخنقونه حتى يترك وقيذا‪ ،‬ويضربونه في المجالس ويطرد‪ ،‬وكان ل يدعو على من يصنع به بل‬
‫يدعوهم ويقول‪" :‬رب اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون" فكان ل يزيدهم ذلك إل فرارا منه‪ ،‬حتى أنه‬
‫ليكلم الرجيل منهيم فيلف رأسيه بثوبيه‪ ،‬ويجعيل أصيبعيه فيي أذنييه لكيل يسيمع شيئا مين كلميه‪ ،‬فذلك‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإنيي كلميا دعوتهيم لتغفير لهيم جعلوا أصيابعهم فيي آذانهيم واسيتغشوا ثيابهيم" [نوح‪:‬‬
‫‪ .]7‬وقال مجاهيد وعبييد بين عميير‪ :‬كانوا يضربونيه حتيى يغشيى علييه فإذا أفاق قال‪" :‬رب اغفير‬
‫لقوميي فأنهيم ل يعلمون"‪ .‬وقال ابين عباس‪( :‬إن نوحيا كان يضرب ثيم يلف فيي لبيد فيلقيى فيي بيتيه‬
‫يرون أنيه قيد مات‪ ،‬ثيم يخرج فيدعوهيم؛ حتيى إذا يئس مين إيمان قوميه جاءه رجيل معيه ابنيه وهيو‬
‫يتوكأ على عصا؛ فقال‪ :‬يا بني أنظر هذا الشيخ ل يغرنك‪ ،‬قال‪ :‬يا أبت أمكني من العصا‪ ،‬فأمكنه‬
‫فأخذ العصا ثم قال‪ :‬ضعني في الرض فوضعه‪ ،‬فمشى إليه بالعصا فضربه فشجه شجة موضحة‬
‫فيي رأسيه‪ ،‬وسيالت الدماء؛ فقال نوح‪" :‬رب قيد ترى ميا يفعيل بيي عبادك فإن ييك لك فيي عبادك‬
‫خيريية فاهدهيم وإن ييك غيير ذلك فصيبرني إلى أن تحكيم وأنيت خيير الحاكميين" فأوحيى ال إلييه‬
‫وآيسه من إيمان قومه‪ ،‬وأخبره أنه لم يبق في أصلب الرجال ول في أرحام النساء مؤمن)؛‬
‫قال‪" :‬وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن فل تبتئس بما كانوا يفعلون"؛ أي ل‬
‫تحزن عليهم‪" .‬واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" قال‪ :‬يا رب وأين الخشب؟ قال‪ :‬اغرس الشجر‪ .‬قال‪:‬‬
‫فغرس السياج عشريين سينه‪ ،‬وكيف عين الدعاء‪ ،‬وكفوا عين السيتهزاء‪ .‬وكانوا يسيخرون منيه؛ فلميا‬
‫أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها‪ :‬فقال‪ :‬يا رب كيف أتخذ هذا البيت؟ قال‪ :‬اجعله على ثلثة‬
‫صور؛ رأسه كرأس الديك‪ ،‬وجؤجؤه كجؤجؤ الطير‪ ،‬وذنبه كذنب الديك؛ واجعلها مطبقة واجعل‬
‫لها أبوابا في جنبها‪ ،‬وشدها بدسر‪ ،‬يعني مسامير الحديد‪ .‬وبعث ال جبريل فعلمه صنعة السفينة‪،‬‬
‫وجعلت يده ل تخطييئ‪ .‬قال ابين عباس‪( :‬كانييت دار نوح عليييه السيلم دمشييق‪ ،‬وأنشيأ سيفينته ميين‬
‫خشييب لبنان بييين زمزم وبيين الركين والمقام)‪ ،‬فلمييا كملت حمييل فيهييا السييباع والدواب فييي الباب‬
‫الول‪ ،‬وجعيل الوحيش والطيير فيي الباب الثانيي‪ ،‬وأطبيق عليهميا وجعيل أولد آدم أربعيين رجل‬
‫وأربعيين امرأة فيي الباب العلى وأطبيق عليهيم‪ ،‬وجعيل الذر معيه فيي الباب العلى لضعفهيا أل‬
‫تطأها الدواب‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬إن ال عز وجل بعث ريحا فحمل إليه من كل زوجين اثنين؛ من السباع والطير‬
‫والوحيش والبهائم‪ .‬وقال جعفير بين محميد‪ :‬بعيث ال جبرييل فحشرهيم‪ ،‬فجعيل يضرب بيدييه على‬
‫الزوجيين فتقيع يده اليمنيى على الذكير واليسيرى على النثيى‪ ،‬فيدخله السيفينة وقال زييد بين ثابيت‪:‬‬
‫استصعبت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة‪ ،‬فدفعها بيده في ذنبها؛ فمن ثم انكسر ذنبها فصار‬
‫معقوفيا وبدا حياؤهيا‪ .‬ومضيت النعجية حتيى دخلت فمسيح على‪ ،‬ذنبهيا فسيتر حياؤهيا؛ قال إسيحاق‪:‬‬
‫أخبرنا رجل من أهل العلم أن نوحا حمل أهل السفينة‪ ،‬وجعل فيها من كل زوجين اثنين‪ ،‬وحمل‬
‫مين الهدهيد زوجيين‪ ،‬فماتيت الهدهدة فيي السيفينة قبيل أن تظهير الرض‪ .‬فحملهيا الهدهيد فطاف بهيا‬
‫الدنييا ليصييب لهيا مكانيا‪ ،‬فلم يجيد طينيا ول ترابيا‪ ،‬فرحميه ربيه فحفير لهيا فيي قفاه قيبرا فدفنهيا فييه‪،‬‬
‫فذلك الرييش الناتيئ في قفا الهدهيد موضع القيبر؛ فلذلك نتأت أقفيية الهداهيد‪ .‬وقال رسيول ال صيلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر وكانت العجوة من الجنة مع نوح‬
‫فيي السفينة)‪ .‬وذكر صاحب كتاب (العروس) وغيره‪ :‬أن نوحا عليه السلم لما أراد أن يبعث من‬
‫يأتيه بخبر الرض قال الدجاج‪ :‬أنا؛ فأخذها وختم على جناحها وقال لها‪ :‬أنت مختومة بخاتمي ل‬
‫تطيري أبدا‪ ،‬أنيت ينتفيع بيك أمتيي؛ فبعيث الغراب فأصياب جيفية فوقيع عليهيا فاحتبيس فلعنيه‪ ،‬ولذلك‬
‫يقتيل فيي الحيل والحرم ودعيا علييه بالخوف؛ فلذلك ل يألف البيوت‪ .‬وبعيث الحمامية فلم تجيد قرارا‬
‫فوقعت على شجرة بأرض سيناء فحملت ورقة زيتونة‪ ،‬ورجعت إلى نوح فعلم أنها لم تستمكن من‬
‫الرض‪ ،‬ثيم بعثهيا بعيد ذلك فطارت حتيى وقعيت بوادي الحرم‪ ،‬فإذا الماء قيد نضيب مين مواضيع‬
‫الكعبة‪ ،‬وكانت طينتها حمراء‪ ،‬فاختضبت رجلها‪ ،‬ثم جاءت إلى نوح عليه السلم فقالت‪ :‬بشراي‬
‫منيك أن تهيب لي الطوق فيي عنقيي‪ ،‬والخضاب فيي رجلي‪ ،‬وأسيكن الحرم؛ فمسيح يده على عنقهيا‬
‫وطوقهيا‪ ،‬ووهيب لهيا الحمرة فيي رجليهيا‪ ،‬ودعيا لهيا ولذريتهيا بالبركية‪ .‬وذكير الثعلبيي أنه بعيث بعيد‬
‫الغراب التدرج وكان مييين جنيييس الدجاج؛ وقال‪ :‬إياك أن تعتذر‪ ،‬فأصييياب الخضرة والفرجييية فلم‬
‫يرجع‪ ،‬وأخذ أولده عنده رهنا إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 45 :‬ونادى نوح ربيه فقال رب إن ابنيي مين أهلي وإن وعدك الحيق وأنيت أحكيم‬
‫الحاكمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونادى نوح ربيه" أي دعاه‪" .‬فقال رب إن ابنيي مين أهلي" أي مين أهلي الذيين‬
‫وعدتهييم أن تنجيهييم ميين الغرق؛ ففييي الكلم حذف‪" .‬وإن وعدك الحييق" يعنييي الصييدق‪ .‬وقال‬
‫علماؤنيا‪ :‬وإنميا سيأل نوح ربيه ابنيه لقوله‪" :‬وأهلك" وترك قوله‪" :‬إل مين سيبق علييه القول" [هود‪:‬‬
‫‪ ]40‬فلميا كان عنده مين أهله قال‪" :‬رب إن ابنيي مين أهلي" يدل على ذلك قوله‪" :‬ول تكين مين‬
‫الكافرين" أي ل تكن ممن لست منهم؛ لنه كان عنده مؤمنا في ظنه‪ ،‬ولم يك نوح يقول لربه‪" :‬إن‬
‫ابني من أهلي" إل وذلك عنده كذلك؛ إذ محال أن يسأل هلك الكفار‪ ،‬ثم يسأل فيي إنجاء بعضهم؛‬
‫وكان ابنه يسر الكفر ويظهر اليمان؛ فأخبر ال تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب؛ أي‬
‫علميت مين حال ابنيك ميا لم تعلميه أنيت‪ .‬وقال الحسين‪ :‬كان منافقيا؛ ولذلك اسيتحل نوح أن ينادييه‪.‬‬
‫وعنه أيضا‪ :‬كان ابن امرأته؛ دليله قراءة علي "ونادى نوح ابنها"‪" .‬وأنت أحكم الحاكمين" ابتداء‬
‫وخبر‪ .‬أي حكمت على قوم بالنجاة‪ ،‬وعلى قوم بالغرق‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 47 - 46 :‬قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فل تسألن ما ليس‬
‫لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين‪ ،‬قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم‬
‫وإل تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا نوح إنه ليس من أهلك" أي ليس‪ ،‬من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم؛ قاله‬
‫سيعيد بين جيبير‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬لييس مين أهيل دينيك ول وليتيك؛ فهيو على حذف مضاف؛ وهذا‬
‫يدل على أن حكيم التفاق فيي الديين أقوى من حكيم النسيب‪" .‬إنيه عميل غيير صيالح" قرأ ابين عباس‬
‫وعروة وعكرمة ويعقوب والكسائي "إنه عمل غير صالح" أي من الكفر والتكذيب؛ واختاره أبو‬
‫عبييد‪ .‬وقرأ الباقون "عميل" أي ابنيك ذو عميل غيير صيالح فحذف المضاف؛ قاله الزجاج وغيره‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫فإنما هي إقبال وإدبار‬ ‫ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت‬
‫أي ذات إقبال وإدبار‪ .‬وهذا القول والذي قبله يرجييييع إلى معنييييى واحييييد‪ .‬ويجوز أن تكون الهاء‬
‫للسؤال؛ أي إن سؤالك إياي أن أنجيه‪ .‬عمل غير صالح‪ .‬قال قتادة‪ .‬وقال الحسن‪ :‬معنى عمل غير‬
‫صيالح أنيه ولد على فراشيه ولم يكين ابنيه‪ .‬وكان لغيير رشدة‪ ،‬وقال أيضيا مجاهيد‪ .‬قال قتادة سيألت‬
‫الحسن عنه فقال‪ :‬وال ما كان ابنه؛ قلت إن ال أخبر عن نوح أنه قال‪" :‬إن ابني من أهلي" فقال‪:‬‬
‫لم يقيل منيي‪ ،‬وهذه إشارة إلى أنيه كان ابين امرأتيه مين زوج آخير؛ فقلت له‪ :‬إن ال حكيى عنيه أنيه‬
‫قال‪" :‬إن ابني من أهلي" "ونادى نوح ابنه" ول يختلف أهل الكتابين أنه ابنه؛ فقال الحسن‪ :‬ومن‬
‫يأخيذ دينيه عين أهيل الكتاب! إنهيم يكذبون‪ .‬وقرأ‪" :‬فخانتاهميا" [التحرييم‪ .]10 :‬وقال ابين جرييج‪:‬‬
‫ناداه وهييو يحسييب أنييه ابنيية‪ ،‬وكان ولد على فراشييه‪ ،‬وكانييت امرأتييه خانتييه فيييه‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫"فخانتاهميا"‪ .‬وقال ابين عباس‪( :‬ميا بغيت امرأة نيبي قيط)‪ ،‬وأنيه كان ابنيه لصيلبه‪ .‬وكذلك قال‬
‫الضحاك وعكرمية وسيعيد بين جيبير وميمون بين مهران وغيرهيم‪ ،‬وأنيه كان ابنيه لصيلبه‪ .‬وقييل‬
‫لسعيد بن جبير يقول نوح‪" :‬إن ابني من أهلي" أكان من أهله؟ أكان ابنه؟ فسبح ال طويل ثم قال‪:‬‬
‫(ل اله إل ال! يحدث ال محمدا صلى ال عليه وسلم أنه ابنه‪ ،‬وتقول إنه ليس ابنه! نعم كان ابنه؛‬
‫ولكين كان مخالفيا فيي النيية والعميل والديين‪ ،‬ولهذا قال ال تعالى‪" :‬إنيه لييس مين أهلك")؛ وهذا هيو‬
‫الصيحيح فيي الباب إن شاء ال تعالى لجللة مين قال به‪ ،‬وإن قوله‪" :‬إنه لييس من أهلك" لييس مميا‬
‫ينفيي عنيه أنيه ابنيه‪ .‬وقوله‪" :‬فخانتاهميا" [التحرييم‪ ]10 :‬يعنيي فيي الديين ل فيي الفراش‪ ،‬وذلك أن‬
‫هذه كانيت تخيبر الناس أنيه مجنون‪ ،‬وذلك أنهيا قالت له‪ :‬أميا ينصيرك ربيك؟ فقال لهيا‪ :‬نعيم‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فمتيى؟ قال‪ :‬إذا فار التنور؛ فخرجيت تقول لقومهيا‪ :‬ييا قوم وال إنيه لمجنون‪ ،‬يزعيم أنيه ل ينصيره‬
‫ربيه إل أن يفور هذا التنور‪ ،‬فهذه خيانتهيا‪ .‬وخيانية الخرى أنهيا كانيت تدل على الضياف على ميا‬
‫سيأتي إن شاء ال‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيل‪ :‬الولد قد يسمى عمل كما يسمى كسبا‪ ،‬كما في الخبر (أولدكم‬
‫من كسبكم)‪ .‬ذكره القشيري‪.‬‬
‫@ في هذه الية تسلية للخلق في فساد ابنائهم وإن كانوا صالحين‪ .‬وروي أن ابن مالك بن أنس‬
‫نزل من فوق ومعه حمام قيد غطاه‪ ،‬قال‪ :‬فعلم مالك أنه قيد فهميه الناس؛ فقال مالك‪ :‬الدب أدب ال‬
‫ل أدب الباء والمهات‪ ،‬والخير خير ال ل خير الباء والمهات‪ .‬وفيها أيضا دليل على أن البن‬
‫من الهل لغة وشرعا‪ ،‬ومن أهل البيت؛ فمن وصى لهله دخل في ذلك ابنه‪ ،‬ومن تضمنه منزله‪،‬‬
‫وهيو فيي عياله‪ .‬وقال تعالى فيي آيية أخرى‪" :‬ولقيد نادانيا نوح فلنعيم المجيبون‪ .‬ونجيناه وأهله مين‬
‫الكرب العظيم" [الصافات‪ ]75 :‬فسمى جميع من ضمه منزله من أهله‪.‬‬
‫@ ودلت الية على قول الحسن ومجاهد وغيرهما‪ :‬أن الولد للفراش؛ ولذلك قال نوح ما قال آخذا‬
‫بظاهير الفراش‪ .‬وقيد روى سيفيان بين عيينية عين عمرو بين دينار أنيه سيمع عبييد بين عميير يقول‪:‬‬
‫نرى رسيول ال صيلى علييه وسيلم إنميا قضيى بالولد للفراش مين أجيل ابين نوح علييه السيلم؛ ذكره‬
‫أبو عمر في كتاب "التمهيد"‪ .‬وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬الولد‬
‫للفراش وللعاهر الحجر) يريد الخيبة‪ .‬وقيل‪ :‬الرجم بالحجارة‪ .‬وقرأ عروة بن الزبير‪" .‬ونادى نوح‬
‫ابنها" يريد ابن امرأته‪ ،‬وهي تفسير القراءة المتقدمة عنه‪ ،‬وعن علي رضي ال عنه‪ ،‬وهي حجة‬
‫للحسن ومجاهد؛ إل أنها قراءة شاذة‪ ،‬فل نترك المتفق عليها لها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيي أعظيك أن تكون مين الجاهليين" أي أنهاك عين هذا السيؤال‪ ،‬وأحذرك لئل‬
‫تكون‪ ،‬أو كراهيية أن تكون مين الجاهليين؛ أي الثميين‪ .‬ومنيه قوله تعالى‪" :‬يعظكيم ال أن تعودوا‬
‫لمثله أبدا" [النور‪ ]17 :‬أي يحذركيم ال وينهاكيم‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى أرفعيك أن تكون مين الجاهليين‪.‬‬
‫قال ابين العربيي‪ :‬وهذه زيادة مين ال وموعظية يرفيع بهيا نوحيا عين مقام الجاهليين‪ ،‬ويعلييه بهيا إلى‬
‫مقام العلماء والعارفيين؛ فيي "قال" نوح‪" :‬رب إنيي أعوذ بيك أن أسيألك ميا لييس لي بيه علم" اليية‬
‫وهذه ذنوب النبياء عليهم السلم‪ ،‬فشكر ال تذل وتواضعه‪" .‬وإل تغفر لي" ما فرط من السؤال‪.‬‬
‫"وترحمني" أي بالتوبة‪" .‬أكن من الخاسرين" أي أعمال‪ .‬فقال‪" :‬يا نوح اهبط بسلم منا"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬قيل يا نوح اهبط بسلم منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم‬
‫ثم يمسهم منا عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل يا نوح اهبط بسلم منا" أي قالت له الملئكة‪ ،‬أو قال ال تعالى له‪ :‬اهبط من‬
‫السفينة إلى الرض‪ ،‬أو من الجبل إلى الرض؛ فقد ابتلعت الماء وجفت‪" .‬بسلم منا" أي بسلمة‬
‫وأمن‪ .‬وقييل‪ :‬بتحية‪" .‬وبركات علييك" أي نعم ثابتة؛ مشتيق من بروك الجميل وهو ثبوته وإقامتيه‪.‬‬
‫ومنيه البركية لثبوت الماء فيهيا‪ .‬وقال ابين عباس رضيي ال عنهميا‪( :‬نوح آدم الصيغر)‪ ،‬فجمييع‬
‫الخلئق الن من نسله‪ ،‬ولم يكن معه في السفينة من الرجال والنساء إل من كان من ذريته؛ على‬
‫قول قتادة وغيره‪ ،‬حسيب ميا تقدم؛ وفيي التنزييل "وجعلنيا ذريتيه هيم الباقيين" [الصيافات‪.]77 :‬‬
‫"وعلى أميم ممين معيك" قييل‪ :‬دخيل فيي هذا كيل مؤمين إلى يوم القيامية‪ .‬ودخيل فيي قوله "وأميم‬
‫سينمتعهم ثيم يمسيهم منيا عذاب ألييم" كيل كافير إلى يوم القيامية؛ روي ذلك عين محميد بين كعيب‪.‬‬
‫والتقديير على هذا‪ :‬وعلى ذريية أميم ممين معيك‪ ،‬وذريية أميم سينمتعهم‪ .‬وقييل‪" :‬مين" للتبعييض‪،‬‬
‫وتكون لبيان الجنيس‪" .‬وأميم سينمتعهم" ارتفيع و"أميم" على معنيى وتكون أميم‪ .‬قال الخفيش سيعيد‬
‫كميا تقول‪ :‬كلمت زيدا وعمرو جالس‪ .‬وأجاز الفراء فيي غير القراءة وأمما‪ ،‬وتقديره‪ :‬ونمتع أمميا‪.‬‬
‫وأعيدت "على" مييع "أمييم" لنييه معطوف على الكاف ميين "عليييك" وهييي ضمييير المجرور‪ ،‬ول‬
‫يعطييف على ضمييير المجرور إل بإعادة الجار على قول سيييبويه وغيره‪ .‬وقييد تقدم فييي "النسيياء"‬
‫بيان هذا مستوفى في قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام" [النساء‪ ]1 :‬بالخفض‪.‬‬
‫والباء في قوله‪" :‬بسلم" متعلقة بمحذوف؛ لنها في موضع الحال؛ أي اهبط مسلما عليك‪ .‬و"منا"‬
‫فيي موضيع جير متعلق بمحذوف؛ لنيه نعيت للبركات‪" .‬وعلى أميم" متعلق بميا تعلق بيه "علييك"؛‬
‫لنيه أعييد مين أجيل المعطوف على الكاف‪ .‬و"مين" فيي قوله‪" :‬ممين معيك" متعلق بمحذوف؛ لنيه‬
‫فيي موضيع جير نعيت للميم‪ .‬و"معيك" متعلق بفعيل محذوف؛ لنيه صيلة "لمين" أي ممين اسيتقر‬
‫معك‪ ،‬أو آمن معك‪ ،‬أو ركب معك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 49 :‬تلك مين أنباء الغييب نوحيهيا إلييك ميا كنيت تعلمهيا أنيت ول قوميك مين قبيل هذا‬
‫فاصبر إن العاقبة للمتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك مين أنباء الغييب" أي تلك النباء‪ ،‬وفيي موضيع آخير "ذلك" أي ذلك النبيأ‬
‫والقصيص مين أنباء ميا غاب عنيك‪" .‬نوحيهيا إلييك" أي لتقيف عليهيا‪" .‬ميا كنيت تعلمهيا أنيت ول‬
‫قوميك" أي كانوا غيير عارفيين بأمير الطوفان‪ ،‬والمجوس الن ينكرونيه‪" .‬مين قبيل هذا" خيبر أي‬
‫مجهولة عندك وعند قومك‪" .‬فاصبر" على مشاق الرسالة وإذاية القوم كما صبر نوح‪ .‬وقيل‪ :‬أراد‬
‫جهلهم بقصة ابن نوح وإن سمعوا أمر الطوفان [فإنه] على الجملة‪" .‬فاصبر" أي اصبر يا محمد‬
‫على القيام بأمير ال وتبلييغ رسيالته‪ ،‬وميا تلقيى مين أذى العرب الكفار‪ ،‬كميا صيبر نوح على أذى‬
‫قومه‪" .‬إن العاقبة" في الدنيا بالظفر‪ ،‬وفي الخرة بالفوز‪" .‬للمتقين" عن الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 51 - 50 :‬وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره إن أنتم‬
‫إل مفترون‪ ،‬يا قوم ل أسألكم عليه أجرا إن أجري إل على الذي فطرني أفل تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإلى عاد أخاهم هودا" أي وأرسلنا‪ ،‬فهو معطوف على "أرسلنا نوحا"‪ .‬وقيل له‬
‫أخوهم لنه منهم‪ ،‬وكانت القبيلة تجمعهم؛ كما تقول‪ :‬يا أخا تميم‪ .‬وقيل‪ :‬إنما قيل له أخوهم لنه من‬
‫بنييي آدم كمييا أنهييم ميين بنييي آدم؛ وقييد تقدم هذا فييي "العراف" وكانوا عبدة الوثان‪ .‬وقيييل‪ :‬هييم‬
‫عادان‪ ،‬عاد الولى وعاد الخرى‪ ،‬فهؤلء هيم الولى؛ وأميا الخرى فهيو شداد ولقمان المذكوران‬
‫فيي قوله تعالى‪" :‬إرم ذات العماد" [الفجير‪ .]7 :‬وعاد اسيم رجيل ثيم اسيتمر على قوم انتسيبوا إلييه‪.‬‬
‫"قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره" بالخفض على اللفظ‪ ،‬و"غيره" بالرفع على الموضع‪،‬‬
‫و"غيره" بالنصييب على السييتثناء‪" .‬إن أنتييم إل مفترون" أي مييا أنتييم فييي اتخاذكييم إلهييا غيره إل‬
‫كاذبون عليه جل وعز‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا قوم ل أسيألكم علييه أجرا إن أجري إل على الذي فطرنيي" أي على التبلييغ‪،‬‬
‫والدعاء إلى ال‪ ،‬واليمان به فيثقل عليكم‪ ،‬أي ثوابي في تبليغ الرسالة‪ .‬والفطرة ابتداء الخلق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفل تعقلون" ما جرى على قوم نوح لما كذبوا الرسل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 52 :‬وييا قوم استغفروا ربكيم ثيم توبوا إلييه يرسل السماء عليكيم مدرارا ويزدكيم قوة‬
‫إلى قوتكم ول تتولوا مجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه" تقدم في أول السورة‪" .‬يرسل السماء" جزم‬
‫لنييه جواب وفييه معنييى المجازاة‪" .‬عليكييم مدرارا" نصييب على الحال‪ ،‬وفييه معنييى التكثييير؛ أي‬
‫يرسيل السيماء بالمطير متتابعيا يتلو بعضيه بعضيا؛ والعرب تحذف الهاء فيي مفعال على النسيب؛‬
‫وأكثير ميا يأتيي مفعال مين أفعيل‪ ،‬وقيد جاء ههنيا مين فعيل؛ لنيه مين درت السيماء تدر وتدر فهيي‬
‫مدرار‪ .‬وكان قوم هود ‪ -‬أعني عادا ‪ -‬أهل بساتين وزروع وعمارة‪ ،‬وكانت مساكنهم الرمال التي‬
‫بيين الشام واليمين كميا تقدم فيي "العراف"‪" .‬ويزدكيم" عطيف على يرسيل‪" .‬قوة إلى قوتكيم" قال‬
‫مجاهييد‪ :‬شدة على شدتكييم‪ .‬الضحاك‪ .‬خصييبا إلى خصييبكم‪ .‬علي بيين عيسييى‪ :‬عزا على عزكييم‪.‬‬
‫عكرمية‪ :‬ولدا إلى ولدكيم‪ .‬وقييل‪ :‬إن ال حبس عنهيم المطير وأعقم الرحام ثلث سنين فلم يولد لهيم‬
‫ولد؛ فقال لهييم هود‪ :‬إن آمنتييم أحيييا ال بلدكييم ورزقكييم المال والولد؛ فتلك القوة‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫المعنى يزدكم قوة في النعم‪" .‬ول تتولوا مجرمين" أي ل تعرضوا عما أدعوكم إليه‪ ،‬وتقيموا على‬
‫الكفر‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 53 :‬قالوا ييا هود ميا جئتنيا ببينية وميا نحين بتاركيي آلهتنيا عين قولك وميا نحين لك‬
‫بمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا هود ما جئتنا ببينة" أي حجة واضحة‪" .‬وما نحن لك بمؤمنين" إصرارا‬
‫منهم على الكفر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 56 - 55 - 54 :‬إن نقول إل اعتراك بعيض آلهتنيا بسيوء قال إنيي أشهيد ال‬
‫واشهدوا أنيي برييء مميا تشركون‪ ،‬مين دونيه فكيدونيي جميعيا ثيم ل تنظرون‪ ،‬إنيي توكلت على ال‬
‫ربي وربكم ما من دابة إل هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن نقول إل اعتراك" أي أصيابك‪" .‬بعيض آلهتنيا" أي أصينامنا‪" .‬بسيوء" أي‬
‫بجنون لسيبك إياهيا‪ ،‬عين ابين عباس وغيره‪ .‬يقال‪ :‬عراه المير واعتراه إذا ألم بيه‪ .‬ومنيه "وأطعموا‬
‫القانيع والمعتير" [الحيج‪" .]36 :‬قال إنيي أشهيد ال" أي على نفسيي‪" .‬واشهدوا" أي وأشهدكم؛ ل‬
‫أنهيم كانوا أهيل شهادة‪ ،‬ولكنيه نهاية للتقريير؛ أي لتعرفوا "أني برييء مما تشركون" أي من عبادة‬
‫الصنام التي تعبدونها‪" .‬فكيدوني جميعا" أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري‪" .‬ثم ل تنظرون"‬
‫أي ل تؤخرون‪ .‬وهذا القول مييع كثرة العداء يدل على كمال الثقيية بنصيير ال تعالى‪ .‬وهييو ميين‬
‫أعلم النبوة‪ ،‬أن يكون الرسيول وحده يقول لقوميه‪" :‬فكيدونيي جميعيا"‪ .‬وكذلك قال النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم لقرييش‪ .‬وقال نوح صيلى ال علييه وسيلم "فاجمعوا أمركيم وشركاءكيم" [يونيس‪]71 :‬‬
‫الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيي توكلت على ال ربيي وربكيم" أي رضييت بحكميه‪ ،‬ووثقت بنصيره‪" .‬ميا من‬
‫دابية" أي نفيس تدب على الرض؛ وهيو فيي موضيع رفيع بالبتداء‪" .‬إل هيو آخيذ بناصييتها" أي‬
‫يصرفها كيف يشاء‪ ،‬ويمنعها مما يشاء؛ أي فل تصلون إلى ضري‪ .‬وكل ما فيه روح يقال له داب‬
‫ودابيه؛ والهاء للمبالغية‪ .‬وقال الفراء‪ :‬مالكهيا‪ ،‬والقادر عليهيا‪ .‬وقال القتيبي‪ :‬قاهرهيا؛ لن مين أخذت‬
‫بناصيته فقد قهرته‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يحييها ثم يميتها؛ والمعنى متقارب‪ .‬والناصية قصاص الشعر‬
‫فيي مقدم الرأس‪ .‬ونصيوت الرجيل أنصيوه نصيوا أي مددت ناصييته‪ .‬قال ابين جرييج‪ :‬إنميا خيص‬
‫الناصيية؛ لن العرب تسيتعمل ذلك إذا وصيفت إنسيانا بالذلة والخضوع؛ فيقولون‪ .‬ميا ناصيية فلن‬
‫إل بييد فلن؛ أي إنيه مطييع له يصيرفه كييف يشاء‪ .‬وكانوا إذا أسيروا أسييرا وأرادوا إطلقيه والمين‬
‫علييه جزوا ناصييته ليعرفوا بذلك فخرا علييه؛ فخاطبهيم بميا يعرفونيه فيي كلمهيم‪ .‬وقال‪ ،‬الترمذي‬
‫الحكييم فيي "نوادر الصيول" "ميا مين دابية إل هيو آخيذ بناصييتها" وجهيه عندنيا أن ال تعالى قدر‬
‫مقادير أعمال العباد‪ ،‬ثم نظر إليها‪ ،‬ثم خلق خلقه‪ ،‬وقدر نفذ بصره في جميع ما هم فيه عاملون من‬
‫قبييل أن يخلقهييم‪ ،‬فلمييا خلقهييم وضييع نور تلك النظرة فييي نواصيييهم فذلك النور أخييذ بنواصيييهم‪،‬‬
‫يجريهييم إلى أعمالهييم المقدرة عليهييم يوم المقادييير‪ .‬وخلق ال المقادييير قبييل أن يخلق السييماوات‬
‫والرض بخمسيين ألف سينة؛ رواه عبدال بين عمرو بين العاص قال‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم يقول‪( :‬قدر ال المقاديير قبيل أن يخلق السيماوات والرض بخمسيين ألف سينة)‪ .‬ولهذا‬
‫قويييت الرسييل وصيياروا ميين أولي العزم لنهييم لحظوا نور النواصييي‪ ،‬وأيقنوا أن جميييع خلقييه‬
‫منقادون بتلك النوار إلى ما نفذ بصره فيهم من العمال‪ ،‬فأوفرهم حظا من الملحظة أقواهم في‬
‫العزم‪ ،‬ولذلك ميا قوي هود النيبي صيلى ال علييه وسيلم حتيى قال‪" :‬فكيدونيي جميعيا ثيم ل تنظرون‪.‬‬
‫إنيي توكلت على ال ربيي وربكيم ميا مين دابية إل هيو آخيذ بناصييتها" وإنميا سيميت ناصيية لن‬
‫العمال قد نصت وبرزت من غيب الغيب فصارت منصوصة في المقادير‪ ،‬قد نفذ بصر الخالق‬
‫فيي جميع حركات الخلق بقدرة‪ ،‬ثم وضعت حركات كل من دب على الرض حيا في جبهته بين‬
‫عينييه‪ ،‬فسيمي ذلك الموضيع منيه ناصيية؛ لنهيا تنيص حركات العباد بميا قدر؛ فالناصيية مأخوذة‬
‫بمنصيوص الحركات التيي نظير ال تعالى إليهيا قبيل أن يخلقهيا ووصيف ناصيية أبيي جهيل فقال‪:‬‬
‫"ناصية كاذبة خاطئة" [العلق‪ ]16 :‬يخبر أن النواصي فيها كاذبة خاطئة؛ فعلى سبيل ما تأولوه‬
‫يسيتحيل أن تكون الناصيية منسيوبة إلى الكذب والخطيأ‪ .‬وال أعلم‪" .‬إن ربيي على صيراط مسيتقيم"‬
‫قال النحاس‪ :‬الصراط في اللغة المنهاج الواضح؛ والمعنى أن ال جل ثناؤه وإن كان يقدر على كل‬
‫شيء فإنه ل يأخذهم إل بالحق‪ .‬وقيل‪ :‬معناه ل خلل في تدبيره‪ ،‬ول تفاوت في خلقه سبحانه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 57 :‬فإن تولوا فقيد أبلغتكيم ميا أرسيلت بيه إليكيم ويسيتخلف ربيي قوميا غيركيم ول‬
‫تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تولوا" فيي موضيع جزم؛ فلذلك حذفيت منيه النون‪ ،‬والصيل تتولوا‪ ،‬فحذفيت‬
‫التاء لجتماع تاءين‪" .‬فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم" بمعنى قد بينت لكم‪" .‬ويستخلف ربي قوما‬
‫غيركيم" أي يهلككيم ويخلق مين هيو أطوع له منكيم يوحدونيه ويعبدونيه‪" .‬ويسيتخلف" مقطوع مميا‬
‫قبله فلذلك ارتفيع؛ أو معطوف على ميا يجيب فيميا بعيد الفاء مين قوله‪" :‬فقيد أبلغتكيم"‪ .‬وروي عين‬
‫حفيص عين عاصيم "ويسيتخلف" بالجزم حمل على موضيع الفاء وميا بعدهيا؛ مثيل‪" :‬ويذرهيم فيي‬
‫طغيانهيم يعمهون" [العراف‪" .]186 :‬ول تضرونيه شيئا" أي بتوليكيم وإعراضكيم‪" .‬إن ربيى‬
‫على كيل شييء حفييظ" أي لكيل شييء حافيظ‪" .‬على" بمعنيى اللم؛ فهيو يحفظنيي مين أن تنالونيي‬
‫بسوء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 58 :‬ولميا جاء أمرنيا نجينيا هودا والذيين آمنوا معيه برحمية منيا ونجيناهيم مين عذاب‬
‫غليظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولميا جاء أمرنيا" أي عذابنيا بهلك عاد‪" .‬نجينيا هودا والذيين آمنوا معيه برحمية‬
‫منييا" لن أحدا ل ينجييو إل برحميية ال تعالى‪ ،‬وإن كانييت له أعمال صييالحة‪ .‬وفييي صييحيح مسييلم‬
‫والبخاري وغيرهميا عين النيبي صيلى ال عليه وسيلم (لن ينجيي أحدا منكيم عمله‪ .‬قالوا‪ :‬ول أنيت ييا‬
‫رسول ال؟ ! قال‪ :‬ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمة منه)‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "برحمة منا" بأن بينا لهم‬
‫الهدى الذي هيو رحمية‪ .‬وكانوا أربعية آلف‪ .‬وقييل‪ :‬ثلثية آلف‪" .‬ونجيناهيم مين عذاب غلييظ" أي‬
‫عذاب يوم القيامية‪ .‬وقييل‪ :‬هيو الرييح العقييم كميا ذكير ال فيي "الذاريات" وغيرهيا وسييأتي‪ .‬قال‬
‫القشيري أبيو نصير‪ :‬والعذاب الذي يتوعيد بيه النيبي أمتيه إذا حضير ينجيي ال منيه النيبي والمؤمنيين‬
‫معيه؛ نعيم! ل يبعيد أن يبتلي ال نبييا وقوميه فيعمهيم ببلء فيكون ذلك عقوبية للكافريين‪ ،‬وتمحيصيا‬
‫للمؤمنين إذا لم يكن مما توعدهم النبي به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتلك عاد" ابتداء وخيبر‪ .‬وحكيى الكسيائي أن مين العرب مين ل يصيرف "عادا"‬
‫فيجعله اسييما للقييبيلة‪" .‬جحدوا بآيات ربهييم" أي كذبوا بالمعجزات وأنكروهييا‪" .‬وعصييوا رسييله"‬
‫يعنيي هودا وحده؛ لنيه لم يرسيل إليهيم مين الرسيل سيواه‪ .‬ونظيره قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الرسيل كلوا‬
‫مين الطيبات" [المؤمنون‪ ]51 :‬يعنيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم وحده؛ لنيه لم يكين فيي عصيره‬
‫رسيول سيواه؛ وإنميا جميع ههنيا لن مين كذب رسيول واحدا فقيد كفير بجمييع الرسيل‪ .‬وقييل‪ :‬عصيوا‬
‫هودا والرسل قبله‪ ،‬وكانوا بحيث لو أرسل إليهم ألف رسول لجحدوا الكل‪" .‬واتبعوا أمر كل جبار‬
‫عنيد" أي اتبع سقاطهم رؤساءهم‪ .‬والجبار المتكبر‪ .‬والعنيد الطاغي الذي ل يقبل الحق ول يذعن‬
‫له‪ .‬قال أبييو عبيييد‪ :‬العنيييد والعنود والعانييد والمعانييد المعارض بالخلف‪ ،‬ومنييه قيييل للعرق الذي‬
‫ينفجر بالدم عاند‪ .‬وقال الراجز‪:‬‬
‫إني كبير ل أطيق ال ُعنّدا‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة أل إن عادا كفروا ربهم أل بعدا لعاد قوم‬
‫هود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة" أي ألحقوها‪" .‬ويوم القيامة" أي واتبعوا يوم القيامة‬
‫مثيييل ذلك؛ فالتمام على قوله‪" :‬ويوم القيامييية"‪" .‬أل إن عادا كفروا ربهيييم" قال الفراء‪ :‬أي كفروا‬
‫نعمة ربهم؛ قال‪ :‬ويقال كفرته وكفرت به‪ ،‬مثل شكرته وشكرت له‪" .‬أل بعدا لعاد قوم هود" أي ل‬
‫زالوا مبعدين عن رحمة ال‪ .‬والبعد الهلك والبعد التباعد من الخير‪ .‬يقال‪ :‬بعد يبعد بعدا إذا تأخر‬
‫وتباعد‪ .‬وبعد يبعد بعدا إذا هلك؛ قال‪:‬‬
‫سم العداة وآفة الجزر‬ ‫ل يبعدن قومي الذين هم‬
‫وقال النابغة‪:‬‬
‫وكل امرئ يوما به الحال زائل‬ ‫فل تبعدن إن المنية منهل‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره هو أنشأكم‬
‫من الرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإلى ثمود" أي أرسلنا إلى ثمود "أخاهم" أي في النسب‪" .‬صالحا" وقرأ يحيي‬
‫بن وثاب "وإلى ثمود" بالتنوين في كل القرآن؛ وكذلك روي عن الحسن‪ .‬واختلف سائر القراء فيه‬
‫فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع‪ .‬وزعم أبو عبيدة أنه لول مخالفة السواد لكان الوجه‬
‫ترك الصرف؛ إذ كان الغلب عليه التأنيث‪ .‬قال النحاس‪ :‬الذي قال أبو عبيدة ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬من أن‬
‫الغالب عليييه التأنيييث كلم مردود؛ لن ثمودا يقال له حييي؛ ويقال له قييبيلة‪ ،‬وليييس الغالب عليييه‬
‫القيبيلة؛ بيل المير على ضيد ميا قال عنيد سييبويه‪ .‬والجود عنيد سييبويه فيميا لم يقيل فييه بنيو فلن‬
‫الصييرف‪ ،‬نحيو قرييش وثقييف وميا أشبههميا‪ ،‬وكذلك ثمود‪ ،‬والعلة فيي ذلك أنيه لميا كان التذكييير‬
‫الصيل‪ ،‬وكان يقيع له مذكير ومؤنيث كان الصيل الخيف أولى‪ .‬والتأنييث جييد بالغ حسين‪ .‬وأنشيد‬
‫سيبويه في التأنيث‪:‬‬
‫وكفى قريش المعضلت وسادها‬ ‫غلب المساميح الوليد سماحة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال ييا قوم اعبدوا ال ميا لكم من إله غيره" تقدم‪" .‬هو أنشأكم من الرض" أي‬
‫ابتدأ خلقكيم مين الرض‪ ،‬وذلك أن آدم خلق من الرض على ميا تقدم فيي "البقرة" و"النعام" وهيم‬
‫منه‪ ،‬وقيل‪" :‬أنشأكم في الرض"‪ .‬ول يجوز إدغام الهاء من "غيره" في الهاء من "هو" إل على‬
‫لغية مين حذف الواو فيي الدراج‪" .‬واسيتعمركم فيهيا" أي جعلكيم عمارهيا وسيكانها‪ .‬قال مجاهيد‪:‬‬
‫ومعنى "استعمركم" أعمركم من قوله‪ :‬أعمر فلن فلنا داره؛ فهي له عمرى‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أسكنكم‬
‫فيها؛ وعلى هذين القولين تكون استفعل بمعنى أفعل؛ مثل استجاب بمعنى أجاب‪ .‬وقال الضحاك‪:‬‬
‫أطال أعماركم‪ ،‬وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف‪ .‬ابن عباس‪( :‬أعاشكم فيها)‪ .‬زيد بن أسلم‪:‬‬
‫أمركييم بعمارة مييا تحتاجون إليييه فيهييا ميين بناء مسيياكن‪ ،‬وغرس أشجار‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى ألهمكييم‬
‫عمارتها من الحرث والغرس وحفر النهار وغيرها‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي قال بعض علماء الشافعية‪ :‬الستعمار طلب العمارة؛ والطلب المطلق من ال‬
‫تعالى على الوجوب‪ ،‬قال القاضي أبو بكر‪ :‬تأتي كلمة استفعل في لسان العرب على معان‪ :‬منها؛‬
‫اسييتفعل بمعنييى طلب الفعييل كقوله‪ :‬اسييتحملته أي طلبييت منييه حملنييا؛ وبمعنييى اعتقييد‪ ،‬كقولهييم‪:‬‬
‫اسيتسهلت هذا المير اعتقدتيه سيهل‪ ،‬أو وجدتيه سيهل‪ ،‬واسيتعظمته أي اعتقدتيه عظيميا ووجدتيه‪،‬‬
‫ومنه استفعلت بمعنى أصبت؛ كقولهم‪ :‬استجدته أي أصبته جيدا‪ :‬ومنها بمعنى فعل؛ كقوله‪ :‬قر في‬
‫المكان واسيتقر؛ وقالوا وقوله‪" :‬يسيتهزئون" و"يسيتسخرون" منيه؛ فقوله تعالى‪" :‬اسيتعمركم فيهيا"‬
‫خلقكيم لعمارتهيا‪ ،‬ل على معنيى اسيتجدته واسيتسهلته؛ أي أصيبته جيدا وسيهل؛ وهذا يسيتحيل فيي‬
‫الخالق‪ ،‬فيرجع إلى أنه خلق؛ لنه الفائدة‪ ،‬وقد يعبر عن الشيء بفائدته مجازا؛ ول يصح أن يقال‪:‬‬
‫إنيه طلب مين ال تعالى لعمارتهيا‪ ،‬فإن هذا اللفيظ ل يجوز فييي حقيه‪ ،‬أمييا أنيه يصييح أن يقال‪ :‬أنييه‬
‫استدعى عمارتها فإنه جاء بلفظ استفعل‪ ،‬وهو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه إذا كان أمرا‪،‬‬
‫وطلب للفعل إذا كان من الدنى إلى العلى رغبة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لم يذكر استفعل بمعنى أفعل‪ ،‬مثل قوله‪ :‬استوقد بمعنى أوقد‪ ،‬وقد ذكرناه‬
‫@ ويكون فيها دليل على السكان والعمرى وقد مضى القول في "البقرة" في السكنى والرقبى‪.‬‬
‫وأما العمرى فاختلف العلماء فيها على ثلثة أقوال‪ :‬أحدها ‪ -‬أنها تمليك لمنافع الرقبة حياة المعمر‬
‫مدة عمره؛ فإن لم يذكير عقبيا فمات المعمير رجعيت إلى الذي أعطاهيا أو لورثتيه؛ هذا قول القاسيم‬
‫بن محمد ويزيد بن قسييط والليث بن سعد‪ ،‬وهو مشهور مذهب مالك‪ ،‬وأحد أقوال الشافعي‪ ،‬وقد‬
‫تقدم في "البقرة" حجة هذا القول‪ .‬الثاني‪ :‬أنها تمليك الرقبة ومنافعها وهي هبة مبتولة؛ وهو قول‬
‫أبيي حنيفية والشافعيي وأصيحابهما والثوري والحسين بين حيي وأحميد بين حنبيل وابين شبرمية وأبيي‬
‫عبييد؛ قالوا‪ :‬مين أعمير رجل شيئا حياتيه فهيو له حياتيه؛ وبعيد وفاتيه لورثتيه؛ لنيه قيد ملك رقبتهيا‪،‬‬
‫وشرط المعطيى الحياة والعمير باطيل؛ لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬العمرى جائزة)‬
‫و(العمرى لميين وهبييت له)‪ .‬الثالث‪ :‬إن قال عمرك ولم يذكيير العقييب كان كالقول الول‪ :‬وإن قال‬
‫لعقبيك كان كالقول الثانيي؛ وبيه قال الزهري وأبيو ثور وأبيو سيلمة بين عبدالرحمين وابين أبيي ذئب‪،‬‬
‫وقيد روي عن مالك؛ وهو ظاهير قوله فيي الموطيأ‪ .‬والمعروف عنه وعن أصيحابه أنهيا ترجيع إلى‬
‫المعمر؛ إذا انقرض عقب المعمر؛ إن كان المعمر حيا‪ ،‬وإل فإلى من كان حيا من ورثته‪ ،‬وأولى‬
‫الناس بميراثيه‪ .‬ول يملك المعمير بلفيظ العمرى عنيد مالك وأصيحابه رقبية شييء مين الشياء‪ ،‬وإنميا‬
‫يملك بلفييظ العمرى المنفعيية دون الرقبيية‪ .‬وقييد قال مالك فييي الحبييس أيضييا‪ :‬إذا حبييس على رجييل‬
‫وعقبه أنه ل يرجع إليه‪ .‬وإن حبس على رجل بعينه حياته رجع إليه‪ ،‬وكذلك العمرى قياسا‪ ،‬وهو‬
‫ظاهير الموطيأ‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين جابر بين عبدال أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪:‬‬
‫(أيميا رجيل أعمير رجل عمرى له ولعقبيه فقال قيد أعطيتكهيا وعقبيك ميا بقيي منكيم أحيد فإنهيا لمين‬
‫أعطيها وأنها ل ترجع إلى صاحبها من أجل أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) وعنه قال‪ :‬إن‬
‫العمرى التي أجاز رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقول‪ :‬هي لك ولعقبك‪ ،‬فأما إذا قال‪ :‬هي لك‬
‫ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها؛ قال معمر‪ :‬وبذلك كان الزهري يفتي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬معنيى القرآن يجري ميع أهيل القول الثانيي؛ لن ال سيبحانه قال‪" :‬واسيتعمركم" بمعنيى‬
‫أعمركم؛ فأعمر الرجل الصالح فيها مدة حياته بالعمل الصالح‪ ،‬وبعد موته بالذكر الجميل والثناء‬
‫الحسن؛ وبالعكس الرجل الفاجر؛ فالدنيا ظرف لهما حياة وموتا‪ .‬وقد يقال‪ :‬إن الثناء الحسن يجري‬
‫مجرى العقيب‪ .‬وفيي التنزييل‪" :‬واجعيل لي لسيان صيدق فيي الخريين" [الشعراء‪ ]84 :‬أي ثناء‬
‫حسينا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬قال‪" :‬وجعلنيا ذريتيه هيم الباقيين" [الصيافات‪]77 :‬‬
‫وقال‪" :‬وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" [الصافات‪.]113 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاستغفروه" أي سلوه المغفرة من عبادة الصنام‪" .‬ثم توبوا إليه" أي ارجعوا إلى‬
‫عبادتيه‪" .‬إن ربيي قرييب مجييب" أي قرييب الجابية لمين دعاه‪ .‬وقيد مضيى فيي "البقرة" عنيد قوله‪:‬‬
‫"فإني قريب أجيب دعوة الداعي" القول فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 62 :‬قالوا ييا صيالح قد كنت فينيا مرجوا قبل هذا أتنهانيا أن نعبيد ميا يعبيد آباؤنا وإننيا‬
‫لفي شك مما تدعونا إليه مريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا" أي كنا نرجو أن تكون فينا سيدا قبل‬
‫هذا؛ أي قبل دعوتك النبوة‪ .‬وقيل‪ :‬كان صالح يعيب آلهتهم ويشنؤها‪ ،‬وكانوا يرجون رجوعه إلى‬
‫دينهيم‪ ،‬فلميا دعاهيم إلى ال قالوا‪ :‬انقطيع رجاؤنيا منيك‪" .‬أتنهانيا" اسيتفهام معناه النكار‪" .‬أن نعبيد"‬
‫أي عن أن نعبد‪" .‬ما يعبد آباؤنا" فأن في محل نصب بإسقاط حرف الجر‪" .‬وإننا لفي شك" وفي‬
‫سييورة "إبراهيييم" و"وإنييا" والصييل وإننييا؛ فاسييتثقل ثلث نونات فأسييقط الثالثيية‪" .‬ممييا تدعونييا"‬
‫الخطاب لصيالح‪ ،‬وفيي سيورة إبراهييم "تدعوننيا" [إبراهييم‪ ]9 :‬لن الخطاب للرسيل صيلوات ال‬
‫وسلمه عليهم "إليه مريب" من أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعل يوجب لدية الريبة‪ .‬قال الهذلي‪:‬‬
‫يشم عطفي ويبز ثوبي‬ ‫كنت إذا أتوته من غيب‬
‫كأنما أربته بريب‬
‫*‪*3‬الية‪{ 63 :‬قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربيي وآتاني منه رحمة فمن ينصيرني‬
‫من ال إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربيي وآتاني منه رحمة" تقدم معناه في‬
‫قول نوح‪" .‬فميين ينصييرني ميين ال إن عصيييته" اسييتفهام معناه النفييي؛ أي ل ينصييرني منييه إن‬
‫عصيته أحد‪" .‬فما تزيدونني غير تخسير" أي تضليل وإبعاد من الخير؛ قال الفراء‪ .‬والتخسير لهم‬
‫ل له صييلى ال عليييه وسييلم؛ كأنييه قال‪ :‬غييير تخسييير لكييم ل لي‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى مييا تزيدوننييي‬
‫باحتجاجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم؛ عن ابن عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 64 :‬وييا قوم هذه ناقية ال لكيم آيية فذروهيا تأكيل فيي أرض ال ول تمسيوها بسيوء‬
‫فيأخذكم عذاب قريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويا قوم هذه ناقة ال" ابتداء وخبر‪" .‬لكم آية" نصب على الحال‪ ،‬والعامل معنى‬
‫الشارة أو التنيبيه فيي "هذه"‪ .‬وإنميا قييل‪ :‬ناقية ال؛ لنيه أخرجهيا لهيم مين جبيل ‪ -‬على ميا طلبوا ‪-‬‬
‫على أنهيم يؤمنون‪ .‬وقييل‪ :‬أخرجهيا مين صيخرة صيماء منفردة فيي ناحيية الحجير يقال لهيا الكاثبية‪،‬‬
‫فلميا خرجيت الناقية ‪ -‬على ميا طلبوا ‪ -‬قال لهيم نيبي ال صيالح‪" :‬هذه ناقية ال لكيم آيية"‪" .‬فذروهيا‬
‫تأكيل" أمير وجوابيه؛ وحذفيت النون مين "فذروهيا" لنيه أمير‪ .‬ول يقال‪ :‬وذر ول واذر إل شاذا‪.‬‬
‫وللنحويين فيه قولن؛ قال سيبويه‪ :‬استغنوا عنه بترك‪ .‬وقال غيره‪ :‬لما كانت الواو ثقيلة وكان في‬
‫الكلم فعييل بمعناه ل واو فيييه ألغوه؛ قال أبييو إسييحاق الزجاج‪ :‬ويجوز رفييع "تأكييل" على الحال‬
‫والسييتئناف‪" .‬ول تمسييوها" جزم بالنهييي‪" .‬بسييوء" قال الفراء‪ :‬بعقيير‪" .‬فيأخذكييم" جواب النهييي‪.‬‬
‫"عذاب قريب" أي قريب من عقرها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 65 :‬فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعقروهيا" إنميا عقرهيا بعضهيم؛ وأضييف إلى الكيل لنيه كان برضيا الباقيين‪ .‬وقيد‬
‫تقدم الكلم فييي عقرهييا "العراف"‪ .‬ويأتييي أيضييا‪" .‬فقال تمتعوا" أي قال لهييم صييالح تمتعوا؛ أي‬
‫بنعم ال عز وجل قبل العذاب‪" .‬في داركم" أي في بلدكم‪ ،‬ولو أراد المنزل لقال في دوركم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أي يتمتيع كيل واحيد منكيم فيي داره ومسيكنه؛ كقوله‪" :‬يخرجكيم طفل" [غافير‪ ]67 :‬أي كيل واحيد‬
‫طفل‪ .‬وعبر عن التمتع بالحياة لن الميت ل يتلذذ ول يتمتع بشيء؛ فعقرت يوم الربعاء‪ ،‬فأقاموا‬
‫يوم الخميس والجمعة والسبت وأتاهم العذاب يوم الحد‪ .‬وإنما أقاموا ثلثة أيام؛ لن الفصيل رغا‬
‫ثلثيا على ميا تقدم فيي "العراف" فاصيفرت ألوانهيم فيي اليوم الول‪ ،‬ثيم احمرت فيي الثانيي‪ ،‬ثيم‬
‫اسودت في الثالث‪ ،‬وهلكوا في الرابع؛ وقد تقدم في "العراف"‪.‬‬
‫استدل علماؤنا بإرجاء ال العذاب عن قوم صالح ثلثة أيام على أن المسافر إذا لم يجمع على‬
‫إقامة أربع ليال قصر؛ لن الثلثة اليام خارجة عن حكم القامة وقد تقدم في "النساء" ما للعلماء‬
‫في هذا‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ذلك وعد غير مكذوب" أي غير كذب‪ .‬وقيل‪ :‬غير مكذوب فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 66 :‬فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن‬
‫ربك هو القوي العزيز}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا جاء أمرنيا" أي عذابنيا‪" .‬نجينيا صيالحا والذيين آمنوا معيه برحمية منيا" تقدم‪.‬‬
‫"ومن خزي يومئذ" أي ونجيناهم من خزي يومئذ؛ أي من فضيحته وذلته‪ .‬وقيل‪ :‬الواو زائدة؛ أي‬
‫نجيناهيم مين خزي يومئذ‪ .‬ول يجوز زيادتهيا عنيد سييبويه وأهيل البصيرة‪ ،‬وعنيد الكوفييين يجوز‬
‫زيادتهيا ميع "لميا" و"حتيى" ل غيير‪ .‬وقرأ نافيع والكسيائي "يومئذ" بالنصيب‪ .‬الباقون بالكسير على‬
‫إضافة "يوم" إلى "إذ" وقال أبو حاتم‪ :‬حدثنا أبو زيد عن أبي عمرو أنه قرأ "ومن خزي يومئذ"‬
‫أدغم الياء في الياء‪ ،‬وأضاف‪ ،‬وكسر الميم في "يومئذ"‪ .‬قال النحاس‪ :‬الذي يرويه النحويون‪ :‬مثل‬
‫سيييبويه وميين قاربييه عيين أبييي عمرو فييي مثييل هذا‪ :‬الخفاء؛ فأمييا الدغام فل يجوز‪ ،‬لنييه يلتقييي‬
‫ساكنان‪ ،‬ول يجوز كسر الزاي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 :‬وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأخيذ الذيين ظلموا الصييحة" أي فيي اليوم الرابيع صييح بهيم فماتوا؛ وذكير لن‬
‫الصيحة والصياح واحد‪ .‬قيل‪ :‬صيحة جبريل‪ .‬وقيل‪ :‬صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة؛‬
‫وصيوت كيل شييء فيي الرض‪ ،‬فتقطعيت قلوبهيم وماتوا‪ .‬وقال هنيا‪" :‬وأخيذ الذيين ظلموا الصييحة"‬
‫وقال فيي العراف "فأخذتهيم الرجفية" [العراف‪ ]78 :‬وقيد تقدم بيانيه هناك‪ .‬وفيي التفسيير‪ :‬أنهيم‬
‫لما أيقنوا بالعذاب قال بعضهم لبعض ما مقامكم أن يأتيكم المر بغتة؟ ! قالوا‪ :‬فما نصنع؟ فأخذوا‬
‫سييوفهم ورماحهيم وعددهيم‪ ،‬وكانوا فيميا يقال اثنيي عشير ألف قيبيلة‪ ،‬فيي كيل قيبيلة اثنيا عشير ألف‬
‫مقاتييل‪ ،‬فوقفوا على الطرق والفجاج‪ ،‬زعموا يلقون العذاب؛ فأوحييى ال تعالى إلى الملك الموكييل‬
‫بالشميس أن يعذبهيم بحرهيا؛ فأدناهيا مين رؤوسيهم فاشتوت أيديهيم‪ ،‬وتدلت ألسينتهم على صيدورهم‬
‫مين العطيش‪ ،‬ومات كيل ميا كان معهيم مين البهائم‪ .‬وجعيل الماء يتفور مين تلك العيون مين غليانيه‬
‫حتيى يبلغ السيماء‪ ،‬ل يسيقط على شييء إل أهلكيه مين شدة حره‪ ،‬فميا زالوا كذلك‪ ،‬وأوحيى ال إلى‬
‫ملك الموت أل يقبض أرواحهم تعذيبا لهم إلى أن غربت الشمس؛ فصيح بهم فأهلكوا‪" .‬فأصبحوا‬
‫في ديارهم جاثمين" أي ساقطين على وجوههم‪ ،‬قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬كأن لم يغنوا فيها أل إن ثمود كفروا ربهم أل بعدا لثمود}‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلما قال سلم فما لبث أن جاء بعجل‬
‫حنيذ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد جاءت رسيلنا إبراهييم بالبشرى" هذه قصية لوط علييه السيلم؛ وهيو ابين عيم‬
‫إبراهيم عليه السلم لحا‪ ،‬وكانت قوى لوط بنوا حي الشام‪ ،‬وإبراهيم ببلد فلسطين‪ ،‬فلما أنزل ال‬
‫الملئكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده‪ ،‬وكان كل من نزل عنده يحسن قراه‪ ،‬وكانوا‬
‫مروا ببشارة إبراهييم‪ ،‬فظنهيم أضيافيا‪( .‬وهيم جبرييل وميكائييل وإسيرافيل عليهيم السيلم)؛ قاله ابين‬
‫عباس‪ .‬الضحاك‪ :‬كانوا تسيعة‪ .‬السيدي‪ :‬أحيد عشير ملكيا على صيورة الغلمان الحسيان الوجوه‪ ،‬ذو‬
‫وضاءة وجمال بارع‪" .‬بالبشري" قييل‪ :‬بالولد‪ .‬وقييل‪ :‬بإهلك قوم لوط‪ .‬وقييل‪ :‬بشروه بأنهيم رسيل‬
‫ال عز وجل‪ ،‬وأنه ل خوف عليه‪" .‬قالوا سلما" نصب بوقوع الفعل عليه؛ كما تقول‪ :‬قالوا خيرا‪.‬‬
‫وهذا اختيار الطيبري‪ .‬وأميا قوله‪" :‬سييقولون ثلثية" [الكهيف‪ ]22 :‬فالثلثية اسيم غيير قول مقول‪.‬‬
‫ولو رفعيا جميعيا أو نصيبا جميعيا "قالوا سيلما قال سيلم" جاز فيي العربيية‪ .‬قييل‪ :‬انتصيب على‬
‫المصيدر‪ .‬وقييل‪" :‬قالوا سيلما" أي فاتحوه بصيواب مين القول‪ .‬كميا قال‪" :‬وإذا خاطبهيم الجاهلون‬
‫قالوا سيلما" [الفرقان‪ ]63 :‬أي صيوابا؛ فسيلما معنيى قولهيم ل لفظيه؛ قال‪ ،‬معناه ابين العربيي‬
‫واختاره‪ .‬قال‪ :‬أل ترى أن ال تعالى لمييا أراد ذكيير اللفييظ قاله بعينييه فقال‪ ،‬مخييبرا عيين الملئكيية‪:‬‬
‫"سيلم عليكيم بميا صيبرتم" [الرعيد‪" ]24 :‬سيلم عليكيم طبتيم" [الزمير‪ ]73 :‬وقييل‪ :‬دعوا له؛‬
‫والمعنيى سيلمت سيلما‪" .‬قال سيلم" فيي رفعيه وجهان‪ :‬أحدهميا‪ :‬على إضمار مبتدأ أي هيو سيلم‪،‬‬
‫وأمري سلم‪ .‬والخر بمعنى سلم عليكم إذا جعل بمعنى التحية؛ فأضمر الخبر‪ .‬وجاز سلم على‬
‫التنكيير لكثرة اسيتعماله‪ ،‬فحذف اللف واللم كميا حذفيت مين ل هيم فيي قولك اللهيم‪ .‬وقرئ "سيلم"‬
‫قال الفراء‪ :‬السلم والسلم بمعنى؛ مثل الحل والحلل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فميا لبيث أن جاء" "أن" بمعنيى حتيى‪ ،‬قاله كيبراء النحوييين؛ حكاه ابين العربيي‪.‬‬
‫التقدير‪ :‬فما لبث حتى جاء‪ .‬وقيل‪" :‬أن" في موضع نصب بسقوط حرف الجر؛ التقدير‪ :‬فما لبث‬
‫عين أن جاء؛ أي ميا أبطيأ عين مجيئه بعجيل؛ فلميا حذف حرف الجير بقيي "أن" فيي محيل النصيب‪.‬‬
‫وفيي "لبيث" ضميير اسيم إبراهييم‪ .‬و"ميا" نافيية؛ قال سييبويه‪ .‬وقال الفراء‪ :‬فميا لبيث مجيئه؛ أي ميا‬
‫أبطيأ مجيئه؛ فأن فيي موضيع رفيع‪ ،‬ول ضميير فيي "لبيث"‪ ،‬و"ميا" نافيية؛ ويصيح أن تكون "ميا"‬
‫بمعنى الذي‪ ،‬وفي "لبث" ضمير إبراهيم و"أن جاء" خبر "ما" أي فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه‬
‫بعجيل حنييذ‪ .‬و"حنييذ" مشوي‪ .‬وقييل‪ :‬هيو المشوي بحير الحجارة مين غيير أن تمسيه النار‪ .‬يقال‪:‬‬
‫حنذت الشاة أحنذهيا حنذا أي شويتهيا‪ ،‬وجعلت فوقهيا حجارة محماة لتنضجهيا فهيي حنييذ‪ .‬وحنذت‬
‫الفرس أحنذه حنذا‪ ،‬وهو أن تحضره شوطا أو شوطين ثم تظاهر عليه الجلل في الشمس ليعرق‪،‬‬
‫فهو محنوذ وحنيذ؛ فإن لم يعرق قيل‪ :‬كبا‪ .‬وحنذ موضع قريب من المدينة‪ .‬وقيل‪ :‬الحنيذ السميط‪.‬‬
‫ابين عباس وغيره‪( :‬حنييذ نضييج‪ .‬وحنييذ بمعنيى محنوذ)؛ وإنميا جاء بعجيل لن البقير كانيت أكثير‬
‫أموال‪.‬‬
‫@ في هذه الية من أدب الضيّف أن يعجل قراه‪ ،‬فيقدم الموجود الميسر في الحال‪ ،‬ثم يتبعه بغيره‬
‫إن كان له جدة‪ ،‬ول يتكلف ميا يضير بيه‪ .‬والضيافية مين مكارم الخلق‪ ،‬ومين آداب السيلم‪ ،‬ومين‬
‫خلق النيبيين والصيالحين‪ .‬وإبراهييم أول مين أضاف على ميا تقدم فيي "البقرة" وليسيت بواجبية عنيد‬
‫عامية أهيل العلم؛ لقوله صيلى ال علييه وسيلم (الضيافية ثلثية أيام وجائزتيه يوم وليلة فميا كان وراء‬
‫ذلك فهيو صيدقة)‪ .‬والجائزة العطيية والصيلة التيي أصيلها على الندب‪ .‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫(من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم ضيفه)‪.‬‬
‫وإكرام الجار لييس بواجيب إجماعيا‪ ،‬فالضيافية مثله‪ .‬وال أعلم‪ .‬وذهيب اللييث إلى وجوبهيا تمسيكا‬
‫بقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ليلة الضييف حيق) إلى غيير ذلك مين الحادييث‪ .‬وفيميا أشرنيا إلييه‬
‫كفايية‪ ،‬وال الموفييق للهدايية‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وقيد قال قوم‪ :‬إن وجوب الضيافية كان فيي صيدر‬
‫السيلم ثيم نسيخ‪ ،‬وهذا ضعييف؛ فإن الوجوب لم يثبيت‪ ،‬والناسيخ لم يرد؛ وذكير حدييث أبيي سيعيد‬
‫الخدري خرجه الئمة‪ ،‬وفيه‪( :‬فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا فلدغ سيد ذلك الحي) الحديث‪ .‬وقال‪:‬‬
‫هذا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقا للم النبي صلى ال عليه وسلم القوم الذين أبوا‪ ،‬ولبين لهم‬
‫ذلك‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيمين يخاطيب بهيا؛ فذهيب الشافعيي ومحميد بين عبدالحكيم إلى أن المخاطيب بهيا‬
‫أهل الحضر والبادية‪ .‬وقال مالك‪ :‬ليس على أهل الحضر ضيافة‪ .‬قال سحنون‪ :‬إنما الضيافة على‬
‫أهل القرى‪ ،‬وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر حكى اللغتين صاحب العين وغيره‪ .‬واحتجوا‬
‫بحديث ابن عمر قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الضيافة على أهل الوبر وليست على‬
‫أهيل المدر)‪ .‬وهذا حدييث ل يصيح‪ ،‬وإبراهييم ابين أخيي عبدالرزاق متروك الحدييث منسيوب إلى‬
‫الكذب‪ ،‬وهذا ممييا انفرد بييه‪ ،‬ونسييب إلى وضعييه؛ قال أبييو عميير بيين عبدالبر‪ .‬قال ابيين العربييي‪:‬‬
‫الضيافية حقيقية فرض على الكفايية‪ ،‬ومين الناس مين قال‪ :‬إنهيا واجبية فيي القرى حييث ل طعام ول‬
‫مأوى‪ ،‬بخلف الحواضير فإنهيا مشحونية بالمأواة والقوات؛ ول شيك أن الضييف كرييم‪ ،‬والضيافية‬
‫كرامة؛ فإن كان غريبا فهي فريضة‪.‬‬
‫@ قال ابين العربيي قال بعيض علمائنيا‪ :‬كانيت ضيافية إبراهييم قليلة فشكرهيا الحيبيب مين الحيبيب‪،‬‬
‫وهذا حكم بالظن في موضع القطع‪ ،‬وبالقياس في موضع النقل؛ من أين علم أنه قليل؟ ! بل قد نقل‬
‫المفسيرون أن الملئكية كانوا ثلثية؛ جبرييل وميكائييل وإسيرافيل صيلى ال عليهيم وسيلم؛ وعجيل‬
‫لثلثية عظييم؛ فميا هذا التفسيير لكتاب ال بالرأي! هذا بأمانية ال هيو التفسيير المذموم فاجتنبوه فقيد‬
‫علمتموه‪.‬‬
‫@ السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدّم إليه بالكل؛ فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم؛‬
‫وكرامية صياحب المنزل المبادرة بالقبول؛ فلميا قبضوا أيديهيم نكرهيم إبراهييم؛ لنهيم خرجوا عين‬
‫العادة وخالفوا السينة‪ ،‬وخاف أن يكون وراءهيم مكروه يقصيدونه‪ .‬وروي أنهيم كانوا ينكتون بقداح‬
‫كانيت فيي أيديهيم فيي اللحيم ول تصيل أيديهيم إلى اللحيم‪ ،‬فلميا رأى ذلك منهيم "نكرهيم وأوجيس منهيم‬
‫خيفة" أي أضمر‪ .‬وقيل‪ :‬أحس؛ والوجوس الدخول؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫فأوجس القلب من قرطاسه جزعا‬ ‫جاء البريد بقرطاس يخب به‬
‫"خيفة" خوفا؛ أي فزعا‪ .‬وكانوا إذا رأوا الضيف ل يأكل ظنوا به شرا؛ فقالت الملئكة "ل تخف‬
‫إنا أرسلنا إلى لوط"‬
‫@ من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم ل؟ وذلك ينبغي أن يكون‬
‫بتلفت ومسارقة ل بتحديد النظر‪ .‬روي أن أعرابيا أكل مع سليمان بن عبدالملك‪ ،‬فرأى سليمان في‬
‫لقمية العرابيي شعرة فقال له‪ :‬أزل الشعرة عين لقمتيك؟ فقال له‪ :‬أتنظير إلي نظير مين يرى الشعرة‬
‫في لقمتي؟ ! وال ل أكلت معك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد ذكر أن هذه الحكاية إنما كانت مع هشام بن عبدالملك ل مع سليمان‪ ،‬وأن العرابي‬
‫خرج من عنده وهو يقول‪:‬‬
‫يلحظ أطراف الكيل على عمد‬ ‫وللموت خير من زيارة باخل‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬فلما رأى أيديهم ل تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا ل تخف إنا أرسلنا‬
‫إلى قوم لوط}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قلميا رأى أيديهيم ل تصيل إلييه نكرهيم" يقول‪ :‬أنكرهيم؛ تقول‪ :‬نكرتيك وأنكرتيك‬
‫واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫من الحوادث إل الشيب والصلعا‬ ‫وأنكرتني وما كان الذي نكرت‬
‫فجمع بين اللغتين‪ .‬ويقال‪ :‬نكرت لما تراه بعينك‪ .‬وأنكرت لما تراه بقلبك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وامرأته قائمة" ابتداء وخبر‪ ،‬أي قائمة بحيث ترى الملئكة‪ .‬قيل‪ :‬كانت من وراء‬
‫السيتر‪ .‬وقييل‪ :‬كانيت تخدم الملئكية وهيو جالس‪ .‬وقال محميد بين إسيحاق‪ :‬قائمية تصيلي‪ .‬وفيي قراءة‬
‫عبدال بن مسعود "وامرأته قائمة وهو قاعد"‪" .‬فضحكت" قال مجاهد وعكرمة‪ :‬حاضت‪ ،‬وكانت‬
‫آيسة؛ تحقيقا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون‪:‬‬
‫وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا‬ ‫وإني لتي العرس عند طهورها‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫كمثل دم الجوف يوم اللقا‬ ‫وضحكت الرانب فوق الصفا‬
‫والعرب تقول‪ :‬ضحكيت الرنيب إذا حاضيت؛ وروي عين ابين عباس رضيي ال عنهميا وعكرمية؛‬
‫أخذ من قولهم‪( :‬ضحكت الكافورة ‪ -‬وهي قشرة الطلعة ‪ -‬إذا انشقت)‪ .‬وقد أنكر بعض اللغويين أن‬
‫يكون فيي كلم العرب ضحكيت بمعنيى حاضيت‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬هيو الضحيك المعروف‪ ،‬واختلفوا‬
‫فيه؛ فقيل‪ :‬هو ضحك التعجب؛ قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫هو الضحك إل أنه عمل النحل‬ ‫فجاء بمزج لم ير الناس مثله‬
‫وقال مقاتيل‪ :‬ضحكيت مين خوف إبراهييم‪ ،‬ورعدتيه مين ثلثية نفير‪ ،‬وإبراهييم فيي حشميه وخدميه؛‬
‫وكان إبراهييم يقوم وحده بمائة رجيل‪ .‬قال‪ :‬ولييس الضحيك الحييض فيي اللغية بمسيتقيم‪ .‬وأنكير أبيو‬
‫عبييد والفراء ذلك؛ قال الفراء‪ :‬لم أسيمعه مين ثقية؛ وإنميا هيو كنايية‪ .‬وروي أن الملئكية مسيحت‬
‫العجيل‪ ،‬فقام مين موضعيه فلحيق بأميه‪ ،‬فضحكيت سيارة عنيد ذلك فبشروهيا بإسيحاق‪ .‬ويقال‪ :‬كان‬
‫إبراهيم عليه السلم إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬وامرأته قائمة" أي‬
‫قائمية فيي خدمتهيم‪ .‬ويقال‪" :‬قائمية" لروع إبراهييم "فضحكيت" لقولهيم‪" :‬ل تخيف" سيرورا بالمين‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬فيه تقديم وتأخير؛ المعنى‪ :‬فبشرناها بإسحاق فضحكت‪ ،‬أي ضحكت سرورا بالولد‪،‬‬
‫وقيد هرميت‪ ،‬وال أعلم أي ذلك كان‪ .‬قال النحاس فييه أقوال‪ :‬أحسينها ‪ -‬أنهيم لميا لم يأكلوا أنكرهيم‬
‫وخافهم؛ فلما قالوا ل تخف‪ ،‬وأخبروه أنهم رسل ال‪ ،‬فرح بذلك‪ ،‬فضحكت امرأته سرورا بفرحه‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬إنهيا كانيت قالت له‪ :‬أحسيب أن هؤلء القوم سيينزل بهيم عذاب فضيم لوطيا إلييك‪ ،‬فلميا جاءت‬
‫الرسيل بميا قالتيه سيرت بيه فضحكيت؛ قال النحاس‪ :‬وهذا إن صيح إسيناده فهيو حسين‪ .‬والضحيك‬
‫انكشاف السنان‪ .‬ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه؛ تقول‪ :‬رأيت فلنا ضاحكا؛ أي مشرقا‪.‬‬
‫وأتييت على روضية تضحيك؛ أي مشرقية‪ .‬وفيي الحدييث (إن ال سيبحانه يبعيث السيحاب فيضحيك‬
‫أحسن الضحك)‪ .‬جعل انجلءه عن البرق ضحكا؛ وهذا كلم مستعار‪ .‬وروي عن رجل من قراء‬
‫مكية يقال له محميد بين زياد العرابيي‪" .‬فضحكيت" بفتيح الحاء؛ قال المهدوي؛ وفتيح "الحاء" مين‬
‫ضحِكييا أربييع لغات‪.‬‬
‫ضحِكييا و َ‬
‫ضحْكييا و ِ‬
‫ضحْكييا و ِ‬
‫"فضحكييت" غييير معروف‪ .‬وضَحِك يضْحَك َ‬
‫ضحْكة المرة الواحدة‪ ،‬ومنه قول كثير‪:‬‬ ‫وال ّ‬
‫غلقت لضحكته رقاب المال‬
‫قاله الجوهري‪:‬‬
‫@ روى مسلم عن سهل بن سعد قال‪ :‬دعا أبو أسيد الساعدي رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫عرسه‪ ،‬فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس‪ .‬قال سهل‪ :‬أتدرون ما سقت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور‪ ،‬فلما أكل سقته إياه‪ .‬وأخرجه البخاري وترجم‬
‫له "باب قيام المرأة على الرجال فييي العرس وخدمتهييم بالنفييس"‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬فيييه جواز خدميية‬
‫العروس زوجهييا وأصييحابه فييي عرسييها‪ .‬وفيييه أنييه ل بأس أن يعرض الرجييل أهله على صييالح‬
‫إخوانه‪ ،‬ويستخدمهن لهم‪ .‬ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ ذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلم لما قدم العجل قالوا‪ :‬ل نأكل طعاما إل بثمن؛ فقال لهم‪:‬‬
‫"ثمنه أن تذكروا ال في أوله وتحمدوه في آخره" فقال جبريل لصحابه‪ :‬بحق اتخذ ال هذا خليل‪.‬‬
‫قال علماؤنييا‪ :‬ولم يأكلوا لن الملئكيية ل تأكييل‪ .‬وقييد كان ميين الجائز كمييا يسيير ال للملئكيية أن‬
‫يتشكلوا في صفة الدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام؛ إل أنه في قول العلماء أرسلهم في‬
‫صيفة الدميي وتكلف إبراهييم علييه السيلم الضيافية حتيى إذا رأى التوقيف وخاف جاءتيه البشرى‬
‫فجأة‪ .‬ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام‪ ،‬والحمد في آخره مشروع في المم قبلنا؛ وقد جاء‬
‫فيي السيرائيليات أن إبراهييم علييه السيلم كان ل يأكيل وحده؛ فإذا حضير طعاميه أرسيل يطلب مين‬
‫يأكيل معيه؛ فلقيي يوميا رجل‪ ،‬فلميا جلس معيه على الطعام‪ ،‬قال له إبراهييم‪ :‬سيم ال‪ ،‬قال الرجيل ل‬
‫أدري مييا ال؟ فقال له‪ :‬فاخرج عيين طعامييي‪ ،‬فلمييا خرج نزل إليييه جبريييل فقال له‪ :‬يقول ال إنييه‬
‫يرزقييه على كفره مدى عمره وأنييت بخلت علييه بلقمية؛ فخرج إبراهيييم فزعيا يجيير رداءه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ارجيع‪ ،‬فقال‪ :‬ل أرجيع حتيى تخيبرني لم تردنيي لغيير معنيى؟ فأخيبره بالمير؛ فقال‪ :‬هذا رب كرييم‪،‬‬
‫آمنت؛ ودخل وسمى ال وأكل مؤمنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبشرناها بإسحاق" لما ولد لبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها‬
‫ابن‪ ،‬وأيست لكبر سنها‪ ،‬فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا‪ ،‬فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها‪.‬‬
‫"ومين وراء إسيحاق يعقوب" قرأ حمزة وعبدال بين عامير "يعقوب" بالنصيب‪ .‬ورفيع الباقون؛‬
‫فالرفيع على معنيى‪ :‬ويحدث لهيا مين وراء إسيحاق يعقوب‪ .‬ويجوز أن يرتفيع بالفعيل الذي يعميل فيي‬
‫"مين" كأن المعنيى‪ :‬وثبيت لهيا مين وراء إسيحاق يعقوب‪ .‬ويجوز أن يرتفيع بالبتداء‪ ،‬ويكون فيي‬
‫موضيع الحال؛ أي بشروهيا بإسيحاق مقابل له يعقوب‪ .‬والنصيب على معنيى‪ :‬ووهبنيا لهيا مين وراء‬
‫إسييحاق يعقوب‪ .‬وأجاز الكسييائي والخفييش وأبييو حاتييم أن يكون "يعقوب" فييي موضييع جيير على‬
‫معنييى‪ :‬وبشرناهييا ميين وراء إسييحاق بيعقوب‪ .‬قال الفراء‪ :‬ول يجوز الخفييض إل بإعادة الحرف‬
‫الخافيض؛ قال سييبويه ولو قلت‪ :‬مررت بزييد أول مين أميس وأميس عمرو كان قبيحيا خبيثيا؛ لنيك‬
‫فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو‪ ،‬كما فرقت بين الجار والمجرور؛ لن الجار ل يفصل‬
‫بينه وبين المجرور‪ ،‬ول بينه وبين الواو‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 :‬قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا ويلتا" قال الزجاج‪ :‬أصلها يا ويلتي؛ فأبدل من الياء ألف‪ ،‬لنها أخف من الياء‬
‫والكسيرة؛ ولم ترد الدعاء على نفسيها بالوييل‪ ،‬ولكنهيا كلمية تخيف على أفواه النسياء إذا طرأ عليهين‬
‫ميا يعجبين منيه؛ وعجبيت مين ولدتهيا ومين كون بعلهيا شيخيا لخروجيه عين العادة‪ ،‬وميا خرج عين‬
‫العادة مسيتغرب ومسيتنكر‪ .‬و"أألد" اسيتفهام معناه التعجيب‪" .‬وأنيا عجوز" أي شيخية‪ .‬ولقيد عجزت‬
‫تعجييز عجزا وعجزت تعجيزا؛ أي طعنييت فييي السيين‪ .‬وقييد يقال‪ :‬عجوزة أيضييا‪ .‬وعجزت المرأة‬
‫بكسير الجييم؛ عظميت عجيزتهيا عجزا وعجزا بضيم العيين وفتحهيا‪ .‬قال مجاهيد‪ :‬كانيت بنيت تسيع‬
‫وتسعين سنة‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬كانت بنت تسعين سنة‪ .‬وقيل غير هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهذا بعلي شيخا" "وهذا بعلي" أي زوجي‪" .‬شيخا" نصب على الحال‪ ،‬والعامل‬
‫فييه التنيبيه أو الشارة‪" .‬وهذا بعلي" ابتداء وخيبر‪ .‬وقال الخفيش‪ :‬وفيي قراءة ابين مسيعود وأبيي‬
‫"وهذا بعلي شييخ" قال النحاس‪ :‬كميا تقول هذا زييد قائم؛ فزييد بدل مين هذا؛ وقائم خيبر البتداء‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون "هذا" مبتدأ "وزييد قائم" خيبرين؛ وحكيى سييبويه‪ :‬هذا حلو حاميض‪ .‬وقييل‪ :‬كان‬
‫إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة‪ .‬وقيل‪ :‬ابن مائة فكان يزيد عليها في قول مجاهد سنة‪ .‬وقيل‪ :‬إنها‬
‫عرضيت بقولهيا‪" :‬وهذا بعلي شيخيا" أي عين ترك غشيانيه لهيا‪ .‬وسيارة هذه امرأة إبراهيييم بنيت‬
‫هاران بن ناحور بن شاروع بن أرغو بن فالغ‪ ،‬وهي بنت عم إبراهيم‪" .‬إن هذا لشيء عجيب" أي‬
‫الذي بشرتموني به لشيء عجيب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 73 :‬قالوا أتعجبين من أمر ال رحمة ال وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا أتعجبين من أمر ال" لما قالت‪" :‬وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا" وتعجبت‪،‬‬
‫أنكرت الملئكية عليهيا تعجبهيا مين أمير ال‪ ،‬أي مين قضائه‪ .‬وقدره‪ ،‬أي ل عجيب مين أن يرزقكميا‬
‫ال الولد‪ ،‬وهو إسحاق‪ .‬وبهذه الية استدل كثير من العلماء على أن الذبيح إسماعيل‪ ،‬وأنه أسن من‬
‫إسيحاق؛ لنهيا بشرت بأن إسيحاق يعييش حتيى يولد له يعقوب‪ .‬وسييأتي الكلم فيي هذا؛ وبيانيه فيي‬
‫"الصافات" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رحمة ال وبركاته" مبتدأ‪ ،‬والخبر "عليكم"‪ .‬وحكى سيبويه "عليكم" بكسر الكاف‬
‫لمجاورتها الياء‪ .‬وهل هو خبر أو دعاء؟ وكونه إخبارا أشرف؛ لن ذلك يقتضي حصول الرحمة‬
‫والبركة لهم‪ ،‬المعنى‪ :‬أوصل ال لكم رحمته وبركاته أهل البيت‪ .‬وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر‬
‫يترجيى ولم يتحصيل بيه بعيد‪" .‬أهيل البييت" نصيب على الختصياص؛ وهذا مذهيب سييبويه‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫على النداء‪.‬‬
‫@ هذه الية تعطي أن زوجة الرجل‪ ،‬من أهل البيت؛ فدل‪ ،‬هذا على أن أزواج النبياء من أهل‬
‫البييت؛ فعائشية رضيي ال عنهيا وغيرهيا مين جملة أهيل بييت النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ ممين قال‬
‫ال فيهم‪" :‬ويطهركم تطهيرا" [الحزاب‪ ]33 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫@ ودلت الية أيضا على أن منتهى السلم "وبركاته" كما أخبر ال عن صالحي عباده "رحمة‬
‫ال وبركاتييه عليكييم أهييل البيييت"‪ .‬والبركيية النمييو والزيادة؛ وميين تلك البركات أن جميييع النييبياء‬
‫والمرسلين كانوا في ولد إبراهيم وسارة‪ .‬وروى مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن محمد بن‬
‫عمرو بين عطاء قال‪ :‬كنيت جالسيا عنيد عبدال بين عباس فدخيل علييه رجيل مين أهيل اليمين فقال‪:‬‬
‫السيلم علييك ورحمية ال وبركاتيه؛ ثيم زاد شيئا ميع ذلك؛ فقال‪ ،‬ابين عباس ‪ -‬وهيو يومئذ قيد ذهيب‬
‫بصيره ‪ -‬مين هذا؟ فقالوا اليمانيي الذي يغشاك‪ ،‬فعرفوه إياه‪ ،‬فقال‪( :‬إن السيلم انتهيى إلى البركية)‪.‬‬
‫وروي عين علي رضيى ال عنيه أنيه قال‪ :‬دخلت المسيجد فإذا أنيا بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي‬
‫عصيبة مين أصيحابه‪ ،‬فقلت‪ :‬السيلم عليكيم؛ فقال‪( :‬وعلييك السيلم ورحمية ال عشرون لي وعشرة‬
‫لك)‪ .‬قال‪ :‬ودخلت الثانييية؛ فقلت‪ :‬السييلم عليكييم ورحميية ال فقال‪( :‬وعليييك السييلم ورحميية ال‬
‫وبركاتيه ثلثون لي وعشرون لك)‪ .‬فدخلت الثالثية فقلت‪ :‬السيلم عليكيم ورحمية ال وبركاتيه‪ :‬فقال‪:‬‬
‫(وعليك السلم ورحمة ال وبركاته ثلثون لي وثلثون لك أنا وأنت في السلم سواء)‪" .‬إنه حميد‬
‫مجيد" أي محمود ماجد‪ .‬وقد بيناهما في "السماء الحسنى"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 76 - 74 :‬فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط‪ ،‬إن‬
‫إبراهيم لحليم أواه منيب‪ ،‬يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير‬
‫مردود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا ذهيب عين إبراهييم الروع" أي الخوف؛ يقال‪ :‬ارتاع مين كذا إذا خاف؛ قال‬
‫النابغة‪:‬‬
‫طوع الشوامت من خوف ومن صرد‬ ‫فارتاع من صوت كلب فبات له‬
‫"وجاءتيه البشرى" أي بإسيحاق ويعقوب‪ .‬وقال قتادة‪ :‬بشروه بأنهيم إنميا أتوا بالعذاب إلى قوم‬
‫لوط‪ ،‬وأنييه ل يخاف‪" .‬يجادلنييا" أي يجادل رسييلنا‪ ،‬وأضافييه إلى نفسييه‪ ،‬لنهييم نزلوا بأمره‪ .‬وهذه‬
‫المجادلة رواهيا حمييد بين هلل عين جندب عين حذيفية؛ وذلك أنهيم لميا قالوا‪" :‬إنيا مهلكيو أهيل هذه‬
‫القرية" [العنكبوت‪ ]31 :‬قال لهم‪ :‬أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأربعون؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فثلثون؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فعشرون؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فإن كان فيهييييييييا‬
‫عشرة ‪ -‬أو خمسية شيك حمييد ‪ -‬قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال قتادة‪ :‬نحوا منيه؛ قال فقال يعنيي إبراهييم‪ :‬قوم لييس‬
‫فيهيم عشرة مين المسيلمين ل خيير فيهيم‪ .‬وقييل إن إبراهييم قال‪ :‬أرأيتيم إن كان فيهيا رجيل مسيلم‬
‫أتهلكونها؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬فقال إبراهيم عند ذلك‪" :‬إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله‬
‫إل امرأتيه كانيت مين الغابريين" [العنكبوت‪ .]32 :‬وقال عبدالرحمين ابين سيمرة‪ :‬كانوا أربعمائة‬
‫ألف‪ .‬ابيين جريييج‪ .‬وكان فييي قرى قوم لوط أربعيية آلف ألف‪ .‬ومذهييب الخفييش والكسييائي أن‬
‫"يجادلنا" في موضع "جادلنا"‪ .‬قال النحاس‪ :‬لما كان جواب "لما" يجب أن يكون بالماضي جعل‬
‫المستقبل مكانه؛ كما أن الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه‪ .‬وفيه جواب آخر‪:‬‬
‫أن يكون "يجادلنييا" فييي موضييع الحال؛ أي أقبييل يجادلنييا؛ وهذا قول الفراء‪" .‬إن إبراهيييم لحليييم ‪:‬‬
‫لواه منييب" تقدم فيي "براءة" معنيى "لواه حلييم" [التوبية‪ ]114 :‬والمنييب الراجيع؛ يقال‪ :‬إذا‬
‫رجع‪ .‬وإبراهيم صلى ال عليه وسلم كان راجعا إلى ال تعالى في أمور كلها‪ .‬وقيل‪ :‬الواه المتأوه‬
‫أسفا على ما قد فات قوم لوط من اليمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا إبراهيم أعرض عن هذا" أي دع عنك الجدال في قوم لوط‪" .‬إنه قد جاء أمر‬
‫ربيك" أي عذابيه لهيم‪" .‬إنهيم آتيهيم" أي نازل بهيم‪" .‬عذاب غيير مردود" أي غيير مصيروف عنهيم‬
‫ول مدفوع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم" لما خرجت الملئكة من عند إبراهيم‪ ،‬وكان‬
‫بيين إبراهييم وقريية لوط أربعية فراسيخ بصيرت بنتيا لوط ‪ -‬وهميا تسيتقيان ‪ -‬بالملئكية ورأتيا هيئة‬
‫حسينة‪ ،‬فقالتيا‪ :‬ميا شأنكيم؟ ومين أيين أقبلتيم؟ قالوا‪ :‬مين موضيع كذا نرييد هذه القريية قالتيا‪ :‬فإن أهلهيا‬
‫أصحاب الفواحش؛ فقالوا‪ :‬أبها من يضيفنا؟ قالتا‪ :‬نعم! هذا الشيخ وأشارتا إلى لوط؛ فلما رأى لوط‬
‫هيئتهيم خاف قوميه‪ ،‬عليهيم‪" .‬سييء بهيم" أي سياءه مجيئهيم؛ يقال‪ :‬سياء بسيوء فهيو لزم‪ ،‬وسياءه‬
‫يسيوءه فهيو متعيد أيضيا‪ ،‬وإن شئت ضمميت السيين؛ لن أصيلها الضيم‪ ،‬والصيل سيوئ بهيم مين‬
‫السيوء؛ قلبيت حركية الواو على السيين فانقلبيت ياء‪ ،‬وإن خففيت الهمزة ألقييت حركتهيا على الياء‬
‫فقلت‪" :‬سييي بهييم" مخففييا‪ ،‬ولغيية شاذة بالتشديييد‪" .‬وضاق بهييم ذرعييا" أي ضاق صييدره بمجيئهييم‬
‫وكرهه‪ .‬وقيل‪ :‬ضاق وسعه وطاقته‪ .‬وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة‬
‫خطوه؛ فإذا حميل على أكثير مين طوقيه ضاق عين ذلك‪ ،‬وضعيف وميد عنقيه؛ فضييق الذرع عبارة‬
‫عين ضييق الوسيع‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين ذرعيه القييء أي غابيه؛ أي ضاق عين حبسيه المكروه فيي نفسيه‪،‬‬
‫وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم‪ ،‬وما يعلم من فسق قومه‪" .‬وقال هذا يوم عصيب" أي‬
‫شديد في الشر‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫يكن لك يوم بالعراق عصيب‬ ‫وإنك إل ترض بكر بن وائل‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫عصب القوي السلم الطوال‬ ‫يوم عصيب يعصب البطال‬
‫ويقال‪ :‬عصيب وعصبصب على التكثير؛ أي مكروه مجتمع الشر وقد‪ .‬عصب؛ أي عصب بالشر‬
‫عصييابة‪ ،‬ومنيه قيييل‪ :‬عصييبة وعصيابة أي مجتمعييو الكلمية؛ أي مجتمعون فييي أنفسييهم‪ .‬وعصيبة‬
‫الرجييل المجتمعون معييه فييي النسييب؛ وتعصييبت لفلن صييرت كعصييبته‪ ،‬ورجييل معصييوب‪ ،‬أي‬
‫مجتمع الخلق‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 78 :‬وجاءه قوميه يهرعون إلييه ومين قبيل كانوا يعملون السييئات قال ييا قوم هؤلء‬
‫بناتي هن أطهر لكم فاتقوا ال ول تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاءه قوميه يهرعون إلييه" فيي موضيع الحال‪" .‬يهرعون" أي يسيرعون‪ .‬قال‬
‫الكسييائي والفراء وغيرهمييا ميين أهييل اللغية‪ :‬ل يكون الهراع إل إسييراعا مييع رعدة؛ يقال‪ :‬أهرع‬
‫الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى‪ ،‬وهو مهرع؛ قال مهلهل‪:‬‬
‫نقودهم على رغم النوف‬ ‫فجاؤوا يهرعون وهم أسارى‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بمعجلت نحوه مهارع‬
‫وهذا مثيل‪ :‬أولع فلن بالمير‪ ،‬وأرعيد زييد‪ .‬وزهيي فلن‪ .‬وتجييء ول تسيتعمل إل على هذا الوجيه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أهرع أي أهرعه حرصه؛ وعلى هذا "يهرعون" أي يستحثون عليه‪ .‬ومن قال بالول قال‪:‬‬
‫لم يسيمع إل أهرع الرجيل أي أسيرع؛ على لفيظ ميا لم يسيم فاعله‪ .‬قال ابين القوطيية‪ :‬هرع النسيان‬
‫هرعييا‪ ،‬وأهرع‪ :‬سيييق واسييتعجل‪ .‬وقال الهروي يقال‪ :‬هرع الرجييل وأهرع أي اسييتحث‪ .‬قال ابيين‬
‫عباس وقتادة والسييدي‪"( :‬يهرعون" يهرولون)‪ .‬الضحاك‪ :‬يسييعون‪ .‬ابيين عيينيية‪ :‬كأنهييم يدفعون‪.‬‬
‫ج َمزَى‪ .‬وقال الحسن‪ :‬مشي بين مشيين؛ والمعنيى‬ ‫وقال شمير بن عطية‪ :‬هو مشي بين الهرولة وال َ‬
‫متقارب‪ .‬وكان سيييبب إسيييراعهم ميييا روي أن امرأة لوط الكافرة‪ ،‬لميييا رأت الضياف وجمالهيييم‬
‫وهيئتهم‪ ،‬خرجت حتى أتت مجالس قومها‪ ،‬فقالت لهم‪ :‬إن لوطا قد أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم‬
‫جمال؛ وكذا وكذا؛ فحينئذ جاؤوا يهرعون إلييه‪ .‬ويذكير أن الرسيل لميا وصيلوا إلى بلد لوط وجدوا‬
‫لوطييا فييي حرث له‪ .‬وقيييل‪ :‬وجدوا ابنتييه تسييتقي ماء ميين نهيير سييدوم؛ فسييألوها الدللة على ميين‬
‫يضيفهييم‪ ،‬ورأت هيئتهييم فخافييت عليهييم ميين قوم لوط‪ ،‬وقالت لهييم‪ :‬مكانكييم! وذهبييت إلى أبيهييا‬
‫فأخيبرته؛ فخرج إليهيم؛ فقالوا‪ :‬نرييد أن تضيفنيا الليلة؛ فقال لهيم‪ :‬أوميا سيمعتم بعميل هؤلء القوم؟‬
‫فقالوا‪ :‬ومييا عملهييم؟ فقال أشهييد بال إنهييم لشيير قوم فييي الرض ‪ -‬وقييد كان ال عييز وجييل‪ ،‬قال‬
‫لملئكتيه ل تعذبوهيم حتيى يشهيد لوط عليهيم أربيع شهادات ‪ -‬فلميا قال لوط هذه المقالة‪ ،‬قال جبرييل‬
‫لصييحابه‪ :‬هذه واحدة‪ ،‬وتردد القول بينهييم حتييى كرر لوط الشهادة أربييع مرات‪ ،‬ثييم دخييل بهييم‬
‫المدينة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين قبيل" أي ومين قبيل مجييء الرسيل‪ .‬وقييل‪ :‬مين قبيل لوط‪" .‬كانوا يعملون‬
‫السيييئات" أي كانييت عادتهييم إتيان الرجال‪ .‬فلمييا جاؤوا إلى لوط وقصييدوا أضيافييه قام إليهييم لوط‬
‫مدافعييا‪ ،‬وقال‪" :‬هؤلء بناتييي" ابتداء وخييبر‪ .‬وقييد اختلف فييي قوله‪" :‬هؤلء بناتييي" فقيييل‪ :‬كان له‬
‫ثلث بنات ميين صييلبه‪ .‬وقيييل‪ :‬بنتان؛ زيتييا وزعوراء؛ فقيييل‪ :‬كان لهييم سيييدان مطاعان فأراد أن‬
‫يزوجهما ابنتيه‪ .‬وقيل‪ :‬ندبهم في هذه الحالة إلى النكاح‪ ،‬وكانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة؛‬
‫وقيد كان هذا فيي أول السيلم جائزا ثيم نسيخ؛ فزوج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بنتيا له مين‬
‫عتبة بن أبي لهب‪ ،‬والخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي‪ ،‬وكانا كافرين‪ .‬وقالت فرقة ‪-‬‬
‫منهم مجاهد وسعيد بن جبير ‪ -‬أشار بقوله‪" :‬بناتي" إلى النساء جملة؛ إذ نبي القوم أب لهم؛ ويقوي‬
‫هذا أن فيي قراءة ابين مسيعود‪" .‬النيبي أولى بالمؤمنيين مين أنفسيهم وأزواجيه أمهاتهيم" [الحزاب‪:‬‬
‫‪ .]6‬وقالت طائفة‪ :‬إنما كان الكلم مدافعة ولم يرد إمضاءه؛ روي هذا القول عن أبي عبيدة؛ كما‬
‫يقال لمن ينهى عن أكل مال الغير‪ :‬الخنزير أحل لك من هذا‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬لم يعرض عليهم بناته‬
‫ول بنات أمته‪ ،‬وإنما قال لهم هذا لينصرفوا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هن أطهر لكم" ابتداء وخبر؛ أي أزوجكموهن؛ فهو أطهر لكم مما تريدون‪ ،‬أي‬
‫أحل‪ .‬والتطهر التنزه عما ل يحل‪ .‬وقال ابن عباس‪( :‬كان رؤساؤهم خطبوا بناته فلم يجبهم‪ ،‬وأراد‬
‫ذلك اليوم أن يفدي أضيافيه ببناتيه)‪ .‬ولييس ألف "أطهير" للتفضييل حتيى يتوهيم أن فيي نكاح الرجال‬
‫طهارة‪ ،‬بييل هييو كقولك‪ :‬ال أكييبر وأعلى وأجييل‪ ،‬وإن لم يكيين تفضيييل؛ وهذا جائز شائع فييي كلم‬
‫العرب‪ ،‬ولم يكابر ال تعالى أحد حتى يكون ال تعالى أكبر منه‪ .‬وقد قال أبو سفيان بن حرب يوم‬
‫أحيد‪ :‬اعيل هبيل اعيل هبيل؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم لعمير‪( :‬قيل ال أعلى وأجيل)‪ .‬وهبيل لم‬
‫يكين قيط عالييا ول جليل‪ .‬وقرأ العامية برفيع الراء‪ .‬وقرأ الحسين وعيسيى بين عمرو "هين أطهير"‬
‫بالنصيب على الحال‪ .‬و"هين" عماد‪ .‬ول يجييز الخلييل وسييبويه والخفيش أن يكون "هين" ههنيا‬
‫عمادا‪ ،‬وإنميا يكون عمادا فيميا ل يتيم الكلم إل بميا بعدهيا‪ ،‬نحيو كان زييد هيو أخاك‪ ،‬لتدل بهيا على‬
‫أن الخ ليس بنعت‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويدل بها على أن كان تحتاج إلى خبر‪ .‬وقال غيره‪ :‬يدل بها على‬
‫أن الخبر معرفة أو ما قارنها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاتقوا ال ول تخزون في ضيفي" أي ل تهينوني ول تذلوني‪ .‬ومنه قول حسان‪:‬‬
‫ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق‬ ‫فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك‬
‫ودميت فاه قطعت بالبوارق‬ ‫مددت يمينا للنبي تعمدا‬
‫ويجوز أن يكون من الخزاية‪ ،‬وهو الحياء‪ ،‬والخجل؛ قال ذو الرمة‪:‬‬
‫من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب‬ ‫خزاية أدركته بعد جولته‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بها مرطها أو زايل الحلي جيدها‬ ‫من البيض ل تخزى إذا الريح ألصقت‬
‫وضيف يقع للثنين والجميع على لفظ الواحد‪ ،‬لنه في الصل مصدر؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫للضيف والضيف أحق زائر‬ ‫ل تعدمي الدهر شفار الجازر‬
‫ويجوز فيه التثنية والجمع؛ والول أكثر كقولك‪ :‬رجال صوم وفطر وزور‪ .‬وخزي الرجل خزاية؛‬
‫أي اسيتحيا مثيل ذل وهان‪ .‬وخزي خزييا إذا افتضيح؛ يخزى فيهميا جميعيا‪ .‬ثيم وبخهيم بقوله‪" :‬ألييس‬
‫منكيم رجيل رشييد" أي شدييد يأمير بالمعروف وينهيى عين المنكير‪ .‬وقييل‪" :‬رشييد" أي ذو رشيد‪ .‬أو‬
‫بمعنيى راشيد أو مرشيد‪ ،‬أي صيالح أو مصيلح ابين عباس‪ :‬مؤمين‪ .‬أبيو مالك‪ :‬ناه عين المنكير‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫الرشيييد بمعنييى الرشييد؛ والرشييد والرشاد الهدى والسييتقامة‪ .‬ويجوز أي يكون بمعنييى المرشييد؛‬
‫كالحكيم بمعنى المحكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق" روي أن قوم لوط خطبوا بناته فردهم‪،‬‬
‫وكانت سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬قالوا لقد علمت ما لنا‬
‫فيي بناتيك مين حيق" وبعيد أل تكون هذه الخاصيية‪ .‬فوجيه الكلم أنيه لييس‪ ،‬لنيا إلى بناتيك تعلق‪ ،‬ول‬
‫هن قصدنا‪ ،‬ول لنا عادة نطلب ذلك‪" .‬وإنك لتعلم ما نريد" إشارة إلى الضياف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال لو أن لي بكم قوة" لما رأى استمرارهم في غيهم‪ ،‬وضعف عنهم‪ ،‬ولم يقدر‬
‫على دفعهيم‪ ،‬تمنيى لو وجيد عونيا على ردهيم؛ فقال على جهية التفجيع والسيتكانة‪" .‬لو أن لي بكيم‬
‫قوة" أي أنصييارا وأعوانييا‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬أراد الولد‪ .‬و"أن" فييي موضييع رفييع بفعييل مضميير‪،‬‬
‫تقديره‪ :‬لو اتفيق أو وقيع‪ .‬وهذا يطرد فيي "أن" التابعية ليي "لو"‪ .‬وجواب "لو" محذوف؛ أي لرددت‬
‫أهيل الفسياد‪ ،‬وحلت بينهيم وبيين ميا يريدون‪" .‬أو آوي إلى ركين شدييد" أي ألجيأ وأنضوي‪ .‬وقرئ‬
‫"أو آوي" بالنصب عطفا على "قوة" كأنه قال‪" :‬لو أن لي بكم قوة" أو إيواء إلى ركن شديد؛ أي‬
‫وأن آوي‪ ،‬فهيو منصيوب بإضمار "أن"‪ .‬ومراد لوط بالركين العشيرة‪ ،‬والمنعية بالكثرة‪ .‬وبلغ بهيم‬
‫قبييح فعلهيم إلى قوله هذا ميع علميه بميا عنيد ال تعالى؛ فيروى أن الملئكية وجدت علييه حيين قال‬
‫هذه الكلمات‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن ركنك لشديد‪ .‬وفي البخاري عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬يرحم ال لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد) الحديث؛ وقد تقدم في "البقرة"‪ .‬وخرجه‬
‫الترمذي وزاد (ما بعث ال بعده نبيا إل في ثروة من قومه)‪ .‬قال محمد بن عمرو‪ :‬والثروة الكثرة‬
‫والمنعية؛ حدييث حسين‪ .‬ويروى أن لوطيا علييه السيلم لميا غلبيه قوميه‪ ،‬وهموا بكسير الباب وهيو‬
‫يمسيكه‪ ،‬قالت له الرسيل‪ :‬تنيح عين الباب؛ فتنحيى وانفتيح الباب؛ فضربهيم جبرييل بجناحيه فطميس‬
‫أعينهيم‪ ،‬وعموا وانصيرفوا على أعقابهيم يقولون‪ :‬النجاء؛ قال ال تعالى‪" :‬ولقيد راودوه عين ضيفيه‬
‫فطمسنا أعينهم" [القمر‪ .]37 :‬وقال ابن عباس وأهل التفسير‪ :‬أغلق لوط بابه والملئكة معه في‬
‫الدار‪ ،‬وهييو يناظيير قومييه ويناشدهييم ميين وراء الباب‪ ،‬وهييم يعالجون تسييور الجدار؛ فلمييا رأت‬
‫الملئكية ميا لقيي مين الجهيد والكرب والنصيب بسيببهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ييا لوط إن ركنيك لشدييد‪ ،‬وأنهيم آتيهيم‬
‫عذاب غييير مردود‪ ،‬وإنييا رسييل ربييك؛ فافتييح الباب ودعنييا وإياهييم؛ ففتييح الباب فضربهييم جبريييل‬
‫بجناحيه على ميا تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬أخيذ جبرييل قبضية مين تراب فأذراهيا فيي وجوههيم‪ ،‬فأوصيل ال إلى‬
‫عين من بعد ومن قرب من ذلك التراب فطمس أعينهم‪ ،‬فلم يعرفوا طريقا‪ ،‬ول اهتدوا إلى بيوتهم‪،‬‬
‫وجعلوا يقولون‪ :‬النجاء النجاء! فإن فييي بيييت لوط قومييا هييم أسييحر ميين على وجييه الرض‪ ،‬وقييد‬
‫سحرونا فأعموا أبصارنا‪ .‬وجعلوا يقولون‪ :‬يا لوط كما أنت حتى نصبح فسترى؛ يتوعدونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 81 :‬قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ول يلتفت‬
‫منكم أحد إل امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا لوط إنا رسل ربك" لما رأت الملئكة حزنه واضطرابه ومدافعته عرفوه‬
‫بأنفسيهم‪ ،‬فلميا علم أنهيم رسيل مكين قوميه مين الدخول‪ ،‬فأمير جبرييل علييه السيلم يده على أعينهيم‬
‫فعموا‪ ،‬وعلى أيديهيم فجفيت‪" .‬لن يصيلوا إلييك" أي بمكروه "فأسير بأهلك" قرئ "فاسير" بوصيل‬
‫اللف وقطعهيا؛ لغتان فصييحتان‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬واللييل إذا يسير" [الفجير‪ ]4 :‬وقال‪" :‬سيبحان‬
‫الذي أسرى" [السراء‪ ]1 :‬وقال النابغة‪ :‬فجمع بين اللغتين‪:‬‬
‫تزجي الشمال عليه جامد البرد‬ ‫أسرت عليه من الجوزاء سارية‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أسرت إليك ولم تكن تسري‬ ‫حي النضيرة ربة الخدر‬
‫وقد قيل‪" :‬فأسر" بالقطع إذا سار من أول الليل‪ ،‬وسرى إذا سار من آخره؛ ول يقال في النهار إل‬
‫سار‪ .‬وقال لبيد‪:‬‬
‫قضى عمل والمرء ما عاش عامل‬ ‫إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه‬
‫وقال عبدال بن رواحة‪:‬‬
‫وتنجلي عنهم غيابات الكرى‬ ‫عند الصباح يحمد القوم السرى‬
‫"بقطع من الليل" قال ابن عباس‪ :‬بطائفة من الليل‪ .‬الضحاك‪ :‬ببقية من الليل‪ .‬قتادة‪ :‬بعد مضي‬
‫صيدر مين اللييل‪ .‬الخفيش‪ :‬بعيد جنيح مين اللييل‪ .‬ابين العرابيي‪ :‬بسياعة مين اللييل‪ .‬وقييل‪ :‬بظلمية مين‬
‫اللييل‪ .‬وقييل‪ :‬بعيد هدء مين اللييل‪ .‬وقييل‪ :‬هزييع مين اللييل‪ .‬وكلهيا متقاربية؛ وقييل‪ :‬إنيه نصيف اللييل؛‬
‫مأخوذ من قطعه نصفين؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫على رجل بقارعة الصعيد‬ ‫ونائحة تنوح بقطع ليل‬
‫فإن قيل‪ :‬السرى ل يكون إل بالليل‪ ،‬فما معنى "بقطع من الليل"؟ فالجواب‪ :‬أنه لو لم يقل‪" :‬بقطع‬
‫مين اللييل" جاز أن يكون أوله‪" .‬ول يلتفيت منكيم أحيد" أي ل ينظير وراءه منكيم أحيد؛ قال مجاهيد‪.‬‬
‫ابين عباس‪ :‬ل يتخلف منكيم أحيد‪ .‬علي بين عيسيى ل يشتغيل منكيم أحيد بميا يخلفيه مين مال أو متاع‪.‬‬
‫"إل امرأتيك" بالنصيب؛ وهيي القراءة الواضحية البينية المعنيى؛ أي فأسير بأهلك إل امرأتيك‪ .‬وكذا‬
‫فيي قراءة ابين مسيعود "فأسير بأهلك إل امرأتيك" فهيو اسيتثناء مين الهيل‪ .‬وعلى هذا لم يخرج بهيا‬
‫معيه‪ .‬وقيد قال ال عيز وجيل‪" :‬كانيت مين الغابريين" [العراف‪ ]83 :‬أي مين الباقيين‪ .‬وقرأ أبيو‬
‫عمرو وابن كثير‪" :‬إل امرأتك" بالرفع على البدل من "أحد"‪ .‬وأنكر هذه القراءة جماعة منهم أبو‬
‫عبييد؛ وقال‪ :‬ل يصح ذلك إل برفع "يلتفت" ويكون نعتيا؛ لن المعنيى يصيير ‪ -‬إذا أبدلت وجزمت‬
‫‪ -‬أن المرأة أبيح لها اللتفات‪ ،‬وليس المعنى كذلك‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا الحمل من أبي عبيد وغيره‬
‫على مثل أبي عمرو مع جللته ومحله من العربية ل يجب أن يكون؛ والرفع على البدل له معنى‬
‫صحيح‪ ،‬والتأويل له على ما حكى محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد أن يقول الرجل لحاجبه‪ :‬ل‬
‫يخرج فلن؛ فلفيظ النهيي لفلن ومعناه للمخاطيب؛ أي ل تدعيه يخرج؛ ومثله قولك‪ :‬ل يقيم أحيد إل‬
‫زييد؛ يكون معناه‪ :‬انههيم عين القيام إل زيدا؛ وكذلك النهيي للوط ولفظيه لغيره؛ كأنيه قال‪ :‬انههيم ل‬
‫يلتفييت منهييم أحييد إل امرأتييك فإنهييا تلتفييت وتهلك‪ ،‬وأن النهييي عيين اللتفات لنييه كلم تام؛ أي ل‬
‫يلتفت‪ ،‬منكم أحد إل امرأتك فإنها تلتفت وتهلك‪ ،‬وأن لوطا خرج بها‪ ،‬ونهى من معه ممن أسرى‬
‫بهيم أل يلتفيت‪ ،‬فلم يلتفيت منهيم أحيد سيوى زوجتيه؛ فإنهيا لميا سيمعت هدة العذاب التفتيت وقالت‪:‬‬
‫واقوماه! فأدركها حجر فقتلها‪" .‬إنه مصيبها" أي من العذاب‪ ،‬والكناية في "إنه" ترجع إلى المر‬
‫والشأن؛ أي فإن الميير والشأن والقصيية‪" .‬مصيييبها مييا أصييابهم إن موعدهييم الصييبح" لمييا قالت‬
‫الملئكية‪" :‬إنيا مهلكيو أهيل هذه القريية" [العنكبوت‪ ]31 :‬قال لوط‪ :‬الن الن‪ .‬اسيتعجلهم بالعذاب‬
‫لغيظه على قومه؛ فقالوا‪" :‬أليس الصبح بقريب" وقرأ عيسى بن عمر "أليس الصبح" بضم الباء‬
‫وهييي لغيية‪ .‬ويحتمييل أن يكون جعييل الصييبح ميقاتييا لهلكهييم؛ لن النفوس فيييه أودع‪ ،‬والناس فيييه‬
‫أجميع‪ .‬وقال بعيض أهيل التفسيير‪ :‬إن لوطيا خرج بابنتييه لييس معيه غيرهميا عنيد طلوع الفجير؛ وأن‬
‫الملئكة قالت له‪ :‬إن ال قد وكل بهذه القرية ملئكة معهم صوت رعد‪ ،‬وخطف برق‪ ،‬وصواعق‬
‫عظيمية‪ ،‬وقيد ذكرنيا لهيم أن لوطيا سييخرج فل تؤذوه؛ وأمارتيه أنيه ل يلتفيت‪ ،‬ول تلتفيت ابنتاه فل‬
‫يهولنك ما ترى‪ .‬فخرج لوط وطوى ال له الرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 83 - 82 :‬فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل‬
‫منضود‪ ،‬مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما جاء أمرنا" أي عذابنا‪" .‬جعلنا عاليها سافلها" وذلك أن جبريل عليه السلم‬
‫أدخييل جناحييه تحييت قرى قوم لوط‪ ،‬وهييي خمييس‪ :‬سييدوم ‪ -‬وهييي القرييية العظمييى‪ - ،‬وعامورا‪،‬‬
‫ودادوما‪ ،‬وضعوه‪ ،‬وقتم‪ ،‬فرفعها من تخوم الرض حتى أدناها من السماء بما في فيها؛ حتى سمع‬
‫أهل السماء نهيق حمرهم وصياح ديكتهم‪ ،‬لم تنكفئ لهم جرة‪ ،‬ولم ينكسر لهم إناء‪ ،‬ثم نكسوا على‬
‫رؤوسهم‪ ،‬وأتبعهم ال بالحجارة‪ .‬مقاتل‪ .‬أهلكت أربعة‪ ،‬ونجت ضعوه‪ .‬وقيل‪ :‬غير هذا‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" دليل على أن من فعل فعلهم حكمه الرجم‪ ،‬وقد‬
‫تقدم فيي "العراف"‪ .‬وفيي التفسيير‪ :‬أمطرنيا فيي العذاب‪ ،‬ومطرنيا فيي الرحمية‪ .‬وأميا كلم العرب‬
‫فيقال‪ :‬مطرت السييماء وأمطرت‪ :‬حكاه الهروي‪ .‬واختلف فييي "السييجيل" فقال النحاس‪ :‬السييجيل‬
‫الشديد الكثير؛ وسجيل وسجين اللم والنون أختان‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬السجيل الشديد؛ وأنشد‪:‬‬
‫ضربا تواصى به البطال سجينا‬
‫قال النحاس‪ :‬ورد عليه هذا القول عبدال بن مسلم وقال‪ :‬هذا سجين وذلك سجيل فكيف يستشهد‬
‫بيييه؟! قال النحاس‪ :‬وهذا الرد ل يلزم؛ لن أبيييا عيييبيدة ذهيييب إلى أن اللم تبدل مييين النون لقرب‬
‫إحداهمييا ميين الخرى؛ وقول أبييي عييبيدة يرد ميين جهيية أخرى؛ وهييي أنييه لو كان على قوله لكان‬
‫حجارة سجيل؛ لنه ل يقال‪ :‬حجارة من شديد؛ لن شديدا نعت‪ .‬وحكى أبو عبيدة عن الفراء أنه قد‬
‫يقال لحجارة الرحاء سجيل‪ .‬وحكى عنه محمد بن الجهم أن سجيل طين يطبخ حتى يصير بمنزلة‬
‫الرحاء‪ .‬وقالت طائفة منهم ابن عباس وسعيد بن جبير وابن إسحاق‪ :‬إن سجيل لفظة غير عربية‬
‫عربت‪ ،‬أصلها سنج وجيل‪ .‬ويقال‪ :‬سنك وكيل؛ بالكاف موضع الجيم‪ ،‬وهما بالفارسية حجر وطين‬
‫عربتهميا العرب فجعلتهميا اسيما واحدا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين لغية العرب‪ .‬وقال قتادة وعكرمية‪ :‬السيجيل‬
‫الطيين بدلييل قوله "لنرسيل عليهيم حجارة مين طيين" [الذاريات‪ .]33 :‬وقال الحسين‪ :‬كان أصيل‬
‫الحجارة طينيا فشددت‪ .‬والسيجيل عنيد العرب كيل شدييد صيلب‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يعنيي الجير‪ .‬وقال‬
‫ابن زيد‪ :‬طين طبخ حتى كان كالجر؛ وعنه أن سجيل اسم السماء الدنيا؛ ذكره المهدوي؛ وحكاه‬
‫الثعلبي عن أبي العالية؛ وقال ابن عطية‪ :‬وهذا ضعيف يرده وصفه بي "منضود"‪ .‬وعن عكرمة‪:‬‬
‫أنيه بحير معلق فيي الهواء بيين السيماء والرض منيه نزلت الحجارة‪ .‬وقييل‪ :‬هيي جبال فيي السيماء‪،‬‬
‫وهيي التيي أشار ال تعالى إليهيا بقوله‪" :‬وينزل مين السيماء مين جبال فيهيا مين برد" [النور‪.]43 :‬‬
‫وقييل‪ :‬هيو مميا سيجل لهيم أي كتيب لهيم أن يصييبهم؛ فهيو فيي معنيى سيجين؛ قال ال تعالى‪" :‬وميا‬
‫أدراك ما سجين‪ .‬كتاب مرقوم" [المطففين‪ ]8 :‬قاله الزجاج واختاره‪ .‬وقيل‪ :‬هو فعيل من أسجلته‬
‫أي أرسلته؛ فكأنها مرسلة عليهم‪ .‬وقيل‪ :‬هو من أسجلته إذا أعطيته؛ فكأنه عذاب أعطوه؛ قال‪:‬‬
‫يمل الدلو إلى عقد الكرب‬ ‫من يساجلني يساجل ماجدا‬
‫وقال أهل المعاني‪ :‬السجيل والسجين الشديد من الحجر والضرب؛ قال ابن مقبل‪:‬‬
‫ضربا تواصى به البطال سجينا‬ ‫ورجلة يضربون البيض ضاحية‬
‫"منضود" قال ابين عباس‪ :‬متتابيع‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نضيد بعضهيا فوق بعيض‪ .‬وقال الربييع‪ :‬نضيد‬
‫بعضيه على بعيض حتيى صيار جسيدا واحدا‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬مصيفوف‪ .‬وقال بعضهيم مرصيوص؛‬
‫والمعنيى متقارب‪ .‬يقال‪ :‬نضدت المتاع واللبين إذا جعلت بعضيه على بعيض‪ ،‬فهيو منضود ونضييد‬
‫ونضد؛ قال‪:‬‬
‫ورفعته إلى السجفين فالنضد‬
‫وقال أبو بكر الهذلي‪ :‬معد؛ أي هو مما أعده ال لعدائه الظلمة‪" .‬مسومة" أي معلمة‪ ،‬من السيما‬
‫وهيي العلمية؛ أي كان عليهيا أمثال الخواتييم‪ .‬وقييل‪ :‬مكتوب على كيل حجير اسيم مين رميي بيه‪،‬‬
‫وكانيت ل تشاكيل حجارة الرض‪ .‬وقال الفراء‪ :‬زعموا أنهيا كانيت بحمرة وسيواد فيي بياض‪ ،‬فذلك‬
‫تسويمها‪ .‬وقال كعب‪ :‬كانت معلمة ببياض وحمرة‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫له سيمياء ل تشق على البصر‬ ‫غلم رماه ال بالحسن يافعا‬
‫و "مسيومة" مين نعيت حجارة‪ .‬و"منضود" مين نعيت "سيجيل"‪ .‬وفيي قوله‪" :‬عنيد ربيك" دلييل على‬
‫أنها ليست من حجارة الرض؛ قاله الحسن‪" .‬وما هي من الظالمين ببعيد" يعني قوم لوط؛ أي لم‬
‫تكين تخطئهيم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬يرهب قريشا؛ المعنى‪ :‬ما الحجارة من ظالمي قومك يا محمد ببعييد‪.‬‬
‫وقال قتادة وعكرمية‪ :‬يعنيي ظالميي هذه المية؛ وال ميا أجار ال منهيا ظالميا بعيد‪ .‬وروي عين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬سيكون في آخر أمتي قوم يكتفي رجالهم بالرجال ونساؤهم بالنساء‬
‫فإذا كان ذلك فارتقبوا عذاب قوم لوط أن يرسييل ال عليهييم حجارة ميين سييجيل) ثييم تل رسييول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم "وما هي من الظالمين ببعيد"‪ .‬وفي رواية عنه عليه السلم (ل تذهب الليالي‬
‫واليام حتيى تسيتحل هذه المية أدبار الرجال كميا اسيتحلوا أدبار النسياء فتصييب طوائف مين هذه‬
‫المة حجارة من ربك)‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ما هذه القرى من الظالمين ببعيد؛ وهي بين الشام والمدينة‪.‬‬
‫وجاء "ببعيييد" مذكرا على معنييى بمكان بعيييد‪ .‬وفييي الحجارة التييي أمطرت قولن‪ :‬أحدهمييا‪ .‬أنهييا‬
‫أمطرت على المدن حين رفعها جبريل‪ .‬الثاني‪ :‬أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها‬
‫وكان خارجا عنها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره ول تنقصوا‬
‫المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإلى مديين أخاهيم شعيبيا" أي وأرسيلنا إلى مديين‪ ،‬ومديين هيم قوم شعييب‪ .‬وفيي‬
‫تسميتهم بذلك قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم بنو مدين بن إبراهيم؛ فقيل‪ :‬مدين والمراد بنو مدين‪ .‬كما يقال‬
‫مضير والمراد بنيو مضير‪ .‬الثانيي‪ :‬أنيه اسيم مدينتهيم‪ ،‬فنسيبوا إليهيا‪ .‬قال النحاس‪ :‬ل ينصيرف مديين‬
‫لنه اسم مدينة؛ وقد تقدم في "العراف" هذا المعنى وزيادة‪" .‬قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله‬
‫غيره" تقدم‪" .‬ول تنقصييوا المكيال والميزان" كانوا مييع كفرهييم أهييل بخييس وتطفيييف؛ كانوا إذا‬
‫جاءهييم البائع بالطعام أخذوا بكيييل زائد‪ ،‬واسييتوفوا بغاييية مييا يقدرون عليييه وظلموا؛ وإن جاءهييم‬
‫مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص‪ ،‬وشحوا له بغاية ما يقدرون؛ فأمروا باليمان إقلعا عن الشرك‪،‬‬
‫وبالوفاء نهييا عين التطفييف‪" .‬إنيي أراكيم بخيير" أي فيي سيعة مين الرزق‪ ،‬وكثرة مين النعيم‪ .‬وقال‬
‫الحسين‪ :‬كان سيعرهم رخيصيا‪" .‬وإنيي أخاف عليكيم عذاب يوم محييط" وصيف اليوم بالحاطية‪،‬‬
‫وأراد وصيف ذلك اليوم بالحاطية بهيم؛ فإن يوم العذاب إذا أحاط بهيم فقيد أحاط العذاب بهيم‪ ،‬وهيو‬
‫كقولك‪ :‬يوم شديييد؛ أي شديييد حره‪ .‬واختلف فييي ذلك العذاب؛ فقيييل‪ :‬هييو عذاب النار فييي الخرة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عذاب الستئصال في الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬غلء السعر؛ روي معناه عن ابن عباس‪ .‬وفي الحديث‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إل ابتلهم ال بالقحط‬
‫والغلء)‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 85 :‬ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ول تبخسوا الناس أشياءهم ول تعثوا في‬
‫الرض مفسدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وييا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسيط" أمر باليفاء بعيد أن نهى عن التطفييف‬
‫تأكيدا‪ .‬واليفاء التمام‪" .‬بالقسيط" أي بالعدل والحيق‪ ،‬والمقصيود أن يصيل كيل ذي كيل نصييب إلى‬
‫نصييبه؛ ولييس يرييد إيفاء المكيال والموزون لنيه لم يقيل‪ :‬أوفوا بالمكيال وبالميزان؛ بيل أراد أل‬
‫تنقصيييوا حجيييم المكيال عييين المعهود‪ ،‬وكذا الصييينجات‪" .‬ول تبخسيييوا الناس أشياءهيييم" أي ل‬
‫تنقصوهم مما استحقوه شيئا‪" .‬ول تعثوا في الرض مفسدين" بين أن الخيانة في المكيال والميزان‬
‫مبالغة في الفساد في الرض‪ ،‬وقد مضى في "العراف" زيادة لهذا‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 86 :‬بقية ال خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بقية ال خير لكم" أي ما يبقيه ال لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة‪ ،‬وأحمد‬
‫عاقبية مميا تبقونيه أنتيم لنفسيكم مين فضيل التطفييف بالتجيبر والظلم؛ قال معناه الطيبري‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫وقال مجاهيد‪" :‬بقيية ال خيير لكيم" يرييد طاعتيه‪ .‬وقال الربييع‪ :‬وصيية ال‪ .‬وقال الفراء‪ :‬مراقبية ال‪.‬‬
‫ابن زيد‪ :‬رحمة ال‪ .‬قتادة والحسن‪ :‬حظكم من ربكم خير لكم‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬رزق ال خير لكم‪.‬‬
‫"إن كنتيم مؤمنيين" شرط هذا لنهيم إنما يعرفون صيحة هذا إن كانوا مؤمنيين‪ .‬وقيل‪ :‬يحتميل أنهيم‬
‫كانوا يعترفون بأن ال خالقهيم فخاطبهيم بهذا‪" .‬وما أنا عليكيم بحفييظ" أي رقييب أرقبكيم عنيد كيلكيم‬
‫ووزنكيم؛ أي ل يمكننيي شهود كيل معاملة تصيدر منكيم حتيى أؤاخذكيم بإيفاء الحيق‪ .‬وقييل‪ :‬أي ل‬
‫يتهيأ لي أن أحفظكم من إزالة نعم ال عليكم بمعاصيكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 87 :‬قالوا يا شعيب أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما‬
‫نشاء إنك لنت الحليم الرشيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا شعيب أصلواتك" وقرئ "أ صَلتُك" من غير جمع‪" .‬تأمرك أن نترك ما‬
‫يعبد آباؤنا" "أن" في موضع نصب؛ قال الكسائي‪ :‬موضعها خفض على إضمار الباء‪ .‬وروي أن‬
‫شعيبا عليه السلم كان كثير الصلة‪ ،‬مواظبا على العبادة فرضها ونقلها ويقول‪ :‬الصلة تنهى عن‬
‫الفحشاء والمنكر؛ فلما أمرهم ونهاهم عيروه بما رأوه يستمر عليه من كثرة الصلة‪ ،‬واستهزؤوا‬
‫بيه فقالوا ميا أخيبر ال عنهيم‪ .‬وقييل‪ :‬إن الصيلة هنيا بمعنيى القراءة؛ قاله سيفيان عين العميش‪ ،‬أي‬
‫قراءتيك تأمرك؛ ودل بهذا على أنهيم كانوا كفارا‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬لم يبعييث ال نبيييا إل فرض علييه‬
‫الصيلة والزكاة‪" .‬أو أن نفعيل فيي أموالنيا ميا نشاء" زعيم الفراء أن التقديير‪ :‬أو تنهانيا أن نفعيل فيي‬
‫أموالنيا ميا نشاء‪ .‬وقرأ السيلمي والضحاك بين قييس "أو أن تفعيل فيي أموالنيا ميا تشاء" بالتاء فيي‬
‫الفعليين‪ ،‬والمعنيى‪ :‬ميا تشاء أنيت ييا شعييب‪ .‬وقال النحاس‪" :‬أو أن" على هذه القراءة معطوفية على‬
‫"أن" الولى‪ .‬وروي عن زيد بن أسلم أنه قال‪ :‬كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم‪ .‬وقيل‪ :‬معنى‪.‬‬
‫"أو أن نفعيل فيي أموالنيا ميا نشاء" إذا تراضينيا فيميا بيننيا بالبخيس فلم تمنعنيا منيه؟!‪" .‬إنيك لنيت‬
‫الحليم الرشيد" يعنون عند نفسك بزعمك‪ .‬ومثله في صفة أبي جهل‪" :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم"‬
‫[الدخان‪ ]49 :‬أي عنيد نفسيك بزعميك‪ .‬وقييل‪ :‬قالوه على وجيه السيتهزاء والسيخرية‪ ،‬قاله قتادة‪.‬‬
‫ومنه قولهيم للحبشيي‪ :‬أبو البيضاء‪ ،‬وللبيض أبو الجون؛ ومنه قول خزنية جهنيم لبيي جهيل‪" :‬ذق‬
‫إنك أنت العزيز الكريم"‪ .‬وقال سفيان بن عيينة‪ :‬العرب تصف الشيء بضده للتطير والتفاؤل؛ كما‬
‫قيل للديغ سليم‪ ،‬وللفلة مفازة‪ .‬وقيل‪ :‬هو تعريض أرادوا به السب؛ وأحسن من هذا كله‪ ،‬ويدل ما‬
‫قبله على صيحته؛ أي إنيك أنيت الحلييم الرشييد حقيا‪ ،‬فكييف تأمرنيا أن نترك ميا يعبيد آباؤنيا! ويدل‬
‫علييه‪" .‬أصيلتك تأمرك أن نترك ميا يعبيد آباؤنيا" أنكروا لميا رأوا مين كثرة صيلته وعبادتيه‪ ،‬وأنيه‬
‫حليم رشيد بأن يكون يأمرهم بترك ما كان يعبد آباؤهم‪ ،‬وبعده أيضا ما يدل عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 88 :‬قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد‬
‫أن أخالفكيم إلى ميا أنهاكيم عنيه إن أرييد إل الصيلح ميا اسيتطعت وميا توفيقيي إل بال علييه توكلت‬
‫وإليه أنيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي" أي أفل أنهاكم عن الضلل؟! وهذا‬
‫كله يدل على أنهيم قالوه على وجيه الحقيقية‪ ،‬وأنيه اعتقادهيم فييه‪ .‬ويشبيه هذا المعنيى قول اليهود مين‬
‫بنيي قريظية للنبي صيلى ال عليه وسيلم حيين قال لهيم‪( :‬يا إخوة القردة) فقالوا‪ :‬يا محميد ميا علمناك‬
‫جهول!‪.‬‬
‫@مسيألة‪ :‬قال أهيل التفسيير‪ :‬كان مميا ينهاهيم عنيه‪ ،‬وعذبوا لجله قطيع الدنانيير والدراهيم؛ كانوا‬
‫يقرضون مين أطراف الصيحاح لتفضيل لهيم القراضية‪ ،‬وكانوا يتعاملون على الصيحاح عدا‪ ،‬وعلى‬
‫المقروضية وزنيا‪ ،‬وكانوا يبخسيون فيي الوزن‪ .‬وقال ابين وهيب قال مالك‪ :‬كانوا يكسيرون الدنانيير‬
‫والدراهييم‪ ،‬وكذلك قال جماعيية ميين المفسييرين المتقدمييين كسييعيد بيين المسيييب‪ ،‬وزيييد بيين أسييلم‬
‫وغيرهميا؛ وكسيرهما ذنيب عظييم‪ .‬وفيي كتاب أبيي داود عين علقمية بين عبدال عين أبييه قال‪ :‬نهيى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إل من بأس؛ فإنها إذا كانت‬
‫صيحاحا قام معناهيا؛ وظهرت فائدتهيا‪ ،‬وإذا كسيرت صيارت سيلعة‪ ،‬وبطلت منهيا الفائدة؛ فأضير‬
‫ذلك‪ ،‬بالناس؛ ولذلك حرم‪ .‬وقيد قييل فيي تأوييل قوله تعالى‪" :‬وكان فيي المدينية تسيعة رهيط يفسيدون‬
‫في الرض ول يصلحون" [النمل‪ ]48 :‬أنهم كانوا يكسرون الدراهم؛ قاله زيد بن أسلم‪ .‬قال أبو‬
‫عمير بين عبدالبر‪ :‬زعموا أنيه لم يكين بالمدينية أعلم بتأوييل القرآن مين زييد بين أسيلم بعيد محميد بين‬
‫كعب القرظي‪.‬‬
‫@ مسألة‪ :‬قال أصبغ قال عبدالرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة مولى زيد بن الحارث العتقي‪:‬‬
‫ميين كسييرها لم تقبييل شهادتييه‪ ،‬وإن اعتذر بالجهالة لم يعذر‪ ،‬وليييس هذا بموضييع عذر؛ قال ابيين‬
‫العربيي‪ :‬أميا قوله‪ :‬لم تقبيل شهادتيه فلنيه أتيى كيبيرة‪ ،‬والكبائر تسيقط العدالة دون الصيغائر؛ وأميا‬
‫قوله‪ :‬ل يقبيل عذره بالجهالة فيي هذا فلنيه أمير بيين ل يخفيى على أحيد‪ ،‬وإنميا يقبيل العذر إذا ظهير‬
‫الصدق فيه‪ ،‬أو خفي وجه الصدق فيه‪ ،‬وكان ال أعلم به من العبد كما قال مالك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا كان هذا معصية وفسادا ترد به الشهادة فإنه يعاقب من فعل ذلك‪ ،‬ومر ابن المسيب‬
‫برجيل قيد جلد فقال‪ :‬ميا هذا؟ قال رجيل‪ :‬يقطيع الدنانيير والدراهيم؛ قال ابين المسييب‪ :‬هذا مين الفسياد‬
‫فيي الرض؛ ولم ينكير جلده؛ ونحوه عين سيفيان‪ .‬وقال أبيو عبدالرحمين النجييبي‪ :‬كنيت قاعدا عنيد‬
‫عمير بين عبدالعزييز وهيو إذ ذاك أميير المدينية فأتيى برجيل يقطيع الدراهيم وقيد شهيد علييه فضربيه‬
‫وحلقه‪ ،‬وأمر فطيف به‪ ،‬وأمره أن يقول‪ :‬هذا جزاء من يقطع الدراهم؛ ثم أمر أن يرد إليه؛ فقال‪:‬‬
‫إنه لم يمنعني أن أقطع يدك إل أني لم أكن تقدمت في ذلك قبل اليوم‪ ،‬وقد تقدمت في ذلك فمن شاء‬
‫فليقطع‪ .‬قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬أما أدبه بالسوط فل كلم فيه‪ ،‬وأما حلقه فقد فعله عمر؛‬
‫وقد كنت أيام الحكم بين الناس أضرب وأحلق‪ ،‬وإنما كنت أفعل ذلك بمن يرى شعره عونا له على‬
‫المعصية‪ ،‬وطريقا إلى التجمل به في الفساد‪ ،‬وهذا هو الواجب في كل طريق للمعصية‪ ،‬أن يقطع‬
‫إذا كان غير مؤثر في البدن‪ ،‬وأما قطع يده فإنما أخذ ذلك عمر من فصل السرقة؛ وذلك أن قرض‬
‫الدراهم غير كسرها‪ ،‬فإن الكسر إفساد الوصف‪ ،‬والقرض تنقيص للقدر‪ ،‬فهو أخذ مال على جهة‬
‫الختفاء؛ فإن قييل‪ :‬ألييس الحرز أصيل فيي القطيع؟ قلنيا‪ :‬يحتميل أن يكون عمير يرى أن تهيئتهيا‬
‫للفصيل بيين الخلق دينارا أو درهميا حرز لهيا‪ ،‬وحرز كيل شييء على قدر حاله؛ وقيد أنفيذ ذلك ابين‬
‫الزبير‪ ،‬وقطع يد رجل في قطع الدنانير والدراهم‪ .‬وقد قال علماؤنا المالكية‪ :‬إن الدنانير والدراهم‬
‫خواتيم ال عليها اسمه؛ ولو قطع على قول أهل التأويل من كسر خاتما ل كان أهل لذلك‪ ،‬أو من‬
‫كسر خاتم سلطان عليه اسمه أدب‪ ،‬وخاتم ال تقضى به الحوائج فل يستويان في العقوبة‪ .‬قال ابن‬
‫العربي‪ :‬وأرى أن يقطع فيي قرضهيا دون كسيرها‪ ،‬وقد كنيت أفعيل ذلك أيام توليتيي الحكيم‪ ،‬إل أنيي‬
‫كنيت محفوفيا بالجهال‪ ،‬فلم أجبين بسيبب المقال للحسيدة الضلل فمين قدر علييه يوميا مين أهيل الحيق‬
‫فليفعله احتسابا ل تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورزقني منه رزقا حسنا" أي واسعا حلل‪ ،‬وكان شعيب عليه السلم كثير المال‪،‬‬
‫قاله ابن عباس وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬أراد به‪ .‬الهدى والتوفيق‪ ،‬والعلم والمعرفة‪ ،‬وفي الكلم حذف‪ ،‬وهو‬
‫ميا ذكرناه؛ أي أفل أنهاكيم عين الضلل! وقييل‪ :‬المعنيى "أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي" أتبيع‬
‫الضلل؟ وقييل‪ :‬المعنيى "أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي" أتأمروننيي بالعصييان فيي البخيس‬
‫والتطفييف‪ ،‬وقيد أغنانيي ال عنيه‪" .‬وميا أرييد أن أخالفكيم" فيي موضيع نصيب بيي "أرييد"‪" .‬إلى ميا‬
‫أنهاكم عنه" أي ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه‪ ،‬كما ل أترك ما أمرتكم به‪" .‬إن أريد إل الصلح‬
‫ميا اسيتطعت" أي ميا أرييد إل فعيل الصيلح؛ أي أن تصيلحوا دنياكيم بالعدل‪ ،‬وآخرتكيم بالعبادة‪،‬‬
‫وقال‪" :‬ما استطعت" لن الستطاعة من شروط الفعل دون الرادة‪ .‬و"ما" مصدرية؛ أي إن أريد‬
‫إل الصييلح جهدي واسييتطاعتي‪" .‬ومييا توفيقييي" أي رشدي‪ ،‬والتوفيييق الرشييد‪" .‬إل بال عليييه‬
‫توكلت" أي اعتمدت‪" .‬وإلييه أنييب" أي أرجيع فيميا ينزل بيي مين جمييع النوائب‪ .‬وقييل‪ :‬إلييه أرجيع‬
‫في الخرة‪ .‬وقيل‪ :‬إن النابة الدعاء‪ ،‬ومعناه وله أدعو‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 89 :‬ويا قوم ل يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو‬
‫قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وييا قوم ل يجرمنكيم" وقرأ يحييى بين وثاب " ُيجْ ِر َم ّنكُميْ"‪ .‬ل يدخلنكيم فيي الجرم؛‬
‫كما تقول‪ :‬آثمني أي أدخلني في الثم‪" .‬شقاقي" في موضع رفع‪" .‬أن يصيبكم" في موضع نصب‪،‬‬
‫أي ل يحملنكيم معاداتيي على ترك اليمان فيصييبكم ميا أصياب الكفار قبلكيم‪ ،‬قاله الحسين وقتادة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ل يكسبنكم شقاقي إصابتكم العذاب‪ ،‬كما أصاب من كان قبلكم‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬وقد تقدم معنى‬
‫"يجرمنكم" في "المائدة" و"الشقاق" في "البقرة" وهو هنا بمعنى العداوة‪ ،‬قاله السدي‪ ،‬ومنه قول‬
‫الخطل‪:‬‬
‫فكيف وجدتم طعم الشقاق‬ ‫أل من مبلغ عني رسول‬
‫وقال الحسن البصري‪ :‬إضراري‪ .‬وقال قتادة‪ :‬فراقي‪" .‬وما قوم لوط منكم ببعيد" وذلك أنهم كانوا‬
‫حديثيي عهيد بهلك قوم لوط‪ .‬وقييل‪ :‬وميا ديار قوم لوط منكيم ببعييد؛ أي بمكان بعييد‪ ،‬فلذلك وحيد‬
‫البعيد‪ .‬قال الكسائي‪ :‬أي دورهم في دوركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 90 :‬واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسيتغفروا ربكيم ثيم توبوا إلييه" تقدم‪" .‬إن ربيي رحييم ودود" اسيمان مين أسيمائه‬
‫سبحانه‪ ،‬وقد بيناهما في كتاب "السنى في شرح السماء الحسنى"‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وددت الرجل‬
‫أوده ودا إذا أحببتيه‪ ،‬والودود المحيب‪ ،‬والود والود والود والمودة المحبية‪ .‬وروي عين النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم أنه كان إذا ذكر شعيبا قال‪( :‬ذاك خطيب النبياء)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 91 :‬قالوا ييا شعييب ميا نفقيه كثيرا مميا تقول وإنيا لنراك فينيا ضعيفيا ولول رهطيك‬
‫لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول" أي ما نفهم؛ لنك تحملنا على أمور غائبة‬
‫من البعث والنشور‪ ،‬وتعظنا بما ل عهد لنا بمثله‪ .‬وقيل‪ :‬قالوا ذلك إعراضا عن سماعه‪ ،‬واحتقارا‬
‫لكلميه؛ يقال‪ :‬فقيه يفقيه إذا فهيم فقهيا؛ وحكيى الكسيائي‪ :‬فقيه فقهيا وفقهيا إذا صيار فقيهيا‪" .‬وإنيا لنراك‬
‫فينا ضعيفا" قيل‪ :‬إنه كان مصابا ببصره؛ قاله سعيد بن جبير وقتادة‪ .‬وقيل‪ :‬كان ضعيف البصر؛‬
‫قاله الثوري‪ ،‬وحكيى عنيه النحاس مثيل قول سيعيد بين جيبير وقتادة‪ .‬قال النحاس‪ :‬وحكيى أهيل اللغية‬
‫أن حميير تقول للعميى ضعيفيا؛ أي قيد ضعيف بذهاب بصيره؛ كميا يقال‪ ،‬له ضريير؛ أي قيد ضير‬
‫بذهاب بصييره؛ كمييا يقال له‪ :‬مكفوف؛ أي قييد كييف عيين النظيير بذهاب بصييره‪ .‬قال الحسيين‪ :‬معناه‬
‫مهييين‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى ضعيييف البدن؛ حكاه علي بيين عيسييى‪ .‬وقال السييدي‪ :‬وحيدا ليييس لك جنييد‬
‫وأعوان تقدر بهيا على مخالفتنيا‪ .‬وقييل‪ :‬قلييل المعرفية بمصيالح الدنييا وسيياسة أهلهيا و"ضعيفيا"‬
‫نصييب على الحال‪" .‬ولول رهطييك" رفييع بالبتداء‪ ،‬ورهييط الرجييل عشيرتييه الذي يسييتند إليهييم‬
‫ويتقوى بهيم؛ ومنيه الراهطاء لجحير اليربوع؛ لنيه يتوثيق بيه ويخبيأ فييه ولده‪ .‬ومعنيى "لرجمناك"‬
‫لقتلناك بالرجم‪ ،‬وكانوا إذا قتلوا إنسانا رجموه بالحجارة‪ ،‬وكان رهطه من أهل ملتهم‪ .‬وقيل‪ :‬معنى‬
‫"لرجمناك" لشتمناك؛ ومنه قول الجعدي‪:‬‬
‫نصير كأننا فرسا رهان‬ ‫تراجمنا بمر القول حتى‬
‫والرجيم أيضيا اللعن؛ ومنه الشيطان الرجييم‪" .‬وميا أنيت علينيا بعزييز" أي ميا أنيت علينيا بغالب ول‬
‫قاهر ول ممتنع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 92 :‬قال ييا قوم أرهطيي أعيز عليكيم مين ال واتخذتموه وراءكيم ظهرييا إن ربيي بميا‬
‫تعملون محيط}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا قوم أرهطي" "أرهطي" رفع بالبتداء؛ والمعنى أرهطي في قلوبكم "أعز‬
‫عليكيم مين ال" وأعظيم وأجيل وهيو يملككيم‪" .‬واتخذتموه وراءكيم ظهرييا" أي اتخذتيم ميا جئتكيم بيه‬
‫من أمر ال ظهريا؛ أي جعلتموه وراء ظهوركم‪ ،‬وامتنعتم من قتلي مخافة قومي يقال‪ :‬جعلت أمره‬
‫بظهر إذا قصيرت فييه‪ ،‬وقيد مضيى في "البقرة"‪" ،‬إن ربي بما تعملون" أي من الكفير والمعصيية‪.‬‬
‫"محيط" أي عليم‪ .‬وقيل‪ :‬حفيظ‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 93 :‬ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه‬
‫ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وييا قوم اعملوا على مكانتكيم إنيي عاميل سوف تعلمون" تهدييد ووعييد؛ وقيد تقدم‬
‫فيي "النعام"‪" .‬مين يأتييه عذاب يخزييه" أي يهلكيه‪ .‬و"مين" فيي موضيع نصيب‪ ،‬مثيل "يعلم المفسيد‬
‫من المصلح" [البقرة‪" .]220 :‬ومن هو كاذب" عطف عليها‪ .‬وقيل‪ :‬أي وسوف تعلمون من هو‬
‫كاذب منيا‪ .‬وقييل‪ :‬فيي محيل رفيع؛ تقديره‪ :‬ويخزي مين هيو كاذب‪ .‬وقييل‪ :‬تقديره ومين هيو كاذب‬
‫فسيعلم كذبه‪ ،‬ويذوق وبال أمره‪ .‬وزعم الفراء أنهم إنما جاؤوا بي "هو" في "ومن هو كاذب" لنهم‬
‫ل يقولون مين قائم؛ إنميا يقولون‪ :‬مين قام‪ ،‬ومين يقوم‪ ،‬ومين القائم؛ فزادوا "هيو" ليكون جملة تقوم‬
‫مقام فعل ويفعل‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويدل على خلف هذا قوله‪:‬‬
‫ضقت ذرعا بهجرها والكتاب‬ ‫من رسولي إلى الثريا بأني‬
‫"وارتقبوا إني معكم رقيب" أي انتظروا العذاب والسخطة؛ فإني منتظر النصر والرحمة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 95 - 94 :‬ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين‬
‫ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين‪ ،‬كأن لم يغنوا فيها أل بعدا لمدين كما بعدت ثمود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما جاء أمرنا" قيل‪ :‬صاح بهم جبريل صيحة فخرجت أرواحهيم من أجسادهم‬
‫"وأخذت الذين ظلموا الصيحة" أي صيحة جبريل‪ .‬وأنث الفعل على لفظ الصيحة‪ ،‬وقال في قصة‬
‫صالح‪" :‬وأخذ الذين ظلموا الصيحة" فذكر على معنى الصياح‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬ما أهلك ال أمتين‬
‫بعذاب واحد إل قوم صالح وقوم شعيب‪ ،‬أهلكهم ال بالصيحة؛ غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة‬
‫من تحتهم‪ ،‬وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم‪" .‬فأصبحوا في ديارهم جاثمين‪ ،‬كأن لم يغنوا‬
‫فيهيا أل بعدا لمديين كميا بعدت ثمود" تقدم معناه‪ .‬وحكيى الكسيائي أن أبيا عبدالرحمين السيلمي قرأ‬
‫"كما بعدت ثمود" بضم العين‪ .‬قال النحاس‪ :‬المعروف في اللغة إنما يقال بعد يبعد بعدا وبعدا إذا‬
‫هلك‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬مين ضيم العيين مين "بعدت" فهيي لغية تسيتعمل فيي الخيير والشير‪ ،‬ومصيدرها‬
‫البعيد؛ وبعدت تسيتعمل فيي الشير خاصية؛ يقال‪ :‬بعيد يبعيد بعدا؛ فالبعيد على قراءة الجماعية بمعنيى‬
‫اللعنية‪ ،‬وقيد يجتميع معنيى اللغتيين لتقاربهميا فيي المعنيى؛ فيكون مميا جاء مصيدره على غيير لفظيه‬
‫لتقارب المعاني‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 97 - 96 :‬ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا وسيلطان ميبين‪ ،‬إلى فرعون وملئه فاتبعوا‬
‫أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا" بيين أنيه أتبيع النيبي النيبي لقامية الحجية‪ ،‬وإزاحية كيل‬
‫علة "بآياتنيا" أي بالتوراة‪ .‬وقييل‪ :‬بالمعجزات‪" .‬وسيلطان ميبين" أي حجية بينية؛ يعنيي العصيا‪ .‬وقيد‬
‫مضيى فيي "آل عمران" معنيى السيلطان واشتقاقيه فل معنيى للعادة‪" .‬إلى فرعون وملئه فاتبعوا‬
‫أميير فرعون" أي شأنييه وحاله‪ ،‬حتييى اتخذوه إلهييا‪ ،‬وخالفوا أميير ال تعالى‪" .‬ومييا أميير فرعون‬
‫برشيد" أي بسديد يؤدي إلى صواب‪ :‬وقيل‪" :‬برشيد" أي بمرشد إلى خير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 98 :‬يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يقدم قوميه يوم القيامية" يعنيي أنيه يتقدمهيم إلى النار إذ هيو رئيسيهم‪ .‬يقال‪ :‬قدمهيم‬
‫يقدمهيم قدميا وقدوميا إذا تقدمهيم‪" .‬فأوردهيم النار" أي أدخلهيم فيهيا‪ .‬ذكير بلفيظ الماضيي؛ والمعنيى‬
‫فيوردهيم النار؛ وميا تحقيق وجوده فكأنيه كائن؛ فلهذا يعيبر عين المسيتقبل بالماضيي‪" .‬وبئس الورد‬
‫المورود" أي بئس المدخييل المدخول؛ ولم يقييل بئسييت لن الكلم يرجييع إلى المورود‪ ،‬وهييو كمييا‬
‫تقول‪ :‬نعييييم المنزل دارك‪ ،‬ونعمييييت المنزل دارك‪ .‬والمورود الماء الذي يورد‪ ،‬والموضييييع الذي‬
‫يورد؛ وهو بمعنى المفعول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 99 :‬وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأتبعوا فيي هذه لعنية" أي فيي الدنييا‪" .‬ويوم القيامية" أي ولعنية يوم القيامية؛ وقيد‬
‫تقدم هذا المعنيى‪" .‬بئس الرفيد المرفود" حكيى الكسيائي وأبيو عيبيدة‪ :‬رفدتيه أرفده رفدا؛ أي أعنتيه‬
‫وأعطيتييه‪ .‬واسييم العطييية الرفييد؛ أي بئس العطاء والعانيية‪ .‬والرفييد أيضييا القدح الضخييم؛ قاله‬
‫الجوهري‪ ،‬والتقدير‪ :‬بئس الرفد رفد المرفود‪ .‬وذكر الماوردي‪ :‬أن الرفد بفتح الراء القدح‪ ،‬والرفد‬
‫بكسيرها ميا فيي القدح مين الشراب؛ حكيى ذلك عين الصيمعي؛ فكأنيه ذم بذلك ميا يسيقونه فيي النار‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الرفد الزيادة؛ أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار؛ قاله الكلبي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 101 - 100 :‬ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد‪ ،‬وما ظلمناهم‬
‫ولكين ظلموا أنفسيهم فميا أغنيت عنهيم آلهتهيم التيي يدعون مين دون ال مين شييء لميا جاء أمير ربيك‬
‫وما زادوهم غير تتبيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك من أنباء القرى نقصه عليك" "ذلك" رفع على إضمار مبتدأ‪ ،‬أي المر ذلك‪.‬‬
‫وإن شئت بالبتداء؛ والمعنيى‪ :‬ذلك النبيأ المتقدم مين أنباء القرى نقصيه علييك‪" .‬منهيا قائم وحصييد"‬
‫قال قتادة‪ :‬القائم ما كان خاويا على عروشه‪ ،‬والحصيد ما ل أثر له‪ .‬وقيل‪ :‬القائم العامر‪ ،‬والحصيد‬
‫الخراب؛ قاله ابيين عباس‪ :‬وقال مجاهييد‪ :‬قائم خاوييية على عروشهييا‪ ،‬وحصيييد مسييتأصل؛ يعنييي‬
‫محصودا كالزرع إذا حصد؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫كالزرع منه قائم وحصيد‬ ‫والناس في قسم المنية بينهم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فمتى يأن يأت محتصده‬ ‫إنما نحن مثل خامة زرع‬
‫قال الخفيش سيعيد‪ :‬حصييد أي محصيود‪ ،‬وجمعيه حصيدى وحصياد مثيل مرضيى ومراض؛ قال‪:‬‬
‫يكون فيمن يعقل حصدى‪ ،‬مثل قتيل وقتلى‪" .‬وما ظلمناهم" أصل الظلم في اللغة وضع الشيء في‬
‫غيير موضعيه‪ ،‬وقيد تقدم فيي "البقرة" مسيتوفى‪" .‬ولكين ظلموا أنفسيهم" بالكفير والمعاصيي‪ .‬وحكيى‬
‫سييبويه أنيه يقال‪ :‬ظلم إياه "فميا أغنيت" أي دفعيت‪" .‬عنهيم آلهتهيم التيي يدعون مين دون ال مين‬
‫شييء" فيي الكلم حذف‪ ،‬أي التيي كانوا يعبدون؛ أي يدعون‪" .‬وميا زادوهيم غيير تتيبيب" أي غيير‬
‫تخسير؛ قاله مجاهد وقتاده‪ .‬وقال لبيد‪:‬‬
‫لبلى يعود وذاكم التتبيب‬ ‫فلقد بليت وكل صاحب جده‬
‫والتباب الهلل والخسييران؛ وفيييه إضمار؛ أي مييا زادتهييم عبادة الصيينام‪ ،‬فحذف المضاف؛ أي‬
‫كانت عبادتهم إياها قد خسرتهم ثواب الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 103 - 102 :‬وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‪ ،‬إن‬
‫في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى" أي كما أخذ هذه القرى التي كانت لنوح وعاد‬
‫وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة‪ .‬وقرأ عاصم الجحدري وطلحة بن مصرف "وكذلك أخذ ربك إذ‬
‫أخيذ القرى" وعين الجحدري أيضيا "وكذلك أخيذ ربيك" كالجماعية "إذ أخيذ القرى"‪ .‬قال المهدوي‬
‫من قرأ‪" :‬وكذلك أخذ ربك إذ أخذ" فهو إخبار عما جاءت به العادة في إهلك من تقدم من المم؛‬
‫والمعنى‪ :‬وكذلك أخذ ربك من أخذه من المم المهلكة إذ أخذهم‪ .‬وقراءة الجماعة على أنه مصدر؛‬
‫والمعنيى‪ :‬كذلك أخيذ ربيك مين أراد إهلكيه متيى أخذه؛ فإذ لميا مضيى؛ أي حيين أخيذ القرى؛ وإذا‬
‫للمسيتقبل "وهيي ظالمية" أي وأهلهيا ظالمون؛ فحذف المضاف مثيل‪" :‬واسيأل القريية" [يوسيف‪:‬‬
‫‪" .]82‬إن أخذه أليم شديد" أي عقوبته لهل الشرك موجعة غليظة‪ .‬وفي صحيح مسلم والترمذي‬
‫من حديث أبي موسى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن ال تعالى يملي للظالم حتى إذا‬
‫أخذه لم يفلتيه) ثيم قرأ "وكذلك أخيذ ربيك إذا أخيذ القرى" اليية‪ .‬قال أبيو عيسيى‪ :‬هذا حدييث حسين‬
‫صحيح غريب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن فيي ذلك ليية" أي لعيبرة وموعظية‪" .‬ذلك يوم" ابتداء وخيبر‪" .‬مجموع" مين‬
‫نعته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له الناس" اسيم ميا لم يسيم فاعله؛ ولهذا لم يقيل مجموعون‪ ،‬فإن قدرت ارتفاع‬
‫"الناس" بالبتداء‪ ،‬والخبر "مجموع له" فإنما لم يقل‪ :‬مجموعون على هذا التقدير؛ لن "له" يقوم‬
‫مقام الفاعيييييل‪ .‬والجميييييع الحشييييير‪ ،‬أي يحشرون لذلك اليوم‪" .‬وذلك يوم مشهود" أي يشهده البر‬
‫والفاجر؛ ويشهده أهيل السماء‪ .‬وقد ذكرنيا هذيين السمين مع غيرهميا من أسيماء القيامية في كتاب‬
‫"التذكرة" وبيناهما والحمد ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 105 - 104 :‬وما نؤخره إل لجل معدود‪ ،‬يوم يأت ل تكلم نفيس إل بإذنيه فمنهيم‬
‫شقي وسعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا نؤخره" أي ميا نؤخير ذلك اليوم‪" .‬إل لجيل معدود" أي لجيل سيبق بيه‬
‫قضاؤنيا‪ ،‬وهيو معدود عندنيا‪" .‬يوم يأتيي" وقرئ "يوم يأت" لن الياء تحذف إذا كان قبلهيا كسيرة؛‬
‫تقول‪ :‬ل أدر؛ ذكره القشيري‪ .‬قال النحاس‪ :‬قرأه أهييل المدينيية وأبييو عمرو والكسييائي بإثبات الياء‬
‫فيي الدراج؛ وحذفهيا فيي الوقيف‪ ،‬وروي أن أبييا وابين مسيعود قرآ "يوم يأتيي" بالياء فيي الوقيف‬
‫والوصل‪ .‬وقرأ العمش وحمزة "يوم يأت" بغير باء في الوقف والوصل‪ ،‬قال أبو جعفر النحاس‪:‬‬
‫الوجه في هذا أل يوقف عليه‪ ،‬وأن يوصل بالياء‪ ،‬لن جماعة من النحويين قالوا‪ :‬ل تحذف الياء‪،‬‬
‫ول يجزم الشيء بغير جازم؛ فأما الوقف بغير ياء ففيه قول للكسائي؛ قال‪ :‬لن الفعل السالم يوقف‬
‫عليه كالمجزوم‪ ،‬فحذف الياء‪ ،‬كما تحذف الضمة‪ .‬وأما قراءة حمزة فقد احتج أبو عبيد لحذف الياء‬
‫في الوصل والوقف بحجتين إحداهما‪ :‬أنه زعم أنه رآه في المام الذي يقال له إنه مصحف عثمان‬
‫رضيي ال عنيه بغيير ياء‪ .‬والحجية الخرى‪ :‬أنيه حكيى أنهيا لغية هذييل؛ تقول‪ :‬ميا أدر؛ قال النحاس‪:‬‬
‫أما حجته بمصحف عثمان رضي ال عنه فشيء يرده عليه أكثر العلماء؛ قال مالك بن أنس رحمه‬
‫ال‪ :‬سيألت عين مصيحف عثمان رضيي ال عنيه فقييل لي ذهيب؛ وأميا حجتيه بقولهيم‪" :‬ميا أدر" فل‬
‫حجية فييه؛ لن هذا الحذف قيد حكاه النحويون القدماء‪ ،‬وذكروا علتيه‪ ،‬وأنيه ل يقاس علييه‪ .‬وأنشيد‬
‫الفراء في حذف الياء‪.‬‬
‫جودا وأخرى تعط بالسيف الدما‬ ‫كفاك كف ما تليق دوهما‬
‫أي تعطي‪ .‬وقد حكى سيبويه والخليل أن العرب تقول‪ :‬ل أدر‪ ،‬فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة‪ ،‬إل‬
‫أنهيم يزعمون أن ذلك لكثرة السيتعمال‪ .‬قال الزجاج‪ :‬والجود فيي النحيو إثبات الياء؛ قال‪ :‬والذي‬
‫أراه اتباع المصييحف وإجماع القراء؛ لن القراءة سيينة؛ وقييد جاء مثله فييي كلم العرب‪" .‬ل تكلم‬
‫نفيس إل بإذنيه" الصيل تتكلم؛ حذفيت إحدى التاءيين تخفيفيا‪ .‬وفييه إضمار؛ أي ل تتكلم فييه نفيس إل‬
‫بالمأذون فييه مين حسين الكلم؛ لنهيم ملجوؤون إلى ترك القبييح‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ل تكلم بحجية ول‬
‫شفاعة إل بإذنه‪ .‬وقيل‪ :‬إن لهم في الموقف وقتا يمنعون فيه من الكلم إل بإذنه‪ .‬وهذه الية أكثر ما‬
‫يسيأل عنهيا أهيل اللحاد فيي الديين‪ .‬فيقول لم قال‪" :‬ل تكلم نفيس إل بإذنيه" و"هذا يوم ل ينطقون‪.‬‬
‫ول يؤذن لهيم فيعتذرون" [المرسيلت‪ .]36 :‬وقال فيي موضيع مين ذكير القيامية‪" :‬وأقبيل بعضهيم‬
‫على بعيض يتسياءلون" [الصيافات‪ .]27 :‬وقال‪" :‬يوم تأتيي كيل نفيس تجادل عين نفسيها" [النحيل‪:‬‬
‫‪ .]111‬وقال‪" :‬وقفوهم إنهم مسؤولون" [الصافات‪ .]24 :‬وقال‪" :‬فيومئذ ل يسأل عن ذنبه إنس‬
‫ول جان" [الرحمن‪ .]39 :‬والجواب ما ذكرناه‪ ،‬وأنهم ل ينطقون بحجة تجب لهم وإنما يتكلمون‬
‫بالقرار بذنوبهيم‪ ،‬ولوم بعضهيم بعضيا‪ ،‬وطرح بعضهيم الذنوب على بعيض؛ فأميا التكلم والنطيق‬
‫بحجية لهيم فل؛ وهذا كميا تقول للذي يخاطبيك كثيرا‪ ،‬وخطابيه فارغ عين الحجية‪ :‬ميا تكلميت بشييء‪،‬‬
‫وميا نطقيت بشييء‪ ،‬فسيمي مين يتكلم بل حجية فييه له غيير متكلم‪ .‬وقال‪ :‬قوم‪ :‬ذلك اليوم طوييل‪ ،‬وله‬
‫مواطن ومواقيف فيي بعضهيا يمنعون من الكلم‪ ،‬وفيي بعضها يطلق لهم الكلم؛ فهذا يدل على أنه‬
‫ل تتكلم نفس إل بإذنه‪" .‬فمنهم شقي وسعيد" أي من النفس‪ ،‬أو من الناس؛ وقد ذكرهم قوله‪" :‬يوم‬
‫مجموع له الناس"‪ .‬والشقي الذي كتبت عليه الشقاوة‪ .‬والسعيد الذي كتبت عليه السعادة؛ قال لبيد‪:‬‬
‫ومنهم شقي بالمعيشة قانع‬ ‫فمنهم سعيد آخذ بنصيبه‬
‫وروى الترمذي عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت هذه الية "فمنهم شقي وسعيد"‬
‫سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا نبي ال فعلم نعمل؟ على شيء قد فرغ منه‪ ،‬أو‬
‫على شييء لم يفرغ منيه؟ فقال‪( :‬بيل على شييء قيد فرغ منيه وجرت بيه القلم ييا عمير ولكين كيل‬
‫ميسر لما خلق له)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ل نعرفه إل من حديث عبدال بن‬
‫عمر؛ وقد تقدم في "العراف"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 108 - 106 :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق‪ ،‬خالدين فيها ما‬
‫داميت السيماوات والرض إل ميا شاء ربيك إن ربيك فعال لميا يرييد‪ ،‬وأميا الذيين سيعدوا ففيي الجنية‬
‫خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأميا الذيين شقوا" ابتداء‪" .‬ففيي النار" فيي موضيع الخيبر‪ ،‬وكذا "لهيم فيهيا زفيير‬
‫وشهييق" قال أبيو العاليية‪ :‬الزفيير مين الصيدر‪ .‬والشهييق مين الحلق؛ وعنيه أيضيا ضيد ذلك‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬الزفيير مين شدة النيين‪ ،‬والشهييق مين النيين المرتفيع جدا؛ قال‪ :‬وزعيم أهيل اللغية مين‬
‫الكوفييين والبصيريين أن الزفيير بمنزلة ابتداء صيوت الحميير فيي النهييق‪ ،‬والشهييق بمنزلة آخير‬
‫صيوت الحمار فيي الشهييق‪ .‬وقال ابين عباس رضيي ال عنيه عكسيه؛ قال‪ :‬الزفيير الصيوت الشدييد‪،‬‬
‫والشهيق الصوت الضعيف‪ .‬وقال الضحاك ومقاتل‪ :‬الزفير مثل أول نهيق الحمار‪ ،‬والشهيق مثل‬
‫آخره حين فرغ من صوته؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫حتى يقال ناهق وما نهق‬ ‫حشرج في الجوف سحيل أو شهيق‬
‫وقيل‪ :‬الزفير إخراج النفس‪ ،‬وهو أن يمتلئ الجوف غما فيخرج بالنفس‪ ،‬والشهيق رد النفس وقيل‪:‬‬
‫الزفيير تردييد النفيس مين شدة الحزن؛ مأخوذ مين الزفير وهيو الحميل على الظهير لشدتيه؛ والشهييق‬
‫النفيس الطوييل الممتيد؛ مأخوذ مين قولهيم‪ :‬جبيل شاهيق؛ أي طوييل‪ .‬والزفيير والشهييق مين أصيوات‬
‫المحزونين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خالديين فيهيا ميا داميت السيماوات والرض" "ميا داميت" فيي موضيع نصيب على‬
‫الظرف؛ أي دوام السماوات والرض‪ ،‬والتقدير‪ :‬وقت ذلك‪ .‬واختلف في تأويل هذا؛ فقالت‪ .‬طائفة‬
‫منهيم الضحاك‪ :‬المعنيى ميا داميت سيماوات الجنية والنار وأرضهميا والسيماء كيل ميا علك فأظلك‪،‬‬
‫والرض مييا اسيتقر علييه قدمييك؛ وفييي التنزيييل‪" :‬وأورثنيا الرض نتبوأ مين الجنيية حييث نشاء"‬
‫[الزمير‪ .]74 :‬وقييل‪ :‬أراد بيه السيماء والرض المعهودتيين فيي الدنييا وأجرى ذلك على عادة‬
‫العرب فيي الخبار‪ .‬عين دوام الشييء وتأبيده؛ كقولهيم‪ :‬ل آتييك ميا جين لييل‪ ،‬أو سيال سييل‪ ،‬وميا‬
‫اختلف الليل والنهار‪ ،‬وما ناح الحمام‪ ،‬وما دامت السماوات والرض‪ ،‬ونحو هذا مما يريدون به‪.‬‬
‫طول ميين غييير نهاييية؛ فأفهمهييم ال تخليييد الكفرة بذلك‪ .‬وإن كان قييد أخييبر بزوال السييماوات‪.‬‬
‫والرض‪ .‬وعين ابيين عباس أن جميييع الشياء المخلوقيية أصيلها ميين نور العرش‪ ،‬وأن السيماوات‬
‫والرض في الخرة تردان إلى النور الذي أخذتا منه؛ فهما دائمتان أبدا في نور العرش‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل ما شاء ربك" في موضع نصب؛ لنه استثناء ليس من الول؛ وقد اختلف فيه‬
‫على أقوال عشرة‪ :‬الولى‪ :‬أنه استثناء من قوله‪" :‬ففي النار" كأنه قال‪ :‬إل ما شاء ربك من تأخير‬
‫قوم عن ذلك؛ وهذا قول رواه أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري وجابر رضي ال عنهما‪ .‬وإنما لم‬
‫يقييل ميين شاء؛ لن المراد العدد ل الشخاص؛ كقوله‪" :‬مييا طاب لكييم" [النسيياء‪ .]3 :‬وعيين أبييي‬
‫نضرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم (إل من شاء أل يدخلهم وإن شقوا بالمعصية)‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫أن الستثناء إنما هو للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار؛ وعلى هذا يكون قوله‪:‬‬
‫"فأما الذين شقوا" عاما في الكفرة والعصاة‪ ،‬ويكون الستثناء من "خالدين"؛ قاله قتادة والضحاك‬
‫وأبيو سينان وغيرهيم‪ .‬وفيي الصيحيح مين حدييث أنيس بين مالك قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسييلم‪( :‬يدخييل ناس جهنييم حتييى إذا صيياروا كالحمميية أخرجوا منهييا ودخلوا الجنيية فيقال هؤلء‬
‫الجهنميون) وقد تقدم هذا المعنى في "النساء" وغيرها‪ .‬الثالث‪ :‬أن الستثناء من الزفير والشهيق؛‬
‫أي لهم فيها زفير وشهيق إل ما شاء ربك من أنواع العذاب الذي لم يذكره‪ ،‬وكذلك لهل الجنة من‬
‫النعييم ميا ذكير‪ ،‬وميا لم يذكير‪ .‬حكاه ابين النباري‪ .‬الرابيع‪ :‬قال ابين مسيعود‪" :‬خالديين فيهيا ميا داميت‬
‫السيماوات والرض" ل يموتون فيهيا‪ ،‬ول يخرجون منهيا "إل ميا شاء ربيك" وهيو أن يأمير النار‬
‫فتأكلهم وتفنيهم‪ ،‬ثم يجدد خلقهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول خاص بالكافيير والسييتثناء له فييي الكييل‪ ،‬وتجديييد الخلق‪ .‬الخامييس‪ :‬أن "إل"‬
‫بمعنى "سوى" كما تقول في الكلم‪ :‬ما معي رجل إل زيد‪ ،‬ولي عليك ألفا درهم إل اللف التي لي‬
‫علييك‪ .‬قييل‪ :‬فالمعنيى ميا داميت السيماوات والرض سيوى ميا شاء ربيك مين الخلود‪ .‬السيادس‪ :‬أنيه‬
‫استثناء من الخراج‪ ،‬وهو ل يريد أن يخرجهم منها‪ .‬كما تقول في الكلم‪ :‬أردت أن أفعل ذلك إل‬
‫أن أشاء غيره‪ ،‬وأنيت مقييم على ذلك الفعيل؛ فالمعنيى أنيه لو شاء أن يخرجهيم لخرجهيم‪ ،‬ولكنيه قيد‬
‫أعلمهيم أنهيم خالدون فيهيا‪ ،‬ذكير هذيين القوليين الزجاج عين أهيل اللغية‪ ،‬قال‪ :‬ولهيل المعانيي قولن‬
‫آخران‪ ،‬فأحيد القوليين‪" :‬خالديين فيهيا ميا داميت السيماوات والرض إل ميا شاء ربيك" مين مقدار‬
‫موقفهييم على رأس قبورهييم‪ ،‬وللمحاسييبة‪ ،‬وقدر مكثهييم فييي الدنيييا‪ ،‬والبرزخ‪ ،‬والوقوف للحسيياب‪.‬‬
‫والقول الخير‪ :‬وقوع السيتثناء فيي الزيادة على النعييم والعذاب‪ ،‬وتقديره‪" :‬خالديين فيهيا ميا داميت‬
‫السماوات ولرض إل ما شاء ربك" من زيادة النعيم لهل النعيم‪ ،‬وزيادة العذاب لهل الجحيم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالسيتثناء فيي الزيادة مين الخلود على مدة كون السيماء والرض المعهودتيين فيي الدنييا‬
‫واختاره الترمذي الحكيييم أبييو عبدال محمييد بيين علي‪ ،‬أي خالدييين فيهييا مقدار دوام السييماوات‬
‫والرض‪ ،‬وذلك مدة العالم‪ ،‬وللسيماء والرض وقيت يتغيران فييه‪ ،‬وهيو قوله سيبحانه‪" :‬يوم تبدل‬
‫الرض غير الرض" [إبراهيم‪ ]48 :‬فخلق ال سبحانه الدميين وعاملهم‪ ،‬واشترى منهم أنفسهم‬
‫وأموالهم بالجنة‪ ،‬وعلى ذلك بايعهم يوم الميثاق‪ ،‬فمن وفي بذلك العهد فله الجنة‪ ،‬ومن ذهب برقبته‬
‫يخلد فيي النار بمقدار دوام السيماوات والرض؛ فإنميا دامتيا للمعاملة؛ وكذلك أهيل الجنية خلود فيي‬
‫الجنية بمقدار ذلك؛ فإذا تميت هذه المعاملة وقيع الجمييع فيي مشيئة ال؛ قال ال تعالى‪" :‬وميا خلقنيا‬
‫السماوات والرض وما بينهما لعبين‪ .‬ما خلقناهما إل بالحق" [الدخان‪ ]39 :‬فيخلد أهل الدارين‬
‫بمقدار دوامهما‪ ،‬وهو حق الربوبية بذلك المقدار من العظمة؛ ثم أوجب لهم البد في كلتا الدارين‬
‫لحيق الحديية؛ فمين لقييه موحدا لحديتيه بقيي فيي داوه أبدا‪ ،‬ومين لقييه مشركيا بأحديتيه إلهيا بقيي فيي‬
‫السيجن أبدا؛ فأعلم ال العباد مقدار الخلود‪ ،‬ثيم قال‪" :‬إل ميا شاء ربيك" مين زيادة المدة التيي تعجيز‬
‫القلوب عين إدراكهيا لنيه ل غايية لهيا؛ فبالعتقاد دام خلودهيم فيي الداريين أبدا‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن "إل"‬
‫بمعنى الواو‪ ،‬قاله الفراء وبعض أهل النظر وهو‪ :‬الثامن‪ :‬والمعنى‪ :‬وما شاء ربك من الزيادة في‬
‫الخلود على مدة دوام السيماوات والرض فيي الدنييا‪ .‬وقيد قييل فيي قوله تعالى‪" :‬إل الذيين ظلموا"‬
‫[البقرة‪ ]150 :‬أي ول الذين ظلموا‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫لعمر أبيك إل الفرقدان‬ ‫وكل أخ مفارقه أخوه‬
‫أي والفرقدان‪ .‬وقال أبيو محميد مكيي‪ :‬وهذا قول بعييد عنيد البصيريين أن تكون "إل" بمعنيى الواو‪،‬‬
‫وقد مضى في "البقرة" بيانه‪ .‬وقيل‪ :‬معناه كما شاء ربك؛ كقوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا ما نكح آباؤكم‬
‫من النساء إل ما قد سلف" [النساء‪ ]22 :‬أي كما قد سلف‪ ،‬وهو‪ :‬التاسع‪ ،‬العاشر‪ :‬وهو أن قوله‬
‫تعالى‪" :‬إل ميا شاء رب" إنميا ذلك على طرييق السيتثناء الذي ندب الشرع إلى اسيتعماله فيي كيل‬
‫كلم؛ فهييو على حييد قوله تعالى‪" :‬لتدخلن المسييجد الحرام إن شاء ال آمنييين" [الفتييح‪ ]27 :‬فهييو‬
‫اسيتثناء فيي واجيب‪ ،‬وهذا السيتثناء فيي حكيم الشرط كذلك؛ كأنيه قال‪ :‬إن شاء ربيك؛ فلييس يوصيف‬
‫بمتصيل ول منقطيع؛ ويؤيده ويقوييه قوله تعالى‪" :‬عطاء غيير مجذوذ" ونحوه عين أبيي عبييد قال‪:‬‬
‫تقدمت عزيمة المشيئة من ال تعالى في خلود الفريقين في الدارين؛ فوقع لفظ الستثناء‪ ،‬والعزيمة‬
‫قييد تقدمييت فييي الخلود‪ ،‬قال‪ :‬وهذا مثييل قوله تعالى‪" :‬لتدخلن المسييجد الحرام إن شاء ال آمنييين"‬
‫[الفتح‪ ]27 :‬وقد علم أنهم يدخلونه حتما‪ ،‬فلم يوجب الستثناء في الموضعين خيارا؛ إذ المشيئة قد‬
‫تقدمية‪ ،‬بالعزيمية فيي الخلود فيي الداريين والدخول فيي المسيجد الحرام؛ ونحوه عين الفراء‪ .‬وقول‪:‬‬
‫حادي عشيير‪ :‬وهييو أن الشقياء هييم السييعداء‪ ،‬والسييعداء هييم الشقياء ل غيرهييم‪ ،‬والسييتثناء فييي‬
‫الموضعين راجع إليهم؛ وبيانه أن "ما" بمعنى "من" استثنى ال عز وجل من الداخلين في النار‬
‫المخلديين فيهيا الذيين يخرجون منهيا مين أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم بميا معهيم مين اليمان‪،‬‬
‫واسيتثنى مين الداخليين فيي الجنية المخلديين فيهيا الذيين يدخلون النار بذنوبهيم قبيل دخول الجنية ثيم‬
‫يخرجون منها إلى الجنة‪ .‬وهم الذين وقع عليهم الستثناء الثاني؛ كأنه قال تعالى‪" :‬فأما الذين شقوا‬
‫ففيي النار لهيم فيهيا زفيير وشهييق خالديين فيهيا ميا داميت السيماوات والرض إل ميا شاء ربيك" أل‬
‫يخلده فيها‪ ،‬وهم الخارجون منها من أمة محمد صلى ال عليه وسلم بإيمانهم وبشفاعة محمد صلى‬
‫ال علييه وسيلم؛ فهيم بدخولهيم النار يسيمون الشقياء‪ ،‬وبدخلهيم الجنية يسيمون السيعداء؛ كميا روى‬
‫الضحاك عن ابن عباس إذ قال‪ :‬الذين سعدوا شقوا بدخول النار ثم سعدوا بالخروج منها ودخولهم‬
‫الجنة‪.‬‬
‫وقرأ العميش وحفيص وحمزة والكسيائي "وأميا الذيين سيعدوا" بضيم السيين‪ .‬وقال أبيو عمرو‪:‬‬
‫والدليييل على أنييه سييعدوا أن الول شقوا ولم يقييل أشقوا‪ .‬قال النحاس‪ :‬ورأيييت علي بيين سييليمان‬
‫يتعجب من قراءة الكسائي "سعدوا" مع علمه بالعربية! إذ كان هذا لحنا ل يجوز؛ لنه إنما يقال‪:‬‬
‫سعد فلن وأسعده ال‪ ،‬وأسعد مثل أمرض؛ وإنما احتج الكسائي بقولهم‪ :‬مسعود ول حجة له فيه؛‬
‫لنييه يقال‪ :‬مكان مسييعود فيييه‪ ،‬ثييم يحذف فيييه ويسييمى بييه‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬وميين ضييم السييين ميين‬
‫"سعدوا" فهو محمول على قولهم‪ :‬مسعود وهو شاذ قليل؛ لنه ل يقال‪ :‬سعده ال؛ إنما يقال‪ :‬أسعده‬
‫ال‪ .‬وقال الثعلبيي‪" :‬سيعدوا" بضيم السيين أي رزقوا السيعادة؛ يقال‪ :‬سيعد وأسيعد بمعنيى واحيد وقرأ‬
‫الباقون "سيعدوا" بفتيح السيين قياسيا على "شقوا" واختاره أبيو عبييد وأبيو حاتيم‪ .‬وقال الجوهري‪:‬‬
‫والسعادة خلف الشقاوة؛ تقول‪ :‬منه سعد الرجل بالكسر فهو سعيد‪ ،‬مثل سلم فهو سليم‪ ،‬وسعد فهو‬
‫مسيعود؛ ول يقال فييه‪ :‬مسيعد‪ ،‬كأنهيم اسيتغنوا عنيه بمسيعود‪ .‬وقال القشيري أبيو نصير عبدالرحييم‪:‬‬
‫وقد ورد سعده ال فهو مسيعود‪ ،‬وأسعده ال فهو مسعد؛ فهذا يقوي قول الكوفيين وقال سيبويه‪ :‬ل‬
‫يقال سعد فلن كما ل يقال شقي فلن؛ لنه مما ل يتعدى‪" .‬عطاء غير مجذوذ" أي غير مقطوع؛‬
‫من جذه يجذه أي قطعه؛ قال النابغة‪:‬‬
‫وتوقد بالصفاح نار الحباحب‬ ‫تجذ السلوقي المضاعف نسجه‬
‫*‪*3‬الية‪{ 109 :‬فل تك في مرية مما يعبد هؤلء ما يعبدون إل كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا‬
‫لموفوهم نصيبهم غير منقوص}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تك" جزم بالنهي؛ وحذفت النون لكثرة الستعمال‪" .‬في مرية" أي في شك‪.‬‬
‫"مما يعبد هؤلء" من اللهة أنها باطل‪ .‬وأحسن من هذا‪ :‬أي قل يا محمد لكل من شك "ل تك في‬
‫مرية مما يعبد هؤلء" أن ال عز وجل ما أمرهم به‪ ،‬وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا‬
‫لهيم‪" .‬وإنا لموفوهيم نصييبهم غيير منقوص" فيه ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا‪ :‬نصيبهم مين الرزق؛ قاله أبو‬
‫العاليية‪ .‬الثانيي‪ :‬نصييبهم مين العذاب؛ قال ابين زييد‪ .‬الثالث‪ :‬ميا وعدوا بيه مين خيير أو شير‪ ،‬قاله ابين‬
‫عباس رضي ال عنهما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 110 :‬ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم‬
‫وإنهم لفي شك منه مريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول كلمية سيبقت مين ربيك" "ولول كلمية سيبقت مين ربيك" الكلمية‪ :‬أن ال عيز‬
‫وجل حكم أن يؤخرهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلح؛ ولول ذلك لقضى بينهم أجلهم‬
‫بأن يثييب المؤمين ويعاقيب الكافير‪ .‬قييل‪ :‬المراد بيين المختلفيين فيي كتاب موسيى؛ فإنهيم كانوا بيين‬
‫مصيدق بيه ومكذب‪ .‬وقييل‪ :‬بيين هؤلء المختلفيين فييك ييا محميد بتعجييل العقاب‪ ،‬ولكين سيبق الحكيم‬
‫بتأخيير العقاب عين هذه المية إلى يوم القيامية‪" .‬وإنهيم لفيي شيك منيه مرييب" إن حملت على قوم‬
‫موسى؛ أي لفي شك من كتاب موسى فهم في شك من القرآن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 111 :‬وإن كل لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كل لميا ليوفينهيم ربيك أعمالهيم" أي إن كل مين الميم التيي عددناهيم يرون‬
‫جزاء أعمالهم؛ فكذلك قومك يا محمد‪ .‬واختلف القراء في قراءة "وإن كل لما" فقرأ أهل الحرمين‬
‫ن كل َلمَا" بالتخفيف‪ ،‬على أنها "إن" المخففة من الثقيلة‬ ‫‪ -‬نافع وابن كثير وأبو بكر معهم ‪" -‬وإ ْ‬
‫معملة؛ وقيد ذكير هذا الخلييل وسييبويه‪ ،‬قال سييبويه‪ :‬حدثنيا مين أثيق بيه أنيه سيمع العرب تقول‪ :‬إن‬
‫زيدا لمنطلق؛ وأنشد قول الشاعر‪:‬‬
‫ن ظبية تعطو إلى وارق السلم‬ ‫كأ ْ‬
‫أراد كأنها ظبية فخفف ونصب ما بعدها؛ والبصريون يجوزون تخفيف "إن" المشددة مع إعمالها؛‬
‫وأنكيير ذلك الكسييائي وقال‪ :‬مييا أدري على أي شيييء قرئ "وإن كل"! وزعييم الفراء أنييه نصييب‬
‫"كل" فيي قراءة مين خفيف بقوله‪" :‬ليوفينهيم" أي وإن ليوفينهيم كل؛ وأنكير ذلك جمييع النحوييين‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬هذا مين كيبير الغلط؛ ل يجوز عنيد أحيد زيدا لضربنيه‪ .‬وشدد الباقون "إن" ونصيبوا بهيا‬
‫"كل" على أصلها‪ .‬وقرأ عاصيم وحمزة وابن عامر "لما" بالتشدييد‪ .‬وخففهيا الباقون على معنيى‪:‬‬
‫وإن كل ليوفينهييم‪ ،‬جعلوا "مييا" صييلة‪ .‬وقيييل‪ :‬دخلت لتفصييل بييين اللمييين اللتييين تتلقيان القسييم‪،‬‬
‫وكلهمييا مفتوح ففصييل بينهمييا بيي "مييا"‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬لم "لمييا" لم "إن" و"مييا" زائدة مؤكدة؛‬
‫تقول‪ :‬إن زيدا لمنطلق‪ ،‬فإن تقتضيييي أن يدخيييل على خبرهيييا أو اسيييمها لم كقولك‪ :‬إن ال لغفور‬
‫رحيم‪ ،‬وقوله‪" :‬إن في ذلك لذكري"‪ .‬واللم في "ليوفينهم" هي التي يتلقى بها القسم‪ ،‬وتدخل على‬
‫الفعل ويلزمها النون المشددة أو المخففة‪ ،‬ولما اجتمعت اللمان فصل بينهما بي "ما" و"ما" زائدة‬
‫مؤكدة‪ ،‬وقال الفراء‪" :‬ميا" بمعنيى "مين" كقوله‪" :‬وإن منكيم لمين ليبطئن" [النسياء‪ ]72 :‬أي وإن‬
‫كل لمن ليوفينهيم‪ ،‬واللم في "ليوفينهم" للقسم؛ وهذا يرجع معناه إلى قول الزجاج‪ ،‬غير أن "ما"‬
‫عند الزجاج زائدة وعند الفراء اسم بمعنى "من"‪ .‬وقيل‪ :‬ليست بزائد‪ ،‬بل هي اسم دخل عليها لم‬
‫التأكييد‪ ،‬وهي خبر "إن" و"ليوفينهيم" جواب القسيم‪ ،‬التقدير‪ :‬وإن كل خلق ليوفينهم ربيك أعمالهم‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬ما" بمعنى "من" كقوله‪" :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء" [النساء‪ ]3 :‬أي من؛ وهذا كله‬
‫هيو قول الفراء بعينيه‪ .‬وأميا مين شدد "لميا" وقرأ "وإن كل لميا" بالتشدييد فيهميا ‪ -‬وهيو حمزة ومين‬
‫وافقه ‪ -‬فقيل‪ :‬إنه لحن؛ حكي عن محمد بن زيد أن هذا ل يجوز؛ ول يقال‪ :‬إن زيدا إل لضربنه‪،‬‬
‫ول لميا لضربتيه‪ .‬وقال الكسيائي‪ :‬ال أعلم بهذه القراءة؛ وميا أعرف لهيا وجهيا‪ .‬وقال هيو وأبيو علي‬
‫الفارسيي‪ :‬التشدييد فيهميا مشكيل‪ .‬قال النحاس وغيره‪ :‬وللنحوييين فيي ذلك أقوال‪ :‬الول‪ :‬أن أصيلها‬
‫"لمن ما" فقلبت النون ميما‪ ،‬واجتمعت ثلث ميمات فحذفت الوسطى فصارت "لما" و"ما" على‬
‫هذا القول بمعنى "من" تقديره‪ :‬وإن كل لمن الذين؛ كقولهم‪:‬‬
‫إذا هو أعيا بالسبيل مصادره‬ ‫وإني لمّا أصدر المر وجهه‬
‫وزيّف الزجاج هذا القول‪ ،‬وقال‪" :‬من" اسم على حرفين فل يجوز حذفه‪ .‬الثاني‪ :‬أن الصل‪ .‬لمن‬
‫ما‪ ،‬فحذفت الميم المكسورة لجتماع الميمات‪ ،‬والتقدير‪ :‬وإن كل لمن خلق ليوفينهم‪ .‬وقيل‪" :‬لما"‬
‫مصييدر "لم" وجاءت بغييير تنوييين حمل للوصييل على الوقييف؛ فهييي على هذا كقوله‪" :‬وتأكلون‬
‫التراث أكل لميا" [الفجير‪ ]19 :‬أي جامعيا للمال المأكول؛ فالتقديير على هذا‪ :‬وإن كل ليوفينهيم‬
‫ربيك أعمالهيم توفيية لميا؛ أي جامعية لعمالهيم جمعيا‪ ،‬فهيو كقولك‪ :‬قياميا لقومين‪ .‬وقيد قرأ الزهري‬
‫"لميا" بالتشدييد والتنوين على هذا المعنيى‪ .‬الثالث‪ :‬أن "لميا" بمعنى "إل" حكيى أهل اللغة‪ :‬سيألتك‬
‫بال لميا فعلت؛ بمعنيى إل فعلت؛ ومثله قوله تعالى‪" :‬إن كيل نفيس لميا عليهيا حافيظ" [الطارق‪]4 :‬‬
‫أي إل عليها؛ فمعنى الية‪ :‬ما كل واحد منهم إل ليوفينهم؛ قال القشيري‪ :‬وزيف الزجاج هذا القول‬
‫بأنيه ل نفيي لقوله‪" :‬وإن كل لميا" حتيى تقدر "إل" ول يقال‪ :‬ذهيب الناس لميا زييد‪ .‬الرابيع‪ :‬قال أبيو‬
‫عثمان المازني‪ :‬الصل وإن كل لما بتخفيف "لما" ثم ثقلت كقوله‪:‬‬
‫في عامنا ذا بعد ما أخصبا‬ ‫لقد خشيت أن أرى جدبا‬
‫وقال أبو إسحاق الزجاج‪ :‬هذا خطأ‪ ،‬إنما يخفف المثقل؛ ول يثقل المخفف‪ .‬الخامس‪ :‬قال أبو عبيد‬
‫القاسم بن سلم‪ :‬يجوز أن يكون التشديد من قولهم‪ :‬لممت الشيء ألمه لما إذا جمعته؛ ثم بني منه‬
‫فعلى‪ ،‬كما قرئ "ثم أرسلنا رسلنا تترى" [المؤمنون‪ ]44 :‬بغير تنوين وبتنوين‪ .‬فاللف على هذا‬
‫للتأنييييث‪ ،‬وتمال على هذا القول لصيييحاب المالة؛ قال أبيييو إسيييحاق‪ :‬القول الذي ل يجوز غيره‬
‫عندي أن تكون مخففيية ميين الثقيلة‪ ،‬وتكون بمعنييى "مييا" مثييل‪" :‬إن كييل نفييس لمييا عليهييا حافييظ"‬
‫[الطارق‪ ]4 :‬وكذا أيضا تشدد على أصلها‪ ،‬وتكون بمعنيى "ما" و"لما" بمعنى "إل" حكيى ذلك‬
‫الخليل وسيبويه وجميع البصريين؛ وأن "لما" يستعمل بمعنى "إل" قلت‪ :‬هذا القول الذي ارتضاه‬
‫الزجاج حكاه عنيه النحاس وغيره؛ وقيد تقدم مثله وتضعييف الزجاج له‪ ،‬إل أن ذلك القول صيوابه‬
‫"إن" فييه نافيية‪ ،‬وهنيا مخففية مين الثقيلة فافترقيا وبقييت قراءتان؛ قال أبيو حاتيم‪ :‬وفيي حرف أبيي‪:‬‬
‫"وإن كل لما لي وفينهم" [هود‪ ]111 :‬وروي عن العمش "وإن كل لما" بتخفيف "إن" ورفع‬
‫"كل" وبتشديد "لما"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذه القراءات المخالفة للسواد تكون فيها "إن" بمعنى "ما"‬
‫ل غير‪ ،‬وتكون على التفسير؛ لنه ل يجوز أن يقرأ بما خالف السواد إل على هذه الجهة‪" .‬إنه بما‬
‫يعملون خبير" تهديد ووعيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 112 :‬فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ول تطغوا إنه بما تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاستقم كما أمرت" الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم ولغيره‪ .‬وقيل‪ :‬له والمراد‬
‫أمته؛ قاله السدى‪ .‬وقيل‪" :‬استقم" اطلب القامة على الدين من ال واسأله ذلك‪ .‬فتكون السين سين‬
‫السؤال‪ ،‬كما تقول‪ :‬استغفر ال أطلب الغفران منه‪ .‬والستقامة الستمرار في جهة واحدة من غير‬
‫أخذ في جهة اليمين والشمال؛ فاستقم على امتثال أمر ال‪ .‬وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبدال‬
‫الثقفي قال‪ :‬قلت يا رسول ال قل لي في السلم قول ل أسأل عنه أحدا بعدك! قال‪( :‬قل آمنت بال‬
‫ثيم اسيتقم)‪ .‬وروى الدارميي أبيو محميد فيي مسينده عين عثمان بين حاضير الزدي قال‪ :‬دخلت على‬
‫ابيين عباس فقلت أوصييني! فقال‪ :‬نعييم! عليييك بتقوى ال والسييتقامة‪ ،‬اتبييع ول تبتدع‪" .‬وميين تاب‬
‫معك" أي استقم أنت وهم؛ يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته‪ .‬قال‬
‫ابن عباس ما نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم آية هي أشد ول أشق من هذه الية عليه‪،‬‬
‫ولذلك قال لصحابه حين قالوا له‪ :‬لقد أسرع إليك الشيب! فقال‪( :‬شيبتني هود وأخواتها)‪ .‬وقد تقدم‬
‫فيي أول السيورة‪ .‬وروي عين أبيي عبدالرحمين السيلمي قال سيمعت أبيا علي السيري يقول‪ :‬رأييت‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي المنام فقلت‪ :‬ييا رسيول ال! روي عنيك أنيك قلت‪( :‬شيبتنيي هود)‪.‬‬
‫فقال‪( :‬نعيم) فقلت له‪ :‬ميا الذي شيبيك منهيا؟ قصيص النيبياء وهلك الميم! فقال‪( :‬ل ولكين قوله‪:‬‬
‫فاسيتقم كميا أمرت)‪" .‬ول تطغوا" نهيى عين الطغيان والطغيان مجاوزة الحيد؛ ومنيه "إنيا لميا طغيى‬
‫الماء"‪ .‬وقيل‪ :‬أي ل تتجبروا على أحد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 113 :‬ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون ال من أولياء ثم ل‬
‫تنصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تركنوا" الركون حقيقة الستناد والعتماد والسكون إلى‪ ،‬الشيء والرضا به‪،‬‬
‫قال قتادة‪ :‬معناه ل تودوهييم ول تطيعوهييم‪ .‬ابيين جريييج‪ :‬ل تميلوا إليهييم‪ .‬أبييو العالييية‪ :‬ل ترضوا‬
‫أعمالهم؛ وكله متقارب‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬الركون هنا الدهان وذلك أل ينكر عليهم كفرهم‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور‪" :‬تركنوا" بفتيح الكاف؛ قال أبيو عمرو‪ :‬هيي لغية أهيل الحجاز‪ .‬وقرأ طلحية بين‬
‫مصيرف وقتادة وغيرهميا‪" :‬تركنوا" بضيم الكاف؛ قال الفراء‪ :‬وهيي لغية تمييم وقييس‪ .‬وجوز قوم‬
‫ركن يركن مثل منع يمنع‪" ".‬إلى الذين ظلموا" قيل‪ :‬أهل الشرك‪ .‬وقيل‪ :‬عامة فيهم وفي العصاة‪،‬‬
‫على نحو قوله تعالى‪" :‬وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" [النعام‪ ]68 :‬الية‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وهذا‬
‫هييو الصييحيح فييي معنييى الييية؛ وأنهييا دالة على هجران أهييل الكفيير والمعاصييي ميين أهييل البدع‬
‫وغيرهم؛ فإن صحبتهم كفر أو معصية؛ إذ الصحبة ل تكون إل عن مودة؛ وقد قال حكيم‪:‬‬
‫فكل قرين بالمقارِن يقتدي‬ ‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه‬
‫فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في "آل عمران" و"المائدة"‪ .‬وصحبة‬
‫الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الضطرار‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتمسيكم النار" أي تحرقكيم‪ .‬بمخالطتهيم ومصياحبتهم وممالتهيم على إعراضهيم‬
‫وموافقتهم في أمورهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 114 :‬وأقيم الصيلة طرفيي النهار وزلفيا مين اللييل إن الحسينات يذهبين السييئات ذلك‬
‫ذكرى للذاكرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقم الصلة طرفي النهار" لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلة في هذه‬
‫الية يراد بها الصلوات المفروضة؛ وخصها بالذكر لنها ثانية اليمان‪ ،‬وإليها يفزع في النوائب؛‬
‫وكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة‪.‬‬
‫وقال شيوخ الصييوفية‪ :‬إن المراد بهذه الييية اسييتغراق الوقات بالعبادة فرضييا ونفل؛ قال ابيين‬
‫العربيي‪ :‬وهذا ضعييف‪ ،‬فإن المير لم يتناول ذلك إل واجبيا ل نفل‪ ،‬فإن الوراد معلومية‪ ،‬وأوقات‬
‫النوافل المرغب فيها محصورة‪ ،‬وما سواها من الوقات يسترسل عليها الندب على البدل ل على‬
‫العموم‪ ،‬وليس ذلك في قوة بشر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬طرفي النهار" قال مجاهد‪ :‬الطرف الول‪ ،‬صلة الصبح‪ ،‬والطرف الثاني صلة‬
‫الظهير والعصير؛ واختاره ابين عطيية‪ .‬وقييل‪ :‬الطرفان الصيبح والمغرب؛ قال ابين عباس والحسين‪.‬‬
‫وعين الحسين أيضيا الطرف الثانيي العصير وحده؛ وقال قتادة والضحاك‪ .‬وقييل‪ :‬الطرفان الظهير‬
‫والعصييير‪ .‬والزلف المغرب والعشاء والصيييبح؛ كأن هذا القائل راعيييى جهييير القراءة‪ .‬وحكيييى‬
‫الماوردي أن الطرف الول صلة الصبح باتفاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا التفاق ينقضه القول الذي قبله‪ .‬ورجح الطبري أن الطرفين الصبح والمغرب‪ ،‬وأنه‬
‫ظاهر؛ قال ابن عطية‪ :‬ورد عليه بأن المغرب ل تدخل فيه لنها من صلة الليل‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫والعجييب ميين الطييبري الذي يرى أن طرفييي النهار الصييبح والمغرب‪ ،‬وهمييا طرفييا الليييل! فقلب‬
‫القوس ركوة‪ ،‬وحاد عين البرجاس غلوة؛ قال الطيبري‪ :‬والدلييل علييه إجماع الجمييع على أن أحيد‬
‫الطرفين الصبح‪ ،‬فدل على أن الطرف الخر المغرب‪ ،‬ولم يجمع معه على ذلك أحد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا تحاميل مين ابين العربيي فيي الرد؛ وأنيه لم يجميع معيه على ذلك أحيد؛ وقيد ذكرنيا عين‬
‫مجاهد أن الطرف الول صلة الصبح‪ ،‬وقد وقع التفاق ‪ -‬إل من شذ ‪ -‬بأن من أكل أو جامع بعد‬
‫طلوع الفجر متعمدا أن يومه ذلك يوم فطر‪ ،‬وعليه القضاء والكفارة‪ ،‬وما ذلك‪ ،‬إل وما بعد طلوع‬
‫الفجر من النهار؛ فدل على صحة ما قاله الطبري في الصبح‪ ،‬وتبقى عليه المغرب والرد عليه فيه‬
‫ما تقدم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وزلفيا مين اللييل" أي فيي زلف مين اللييل‪ ،‬والزلف السياعات القريبية بعضهيا مين‬
‫بعيض؛ ومنيه سيميت المزدلفية؛ لنهيا منزل بعيد عرفية بقرب مكية‪ .‬وقرأ ابين القعقاع وابين أبيي‬
‫إسيحاق وغيرهميا "وزلفيا" بضيم اللم جميع زلييف؛ لنيه قيد نطيق بزلييف‪ ،‬ويجوز أن يكون واحده‬
‫"زلفة" لغة؛ كبسرة وبسر‪ ،‬في لغة من ضم السين‪ .‬وقرأ ابن محيصن "وزلفا" من الليل بإسكان‬
‫اللم؛ والواحدة زلفية تجميع جميع الجناس التيي هيي أشخاص كدرة ودر وبرة وبر‪ .‬وقرأ مجاهيد‬
‫وابن محيصن أيضا "زلفى" مثل قربى‪ .‬وقرأ الباقون "وزلفا" بفتح اللم كغرفة وغرف‪ .‬قال ابن‬
‫العرابييي‪ :‬الزلف السيياعات‪ ،‬واحدهييا زلفيية‪ .‬وقال قوم‪ :‬الزلفيية أول سيياعة ميين الليييل بعييد مغيييب‬
‫الشميس؛ فعلى هذا يكون المراد بزلف اللييل صيلة العتمية؛ قاله ابين عباس‪ .‬وقال الحسين‪ :‬المغرب‬
‫والعشاء‪ .‬وقيل‪ :‬المغرب والعشاء والصبح؛ وقد تقدم‪ .‬وقال الخفش‪ :‬يعني صلة الليل ولم يعين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الحسينات يذهبين السييئات" ذهيب جمهور المتأوليين مين الصيحابة والتابعيين‬
‫رضي ال عنهم أجمعين إلى أن الحسنات ههنا هي الصلوات الخمس‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬الحسنات قول‬
‫الرجيل سيبحان ال والحميد ل ول إله إل ال وال أكيبر‪ ،‬قال ابين عطيية‪ :‬وهذا على جهية المثال فيي‬
‫الحسنات‪ ،‬والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات؛ لقوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(ما اجتنبت الكبائر)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬سبب النزول يعضد قول الجمهور؛ نزلت في رجل من النصار‪ ،‬قيل‪ :‬هو أبو اليسر بن‬
‫عمرو‪ .‬وقييل‪ :‬اسيمه عباد؛ خل بامرأة فقبلهيا وتلذذ بهيا فيميا دون الفرج‪ .‬روى الترمذي عين عبدال‬
‫قال‪ :‬جاء رجيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪ ::‬إنيي عالجيت امرأة فيي أقصيى المدينية وإنيي‬
‫أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت‪ .‬فقال له عمر‪ :‬لقد سترك ال! لو سترت‬
‫على نفسيك؛ فلم يرد علييه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم شيئا فانطلق الرجيل فأتبعيه رسيول ال‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم رجل فدعاه‪ ،‬فتل عليييه‪" :‬أقييم الصييلة طرفييي النهار وزلفييا ميين الليييل إن‬
‫الحسيينات يذهبيين السيييئات ذلك ذكرى للذاكرييين" إلى آخيير الييية؛ فقال رجييل ميين القوم‪ :‬هذا له‬
‫خاصيية؟ قال‪( :‬ل بييل للناس كافيية)‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حديييث حسيين صييحيح‪ .‬وخرج أيضييا عيين ابيين‬
‫مسيعود أن رجل أصياب مين امرأة قبلة حرام فأتيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأله عين كفارتهيا‬
‫فنزلت‪" :‬أقم الصلة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات" فقال الرجل‪ :‬ألي‬
‫هذه ييا رسيول ال؟ فقال‪( :‬لك ولمين عميل بهيا مين أمتيي)‪ .‬قال الترمذي‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪.‬‬
‫وروي عيين أبييي اليسيير‪ .‬قال‪ :‬أتتنييي امرأة تبتاع تمرا فقلت‪ :‬إن فييي البيييت تمرا أطيييب ميين هذا‪،‬‬
‫فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها‪ ،‬فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال‪ :‬استر على نفسك‬
‫وتب ول تخبر أحدا فلم أصبر‪ ،‬فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال‪ :‬استر على نفسك وتب ول تخبر‬
‫أحدا فلم أصيبر‪ ،‬فأتييت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فذكرت ذلك له فقال‪( :‬أخلفيت غازييا فيي‬
‫سيبيل ال فيي أهله بمثيل هذا)؟ حتيى تمنيى أنيه لم يكين أسيلم إل تلك السياعة‪ ،‬حتيى ظين أنيه مين أهيل‬
‫النار‪ .‬قال‪ :‬وأطرق رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أوحى ال إليه "أقم الصلة طرفي النهار‬
‫وزلفيا مين اللييل إن الحسينات يذهبين السييئات ذلك ذكرى للذاكريين"‪ .‬قال أبيو اليسير‪ :‬فأتيتيه فقرأهيا‬
‫علي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال أصيحابه‪ :‬ييا رسيول ال! ألهذا خاصية أم للناس عامية؟‬
‫فقال‪( :‬بيل للناس عامية)‪ .‬قال أبيو عيسيى‪ :‬هذا حدييث حسين غرييب‪ ،‬وقييس بين الربييع ضعفيه وكييع‬
‫وغيره؛ وقيد روى أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أعرض عنيه‪ ،‬وأقيميت صيلة العصير فلميا فرغ‬
‫منهيا نزل جبرييل علييه السيلم علييه باليية فدعاه فقال له‪( :‬أشهدت معنيا الصيلة)؟ قال نعيم؛ قال‪:‬‬
‫(اذهب فإنها كفارة لما فعلت)‪ .‬وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما تل عليه هذه الية قال له‪:‬‬
‫(قم فصل أربع ركعات)‪ .‬وال أعلم‪ .‬وخرج الترمذي الحكيم في "نوادر الصول" من حديث ابن‬
‫عباس عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬لم أر شيئا أحسين طلبيا ول أسيرع إدراكيا مين‬
‫حسنة حديثة لذنب قديم‪" ،‬إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"‪.‬‬
‫@ دلت اليية مع هذه الحادييث على أن القبلة الحرام واللمس الحرام ل يجيب‪ ،‬فيهميا الحيد‪ ،‬وقد‬
‫يستدل به على أن ل حد ول أدب على الرجل والمرأة وإن وجدا في ثوب واحد‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫المنذر؛ لنيه لميا ذكير اختلف العلماء فيي هذه المسيألة ذكير هذا الحدييث مشيرا إلى أنيه ل يجيب‬
‫عليهما شيء‪ ،‬وسيأتي ما للعلماء في هذا في "النور" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ ذكير ال سبحانه في كتابه الصلة بركوعها وسجودها وقيامها وقراءتها وأسمائها فقال‪" :‬أقم‬
‫الصلة" الية‪ .‬وقال‪" :‬أقم الصلة لدلوك الشمس" [السراء‪ ]78 :‬الية‪ .‬وقال‪" :‬فسبحان ال حين‬
‫تمسون وحين تصبحوا‪ .‬وله الحمد في السماوات والرض وعشيا وحين تظهرون" [الروم‪- 17:‬‬
‫‪ .]18‬وقال‪" :‬وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" [طه‪ .]130 :‬وقال‪" :‬اركعوا‬
‫واسيجدوا" [الحيج‪ .]77 :‬وقال‪" :‬وقوموا ل قانتيين" [البقرة‪ .]238 :‬وقال‪" :‬وإذا قرئ القرآن‬
‫فاسيتمعوا له وأنصيتوا" [العراف‪ ]204 :‬على ميا تقدم‪ .‬وقال‪" :‬ول تجهير بصيلتك ول تخافيت‬
‫بها" [السراء‪ ]110 :‬أي بقراءتك؛ وهذا كله مجمل أجمله في كتابه‪ ،‬وأحال على نبيه في بيانه؛‬
‫فقال جل ذكره‪" :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" [النحل‪ ]44 :‬فبين صلى ال عليه‬
‫وسلم مواقيت الصلة‪ ،‬وعدد الركعات والسجدات‪ ،‬وصفة جميع الصلوات فرضها وسننها‪ ،‬وما ل‬
‫تصييح الصييلة إل بييه ميين الفرائض ومييا يسييتحب فيهييا ميين السيينن والفضائل؛ فقال فييي صييحيح‬
‫البخاري‪( :‬صلوا كما رأيتموني أصلي)‪ .‬ونقل ذلك عنه الكافة عن الكافة‪ ،‬على ما هو معلوم‪ ،‬ولم‬
‫يميت النيبي صيلى ال علييه وسيلم حتيى بيين جمييع ميا بالناس الحاجية إلييه؛ فكميل الديين‪ ،‬وأوضيح‬
‫السبيل؛ قال ال تعالى‪" :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا"‬
‫[المائدة‪.]3 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك ذكرى للذاكريين" أي القرآن موعظية وتوبية لمين اتعيظ وتذكير؛ وخيص‬
‫الذاكرين بالذكر لنهم المنتفعون بالذكرى‪ .‬والذكرى مصدر جاء بألف التأنيث‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 116 - 115 :‬واصيبر فإن ال ل يضييع أجير المحسينين‪ ،‬فلول كان مين القرون‬
‫من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الرض إل قليل ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما‬
‫أترفوا فيه وكانوا مجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واصبر" أي على الصلة؛ كقوله‪" :‬وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها" [طه‪:‬‬
‫‪ .]132‬وقيييل‪ :‬المعنييى واصييبر يييا محمييد على مييا تلقييى ميين الذى‪" .‬فإن ال ل يضيييع أجيير‬
‫المحسنين" يعني المصلين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلول كان" أي فهل كان‪" .‬من القرون من قبلكم" أي من المم التي قبلكم‪" .‬أولو‬
‫بقيية" أي أصيحاب طاعية وديين وعقيل وبصير‪" .‬ينهون" قومهيم‪" .‬عين الفسياد فيي الرض" لميا‬
‫أعطاهم ال تعالى من العقول وأراهم من اليات؛ وهذا توبيخ للكفار‪ .‬وقيل‪ :‬ولول ههنا للنفي؛ أي‬
‫ما كان من قبلكم؛ كقوله‪" :‬فلول كانت قرية آمنت" [يونس‪ ]98 :‬أي ما كانت‪" .‬إل قليل" استثناء‬
‫منقطع؛ أي لكن قليل‪" .‬ممن أنجينا منهم" نهوا عن الفساد في الرض‪ .‬قيل‪ :‬هم قوم يونس؛ لقوله‪:‬‬
‫"إل قوم يونس"‪ .‬وقيل‪ :‬هم أتباع النبياء وأهل الحق‪" .‬واتبع الذين ظلموا" أي أشركوا وعصوا‪.‬‬
‫"ما أترفوا فيه" أي من الشتغال بالمال واللذات‪ ،‬وإيثار ذلك على الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 119 - 117 :‬وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون‪ ،‬ولو شاء ربك‬
‫لجعيل الناس أمية واحدة ول يزالون مختلفيين‪ ،‬إل مين رحيم ربيك ولذلك خلقهيم وتميت كلمية ربيك‬
‫لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا كان ربيك ليهلك القرى" أي أهيل القرى‪" .‬بظلم" أي بشرك وكفير‪" .‬وأهلهيا‬
‫مصيلحون" أي فيميا بينهيم فيي تعاطيي الحقوق؛ أي لم يكين ليهلكهيم بالكفير وحده حتيى ينضاف إلييه‬
‫الفسييياد‪ ،‬كميييا أهلك قوم شعييييب ببخيييس المكيال والميزان‪ ،‬وقوم لوط باللواط؛ ودل هذا على أن‬
‫المعاصيي أقرب إلى عذاب السيتئصال فيي الدنييا مين الشرك‪ ،‬وإن كان عذاب الشرك فيي الخرة‬
‫أصعب‪ .‬وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم يقول‪( :‬إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديييه أوشييك أن يعمهييم ال‬
‫بعقاب مين عنده)‪ .‬وقيد تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى وميا كان ربيك ليهلك القرى بظلم وأهلهيا مسيلمون‪ ،‬فإنيه‬
‫يكون ذلك ظلمييا لهييم ونقصييا ميين حقهييم‪ ،‬أي مييا أهلك قومييا إل بعييد إعذار وإنذار‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫يجوز أن يكون المعنيى ميا كان ربيك ليهلك أحدا وهيو يظلميه وإن كان على نهايية الصيلح؛ لنيه‬
‫تصرف في ملكه؛ دليله قوله‪" :‬إن ال ل يظلم الناس شيئا" [يونس‪ .]44 :‬وقيل‪ :‬المعنى وما كان‬
‫ال ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون؛ أي مخلصون في اليمان‪ .‬فالظلم المعاصي على هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ربيك لجعيل الناس أمية واحدة" قال سيعيد بين جيبير‪ :‬على ملة السيلم‬
‫وحدها‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬أهل دين واحد‪ ،‬أهل ضللة أو أهل هدى‪" .‬ول يزالون مختلفين" أي على‬
‫أديان شتييى؛ قاله مجاهييد وقتادة‪" .‬إل ميين رحييم ربييك" اسييتثناء منقطييع؛ أي لكيين ميين رحييم ربييك‬
‫باليمان والهدى فإنيه لم يختلف‪ .‬وقييل‪ :‬مختلفيين فيي الرزق‪ ،‬فهذا غنيي وهذا فقيير‪" .‬إل مين رحيم‬
‫ربيييك" بالقناعييية؛ قاله الحسييين‪" .‬ولذلك خلقهيييم" قال الحسييين ومقاتيييل‪ ،‬وعطاء ويمان‪ :‬الشارة‬
‫للختلف‪ ،‬أي وللختلف خلقهيم‪ .‬وقال ابين عباس ومجاهيد وقتادة والضحاك‪ :‬ولرحمتيه خلقهيم؛‬
‫وإنميا قال‪" :‬ولذلك" ولم يقيل ولتلك‪ ،‬والرحمية مؤنثية لنيه مصيدر؛ وأيضيا فإن تأنييث الرحمية غيير‬
‫حقيقي‪ ،‬فحملت على معنى الفضل‪ .‬وقيل‪ .‬الشارة بذلك للختلف والرحمة‪ ،‬وقد يشارك بي "ذلك"‬
‫إلى شيئيين متضاديين؛ كقوله تعالى‪" :‬ل فارض ول بكير عوان بيين ذلك" [البقرة‪ ]68 :‬ولم يقيل‬
‫بين ذينك ول تينك‪ ،‬وقال‪" :‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" [الفرقان‪:‬‬
‫‪ ]67‬وقال‪" :‬ول تجهر بصلتك ول تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل" [السراء‪ ]110 :‬وكذلك‬
‫قوله‪" :‬قيل بفضيل ال وبرحمتيه فبذلك فليفرحوا" [يونيس‪ ]58 :‬وهذا أحسين القوال إن شاء ال‬
‫تعالى؛ لنيه يعيم‪ ،‬أي ولميا ذكير خلقهيم؛ وإلى هذا أشار مالك رحميه ال فيميا روى عنيه أشهيب؛ قال‬
‫أشهب‪ :‬سألت مالكا عن هذه الية قال‪ :‬خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير؛ أي خلق‬
‫أهل الختلف للختلف‪ ،‬وأهل الرحمة للرحمة‪ .‬وروي عن ابن عباس أيضا قال‪ :‬خلقهم فريقين‪،‬‬
‫فريقا يرحمه وفريقا ل يرحمه‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وفي الكلم على هذا التقدير تقديم وتأخير؛ المعنى‪:‬‬
‫ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك‪ ،‬وتمت كلمة ربك لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين؛‬
‫ولذلك‪ ،‬خلقهيييم‪ .‬وقييييل‪ :‬هيييو‪ .‬متعلق بقوله "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" [هود‪:‬‬
‫‪ ]103‬والمعنى‪ :‬ولشهود ذلك اليوم خلقهم‪ .‬وقيل‪ :‬هو متعلق بقوله‪" :‬فمنهم شقي وسعيد" [هود‪:‬‬
‫‪ ]105‬أي للسعادة والشقاوة خلقهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتمت كلمة ربك" معنى "تمت" ثبت ذلك كما أخبر وقدر في أزله؛ وتمام الكلمة‬
‫امتناعهييا عيين قبول التغيييير والتبديييل‪" .‬لملن جهنييم ميين الجنيية والناس أجمعييين" "ميين" لبيان‬
‫الجنس؛ أي من جنس الجنة وجنس الناس‪" .‬أجمعين" تأكيد؛ وكما أخبر أنه يمل ناره كذلك أخبر‬
‫على لسيان نيبيه صيلى ال علييه وسيلم أنيه يمل جنتيه بقوله‪( :‬ولكيل واحدة منكميا ملؤهيا)‪ .‬خرجيه‬
‫البخاري من حديث أبي هريرة وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 120 :‬وكل نقيص علييك مين أنباء الرسيل ميا نثبيت بيه فؤادك وجاءك فيي هذه الحيق‬
‫وموعظة وذكرى للمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكل نقص عليك" "كل" نصب بي "نقص" معناه وكل الذي تحتاج إليه من أنباء‬
‫الرسييل نقييص عليييك‪ .‬وقال الخفييش‪" :‬كل" حال مقدميية‪ ،‬كقولك‪ :‬كل ضربييت القوم‪" .‬ميين أنباء‬
‫الرسيل" أي مين أخبارهيم وصيبرهم على أذى قومهيم‪" .‬ميا نثبيت بيه فؤادك" أي على أداء الرسيالة‪،‬‬
‫والصيبر على ميا ينالك فيهيا مين الذى‪ .‬وقييل‪ :‬نزيدك بيه تثبيتيا ويقينيا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬ميا نشيد بيه‬
‫قلبييك‪ .‬وقال ابيين جريييج‪ :‬نصييبر بييه قلبييك حتييى ل تجزع‪ .‬وقال أهييل المعانييي‪ :‬نطيييب‪ ،‬والمعنييى‬
‫متقارب‪ .‬و"ما" بدل من "كل" المعنى‪ :‬نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك‪" .‬وجاءك‬
‫فيي هذه الحيق" أي فيي هذه السيورة؛ عين ابين عباس وأبيي موسيى وغيرهميا؛ وخيص هذه السيورة‬
‫لن فيهيا أخبار النيبياء والجنية والنار‪ .‬وقييل‪ :‬خصيها بالذكير تأكيدا وإن كان الحيق فيي كيل القرآن‪.‬‬
‫وقال قتادة والحسن‪ :‬المعنى في هذه الدنيا‪ ،‬يريد النبوة‪" .‬وموعظة وذكرى للمؤمنين" الموعظة ما‬
‫يتعيظ بيه مين إهلك الميم الماضيية‪ ،‬والقرون الخاليية المكذبية؛ وهذا تشرييف لهذه السيورة؛ لن‬
‫غيرهيا مين السيور قيد جاء فيهيا الحيق والموعظية والذكرى ولم يقيل فيهيا كميا قال فيي هذه على‬
‫التخصييص‪" .‬وذكرى للمؤمنيين" أي يتذكرون ميا نزل بمين هلك فيتوبون؛ وخيص المؤمنيين لنهيم‬
‫المتعظون إذا سمعوا قصص النبياء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 123 - 121 :‬وقل للذين ل يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون‪ ،‬وانتظروا‬
‫إنا منتظرون‪ ،‬ول غيب السماوات والرض وإليه يرجع المر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك‬
‫بغافل عما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقل للذين ل يؤمنون اعملوا على مكانتكم" تهديد ووعيد‪" .‬إنا عاملون‪ .‬وانتظروا‬
‫إنيييا منتظرون" تهدييييد آخييير‪ ،‬وقيييد تقدم معناه‪" .‬ول غييييب السيييماوات والرض" أي غيبهميييا‬
‫وشهادتهميا؛ فحذف لدللة المعنيى‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬خزائن السيماوات والرض‪ .‬وقال الضحاك‪:‬‬
‫جميع ما غاب عن العباد فيهما‪ .‬وقال الباقون‪ :‬غيب السماوات والرض نزول العذاب من السماء‬
‫وطلوعيه مين الرض‪ .‬وقال أبيو علي الفارسيي‪" :‬ول غييب السيماوات والرض" أي علم ميا غاب‬
‫فيهميا؛ أضاف الغييب وهيو مضاف إلى المفعول توسيعا؛ لنيه حذف حرف الجير؛ تقول‪ :‬غبيت فيي‬
‫الرض وغبت ببلد كذا‪" ..‬وإليه يرجيع المير كله" أي يوم القيامية‪ ،‬إذ ليس لمخلوق أمر إل بإذنيه‪.‬‬
‫وقرأ نافيع وحفيص "يرجيع" بضيم الياء وبفتيح الجييم؛ أي يرد‪" .‬فاعبده وتوكيل علييه" أي الجيأ إلييه‬
‫وثيق بيه‪" .‬وميا ربيك بغافيل عميا تعملون" أي يجازي كل بعمله‪ .‬وقرأ أهيل المدينية والشام وحفيص‬
‫بالتاء على المخاطبية‪ .‬الباقون بياء على الخيبر‪ .‬قال الخفيش سيعيد‪" :‬يعملون" إذا لم يخاطيب النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم معهم؛ قال‪ :‬بعضهم وقال‪" :‬تعملون" بالتاء لنه خاطب النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم وقال‪ :‬قيل لهيم "وميا ربيك بغافيل عميا تعملون"‪ .‬وقال كعيب الحبار‪ :‬خاتمية التوراة خاتمية‬
‫"هود" من قوله‪" :‬ول غيب السماوات والرض" إلى آخر السورة‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة يوسف‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@وهي مكية كلها‪ .‬وقال ابن عباس وقتادة‪ :‬إل أربع آيات منها‪ .‬وروي أن اليهود سألوا رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم عين قصية يوسيف فنزلت السيورة؛ وسييأتي‪ .‬وقال سيعد بين أبيي وقاص‪ :‬أنزل‬
‫القرآن على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فتله عليهيم زمانيا فقالوا‪ :‬لو قصيصت علينيا؛ فنزل‪:‬‬
‫"نحين نقيص علييك" [يوسيف‪ ]3 :‬فتله عليهيم زمانيا فقالوا‪ :‬لو حدثتنيا؛ فأنزل‪" :‬ال نزل أحسين‬
‫الحديث" [الزمر‪ .]23 :‬قال العلماء‪ :‬وذكر ال أقاصيص النبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد‬
‫فيي وجوه مختلفية‪ ،‬بألفاظ متباينية على درجات البلغية‪ ،‬وقيد ذكير قصية يوسيف ولم يكررهيا‪ ،‬فلم‬
‫يقدر مخالف على معارضة ما تكرر‪ ،‬ول على معارضة غير المتكرر‪ ،‬والعجاز لمن تأمل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الر تلك آيات الكتاب المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الر" تقدم القول فيه؛ والتقدير هنا‪ :‬تلك آيات الكتاب‪ ،‬على البتداء والخبر‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"الر" اسم السورة؛ أي هذه السورة المسماة "الر" "تلك آيات الكتاب المبين" يعني بالكتاب المبين‬
‫القرآن المييبين؛ أي المييبين حلله وحرامييه‪ ،‬وحدوده وأحكامييه وهداه وبركتييه‪ .‬وقيييل‪ :‬أي هذه تلك‬
‫اليات التي كنتم توعدون بها في التوراة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيا أنزلناه قرآنيا عربييا" يجوز أن يكون المعنيى‪ :‬إنيا أنزلنيا القرآن عربييا؛ نصيب‬
‫"قرآنا" على الحال؛ أي مجموعا‪ .‬و"عربيا" نعت لقوله "قرآنا"‪ .‬ويجوز أن يكون توطئة للحال‪،‬‬
‫كميا تقول‪ :‬مررت بزييد رجل صيالحا‪ ،‬و"عربييا" على الحال‪ ،‬أي يقرأ بلغتكيم ييا معشير العرب‪.‬‬
‫أعرب بيين‪ ،‬ومنيه (الثييب تعرب عين نفسيها)‪" .‬لعلكيم تعقلون" أي لكيي تعلموا معانييه‪ ،‬وتفهموا ميا‬
‫فييه‪ .‬وبعيض العرب يأتيي بأن ميع "لعيل" تشبيهيا بعسيى‪ .‬واللم فيي "لعيل" زائدة للتوكييد؛ كميا قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫يا أبتا علك أو عساكا‬
‫وقييل‪" :‬لعلكيم تعقلون" أي لتكونوا على رجاء مين تدبره؛ فيعود معنيى الشيك إليهيم ل إلى الكتاب‪،‬‬
‫ول إلى ال عييز وجييل‪ .‬وقيييل‪ :‬معنييى "أنزلناه" أي أنزلنييا خييبر يوسييف‪ ،‬قال النحاس‪ :‬وهذا أشبييه‬
‫بالمعنيى؛ لنيه يروى أن اليهود قالوا‪ :‬سيلوه لم انتقيل آل يعقوب مين الشام إلى مصير؟ وعين خيبر‬
‫يوسيف؛ فأنزل ال عيز وجيل هذا بمكية موافقيا لميا فيي التوراة‪ ،‬وفييه زيادة ليسيت عندهيم‪ .‬فكان هذا‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬إذ أخبرهم ولم يكن يقرأ كتابا قيط ول هو فيي موضع كتاب ‪ -‬بمنزلة‬
‫إحياء عيسى عليه السلم الميت على ما يأتي فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 3 :‬نحين نقيص علييك أحسين القصيص بميا أوحينيا إلييك هذا القرآن وإن كنيت مين قبله‬
‫لمن الغافلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نحين نقيص علييك" ابتداء وخيبره‪" :‬أحسين القصيص" بمعنيى المصيدر‪ ،‬والتقديير‪:‬‬
‫قصيصنا أحسين القصيص‪ .‬وأصيل القصيص تتبيع الشييء‪ ،‬ومنيه قوله تعالى‪" :‬وقالت لختيه قصييه"‬
‫[القصص‪ ]11 :‬أي تتبعي أثره؛ فالقاص‪ ،‬يتبع الثار فيخبر بها‪ .‬والحسن يعود إلى القصص ل‬
‫إلى القصيية‪ .‬يقال‪ :‬فلن حسيين القتصيياص للحديييث أي جيييد السييياقة له‪ .‬وقيييل‪ :‬القصييص ليييس‬
‫مصيدرا‪ ،‬بيل هيو فيي معنيى السيم‪ ،‬كميا يقال‪ :‬ال رجاؤنيا‪ ،‬أي مرجونيا فالمعنيى على هذا‪ :‬نحين‬
‫نخيبرك بأحسين الخبار‪" .‬بميا أوحينيا إلييك" أي بوحينيا فيي "ميا" ميع الفعيل بمنزلة المصيدر‪" .‬هذا‬
‫القرآن" نصب القرآن على أنه نعت لهذا‪ ،‬أو بدل منه‪ ،‬أو عطف بيان‪ .‬وأجاز الفراء الخفض؛ قال‪:‬‬
‫على التكريير؛ وهيو عنيد البصيريين على البدل مين "ميا"‪ .‬وأجاز أبيو إسيحاق الرفيع على إضمار‬
‫مبتدأ‪ ،‬كأن سيائل سيأله عين الوحيي فقييل له‪ :‬هيو هذا القرآن‪" .‬وإن كنيت مين قبله لمين الغافليين" أي‬
‫من الغافلين عما عرفناكه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬واختلف العلماء لم سميت هذه السورة أحسن القصص من بين سائر القاصيص؟ فقيل‪:‬‬
‫لنيه ليسيت قصية فيي القرآن تتضمين مين العيبر والحكيم ميا تتضمين هذه القصية؛ وبيانيه قوله فيي‬
‫آخرهييا‪" :‬لقييد كان فييي قصييصهم عييبرة لولي اللباب" [يوسييف‪ .]111 :‬وقيييل‪ :‬سييماها أحسيين‬
‫القصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته‪ ،‬وصبره على أذاهم‪ ،‬وعفوه عنهم ‪ -‬بعد اللتقاء بهم ‪-‬‬
‫عن ذكير ما تعاطوه‪ ،‬وكرمه في العفو عنهم‪ ،‬حتى قال‪" :‬ل تثريب عليكم اليوم" [يوسف‪.]92 :‬‬
‫وقييل‪ :‬لن فيهيا ذكير النيبياء والصيالحين والملئكية والشياطيين‪ ،‬والجين والنيس والنعام والطيير‪،‬‬
‫وسيير الملوك والممالك‪ ،‬والتجار والعلماء والجهال‪ ،‬والرجال والنسياء وحيلهين ومكرهين‪ ،‬وفيهيا‬
‫ذكير التوحييد والفقيه والسيير وتعيبير الرؤييا‪ ،‬والسيياسة والمعاشرة وتدبيير المعاش‪ ،‬وجميل الفوائد‬
‫التيي تصيلح للديين والدنييا‪ .‬وقييل لن فيهيا ذكير الحيبيب والمحبوب وسييرهما‪ .‬وقييل‪" :‬أحسين" هنيا‬
‫بمعنى أعجب‪ .‬وقال بعض أهل المعاني‪ :‬إنما كانت أحسن القصص لن كل من ذكر فيها كان مآله‬
‫السعادة؛ انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته‪ ،‬وامرأة العزيز؛ قيل‪ :‬والملك أيضا أسلم بيوسف وحسن‬
‫إسلمه‪ ،‬ومستعبر الرؤيا الساقي‪ ،‬والشاهد فيما يقال‪ :‬فما كان أمر الجميع إل إلى خير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬إذ قال يوسف لبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي‬
‫ساجدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ قال يوسيف" "إذ" فيي موضيع نصيب على الظرف؛ أي اذكير لهيم حيين قال‬
‫يوسيف‪ .‬وقراءة العامية بضيم السيين‪ .‬وقرأ طلحية بين مصيرف "يؤسيف" بالهمزة وكسير السيين‪.‬‬
‫وحكيى أبيو زييد‪" :‬يؤسيف" بالهمزة وفتيح السيين‪ .‬ولم ينصيرف لنيه أعجميي؛ وقييل‪ :‬هيو عربيي‪.‬‬
‫وسئل أبو الحسن القطع ‪ -‬وكان حكيما ‪ -‬عن "يوسف" فقال‪ :‬السف في اللغة الحزن؛ والسيف‬
‫العبيد‪ ،‬وقيد اجتمعيا فيي يوسيف؛ فلذلك سيمي يوسيف‪" .‬لبييه ييا أبيت" بكسير التاء قراءة أبيي عمرو‬
‫وعاصم ونافع وحمزة والكسائي‪ ،‬وهي عند البصريين علمة التأنيث أدخلت على الب في النداء‬
‫خاصة بدل من ياء الضافة‪ ،‬وقد تدخل علمة التأنيث على المذكر فيقال‪ :‬رجل نكحة وهزأة؛ قال‬
‫النحاس‪ :‬إذا قلت "ييا أبيت" بكسير التاء فالتاء عنيد سييبويه بدل مين ياء الضافية؛ ول يجوز على‬
‫قوله الوقف إل بالهاء‪ ،‬وله على قوله دلئل‪ :‬منها ‪ -‬أن قولك‪" :‬يا أبه" يؤدي عن معنى "يا أبي"؛‬
‫وأنيه ل يقال‪" :‬ييا أبيت" إل فيي المعرفية؛ ول يقال‪ :‬جاءنيي أبيت‪ ،‬ول تسيتعمل العرب هذا إل فيي‬
‫النداء خاصية‪ ،‬ول يقال‪" :‬ييا أبتيي" لن التاء بدل مين الياء فل يجميع بينهميا‪ .‬وزعيم الفراء أنيه إذا‬
‫قال‪" :‬ييا أبيت" فكسير دل على الياء ل غيير؛ لن الياء فيي النيية‪ .‬وزعيم أبيو إسيحاق أن هذا خطيأ‪،‬‬
‫والحق ما قال‪ ،‬كيف تكون الياء في النية وليس يقال‪" :‬يا أبتي"؟ وقرأ أبو جعفر والعرج وعبدال‬
‫بن عامر "يا أبت" بفتح التاء؛ قال البصريون‪ :‬أرادوا "يا أبتي" بالياء‪ ،‬ثم أبدلت الياء ألفا فصارت‬
‫"يا أبتا" فحذفت اللف وبقيت الفتحة على التاء‪ .‬وقيل‪ :‬الصل الكسر‪ ،‬ثم أبدل من الكسرة فتحة‪،‬‬
‫كميا يبدل مين الياء ألف فيقال‪ :‬ييا غلميا أقبيل‪ .‬وأجاز الفراء "ييا أبيت" بضيم التاء‪" .‬إنيي رأييت أحيد‬
‫عشير كوكبيا والشميس والقمير" لييس بيين النحوييين اختلف أنيه يقال‪ :‬جاءنيي أحيد عشير‪ ،‬ورأييت‬
‫ومررت بأحيد عشير‪ ،‬وكذلك ثلثية عشير وتسيعة عشير وميا بينهميا؛ جعلوا السيمين اسيما واحدا‬
‫وأعربوهميا بأخيف الحركات‪ .‬قال السيهيلي‪ :‬أسيماء هذه الكواكيب جاء ذكرهيا مسيندا؛ رواه الحارث‬
‫بن أبي أسامة قال‪ :‬جاء بستانة ‪ -‬وهو رجل من أهل الكتاب ‪ -‬فسأل النبي صلى ال عليه وسلم عن‬
‫الحيييد عشييير كوكبيييا الذي رأى يوسيييف فقال‪( :‬الحرثان والطارق والذيال وقابيييس والمصيييبح‬
‫والضروح وذو الكنفات وذو القرع والفلييق ووثاب والعمودان؛ رآهيا يوسيف علييه السيلم تسيجد‬
‫له)‪ .‬قال ابن عباس وقتادة‪ :‬الكواكب إخوته‪ ،‬والشمس أمه‪ ،‬والقمر أبوه‪ .‬وقال قتادة أيضا‪ :‬الشمس‬
‫خالتيه‪ ،‬لن أميه كانيت قيد ماتيت‪ ،‬وكانيت خالتيه تحيت أبييه‪" .‬رأيتهيم" توكييد‪ .‬وقال‪" :‬رأيتهيم لي‬
‫سيياجدين" فجاء مذكرا؛ فالقول عنييد الخليييل وسيييبويه أنييه لمييا أخييبر عيين هذه الشياء بالطاعيية‬
‫والسجود وهما من أفعال من يعقل أخبر عنها كما يخبر عمن يعقل‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى في قوله‪:‬‬
‫"وتراهم ينظرون إليك" [العراف‪ .]198 :‬والعرب تجمع ما ل يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه‬
‫منزلته‪ ،‬وإن كان خارجا عن الصل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬قال يا بني ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للنسان‬
‫عدو مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيكيدوا لك كيدا" أي يحتالوا فيي هلكيك؛ لن تأويلهيا ظاهير؛ فربميا يحملهيم‬
‫الشيطان على قصييدك بسييوء حينئذ‪ .‬واللم فييي "لك" تأكيييد‪ .‬كقوله‪" :‬إن كنتييم للرؤيييا تعييبرون"‬
‫[يوسف‪.]43 :‬‬
‫@ الرؤيا حالة شريفة‪ ،‬ومنزلة رفيعة‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لم يبق بعدي من المبشرات إل‬
‫الرؤيا الصالحة الصادقة يراها الرجل الصالح أو ترى له)‪ .‬وقال‪( :‬أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا)‪.‬‬
‫وحكيم صيلى ال علييه وسيلم بأنهيا جزء مين سيتة وأربعيين جزءا مين النبوة‪ ،‬وروي (مين سيبعين‬
‫جزءا مين النبوة)‪ .‬وروي مين حدييث ابين عباس رضيي ال عنهميا (جزءا مين أربعيين جزءا مين‬
‫النبوة)‪ .‬ومين حدييث ابين عمير (جزء مين تسيعة وأربعيين جزءا)‪ .‬ومين حدييث العباس (جزء مين‬
‫خمسيين جزءا مين النبوة)‪ .‬ومين حدييث أنيس (مين سيتة وعشريين)‪ .‬وعين عبادة بين الصيامت (مين‬
‫أربعية وأربعيين مين النبوة)‪ .‬والصيحيح منهيا حدييث السيتة والربعيين‪ ،‬ويتلوه فيي الصيحة حدييث‬
‫السبعين؛ ولم يخرج مسلم في صحيحه غير هذين الحديثين‪ ،‬أما سائرها فمن أحاديث الشيوخ؛ قاله‬
‫ابين بطال‪ .‬قال أبيو عبدال المازري‪ :‬والكثير والصيح عنيد أهيل الحدييث (من سيتة وأربعيين)‪ .‬قال‬
‫الطيبري‪ :‬والصواب أن يقال إن عامة هذه الحادييث أو أكثرها صيحاح‪ ،‬ولكيل حديث منها مخرج‬
‫معقول؛ فأما قوله‪( :‬إنها جزء من سبعين جزءا من النبوة) فإن ذلك قول عام في كل رؤيا صالحة‬
‫صيادقة‪ ،‬ولكيل مسيلم رآهيا فيي مناميه على أي أحواله كان؛ وأميا قوله‪( :‬إنهيا مين أربعيين أو سيتة‬
‫وأربعيين) فإنيه يرييد بذلك مين كان صياحبها بالحال التيي ذكرت عين الصيديق رضيي ال عنيه أنيه‬
‫كان بهييا؛ فميين كان ميين أهييل إسييباغ الوضوء فييي السييبرات‪ ،‬والصييبر فييي ال على المكروهات‪،‬‬
‫وانتظار الصيلة بعيد الصيلة‪ ،‬فرؤياه الصيالحة ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬جزء مين أربعيين جزءا مين النبوة‪،‬‬
‫ومين كانيت حاله فيي ذاتيه بيين ذلك فرؤياه الصيادقة بيين جزأيين ميا بيين الربعيين إلى السيتين ل‬
‫تنقييص عيين سييبعين‪ ،‬وتزيييد على الربعييين وإلى هذا المعنييى أشار أبييو عميير بيين عبدالبر فقال‪:‬‬
‫اختلف الثار فيي هذا الباب فيي عدد أجزاء الرؤييا لييس ذلك عندي اختلف متضاد متدافيع ‪ -‬وال‬
‫أعلم ‪ -‬لنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصيالحة من بعض من يراهيا على حسب ما يكون من صدق‬
‫الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬والدين المتين‪ ،‬وحسن اليقين؛ فعلى قدر اختلف الناس فيما وصفنا تكون‬
‫الرؤييا منهيم على الجزاء المختلفية العدد فمين خلصيت نيتيه فيي عبادة ربيه ويقينيه وصيدق حديثيه‬
‫كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب كما أن النبياء يتفاضلون قال ال تعالى‪" :‬ولقد فضلنا بعض‬
‫النبيين على بعض" السراء‪.]55 :‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا التأوييل يجميع شتات الحادييث‪ ،‬وهيو أولى مين تفسيير بعضهيا دون بعيض وطرحيه؛‬
‫ذكره أبيو سيعيد السيفاقسي عين بعيض أهيل العلم قال‪ :‬معنيى قوله‪( :‬جزء مين سيتة وأربعيين جزءا‬
‫مين النبوة) فإن ال تعالى أوحيى إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم فيي النبوة ثلثية وعشريين عاميا ‪-‬‬
‫فيما رواه عكرمة وعمرو بن دينار عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬فإذا نسبنا ستة أشهر‬
‫من ثلثة وعشرين عاما وجدنا ذلك جزءا من ستة وأربعين جزءا؛ وإلى هذا القول أشار المازري‬
‫في كتابه "المعلم" واختاره القونوي في تفسيره من سورة "يونس" عند قوله تعالى‪" :‬لهم البشرى‬
‫في الحياة الدنيا" [يونس‪ .]64 :‬وهو فاسد من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬ما رواه أبو سلمة عن ابن عباس‬
‫وعائشية بأن مدة الوحيي كانيت عشريين سينة‪ ،‬وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعيث على رأس‬
‫أربعييين‪ ،‬فأقام بمكيية عشييير سيينين؛ وهييو قول عروة والشعيييبي وابييين شهاب والحسيين وعطاء‬
‫الخراسياني وسيعيد بين المسييب على اختلف عنيه‪ ،‬وهيي روايية ربيعية وأبيي غالب عين أنيس‪ ،‬وإذا‬
‫ثبيت هذا الحدييث بطيل ذلك التأوييل ‪ -‬الثانيي‪ :‬أن سيائر الحادييث فيي الجزاء المختلفية تبقيى بغيير‬
‫معنى‪.‬‬
‫@ إنميا كانيت الرؤييا جزءا مين النبوة؛ لن فيهيا ميا يعجيز ويمتنيع كالطيران‪ ،‬وقلب العيان‪،‬‬
‫والطلع على شييء مين علم الغييب؛ كميا قال علييه السيلم‪( :‬إنيه لم يبيق مين مبشرات النبوة إل‬
‫الرؤييا الصيادقة فيي النوم‪ )...‬الحدييث‪ .‬وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من ال‪ ،‬وأنها من النبوة؛‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الرؤيا من ال والحلم من الشيطان) وأن التصديق بها حق‪ ،‬ولها التأويل‬
‫الحسن‪ ،‬وربما أغنى بعضها عن التأويل‪ ،‬وفيها من بديع ال ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه؛ ول‬
‫خلف فيي هذا بيين أهيل الديين والحيق مين أهيل الرأي والثير‪ ،‬ول ينكير الرؤييا إل أهيل اللحاد‬
‫وشرذمة من المعتزلة‪.‬‬
‫إن قييل‪ :‬إذا كانيت الرؤييا الصيادقة جزءا مين النبوة فكييف يكون الكافير والكاذب والمخلط أهل‬
‫لهيا؟ وقيد وقعيت مين بعيض الكفار وغيرهيم ممين ل يرضيى دينيه منامات صيحيحة صيادقة؛ كمنام‬
‫رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات‪ ،‬ومنام الفتيين في السجن؛ ورؤيا بختنصر‪ ،‬التي فسرها دانيال‬
‫فيي ذهاب ملكيه‪ ،‬ورؤييا كسيرى فيي ظهور النيبي صيلى ال عليه وسيلم‪ ،‬ومنام عاتكية‪ ،‬عمية رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم فيي أمره وهيي كافرة‪ ،‬وقيد ترجيم البخاري "باب رؤييا أهيل السيجن"‪:‬‬
‫فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الوقات ل تكون من‬
‫الوحي ول من النبوة؛ إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة؛ وقد تقدم‬
‫في "النعام" أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق‪ ،‬لكن ذلك على الندور والقلة‪ ،‬فكذلك‬
‫رؤييييا هؤلء؛ قال المهلب‪ :‬إنميييا ترجيييم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤييييا أهيييل الشرك رؤييييا‬
‫صادقة‪ ،‬كما كانت رؤيا الفتيين صادقة‪ ،‬إل أنه ل يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن‬
‫إليها‪ ،‬إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءا من النبوة‪.‬‬
‫@ الرؤيا المضافة إلى ال تعالى هي التي خلصت من الضغاث والوهام‪ ،‬وكان تأويلها موافقا‬
‫لميا فيي اللوح المحفوظ‪ ،‬والتيي هيي مين خيبر الضغاث هيي الحلم‪ ،‬وهيي المضافية إلى الشيطان‪،‬‬
‫وإنما سميت ضغثا؛ لن فيها أشياء متضادة؛ قال معناه المهلب‪ .‬وقد قسم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم الرؤييا أقسياما تغنيي عين قول كيل قائل؛ روى عوف بين مالك عين رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم قال‪( :‬الرؤيا ثلثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في‬
‫منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬سمعت هذا من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم! سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا بني ل تقصص رؤياك على إخوتك" الية‪ .‬الرؤيا مصدر رأي في المنام‪،‬‬
‫رؤييا على وزن فعلى كالسيقيا والبشرى؛ وألفيه للتأنييث ولذلك لم ينصيرف‪ .‬وقيد اختلف العلماء فيي‬
‫حقيقية الرؤييا؛ فقييل‪ :‬هيي إدراك فيي أجزاء لم تحلهيا آفية‪ ،‬كالنوم المسيتغرق وغيره؛ ولهذا أكثير ميا‬
‫تكون الرؤييا فييي آخير اللييل لقلة غلبية النوم؛ فيخلق ال تعالى للرائي علميا ناشئا‪ ،‬ويخلق له الذي‬
‫يراه على ميا يراه ليصيح الدراك‪ ،‬قال ابين العربيي‪ :‬ول يرى فيي المنام إل ميا يصيح إدراكيه فيي‬
‫اليقظة‪ ،‬ولذلك ل يرى في المنام شخصا قائما قاعدا بحال‪ ،‬وإنما يرى الجائزات المعتادات‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إن ل ملكييا يعرض المرئيات على المحييل المدرك ميين النائم‪ ،‬فيمثييل له صييورا محسييوسة؛ فتارة‬
‫تكون تلك الصيور أمثلة موافقية لميا يقيع فيي الوجود‪ ،‬وتارة تكون لمعانيي معقولة غيير محسيوسة‪،‬‬
‫وفيي الحالتيين تكون مبشرة أو منذرة؛ قال صيلى ال علييه وسيلم فيي صيحيح مسيلم وغيره‪( :‬رأييت‬
‫سوداء ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة فأولتها الحمى)‪ .‬و(رأيت سيفي قد انقطع صدره‬
‫وبقرا تنحير فأولتهميا رجيل مين أهيل بيتيي يقتيل والبقير نفير مين أصيحابي يقتلون)‪ .‬و(رأييت أنيي‬
‫أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة)‪ .‬و(رأيت في يدي سوارين فأولتهما كذابين يخرجان‬
‫بعدي)‪ .‬إلى غير ذلك مما ضربت له المثال؛ ومنها ما يظهر معناه أول فأول‪ ،‬ومنها ما ل يظهر‬
‫إل بعد التفكر؛ وقد رأى النائم في زمن يوسف عليه السلم بقرا فأولها يوسف السنين‪ ،‬ورأى أحد‬
‫عشر كوكبا والشمس والقمر فأولها بإخوته وأبويه‪.‬‬
‫@ إن قيل‪ :‬إن يوسف عليه السلم كان صغيرا وقت رؤياه‪ ،‬والصغير ل حكم لفعله‪ ،‬فكيف تكون‬
‫له رؤيا لها حكم حتى يقول له أبوه‪" :‬ل تقصص رؤياك على إخوتك"؟ فالجواب‪ :‬أن الرؤيا إدراك‬
‫حقيقية على ميا قدمناه‪ ،‬فتكون مين الصيغير كميا يكون منيه الدراك الحقيقيي فيي اليقظية‪ ،‬وإذا أخيبر‬
‫عميا رأى صيدق‪ ،‬فكذلك إذا أخيبر عميا يرى فيي المنام؛ وقيد أخيبر ال سيبحانه عين رؤياه وأنهيا‬
‫وجدت كما رأى فل اعتراض؛ روي أن يوسف عليه السلم كان ابن اثنتي عشرة سنة‪.‬‬
‫@ هذه الية أصل في أل تقص الرؤيا على غير شفيق ول ناصح‪ ،‬ول على من ل يحسن التأويل‬
‫فيهيا؛ روى أبيو رزيين العقيلي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬الرؤييا جزء مين أربعيين جزءا‬
‫من النبوة)‪ .‬و(الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها فإذا حدث بها وقعت فل تحدثوا‬
‫بهيا إل عاقل أو محبيا أو ناصيحا) أخرجيه الترمذي وقال فييه‪ :‬حدييث حسين صيحيح؛ وأبيو رزيين‬
‫اسمه لقيط بن عامر‪ .‬وقيل لمالك‪ :‬أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال‪ :‬أبالنبوة يلعب؟ وقال مالك‪ :‬ل يعبر‬
‫الرؤييا إل مين يحسينها‪ ،‬فإن رأى خيرا أخيبر بيه‪ ،‬وإن رأى مكروهيا فليقيل خيرا أو ليصيمت؛ قييل‪:‬‬
‫فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما تأولت عليه؟ فقال‪ :‬ل!‬
‫ثم قال‪ :،‬الرؤيا جزء من النبوة فل يتلعب بالنبوة‪.‬‬
‫@ وفيي هذه اليية دلييل على أن مباحيا أن يحذّر المسيلم أخاه المسيلم ممين يخافيه علييه‪ ،‬ول يكون‬
‫داخل فيي معنيى الغيبية؛ لن يعقوب ‪ -‬علييه السيلم ‪ -‬قيد حذر يوسيف أن يقيص رؤياه على إخوتيه‬
‫فيكيدوا له كيدا‪ ،‬وفيهيا أيضيا ميا يدل على جواز ترك إظهار النعمية عنيد مين تخشيى غائلتيه حسيدا‬
‫وكيدا؛ وقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة‬
‫محسيود)‪ .‬وفيهيا أيضيا دلييل واضيح على معرفية يعقوب علييه السيلم بتأوييل الرؤييا؛ فإنيه علم مين‬
‫تأويلهييا أنييه سيييظهر عليهييم‪ ،‬ولم يبال بذلك ميين نفسييه؛ فإن الرجييل يود أن يكون ولده خيرا منييه‪،‬‬
‫والخ ل يود ذلك لخيه‪ .‬ويدل أيضا على أن يعقوب عليه السلم كان أح سّ من بنيه حسد يوسف‬
‫وبغضه؛ فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن تغل بذلك صدورهم‪ ،‬فيعملوا الحيلة في هلكه؛‬
‫ومين هذا ومين فعلهيم بيوسيف يدل على أنهيم كانوا غيير أنيبياء فيي ذلك الوقيت‪ ،‬ووقيع فيي كتاب‬
‫الطيبري لبين زييد أنهيم كانوا أنيبياء‪ ،‬وهذا يرده القطيع بعصيمة النيبياء عين الحسيد الدنيوي‪ ،‬وعين‬
‫عقوق الباء‪ ،‬وتعريييض مؤميين للهلك‪ ،‬والتآميير فييي قتله‪ ،‬ول التفات لقول ميين قال إنهييم كانوا‬
‫أنيبياء‪ ،‬ول يسيتحيل فيي العقيل زلة نيبي‪ ،‬إل أن هذه الزلة قيد جمعيت أنواعيا مين الكبائر‪ ،‬وقيد أجميع‬
‫المسلمون على عصمتهم منها‪ ،‬وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدم ويأتي‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬روى البخاري عين أبيي هريرة قال‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬لم‬
‫يبيق من النبوة إل المبشرات) قالوا‪ :‬وما المبشرات؟ قال‪( :‬الرؤيا الصالحة) وهذا الحديث بظاهره‬
‫يدل على أن الرؤيا بشرى على الطلق وليس كذلك؛ فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل‬
‫ال تعالى ل تسر رائيها‪ ،‬وإنما يريها ال تعالى المؤمن رفقا به ورحمة‪ ،‬ليستعد لنزول البلء قبل‬
‫وقوعيه؛ فإن أدرك تأولهيا بنفسيه‪ ،‬وإل سيأل عنهيا مين له أهليية ذلك‪ .‬وقيد رأى الشافعيي رضيي ال‬
‫عنه وهو بمصر رؤيا لحمد بن حنبل تدل على محنته فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك‪ ،‬وقد تقدم في‬
‫"يونييس" فييي تفسييير قوله تعالى‪" :‬لهييم البشرى فييي الحياة الدنيييا" [يونييس‪ ]64 :‬أنهييا الرؤيييا‬
‫الصالحة‪ .‬وهذا وحديث البخاري مخرجه على الغلب‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ روى البخاري عن أبي سلمة قال‪ :‬لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول‪:‬‬
‫وأنيا كنيت لرى الرؤييا فتمرضنيي حتيى سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬الرؤييا‬
‫الحسنة من ال فإذا رأى أحدكم ما يحب فل يحدث به إل من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بال‬
‫ميين شرهييا وليتفييل ثلث مرات ول يحدث بهييا أحدا فإنهييا لن تضره)‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬فجعييل ال‬
‫الستعاذة منها مما يرفع أذاها؛ أل ترى قول أبي قتادة‪ :‬إني كنت لرى الرؤيا هي أثقل علي من‬
‫الجبيل‪ ،‬فلميا سيمعت بهذا الحدييث كنيت ل أعدهيا شيئا‪ .‬وزاد مسيلم مين روايية جابر عين رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلثا وليتعوذ بال‬
‫من الشيطان ثلثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)‪ .‬وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم قال‪( :‬إذا رأى أحدكيم ميا يكره فليقيم فليصيل)‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬وهذا كله لييس بمتعارض؛‬
‫وإنما هذا المر بالتحول‪ ،‬والصلة زيادة‪ ،‬فعلى الرائي أن يفعل الجميع‪ ،‬والقيام إلى الصلة يشمل‬
‫الجمييع؛ لنيه إذا صيلى تضمين فعله للصيلة جمييع تلك المور؛ لنيه إذا قام إلى الصيلة تحول عين‬
‫جنبه‪ ،‬وإذا تمضمض تفل وبصق‪ ،‬وإذا قام إلى الصلة تعوذ ودعا وتضرع ل تعالى في أن يكفيه‬
‫شرها في حال هي أقرب الحوال إلى الجابة؛ وذلك السحر من الليل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 6 :‬وكذلك يجتبييك ربيك ويعلميك مين تأوييل الحادييث ويتيم نعمتيه علييك وعلى آل‬
‫يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك يجتبييك ربيك" الكاف فيي موضيع نصيب؛ لنهيا نعيت لمصيدر محذوف‪،‬‬
‫وكذلك الكاف فيي قوله‪" :‬كميا أتمهيا على أبوييك مين قبيل" و"ميا" كافية‪ .‬وقييل‪" :‬وكذلك" أي كميا‬
‫أكرميك بالرؤييا فكذلك يجتبييك‪ ،‬ويحسين إلييك بتحقييق الرؤييا‪ .‬قال مقاتيل‪ :‬بالسيجود لك‪ .‬الحسين‪:‬‬
‫بالنبوة‪ .‬والجتباء اختيار معالي المور للمجتييبى‪ ،‬وأصييله ميين جييبيت الشيييء أي حصييلته‪ ،‬ومنييه‬
‫جيبيت الماء فيي الحوض؛ قال النحاس‪ .‬وهذا ثناء مين ال تعالى على يوسيف علييه السيلم‪ ،‬وتعدييد‬
‫فيميا عدده علييه مين النعيم التيي آتاه ال تعالى؛ مين التمكيين فيي الرض‪ ،‬وتعلييم تأوييل الحادييث؛‬
‫وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا‪ .‬قال عبدال بن شداد بن الهاد‪ :‬كان تفسير رؤيا يوسف صلى ال‬
‫علييه وسيلم بعيد أربعيين سينة؛ وذلك منتهيى الرؤييا‪ .‬وعنيى بالحادييث ميا يراه الناس فيي المنام‪،‬‬
‫وهيي‪ ،‬معجزة له؛ فإنيه لم يلحقيه فيهيا خطيأ‪ .‬وكان يوسيف علييه السيلم أعلم الناس بتأويلهيا‪ ،‬وكان‬
‫نبينيا صيلى ال علييه وسيلم نحيو ذلك‪ ،‬وكان الصيديق رضيي ال عنيه مين أعيبر الناس لهيا‪ ،‬وحصيل‬
‫لبين سييرين فيهيا التقدم العظييم‪ ،‬والطبيع والحسيان‪ ،‬ونحوه أو قرييب منيه كان سيعيد بين المسييب‬
‫فيميا ذكروا‪ .‬وقيد قييل فيي تأوييل قوله‪" :‬ويعلميك مين تأوييل الحادييث" أي أحادييث الميم والكتيب‬
‫ودلئل التوحيييد‪ ،‬فهييو إشارة إلى النبوة‪ ،‬وهييو المقصييود بقوله‪" :‬ويتييم نعمتييه عليييك" أي بالنبوة‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬بإخراج إخوتيك‪ ،‬إلييك؛ وقييل‪ :‬بإنجائك مين كيل مكروه‪" .‬كميا أتمهيا على أبوييك مين قبيل‬
‫إبراهيم" بالخلة‪ ،‬وإنجائه من النار‪" .‬وإسحاق" بالنبوة‪ .‬وقيل‪ :‬من الذبح؛ قاله عكرمة‪ .‬وأعلمه ال‬
‫تعالى بقوله‪" :‬وعلى آل يعقوب" أنيه سييعطي بنيي يعقوب كلهيم النبوة؛ قاله جماعية مين المفسيرين‪.‬‬
‫"إن ربك عليم" بما يعطيك‪" .‬حكيم" في فعله بك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 9 - 7 :‬لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين‪ ،‬إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى‬
‫أبينيا منيا ونحين عصيبة إن أبانيا لفيي ضلل ميبين‪ ،‬اقتلوا يوسيف أو اطرحوه أرضيا يخيل لكيم وجيه‬
‫أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين" يعني من سأل عن حديثهم‪ .‬وقرأ أهل‬
‫مكة "آية" على التوحيد؛ واختار أبو عبيد "آيات" على الجمع؛ قال‪ :‬لنها خير كثير‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫و"آية" هنا قراءة حسنة‪ ،‬أي لقد كان للذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبروا به‪ ،‬لنهم سألوا‬
‫النيبي صيلى ال عليه وسيلم وهو بمكية فقالوا‪ :‬أخبرنيا عين رجيل مين النيبياء كان بالشام أخرج ابنيه‬
‫إلى مصير‪ ،‬فبكيى علييه حتيى عميي؟ ‪ -‬ولم يكين بمكية أحيد مين أهيل الكتاب‪ ،‬ول مين يعرف خيبر‬
‫النييبياء؛ وإنمييا وجييه اليهود إليهييم ميين المدينيية يسييألونه عيين هذا ‪ -‬فأنزل ال عييز وجييل سييورة‬
‫"يوسف" جملة واحدة؛ فيها كل ما في التوراة من خبر وزيادة‪ ،‬فكان ذلك آية للنبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪ ،‬بمنزلة إحياء عيسيى ابين مرييم علييه السيلم المييت‪" .‬آيات" موعظية؛ وقييل‪ :‬عيبرة‪ .‬وروي‬
‫أنها في بعض المصاحف "عبرة"‪ .‬وقيل‪ :‬بصيرة‪ .‬وقيل‪ :‬عجب؛ تقول فلن آية في العلم والحسن‬
‫أي عجيب‪ .‬قال الثعلبيي فيي تفسييره‪ :‬لميا بلغيت الرؤييا إخوة يوسيف حسيدوه؛ وقال ابين زييد‪ :‬كانوا‬
‫أنبياء‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما يرضى أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه! فبغوه بالعداوة‪ ،‬وقد تقدم رد هذا‬
‫القول‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬لقيد كان فيي يوسيف وإخوتيه" وأسيماؤهم‪ :‬روبييل وهيو أكيبرهم‪ ،‬وشمعون‬
‫ولوى ويهوذا وزيالون ويشجر‪ ،‬وأمهم ليا بنت ليان‪ ،‬وهي بنت حال يعقوب‪ ،‬وولد له من سريتين‬
‫أربعة نفر؛ دان ونفتالي وجاد وأشر‪ ،‬ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل‪ ،‬فولدت له يوسف‬
‫وبنيامين‪ ،‬فكان بنو يعقوب اثني عشر رجل‪ .‬قال السهيلي‪ :‬وأم يعقوب اسمها رفقا‪ ،‬وراحيل ماتت‬
‫في نفاس بنيامين‪ ،‬وليان بن ناهر بن آزر هو خال يعقوب‪ .‬وقيل‪ :‬في اسم المتين ليا وتلتا‪ ،‬كانت‬
‫إحداهما لراحيل‪ ،‬والخرى لختها ليا‪ ،‬وكانتا قد وهبتاهما ليعقوب‪ ،‬وكان يعقوب قد جمع بينهما‪،‬‬
‫ولم يحيل لحيد بعده؛ لقول ال تعالى‪" :‬وأن تجمعوا بيين الختيين إل ميا قيد سيلف" [النسياء‪.]23 :‬‬
‫وقد تقدم الرد على ما قاله ابن زيد‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ قالوا ليوسف وأخوه" "يوسف" رفع بالبتداء؛ واللم للتأكيد‪ ،‬وهي التي يتلقى‬
‫بها القسم؛ أي وال ليوسف‪" .‬وأخوه" عطف عليه‪" .‬أحب إلى أبينا منا" خبره‪ ،‬ول يثنى ول يجمع‬
‫لنيه بمعنيى الفعيل؛ وإنميا قالوا هذا لن خيبر المنام بلغهيم فتآمروا فيي كيده‪" .‬ونحين عصيبة" أي‬
‫جماعية‪ ،‬وكانوا عشرة‪ .‬والعصيبة ميا بيين الواحيد إلى العشرة‪ ،‬وقييل‪ :‬إلى الخمسية عشير‪ .‬وقييل‪ :‬ميا‬
‫بين الربعين إلى العشرة؛ ول واحد لها من لفظها كالنفر والرهط‪" .‬إن أبانا لفي ضلل مبين" لم‬
‫يريدوا ضلل الديين‪ ،‬إذ لو أرادوه لكانوا كفارا؛ بيل أرادوا لفيي ذهاب عين وجيه التدبيير‪ ،‬فيي إيثار‬
‫اثنين على عشرة مع استوائهم في النتساب إليه‪ .‬وقيل‪ :‬لفي خطأ ببن بإيثاره يوسف وأخاه علينا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اقتلوا يوسف" في الكلم حذف؛ أي قال قائل منهم‪" :‬اقتلوا يوسف" ليكون أحسم‬
‫لمادة الميير‪" .‬أو اطرحوه أرضييا" أي فييي أرض‪ ،‬فأسييقط الخافييض وانتصييب الرض؛ وأنشييد‬
‫سيبويه فيما حذف منه "في"‪:‬‬
‫فيه كما عسل الطريق الثعلب‬ ‫لدن بهز الكف يعسل متنه‬
‫قال النحاس‪ :‬إل أنيه فيي اليية حسين كثيير؛ لنيه يتعدى إلى مفعوليين‪ ،‬أحدهميا بحرف‪ ،‬فإذا حذفيت‬
‫الحرف تعدى الفعيل إلييه‪ .‬والقائل قييل‪ :‬هيو شمعون‪ ،‬قال وهيب بين منبيه‪ .‬وقال كعيب الحبار؛ دان‪.‬‬
‫وقال مقاتيل‪ :‬روبييل؛ وال أعلم‪ .‬والمعنيى أرضيا تبعيد عين أبييه؛ فل بيد مين هذا الضمار لنيه كان‬
‫عنيد أبييه فيي أرض‪" .‬يخيل" جزم لنيه جواب المير؛ معناه‪ :‬يخلص ويصيفو‪" .‬لكيم وجيه أبيكيم"‬
‫فيقبييل عليكييم بكليتييه‪" .‬وتكونوا ميين بعده" أي ميين بعييد الذنييب‪ ،‬وقيييل‪ :‬ميين بعييد يوسييف‪" .‬قومييا‬
‫صالحين" أي تائبين؛ أي تحدثوا توبة بعد ذلك فيقبلها ال منكم؛ وفي هذا دليل على أن توبة القاتل‬
‫مقبولة‪ ،‬لن ال تعالى لم ينكير هذا القول منهيم‪ .‬وقييل‪" :‬صيالحين" أي يصيلح شأنكيم عنيد أبيكيم مين‬
‫غير أثرة ول تفضيل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬قال قائل منهم ل تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن‬
‫كنتم فاعلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال قائل منهم ل تقتلوا يوسف" القائل هو يهوذا‪ ،‬وهو أكبر ولد يعقوب؛ قاله ابن‬
‫عباس‪ .‬وقيل‪ :‬روبيل‪ ،‬وهو ابن خالته‪ ،‬وهو الذي قال‪" :‬فلن أبرح الرض" [يوسف‪ ]80 :‬الية‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬شمعون‪" .‬وألقوه فيي غيابية الجيب" قرأ أهيل مكية وأهيل البصيرة وأهيل الكوفية "فيي غيابية‬
‫الجيب"‪ .‬وقرأ أهيل المدينية "فيي غيابات الجيب" واختار أبو عبييد التوحيد؛ لنيه على موضيع واحد‬
‫ألقوه فييه‪ ،‬وأنكير الجميع لهذا‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا تضيييق فيي اللغية؛ "وغيابات" على الجميع يجوز‬
‫من وجهين‪ :‬حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلنات‪ ،‬يريد عشية وأصيل‪ ،‬فجعل كل وقت‬
‫منها عشية وأصيل؛ فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة‪ .‬والخر ‪ -‬أن يكون في الجب غيابات‬
‫(جماعة)‪ .‬ويقال‪ :‬غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا‬ ‫أل فالبثا شهرين أو نصف ثالث‬
‫قال الهروي‪ :‬والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء‪ ،‬يغيب الشيء عن العين‪ .‬وقال ابن‬
‫عزيز‪ :‬كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة‪ .‬قلت‪ :‬ومنه قيل للقبر غيابة؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫فسيروا بسيري في العشيرة والهل‬ ‫فإن أنا يوما غيبتني غيابتي‬
‫والجب الركية التي لم تطو‪ ،‬فإذا طويت فهي بئر؛ قال العشى‪:‬‬
‫ورقيت أسباب السماء بسلم‬ ‫لئن كنت في جب ثمانين قامة‬
‫وسميت جبا لنها قطعت في الرض قطعا؛ وجمع الجب جببة وجباب وأجباب؛ وجمع بين الغيابة‬
‫والجب لنه أراد القوة في موضع مظلم من الجب حتى ل يلحقه نظر الناظرين‪ .‬قيل‪ :‬هو بئر بيت‬
‫المقدس‪ ،‬وقيل‪ :‬هو بالردن؛ قال وهب بن منبه‪ .‬مقاتل‪ :‬وهو على ثلثة فراسخ من منزل يعقوب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يلتقطه بعض السيارة" جزم على جواب المر‪ .‬وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن‬
‫وقتادة‪" :‬تلتقطييه" بالتاء‪ ،‬وهذا محمول على المعنييى؛ لن بعييض السيييارة سيييارة؛ وقال سيييبويه‪:‬‬
‫سقطت بعض أصابعه‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫كما شرقت صدر القناة من الدم‬ ‫وتشرق بالقول الذي قد أذعته‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫كما أخذ السرار من الهلل‬ ‫أرى مر السنين أخذن مني‬
‫ولم يقيل شرق ول أخذت‪ .‬والسييارة الجميع الذي يسييرون فيي الطرييق للسيفر؛ وإنميا قال القائل هذا‬
‫حتى ل يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود؛ فإن من التقطه من السيارة يحمله‬
‫إلى موضع بعيد؛ وكان هذا وجها في التدبير حتى ل يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم‪ ،‬فربما ل يأذن‬
‫لهم أبوهم‪ ،‬وربما يطلع على قصدهم‪.‬‬
‫@ وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ل أولً ول آخراً؛ لن النبياء ل يدبرون‬
‫فيي قتيل مسيلم‪ ،‬بيل كانوا مسيلمين‪ ،‬فارتكبوا معصيية ثيم تابوا‪ .‬وقييل‪ :‬كانوا أنيبياء‪ ،‬ول يسيتحيل فيي‬
‫العقييل زلة نييبي‪ ،‬فكانييت هذه زلة منهييم؛ وهذا يرده أن النييبياء معصييومون ميين الكبائر على مييا‬
‫قدمناه‪ .‬وقيل‪ :‬ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم ال؛ وهذا أشبه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال ابين وهيب قال مالك‪ :‬طرح يوسيف فيي الجيب وهيو غلم‪ ،‬وكذلك روى ابين القاسيم عنيه‪،‬‬
‫يعنيي أنيه كان صيغيرا؛ والدلييل علييه قوله تعالى‪" :‬ل تقتلوا يوسيف وألقوه فيي غيابية الجيب يلتقطيه‬
‫بعييض السيييارة" قال‪ :‬ول يلتقييط إل الصييغير؛ وقوله‪" :‬وأخاف أن يأكله الذئب" [يوسييف‪]13 :‬‬
‫وذلك أمير يختيص بالصيغار؛ وقولهيم‪" :‬أرسيله معنيا غدا يرتيع ويلعيب وإنيا له لحافظون" [يوسيف‪:‬‬
‫‪.]12‬‬
‫@ اللتقاط تناول الشيء من الطريق؛ ومنه اللقيط واللقطة‪ ،‬ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه‬
‫اليية والسينة‪ ،‬وميا قال فيي ذلك أهيل العلم واللغية؛ قال ابين عرفية‪ :‬اللتقاط وجود الشييء على غيير‬
‫طلب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬يلتقطه بعض السيارة" أي يجده من غير أن يحتسبه‪ .‬وقد اختلف العلماء‬
‫فيي اللقييط؛ فقييل‪ :‬أصيله الحريية لغلبية الحرار على العبييد؛ وروي عين الحسين بين علي أنيه قضيى‬
‫بأن اللقييط حير‪ ،‬وتل "وشروه بثمين بخيس دراهيم معدودة" [يوسيف‪ ]20 :‬وإلى هذا ذهيب أشهيب‬
‫صيياحب مالك؛ وهييو قول عميير بيين الخطاب‪ ،‬وكذلك روي عيين علي وجماعيية‪ .‬وقال إبراهيييم‬
‫النخعي‪ :‬إن نوى رقه فهو مملوك‪ ،‬وإن نوى الحسبة فهو حر‪ .‬وقال مالك في موطئه‪ :‬المر عندنا‬
‫فيي المنبوذ أنيه حير‪ ،‬وأن ولءه لجماعية المسيلمين‪ ،‬هيم يرثونيه ويعقلون عنيه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي؛‬
‫واحتج بقول عليه السلم‪( :‬وإنما الولء لمن أعتق) قال‪ :‬فنفى الولء عن غير المعتق‪ .‬واتفق مالك‬
‫والشافعييي وأصييحابهما على أن اللقيييط ل يوالي أحدا‪ ،‬ول يرثييه أحييد بالولء‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‬
‫وأصحابه وأكثر الكوفيين‪ :‬اللقيط يوالي من شاء‪ ،‬فمن وله فهو يرثه ويعقل عنه؛ وعند أبي حنيفة‬
‫له أن ينتقل بولئه حيث شاء‪ ،‬ما لم يعقل عنه الذي واله‪ ،‬فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل‬
‫عنيه بولئه أبدا‪ .‬وذكير أبيو بكير بين أبيي شيبية عين علي رضيي ال عنيه‪ :‬المنبوذ حير‪ ،‬فان أحيب أن‬
‫يوالي الذي التقطه واله‪ ،‬وإن أحب أن يوالي غيره واله؛ ونحوه عن عطاء‪ ،‬وهو قول ابن شهاب‬
‫وطائفية مين أهل المدينية‪ ،‬وهو حير‪ .‬قال ابن العربيي‪ :‬إنميا كان أصيل اللقييط الحريية لغلبية الحرار‬
‫على العبييد‪ ،‬فقضيى بالغالب‪ ،‬كميا حكيم أنيه مسيلم أخذا بالغالب؛ فإن كان فيي قريية فيهيا نصيارى‬
‫ومسيلمون قال ابين القاسيم‪ :‬يحكيم بالغلب؛ فإن وجيد علييه زي اليهود فهيو يهودي‪ ،‬وإن وجيد علييه‬
‫زي النصيارى فهيو نصيراني‪ ،‬وإل فهيو مسيلم‪ ،‬إل أن يكون أكثير أهيل القريية على غيير السيلم‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬لو لم يكن فيها إل مسلم واحد قضي للقيط بالسلم تغليبا لحكم السلم الذي يعلو ول‬
‫يعلى عليه‪ ،‬وهو مقتضى قول أشهب؛ قال أشهب‪ :‬هو مسلم أبدا‪ .‬لني أجعله مسلما على كل حال‪،‬‬
‫كميا أجعله حرا على كيل حال‪ .‬واختلف الفقهاء فيي المنبوذ تدل البينية على أنيه عبيد؛ فقالت طائفية‬
‫مين أهيل المدينية‪ :‬ل يقبيل قولهيا فيي ذلك‪ ،‬وإلى هذا ذهيب أشهيب لقول عمير‪ :‬هيو حير؛ ومين قضيى‬
‫بحريتييه لم تقبييل البينيية فييي أنييه عبييد‪ .‬وقال ابيين القاسييم‪ :‬تقبييل البينيية فييي ذلك وهييو قول الشافعييي‬
‫والكوفي‪.‬‬
‫@ قال مالك في اللقيط‪ :‬إذا اتفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على‬
‫الب إن كان طرحيه متعمدا‪ ،‬وإن لم يكين طرحيه ولكنيه ضيل منيه فل شييء على الب‪ ،‬والملتقيط‬
‫متطوع بالنفقيية‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬إذا أنفييق على اللقيييط فهييو متطوع‪ ،‬إل أن يأمره الحاكييم‪ .‬وقال‬
‫الوزاعي‪ :‬كل من أنفق علي من ل تجب عليه نفقة رجع بما أنفق‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إن لم يكن للقيط‬
‫مال وجبت نفقته في بيت المال‪ ،‬فإن لم يكن ففيه قولن‪ :‬أحدهما ‪ -‬يستقرض له في ذمته‪ .‬والثاني‬
‫‪ -‬يقسط على المسلمين من غير عوض‪.‬‬
‫@ وأميا اللقطية والضوال فقيد اختلف العلماء فيي حكمهميا؛ فقالت طائفية مين أهيل العلم‪ :‬اللقطية‬
‫والضوال سواء في المعنى‪ ،‬والحكم فيهما سواء؛ وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي‪ ،‬وأنكر قول‬
‫أبيي عبييد القاسيم بين سيلم ‪ -‬أن الضالة ل تكون إل فيي الحيوان واللقطية فيي غيير الحيوان ‪ -‬وقال‬
‫هذا غلط؛ واحتج بقوله صلى ال عليه وسلم في حديث الفك للمسلمين‪( :‬إن أمكم ضلت قلدتها)‬
‫فأطلق ذلك على القلدة‪.‬‬
‫@ أجميع العلماء على أن اللقطية ميا لم تكين تافهيا يسييرا أو شيئا ل بقاء لهيا فإنهيا تعرف حول‬
‫كامل‪ ،‬وأجمعوا أن صياحبها إن جاء فهيو أحيق بهيا مين ملتقطهيا إذا ثبيت له أنيه صياحبها‪ ،‬وأجمعوا‬
‫أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد‪ .‬صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له‪ ،‬وإن تصدق بها فصاحبها‬
‫مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها‪ ،‬فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع؛ ول تنطلق يد‬
‫ملتقطها عليها بصدقة‪ ،‬ول تصرف قبل الحول‪ .‬وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها‪.‬‬
‫@ واختلف الفقهاء في الفضل من تركها أو أخذها؛ فمن‪ ،‬ذلك أن في الحديث دليل على إباحة‬
‫التقاط اللقطية وأخيذ الضالة ميا لم تكين إبل‪ .‬وقال فيي الشاة‪( :‬لك أو لخييك أو للذئب) يحضيه على‬
‫أخذهيا‪ ،‬ولم يقيل فيي شييء دعوه حتيى يضييع أو يأتييه ربيه‪ .‬ولو كان ترك اللقطية أفضيل لمير بيه‬
‫رسول ال صيلى ال علييه وسيلم كميا قال فيي ضالة البيل‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وجملة مذهب أصيحاب مالك‬
‫أنييه فييي سييعة‪ ،‬إن شاء أخذهييا وإن شاء تركهييا؛ هذا قول إسييماعيل بيين إسييحاق رحمييه ال‪ .‬وقال‬
‫المزنيي عين الشافعيي‪ :‬ل أحيب لحيد ترك اللقطية إن وجدهيا إذا كان أمينيا عليهيا؛ قال‪ :‬وسيواء قلييل‬
‫اللقطة وكثيرها‪.‬‬
‫@ روى الئمة مالك وغيره عن زييد بن خالد الجهنيي قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم فسيأله عين اللقطية فقال‪( :‬اعرف عفاصيها ووكاءهيا ثيم عرفهيا سينة فإن جاء صياحبها وإل‬
‫فشأنك بها) قال‪ :‬فضالة الغنم يا رسول ال؟ قال‪( :‬لك أو لخيك أو للذئب) قال‪ :‬فضالة البل؟ قال‪:‬‬
‫(ميا لك ولهيا معهيا سيقاؤها وحذاؤهيا ترد الماء وتأكيل الشجير حتيى يلقاهيا ربهيا)‪ .‬وفيي حدييث أبيي‬
‫قال‪( :‬احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإل فاستمتع بها) ففي هذا الحديث زيادة‬
‫العدد؛ خرجيه مسيلم وغيره‪ .‬وأجميع العلماء أن عفاص اللقطية ووكاءهيا مين إحدى علماتهيا وأدلهيا‬
‫عليهيا؛ فإذا أتيى صياحب اللقطية بجمييع أوصيافها دفعيت له؛ قال ابين القاسيم‪ :‬يجيبر على دفعهيا؛ فإن‬
‫جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا‪ ،‬وهل يحلف مع الوصاف أو ل؟‬
‫قولن‪ :‬الول لشهيب‪ ،‬والثانيي لبين القاسيم‪ ،‬ول تلزميه بينية عنيد مالك وأصيحابه وأحميد بين حنبيل‬
‫وغيرهم‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬ل تدفع له إل إذا أقام بينة أنها له؛ وهو بخلف نص الحديث؛‬
‫ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى؛ فإنه يستحقها بالبينة‬
‫على كل حال؛ ولما جاز سكوت النبي صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪ ،‬فإنه تأخير البيان عن وقت‬
‫الحاجة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ نيص الحدييث على البيل والغنيم وبين حكمهميا‪ ،‬وسيكت عميا عداهميا مين الحيوان‪ .‬وقيد اختلف‬
‫علماؤنا في البقر هل تلحق بالبل أو بالغنم؟ قولن؛ وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال‬
‫والحمير‪ ،‬وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط‪ ،‬وقال أشهب وابن كنانة‪ :‬ل تلتقط؛ وقول ابن القاسم‬
‫أصح؛ لقول عليه السلم‪( :‬احفظ على أخيك المؤمن ضالته)‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في النفقة على الضوال؛ فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم‪ :‬إن أنفق الملتقط‬
‫على الدواب والبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة‪ ،‬وسواء أنفق عليها بأمر السلطان‬
‫أو بغير أمره؛ قال‪ :‬وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا‬
‫أنفيق على الضوال مين أخذهيا فهيو متطوع؛ حكاه عنيه الربييع‪ .‬وقال المزنيي عنيه‪ :‬إذا أمره الحاكيم‬
‫بالنفقية كانيت دينيا‪ ،‬وميا ادعيى قبيل منيه إذا كان مثله قصيدا‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إذا أنفيق على اللقطية‬
‫والبيل بغيير أمير القاضيي فهيو متطوع‪ ،‬وإن أنفيق بأمير القاضيي فذلك ديين على صياحبها إذا جاء‪،‬‬
‫وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها‪ ،‬والنفقة عليها ثلثة أيام ونحوها‪ ،‬حتى يأمر القاضي ببيع الشاة‬
‫وما أشبهها ويقضي بالنفقة‪.‬‬
‫@ ليس في قوله صلى ال عليه وسلم في اللقطة بعد التعريف‪( :‬فاستمتع بها) أو (فشأنك بها) أو‬
‫(فهي لك) أو (فاستنفقها) أو (ثم كلها) أو (فهو مال ال يؤتيه من يشاء) على ما في صحيح مسلم‬
‫وغيره‪ ،‬ميا يدل على التملييك‪ ،‬وسيقوط الضمان عين الملتقيط إذا جاء ربهيا؛ فان فيي حدييث زييد بين‬
‫خالد الجهني عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء‬
‫صياحبها يوميا مين الدهير فأدهيا إلييه) فيي روايية (ثيم كلهيا فإن جاء صياحبها فأدهيا إلييه) خرجيه‬
‫البخاري ومسيلم‪ .‬وأجميع العلماء على أن صياحبها متيى جاء فهيو أحيق بهيا‪ ،‬إل ميا ذهيب إلييه داود‬
‫من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف؛ لتلك الظواهر‪ ،‬ول التفات لقوله؛ لمخالفة الناس‪ ،‬ولقوله‬
‫عليه السلم‪( :‬فأدها إليه)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 12 - 11 :‬قالوا يا أبانا ما لك ل تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون‪ ،‬أرسله معنا‬
‫غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ييا أبانيا ميا لك ل تأمننيا على يوسيف" قييل للحسين‪ :‬أيحسيد المؤمين؟ قال‪ :‬ميا‬
‫أنسياك ببنيي يعقوب‪ .‬ولهذا قييل‪ :‬الب جلب والخ سيلب؛ فعنيد ذلك أجمعوا على التفرييق بينيه‬
‫وبيين ولده بضرب مين الحتيال‪ .‬وقالوا ليعقوب‪" :‬ييا أبانيا ميا لك ل تأمنيا على يوسيف" وقييل‪ :‬لميا‬
‫تفاوضوا وافترقوا على رأي المتكلم الثانيي عادوا إلى يعقوب علييه السيلم وقالوا هذا القول‪ .‬وفييه‬
‫دلييل على أنهيم سيألوه قبيل ذلك أن يخرج معهيم يوسيف فأبيي علي ميا يأتيي‪ .‬قرأ يزييد بين القعقاع‬
‫وعمرو بين عبييد والزهري "ل تأمنيا" بالدغام‪ ،‬وبغيير إشمام وهيو القياس؛ لن سيبيل ميا يدغيم أن‬
‫يكون سياكنا‪ .‬وقرأ طلحية بين مصيرف "ل تأمننيا" بنونيين ظاهرتيين على الصيل‪ .‬وقرأ يحييى بين‬
‫وثاب وأبيو رزبين ‪ -‬وروي عين العميش ‪" -‬ول تيمنيا" بكسير التاء‪ ،‬وهيي لغية تمييم؛ يقولون‪ :‬أنيت‬
‫تضرب؛ وقيد تقدم‪ .‬وقرأ سيائر الناس بالدغام والشمام ليدل على حال الحرف قبيل إدغاميه‪" .‬وإنيا‬
‫له لناصيحون" أي فيي حفظيه وحيطتيه حتيى نرده إلييك‪ .‬قال مقاتيل‪ :‬فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛ وذلك‬
‫أن إخوة يوسف قالوا لبيهم‪" :‬أرسله معنا غدا" الية؛ فحينئذ قال أبوهم‪" :‬إني ليحزنني أن تذهبوا‬
‫بيه" [يوسيف‪ ]13 :‬فقالوا حينئذ جوابيا لقوله‪" :‬ميا لك ل تأمنيا على يوسيف" اليية‪" .‬أرسيله معنيا‬
‫غدا" إلى الصيحراء‪" .‬غدا" ظرف‪ ،‬والصيل عنيد سييبويه غدو‪ ،‬وقيد نطيق بيه على الصيل؛ قال‬
‫النضير بين شمييل‪ :‬ميا بيين الفجير وصيلة الصيبح يقال له غدوة‪ ،‬وكذا بكرة‪" .‬يرتيع ويلعيب" بالنون‬
‫وإسيكان العيين قراءة أهيل البصيرة‪ .‬والمعروف مين قراءة أهيل مكية‪" .‬نرتيع" بالنون وكسير العيين‪.‬‬
‫وقراءة أهل الكوفة‪" .‬يرتع ويلعب" بالياء وإسكان العين‪ .‬وقراءة أهل المدينة بالياء وكسر العين؛‬
‫القراءة الولى ميين قول العرب رتييع النسييان والبعييير إذا أكل كيييف شاءا؛ والمعنييى‪ :‬نتسييع فييي‬
‫الخصب؛ وكل مخصب راتع؛ قال‪:‬‬
‫فارعي فزارة ل هناك المرتع‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فإنما هي إقبال وإدبار‬ ‫ترتع ما غفلت حتى إذا أدكرت‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وبعد عطائك المائة الرتاعا‬ ‫أكفرا بعد رد الموت عني‬
‫أي الراتعية لكثرة المرعيى‪ .‬وروى معمير عين قتادة "ترتيع" تسيعى؛ قال النحاس‪ :‬أخذه مين قوله‪:‬‬
‫"إنا ذهبنا نستبق" لن المعنى‪ :‬نستبق في العدو إلى غاية بعينها؛ وكذا "يرتع" بإسكان العين‪ ،‬إل‬
‫أنيه ليوسيف وحده صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬و"يرتيع" بكسير العيين مين رعيي الغنيم‪ ،‬أي ليتدرب بذلك‬
‫ويرتجل؛ فمرة يرتع‪ ،‬ومرة يلعب لصغره‪ .‬وقال القتبي "نرتع" نتحارس ونتحافظ‪ ،‬ويرعى بعضنا‬
‫بعضا؛ مين قولك‪ :‬رعاك ال؛ أي حفظيك‪" .‬ونلعيب" من اللعيب وقيل لبيي عمرو بن العلء‪ :‬كييف‬
‫قالوا "ونلعب" وهم أنبياء؟ فقال‪ :‬لم يكونوا يومئذ أنبياء‪ .‬وقيل‪ :‬المراد باللعب المباح من النبساط‪،‬‬
‫ل اللعيب المحظور الذي هيو ضيد الحيق؛ ولذلك لم ينكير يعقوب قولهيم "ونلعيب"‪ .‬ومنيه قوله علييه‬
‫السييلم‪( :‬فهل بكرا تلعبهييا وتلعبييك)‪ .‬وقرأ مجاهييد وقتادة‪" :‬يرتييع" على معنييى يرتييع مطيتييه‪،‬‬
‫فحذف المفعول؛ "ويلعيب" بالرفيع على السيتئناف؛ والمعنيى‪ :‬هيو ممين يلعيب "وإنيا له لحافظون"‬
‫من كل ما تخاف عليه‪ .‬ثم يحتمل أنهم كانوا يخرجون ركبانا‪ ،‬ويحتمل أنهم كانوا رجّالة‪ .‬وقد نقل‬
‫أنهيم حملوا يوسيف على أكتافهيم ميا دام يعقوب يراهيم‪ ،‬ثيم لميا غابوا عين عينيه طرحوه ليعدو معهيم‬
‫إضرارا به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 14 - 13 :‬قال إنيي ليحزننيي أن تذهبوا بيه وأخاف أن يأكله الذئب وأنتيم عنيه‬
‫غافلون‪ ،‬قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال إني ليحزنني أن تذهبوا به" في موضع رفع؛ أي ذهابكم به‪ .‬أخبر عن حزنه‬
‫لغيبتيه‪" .‬وأخاف أن يأكله الذئب" وذلك أنيه رأى فيي مناميه أن الذئب شيد على يوسيف‪ ،‬فلذلك خافيه‬
‫عليه؛ قال الكلبي‪ .‬وقيل‪ :‬إنه رأى في منامه كأنه على ذروة جبل‪ ،‬وكأن يوسف في بطن الوادي‪،‬‬
‫فإذا عشرة مين الذئاب قيد احتوشتيه ترييد أكله‪ ،‬فدرأ عنيه واحيد‪ ،‬ثيم انشقيت الرض فتوارى يوسيف‬
‫فيهيا ثلثية أيام؛ فكانيت العشرة إخوتيه‪ ،‬لميا تمالؤوا على قتله‪ ،‬والذي دافيع عنيه أخوه الكيبر يهوذا‪،‬‬
‫وتوارييه فيي الرض هيو مقاميه فيي الجيب ثلثية أيام‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا قال ذلك لخوفيه منهيم علييه‪ ،‬وأنيه‬
‫أرادهيم بالذئب؛ فخوفيه إنميا كان مين قتلهيم له‪ ،‬فكنيى عنهيم بالذئب مسياترة لهيم؛ قال ابين عباس‪:‬‬
‫فسماهم ذئابا‪ .‬وقيل‪ :‬ما خافهم عليه‪ ،‬ولو خافهم لما أرسله معهم‪ ،‬وإنما خاف الذئب؛ لنه أغلب ما‬
‫يخاف في الصحارى‪ .‬والذئب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه؛ كذا قال أحمد بن‬
‫يحيى؛ قال‪ :‬والذئب مهموز لنه يجيء من كل وجه‪ .‬وروى ورش عن نافع "الذيب" بغير همز‪،‬‬
‫لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها كرة فخففها صارت ياء‪" .‬وأنتم عنه غافلون" أي مشغلون بالرعي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة" أي جماعة نرى الذئب ثم ل نرده عنه‪" .‬إنا‬
‫إذا لخاسرون" أي في حفظنا أغنامنا؛ أي إذا كنا ل نقدر على دفع الذئب عن أخينا فنحن أعجز أن‬
‫ندفعه عن أغنامنا‪ .‬وقيل‪" :‬لخاسرون" لجاهلون بحقه‪ .‬وقيل‪ :‬لعاجزون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم‬
‫هذا وهم ل يشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه" "أن" في موضع نصب؛ أي على أن يجعلوه‬
‫في غيابة الجب‪ .‬قيل في القصة‪ :‬إن يعقوب عليه السلم لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقا غليظا‬
‫ليحفظنيه‪ ،‬وسيلمه إلى روبييل وقال‪ :‬ييا روبييل إنيه صيغير‪ ،‬وتعلم ييا بنيي شفقتيي علييه؛ فإن جاع‬
‫فأطعمييه‪ ،‬وإن عطييش فاسييقه‪ ،‬وإن أعيييا فاحمله ثييم عجييل برده إلي‪ .‬قال‪ :‬فأخذوا يحملونييه على‬
‫أكتافهيم‪ ،‬ل يضعيه واحيد إل رفعيه آخير‪ ،‬ويعقوب يشيعهيم ميل ثيم رجيع؛ فلميا انقطيع بصير أبيهيم‬
‫عنهيم رماه الذي كان يحمله إلى الرض حتيى كاد ينكسير‪ ،‬فالتجيأ إلى آخير فوجيد عنيد كيل واحيد‬
‫منهم أشد مما عند الخر من الغيظ والعسف؛ فاستغاث بروبيل وقال‪( :‬أنت أكبر إخوتي‪ ،‬والخليفة‬
‫مين بعيد والدي علي‪ ،‬وأقرب الخوة إلي‪ ،‬فارحمنيي وارحيم ضعفيي) فلطميه لطمية شديدة وقال‪ :‬ل‬
‫قرابية بينيي وبينيك‪ ،‬فادع الحيد عشير كوكبيا فلتنجيك منيا؛ فعلم أن حقدهيم مين أجيل رؤياه‪ ،‬فتعلق‬
‫بأخييه يهوذا وقال‪ :‬ييا أخيي ارحيم ضعفيي وعجزي وحداثية سيني‪ ،‬وارحيم قلب أبييك يعقوب؛ فميا‬
‫أسيرع ميا تناسييتم وصييته ونقضتيم عهده؛ فرق قلب يهوذا فقال‪ :‬وال ل يصيلون إلييك أبدا ميا دميت‬
‫حيا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا إخوتاه إن قتل النفس التي حرم ال من أعظم الخطايا‪ ،‬فردوا هذا الصبي إلى أبيه‪،‬‬
‫ونعاهده أل يحدث والده بشييييء مميييا جرى أبدا؛ فقال له إخوتيييه‪ :‬وال ميييا ترييييد إل أن تكون لك‬
‫المكانيية عنييد يعقوب‪ ،‬وال لئن لم تدعييه لنقتلنييك معييه‪ ،‬قال‪ :‬فإن أبيتييم إل ذلك فههنييا هذا الجييب‬
‫الموحش القفر‪ ،‬الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه‪ ،‬فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد‪،‬‬
‫وقييد اسييترحتم ميين دمييه‪ ،‬وإن انفلت على أيدي سيييارة يذهبون بييه إلى أرض فهييو المراد؛ فأجمييع‬
‫رأيهييم على ذلك؛ فهييو قوله ال تعالى‪" :‬فلمييا ذهبوا بييه وأجمعوا أن يجعلوه فييي غيابيية الجييب"‬
‫وجواب "لميا" محذوف؛ أي فلميا ذهبوا بيه وأجمعوا على طرحيه فيي الجيب عظميت فتنتهيم‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫جواب "لميا" قولهيم‪" :‬قالوا ييا أبانيا إنيا ذهبنيا نسيتبق" [يوسيف‪ .]17 :‬وقييل‪ :‬التقديير فلميا ذهبوا بيه‬
‫مين عنيد أبيهيم وأجمعوا أن يجعلوه فيي غيابية الجيب جعلوه فيهيا‪ ،‬هذا على مذهيب البصيريين؛ وأميا‬
‫على قول الكوفييين فالجواب‪" .‬أوحينيا" والواو مقحمية‪ ،‬والواو عندهيم تزاد ميع لميا وحتيى؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬حتيى إذا جاؤوهيا وفتحيت أبوابهيا" [الزمير‪ ]73 :‬أي فتحيت وقوله‪" :‬حتيى إذا جاء أمرنيا‬
‫وفار التنور" [هود‪ ]40 :‬أي فار‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى‬
‫أي انتحيى؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬فلميا أسيلما وتله للجيبين وناديناه" [الصيافات‪ ]104 - 103 :‬أي‬
‫ناديناه‪ .‬وفي قوله‪" :‬وأوحينا إليه" دليل على نبوته في ذلك الوقت‪ .‬قال الحسن ومجاهد والضحاك‬
‫وقتادة‪ :‬أعطاه ال النبوة وهو في الجب على حجر مرتفع عن الماء‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬ألقي في الجب‪،‬‬
‫وهيو ابين ثمانيي عشرة سينة‪ ،‬فميا كان صيغيرا؛ ومين قال كان صيغيرا فل يبعيد فيي العقيل أن يتنبيأ‬
‫الصيغير ويوحيى إلييه‪ .‬وقييل‪ :‬كان وحيي إلهام كقوله‪" :‬وأوحيى ربيك إلى النحيل" [النحيل‪.]68 :‬‬
‫وقيل‪ :‬كان مناما‪ ،‬والول أظهر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬وأن جبريل جاءه بالوحي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتنبئنهيم بأمرهيم هذا" فييه وجهان‪ :‬أحدهميا‪ :‬أنيه أوحيى إلييه أنيه سييلقاهم ويوبخهيم‬
‫على ميا صينعوا؛ فعلى هذا يكون الوحيي بعيد إلقائه فيي الجيب تقويية لقلبيه‪ ،‬وتبشيرا له بالسيلمة‪.‬‬
‫الثانيي‪ :‬أنيه أوحيى إلييه بالذي يصينعون بيه؛ فعلى هذا يكون الوحيي قبيل إلقائه فيي الجيب إنذارا له‪.‬‬
‫"وهم ل يشعرون" أنك يوسف؛ وذلك أن ال تعالى أمره لما أفضى إليه المر بمصر أل يخبر أباه‬
‫وإخوتيه بمكانيه‪ .‬وقييل‪ :‬بوحيي ال تعالى بالنبوة؛ قاله ابين عباس ومجاهيد‪ .‬وقييل‪" :‬الهاء" ليعقوب؛‬
‫أوحى ال تعالى إليه ما فعلوه بيوسف‪ ،‬وأنه سيعرفهم بأمره‪ ،‬وهم ل يشعرون بما أوحى ال إليه‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬ومميا ذكير مين قصيته إذ ألقيي فيي الجيب ميا ذكره السيدي وغيره أن إخوتيه لميا جعلوا‬
‫يدلونييه فييي البئر‪ ،‬تعلق بشفييير البئر‪ ،‬فربطوا يديييه ونزعوا قميصييه؛ فقال‪ :‬يييا إخوتاه ردوا علي‬
‫قميصي أتوارى به في هذا الجب‪ ،‬فان مت كان كفني‪ ،‬وإن عشت أواري به عورتي؛ فقالوا‪ :‬ادع‬
‫الشميس والقمير والحيد عشير كوكبيا فلتؤنسيك وتكسيك؛ فقال‪ :‬إنيي لم أر شيئا‪ ،‬فدلوه فيي البئر حتيى‬
‫إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت؛ فكان في البئر ماء فسقط فيه‪ ،‬ثم آوى إلى صخرة فقام‬
‫عليهيا‪ .‬وقييل‪ :‬إن شمعون هيو الذي قطيع الحبيل إرادة أن يتفتيت على الصيخرة‪ ،‬وكان جبرييل تحيت‬
‫ساق العرش‪ ،‬فأوحى ال إليه أن أدرك عبدي؛ قال جبريل‪ :‬فأسرعت وهبطت حتى عارضته بين‬
‫الرميي والوقوع فأقعدتيه على الصيخرة سيالما‪ .‬وكان ذلك الجيب مأوى الهوام؛ فقام على الصيخرة‬
‫وجعيل يبكيي‪ ،‬فنادوه‪ ،‬فظين أنهيا رحمية علييه أدركتهيم‪ ،‬فأجابهيم؛ فأرادوا أن يرضخوه بالصيخرة‬
‫فمنعهيم يهوذا‪ ،‬وكان يهوذا يأتييه بالطعام؛ فلميا وقيع عريانيا نزل جبرييل إلييه؛ وكان إبراهييم حيين‬
‫ألقيي فيي النار عريانيا أتاه جبرييل بقمييص مين حريير الجنية فألبسيه إياه‪ ،‬فكان ذلك عنيد إبراهييم‪ ،‬ثيم‬
‫ورثه إسحاق‪ ،‬ثم ورثه يعقوب‪ ،‬فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في‬
‫عنقيه‪ ،‬فكان ل يفارقيه؛ فلميا ألقيي فيي الجيب عريانيا أخرج جبرييل دلك القمييص فألبسيه إياه‪ .‬قال‬
‫وهيب‪ :‬فلميا قام على الصيخرة قال‪ :‬ييا إخوتاه إن لكيل مييت وصيية‪ ،‬فاسيمعوا وصييتي‪ ،‬قالوا‪ :‬وميا‬
‫هي؟ قال‪ :‬إذا اجتمعتم كلكم فأنس بعضكم بعضا فاذكروا وحشتي‪ ،‬وإذا أكلتم فاذكروا جوعي‪ ،‬وإذا‬
‫شربتيم فاذكروا عطشيي‪ ،‬وإذا رأيتيم غريبيا فاذكروا غربتيي‪ ،‬وإذا رأيتيم شابيا فاذكروا شبابيي؛ فقال‬
‫له جبريل‪ :‬يا يوسف كف عن هذا واشتغل بالدعاء‪ ،‬فإن الدعاء عند ال بمكان؛ ثم علمه فقال‪ :‬قل‬
‫اللهم يا مؤنس كل غريب‪ ،‬ويا صاحب كل وحيد‪ ،‬ويا ملجأ كل خائف‪ ،‬ويا كاشف كل كربة‪ ،‬ويا‬
‫عالم كيل نجوى‪ ،‬وييا منتهيى كيل شكوى‪ ،‬وييا حاضير سير كيل مل‪ ،‬ييا حيي ييا قيوم أسيألك أن تقذف‬
‫رجاءك في قلبي‪ ،‬حتى ل يكون لي هم ول شغل غيرك‪ ،‬وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا‪،‬‬
‫إنيك على كيل شييء قديير؛ فقالت الملئكية‪ :‬إلهنيا نسيمع صيوتا ودعاء‪ ،‬الصيوت صيوت صيبي‪،‬‬
‫والدعاء دعاء نيبي‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬نزل جبرييل علييه السيلم على يوسيف وهيو فيي الجيب فقال له‪:‬‬
‫أل أعلميك كلمات إذا انيت قلتهين عجيل ال لك خروجيك مين هذا الجيب؟ فقال‪ :‬نعيم فقال له‪ :‬قيل ييا‬
‫صانع كل مصنوع‪ ،‬ويا جابر كل كسير‪ ،‬ويا شاهد كل نجوى‪ ،‬ويا حاضر كل مل‪ ،‬ويا مفرج كل‬
‫كربية‪ ،‬وييا صياحب كيل غرييب‪ ،‬وييا مؤنيس كيل وحييد‪ ،‬ايتنيي بالفرج والرجاء‪ ،‬واقذف رجاءك فيي‬
‫قلبي حتى ل أرجو أحدا سواك؛ فرددها يوسف في ليلته مرارا؛ فأخرجه ال في صبيحة يومه ذلك‬
‫من الجب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬وجاؤوا أباهم عشاء يبكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاؤوا أباهم عشاء" أي ليل‪ ،‬وهو ظرف يكون في موضع الحال؛ وإنما جاؤوا‬
‫عشاء ليكونوا أقدر على العتذار فيي الظلمية‪ ،‬ولذا قييل‪ :‬ل تطلب الحاجية باللييل‪ ،‬فإن الحياء فيي‬
‫العينيين‪ ،‬ول تعتذر بالنهار مين ذنيب فتتلجلج فيي العتذار؛ فروي أن يعقوب علييه السيلم لميا سيمع‬
‫بكاءهم قال‪ :‬ما بكم؟ أجرى في الغنم شيء؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فأين يوسف؟ قالوا‪ :‬ذهبنا نستبق فأكله‬
‫الذئب‪ ،‬فبكيى وصياح وقال‪ :‬ابين قميصيه؟ على ميا يأتيي بيانيه إن شاء ال‪ .‬وقال السيدي وابين حبان‪:‬‬
‫إنيه لميا قالوا أكله الذئب خير مغشييا علييه‪ ،‬فأفاضوا علييه الماء فلم يتحرك‪ ،‬ونادوه فلم يجيب؛ قال‬
‫وهب‪ :‬ولقد وضع يهوذا يده على مخارج نفس يعقوب فلم يحس بنفس‪ ،‬ولم يتحرك له عرق؛ فقال‬
‫لهيم يهوذا‪ :‬ويل لنيا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا‪ ،‬وقتلنا أبانا‪ ،‬فلم يفيق يعقوب إل ببرد السيحر‪،‬‬
‫فأفاق ورأسه في حجر روبيل؛ فقال‪ :‬يا روبيل ألم آتمنك على ولدي؟ ألم أعهد إليك عهدا؟ فقال‪ :‬يا‬
‫أبيت كيف عنيي بكاءك أخيبرك؛ فكيف يعقوب بكاءه فقال‪ :‬ييا أبيت "إنيا ذهبنيا نسيتبق وتركنيا يوسيف‬
‫عند متاعنا فأكله الذئب"‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬هذه الية دليل على أن بكاء المرء ل يدل على صدق مقاله‪ ،‬لحتمال أن يكون‬
‫تصنعا؛ فمن الخلق من يقدر على ذلك‪ ،‬ومنهم من ل يقدر‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الدمع المصنوع ل يخفى؛‬
‫كما قال حكيم‪:‬‬
‫تبين من بكى ممن تباكى‬ ‫إذا اشتبكت دموع في خدود‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 17 :‬قالوا ييا أبانيا إنيا ذهبنيا نسيتبق وتركنيا يوسيف عنيد متاعنيا فأكله الذئب وميا أنيت‬
‫بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نستبق" نفتعل‪ ،‬من‪ ،‬المسابقة‪ .‬وقيل‪ :‬أي ننتضل؛ وكذا في قراءة عبدال "إنا ذهبنا‬
‫ننتضيل" وهيو نوع مين المسيابقة؛ قاله الزجاج‪ .‬وقال الزهري‪ :‬النضال فيي السيهام‪ ،‬والرهان فيي‬
‫الخييل‪ ،‬والمسيابقة تجمعهميا‪ .‬قال القشيري أبيو نصير‪" :‬نسيتبق" أي فيي الرميي‪ ،‬أو على الفرس؛ أو‬
‫على القدام؛ والغرض ميين المسييابقة على القدام تدريييب النفييس على العدو‪ ،‬لنييه اللة فييي قتال‬
‫العدو‪ ،‬ودفع الذئب عن الغنام‪ .‬وقال السدي وابن حبان‪" :‬نستبق" نشتد جريا لنرى أينا أسبق‪ .‬قال‬
‫ابين العربيي‪ :‬المسيابقة شرعية فيي الشريعية‪ ،‬وخصيلة بديعية‪ ،‬وعون على الحرب؛ وقيد فعلهيا صيلى‬
‫ال عليه وسلم بنفسه وبخيله‪ ،‬وسابق عائشة رضي ال عنها على قدميه فسبقها؛ فلميا كبر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم سابقها فسبقته؛ فقال لها‪( :‬هذه بتلك)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وسيابق سيلمة بين الكوع رجل لميا رجعوا مين ذي قرد إلى المدينية فسيبقه سيلمة؛ خرجيه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫@ وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سابق بين الخيل التي‬
‫قيد أضمرت مين الحفياء وكان أمدهيا ثنيية الوداع‪ ،‬وسيابق بيين الخييل التيي لم تضمير مين الثنيية إلى‬
‫مسيجد بنيي زرييق‪ ،‬وأن عبدال بين عمير كان ممين سيابق بهيا؛ وهذا الحدييث ميع صيحته فيي هذا‬
‫الباب تضمين ثلثية شروط؛ فل تجوز المسيابقة بدونهيا‪ ،‬وهيي‪ :‬أن المسيافة ل بيد أن تكون معلومية‪.‬‬
‫الثانيي‪ :‬أن تكون الخييل متسياوية الحوال‪ .‬الثالث‪ :‬أل يسيابق المضمير ميع غيير المضمير فيي أميد‬
‫واحد وغاية واحدة‪ .‬والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها‪ ،‬وتقام هذه السنة فيها هي الخيل‬
‫المعدة لجهاد العدو ل لقتال المسلمين في الفتن‪.‬‬
‫@ وأما المسابقة بالنصال والبل؛ فروى مسلم عن عبدال بن عمرو قال‪ :‬سافرنا مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فنزلنا منزل فمنا من يصلح خباءه‪ ،‬ومنا من ينتضل‪ ،‬وذكر الحديث‪ .‬وخرج‬
‫النسائي عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل سبق إل في نصل أو خف أو‬
‫حافير)‪ .‬وثبيت ذكير النصيل مين حدييث ابين أبيي ذئب عين نافيع بين أبيي نافيع عين أبيي هريرة‪ ،‬ذكره‬
‫النسييائي؛ وبييه يقول فقهاء الحجاز والعراق‪ .‬وروى البخاري عيين أنييس قال‪ :‬كان للنييبي صييلى ال‬
‫علييه وسيلم ناقية تسيمى العضباء ل تسيبق ‪ -‬قال حمييد‪ :‬أول تكاد تسيبق ‪ -‬فجاء أعرابيي على قعود‬
‫فسيبقها‪ ،‬فشيق ذلك على المسيلمين حتيى عرفيه؛ فقال‪( :‬حيق على ال أل يرتفيع شييء مين الدنييا إل‬
‫وضعه)‪.‬‬
‫@ أجمع المسلمون على أن السبق ل يجوز على وجه الرهان إل في الخف‪ ،‬والحافر والنصل؛‬
‫قال الشافعي‪ :‬ما عدا هذه الثلثة فالسبق فيها قمار‪ .‬وقد زاد أبو البختري القاضي في حديث الخف‬
‫والحافير والنصيل "أو جناح" وهيي لفظية وضعهيا للرشييد‪ ،‬فترك العلماء حديثيه لذلك ولغيره مين‬
‫موضوعاتيه؛ فل يكتيب العلماء حديثيه بحال‪ .‬وقيد روي عين مالك أنيه قال‪ :‬ل سيبق إل فيي الخييل‬
‫والرمييي‪ ،‬لنييه قوة على أهييل الحرب؛ قال‪ :‬وسييبق الخيييل أحييب إلينييا ميين سييبق الرمييي‪ .‬وظاهيير‬
‫الحديث يسوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل‪ .‬وقد منع بعض العلماء الرهان في كل‬
‫شيء إل في الخيل؛ لنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها‪ .‬وروي عن عطاء أن المراهنة‬
‫فييي كييل شيييء جائزة؛ وقييد تُؤُول قوله؛ لن حمله على العموم فييي كييل شيييء يؤدي إلى‪ ،‬إجازة‬
‫القمار‪ ،‬وهو محرم باتفاق‪.‬‬
‫@ ل يجوز السبق في الخيل والبل إل في غاية معلومة وأمد معلوم‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬وكذلك الرمي‬
‫ل يجوز السيبق فييه إل بغايية معلومية ورشيق معلوم‪ ،‬ونوع مين الصيابة؛ مشترط خسيقا أو إصيابة‬
‫بغيير شرط‪ .‬والسيباق ثلثية‪ :‬سيبق يعطييه الوالي أو الرجيل غيير الوالي مين ماله متطوعيا فيجعيل‬
‫للسييابق شيئا معلومييا؛ فميين سييبق أخذه‪ .‬وسييبق يخرجييه أحييد المتسييابقين دون صيياحبه‪ ،‬فإن سييبقه‬
‫صياحبه أخذه‪ ،‬وإن سيبق هيو صياحبه أخذه‪ ،‬وحسين أن يمضييه فيي الوجيه الذي أخرجيه له‪ ،‬ول‬
‫يرجيع إلى ماله؛ وهذا مميا ل خلف فييه‪ .‬والسيبق الثالث‪ :‬اختلف فييه؛ وهيو أن يخرج كيل واحيد‬
‫منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه‪ ،‬فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه؛ وهذا الوجه ل يجوز‬
‫حتيى يدخل بينهميا محلل ل يأمنيا أن يسيبقهما؛ فإن سيبق المحلل أحرز السيبقين جميعيا وأخذهميا‬
‫وحده‪ ،‬وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه؛ ول شيء للمحلل فيه‪ ،‬ول شيء‬
‫عليه‪ .‬وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما‪ .‬وقال أبو علي بن خيران ‪ -‬من‬
‫أصييحاب الشافعييي ‪ : -‬وحكييم الفرس المحلل أن يكون مجهول جريييه؛ وسييمي محلل لنييه يحلل‬
‫السييبق للمتسييابقين أوله‪ .‬واتفييق العلماء على أنييه إن لم يكيين بينهمييا محلل واشترط كييل واحييد ميين‬
‫المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه أنه قمار‪ ،‬ول يجوز‪ .‬وفي سنن أبي داود عن أبي‬
‫هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين أدخيل فرسيا بيين فرسيين وهيو ل يأمين أن يسيبق‬
‫فلييس بقمار ومين أدخله وهيو يأمين أن يسيبق فهيو قمار)‪ .‬وفيي الموطيأ عين سيعيد بين المسييب قال‪:‬‬
‫لييس برهان الخييل بأس إذا دخيل فيهيا محلل‪ ،‬فإن سيبق أخيذ السيبق‪ ،‬وإن سيبق لم يكين علييه شييء؛‬
‫وبهذا قال‪ ،‬الشافعي وجمهور أهل العلم‪ .‬واختلف في ذلك قول مالك؛ فقال مرة ل يجب المحلل في‬
‫الخيل‪ ،‬ول نأخذ فيه بقول سعيد‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل يجوز إل بالمحلل؛ وهو الجود من قوله‪.‬‬
‫@ ول يحمل على الخيل والبل في المسابقة إل محتلم‪ ،‬ولو ركبها أربابها كان أولى؛ وفد روي‬
‫عيين عميير بيين الخطاب رضييي ال عنييه أنييه قال‪ :‬ل يركييب الخيييل فييي السييباق إل أربابهييا‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬وأقيل السيبق أن يسيبق بالهادي أو بعضيه؛ أو بالكفيل أو بعضيه‪ .‬والسيبق مين الرماة على‬
‫هذا النحو عنده؛ وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي‪.‬‬
‫@ روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سابق‪ ،‬أبا بكر وعمر رضي ال عنهما‪ ،‬فسبق رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وصيلى أبيو بكير وثلث عمير؛ ومعنيى وصيلى أبيو بكير‪ :‬يعنيي أن رأس‬
‫فرسه كان عند صل فرس رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والصلوان موضع العجز‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتركنيا يوسيف عنيد متاعنيا" أي عنيد ثيابنيا وأقمشتنيا حارسيا لهيا‪" .‬فأكله الذئب"‬
‫وذلك أنهيم لميا سيمعوا أباهيم يقول‪" :‬وأخاف أن يأكله الذئب" أخذوا ذلك مين فييه فتحرموا بيه؛ لنيه‬
‫كان أظهر المخاوف عليه‪" .‬وما أنت بمؤمن لنا" أي بمصدق‪" .‬ولو كنا" أي وإن كنا؛ قاله المبرد‬
‫وابين إسيحاق‪" .‬صيادقين" فيي قولنيا؛ ولم يصيدقهم يعقوب لميا ظهير له منهيم مين قوة التهمية وكثرة‬
‫الدلة على خلف ميا قالوه على ميا يأتيي‪ ،‬بيانيه‪ .‬وقييل‪" :‬ولو كنيا صيادقين" أي ولو كنيا عندك مين‬
‫أهيل الثقية ولصيدق ميا صيدقتنا‪ ،‬ول تهمتنيا فيي هذه القضيية‪ ،‬لشدة محبتيك فيي يوسيف؛ قال معناه‬
‫الطبري والزجاج وغيرهما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل وال‬
‫المستعان على ما تصفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بدم كذب" قال مجاهد‪ :‬كان دم سخلة أو جدي ذبحوه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان دم ظبية؛‬
‫أي جاؤوا على قميصييه بدم مكذوب فيييه‪ ،‬فوصييف الدم بالمصييدر‪ ،‬فصييار تقديره‪ :‬بدم ذي كذب؛‬
‫مثيل‪" :‬وسيئل القريية" [يوسيف‪ ]82 :‬والفاعيل والمفعول قيد يسيميان بالمصيدر؛ يقال‪ :‬هذا ضرب‬
‫المير‪ ،‬أي مضروبه وماء سكب أي مسكوب‪ ،‬وماء غور أي غائر‪ ،‬ورجل عدل أي عادل‪.‬‬
‫وقرأ الحسييين وعائشييية‪" :‬بدم كدب" بالدال غيييير المعجمييية‪ ،‬أي بدم طري؛ يقال للدم الطري‬
‫الكدب‪ .‬وحكيي أنيه المتغيير؛ قاله الشعيبي‪ .‬والكدب أيضيا البياض الذي يخرج فيي أظفار الحداث؛‬
‫فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اختلف اللونين‪.‬‬
‫@ قال علماؤنيا رحمية ال عليهيم‪ :‬لميا أرادوا أن يجعلوا الدم علمية على صيدقهم قرن ال بهذه‬
‫العلمية علمية تعارضهيا‪ ،‬وهيي سيلمة القمييص مين التنيييب؛ إذ ل يمكين افتراس الذئب ليوسيف‬
‫وهو لبس القميص ويسلم القميص من التخريق؛ ولما تأمل يعقوب عليه السلم القميص فلم يجد‬
‫فيه خرقا ول أثرا استدل بذلك على كذبهم‪ ،‬وقال لهم‪ :‬متى كان هذا الذئب‪ ،‬حكيما يأكل يوسف ول‬
‫يخرق القميص! قاله ابن عباس وغيره؛ روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬كان الدم دم سخلة‪ .‬وروى سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬لما نظر‬
‫إلييه قال كذبتيم؛ لو كان الذئب أكله لخرق القمييص‪ .‬وحكيى الماوردي أن فيي القمييص ثلث آيات‪:‬‬
‫حين جاؤوا عليه بدم كذب‪ ،‬وحين قد قميصه من دبر‪ ،‬وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا مردود؛ فإن القمييص الذي جاؤوا علييه بالدم غيير القمييص الذي قُد‪ ،‬وغيير القمييص‬
‫الذي أتاه البشيير بيه‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن القمييص الذي قُد هيو الذي أتيي بيه فارتيد بصييرا‪ ،‬على ميا يأتيي‬
‫بيانيه آخيير السيورة إن شاء ال تعالى‪ .‬وروي أنهييم قالوا له‪ :‬بيل اللصيوص قتلوه؛ فاختلف قولهيم‪،‬‬
‫فاتهمهييم‪ ،‬فقال لهييم يعقوب‪ :‬تزعمون أن الذئب أكله‪ ،‬ولو أكله لشييق قميصييه قبييل أن يفضييي إلى‬
‫جلده‪ ،‬وميا أرى بالقمييص مين شيق؛ وتزعمون أن اللصيوص قتلوه‪ ،‬ولو قتلوه لخذوا قميصيه؛ هيل‬
‫يريدون إل ثيابه؟! فقالوا عند ذلك‪" :‬وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين" عن الحسن وغيره؛ أي‬
‫لو كنا موصوفين بالصدق ل تهمتنا‪.‬‬
‫@ استدل الفقهاء بهذه الية في إعمال المارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها‪ ،‬وأجمعوا‬
‫على أن يعقوب عليه السلم ستدل على كذبهم بصحة القميص؛ وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ‬
‫المارات والعلمات إذا تعارضت‪ ،‬فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح‪ ،‬وهي قوة التهمة؛ ول‬
‫خلف بالحكم بها‪ ،‬قاله بن العربي‪.‬‬
‫@ روي أن يعقوب لمييا قالوا له‪" :‬فأكله الذئب" قال لهييم‪ :‬ألم يترك الذئب له عضوا فتأتونييي بييه‬
‫أسيتأنس بيه؟! ألم يترك لي ثوبيا أشيم فييه رائحتيه؟ قالوا‪ :‬بلى! هذا قميصيه ملطوخ بدميه؛ فذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬وجاؤوا على قميصه بدم كذب" فبكى يعقوب عند ذلك وقال‪ ،‬لبنيه‪ :‬أروني قميصه‪ ،‬فأروه‬
‫فشميه وقبله‪ ،‬ثيم جعيل يقلبيه فل يرى فييه شقيا ول تمزيقيا‪ ،‬فقال‪ :‬وال الذي ل إله إل هيو ميا رأييت‬
‫كاليوم ذئبيا أحكيم منيه؛ أكيل ابنيي واختلسيه مين قميصيه ولم يمزقيه علييه؛ وعلم أن المير لييس كميا‬
‫قالوا‪ ،‬وأن الذئب لم يأكله‪ ،‬فأعرض عنهيم كالمغضيب باكييا حزينيا وقال‪ :‬ييا معشير ولدي! دلونيي‬
‫على ولدي؛ فإن كان حييا رددتيه إلي‪ ،‬وإن كان ميتيا كفنتيه ودفنتيه‪ ،‬فقييل قالوا حينئذ‪ :‬ألم تروا إلى‬
‫أبينيا كييف يكذبنيا فيي مقالتنيا! تعالوا نخرجيه مين الجيب ونقطعيه عضوا عضوا‪ ،‬ونأت أبانيا بأحيد‬
‫أعضائه فيصيدقنا فيي مقالتنيا ويقطيع يأسيه؛ فقال يهوذا‪ :‬وال لئن فعلتيم لكونين لكيم عدوا ميا بقييت‪،‬‬
‫ولخيبرن أباكيم بسيوء صينيعكم؛ قالوا‪ :‬فإذا منعتيا مين هذا فتعالوا نصيطد له ذئبيا‪ ،‬قال‪ :‬فاصيطادوا‬
‫ذئبيا ولطخوه بالدم‪ ،‬وأوثقوه بالحبال‪ ،‬ثيم جاؤوا بيه يعقوب وقالوا‪ :‬ييا أبانيا! إن هذا الذئب الذي يحيل‬
‫بأغنامنيا ويفترسيها‪ ،‬ولعله الذي أفجعنيا بأخينيا ل نشيك فييه‪ ،‬وهذا دميه علييه‪ ،‬فقال يعقوب‪ :‬اطلقوه؛‬
‫فأطلقوه‪ ،‬وتبصيبص له الذئب؛ فأقبيل يدنيو منيه ويعقوب يقول له‪ :‬ادن ادن؛ حتيى ألصيق خده بخده‬
‫فقال له يعقوب‪ :‬أيها الذئب! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنا طويل؟! ثم قال اللهم أنطقه‪ ،‬فأنطقه‬
‫ال تعالى فقال‪ :‬والذي اصطفاك نبيا ما أكلت لحمه‪ ،‬ول مزقت جلده‪ ،‬ول نتفت شعرة من شعراته‪،‬‬
‫وال! ميا لي بولدك عهيد‪ ،‬وإنميا أنيا ذئب غرييب أقبلت مين نواحيي مصير فيي طلب أخ لي فُقيد‪ ،‬فل‬
‫أدري أحيي هيو أم مييت‪ ،‬فاصيطادني أولدك وأوثقونيي‪ ،‬وإن لحوم النيبياء حرميت علينيا وعلى‬
‫جمييع الوحوش‪ ،‬وتال ل أقميت فيي بلد يكذب فيهيا أولد النيبياء على الوحوش؛ فأطلقيه يعقوب‬
‫وقال‪ :‬وال لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم؛ هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه‪ ،‬وأنتم ضيعتم أخاكم‪،‬‬
‫وقيد علميت أن الذئب برييء مميا جئتيم بيه‪" .‬بيل سيولت" أي زينيت لكيم‪" .‬أنفسيكم أمرا" غيير ميا‬
‫تصفون وتذكرون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فصبر جميل" قال الزجاج‪ :‬أي فشأني والذي اعتقده صبر جميل‪ .‬وقال قطرب‪:‬‬
‫أي فصبري صبر جميل‪ .‬وقيل‪ :‬أي فصبر جميل أولى بي؛ فهو مبتدأ وخبره محذوف‪ .‬ويروى أن‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم سيئل عين الصيبر الجمييل فقال‪( :‬هيو الذي ل شكوى معيه)‪ .‬وسييأتي له‬
‫مزيد بيان آخر السورة إن شاء ال‪ .‬قال أبو حاتيم‪ :‬قرأ عيسيى بن عمير فيميا زعم سيهل بين يوسيف‬
‫"فصيبرا جميل" قال‪ :‬وكذا قرأ الشهيب العقيلي؛ قال وكذا‪ .‬فيي مصيحف أنيس وأبيي صيالح‪ .‬قال‬
‫الميبرد‪" :‬فصيبر جمييل" بالرفيع أولى مين النصيب؛ لن المعنيى‪ :‬قال رب عندي صيبر جمييل؛ قال‪:‬‬
‫وإنما النصب على المصدر‪ ،‬أي فلصبرن صبرا جميل؛ قال‪:‬‬
‫صبرا جميل فكلنا مبتلى‬ ‫شكا إلي جملي طول السرى‬
‫والصيبر الجمييل هيو الذي ل جزع فييه ول شكوى‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ل أعاشركيم على كآبية الوجيه‬
‫وعبوس الجييبين‪ ،‬بييل أعاشركييم على مييا كنييت عليييه معكييم؛ وفييي هذا مييا يدل على أنييه عفييا عيين‬
‫مؤاخذتهيم‪ .‬وعين حيبيب بين أبيي ثابيت أن يعقوب كان قيد سيقط حاجباه على عينييه؛ فكان يرفعهميا‬
‫بخرقة؛ فقيل له‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬طول الزمان وكثرة الحزان؛ فأوحى ال إليه أتشكوني يا يعقوب؟!‬
‫قال‪ :‬ييا رب! خطيئة أخطأتهيا فاغفير لي‪" .‬وال المسيتعان" ابتداء وخيبر‪" .‬على ميا تصيفون" أي‬
‫على احتمال ما تصفون من الكذب‪.‬‬
‫@ قال ابن أبي رفاعة‪ :‬ينبغي لهل الرأي أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب صلى ال عليه وسلم‬
‫وهيو نيبي؛ حيين قال له بنوه‪" :‬إنيا ذهبنيا نسيتبق وتركنيا يوسيف عنيد متاعنيا فأكله الذئب" قال‪" :‬بيل‬
‫سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل" فأصاب هنا‪ ،‬ثم قالوا له‪" :‬إن ابنك سرق وما شهدنا إل بما‬
‫علمنا وما كنا للغيب حافظين" [يوسف‪ ]81 :‬قال‪" :‬بل سولت لكم أنفسكم أمرا" فلم يصب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 19 :‬وجاءت سييارة فأرسيلوا واردهيم فأدلى دلوه قال ييا بشرى هذا غلم وأسيروه‬
‫بضاعة وال عليم بما يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاءت سييارة" أي رفقية مارة يسييرون مين الشام إلى مصير فأخطؤوا الطرييق‬
‫وهاموا حتييى نزلوا قريبييا ميين الجييب‪ ،‬وكان الجييب فييي قفرة بعيدة ميين العمران‪ ،‬إنمييا هييو للرعاة‬
‫والمجتاز‪ ،‬وكان ماؤه ملحيا فعذب حيين ألقيي فييه يوسيف‪" .‬فأرسيلوا واردهيم" فذكير على المعنيى؛‬
‫ولو قال‪ :‬فأرسيلت واردهيا لكان على اللفيظ‪ ،‬مثيل "وجاءت"‪ .‬والوارد الذي يرد الماء يسيتقي للقوم؛‬
‫وكان اسمه ‪ -‬فيميا ذكير المفسرون ‪ -‬مالك بن دعير‪ ،‬من العرب العاربة‪" .‬فأدلى دلوه" أي أرسله؛‬
‫يقال‪ :‬أدلى دلوه إذا أرسيلها ليملهيا‪ ،‬ودلهيا أي أخرجهيا‪ :‬عين الصيمعي وغيره‪ .‬ودل ‪ -‬مين ذات‬
‫الواو ‪ -‬يدلو دلوا‪ ،‬أي جذب وأخرج‪ ،‬وكذلك أدلى إذا أرسيل‪ ،‬فلميا ثقيل ردوه إلى الياء‪ ،‬لنهيا أخيف‬
‫ميين الواو؛ قال الكوفيون‪ .‬وقال الخليييل وسيييبويه‪ :‬لمييا جاوز ثلثيية أحرف رجييع إلى الياء‪ ،‬اتباعييا‬
‫للمستقبل‪ .‬وجمع دلو فيي أقل العدد أدل فإذا كثرت قلت‪ :‬دلي ودلي؛ فقلبت الواو ياء‪ ،‬إل أن الجمع‬
‫بابيه التغييير‪ ،‬وليفرق بيين الواحيد والجميع؛ ودلء أيضيا‪" .‬قال ييا بشرى هذا غلم" فتعلق يوسيف‬
‫بالحبيل‪ ،‬فلميا خرج إذا غلم كالقمير ليلة البدر‪ ،‬أحسين ميا يكون مين الغلمان‪ .‬قال صيلى ال علييه‬
‫وسلم في حديث السراء من صحيح مسلم‪( :‬فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن)‪ .‬وقال‬
‫كعب الحبار‪ :‬كان يوسف حسن الوجه‪ ،‬جعد الشعر‪ ،‬ضخم العينين‪ ،‬مستوي الخلق‪ ،‬أبيض اللون‪،‬‬
‫غلييظ السياعدين والعضديين‪ ،‬خمييص البطين‪ ،‬صيغير السيرة‪ ،‬إذا ابتسيم رأييت النور مين ضواحكيه‪،‬‬
‫وإذا تكلم رأييت فيي كلميه شعاع الشميس مين ثناياه‪ ،‬ل يسيتطيع أحيد وصيفه؛ وكان حسينه كضوء‬
‫النهار عنيد اللييل‪ ،‬وكان يشبيه آدم علييه السيلم يوم خلقيه ال ونفيخ فييه مين روحيه قبيل أن يصييب‬
‫المعصية‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة؛ وكانت قد أعطيت سدس الحسن؛ فلما رآه‬
‫مالك بين دعير قال‪" :‬ييا بشراي هذا غلم" وهذه قراءة أهيل المدينية وأهيل البصيرة؛ إل ابين أبيي‬
‫إسيحاق فإنيه قرأ "ييا ُبشْ َريّ هذا غلم" فقلب اللف ياء‪ ،‬لن هذه الياء يكسير ميا قبلهيا‪ ،‬فلميا لم يجيز‬
‫كسيير اللف كان قلبهييا عوضييا‪ .‬وقرأ أهييل الكوفيية "يييا بشرى" غييير مضاف؛ وفييي معناه قولن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬اسم الغلم‪ ،‬والثاني‪ :‬معناه يا أيتها البشرى هذا حينك وأوانك‪ .‬قال قتادة والسدي‪ :‬لما أدلى‬
‫المدلي دلوه تعلق بهيا يوسيف فقال‪ :‬ييا بشرى هذا غلم؛ قال قتادة‪ :‬بشير أصيحابه بأنيه وجيد عبدا‪.‬‬
‫وقال السدي‪ :‬نادى رجل اسمه بشرى‪ .‬قال النحاس‪ :‬قول قتادة أولى؛ لنه لم يأت في القرآن تسمية‬
‫أحيد إل يسييرا؛ وإنميا يأتيي بالكنايية كميا قال عيز وجيل‪" :‬ويوم يعيض الظالم على يدييه" [الفرقان‪:‬‬
‫‪ ]27‬وهو عقبة بن أبي معيط‪ ،‬وبعده "يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلنا خليل" [الفرقان‪ ]28 :‬وهو‬
‫أميية بين خلف؛ قال النحاس‪ .‬والمعنيى فيي نداء البشرى‪ :‬التبشيير لمين حضير؛ وهيو أوكيد مين قولك‬
‫تبشرت‪ ،‬كميا تقول‪ :‬يييا عجباه! أي يييا عجيب هذا مين أيامييك ومين آياتيك‪ ،‬فاحضيير؛ وهذا مذهييب‬
‫سيبويه‪ ،‬وكذا قال السهيلي‪ .‬وقيل‪ :‬هو كما تقول‪ :‬واسروراه! وأن البشرى مصدر من الستبشار‪:‬‬
‫وهذا أصح؛ لنه لو كان اسما علما لم يكن مضافا إلى‪ ،‬ضمير المتكلم؛ وعلى هذا يكون "بشراي"‬
‫فيي موضيع نصيب‪ ،‬لنيه نداء مضاف؛ ومعنيى النداء ههنيا التنيبيه‪ ،‬أي انتبهوا لفرحتيي وسيروري؛‬
‫وعلى قول السدي يكون في موضع رفع كما تقول‪ :‬يا زيد هذا غلم‪ .‬ويجوز أن يكون محله نصبا‬
‫كقولك‪ :‬يييا رجل‪ ،‬وقوله‪" :‬يييا حسييرة على العباد" [يييس‪ ]30:‬ولكنييه لم ينون "بشرى" لنيه ل‬
‫ينصيرف‪" .‬وأسيروه بضاعية" الهاء كنايية عين يوسيف علييه السيلم؛ فأميا الواو فكنايية عين إخوتيه‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬عين التجار الذيين اشتروه‪ ،‬وقييل‪ :‬عين الوارد وأصيحابه‪" .‬بضاعية" نصيب على الحال‪ .‬قال‬
‫مجاهد‪ :‬أسره مالك بن دعر وأصحابه من التجار الذين معهم في الرفقة‪ ،‬وقالوا لهم‪ :‬هو بضاعة‬
‫استبضعناها بعض أهل الشام أو أهل هذا الماء إلى مصر؛ وإنما قالوا هذا خيفة الشركة‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬أسييره إخوة يوسييف بضاعيية لمييا اسييتخرج ميين الجييب؛ وذلك أنهييم جاؤوا فقالوا‪ :‬بئس مييا‬
‫صينعتم! هذا عبيد لنيا أبيق‪ ،‬وقالوا ليوسيف بالعبرانيية‪ :‬إميا أن تقير لنيا بالعبوديية فنبيعيك مين هؤلء‪،‬‬
‫وإما أن نأخذك فنقتلك؛ فقال‪ :‬أنا أقير لكيم بالعبوديية‪ ،‬فأقير لهيم فباعوه منهيم‪ .‬وقييل‪ :‬إن يهوذا وصيى‬
‫أخاه يوسيف بلسيانهم أن اعترف لخوتيك بالعبوديية فإنيي أخشيى إن لم تفعيل‪ ،‬قتلوك؛ فلعيل ال أن‬
‫يجعل لك مخرجا‪ ،‬وتنجو من القتل‪ ،‬فكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته؛ فقال مالك‪ :‬وال ما‬
‫هذه سيمة العبييد!‪ ،‬قالوا‪ :‬هيو تربيى فيي حجورنيا‪ ،‬وتخلق بأخلقنيا‪ ،‬وتأدب بآدابنيا؛ فقال‪ :‬ميا تقول ييا‬
‫غلم؟ قال‪ :‬صييدقوا! تربيييت فييي حجورهييم‪ ،‬وتخلقييت‪ ،:‬بأخلقهييم؛ فقال مالك‪ :‬إن بعتموه منييي‬
‫اشتريته منكم؛ فباعوه منه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وشروه" يقال‪ :‬شريت بمعنى اشتريت‪ ،‬وشريت بمعنى بعت لغة؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫من بعد برد كنت هامه‬ ‫وشريت بردا ليتني‬
‫أي بعت‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫وفي الصدر حزاز من اللوم حامز‬ ‫فلما شراها فاضت العين عبرة‬
‫"بثمين بخيس" أي نقيص؛ وهيو هنيا مصيدر وضيع موضيع السيم؛ أي باعوه بثمين مبخوس‪ ،‬أي‬
‫منقوص‪ .‬ولم يكين قصيد إخوتيه ميا يسيتفيدونه مين ثمنيه‪ ،‬وإنميا كان قصيدهم ميا يسيتفيدونه مين خلو‬
‫وجيه أبيهيم عنيه‪ .‬وقييل‪ :‬إن يهوذا رأى مين بعييد أن يوسيف أخرج مين الجيب فأخيبر إخوتيه فجاؤوا‬
‫وباعوه مين الواردة‪ .‬وقييل‪ :‬ل بيل عادوا بعيد ثلث إلى البئر يتعرفون الخيبر‪ ،‬فرأوا أثير السييارة‬
‫فاتبعوهيم وقالوا‪ :‬هذا عبدنيا أبيق منيا فباعوه منهيم‪ .‬وقال قتادة‪" :‬بخيس" ظلم وقال الضحاك ومقاتيل‬
‫والسدي وابن عطاء‪" :‬بخس" حرام‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬ول وجه له‪ ،‬وإنما الشارة فيه إلى أنه لم‬
‫يستوف ثمنه بالقيمة؛ لن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه‪ ،‬وإنما كان‬
‫قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهم عنه؛ وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطعا؛‬
‫أو قالوا لصحابهم‪ :‬أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يعطوا عنه ثمنا وأن ما أخذوا فيه ربح كله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله ‪ -‬وإنميا الشارة فييه إلى أنيه لم يسيتوف ثمنيه بالقيمية ‪ -‬يدل على أنهيم لو أخذوا القيمية‬
‫فييه كاملة كان ذلك جائزا ولييس كذلك؛ فدل على صيحة ميا قاله السيدي وغيره؛ لنهيم أوقعوا البييع‬
‫على نفيس ل يجوز بيعهيا‪ ،‬فلذلك كان ل يحيل لهيم ثمنيه‪ .‬وقال عكرمية والشعيبي‪ :‬قلييل‪ .‬وقال ابين‬
‫حيان‪ :‬زيييف‪ .‬وعين ابيين عباس وابيين مسييعود باعوه بعشرييين درهمييا أخييذ كييل واحييد ميين إخوتييه‬
‫درهميين‪ ،‬وكانوا عشرة؛ وقاله قتادة والسيدي‪ .‬وقال أبيو العاليية ومقاتيل‪ :‬اثنيين وعشريين درهميا‪،‬‬
‫وكانوا أحيد عشير أخيذ كيل واحيد درهميين؛ وقاله مجاهيد‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬أربعيين درهميا؛ وميا روي‬
‫عن الصحابة أولى‪ .‬و"بخس" من نعت "ثمن"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬دراهم معدودة" على البدل والتفسير له‪ .‬ويقال‪ :‬دراهيم على أنه جمع درهام‪ ،‬وقد‬
‫يكون اسيما للجميع عنيد سييبويه‪ ،‬ويكون أيضيا عنده على أنيه ميد الكسيرة فصيارت ياء‪ ،‬ولييس هذا‬
‫مثييل مييد المقصييور؛ لن مييد المقصييور ل يجوز عنييد البصييريين فييي شعيير ول غيره‪ .‬وأنشييد‬
‫النحويون‪:‬‬
‫نفي الدراهيم تنقاد الصياريف‬ ‫تنفي يداها الحصى في كل هاجرة‬
‫"معدودة" نعيت؛ وهذا يدل على أن الثمان كانيت تجري عندهيم عدا ل وزنيا بوزن‪ .‬وقييل‪ :‬هيو‬
‫عبارة عين قلة الثمين؛ لنهيا دراهيم لم تبلغ أن توزن لقلتهيا؛ وذلك أنهيم كانوا ل يزنون ميا كان دون‬
‫الوقية‪ ،‬وهي أربعون درهما‪.‬‬
‫@ قال القاضي ابن العربي‪ :‬وأصل النقدين الوزن؛ قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تبيعوا الذهب‬
‫بالذهيب ول الفضية بالفضية إل وزنيا بوزن مين زاد أو ازداد فقيد أربيى)‪ .‬والزنية ل فائدة فيهيا إل‬
‫المقدار؛ فأميا عينهيا فل منفعية فييه‪ ،‬ولكين جرى فيهيا العيد تخفيفيا عين الخلق لكثرة المعاملة‪ ،‬فيشيق‬
‫الوزن؛ حتيى لو ضرب مثاقييل أو دراهيم لجاز بييع بعضهيا ببعيض عدا إذا لم يكين بهيا نقصيان ول‬
‫رجحان؛ فإن نقصيت عاد المير إلى الوزن؛ ولجيل ذلك كان كسيرها أو قرضهيا مين الفسياد فيي‬
‫الرض حسب ما تقدم‪.‬‬
‫واختلف العلماء في الدراهم والدنانير هل تتعين أم ل؟ وقد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك‪:‬‬
‫فذهيب أشهيب إلى أن ذلك ل يتعيين‪ ،‬وهيو الظاهير مين قول مالك؛ وبيه قال أبيو حنيفية‪ .‬وذهيب ابين‬
‫القاسم إلى أنها تتعين‪ ،‬وحكي عن الكرخي؛ وبه قال الشافعي‪ .‬وفائدة الخلف أنا إذا قلنا ل تتعين‬
‫فإذا قال‪ :‬بعتك‪ ،‬هذه الدنانير بهذه الدراهم تعلقت الدنانير بذمة صاحبها‪ ،‬والدراهم بذمة صاحبها؛‬
‫ولو تعينت ثم تلفت لم يتعلق بذمتهما شيء‪ ،‬وبطل العقد كبيع العيان من العروض وغيرها‪.‬‬
‫روي عن الحسن بن علي رضي ال عنهما أنه قضى‪ ،‬في اللقيط أنه حر‪ ،‬وقرأ‪" :‬وشروه بثمن‬
‫بخس دراهم معدودة" وقد مضى القول فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكانوا فييه مين الزاهديين" قييل‪ :‬المراد إخوتيه‪ .‬وقييل‪ :‬السييارة‪ .‬وقييل‪ :‬الواردة؛‬
‫وعلى أي تقديير فلم يكين عندهيم غبيطيا‪ ،‬ل عنيد الخوة؛ لن المقصيد زواله عين أبييه ل ماله‪ ،‬ول‬
‫عنيد السييارة لقول الخوة إنيه عبيد أبيق منيا ‪ -‬والزهيد قلة الرغبية ‪ -‬ول عنيد الواردة لنهيم خافوا‬
‫اشتراك أصحابهم معهم‪ ،‬ورأوا أن القليل من ثمنه في النفراد أولى‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل واضح على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير‪ ،‬ويكون البيع لزما؛‬
‫ولهذا قال مالك‪ :‬لو باع درة ذات خطير عظييم بدرهييم ثيم قال لم أعلم أنهيا درة وحسيبتها مخشلبية‬
‫لزمه البيع ولم يلتفت إلى قوله‪ .‬وقيل‪" :‬وكانوا فيه من الزاهدين" أي في حسنه؛ لن ال تعالى وإن‬
‫أعطى يوسف شطر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكراما له‪ .‬وقيل‪" :‬وكانوا فيه من‬
‫الزاهدين" لم يعلموا منزلتيه عنيد ال تعالى‪ .‬وحكى سيبويه والكسائي‪ :‬زهدت وزهدت بكسير الهاء‬
‫وفتحها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وقال الذي اشتراه من مصر لمرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا‬
‫وكذلك مكنيا ليوسيف فيي الرض ولنعلميه مين تأوييل الحادييث وال غالب على أمره ولكين أكثير‬
‫الناس ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذي اشتراه من مصر لمرأته" قيل‪ :‬الشتراء هنا بمعنى الستبدال؛ إذ لم‬
‫يكين ذلك عقدا‪ ،‬مثيل‪" :‬أولئك الذيين اشتروا الضللة بالهدى"‪[ .‬البقرة‪ ]16 :‬وقييل‪ :‬إنهيم ظنوه فيي‬
‫ظاهيير الحال اشتراء‪ ،‬فجرى هذا اللفييظ على ظاهيير الظيين‪ .‬قال الضحاك‪ :‬هذا الذي اشتراه ملك‬
‫مصيير‪ ،‬ولقبييه العزيييز‪ .‬السييهيلي‪ :‬واسييمه قطفييير‪ .‬وقال ابيين إسييحاق‪ :‬إطفييير بيين رويحييب اشتراه‬
‫لمرأته راعيل؛ ذكره الماوردي‪ .‬وقيل‪ :‬كان اسمها زليخاء‪ .‬وكان ال ألقى محبة يوسف على قلب‬
‫العزييز‪ ،‬فأوصيى بيه أهله؛ ذكره القشيري‪ .‬وقيد ذكير القوليين فيي اسيمها الثعلبيي وغيره‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس‪ :‬إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر‪ ،‬وهو الريان بن الوليد‪ .‬وقيل‪ :‬الوليد بن الريان‪ ،‬وهو‬
‫رجل من العمالقة‪ .‬وقيل‪ :‬هو فرعون موسى؛ لقول موسى‪" :‬ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات"‬
‫[غافر‪ ]34 :‬وأنه عاش أربعمائة سنة‪ .‬وقيل‪ :‬فرعون موسى من أولد فرعون يوسف‪ ،‬على ما‬
‫يأتي في "غافر] بيانه‪ .‬وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك؛ واشترى يوسف‬
‫من مالك بن دعر بعشرين دينارا‪ ،‬وزاده حلة ونعلين‪ .‬وقيل‪ :‬اشتراه من أهل الرفقة‪ .‬وقيل‪ :‬تزايدوا‬
‫في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا وللئ وجواهر ل يعلم قيمتها إل‬
‫ال؛ فابتاعييه قطفييير ميين مالك بهذا الثميين؛ قاله وهييب بيين منبييه‪ .‬وقال وهييب أيضييا وغيره‪ :‬ولمييا‬
‫اشترى مالك بن دعر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتابيا‪ :‬هذا ما اشترى مالك بن دعر من‬
‫بني يعقوب‪ ،‬وهم فلن وفلن مملوكا لهم بعشرين درهما‪ ،‬وقد شرطوا له أنه آبق‪ ،‬وأنه ل ينقلب‬
‫بيه إل مقيدا مسيلسل‪ ،‬وأعطاهيم على ذلك عهيد ال‪ .‬قال‪ :‬فودعهيم يوسيف عنيد ذلك‪ ،‬وجعيل يقول‪:‬‬
‫حفظكييم ال وإن ضيعتمونييي‪ ،‬نصييركم ال وإن خذلتمونييي‪ ،‬رحمكييم ال وإن لم ترحمونييي؛ قالوا‪:‬‬
‫فألقييت الغنام مييا فييي بطونهييا دمييا عبيطييا لشدة هذا التوديييع‪ ،‬وحملوه على قتييب بغييير غطاء ول‬
‫وطاء‪ ،‬مقيدا مكبل مسيلسل‪ ،‬فمير على مقيبرة آل كنعان فرأى قيبر أميه ‪ -‬وقيد كان وكيل بيه أسيود‬
‫يحرسيه فغفيل السيود ‪ -‬فألقيى يوسيف نفسيه على قيبر أميه فجعيل يتمرغ ويعتنيق القيبر ويضطرب‬
‫ويقول‪ :‬ييا أماه! ارفعيي رأسيك ترى ولدك مكبل مقيدا مسيلسل مغلول؛ فرقوا بينيي وبيين والدي‪،‬‬
‫فاسيألي ال أن يجميع بيننيا فيي مسيتقر رحمتيه إنيه أرحيم الراحميين‪ ،‬فتفقده السيود على البعيير فلم‬
‫يره‪ ،‬فقفيا أثره‪ ،‬فإذا هيو بياض على قيبر‪ ،‬فتأمله فإذا هيو إياه‪ ،‬فركضيه برجله فيي التراب ومرغيه‬
‫وضربه ضربا وجيعا؛ فقال له‪ :‬ل تفعل! وال ما هربت ول أبقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت‬
‫أن أودعهيا‪ ،‬ولن أرجيع إلى ميا تكرهون؛ فقال السيود‪ :‬وال إنيك لعبيد سيوء‪ ،‬تدعيو أباك مرة وأميك‬
‫أخرى! فهل كان هذا عنيد موالييك؛ فرفيع يدييه إلى السيماء وقال‪ :‬اللهيم إن كانيت لي عندك خطيئة‬
‫أخلقيت بهيا وجهيي فأسيألك بحيق آبائي إبراهييم وإسيحاق ويعقوب أن تغفير لي وترحمنيي؛ فضجيت‬
‫الملئكية فيي السيماء‪ ،‬ونزل جبرييل فقال له‪ :‬ييا يوسيف غيض صيوتك فلقيد أبكييت ملئكية السيماء‬
‫أفتريييد أن أقلب الرض فأجعييل عاليهييا سييافلها؟ قال‪ :‬تثبييت يييا جبريييل‪ ،‬فإن ال حليييم ل يعجييل؛‬
‫فضرب الرض بجناحييه فأظلمييت‪ ،‬وارتفييع الغبار‪ ،‬وكسييفت الشمييس‪ ،‬وبقيييت القافلة ل يعرف‬
‫بعضها بعضا؛ فقال رئيس القافلة‪ :‬من أحدث منكم حدثا؟ ‪ -‬فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني‬
‫قيط مثيل هذا ‪ -‬فقال السيود‪ :‬أنيا لطميت ذلك الغلم العيبراني فرفيع يده إلى السيماء وتكلم بكلم ل‬
‫أعرفه‪ ،‬ول أشك أنه دعا علينا؛ فقال له‪ :‬ما أردت إل هلكنا ايتنا به‪ ،‬فأتاه به‪ ،‬فقال له‪ :‬يا غلم لقد‬
‫لطمك فجاءنا ما رأيت؛ فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت‪ ،‬وإن كنت تعفو فهو الظن بك؛ قال‪ :‬قد‬
‫عفوت رجاء أن يعفيييو ال عنيييي؛ فانجلت الغيييبرة‪ ،‬وظهرت الشميييس‪ ،‬وأضاء مشارق الرض‬
‫ومغاربها‪ ،‬وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه‪ ،‬حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها‬
‫وأذهيب ال عنيه كآبية السيفر‪ ،‬ورد علييه جماله‪ ،‬ودخيل بيه البلد نهارا فسيطع نوره على الجدران‪،‬‬
‫وأوقفوه للبيييع فاشتراه قطفييير وزييير الملك؛ قاله ابيين عباس على مييا تقدم‪ .‬وقيييل‪ :‬إن هذا الملك لم‬
‫يميت حتيى آمين واتبيع يوسيف على دينيه‪ ،‬ثيم مات الملك ويوسيف يومئذ على خزائن الرض؛ فملك‬
‫بعده قابوس وكان كافرا‪ ،‬فدعاه يوسف إلى السلم فأبى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أكرمي مثواه" أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن؛ وهو مأخوذ من‬
‫ثوى بالمكان أي أقام بيه؛ وقيد تقدم فيي "آل عمران" وغيره‪" .‬عسيى أن ينفعنيا" أي يكفينيا بعيض‬
‫المهمات إذا بلغ‪" .‬أو نتخذه ولدا" قال ابين عباس‪ :‬كان حصيورا ل يولد له‪ ،‬وكذا قال ابين إسيحاق‪:‬‬
‫كان قطفير ل يأتي النساء ول يولد له‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف قال "أو نتخذه ولدا" وهو ملكه‪ ،‬والولدية مع‬
‫العبدية تتناقض؟ قيل له‪ :‬يعتقه ثم يتخذه ولدا بالتبني؛ وكان التبني في المم معلوما عندهم‪ ،‬وكذلك‬
‫كان فييي أول السييلم‪ ،‬على مييا يأتييي بيانييه فييي "الحزاب" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال عبدال بيين‬
‫مسعود‪ :‬أحسن الناس فراسة ثلثة؛ العزيز حين تفرس في يوسف فقال‪" :‬عسى أن ينفعنا أو نتخذه‬
‫ولدا" وبنيت شعييب حيين قالت لبيهيا فيي موسيى "اسيتأجره إن خيير مين اسيتأجرت القوي الميين"‬
‫[القصص‪ ،]26 :‬وأبو بكر حين استخلف عمر‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬عجبا للمفسرين في اتفاقهم على‬
‫جلب هذا الخبر والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة [الحجر] وليس كذلك فيما‬
‫نقلوه؛ لن الصييديق إنمييا ولى عميير بالتجربيية فييي العمال‪ ،‬والمواظبيية على الصييحبة وطولهييا‪،‬‬
‫والطلع على ميا شاهيد منيه مين العلم والمنية‪ ،‬ولييس ذلك مين طرييق الفراسية؛ وأميا بنيت شعييب‬
‫فكانيت معهيا العلمية البينية على ميا يأتيي بيانيه فيي "القصيص"‪ .‬وأميا أمير العزييز فيمكين أن يجعيل‬
‫فراسة؛ لنه لم يكن معه علمة ظاهرة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك مكنا ليوسف في الرض" الكاف في موضع نصب؛ أي وكما أنقذناه من‬
‫إخوتيه ومين الجيب فكذلك مكنيا له؛ أي عطفنيا علييه قلب الملك الذي اشتراه حتيى تمكين مين المير‬
‫والنهيي فيي البلد الذي الملك مسيتول علييه‪" .‬ولنعلميه مين تأوييل الحادييث" أي فعلنيا ذلك تصيديقا‬
‫لقول يعقوب‪" :‬ويعلميك مين تأوييل الحادييث"‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى مكناه لنوحيي إلييه بكلم منيا‪ ،‬ونعلميه‬
‫تأويله‪ .‬وتفسييره‪ ،‬وتأوييل الرؤييا‪ ،‬وتيم الكلم‪" .‬وال غالب على أمره" الهاء راجعية إلى ال تعالى؛‬
‫أي ل يغلب ال شييء‪ ،‬بيل هيو الغالب على أمير نفسيه فيميا يريده أن يقول له‪ :‬كين فيكون‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫ترجييع إلى يوسييف؛ أي ال غالب على أميير يوسييف يدبره ويحوطييه ول يكله إلى غيره‪ ،‬حتييى ل‬
‫يصييل إليييه كيييد كائد‪" .‬ولكيين أكثيير الناس ل يعلمون" أي ل يطلعون على غيبييه‪ .‬وقيييل‪ :‬المراد‬
‫بالكثر الجميع؛ لن أحدا ل يعلم الغيب‪ .‬وقيل‪ :‬هو مجرى على ظاهره؛ إذ قد يطلع من يريد على‬
‫بعيييض‪ ،‬غيبيييه‪ .‬وقييييل‪ :‬المعنيييى "ولكييين أكثييير الناس ل يعلمون" أن ال غالب على أمره‪ ،‬وهيييم‬
‫المشركون وميين ل يؤميين بالقدر‪ .‬وقالت الحكماء فييي هذه الييية‪" :‬وال غالب على أمره" حيييث‪،‬‬
‫أمره يعقوب أل يقيص رؤياه على إخوتيه فغلب أمير ال حتيى قيص‪ ،‬ثيم أراد إخوتيه قتله فغلب أمير‬
‫ال حتى صار ملكا وسجدوا بين يديه‪ ،‬ثم أراد الخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر ال حتى‬
‫ضاق عليهيم قلب أبيهيم‪ ،‬وافتكره بعيد سيبعين سينة أو ثمانيين سينة‪ ،‬فقال‪" :‬ييا أسيفا على يوسيف" ثيم‬
‫تدبروا أن يكونوا من بعده قوما صالحين‪ ،‬أي تائبين فغلب أمر ال حتى نسوا الذنب وأصروا عليه‬
‫حتيى أقروا بيين يدي يوسيف فيي آخير المير بعيد سيبعين سينة‪ ،‬وقالوا لبيهيم‪" :‬إنيا كنيا خاطئيين"‬
‫[يوسف‪ ]97 :‬ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص فغلب أمر ال فلم ينخدع‪ ،‬وقال‪" :‬بل‬
‫سولت لكم أنفسكم أمرا" [يوسف‪ ]18 :‬ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب‪ ،‬أبيهم فغلب أمر‬
‫ال فازدادت المحبة والشوق في قلبه‪ ،‬ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلم غلبته‪ ،‬فغلب‬
‫أمير ال حتيى قال العزييز‪" :‬اسيتغفري لذنبيك إنيك كنيت مين الخاطئيين" [يوسيف‪ ،]29 :‬ثيم دبر‬
‫يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر ال فنسي الساقي‪ ،‬ولبث يوسف في السجن‬
‫بضع سنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما بلغ أشده" "أشده" عند سيبويه جمع‪ ،‬واحده شدة‪ .‬وقال الكسائي‪ :‬واحده شد؛‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫خضب اللبان ورأسه بالعظلم‬ ‫عهدي به شد النهار كأنما‬
‫وزعم أبو عبيد أنه ل واحد له من لفظه عند العرب؛ ومعناه استكمال القوة ثم يكون النقصان بعد‪.‬‬
‫وقال مجاهيد وقتادة‪ :‬الشيد ثلث وثلثون سينة‪ .‬وقال ربيعية وزييد بين أسيلم ومالك بين أنيس‪ :‬الشيد‬
‫بلوغ الحلم؛ وقد مضى ما للعلماء في هذا في "النساء" و"النعام" مستوفى‪" .‬آتيناه حكما وعلما"‬
‫قييل‪ :‬جعلناه المسيتولي على الحكيم‪ ،‬فكان يحكيم فيي سيلطان الملك؛ أي وآتيناه علميا بالحكيم‪ .‬وقال‬
‫مجاهيد‪ :‬العقيل والفهيم والنبوة‪ .‬وقيل‪ :‬الحكيم النبوة‪ ،‬والعلم علم الديين؛ وقيل‪ :‬علم الرؤيا؛ ومن قال‪:‬‬
‫أوتي النبوة صبيا قال‪ :‬لما بلغ أشده زدناه فهما وعلما‪" .‬وكذلك نجزي المحسنين" يعني المؤمنين‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬الصييابرين على النوائب كمييا صييبر يوسييف؛ قاله الضحاك‪ .‬وقال الطييبري‪ :‬هذا وإن كان‬
‫مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد صلى ال عليه وسلم؛ يقول ال تعالى‪ :‬كما فعلت‬
‫هذا بيوسيف بعيد أن قاسيى ميا قاسيى ثيم أعطيتيه ميا أعطيتيه‪ ،‬كذلك أنجييك مين مشركيي قوميك الذيين‬
‫يقصدونك بالعداوة‪ ،‬وأمكن لك في الرض‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 24 - 23 :‬وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت البواب وقالت هيت لك‬
‫قال معاذ ال إنيه ربيي أحسين مثواي إنيه ل يفلح الظالمون‪ ،‬ولقيد هميت بيه وهيم بهيا لول أن رأى‬
‫برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وراودته التي هو في بيتها عن نفسه" وهي امرأة العزيز‪ ،‬طلبت منه أن يواقعها‪.‬‬
‫وأصيل المراودة الرادة والطلب برفيق وليين‪ .‬والرود والرياد طلب الكل؛ وقييل‪ :‬هيي مين روييد؛‬
‫يقال‪ :‬فلن يمشيي رويدا‪ ،‬أي برفيق؛ فالمراودة الرفيق فيي الطلب؛ يقال فيي الرجيل‪ :‬راودهيا عين‬
‫نفسيها‪ ،‬وفيي المرأة راودتيه عين نفسيه‪ .‬والرود التأنيي؛ يقال‪ :‬أرودنيي أمهلنيي‪" .‬وغلقيت البواب"‬
‫غلق للكثير‪ ،‬ول يقال‪ :‬غلق الباب؛ وأغلق يقع للكثير والقليل؛ كما قال الفرزدق في أبي عمرو بن‬
‫العلء‪:‬‬
‫حتى أتيت أبا عمرو بن عمار‬ ‫ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها‬
‫يقال‪ :‬إنهيا كانيت سيبعة أبواب غلقتهيا ثيم دعتيه إلى نفسيها‪" .‬وقالت هييت لك" أي هلم وأقبيل وتعال؛‬
‫ول مصدر له ول تصريف‪ .‬قال النحاس‪ :‬فيهيا سبع قراءات؛ فمن أجل ما فيها وأصحه إسنادا ما‬
‫رواه العميش عين أبيي وائل قال‪ :‬سيمعت عبدال بين مسيعود يقرأ "هَيتَي لك" قال فقلت‪ :‬إن قوميا‬
‫يقرؤونهيا "هِيتَي لك" فقال‪ :‬إنميا أقرأ كميا علميت‪ .‬قال أبيو جعفير‪ :‬وبعضهيم يقول عين عبدال بين‬
‫مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يبعد ذلك؛ لن قوله‪ :‬إنما أقرأ كما علمت يدل على أنه‬
‫مرفوع‪ ،‬وهذه القراءة بفتييح التاء والهاء هييي الصييحيحة ميين قراءة ابيين عباس وسييعيد بيين جييبير‬
‫والحسين ومجاهيد وعكرمية؛ وبهيا قرأ أبيو عمرو بين العلء وعاصيم والعميش وحمزة والكسيائي‪.‬‬
‫قال عبدال ابن مسعود‪ :‬ل تقطعوا في القرآن؛ فإنما هو مثل‪ ،‬قول أحدكم‪ :‬هلم تعال‪ .‬وقرأ ابن أبي‬
‫ت لك" بفتح الهاء وكسر التاء‪ .‬وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي وابن كثيير‬ ‫إسحاق النحوي "قالت هَي ِ‬
‫ت لك" بفتح الهاء وضم التاء؛ قال طرفة‪:‬‬ ‫"هَي ُ‬
‫قال داع من العشيرة هيت‬ ‫ليس قومي بالبعدين إذا ما‬
‫ت لك" بكسر الهاء‬ ‫فهذه ثلث قراءات الهاء فيهن مفتوحة‪ .‬وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع "وقالت هِي َ‬
‫وفتيييح التاء‪ .‬وقرأ يحييييى بييين وثاب "وقالت ِهيْت يُي لك" بكسييير الهاء وبعدهيييا ياء سييياكنة والتاء‬
‫مضمومة‪ .‬وروي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه وابن عباس ومجاهد وعكرمة‪" :‬وقالت‬
‫ت لك" بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة والتاء مضمومة‪ .‬وعن ابن عامر وأهل الشام‪" :‬وقالت‬ ‫هَئ ُ‬
‫هِئتيَ" بكسير الهاء وبالهمزة وبفتيح التاء؛ قال أبيو جعفير‪" :‬هئتَي لك" بفتيح التاء للتقاء السياكنين‪،‬‬
‫لنه صوت نحومه وصه يجب أل يعرب‪ ،‬والفتح خفيف؛ لن قبل التاء ياء مثل‪ ،‬أين وكيف؛ ومن‬
‫كسير التاء فإنميا كسيرها لن الصيل الكسير؛ لن السياكن إذا حرك حرك إلى الكسير‪ ،‬ومين ضيم‬
‫فلن فيه معنى الغاية؛ أي قالت‪ :‬دعائي لك‪ ،‬فلما حذفت الضافة بني على الضم؛ مثل حيث وبعد‪.‬‬
‫وقراءة أهيل المدينية فيهيا قولن‪ :‬أحدهميا‪ :‬أن يكون الفتيح للتقاء السياكنين كميا مير‪ .‬والخير‪ :‬أن‬
‫يكون فعل مين هاء يهييئ مثيل جاء يجييء؛ فيكون المعنيى فيي "هئت" أي حسينت هيئتيك‪ ،‬ويكون‬
‫"لك" مين كلم آخير‪ ،‬كميا تقول‪ :‬لك أعنيي‪ .‬ومين هميز‪ .‬وضيم التاء فهيو فعيل بمعنيى تهيأت لك؛‬
‫وكذلك من قرأ "هيت لك"‪ .‬وأنكر أبو عمرو هذه القراءة؛ قال أبو عبيدة ‪ -‬معمر بن المثنى‪ :‬سئل‬
‫أبيو عمرو عين قراءة مين قرأ بكسير الهاء وضيم التاء مهموزا فقال أبيو عمرو‪ :‬باطيل؛ جعلهيا مين‬
‫تهيأت! اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هذا؟! وقال الكسائي‬
‫أيضييا‪ :‬لم تحييك "هئت" عيين العرب‪ .‬قال عكرميية‪" :‬هئت لك" أي تهيأت لك وتزينييت وتحسيينت‪،‬‬
‫وهي قراءة غير مرضية؛ لنها لم تسمع في العربية‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهي جيدة عند البصريين؛ لنه‬
‫يقال‪ :‬هاء الرجيل يهاء ويهييئ هيأة فهاء يهييئ مثيل جاء يجييء وهئت مثيل جئت‪ .‬وكسير الهاء فيي‬
‫"هيت" لغة لقوم يؤثرون كسر الهاء على فتحها‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أجود القراءات "هيت" بفتح الهاء‬
‫والتاء؛ قال طرفة‪:‬‬
‫قال داع من العشيرة هيت‬ ‫ليس قومي بالبعدين إذا ما‬
‫بفتح الهاء والتاء‪ .‬وقال الشاعر في علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪:‬‬
‫يين أخا العراق إذا أتيتا‬ ‫أبلغ أمير المؤمني‬
‫سلم إليك فهيت هيتا‬ ‫إن العراق وأهله‬
‫قال ابن عباس والحسن‪" :‬هيت" كلمة بالسريانية تدعوه إلى نفسها‪ .‬وقال السدي‪ :‬معناها بالقبطية‬
‫هلم لك‪ .‬قال أبيو عبييد‪ :‬كان الكسيائي يقول‪ :‬هيي لغية لهيل حوران وقعيت إلى أهيل الحجاز معناه‬
‫تعال؛ قال أبيو عبييد‪ :‬فسيألت شيخيا عالميا مين حوران فذكير أنهيا لغتهيم؛ وبيه قال عكرمية‪ .‬وقال‬
‫مجاهيد وغيره‪ :‬هيي لغية عربيية تدعوه بهيا إلى نفسيها‪ ،‬وهيي كلمية حيث وإقبال على الشياء؛ قال‬
‫الجوهري‪ :‬يقال هوت به وهيت به إذا صاح به ودعاه؛ قال‪:‬‬
‫لو كان معنيا بها لهيتا‬ ‫قد رابني أن الكري أسكتا‬
‫أي صاح؛ وقال آخر‪ :‬يحدو بها كل فتى هيات‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال معاذ ال" أي أعوذ بال وأسيتجير بيه مميا دعوتنيي إلييه؛ وهيو مصيدر‪ ،‬أي‬
‫أعوذ بال معاذا؛ فيحذف المفعول وينتصييب بالمصييدر بالفعييل المحذوف‪ ،‬ويضاف المصييدر إلى‬
‫اسييم ال كمييا يضاف المصييدر إلى المفعول‪ ،‬كمييا تقول‪ :‬مررت بزيييد مرور عمرو أي كمروري‬
‫بعمرو‪" .‬إنيه ربيي" يعنيي زوجهيا‪ ،‬أي هيو سييدي أكرمنيي فل أخونيه؛ قاله مجاهيد وابين إسيحاق‬
‫والسدي‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي إن ال ربي تولني بلطفه‪ ،‬فل أرتكب ما حرمه‪ .‬وفي الخبر أنها قالت‬
‫له‪ :‬يا يوسف! ما أحسن صورة وجهك! قال‪ :‬في الرحم صورني ربي؛ قالت‪ :‬يا يوسف ما أحسن‬
‫شعرك! قال‪ :‬هيو أول شييء يبلى منيي فيي قيبري؛ قالت‪ :‬ييا يوسيف! ميا أحسين عينييك؟ قال‪ :‬بهميا‬
‫أنظير إلى ربيي‪ .‬قالت‪ :‬ييا يوسيف! ارفيع بصيرك فانظير فيي وجهيي‪ ،‬قال‪ :‬إنيي أخاف العميى فيي‬
‫آخرتيي‪ .‬قالت ييا يوسيف ! أدنيو منيك وتتباعيد منيي؟! قال‪ :‬أرييد بذلك القرب مين ربيي‪ .‬قالت‪ :‬ييا‬
‫يوسيف! القيطون فرشتيه لك فادخيل معيي‪ ،‬قال‪ :‬القيطون ل يسيترني مين ربيي‪ .‬قالت‪ :‬ييا يوسيف!‬
‫فراش الحريير قيد فرشتيه لك‪ ،‬قيم فاقيض حاجتيي‪ ،‬قال‪ :‬إذا يذهيب مين الجنية نصييبي؛ إلى غيير ذلك‬
‫مين كلمهيا وهيو يراجعهيا؛ إلى أن هيم بهيا‪ .‬وقيد ذكير بعضهيم ميا زال النسياء يملن إلى يوسيف مييل‬
‫شهوة حتى نبأه ال‪ ،‬فألقى عليه هيبة النبوة؛ فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه‪ .‬واختلف العلماء‬
‫في همه‪ .‬ول خلف أن همها كان المعصية‪ ،‬وأما يوسف فهم بها "لول أن رأى برهان ربه" ولكن‬
‫لمييا رأى البرهان مييا هييم؛ وهذا لوجوب العصييمة للنييبياء؛ قال ال تعالى‪" :‬كذلك لنصييرف عنييه‬
‫السيوء والفحشاء إنه مين عبادنيا المخلصيين" فإذا فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛ أي لول أن رأى برهان‬
‫ربيه هيم بهيا‪ .‬قال أبيو حاتيم‪ :‬كنيت أقرأ غرييب القرآن على أبيي عيبيدة فلميا أتييت على قوله‪" :‬ولقيد‬
‫همت به وهم بها" الية‪ ،‬قال أبو عبيدة‪ :‬هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه أراد ولقد همت به ولول‬
‫أن رأى برهان ربيه لهيم بهيا‪ .‬وقال أحميد بين يحييى‪ :‬أي هميت زليخاء بالمعصيية وكانيت مصيرة‪،‬‬
‫وهيم يوسيف ولم يواقيع ميا هيم بيه؛ فيبين الهمتيين فرق‪ ،‬ذكير هذيين القوليين الهروي فيي كتابيه‪ .‬قال‬
‫جميل‪:‬‬
‫شفيت غليلت الهوى من فؤاديا‬ ‫هممت بهم من بثينة لو بدا‬
‫آخر‪:‬‬
‫تركت على عثمان تبكي حلئله‬ ‫هممت ولم أفعل وكدت وليتني‬
‫فهذا كله حدييث نفيس مين غيير عزم‪ .‬وقييل‪ :‬هيم بهيا تمنيى زوجيتهيا‪ .‬وقييل‪ :‬هيم بهيا أي بضربهيا‬
‫ودفعهيا عين نفسيه‪ ،‬والبرهان كفيه عين الضرب؛ إذ لو ضربهيا لوهيم أنيه قصيدها بالحرام فامتنعيت‬
‫فضربها‪ .‬وقيل‪ :‬إن هم يوسف كان معصية‪ ،‬وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته‪ ،‬وإلى هذا‬
‫القول ذهيب معظيم المفسيرين وعامتهيم‪ ،‬فيميا ذكير القشيري أبيو نصير‪ ،‬وابين النباري والنحاس‬
‫والماوردي وغيرهيم‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬حيل الهميان وجلس منهيا مجلس الخاتين‪ ،‬وعنيه‪ :‬اسيتلقت‪،‬‬
‫على قفاهيا وقعيد بيين رجليهيا ينزع ثيابيه‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‪ :‬أطلق تكية سيراويله‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫حل السراويل حتى بلغ الليتين‪ ،‬وجلس منها مجلس الرجل من امرأته‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬ولما قال‪:‬‬
‫"ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" [يوسف‪ ]52 :‬قال له جبريل‪ :‬ول حين هممت بها يا يوسف؟!‬
‫فقال عند ذلك‪" :‬وما أبرئ نفسي" [يوسف‪ .]53 :‬قالوا‪ :‬والنكفاف في مثل هذه الحالة دال على‬
‫الخلص‪ ،‬وأعظم للثواب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا كان سبب ثناء ال تعالى على ذي الكفل حسب‪ ،‬ما يأتي بيانه في "ص] إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬وجواب "لول" على هذا محذوف؛ أي لول أن رأى برهان ربيه لمضيى ميا هيم بيه؛ ومثله‬
‫"كل لو تعلمون علم اليقيين" [التكاثير‪ ]5 :‬وجوابيه لم تتنافسيوا؛ قال ابين عطيية‪ :‬روي هذا القول‬
‫عيين ابيين عباس وجماعيية ميين السييلف‪ ،‬وقالوا‪ :‬الحكميية فييي ذلك أن يكون مثل للمذنييبين ليروا أن‬
‫توبتهم ترجع إلى‪ ،‬عفو ال تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب‪ ،‬وهذا‬
‫كله على أن هيم يوسيف بلغ فيميا روت هذه الفرقية إلى أن جلس بيين رجلي زليخاء وأخيذ فيي حيل‬
‫ثيابيه وتكتيه ونحو ذلك‪ ،‬وهيي قيد اسيتلقت له؛ حكاه الطيبري‪ .‬وقال أبو عبييد القاسيم بين سيلم‪ :‬وابين‬
‫عباس ومين دونيه ل يختلفون فيي أنيه هيم بهيا‪ ،‬وهيم أعلم بال وبتأوييل كتابيه‪ ،‬وأشيد تعظيميا للنيبياء‬
‫مين أن يتكلموا فيهيم بغيير علم‪ .‬وقال الحسين‪ :‬إن ال عيز وجيل لم يذكير معاصيي النيبياء ليعيرهيم‬
‫بهيا؛ ولكنيه ذكرهيا لكيل تيأسيوا من التوبية‪ .‬قال الغزنوي‪ :‬مع أن زلة النبياء حكميا‪ :‬زيادة الوجيل‪،‬‬
‫وشدة الحياء بالخجيل‪ ،‬والتخلي عين عجيب‪ ،‬العميل‪ ،‬والتلذذ بنعمية العفيو بعيد الميل‪ ،‬وكونهيم أئمية‬
‫رجاء أهيل الزلل‪ .‬قال القشيري أبيو نصير‪ :‬وقال قوم جرى مين يوسيف هيم‪ ،‬وكان ذلك الهيم حركية‬
‫طبع من غير تصميم للعقد على الفعل؛ وما كان من هذا القبيل ل يؤخذ به العبد‪ ،‬وقد يخطر بقلب‬
‫المرء وهييو صييائم شرب الماء البارد؛ وتناول الطعام اللذيييذ؛ فإذا لم يأكييل ولم يشرب‪ ،‬ولم يصييمم‬
‫عزمه على الكل والشرب ل يؤاخذ بما هجس في النفس؛ والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم‬
‫يصر عزما مصمما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا قول حسن؛ وممن قال به الحسن‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬الذي أقول به في هذه الية إن كون‬
‫يوسيف نبييا فيي وقيت هذه النازلة لم يصيح‪ ،‬ول تظاهرت بيه روايية؛ وإذا كان كذلك فهيو مؤمين قيد‬
‫أوتي حكما وعلما‪ ،‬ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر‬
‫الردييء على ميا فيي ذلك مين الخطيئة؛ وإن فرضناه نبييا فيي ذلك الوقيت فل يجوز علييه عندي إل‬
‫الهم الذي هو خاطر‪ ،‬ول يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه؛ لن العصمة مع النبوة‪.‬‬
‫وميا روي مين أنيه قييل له‪ :‬تكون فيي ديوان النيبياء وتفعيل فعيل السيفهاء‪ .‬فإنميا معناه العدة بالنبوة‬
‫فيما بعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا ذكره مين هذا التفصييل صيحيح؛ لكين قوله تعالى‪" :‬وأوحينيا إلييه" [يوسيف‪ ]15 :‬يدل‬
‫على أنه كان نبيا على ما ذكرناه‪ ،‬وهو قول جماعة من العلماء؛ وإذا كان نبيا فلم يبق إل أن يكون‬
‫الهيم الذي هيم بيه ميا يخطير فيي النفيس ول يثبيت فيي الصيدر؛ وهيو الذي رفيع ال فييه المؤاخذة عين‬
‫الخلق‪ ،‬إذ ل قدرة للمكلف على دفعيه؛ ويكون قوله‪" :‬وميا أبرئ نفسيي" [يوسيف‪ - ]53 :‬إن كان‬
‫مين قول يوسيف ‪ -‬أي مين هذا الهيم‪ ،‬أو يكون ذلك منيه على طرييق التواضيع والعتراف‪ ،‬لمخالفية‬
‫النفيس لميا زكيي بيه قبيل وبرئ؛ وقيد أخيبر ال تعالى عين حال يوسيف مين حيين بلوغيه فقال‪" :‬ولميا‬
‫بلغ أشده آتيناه حكما وعلما" [يوسيف‪ ]22 :‬على ما تقدم بيانيه؛ وخيبر ال تعالى صيدق‪ ،‬ووصفه‬
‫صيحيح‪ ،‬وكلميه حيق؛ فقيد عميل يوسيف بميا علميه ال مين تحرييم الزنيى ومقدماتيه؛ وخيانية السييد‬
‫والجار والجنبي في أهله؛ فما تعرض لمرأة العزيز‪ ،‬ول أجاب إلى المراودة‪ ،‬بل أدبر عنها وفر‬
‫منها؛ حكمة خص بها‪ ،‬وعمل بمقتضى ما علمه ال‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال‬
‫عنيه قال قال رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم‪( :‬قالت الملئكية رب ذاك عبدك يرييد أن يعميل سييئة‬
‫وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها‬
‫من جراي)‪ .‬وقال عليه السلم مخبرا عن ربه‪( :‬إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة)‪ .‬فإن‬
‫كان ميا يهيم بيه العبيد مين السييئة يكتيب له بتركهيا حسينة فل ذنيب؛ وفيي الصيحيح‪( :‬إن ال تجاوز‬
‫لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به) وقد تقدم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬كان بمدينة السلم‬
‫إمام من أئمة الصوفية‪ - ،‬وأي إمام ‪ -‬يعرف بابن عطاء! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر‬
‫تبرئته مما نسب إليه من مكروه؛ فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة‬
‫فقال‪ :‬ييا شييخ! ييا سييدنا! فإذا يوسيف هيم وميا تيم؟ قال‪ :‬نعيم! لن العنايية مين ثيم‪ .‬فانظير إلى حلوة‬
‫العالم والمتعلم‪ ،‬وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله‪ ،‬وجواب العالم في اختصاره واستيفائه؛ ولذلك‬
‫قال علماء الصوفية‪ :‬إن فائدة قوله‪" :‬ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما" [يوسف‪ ]22 :‬إنما أعطاه‬
‫ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا تقررت عصيمته وبراءتيه بثناء ال تعالى علييه فل يصيح ميا قال مصيعب بين عثمان‪:‬‬
‫إن سييليمان بيين يسييار كان ميين أحسيين الناس وجهييا‪ ،‬فاشتاقتييه امرأة فسييامته نفسييها فامتنييع عليهييا‬
‫وذكرهيا‪ ،‬فقالت‪ :‬إن لم تفعيل لشهرنيك؛ فخرج وتركهيا‪ ،‬فرأى فيي مناميه يوسيف الصيديق علييه‬
‫السيلم جالسيا فقال‪ :‬أنيت يوسيف؟ فقال‪ :‬أنيا يوسيف الذي همميت‪ ،‬وأنيت سيليمان الذي لم تهيم؟! فإن‬
‫هذا يقتضي أن تكون درجة الولية أرفع من درجة النبوة وهو محال؛ ولو قدرنا يوسف غير نبي‬
‫فدرجتييه الولييية‪ ،‬فيكون محفوظييا كهييو؛ ولو غلقييت على سييليمان البواب‪ ،‬وروجييع فييي المقال‬
‫والخطاب‪ ،‬والكلم والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة‪ ،‬وعظيم المحنة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول أن رأى برهان ربيه" "أن" فيي موضيع رفيع أي لول رؤيية برهان ربيه‬
‫والجواب محذوف‪ .‬لعلم السييامع؛ أي لكان مييا كان‪ .‬وهذا البرهان غييير مذكور فييي القرآن؛ فروي‬
‫عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية‬
‫البييت فسيترته بثوب‪ ،‬فقال‪ :‬ميا تصينعين؟ قالت‪ :‬أسيتحي مين إلهيي هذا أن يرانيي فيي هذه الصيورة؛‬
‫فقال يوسف‪ :‬أنا أولى أن أستحي من ال؛ وهذا أحسن ما قيل فيه‪ ،‬لن فيه إقامة الدليل‪ .‬وقيل‪ :‬رأى‬
‫مكتوبا في سقف البيت "ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل" [السراء‪ .]32 :‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬بدت كف مكتوب عليها "وإن عليكم لحافظين" [النفطار‪ ]10 :‬وقال قوم‪ :‬تذكر عهد‪ .‬ال‬
‫وميثاقه‪ .‬وقيل‪ :‬نودي يا يوسف! أنت مكتوب في ديوان النبياء وتعمل عمل السفهاء؟! وقيل‪ :‬رأى‬
‫صيورة يعقوب على الجدران عاضيا على أنملتيه يتوعده فسيكن‪ ،‬وخرجيت شهوتيه مين أنامله؛ قال‬
‫قتادة ومجاهد والحسن والضحاك‪ .‬وأبو صالح وسعيد بن جبير‪ .‬وروى العمش عن مجاهد قال‪:‬‬
‫حيل سيراويله فتمثيل له يعقوب‪ ،‬وقال له‪ :‬ييا يوسيف! فولى هاربيا‪ .‬وروى سيفيان عين أبيي حصيين‬
‫عين سيعيد بين جيبير قال‪ :‬مثيل له يعقوب فضرب صيدره فخرجيت شهوتيه مين أنامله‪ ،‬قال مجاهيد‪:‬‬
‫فولد لكيل واحيد مين أولد يعقوب اثنيا عشير ذكرا إل يوسيف لم يولد له إل غلمان‪ ،‬ونقيص بتلك‬
‫الشهوة ولده؛ وقيل غير هذا‪ .‬وبالجملة‪ :‬فذلك البرهان آية من آيات ال أراها ال يوسف حتى قوي‬
‫إيمانه‪ ،‬وامتنع عن المعصية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" الكاف من "كذلك" يجوز أن تكون رفعا‪،‬‬
‫بأن يكون خيبر ابتداء محذوف‪ ،‬التقديير‪ :.‬البراهيين كذلك‪ ،‬ويكون نعتيا لمصيدر محذوف؛ أي أريناه‬
‫البراهيين رؤيية كذلك‪ .‬والسيوء الشهوة‪ ،‬والفحشاء المباشرة‪ .‬وقييل‪ :‬السيوء الثناء القبييح‪ ،‬والفحشاء‬
‫الزنى‪ .‬وقيل‪ :‬السوء خيانة صاحبه‪ ،‬والفحشاء ركوب الفاحشة‪ .‬وقيل‪ :‬السوء عقوبة الملك العزيز‪.‬‬
‫وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو وابين عامير "المخلصيين" بكسير اللم؛ وتأويلهيا الذيين أخلصيوا طاعية‬
‫ال‪ .‬وقرأ الباقون بفتح اللم‪ ،‬وتأويلها‪ :‬الذين أخلصهم ال لرسالته؛ وقد كان يوسف صلى ال عليه‬
‫وسلم بهاتين الصفتين؛ لنه كان مخلصا في طاعة ال تعالى‪ ،‬مستخلصا لرسالة ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من‬
‫أراد بأهلك سوء إل أن يسجن أو عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسيتبقا الباب" قال العلماء‪ :‬وهذا مين اختصيار القرآن المعجيز الذي يجتميع فييه‬
‫المعانيي؛ وذلك أنيه لميا رأى برهان ربيه هرب منهيا فتعادييا‪ ،‬هيي لترده إلى نفسيها‪ ،‬وهيو ليهرب‬
‫عنها‪ ،‬فأدركته قبل أن يخرج‪ .‬وحذفت اللف من "استبقا" في اللفظ لسكونها وسكون اللم بعدها؛‬
‫كميا يقال‪ :‬جاءنيي عبدال فيي التثنيية؛ ومين العرب مين يقول‪ :‬جاءنيي عبدا ال بإثبات اللف بغيير‬
‫هميز‪ ،‬يجميع بيين سياكنين؛ لن الثانيي مدغيم‪ ،‬والول حرف ميد وليين‪ .‬ومنهيم مين يقول‪ :‬عبدا ال‬
‫بإثبات اللف والهمز‪ ،‬كما تقول في الوقف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقدت قميصه من دبر" أي من خلفه؛ قبضت في أعلى قميصه فتخرق القميص‬
‫عنيد طوقيه‪ ،‬ونزل التخرييق إلى أسيفل القمييص‪ .‬والسيتباق طلب السيبق إلى الشييء؛ ومنه السيباق‪.‬‬
‫والقد القطع‪ ،‬وأكثر ما يستعمل فيما كان طول؛ قال النابغة‪:‬‬
‫وتوقد بالصفاح نار الحباحب‬ ‫تقد السلوقي المضاعف نسجه‬
‫والقيط بالطاء يسيتعمل فيميا كان عرضيا‪ .‬وقال المفضيل بين حرب‪ :‬قرأت فيي مصيحف "فلميا رأى‬
‫قميصه عط من دبره" أي شق‪ .‬قال يعقوب‪ :‬العط الشق في الجلد الصحيح والثوب الصحيح‪.‬‬
‫@ في الية دليل على القياس والعتبار‪ ،‬والعمل بالعرف والعادة؛ لما ذكر من قد القميص مقبل‬
‫ومدبرا‪ ،‬وهذا أمر انفرد به المالكية في كتبهم؛ وذلك أن القميص إذا جبذ من خلف تمزق من تلك‬
‫الجهة‪ ،‬وإذا جبذ من قدام تمزق من تلك الجهة‪ ،‬وهذا هو الغلب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وألفييا سييدها لدى الباب" أي وجدا العزييز عنيد الباب‪ ،‬وعنيي بالسييد الزوج‪،‬‬
‫والقبيط يسيمون الزوج سييدا‪ .‬يقال‪ :‬ألفاه وصيادفه ووارطيه ووالطيه ولطيه كله بمعنيى واحيد؛ فلميا‬
‫رأت زوجها طلبت وجها للحيلة وكادت في "قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا" أي زنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن يسيجن" تقول‪ :‬يضرب ضربيا وجيعيا‪ .‬و"ميا جزاء" ابتداء‪ ،‬وخيبره "أن‬
‫يسييجن"‪" .‬أو عذاب أليييم" عطييف على موضييع "أن يسييجن" لن المعنييى‪ :‬إل السييجن‪ .‬ويجوز أو‬
‫عذابا أليما بمعنى‪ :‬أو يعذب عذابا أليما؛ قال الكسائي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 29 - 26 :‬قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد‬
‫من قبل فصدقت وهو من الكاذبين‪ ،‬وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين‪ ،‬فلما‬
‫رأى قميصه قيد من دبر قال إنه مين كيدكن إن كيدكين عظيم‪ ،‬يوسيف أعرض عن هذا واستغفري‬
‫لذنبك إنك كنت من الخاطئين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال هي راودتني عن نفسي" قال العلماء‪ :‬لما برأت نفسها؛ ولم تكن صادقة في‬
‫حبيه ‪ -‬لن مين شأن المحيب إيثار المحبوب ‪ -‬قال‪" :‬هيي راودتنيي عين نفسيي" نطيق يوسيف بالحيق‬
‫في مقابلة بهتها وكذبها عليه‪ .‬قال نوف الشامي وغيره‪ :‬كأن يوسف عليه السلم لم يبن عن كشف‬
‫القضية‪ ،‬فلما بغت به غضب فقال الحق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وشهد شاهد من أهلها" لنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم‬
‫الصادق من الكاذب‪ ،‬فشهد شاهد من أهلها‪ .‬أي حكم حاكم من أهلها؛ لنه حكم منه وليس بشهادة‪.‬‬
‫وقد اختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة‪ :‬الول ‪ -‬أنه طفل في المهد تكلم؛ قال السهيلي‪ :‬وهو‬
‫الصيحيح؛ للحدييث الوارد فييه عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وهيو قوله‪( :‬لم يتكلم فيي المهيد إل‬
‫ثلثة‪ )...‬وذكر فيهم شاهد يوسف‪ .‬وقال القشيري أبو نصر‪ :‬قيل فيه‪ :‬كان صبيا في المهد في الدار‬
‫وهيو ابين خالتهيا؛ وروى سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪:‬‬
‫(تكلم أربعة وهم صغار‪ )...‬فذكر منهم شاهد يوسف؛ فهذا قول‪ .‬الثاني ‪ -‬أن الشاهد قد القميص؛‬
‫رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد‪ ،‬وهو مجاز صحيح من جهة اللغة؛ فإن لسان الحال أبلغ من لسان‬
‫المقال؛ وقيد تضييف العرب الكلم إلى الجمادات وتخيبر عنهيا بميا هيي علييه مين الصيفات‪ ،‬وذلك‬
‫كثير في أشعارها وكلمها؛ ومن أحله قول بعضهم‪ :‬قال الحائط للوتد لم تشقني؟ قال له‪ :‬سل من‬
‫يدقنيي‪ .‬إل أن قول ال تعالى بعيد "مين أهلهيا" يبطيل أن يكون القمييص‪ .‬الثالث ‪ -‬أنيه خلق مين خلق‬
‫ال تعالى لييس بإنسيي ول بجنيي؛ قال مجاهيد أيضيا‪ ،‬وهذا يرده قوله تعالى‪" :‬مين أهلهيا"‪ .‬الرابيع ‪-‬‬
‫أنيه رجيل حكييم ذو عقيل كان الوزيير يسيتشيره فيي أموره‪ ،‬وكان مين جملة أهيل المرأة وكان ميع‬
‫زوجهيا فقال‪ :‬قيد سيمعت السيتبدار والجلبية مين وراء الباب‪ ،‬وشيق القمييص‪ ،‬فل يدري أيكميا كان‬
‫قدام صياحبه؛ فإن كان شيق القمييص مين قداميه فأنيت صيادقة‪ ،‬وإن كان مين خلفيه فهيو صيادق‪،‬‬
‫فنظروا إلى القمييييص فإذا هيييو مشقوق مييين خلف؛ هذا قول الحسييين وعكرمييية وقتادة والضحاك‬
‫ومجاهيد أيضيا والسيدي‪ .‬قال السيدي‪ :‬كان ابين عمهيا؛ وروي عين ابين عباس‪ ،‬وهيو الصيحيح فيي‬
‫الباب‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وروي عين ابين عباس ‪ -‬رواه عنيه إسيرائيل عين سيماك عين عكرمية ‪ -‬قال‪ :‬كان‬
‫رجل ذا لحيية‪ .‬وقال سيفيان عين جابر عين ابين أبيي مليكية عين ابين عباس أنيه قال‪ :‬كان مين خاصية‬
‫الملك‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬لم يكين بصيبي‪ ،‬ولكين كان رجل حكيميا‪ .‬وروى سيفيان عين منصيور عين‬
‫مجاهييد قال‪ :‬كان رجل‪ .‬قال أبييو جعفيير النحاس‪ :‬والشبييه بالمعنييى ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن يكون رجل‬
‫عاقل حكيميا شاوره الملك فجاء بهذه الدللة؛ ولو كان طفل لكانيت شهادتيه ليوسيف صيلى ال علييه‬
‫وسييلم تغنييي عيين أن يأتييي بدليييل ميين العادة؛ لن كلم الطفييل آييية معجزة‪ ،‬فكادت أوضييح ميين‬
‫السيتدلل بالعادة؛ ولييس هذا بمخالف للحدييث (تكلم أربعية وهيم صيغار) منهيم صياحب يوسيف‪،‬‬
‫يكون المعنى‪ :‬صغيرا ليس بشيخ؛ وفي هذا دليل آخر وهو‪ :‬أن ابن عباس رضي ال عنهما روى‬
‫الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد تواترت الرواية عنه أن صاحب يوسف ليس بصبي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قيد روي عين ابين عباس وأبيي هريرة وابين جيبير وهلل بين يسياف والضحاك أنيه كان‬
‫صيبيا فيي المهيد؛ إل أنيه لو كان صيبيا تكلم لكان الدلييل نفيس كلميه‪ ،‬دون أن يحتاج إلى اسيتدلل‬
‫بالقمييص‪ ،‬وكان يكون ذلك خرق عادة‪ ،‬ونوع معجزة؛ وال أعلم‪ .‬وسييأتي مين تكلم فيي المهيد مين‬
‫الصبيان في سورة [البروج] إن شاء ال‪.‬‬
‫@ إذا تنزلنيا على أن يكون الشاهيد طفل صيغيرا فل يكون فييه دللة على العميل بالمارات كميا‬
‫ذكرنا؛ وإذا كان رجل فيصح أن يكون حجة بالحكم بالعلمة في اللقطة وكثير من المواضع؛ حتى‬
‫قال مالك في اللصوص‪ :‬إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها‪ ،‬وليست لهم بينة فإن السلطان‬
‫يتلوم لهيم فيي ذلك؛ فإن لم يأت غيرهيم دفعهيا إليهيم‪ .‬وقال محميد فيي متاع البييت إذا اختلفيت فييه‬
‫المرأة والرجييل‪ :‬إن مييا كان للرجال فهييو للرجييل‪ ،‬ومييا كان للنسيياء فهييو للمرأة‪ ،‬ومييا كان للرجييل‬
‫والمرأة فهو للرجل‪ .‬وكان شريح وإياس بن معاوية يعملن على العلمات في الحكومات؛ وأصل‬
‫ذلك هذه الية‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كان قميصيه قيد مين قبيل" كان فيي موضيع جزم بالشرط‪ ،‬وفييه مين النحيو ميا‬
‫يشكل‪ ،‬لن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل‪ ،‬وليس هذا فيي كان؛ فقال المبرد محمد بن‬
‫يزيد‪ :‬هذا لقوة كان‪ ،‬وأنه يعبر بها عن جميع الفعال‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنى إن يكن؛ أي إن يعلم‪،‬‬
‫والعلم لم يقيع‪ ،‬وكذا الكون لنيه يؤدي عين العلم‪" .‬قيد مين قبيل" فخيبر عين "كان" بالفعيل الماضيي؛‬
‫كما قال زهير‪:‬‬
‫فل هو أبداها ولم يتقدم‬ ‫وكان طوى كشحا على مستكنة‬
‫وقرأ يحيييى بيين يعميير وابيين أبييي إسييحاق "ميين قبييل" بضييم القاف والباء واللم‪ ،‬وكذا "دبر" قال‬
‫الزجاج‪ :‬يجعلهميا غايتيين كقبيل وبعيد؛ كأنيه قال‪ :‬مين قبله ومين دبره‪ ،‬فلميا حذف المضاف إلييه ‪-‬‬
‫وهيو مراد ‪ -‬صييار المضاف غايية نفسيه بعييد أن كان المضاف إلييه غايية له‪ .‬ويجوز "ميين قبيل"‬
‫"ومن دبر" بفتح الراء واللم تشبيها بما ل ينصرف؛ لنه معرفة ومزال عن بابه‪ .‬وروى محبوب‬
‫عن أبي عمرو "من قبل" "ومن دبر" مخففان مجروران‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا رأى قميصيه قيد مين دبر قال إنيه من كيدكين" قييل‪ :‬قال لهيا ذلك العزييز عنيد‬
‫قولهيا‪" :‬ميا جزاء مين أراد بأهلك سيوءا" [يوسيف‪ .]25 :‬وقييل‪ :‬قاله لهيا الشاهيد‪ .‬والكييد‪ :‬المكير‬
‫والحيلة‪ ،‬وقد تقدم في (النفال)‪" .‬إن كيدكن عظيم" وإنما قال "عظيم" لعظم فتنتهن واحتيالهن في‬
‫التخلص مين ورطتهين‪ .‬وقال مقاتيل عين يحييى بين أبيي كثيير عين أبيي هريرة قال قال رسيول ال‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬إن كيييد النسيياء أعظييم ميين كيييد الشيطان لن ال تعالى يقول‪" :‬إن كيييد‬
‫الشيطان كان ضعيفا" [النساء‪ ]76 :‬وقال‪" :‬إن كيدكن عظيم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوسيف أعرض عين هذا" القائل هذا هيو الشاهيد‪ .‬و"يوسيف" نداء مفرد‪ ،‬أي ييا‬
‫يوسيف‪ ،‬فحذف‪" .‬أعرض عين هذا" أي ل تذكره لحيد واكتميه‪" .‬واسيتغفري لذنبيك" أقبيل عليهيا‬
‫فقال‪ :‬وأنت استغفري زوجك من ذنبك ل يعاقبك‪" .‬إنك كنت من الخاطئين" ولم يقل من الخاطئات‬
‫لنيه قصيد الخبار عين المذكير والمؤنيث‪ ،‬فغلب المذكير؛ والمعنيى‪ :‬مين الناس الخاطئيين‪ ،‬أو مين‬
‫القوم الخاطئين؛ مثل‪" :‬إنها كانت من قوم كافرين" [النمل‪" ]43 :‬وكانت من القانتين" [التحريم‪:‬‬
‫‪ .]12‬وقيل‪ :‬إن القائل ليوسف أعرض ولها استغفري زوجها الملك؛ وفيه قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه لم‬
‫يكن غيورا؛ فلذلك‪ ،‬كان ساكنا‪ .‬وعدم الغيرة في كثير من أهل مصر موجود‪ .‬الثاني‪ :‬أن ال تعالى‬
‫سلبه الغيرة وكان فيه لطف بيوسف حتى كفي بادرته وعفا عنها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 - 30 :‬وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا‬
‫إنا لنراها في ضلل مبين‪ ،‬فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة‬
‫منهين سيكينا وقالت اخرج عليهين فلميا رأينيه أكيبرنه وقطعين أيديهين وقلن حاش ل ميا هذا بشرا إن‬
‫هذا إل ملك كريم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال نسييوة فييي المدينيية" ويقال‪" :‬نُسييوة" بضييم النون‪ ،‬وهييي قراءة العمييش‬
‫والمفضيل والسيلمي‪ ،‬والجميع الكثيير نسياء‪ .‬ويجوز‪ :‬وقالت نسيوة‪ ،‬وقال نسيوة‪ ،‬مثيل قالت العراب‬
‫وقال العراب؛ وذلك أن القصة انتشرت في أهل مصر فتحدث النساء‪ .‬قيل‪ :‬امرأة ساقي العزيز‪،‬‬
‫وامرأة خبازه‪ ،‬وامرأة صيياحب دوابييه‪ ،‬وامرأة صيياحب سييجنه‪ .‬وقيييل‪ :‬امرأة الحاجييب؛ عيين ابيين‬
‫عباس وغيره‪" .‬تراود فتاهييا عين نفسيه" الفتييى فييي كلم العرب الشاب‪ ،‬والمرأة فتاة‪" .‬قيد شغفهيا‬
‫حبا" قيل‪ :‬شغفها غلبها‪ .‬وقيل‪ :‬دخل حبه في شغافها؛ عن مجاهد‪ .‬وغيره‪ .‬وروى عمرو بن دينار‬
‫عين عكرمية عين ابين عباس قال‪ :‬دخيل تحيت شغافهيا‪ .‬وقال الحسين‪ :‬الشغيف باطين القلب‪ .‬السيدي‬
‫وأبو عبييد‪ :‬شغاف القلب غلفيه‪ ،‬وهيو جلد عليه‪ .‬وقييل‪ :‬هيو وسيط القلب؛ والمعنيى فيي هذه القوال‬
‫متقارب‪ ،‬والمعنى‪ :‬وصل حبه إلى شغافها فغلب عليه؛ قال النابغة‪:‬‬
‫دخول الشغاف تبتغيه الصابع‬ ‫وقد حال هم دون ذلك داخل‬
‫وقد قيل‪ :‬إن الشغاف داء؛ وأنشد الصمعي للراجز‪:‬‬
‫يتبعها وهي له شغاف‬
‫وقرأ أبو جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن "شعفها" بالعين غير معجمة؛ قال ابن العرابي‪:‬‬
‫معناه أحرق حبيه قلبهيا؛ قال‪ :‬وعلى الول العميل‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وشعفيه الحيب أحرق قلبيه‪ .‬وقال‬
‫أبيو زييد‪ :‬أمرضيه‪ .‬وقيد شعيف بكذا فهيو مشعوف‪ .‬وقرأ الحسين "قيد شعفهيا" قال‪ :‬بطنهيا حبيا‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب؛ لن شعاف الجبال‪ .‬أعاليها؛ وقد شغف‬
‫بذلك شغفا بإسكان الغين إذا أولع به؛ إل أن أبا عبيدة أنشد بيت امرئ القيس‪:‬‬
‫كما شعف المهنوءة الرجل الطالي‬ ‫لتقتلني وقد شعفت فؤادها‬
‫قال‪ :‬فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك‪ .‬وروي عن الشعبي أنه قال‪ :‬الشغف بالغين المعجمة حب‪،‬‬
‫والشعف بالعين غير المعجمة جنون‪ .‬قال النحاس‪ :‬وحكي "قد شغِفها" بكسر الغين‪ ،‬ول يعرف في‬
‫كلم العرب إل "شغفهييا" بفتييح الغييين‪ ،‬وكذا "شعفهييا" أي تركهييا مشعوفيية‪ .‬وقال سييعيد بيين أبييي‬
‫عروبة عن الحسن‪ :‬الشغاف حجاب القلب‪ ،‬والشعاف سويداء القلب‪ ،‬فلو وصل الحب إلى الشعاف‬
‫لماتت؛ وقال الحسن‪ :‬ويقال إن الشغاف الجلدة اللصقة بالقلب التي ل ترى‪ ،‬وهي الجلدة البيضاء‪،‬‬
‫فلصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيا لنراهيا فيي ضلل ميبين" أي فيي هذا الفعيل‪ .‬وقال قتادة‪" :‬فتاهيا" وهيو فتيى‬
‫زوجهيا‪ ،‬لن يوسيف كان عندهيم فيي حكيم الممالييك‪ ،‬وكان ينفيذ أمرهيا فييه‪ .‬وقال مقاتيل عين أبيي‬
‫عثمان النهدي عين سيلمان الفارسيي قال‪ :‬إن امرأة العزييز اسيتوهبت زوجهيا يوسيف فوهبيه لهيا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ميا تصينعين بيه؟ قالت‪ :‬أتخذه ولدا؛ قال‪ :‬هيو لك؛ فربتيه حتيى أيفيع وفيي نفسيها منيه ميا فيي‬
‫نفسها‪ ،‬فكانت تنكشف له وتتزين وتدعوه من وجه اللطف فعصمه ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما سمعت بمكرهن" أي بغيبتهن إياها‪ ،‬واحتيالهن في ذمها‪ .‬وقيل‪ :‬إنها أطلعتهن‬
‫واستأمنتهن فأفشين سرها‪ ،‬فسمي ذلك مكرا‪ .‬وقوله‪" :‬أرسلت إليهن" في الكلم حذف؛ أي أرسلت‬
‫إليهين تدعوهين إلى وليمية لتوقعهين فيميا وقعيت فييه؛ فقال مجاهيد عين ابين عباس‪ :‬إن امرأة العزييز‬
‫قالت لزوجهيا إنيي أرييد أن أتخيذ طعاميا فأدعيو هؤلء النسيوة؛ فقال لهيا‪ :‬افعلي؛ فاتخذت طعاميا‪ ،‬ثيم‬
‫نجدت لهن البيوت؛ نجدت أي زينت؛ والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين‪ ،‬والجمع نجود‬
‫عين أبيي عبييد؛ والتنجييد التزييين؛ وأرسيلت إليهين أن يحضرن طعامهيا‪ ،‬ول تتخلف منكين امرأة‬
‫ممن سميت‪ .‬قال وهب بن منبه‪ :‬إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن‪ ،‬وقد قال فيهن أمية‬
‫بن أبي الصلت‪:‬‬
‫ومهدت لهن أنضادا وكبابا‬ ‫حتى إذا جئنها قسرا‬
‫ويروى‪ :‬أنماطيا‪ .‬قال وهيب بين منبيه‪ :‬فجئن وأخذن مجالسيهن‪" .‬وأعتدت لهين متكيأ" أي هيأت لهين‬
‫مجالس يتكئن عليها‪ .‬قال ابن جبير‪ :‬في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد‪ .‬وقرأ مجاهد‬
‫وسيعيد بين جيبير "متكيا" مخففيا غيير مهموز‪ ،‬والمتيك هيو الترج بلغية القبيط‪ ،‬وكذلك فسيره مجاهيد‬
‫روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال‪ :‬المتكأ مثقل هو الطعام‪ ،‬والمتك مخففا هو الترج؛ وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وترى المتك بيننا مستعارا‬ ‫نشرب الثم بالصواع جهارا‬
‫وقييد تقول أزد شنوءة‪ :‬الترجيية المتكيية؛ قال الجوهري‪ :‬ال ُمتْك َي مييا تبقيييه الخاتنيية‪ .‬وأصييل المتييك‬
‫الزماورد‪ .‬والمتكاء من النساء التي لم تحفض‪ .‬قال الفراء‪ :‬حدثني شيخ من ثقات أهل البصيرة أن‬
‫المتيك مخففيا الزماورد‪ .‬وقال بعضهيم‪ :‬إنيه الترج؛ حكاه الخفيش‪ .‬ابين زييد‪ :‬أترجيا وعسيل يؤكيل‬
‫به؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وشربنا الحلل من قلله‬ ‫فظلنا بنعمة واتكأنا‬
‫أي أكلنا‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬قوله تعالى‪" :‬واعتدت" من العتاد؛ وهو كل ما جعلته عدة لشيء‪" .‬متكأ" أصح ما قيل‬
‫فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‪ :‬مجلسا‪ ،‬وأما قول جماعة من أهل‪ ،‬التفسير إنه‬
‫الطعام فيجوز على تقديير‪ :‬طعام متكيأ‪ ،‬مثيل‪" :‬واسيأل القريية"؛ ودل على هذا الحذف "وآتيت كيل‬
‫واحدة منهين سيكينا" لن حضور النسياء معهين سيكاكين إنميا هيو لطعام يقطيع بالسيكاكين؛ كذا قال‬
‫فييي كتاب "إعراب القرآن" له‪ .‬وقال فييي كتاب "معانييي القرآن" له‪ :‬وروى معميير عيين قتادة قال‪:‬‬
‫"المتكيأ" الطعام‪ .‬وقييل‪" :‬المتكيأ" كيل ميا أتكيئ علييه عنيد طعام أو شراب أو حدييث؛ وهذا هيو‬
‫المعروف عند أهل اللغة‪ ،‬إل أن الروايات قد صحت بذلك‪ .‬وحكى القتبي أنه يقال‪ :‬اتكأنا عند فلن‬
‫أي أكلنيا‪ ،‬والصيل فيي "متكيأ" موتكيأ‪ ،‬ومثله متزن ومتعيد؛ لنيه مين وزنيت‪ ،‬ووعدت ووكأت‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬اتكيأ يتكيئ اتكاء‪" .‬كيل واحدة منهين سيكينا" مفعولن؛ وحكيى الكسيائي والفراء أن السيكين‬
‫يذكر ويؤنث‪ ،‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫بسكين موثقة النصاب‬ ‫فعيث في السنام غداة قر‬
‫الجوهري‪ :‬والغالب عليه التذكير‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫فذلك سكين على الحلق حاذق‬ ‫يرى ناصحا فيما بدا فإذا خل‬
‫الصمعي‪ :‬ل يعرف في السكين إل التذكير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالت اخرج عليهن" بضم التاء للتقاء الساكنين؛ لن الكسرة تثقل إذا كان بعدها‬
‫ضمية‪ ،‬وكسيرت التاء على الصيل‪ .‬قييل‪ :‬إنهيا قالت لهين‪ :‬ل تقطعين ول تأكلن حتيى أعلمكين‪ ،‬ثيم‬
‫قالت لخادمهيا‪ :‬إذا قلت لك ادع إيل فادع يوسيف؛ وإييل‪ :‬صينم كانوا يعبدونيه‪ ،‬وكان يوسيف علييه‬
‫السيلم يعميل فيي الطيين‪ ،‬وقيد شيد مئزره‪ ،‬وحسير عن ذراعييه؛ فقالت للخادم‪ :‬ادع لي إيل؛ أي ادع‬
‫لي الرب؛ وإيل بالعبرانية الرب؛ قال‪ :‬فتعجب النسوة وقلن‪ :‬كيف يجيء؟! فصعدت الخادم فدعت‬
‫يوسف‪ ،‬فلما انحدر قالت لهن‪ :‬اقطعن ما معكن‪" .‬فلما رأينه أكبرنه" واختلف في معنى "أكبرنه"‬
‫فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس‪ :‬أعظمنه وهبنه؛ وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش؛‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫صهلن وأكبرن المني المدفقا‬ ‫إذا ما رأين الفحل من فوق قارة‬
‫وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه‪ :‬إنهم قالوا أمذين عشقا؛ وهب بن منبه‪ :‬عشقنه حتى مات‬
‫منهين عشير فيي ذلك المجلس دهشيا وحيرة ووجدا بيوسيف‪ .‬وقييل‪ :‬معناه حضين مين الدهيش؛ قاله‬
‫قتادة ومقاتل والسدي؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ول نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا‬ ‫نأتي النساء على أطهارهن‬
‫وأنكير ذلك أبيو عيبيدة وغيره وقالوا‪ :‬لييس ذلك فيي كلم العرب‪ ،‬ولكنيه يجوز أن يكين حضين مين‬
‫شدة إعظامهين له‪ ،‬وقيد تقزع المرأة فتسيقط ولدهيا أو تحييض‪ .‬قال الزجاج يقال أكيبرنه‪ ،‬ول يقال‬
‫حضنه‪ ،‬فليس الكبار بمعنى الحيض؛ وأجاب الزهري فقال‪ :‬يجوز أكبرت بمعنى حاضت؛ لن‬
‫المرأة إذا حاضت في البتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر؛ قال‪ :‬والهاء في "أكبرنه" يجوز‬
‫أن تكون هاء الوقيف ل هاء الكنايية‪ ،‬وهذا مزييف‪ ،‬لن هاء الوقيف تسيقط فيي الوصيل‪ ،‬وأمثيل منيه‬
‫قول ابين النباري‪ :‬إن الهاء كنايية عين مصيدر الفعيل‪ ،‬أي أكيبرن إكبارا‪ ،‬بمعنيى حضين حيضيا‪.‬‬
‫وعلى قول ابن عباس الول تعود الهاء إلى يوسف؛ أي أعظمن يوسف وأجللنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقطعين أيديهين" بالمدى حتيى بلغيت السيكاكين إلى العظيم؛ قاله وهيب بين منبيه‪.‬‬
‫سيعيد بين جيبير‪ :‬لم يخرج عليهين حتيى زينتيه‪ ،‬فخرج عليهين فجأة فدهشين فييه‪ ،‬وتحيرن لحسين‬
‫وجهه وزينته وما عليه‪ ،‬فجعلن يقطعن أيديهن‪ ،‬ويحسبن أنهن يقطعن الترج؛ قال مجاهد‪ :‬قطعنها‬
‫حتيى ألقينهيا‪ .‬وقييل‪ :‬خدشنهيا‪ .‬وروى ابين أبيي نجييح عين مجاهيد قال‪ :‬حزا بالسيكين‪ ،‬قال النحاس‪:‬‬
‫يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد‪ ،‬إنما هو خدش وحز‪ ،‬وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا‬
‫خدش النسيان ييد صياحبه قطيع يده‪ .‬وقال عكرمية‪" :‬أيديهين" أكمامهين‪ ،‬وفييه بعيد‪ .‬وقييل‪ :‬أناملهين؛‬
‫أي ما وجدن ألما في القطع والجرح‪ ،‬أي لشغل قلوبهن بيوسف‪ ،‬والتقطيع يشير إلى الكثرة‪ ،‬فيمكن‬
‫أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع‪ ،‬ويمكن أن يرجع إلى عددهن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقلن حاش ل" أي معاذ ال‪ .‬وروى الصيمعي عين نافيع أنيه قرأ كميا قرأ أبيو‬
‫عمرو بين العلء‪" .‬وقلن حاشيا ل" بإثبات اللف وهيو الصيل‪ ،‬ومين حذفهيا جعيل اللم فيي "ل"‬
‫عوضيا منهيا‪ .‬وفيهيا أربيع لغات؛ يقال‪ :‬حاشاك وحاشيا لك وحاش لك وحشيا لك‪ .‬ويقال‪ :‬حاشيا زييد‬
‫وحاشيا زيدا؛ قال النحاس‪ :‬وسيمعت علي بين سيليمان يقول سيمعت محميد بين يزييد يقول‪ :‬النصيب‬
‫أولى؛ لنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد‪ ،‬والحرف ل يحذف منه؛ وقد قال‪ ،‬النابغة‪:‬‬
‫ول أحاشي من القوام من أحد‬
‫وقال بعضهيم‪ :‬حاش حرف‪ ،‬وأحاشيي فعيل‪ .‬ويدل على كون حاشيا فعل وقوع حرف الجير بعدهيا‪.‬‬
‫وحكى أبو زيد عن أعرابي‪ :‬اللهم اغفر لي ولمن يسمع‪ ،‬حاشا الشيطان وأبا الصبغ؛ فنصب بها‪.‬‬
‫وقرأ الحسن "وقلن حاش ل" بإمكان الشين‪ ،‬وعنه أيضا "حاش الله"‪ .‬ابن مسعود وأبي‪" :‬حاش‬
‫ال" بغير لم‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ضنا عن الملحاة والشتم‬ ‫حاشا أبي ثوبان إن به‬
‫قال الزجاج‪ :‬وأصل الكلمة من الحاشية‪ ،‬والحشا بمعنى الناحية‪ ،‬تقول‪ :‬كنت في حشا فلن أي في‬
‫ناحيته؛ فقولك‪ :‬حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه‪ ،‬والستثناء إخراج وتنحية عن جملة‬
‫المذكورين‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬هو فاعل من المحاشاة؛ أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما‬
‫قرف به‪ ،‬أو من أن يكون بشرا؛ فحاشا وحاش في الستثناء حرف جر عند سيبويه‪ ،‬وعلى ما قال‬
‫المبرد وأبو علي فعل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا هذا بشرا" قال الخلييل وسييبويه‪" :‬ميا" بمنزلة لييس؛ تقول‪ :‬لييس زييد قائميا‪،‬‬
‫و"ميا هذا بشرا" و"ميا هين أمهاتهيم" [المجادلة‪ .]2 :‬وقال الكوفيون‪ :‬لميا حذفيت الباء نصيبت؛‬
‫وشرج هذا ‪ -‬فيمييا قال أحمييد بيين يحيييى‪ - ،‬إنييك إذا قلت‪ :‬مييا زيييد بمنطلق‪ ،‬فموضييع الباء موضييع‬
‫نصيب‪ ،‬وهكذا سيائر حروف الخفيض؛ فلميا حذفيت الباء نصيبت لتدل على محلهيا‪ ،‬قال‪ :‬وهذا قول‬
‫الفراء‪ ،‬قال‪ :‬ولم تعميل "ميا" شيئا؛ فألزمهيم البصيريون أن يقولوا‪ :‬زييد القمير؛ لن المعنيى كالقمير!‬
‫فرد أحميد بين يحييى بأن قال‪ :‬الباء أدخيل فيي حروف الخفيض مين الكاف؛ لن الكاف تكون اسيما‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬ل يصيح إل قول البصيريين؛ وهذا القول يتناقيض؛ لن الفراء أجاز نصيا ميا بمنطلق‬
‫زيد‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫وما بالحر أنت ول العتيق‬ ‫أما وال أن لو كنت حرا‬
‫ومنع نصا النصب؛ ول نعلم بين النحويين اختلفا أنه جائز‪ :‬ما فيك براغب زيد‪ ،‬وما إليك بقاصد‬
‫عمرو‪ ،‬ثيم يحذفون الباء ويرفعون‪ .‬وحكيى البصيريون والكوفيون ميا زييد منطلق بالرفيع‪ ،‬وحكيى‬
‫البصريون أنها لغة تميم‪ ،‬وأنشدوا‪:‬‬
‫وما تيم لذي حسب نديد‬ ‫أتيما تجعلون إلي ندا‬
‫النيد والندييد والنديدة المثيل والنظيير‪ .‬وحكيى الكسيائي أنهيا لغية تهامية ونجيد‪ .‬وزعيم الفراء أن الرفيع‬
‫أقوى الوجهيين‪ :‬قال أبيو إسيحاق‪ :‬وهذا غلط؛ كتاب ال عيز وجيل ولغية رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم أقوى وأولى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيي مصيحف حفصية رضيي ال عنهيا "ميا هذا ببشير" ذكره الغزنوي‪ .‬قال القشيري أبيو‬
‫نصر‪ :‬وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن‪ ،‬من صورة البشر‪ ،‬بل هو في صورة ملك؛ وقال‬
‫ال تعالى‪" :‬لقد خلقنا النسان في أحسن تقويم" [التين‪ ]4 :‬والجمع بين اليتين أن قولهن‪" :‬حاش‬
‫ل" تيبرئة ليوسيف عميا رمتيه بيه امرأة العزييز‪ .‬مين المراودة‪ ،‬أي بعيد يوسيف عين هذا؛ وقولهين‪:‬‬
‫"ل" أي لخوفيه‪ ،‬أي براءة ل مين هذا؛ أي قيد نجيا يوسيف مين ذلك‪ ،‬فلييس هذا مين الصيورة فيي‬
‫شيييء؛ والمعنييى‪ :‬أنيه فييي التييبرئة عين المعاصييي كالملئكيية؛ فعلى هذا ل تناقييض‪ .‬وقيييل‪ :‬المراد‬
‫تنزيهيه عين مشابهية البشير فيي الصيورة‪ ،‬لفرط جماله‪ .‬وقوله‪" :‬ل" تأكييد لهذا المعنيى؛ فعلى هذا‬
‫المعنيى قالت النسيوة ذلك ظنيا منهين أن صيورة الملك أحسين‪ ،‬وميا بلغهين قوله تعالى‪" :‬لقيد خلقنيا‬
‫النسان في أحسن تقويم" [التين‪ ]4 :‬فإنه من كتابنا‪ .‬وقد ظن بعض‪ ،‬الضعفة أن هذا القول لو كان‬
‫ظنيا باطل منهين لوجيب على ال أن يرد عليهين‪ ،‬وييبين كذبهين‪ ،‬وهذا باطيل؛ إذ ل وجوب على ال‬
‫تعالى‪ ،‬وليس كل ما يخبر به ال سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به‬
‫الرد عليه‪ ،‬وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان‪ ،‬وفي الحسن كأنه ملك؛ أي لم ير‬
‫مثله‪ ،‬لن الناس ل يرون الملئكيية؛ فهييو بناء على ظيين فييي أن صييورة الملك أحسيين‪ ،‬أو على‬
‫الخبار بطهارة أخلقه وبعده عن التهم‪" ..‬إن هذا إل ملك" أي ما هذا إل ملك؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫تنزل من جو السماء يصوب‬ ‫فلست لني ولكن لملك‬
‫وروي عين الحسين‪" :‬ميا هذا بشرى" بكسير الباء والشيين‪ ،‬أي ميا هذا عبدا مشترى‪ ،‬أي ميا ينبغيي‬
‫لمثييل هذا أن يباع‪ ،‬فوضييع المصييدر موضييع اسييم المفعول‪ ،‬كمييا قال‪" :‬أحييل لكييم صيييد البحيير"‬
‫[المائدة‪ ]96 :‬أي مصيده‪ ،‬وشبهه كثير‪ .‬ويجوز أن يكون المعنى‪ :‬ما هذا بثمن‪ ،‬أي مثله ل يثمن‬
‫ول يقوم؛ فيراد بالشراء على هذا الثميين المشترى بييه‪ :‬كقولك‪ :‬مييا هذا بألف إذا نفيييت قول القائل‪:‬‬
‫هذا بألف‪ .‬فالباء على هذا متعلقيية بمحذوف هييو الخييبر‪ ،‬كأنييه قال‪ :‬مييا هذا مقدرا بشراء‪ .‬وقراءة‬
‫العامة أشبه؛ لن بعده "إن هذا إل ملك كريم" مبالغة في تفضيله في جنس الملئكة تعظيما لشأنه‪،‬‬
‫ولن مثل "بشرى" يكتب في المصحف بالياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما‬
‫آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالت فذلكين الذي لمتننيي فييه" لميا رأت افتتانهين بيوسيف أظهرت عذر نفسيها‬
‫بقولهيا‪" :‬لمتننيي فييه" أي بحبيه‪ ،‬و"ذلك" بمعنيى "هذا" وهيو اختيار الطيبري‪ .‬وقييل‪ :‬الهاء للحيب‪،‬‬
‫و"ذلك" عيل بابيه‪ ،‬والمعنيى‪ :‬ذلكين الحيب الذي لمتننيي فييه‪ ،‬أي حيب هذا هيو ذلك الحيب‪ .‬واللوم‬
‫الوصف بالقبيح‪ .‬ثم أقرت وقالت‪" :‬ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي امتنع‪ .‬وسميت العصمة‬
‫عصمة لنها تمنع من ارتكاب المعصية‪ .‬وقيل‪" :‬استعصم" أي استعصى‪ ،‬والمعنى واحد‪" .‬ولئن‬
‫لم يفعييل مييا آمره ليسييجنن" عاودتييه المراودة بمحضيير منهيين‪ ،‬وهتكييت جلباب الحياء‪ ،‬ووعدت‬
‫بالسيجن إن لم يفعيل‪ ،‬وإنميا فعلت هذا حيين لم تخيش لوميا ول مقال خلف أول أمرهيا إذ كان ذلك‬
‫بينيه وبينهيا‪" .‬وليكون من الصياغرين" أي الذلء‪ .‬وخيط المصيحف "وليكونيا" باللف وتقرأ بنون‬
‫مخففة للتأكيد؛ ونون التأكيد تثقل وتخفف والوقف على قوله‪" :‬ليسجنن" بالنون لنها مثقلة‪ ،‬وعلى‬
‫"ليكونيا" باللف لنهيا مخففية‪ ،‬وهيي تشبيه نون العراب فيي قولك‪ :‬رأييت رجل وزيدا وعمرا‪،‬‬
‫ومثله قوله‪" :‬لنسفعا بالناصية" ونحوها الوقف عليها باللف‪ ،‬كقول العشى‪:‬‬
‫ول تعبد الشيطان وال فاعبدا‬
‫أي أراد فاعبدا‪ ،‬فلما وقف عليه كان الوقف باللف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 34 - 33 :‬قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإل تصرف عني كيدهن‬
‫أصب إليهن وأكن من الجاهلين‪ ،‬فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب السييجن أحييب إلي ممييا يدعوننييي إليييه" أي دخول السييجن‪ ،‬فحذف‬
‫المضاف؛ قاله الزجاج والنحاس‪" .‬أحيب إلي" أي أسيهل علي وأهون مين الوقوع فيي المعصيية؛ ل‬
‫أن دخول السيجن مميا يحيب على التحقييق‪ .‬وحكيي أن يوسيف علييه السيلم لميا قال‪" :‬السيجن أحيب‬
‫إلي" أوحيى ال إلييه "ييا يوسيف! أنيت حبسيت نفسيك حييث قلت السيجن أحيب إلي‪ ،‬ولو قلت العافيية‬
‫أحب إلي لعوفيت"‪ .‬وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي ال عنه قرأ‪" :‬السّجن" بفتح السين‬
‫وحكيى أن ذلك قراءة ابين أبيي إسيحاق وعبدالرحمين العرج ويعقوب؛ وهيو مصيدر سيجنه سيجنا‪.‬‬
‫"وإل تصيرف عنيي كيدهين" أي كييد النسيوان‪ .‬وقييل‪ :‬كييد النسيوة اللتيي رأينيه؟ فإنهين أمرنيه‬
‫بمطاوعية امرأة العزييز‪ ،‬وقلن له‪ :‬هيي مظلومية وقيد ظلمتهيا‪ .‬وقييل‪ :‬طلبيت كيل واحدة أن تخلو بيه‬
‫للنصييحة فيي امرأة العزييز؛ والقصيد بذلك أن تعذله فيي حقهيا‪ ،‬وتأمره بمسياعدتها‪ ،‬فلعله يجييب؛‬
‫فصيارت كيل واحدة تخلو بيه على حدة فتقول له‪ :‬ييا يوسيف! اقيض لي حاجتيي فأنيا خيير لك مين‬
‫سييدتك؛ تدعوه كيل واحدة لنفسيها وتراوده؛ فقال‪ :‬ييا رب كانيت واحدة فصيرن جماعية‪ .‬وقييل‪ :‬كييد‬
‫امرأة العزيييز فيمييا دعتييه إليييه ميين الفاحشيية؛ وكنييى عنهييا بخطاب الجمييع إمييا لتعظيييم شأنهييا فييي‬
‫الخطاب‪ ،‬وإمييا ليعدل عيين التصييريح إلى التعريييض‪ .‬والكيييد الحتيال والجتهاد؛ ولهذا سييميت‬
‫الحرب كيدا لحتيال الناس فيها؛ قال عمر بن لجأ‪:‬‬
‫وكيد بالتبرج ما تكيد‬ ‫تراءت كي تكيدك أم بشر‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أصب إليهن" جواب الشرط‪ ،‬أي أمل إليهن‪ ،‬من صبا يصبو ‪ -‬إذا مال واشتاق ‪-‬‬
‫صبوا وصبوة؛ قال‪:‬‬
‫وهند مثلها يصبي‬ ‫إلى هند صبا قلبي‬
‫أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها‪" .‬وأكن من الجاهلين" أي ممن يرتكب الثم‬
‫ويسييتحق الذم‪ ،‬أو مميين يعمييل عمييل الجهال؛ ودل هذا على أن أحدا ل يمتنييع عيين معصييية ال إل‬
‫بعون ال؛ ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسيتجاب له ربيه" لميا قال‪" .‬وإل تصيرف عين كيدهين" تعرض للدعاء‪ ،‬وكأنيه‬
‫قال‪ :‬اللهيم اصيرف عنيي كيدهين؛ فاسيتجاب له دعاءه‪ ،‬ولطيف بيه وعصيمه عين الوقوع فيي الزنيى‪.‬‬
‫"كيدهين" قييل‪ :‬لنهين جميع قيد راودنيه عين نفسيه‪ .‬وقييل‪ :‬يعنيي كييد النسياء‪ .‬وقييل‪ :‬يعنيي كييد امرأة‬
‫العزيز‪ ،‬على ما ذكر في الية قبل؛ والعموم أولى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬ثم بدا لهم من بعد ما رأوا اليات ليسجننه حتى حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم بدا لهيم" أي ظهير للعزييز وأهيل مشورتيه "مين بعيد أن رأوا اليات" أي‬
‫علمات براءة يوسف ‪ -‬من قد القميص من دبر؛ وشهادة الشاهد‪ ،‬وحز اليدي‪ ،‬وقلة صبرهن عن‬
‫لقاء يوسيف‪ :‬أن يسيجنوه كتمانيا للقصية أل تشييع فيي العامية‪ ،‬وللحيلولة بينيه وبينهيا‪ .‬وقييل‪ :‬هيي‬
‫البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم؛ والول أصح‪ .‬قال مقاتل عن مجاهد عن ابن‬
‫عباس في قوله‪" :‬ثم بدا لهم من بعد ما رأوا اليات" قال‪ :‬القميص من اليات‪ ،‬وشهادة الشاهد من‬
‫اليات‪ ،‬وقطع اليدي من اليات‪ ،‬وإعظام النساء إياه من اليات‪ .‬وقيل‪ :‬ألجأها الخجل من الناس‪،‬‬
‫والوجييل ميين اليأس إلى أن رضيييت بالحجاب مكان خوف الذهاب‪ ،‬لتشتفييي إذا منعييت ميين نظره‪،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫من اللقاء كمشتاق بل أمل‬ ‫وما صبابة مشتاق على أمل‬
‫أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه‪.‬‬
‫جنُنه" فيي موضيع الفاعيل؛ أي ظهير لهيم أن يسيجنوه؛ هذا قول‬ ‫جنُنه" "يُسْي ُ‬‫@قوله تعالى‪" :‬ليَسْي ُ‬
‫سيييبويه‪ .‬قال المييبرد‪ :‬وهذا غلط؛ ل يكون الفاعييل جملة‪ ،‬ولكيين الفاعييل مييا دل عليييه "بدا" وهييو‬
‫مصدر؛ أي بدا لهم بداء؛ فحذف لن الفعل يدل عليه؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يوقفه الذي نصب الجبال‬ ‫وحق لمن أبو موسى أبوه‬
‫أي وحيق الحيق‪ ،‬فحذف‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ثيم بدا لهيم رأي لم يكونوا يعرفونيه؛ وحذف هذا لن فيي‬
‫الكلم دليل عليييه‪ ،‬وحذف أيضيييا القول؛ أي قالوا‪ :‬ليسييجننه‪ ،‬واللم جواب ليمييين مضمييير؛ قاله‬
‫الفراء‪ ،‬وهيو فعيل مذكير ل فعيل مؤنيث؛ ولو كان فعل مؤنثيا لكان يسيجنانه؛ ويدل على هذا قوله‬
‫"لهم" ولم يقل لهن‪ ،‬فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر؛ قاله أبو علي‪ .‬وقال السدي‪:‬‬
‫كان سيبب حبيس يوسيف أن امرأة العزييز شكيت إلييه أنيه شهرهيا ونشير خبرهيا؛ فالضميير على هذا‬
‫في "لهم" للملك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتيى حيين" أي إلى مدة غيير معلومية؛ قاله كثيير مين المفسيرين‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫إلى انقطاع ميا شاع فيي المدينية‪ .‬وقال سعيد بين جبير‪ :‬إلى سيتة أشهير‪ .‬وحكى الكيا أنه عنى ثلثة‬
‫عشر شهرا‪ .‬عكرمة‪ :‬تسع سنين‪ .‬الكلبي‪ :‬خمس سنين‪ .‬مقاتل‪ :‬سبع‪ .‬وقد مضى في "البقرة" القول‬
‫فيي الحيين وميا يرتبيط بيه مين الحكام‪ .‬وقال وهيب‪ :‬أقام فيي السيجن اثنتيي عشرة سينة‪ .‬و"حتيى"‬
‫بمعنيى إلى؛ كقوله‪" :‬حتيى مطلع الفجير" [القدر‪ .]5 :‬وجحيل ال الحبيس تطهيرا ليوسيف صيلى ال‬
‫علييه وسيلم مين هميه بالمرأة‪ .‬وكأن العزيييز ‪ -‬وإن عرف براءة يوسييف ‪ -‬أطاع المرأة فييي سييجن‬
‫يوسييف‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬عثيير يوسييف ثلث عثرات‪ :‬حييين هييم بهييا فسييجن‪ ،‬وحييين قال للفتييى‪:‬‬
‫"اذكرنيي عنيد ربيك" [يوسيف‪ ]42 :‬فلبيث فيي السيجن بضيع سينين‪ ،‬وحيين قال لخوتيه‪" :‬إنكيم‬
‫لسارقون" [يوسف‪ ]70 :‬فقالوا‪" :‬إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل"‪[ .‬يوسف‪.]77 :‬‬
‫@ أكره يوسف عليه السلم على الفاحشة بالسجن‪ ،‬وأقام خمسة أعوام‪ ،‬وما رضي بذلك لعظييم‬
‫منزلتيه وشرييف قدره؛ ولو أكره رجيل بالسيجن على الزنيى ميا جاز له إجماعيا‪ .‬فإن أكره بالضرب‬
‫فقيد اختلف فييه العلماء‪ ،‬والصيحيح أنيه إذا كان فادحيا فإنيه يسيقط عنيه إثيم الزنيى وحده‪ .‬وقيد قال‬
‫بعيض علمائنيا‪ :‬إنيه ل يسيقط عنيه الحيد‪ ،‬وهيو ضعييف؛ فإن ال تعالى ل يجميع على عبده العذابيين‪،‬‬
‫ول يصرفه بين بلءين؛ فإنه من أعظم الحرج في الدين‪" .‬وما جعل عليكم في الدين من حرج"‪.‬‬
‫[الحيج‪ .]78 :‬وسييأتي بيان هذا فيي "النحيل" إن شاء ال‪ .‬وصيبر يوسيف‪ ،‬واسيتعاذ بيه مين الكييد‪،‬‬
‫فاستجاب له على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الخر إني‬
‫أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ودخل معه السجن فتيان" "فتيان" تثنية فتى؛ وهو من ذوات الياء‪ ،‬وقولهم‪ :‬الفتو‬
‫شاذ‪ .‬قال وهييب وغيره‪ :‬حمييل يوسييف إلى السييجن مقيدا على حمار‪ ،‬وطيييف بييه "هذا جزاء ميين‬
‫يعصيي سييدته" وهيو يقول‪ :‬هذا أيسير مين مقطعات النيران‪ ،‬وسيرابيل القطران‪ ،‬وشراب الحمييم‪،‬‬
‫وأكيل الزقوم‪ .‬فلميا انتهيى يوسيف إلى السيجن وجيد فييه قوميا قيد انقطيع رجاؤهيم‪ ،‬واشتيد بلؤهيم؛‬
‫فجعل يقول لهم‪ :‬اصبروا وابشروا تؤجروا؛ فقالوا له‪ :‬يا فتى ! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في‬
‫جوارك‪ ،‬مين أنيت ييا فتيى؟ قال‪ :‬أنيا يوسيف ابين صيفي ال يعقوب‪ ،‬ابين ذبييح ال إسيحاق‪ ،‬ابين خلييل‬
‫ال إبراهيم‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني‪ ،‬وأنا أريد‬
‫أن تسجنه‪ ،‬فسجنه في السجن؛ فكان يعزي فيه الحزين‪ ،‬ويعود فيه المريض‪ ،‬ويداوي فيه الجريح‪،‬‬
‫ويصيلي اللييل كله‪ ،‬ويبكيي حتيى تبكييي معيه جدر البيوت وسيقفها والبواب‪ ،‬وطهير بيه السيجن‪،‬‬
‫واسيتأنس بيه أهيل السيجن؛ فكان إذا خرج الرجيل مين السيجن رجيع حتيى يجلس فيي السيجن ميع‬
‫يوسيف‪ ،‬وأحبيه صياحب السيجن فوسيع علييه فييه؛ ثيم قال‪ ،‬له‪ :‬ييا يوسيف! لقيد أحببتيك‪ .‬حبيا لم أحيب‬
‫شيئا حبيك؛ فقال‪ :‬أعوذ بال مين حبيك‪ ،‬قال‪ :‬ولم ذلك؟ فقال‪ :‬أحبنيي أبيي ففعيل بيي أخوتيي ميا فعلوه‪،‬‬
‫وأحبتنييي سيييدتي فنزل بييي مييا ترى‪ ،‬فكان فييي حبسييه حتييى غضييب الملك على خبازه وصيياحب‬
‫شرابييه‪ ،‬وذلك أن الملك عميير فيهييم فملوه‪ ،‬فدسييوا إلى خبازه وصيياحب شرابييه أن يسييماه جميعييا‪،‬‬
‫فأجاب الخباز وأبييى صيياحب الشراب‪ ،‬فانطلق صيياحب الشراب فأخييبر الملك بذلك‪ ،‬فأميير الملك‬
‫بحبسيهما‪ ،‬فاسيتأنسا بيوسيف‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬ودخيل معيه السيجن فتيان" وقيد قييل‪ :‬إن الخباز وضيع‬
‫السيم فيي الطعام‪ ،‬فلميا حضير الطعام قال السياقي‪ :‬أيهيا الملك! ل تأكيل فإن الطعام مسيموم‪ .‬وقال‬
‫الخباز‪ :‬أيها الملك ل تشرب! فإن الشراب مسموم؛ فقال الملك للساقي‪ :‬اشرب! فشرب فلم يضره‪،‬‬
‫وقال للخباز‪ :‬كيل؛ فأبيى‪ ،‬فجرب الطعام على حيوان فنفيق مكانيه‪ ،‬فحبسيهما سينة‪ ،‬وبقييا فيي السيجن‬
‫تلك المدة ميع يوسيف‪ .‬واسيم السياقي منجيا‪ ،‬والخير مجلث؛ ذكره الثعلبيي عين كعيب‪ .‬وقال النقاش‪:‬‬
‫اسييم أحدهمييا شرهييم‪ ،‬والخيير سييرهم؛ الول‪ ،‬بالشييين المعجميية‪ .‬والخيير بالسييين المهملة‪ .‬وقال‬
‫الطبري‪ :‬الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو‪ ،‬قال السهيلي‪ :‬وذكر اسم الخر ولم أقيده‪.‬‬
‫وقال "فتيان" لنهميا كانيا عبديين‪ ،‬والعبيد يسيمى فتيى‪ ،‬صيغيرا كان أو كيبيرا؛ ذكره الماوردي‪.‬‬
‫وقال القشيري‪ :‬ولعييل الفتييى كان اسييما للعبييد فييي عرفهييم؛ ولهذا قال‪" :‬تراود فتاهييا عيين نفسييه"‬
‫[يوسف‪ .]30 :‬ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا‪ .‬ويمكن أن يكون حبسهما‬
‫ميع حبيس يوسيف أو بعده أو قبله‪ ،‬غيير أنهميا دخل معيه البييت الذي كان فييه‪" .‬قال أحدهميا إنيي‬
‫أراني أعصر خمرا وقال الخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله"‬
‫"قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا" أي عنبا؛ كان يوسف قال لهل السجن‪ .‬إني أعبر الحلم؛‬
‫فقال أحيد الفتييين لصياحبه‪ :‬تعال حتيى نجرب هذا العبيد العيبراني؛ فسيأله مين غيير أن يكونيا رأييا‬
‫شيئا؛ قاله ابين مسيعود‪ .‬وحكيى الطيبري أنهميا سيأله عين علميه فقال‪ :‬إنيي أعيبر الرؤييا؛ فسيأله عين‬
‫رؤياهميا‪ .‬قال ابين عباس ومجاهيد‪ :‬كانيت رؤييا صيدق رأياهيا وسيأله عنهيا؛ ولذلك صيدق تأويلهيا‪.‬‬
‫وفيي الصيحيح عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أصيدقكم رؤييا أصيدقكم حديثيا)‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬إنهييا كانييت رؤيييا كذب سييأله عنهييا تجريبييا؛ وهذا قول ابيين مسييعود والسييدي‪ .‬وقيييل‪ :‬إن‬
‫المصيلوب منهميا كان كاذبيا‪ ،‬والخير صيادقا؛ قاله أبيو مجلز‪ .‬وروى الترمذي عين ابين عباس عين‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬قال‪( :‬من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد‬
‫بينهما)‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(مين كذب فيي حلميه كلف يوم القيامية عقيد شعيرة)‪ .‬قال‪ :‬حدييث حسين‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬لميا رأييا‬
‫رؤياهميا أصيبحا مكروبيين؛ فقال لهميا يوسيف‪ :‬مالي أراكميا مكروبيين؟ قال‪ :‬ييا سييدنا! إنيا رأينيا ميا‬
‫كرهنيا؛ قال‪ :‬فقصيا علي‪ ،‬فقصيا علييه؛ قال‪ :‬نبئنيا بتأوييل ميا رأينيا؛ وهذا يدل على أنهيا كانيت رؤييا‬
‫منام‪" .‬إنا نراك من المحسنين" فإحسانه‪ ،‬أنه كان يعود المرضى ويداويهم‪ ،‬ويعزي الحزاني؛ قال‬
‫الضحاك‪ :‬كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به‪ ،‬وإذا ضاق وسع له‪ ،‬وإذا احتاج جمع له‪،‬‬
‫وسيأل له‪ .‬وقييل‪" :‬مين المحسينين" أي العالميين الذيين أحسينوا العلم‪ ،‬قال الفراء‪ .‬وقال ابين إسيحاق‪:‬‬
‫"مين المحسينين" لنيا إن فسيرته‪ ،‬كميا يقول‪ :‬افعيل كذا وأنيت محسين‪ .‬قال‪ :‬فميا رأيتميا؟ قال الخباز‪:‬‬
‫رأييت كأنيي اختبزت فيي ثلثية تنانيير‪ ،‬وجعلتيه فيي ثلث سيلل‪ ،‬فوضعتيه على رأسيي فجاء الطيير‬
‫فأكيل منيه‪ .‬وقال الخير‪ :‬رأييت كأنيي أخذت ثلثية عناقييد مين عنيب أبييض‪ ،‬فعصيرتهن فيي ثلث‬
‫أوان‪ ،‬ثيم صيفيته فسيقيت الملك كعادتيي فيميا مضيى‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬إنيي أرانيي أعصير خمرا" أي‬
‫عنبيا‪ ،‬بلغية عمان‪ ،‬قال الضحاك‪ .‬وقرأ ابين مسيعود‪" :‬إنيي أرانيي أعصير عنبيا"‪ .‬وقال الصيمعي‪:‬‬
‫أخيبرني المعتمير بين سيليمان أنيه لقيي أعرابييا ومعيه عنيب فقال له‪ :‬ميا معيك؟ قال‪ :‬خمير‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫معنيى‪" .‬أعصير خمرا" أي عنيب خمير‪ ،‬فحذف المضاف‪ .‬ويقال‪ :‬خمرة وخمير وخمور‪ ،‬مثيل تمرة‬
‫وتمر وتمور‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬قال ل يأتيكما طعام ترزقانه إل نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني‬
‫ربي إني تركت ملة قوم ل يؤمنون بال وهم بالخرة هم كافرون}‬
‫@ قال لهميا يوسيف‪" :‬ل يأتيكميا طعام ترزقانيه" يعنيي ل يجيئكميا غدا طعام مين منزلكميا "إل‬
‫نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما" لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما‪ ،‬فقال‪ :‬افعل! فقال لهما‪ :‬يجيئكما كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فكان على ميا قال؛ وكان هذا مين علم الغييب خُص بيه يوسيف‪ .‬وبيين أن ال خصيه بهذا العلم‬
‫لنيه ترك ملة قوم ل يؤمنون بال‪ ،‬يعنيي ديين الملك‪ .‬ومعنيى الكلم عندي‪ :‬العلم بتأوييل رؤياكميا‪،‬‬
‫والعلم بميا يأتيكميا مين طعامكميا والعلم بديين ال‪ ،‬فاسيمعوا أول ميا يتعلق بالديين لتهتدوا‪ ،‬ولهذا لم‬
‫يعبر لهما حتى دعاهما إلى السلم‪ ،‬فقال‪" :‬يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم ال الواحد‬
‫القهار‪ ،‬ما تعبدون" [يوسف‪ ]39:‬الية كلها‪ ،‬على ما يأتي‪ .‬وقيل‪ :‬علم أن أحدهما مقتول فدعاهما‬
‫إلى السيلم ليسيعدا بيه‪ .‬وقييل‪ :‬إن يوسيف كره أن يعيبر لهميا ميا سيأله لميا علميه مين المكروه على‬
‫أحدهميا فأعرض عين سيؤالهما‪ ،‬وأخيذ فيي غيره فقال‪" :‬ل يأتيكميا طعام ترزقانيه" فيي النوم "إل‬
‫نبأتكما" بتفسيره في اليقظة‪ ،‬قاله السدي‪ ،‬فقال له‪ :‬هذا من فعل العرافين والكهنة‪ ،‬فقال لهما يوسف‬
‫عليه السلم‪ :‬ما أنا بكاهن‪ ،‬وإنما ذلك مما علمنيه ربي‪ ،‬إني ل أخبركما به تكهنا وتنجيما‪ ،‬بل هو‬
‫بوحيي مين ال عيز وجيل‪ .‬وقال ابين جرييج‪ :‬كان الملك إذا أراد قتيل إنسيان صينع له طعاميا معروفيا‬
‫فأرسيل بيه إلييه‪ ،‬فالمعنيى‪ :‬ل يأتيكميا طعام ترزقانيه فيي اليقظية‪ ،‬فعلى هذا "ترزقانيه" أي يجري‬
‫عليكمييا ميين جهيية الملك أو غيره‪ .‬ويحتمييل يرزقكمييا ال‪ .‬قال الحسيين‪ :‬كان يخبرهمييا بمييا غاب‪،‬‬
‫كعيسيى علييه السيلم‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا دعاهميا بذلك إلى السيلم؛ وجعيل المعجزة التيي يسيتدلن بهيا‬
‫إخبارهما بالغيوب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بال من شيء‬
‫ذلك من فضل ال علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتبعيت ملة آبائي إبراهييم وإسيحاق ويعقوب" لنهيم أنيبياء على الحيق‪" .‬ميا كان‬
‫لنا" أي ما ينبغي لنا‪" .‬أن نشرك بال من شيء" "من" للتأكيد‪ ،‬كقولك‪ :‬ما جاءني من أحد‪" .‬ذلك‬
‫ميين فضييل ال علينييا" إشارة إلى عصييمته ميين الزنييى‪" .‬وعلى الناس" أي على المؤمنييين الذييين‬
‫عصمهم ال من الشرك‪ .‬وقيل‪" :‬ذلك من فضل ال علينا" إذ جعلنا أنبياء‪" ،‬وعلى الناس" إذ جعلنا‬
‫الرسل إليهم‪" .‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون" على نعمة التوحيد واليمان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم ال الواحد القهار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا صياحبي السيجن" أي ييا سياكني السيجن؛ وذكير الصيحبة لطول مقامهميا فييه‪،‬‬
‫كقولك‪ :‬أصيحاب الجنية‪ ،‬وأصيحاب النار‪" .‬أأرباب متفرقون" أي فيي الصيغر والكيبر والتوسيط‪ ،‬أو‬
‫متفرقون فيي العدد‪" .‬خيير أم ال الواحيد القهار" وقييل‪ :‬الخطاب لهميا ولهيل السيجن‪ ،‬وكان بيين‬
‫أيديهيم أصينام يعبدونهيا مين دون ال تعالى‪ ،‬فقال ذلك إلزاميا للحجية؛ أي آلهية شتيى ل تضير ول‬
‫تنفيع‪" .‬خيير أم ال الواحيد القهار" الذي قهير كيل شييء‪ .‬نظيره‪" :‬ال خيير أميا يشركون" [النميل‪:‬‬
‫‪ .]59‬وقيل‪ :‬أشار بالتفرق إلى أنه لو تعدد الله لتفرقوا في الرادة ولعل بعضهم على‪ ،‬بعض‪،‬‬
‫وبين أنها إذا تفرقت لم تكن آلهة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬ما تعبدون من دونه إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان‬
‫إن الحكم إل ل أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما تعبدون من دونه إل أسماء" بين عجز الصنام وضعفها فقال‪" :‬ما تعبدون من‬
‫دونيه" أي مين دون ال إل ذوات أسيماء ل معانيي لهيا‪" .‬سيميتموها أنتيم وآباؤكيم" من تلقاء أنفسيكم‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬عنيى بالسيماء المسيميات؛ أي ميا تعبدون إل أصيناما لييس لهيا مين اللهيية شييء إل السيم؛‬
‫لنهيا جمادات‪ .‬وقال‪" :‬ميا تعبدون" وقيد ابتدأ بخطاب الثنيين؛ لنيه قصيد جمييع مين هيو على مثيل‬
‫حالهميا مين الشرك‪" .‬إل أسيماء سيميتموها أنتيم وآباؤكيم" فحذف‪ ،‬المفعول الثانيي للدللة؛ والمعنيى‪:‬‬
‫سميتموها آلهة من عند أنفسكم‪" .‬ما أنزل ال بها من سلطان" ذلك في كتاب‪ .‬قال سعيد بن جبير‪:‬‬
‫"مين سيلطان" أي مين حجية‪" .‬إن الحكيم إل ل" الذي هيو خالق الكيل‪" .‬أمير أل تعبدوا إل إياه"‬
‫تعبدوه وحده ول تشركوا معه غيره‪" .‬ذلك الدين القيم" أي القويم‪" .‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون"‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 41 :‬ييا صياحبي السيجن أميا أحدكميا فيسيقي ربيه خمرا وأميا الخير فيصيلب فتأكيل‬
‫الطير من رأسه قضي المر الذي فيه تستفتيان}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أميا أحدكميا فيسيقي ربيه خمرا" أي قال للسياقي‪ :‬إنيك ترد على عملك الذي كنيت‬
‫علييه مين سيقي الملك بعيد ثلثية أيام‪ ،‬وقال للخير‪ :‬وأميا أنيت فتدعيى إلى ثلثية أيام فتصيلب فتأكيل‬
‫الطير من رأسك‪ ،‬قال‪ :‬وال ما رأيت شيئا؛ قال‪ :‬رأيت أو لم تر "قضي المر الذي فيه تستفتيان"‪.‬‬
‫وحكى أهل اللغة أن سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫والقبائل من هلل‬ ‫سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا‬
‫قال النحاس‪ :‬الذي عليييه أكثيير أهييل اللغيية أن معنييى سييقاه ناوله فشرب‪ ،‬أو صييب الماء فييي حلقييه‬
‫ومعنى أسقاه جعل له سقيا؛ قال ال تعالى‪" :‬وأسقيناكم ماء فراتا" [المرسلت‪]27 :‬‬
‫قال علماؤنا‪ :‬إن قيل من كذب في رؤياه ففسرها العابر له أيلزمه حكمها؟ قلنا‪ :‬ل يلزمه؛ وإنما‬
‫كان ذلك في يوسف لنه نبي‪ ،‬وتعبير النبي حكم‪ ،‬وقد قال‪ :‬إنه يكون كذا وكذا فأوجد ال تعالى ما‬
‫أخيبر كميا قال تحقيقيا لنبوتيه؛ فإن قييل‪ :‬فقيد روى عبدالرزاق عين معمير عين قتادة قال‪ :‬جاء رجيل‬
‫إلى عمير بين الخطاب فقال‪ :‬إنيي رأييت كأنيي أعشبيت ثيم أجدبيت ثيم أعشبيت ثيم أجدبيت‪ ،‬فقال له‬
‫عمير‪ :‬أنيت رجيل تؤمين ثيم تكفير‪ ،‬ثيم تؤمين ثيم تكفير‪ ،‬ثيم تموت كافرا؛ فقال الرجيل‪ :‬ميا رأييت شيئا؛‬
‫فقال له عمير‪ :‬قيد قضيى لك ميا قضيى لصياحب يوسيف؛ قلنيا‪ :‬ليسيت لحيد بعيد عمير؛ لن عمير كان‬
‫محدثيا‪ ،‬وكان إذا ظين ظنيا كان وإذا تكلم بيه وقيع‪ ،‬على ميا ورد فيي أخباره؛ وهيي كثيرة؛ منهيا‪ :‬أنيه‬
‫دخل عليه رجل فقال له‪ :‬أظنك كاهنا فكان كما ظن؛ خرجه البخاري‪ .‬ومنها‪ :‬أنه سأل رجل عن‬
‫اسييمه فقال له فيييه أسييماء النار كلهييا‪ ،‬فقال له‪ :‬أدرك أهلك فقييد احترقوا‪ ،‬فكان كمييا قال‪ :‬خرجييه‬
‫الموطأ‪ .‬وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة "الحجر" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث‬
‫في السجن بضع سنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال للذي ظين" "ظين" هنيا بمعنيى أيقين‪ ،‬فيي قول أكثير المفسيرين وفسيره قتادة‬
‫على الظن الذي هو خلف اليقين؛ قال‪ :‬إنما ظن يوسف نجاته لن العابر يظن ظنا وربك يخلق ما‬
‫يشاء؛ والول أصح وأشبه بحال النبياء وأن ما قاله للفتيين في تعبير الرؤيا كان عن وحي‪ ،‬وإنما‬
‫يكون ظنا في حكم الناس‪ ،‬وأما في حق النبياء فإن حكمهم حق كيفما وقع‪" .‬اذكرني عند ربك"‬
‫أي سيدك‪ ،‬وذلك معروف في اللغة أن يقال للسيد رب؛ قال العشى‪:‬‬
‫وإذا تنوشد في المهارق أنشدا‬ ‫ربي كريم ل يكدر نعمة‬
‫أي اذكير ميا رأيتيه‪ ،‬وميا أنيا علييه مين عبارة الرؤييا للملك‪ ،‬وأخيبره أنيي مظلوم محبوس بل ذنيب‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يقل أحدكم‬
‫اسيق ربك أطعيم ربيك وضيئ ربيك ول يقيل أحدكم ربيي وليقل سييدي مولي ول يقل أحدكيم عبدي‬
‫أمتيي وليقيل فتاي فتاتيي غلميي)‪ .‬وفيي القرآن‪" :‬اذكرنيي عنيد ربيك" "إلى ربيك" "إنيه ربيي أحسين‬
‫مثواي" [يوسف‪ ]23 :‬أي صاحبي؛ يعني العزيز‪ .‬ويقال لكل من قام بإصلح شيء وإتمامه‪ :‬قد‬
‫ربيه يربيه‪ ،‬فهيو رب له‪ .‬قال العلماء قول علييه السيلم‪( :‬ل يقيل أحدكيم) (وليقيل) مين باب الرشاد‬
‫إلى إطلق اسيم الولى؛ ل أن إطلق ذلك السيم محرم؛ ولنيه قيد جاء عنيه علييه السيلم (أن تلد‬
‫المية ربهيا) أي مالكهيا وسييدها؛ وهذا موافيق للقرآن فيي إطلق ذلك اللفيظ؛ فكان محيل النهيي فيي‬
‫هذا الباب أل نتخييذ هذه السييماء عادة فنترك الولى والحسيين‪ .‬وقييد قيييل‪ :‬إن قول الرجييل عبدي‬
‫وأمتي يجمع معنيين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن العبودية بالحقيقة إنما هي ل تعالى؛ ففي قول الواحد من الناس‬
‫لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه‪ ،‬وإضافة له إلى نفسه بما أضافه ال تعالى به إلى نفسه؛ وذلك‬
‫غيير جائز‪ .‬والثانيي‪ :‬أن المملوك يدخله مين ذلك شييء فيي اسيتصغاره بتلك التسيمية‪ ،‬فيحمله ذلك‬
‫على سيوء الطاعية‪ .‬وقال ابين شعبان فيي "الزاهيي"‪( :‬ل يقيل السييد عبدي وأمتيي ول يقيل المملوك‬
‫ربيي ول ربتيي) وهذا محمول على ميا ذكرنيا‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا قال صيلى ال علييه وسيلم (ل يقيل العبيد‬
‫ربيي وليقيل سييدي) لن الرب مين أسيماء ال تعالى المسيتعملة بالتفاق؛ واختلف فيي السييد هيل هيو‬
‫مين أسيماء ال تعالى أم ل؟ فإذا قلنيا لييس مين أسيماء ال فالفرق واضيح؛ إذ ل التباس ول إشكال‪،‬‬
‫وإذا قلنيا إنيه مين أسيمائه فلييس فيي الشهرة ول السيتعمال كلفيظ الرب‪ ،‬فيحصيل‪ ،‬الفرق‪ .‬وقال ابين‬
‫العربي‪ :‬يحتمل أن يكون ذلك جائزا في شرع يوسف عليه السلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأنساه الشيطان ذكر ربه" الضمير في "فأنساه" فيه قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه عائد إلى‬
‫يوسف عليه السلم‪ ،‬أي أنساه الشيطان ذكر ال عز وجل؛ وذلك أنه لما قال يوسف لساقي الملك ‪-‬‬
‫حين علم أنه سينجو ويعود إلى حالته الولى مع الملك ‪" -‬اذكرني عند ربك" نسي في ذلك الوقت‬
‫أن يشكيو إلى ال ويسيتغيث بيه‪ ،‬وجنيح إلى العتصيام بمخلوق؛ فعقيب باللبيث‪ .‬قال عبدالعزييز بين‬
‫عمير الكندي‪ :‬دخل جبريل على يوسف النبي عليه السلم في السجن فعرفه يوسف‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخا‬
‫المنذريين! مالي أراك بيين الخاطئيين؟! فقال جبرييل علييه السيلم‪ :‬ييا طاهير ابين الطاهريين! يقرئك‬
‫السلم رب العالمين ويقول‪ :‬أما استحيت إذ استغثت بالدميين؟! وعزتي! للبثنك في السجن بضع‬
‫سنين؛ فقال‪ :‬يا جبريل! أهو عني راض؟ قال‪ :‬نعم! قال‪ :‬ل أبالي الساعة‪ .‬وروي أن جبريل عليه‬
‫السلم جاءه فعاتبه عن ال تعالى في ذلك وطول سجنه‪ ،‬وقال له‪ :‬يا يوسف! من خلصك من القتل‬
‫من أيدي أخوتك؟! قال‪ :‬ال تعالى‪ ،‬قال‪ :‬فمن أخرجك من الجب؟ قال‪ :‬ال تعالى قال‪ :‬فمن عصمك‬
‫من الفاحشة؟ قال‪ :‬ال تعالى‪ ،‬قال‪ :‬فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال‪ :‬ال تعالى‪ ،‬قال‪ :‬فكيف وثقت‬
‫بمخلوق وتركيت ربيك فلم تسيأله؟! قال‪ :‬ييا رب كلمية زلت منيي! أسيألك ييا إله إبراهييم وإسيحاق‬
‫والشيخ يعقوب عليهم السلم أن ترحمني؛ فقال له جبريل‪ :‬فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع‬
‫سنين‪ .‬وروى أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬رحم ال يوسف‬
‫لول الكلمية التيي قال‪" :‬اذكرنيي عنيد ربيك" ميا لبيث فيي السيجن بضيع سينين)‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫عوقيب يوسيف بطول الحبيس بضيع سينين لميا قال للذي نجيا منهميا "اذكرنيي عنيد ربيك" ولو ذكير‬
‫يوسف ربه لخلصه‪ .‬وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬لول كلمة يوسف ‪ -‬يعني قوله‪" :‬اذكرني عند ربك" ‪ -‬ما لبث في السجن ما لبث)‬
‫قال‪ :‬ثيم يبكيي الحسين ويقول‪ :‬نحين ينزل بنيا المير فنشكيو إلى الناس‪ .‬وقييل‪ :‬إن الهاء تعود على‬
‫الناجي‪ ،‬فهو الناسي؛ أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف لربه‪ ،‬أي لسيده؛ وفيه حذف‪ ،‬أي‬
‫أنساه الشيطان ذكره لربه؛ وقد رجح بعض العلماء هذا القول فقال‪ :‬لول أن الشيطان أنسى يوسف‬
‫ذكر ال لما استحق العقاب باللبث في السجن؛ إذ الناسي غير مؤاخذ‪ .‬وأجاب أهل القول الول بأن‬
‫النسيان قد يكون بمعنى الترك‪ ،‬فلما ترك ذكر ال ودعاه الشيطان إلى ذلك عوقب؛ رد عليهم أهل‬
‫القول الثانيي بقوله تعالى‪" :‬وقال الذي نجيا منهميا وادكير بعيد أمية" [يوسيف‪ ]45 :‬فدل على أن‬
‫الناسي هو الساقي ل يوسف؛ مع قوله تعالى‪" :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" [الحجر‪]42 :‬‬
‫فكيف يصح أن يضاف نسيانه إلى الشيطان‪ ،‬وليس له على النبياء سلطنة؟! قيل‪ :‬أما النسيان فل‬
‫عصمة للنبياء عنه إل في وجه واحد‪ ،‬وهو الخبر عن ال تعالى فيما يبلغونه‪ ،‬فإنهم معصومون‬
‫فييه؛ وإذا وقيع منهيم النسييان حييث يجوز وقوعيه فإنيه ينسيب إلى الشيطان إطلقيا‪ ،‬وذلك إنميا يكون‬
‫فيميا أخيبر ال عنهيم‪ ،‬ول يجوز لنيا نحين ذلك فيهيم؛ قال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬نسيي آدم فنسييت‬
‫ذريته)‪ .‬وقال‪( :‬إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلبث في السجن بضع سنين" البضع قطعية من الدهير مختلف فيها؛ قال يعقوب‬
‫عن أبي زيد‪ :‬يقال بضع وبضع بفتح الباء وكسرها‪ ،‬قال أكثرهم‪ :‬ول يقال بضع ومائة‪ ،‬وإنما هو‬
‫إلى التسعين‪ .‬وقال الهروي‪ :‬العرب تستعمل البضع فيما بين الثلث إلى التسع‪ .‬والبضع والبضعة‬
‫واحد‪ ،‬ومعناهما القطعة من العدد‪ .‬وحكى أبو عبيدة أنه قال‪ :‬البضع ما دون نصف العقد‪ ،‬يريد ما‬
‫بيين الواحيد إلى أربعية‪ ،‬وهذا لييس بشييء‪ .‬وفيي الحدييث أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‬
‫لبيي بكير الصيديق رضيي ال عنيه‪( :‬وكيم البضيع) فقال‪ :‬ميا بيين الثلث إلى السيبع‪ .‬فقال‪( :‬اذهيب‬
‫فزائد في الخطر)‪ .‬وعلى هذا أكثر المفسرين‪ ،‬أن البضع سبع‪ ،‬حكاه الثعلبي‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وهو‬
‫قول أبي بكر الصديق رضي ال عنه وقطرب‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬من ثلث إلى تسع‪ ،‬وقال الصمعي‪.‬‬
‫ابيين عباس‪ :‬ميين ثلث إلى عشرة‪ .‬وحكييى الزجاج أنييه مييا بييين الثلث إلى الخمييس قال الفراء‪:‬‬
‫والبضيع ل يذكير العشرة والعشريين إلى التسيعين‪ ،‬ول يذكير بعيد المائة‪ .‬وفيي المدة التيي لبيث فيهيا‬
‫يوسيف مسيجونا ثلثية أقاوييل‪ :‬أحدهيا‪ :‬سيبع سينين‪ ،‬قاله ابين جرييج وقتادة ووهيب بين منبيه‪ ،‬قال‬
‫وهيب‪ :‬أقام أيوب فيي البلء سيبع سينين‪ ،‬وأقام يوسيف فيي السيجن سيبع سينين‪ .‬الثانيي‪ - :‬اثنتيا عشرة‬
‫سينة‪ ،‬قال ابين عباس‪ .‬الثالث‪ :‬أربيع عشرة سينة‪ ،‬قاله الضحاك‪ .‬وقال مقاتيل عين مجاهيد عين ابين‬
‫عباس قال‪ :‬مكيث يوسيف فيي السيجن خمسيا وبضعيا‪ .‬واشتقاقيه مين بضعيت الشييء أي قطعتيه‪ ،‬فهيو‬
‫قطعية مين العدد‪ ،‬فعاقيب ال يوسيف بأن حبيس سيبع سينين أو تسيع سينين بعيد الخميس التيي مضيت‪،‬‬
‫فالبضيع مدة العقوبية ل مدة الحبيس كله‪ .‬قال وهيب بين منبيه‪ :‬حبيس يوسيف فيي السيجن سيبع سينين‪،‬‬
‫ومكيث أيوب فيي البلء سيبع سينين‪ ،‬وعذب بختنصير بالمسيخ سيبع سينين‪ .‬وقال عبدال بين راشيد‬
‫البصري عن سعيد بن أبي عروبة‪ :‬إن البضع ما بين الخمس إلى الثنتي عشرة سنة‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على جواز التعلق بالسباب وإن كان اليقين حاصل فإن المور بيد مسببها‪،‬‬
‫ولكنيه جعلهيا سيلسلة‪ ،‬وركيب بعضهيا على بعيض‪ ،‬فتحريكهيا سينة‪ ،‬والتعوييل على المنتهيى يقيين‪.‬‬
‫والذي يدل على جواز ذلك نسييبة ميا جرى مين النسييان إلى الشيطان كميا جرى لموسييى فييي لقييا‬
‫الخضر؛ وهذا بين فتأملوه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 43 :‬وقال الملك إنيي أرى سيبع بقرات سيمان يأكلهين سيبع عجاف وسيبع سينبلت‬
‫خضر وأخر يابسات يا أيها المل أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الملك إنيي أرى سيبع بقرات سيمان" لميا دنيا فرج يوسيف علييه السيلم رأى‬
‫الملك رؤياه‪ ،‬فنزل جبريييل فسييلم على يوسييف وبشره بالفرج وقال‪ :‬إن ال مخرجييك ميين سييجنك‪،‬‬
‫وممكين لك فيي الرض‪ ،‬يذل لك ملوكهيا‪ ،‬ويطيعيك جبابرتهيا‪ ،‬ومعطييك الكلمية العلييا على إخوتيك‪،‬‬
‫وذلك بسبب رؤيا رآها الملك‪ ،‬وهي كيت وكيت‪ ،‬وتأويلها كذا وكذا‪ ،‬فما لبث في السجن أكثر مما‬
‫رأى الملك الرؤيييا حتييى خرج‪ ،‬فجعييل ال الرؤيييا أول ليوسييف بلء وشدة‪ ،‬وجعلهييا آخرا بشرى‬
‫ورحمية؛ وذلك أن الملك الكيبر الريان بين الولييد رأى فيي نوميه كأنميا خرج مين نهير يابيس سيبع‬
‫بقرات سييمان‪ ،‬فييي أثرهيين سييبع عجاف ‪ -‬أي مهازيييل ‪ -‬وقييد أقبلت العجاف على السييمان فأخذن‬
‫بآذانهن فأكلنهن‪ ،‬إل القرنين‪ ،‬ورأى سبع سنبلت خضر قد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى‬
‫أتيين عليهين فلم يبيق منهين شييء وهين يابسيات‪ ،‬وكذلك البقير كين عجافيا فلم يزد فيهين شييء مين‬
‫أكلهيين السييمان‪ ،‬فهالتييه الرؤيييا‪ ،‬فأرسييل إلى الناس وأهييل العلم منهييم والبصيير بالكهانيية والنجاميية‬
‫والعرافية والسيحر‪ ،‬وأشراف قوميه‪ ،‬فقال‪" :‬ييا أيهيا المل أفتونيي فيي رؤياي" فقيص عليهيم‪ ،‬فقال‬
‫القوم‪" :‬أضغاث أحلم" [يوسف‪ ]44 :‬قال ابن جريج قال لي عطاء‪ :‬إن أضغاث الحلم الكاذبة‬
‫المخطئة مين الرؤييا‪ .‬وقال جوييبر عين الضحاك عين ابين عباس قال‪ :‬إن الرؤييا منهيا حيق‪ ،‬ومنهيا‬
‫أضغاث أحلم‪ ،‬يعنيي بهيا الكاذبية‪ .‬وقال الهروي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬أضغاث أحلم" أي أخلط أحلم‪.‬‬
‫والضغث فيي اللغة الحزمة من الشييء كالبقيل والكل وميا أشبههميا‪ ،‬أي قالوا‪ :‬ليست رؤياك ببينية‪،‬‬
‫والحلم الرؤيا المختلطة‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬أضغاث الرؤيا أهاويلها‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الضغاث ما ل‬
‫تأويل له من الرؤيا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيبع بقرات سيمان" حذفيت الهاء من "سيبع" فرقيا بيين المذكير والمؤنيث "سيمان"‬
‫ميين نعييت البقرات‪ ،‬ويجوز فييي غييير القرآن سييبع بقرات سييمانا‪ ،‬نعييت للسييبع‪ ،‬وكذا خضرا‪ ،‬قال‬
‫الفراء‪ :‬ومثله‪" :‬سييبع سييماوات طباقييا" [نوح‪ .]15 :‬وقييد مضييى فييي سييورة "البقرة" اشتقاقهييا‬
‫ومعناها‪ .‬وقال علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ :‬المعز والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانا‬
‫فهيي سيني رخاء‪ ،‬وإن كانيت عجافيا كانيت شدادا‪ ،‬وإن كانيت المدينية مدينية بحير وإبان سيفر قدميت‬
‫سفن على عددها وحالها‪ ،‬وإل كانت فتنا مترادفة‪ ،‬كأنها وجوه البقر‪ ،‬كما في الخبر (يشبه بعضها‬
‫بعضيا)‪ .‬وفيي خيبر آخير فيي الفتين (كأنهيا صيياصي البقير) يرييد لتشابههيا‪ ،‬إل أن تكون صيفرا كلهيا‬
‫فإنهييا أمراض تدخييل على الناس‪ ،‬وإن كانييت مختلفية اللوان‪ ،‬شنيعيية القرون وكان الناس ينفرون‬
‫منهييا‪ ،‬أو كأن النار والدخان يخرج ميين أفواههييا فإنييه عسييكر أو غارة‪ ،‬أو عدو يضرب عليهييم‪،‬‬
‫وينزل بسيياحتهم‪ .‬وقييد تدل البقرة على الزوجيية والخادم والغلة والسيينة؛ لمييا يكون فيهييا ميين الولد‬
‫والغلة والنبات‪" .‬يأكلهين سيبع عجاف" مين عجُف يعجُف‪ ،‬على وزن عظيم يعظيم‪ ،‬وروي عجِف‬
‫يعجَف على وزن حمد يحمد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا المل أفتونيي فيي رؤياي" جميع الرؤييا رؤى‪ :‬أي أخيبروني بحكيم هذه‬
‫الرؤييا‪" .‬إن كنتيم للرؤييا تعيبرون" العبارة مشتقية مين عبور النهير‪ ،‬فمعنيى عيبرت النهير‪ ،‬بلغيت‬
‫شاطئه‪ ،‬فعابر الرؤيا يعبر بما يؤول إليه أمرها‪ .‬واللم في "للرؤيا" للتبيين‪ ،‬أي إن كنتم تعبرون‪،‬‬
‫ثم بين فقال‪ :‬للرؤيا قاله الزجاج‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬قالوا أضغاث أحلم وما نحن بتأويل الحلم بعالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أضغاث أحلم" قال الفراء‪ :‬ويجوز "أضغاث أحلم" قال النحاس‪ :‬النصب بعيد‪،‬‬
‫لن المعنيى‪ :‬لم تير شيئا له تأوييل‪ ،‬إنميا هيي أضغاث أحلم‪ ،‬أي أخلط‪ .‬وواحيد الضغاث ضغيث‪،‬‬
‫يقال لكل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما ضغث؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫كضغث حلم غر منه حالمه‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما نحن بتأويل الحلم بعالمين" قال الزجاج‪ :‬المعنى بتأويل الحلم المختلطة‪،‬‬
‫نفوا عين أنفسيهم علم ميا ل تأوييل له‪ ،‬ل أنهيم نفوا عين أنفسيهم علم التأوييل‪ .‬وقييل‪ :‬نفوا عين أنفسيهم‬
‫علم التعبير‪ .‬والضغاث على هذا الجماعات من الرؤيا التي منها صحيحة ومنها باطلة‪ ،‬ولهذا قال‬
‫السياقي‪" :‬أنيا أنبئكيم بتأويله" [يوسيف‪ ]45 :‬فعلم أن القوم عجزوا عين التأوييل‪ ،‬ل أنهيم ادعوا أل‬
‫تأويل لها‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم لم يقصدوا تفسيرا‪ ،‬وإنما أرادوا محوها من صدر الملك حتى ل تشغل باله‪،‬‬
‫وعلى هذا أيضيا فعندهيم علم‪ .‬و"الحلم" جميع حلم‪ ،‬والحلم بالضيم ميا يراه النائم‪ ،‬تقول منيه حلم‬
‫بالفتح واحتلم‪ ،‬وتقول‪ :‬حلمت‪ ،‬بكذا وحلمته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل يبعدن خيالها المحلوم‬ ‫فحلمتها وبنو رفيدة دونها‬
‫أصييله الناة‪ ،‬ومنييه الحلم ضييد الطيييش؛ فقيييل لمييا يرى فييي النوم حلم لن النوم حالة أناة وسييكون‬
‫ودعة‪.‬‬
‫@ وفيي اليية دلييل على بطلن قول مين يقول‪ :‬إن الرؤييا على أول ميا تعيبر‪ ،‬لن القوم قالوا‪:‬‬
‫"أضغاث أحلم" ولم تقع كذلك؛ فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب‪ ،‬فكان كما عبر؛‬
‫وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على‪ ،‬رجل طائر‪ ،‬فإذا عبرت وقعت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذي نجا منهما" يعني ساقي الملك‪" .‬وادكر بعد أمة" أي بعد حين‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس وغيره؛ ومنه "إلى أمية معدودة" [هود‪ ]8 :‬وأصله الجملة مين الحين‪ .‬وقال ابن درستويه‪:‬‬
‫والمة ل تكون الحين إل على حذف مضاف‪ ،‬وإقامة المضاف إليه مقامه‪ ،‬كأنه قال ‪ -‬وال أعلم ‪-‬‬
‫‪ :‬وادكر بعد حين أمة‪ ،‬أو بعد زمن أمة‪ ،‬وما أشبه ذلك؛ والمة الجماعة الكثيرة من الناس‪ .‬قال‬
‫الخفش‪ :‬هو في اللفظ واحد‪ ،‬وفي المعنى جمع؛ وقال جنس من الحيوان أمة؛ وفي الحديث‪( :‬لول‬
‫أن الكلب أمية مين الميم لم بقتلهيا)‪" .‬وادكير" أي تذكير حاجية يوسيف‪ ،‬وهيو قوله‪" :‬اذكرنيي عنيد‬
‫ربك"‪ .‬وقرأ ابن عباس فيما روى عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عنه ‪" -‬وادكر بعه أمة"‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬المعروف ميين قراءة ابيين عباس وعكرميية والضحاك "وادكيير بعييد أمييه" بفتييح الهمزة‬
‫وتخفيف الميم؛ أي بعد نسيان؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫كذاك الدهر يودي بالعقول‬ ‫أمهت وكنت ل أنسى حديثا‬
‫وعين شبييل بين عزرة الضبعيي‪" :‬بعيد أميه" بفتيح اللف وإسيكان المييم وهاء خالصية؛ وهيو مثيل‬
‫المه‪ ،‬وهما لغتان‪ ،‬ومعناهما النسيان؛ ويقال‪ :‬أمه يأمه أمها إذا نسي؛ فعلى هذا "وادكر بعد أمه"؛‬
‫ذكره النحاس؛ ورجيل أميه ذاهيب العقيل‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وأميا ميا فيي حدييث الزهري (أميه) بمعنيى‬
‫أقر واعترف فهي لغة غير مشهورة‪ .‬وقرأ الشهب العقيلي ‪" -‬بعد إمة" أي بعد نعمة؛ أي بعد أن‬
‫أنعم ال عليه بالنجاة‪ .‬ثم قيل‪ :‬نسي الفتى يوسف لقضاء ال تعالى في بقائه في السجن مدة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ميا نسيي‪ ،‬ولكنيه خاف أن يذكير الملك الذنيب الذي بسيببه حبيس هيو والخباز؛ فقوله‪" :‬وادكير" أي‬
‫ذكير وأخيبر‪ .‬قال النحاس‪ :‬أصيل ادكير اذتكير؛ والذال قريبية المخرج مين التاء؛ ولم يجيز إدغامهيا‬
‫فيهيا لن الذال مجهورة‪ ،‬والتاء مهموسية‪ ،‬فلو أدغموا ذهيب الجهير‪ ،‬فأبدلوا مين موضيع التاء حرفيا‬
‫مجهورا وهييو الدال؛ وكان أولى ميين الطاء لن الطاء مطبقيية؛ فصييار أذدكيير‪ ،‬فأدغموا الذال فييي‬
‫الدال لرخاوة الدال ولينهييا‪ .‬ثييم قال‪" :‬أنيا أنبئكييم بتأويله" أي أنييا أخييبركم‪ .‬وقرأ الحسيين "أنيا آتيكييم‬
‫بتأويله" وقال‪ :‬كيف ينبئهم العلج؟! قال النحاس‪ :‬ومعنى "أنبئكم" صحيح حسن؛ أي أنا أخبركم إذا‬
‫سألت‪" .‬فأرسلوني" خاطب الملك ولكن بلفظ التعظيم‪ ،‬أو خاطب الملك وأهل مجلسه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 46 :‬يوسيف أيهيا الصيديق أفتنيا فيي سيبع بقرات سيمان يأكلهين سيبع عجاف وسيبع‬
‫سنبلت خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوسيف" نداء مفرد‪ ،‬وكذا "الصيديق" أي الكثيير الصيدق‪" .‬أفتنيا" أي فأرسيلوه‪،‬‬
‫فجاء إلى يوسييف فقال‪ :‬أيهييا الصييديق! وسييأله عيين رؤيييا الملك‪" .‬لعلي أرجييع إلى الناس" أي إلى‬
‫الملك وأصيحابه‪" .‬لعلهيم يعلمون" التعيبير‪ ،‬أو "لعلهيم يعلمون" مكانيك مين الفضيل والعلم فتخرج‪.‬‬
‫ويحتمل أن يريد بالناس الملك وحده تعظيما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إل قليل مما تأكلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال تزرعون" لميا أعلميه بالرؤييا جعيل يفسيرها له‪ ،‬فقال‪ :‬السيبع مين البقرات‬
‫السمان والسنبلت الخضر سبع سنين مخصبات؛ وأما البقرات العجاف والسنبلت اليابسات فسبع‬
‫سنين مجدبات؛ فذلك قوله‪" :‬تزرعون سبع سنين دأبا" أي متوالية متتابعة؛ وهو مصدر على غير‬
‫المصيدر‪ ،‬لن معنيى "تزرعون" تدأبون كعادتكيم فيي الزراعية سيبع سينين‪ .‬وقييل‪ :‬هيو حال؛ أي‬
‫دائبيين‪ .‬وقييل‪ :‬صيفة لسيبع سينين‪ ،‬أي دائبية‪ .‬وحكيى أبيو حاتيم عين يعقوب "دأبيا" بتحرييك الهمزة‪،‬‬
‫وكذا روى حفص عن عاصم‪ ،‬وهما لغتان‪ ،‬وفيه قولن‪ ،‬قول أبي حاتم‪ :‬إنه من دئب‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫ول يعرف أهيل اللغية إل دأب‪ .‬والقول الخير ‪ -‬إنيه حرك لن فييه حرفيا مين حروف الحلق؛ قاله‬
‫الفراء‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك كيل حرف فتيح أول وسيكن ثانيية فتثقيله جائز إذا كان ثانييه همزة‪ ،‬أو هاء‪ ،‬أو‬
‫عينا‪ ،‬أو غينا‪ ،‬أو حاء‪ ،‬أو خاء؛ وأصله العادة؛ قال‪:‬‬
‫كدأبك من أم الحويرث قبلها‬
‫وقد مضى في "آل عمران" القول فيه‪" .‬فما حصدتم فذروه في سنبله" قيل‪ :‬لئل يتسوس‪ ،‬وليكون‬
‫أبقيى؛ وهكذا المير فيي ديار مصير‪" .‬إل قليل مميا تأكلون" أي اسيتخرجوا ميا تحتاجون إلييه بقدر‬
‫الحاجة؛ وهذا القول منه أمر‪ ،‬والول خبر‪ .‬ويحتمل أن يكون الول أيضا أمرا‪ ،‬وإن كان الظهر‬
‫منه الخبر؛ فيكون معنى‪" :‬تزرعون" أي ازرعوا‪.‬‬
‫@ هذه اليية أصييل فييي القول بالمصييالح الشرعيية التييي هييي حفييظ الديان والنفوس والعقول‬
‫والنسياب والموال؛ فكيل ميا تضمين تحصييل شييء مين هذه المور فهيو مصيلحة‪ ،‬وكيل ميا يفوت‬
‫شيئا منها فهو مفسدة‪ ،‬ودفعه مصلحة؛ ول خلف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم‬
‫الدنيويية؛ ليحصيل لهيم التمكين مين معرفية ال تعالى وعبادتيه الموصيلتين إلى السيعادة الخرويية‪،‬‬
‫ومراعاة ذلك فضييل ميين ال عييز وجييل ورحميية رحييم بهييا عباده‪ ،‬ميين غييير وجوب عليييه‪ ،‬ول‬
‫استحقاق؛ هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين؛ وبسطه في أصول الفقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إل قليل مما تحصنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيبع شداد" يعنيي السينين المجدبات‪" .‬يأكلن" مجاز‪ ،‬والمعنيى يأكيل أهلهين‪" .‬ميا‬
‫قدمتم لهن" أي ما ادخرتم لجلهن؛ ونحوه قول القائل‪:‬‬
‫وليلك نوم والردى لك لزم‬ ‫نهارك يا مغرور سهو وغفلة‬
‫والنهار ل يسهو‪ ،‬والليل ل ينام؛ وإنما يسهى في النهار‪ ،‬وينام في الليل‪ .‬وحكى زيد بن أسلم عن‬
‫أبييه‪ :‬أن يوسيف كان يضيع طعام الثنيين فيقربيه إلى رجيل واحيد فيأكيل بعضيه‪ ،‬حتيى إذا كان يوم‬
‫قربيه له فأكله كله؛ فقال يوسيف‪ :‬هذا أول يوم مين السيبع الشداد‪" .‬إل قليل" نصيب على السيتثناء‪.‬‬
‫"مميا تحصينون" أي مميا تحبسيون لتزرعوا؛ لن فيي اسيتبقاء البذر تحصيين القوات‪ .‬وقال أبيو‬
‫عيبيدة‪ :‬تحرزون‪ .‬وقال قتادة‪" :‬تحصينون" تدخرون‪ ،‬والمعنيى واحيد؛ وهيو يدل على جواز احتكار‬
‫الطعام إلى وقت الحاجة‪.‬‬
‫@ هذه الية أصيل فيي صحة رؤييا الكافير‪ ،‬وأنها تخرج على حسيب ميا رأى‪ ،‬ل سيما إذا تعلقيت‬
‫بمؤمين؛ فكييف إذا كانيت آيية لنيبي‪ .‬ومعجزة لرسيول‪ ،‬وتصيديقا لمصيطفى للتبلييغ‪ ،‬وحجية للواسيطة‬
‫بين ال ‪ -‬جل جلل ‪ -‬وبين عباده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم يأتي من بعد ذلك عام" هذا خبر من يوسف عليه السلم عما لم يكن في رؤيا‬
‫الملك‪ ،‬ولكنييه ميين علم الغيييب الذي آتاه ال‪ .‬قال قتادة‪ :‬زاده ال علم سيينة لم يسييألوه عنهييا إظهارا‬
‫لفضله‪ ،‬وإعلمييا لمكانييه ميين العلم وبمعرفتييه‪" .‬فيييه يغاث الناس" ميين الغاثيية أو الغوث؛ غوث‬
‫الرجيل فال واغوثاه‪ ،‬والسيم الغوث والغواث والغواث‪ ،‬واسيتغاثني فلن فأغثتيه‪ ،‬والسيم الغياث؛‬
‫صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها‪ .‬والغيث المطر؛ وقد غاث الغيث الرض أي أصابها؛ وغاث ال‬
‫البلد يغيثها غيثا‪ ،‬وغيثت الرض تغاث غيثا‪ ،‬فهي أرض مغيثة ومغيوثة؛ فمعنى "يغاث الناس"‬
‫يمطرون‪" .‬وفييه يعصيرون" فال ابين عباس‪ :‬يعصيرون العناب والدهين؛ ذكره البخاري‪ .‬وروى‬
‫حجاج عن ابن جريح قال‪ :‬يعصرون العنب خمرا والسمسم دهنا‪ ،‬والزيتون زيتا‪ .‬وقيل‪ :‬أراد حلب‬
‫اللبان لكثرتهيا؛ ويدل ذلك على كثرة النبات‪ .‬وقييل‪" :‬يعصيرون" أي ينجون؛ وهيو مين العصيرة‪،‬‬
‫وهي المنجاة‪ .‬قال أبو عبيدة والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة‪ ،‬وكذلك العصرة؛ قال أبو زبيد‪:‬‬
‫ولقد كان عصره المنجود‬ ‫صاديا يستغيث غير مغاث‬
‫والمنجود الفزع‪ .‬واعتصييرت بفلن وتعصييرت أي التجأت إليييه‪ .‬قال أبييو الغوث‪" :‬يعصييرون"‬
‫يسييتغلون؛ وهييو ميين عصيير العنييب‪ .‬واعتصييرت ماله أي اسييتخرجته ميين يده‪ .‬وقرأ عيسييى‬
‫"تعصيرون" بضيم التاء وفتيح الصياد‪ ،‬ومعناه‪ :‬تمطرون؛ مين قول ال‪" :‬وأنزلنيا مين المعصيرات‬
‫ماء ثجاجا" [النبأ‪ ]14 :‬وكذلك معنى "تعصرون" بضم التاء وكسر الصاد‪ ،‬فيمن قرأه كذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 51 - 50 :‬وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما‬
‫بال النسوة اللتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم‪ ،‬قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه‬
‫قلن حاش ل ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه‬
‫وإنه لمن الصادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الملك ائتونيي بيه" أي فذهيب الرسيول فأخيبر الملك‪ ،‬فقال‪ :‬ائتونيي بيه‪" .‬فلميا‬
‫جاءه الرسيول" أي يأمره بالخروج‪" .‬قال ارجيع إلى ربيك فاسيأله ميا بال النسيوة" أي حال النسيوة‪.‬‬
‫"فاسأله ما بال النسوة" ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى ل‬
‫يقيع عليهيا تصيريح؛ وذلك حسين عشرة وأدب؛ وفيي الكلم محذوف‪ ،‬أي فاسيأله أن يتعرف ميا بال‬
‫النسيوة‪" .‬اللتيي قطعين أيديهين إن ربيي بكيدهين علييم" فأبيى أن يخرج إل أن تصيح براءتيه عنيد‬
‫الملك مما قذف به‪ ،‬وأنه حبس بل جرم‪ .‬وروى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬إن الكرييم ابين الكرييم ابين الكرييم ابين الكرييم يوسيف بين يعقوب بين إسيحاق بين‬
‫إبراهييم ‪ -‬قال ‪ -‬ولو لبيث فيي‪ ،‬السيجن ميا لبيث ثيم جاءنيي الرسيول أجبيت ‪ -‬ثيم قرأ ‪" -‬فلميا جاءه‬
‫الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللتي يقطعن أيديهن" ‪ -‬قال ‪ -‬ورحمة ال على‬
‫لوط لقيد كان يأوي إلى ركين شدييد إذ قال "لو أن لي بكيم قوة أو آوي إلى ركين شدييد فميا بعيث ال‬
‫من بعده نبيا إل في ذروة من قومه)‪ .‬وروى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬يرحيم ال لوطيا لقيد كان يأوي إلى ركين شدييد ولو لبثيت فيي السيجن ميا لبيث يوسيف‬
‫لجبييت الداعييي ونحيين أحييق ميين إبراهيييم إذ قال له "أو لم تؤميين قال بلى ولكنييي ليطمئن قلبييي"‬
‫[البقرة‪ ]260 :‬وروي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال (يرحيم ال أخيي يوسيف لقيد كان‬
‫صيابرا حليميا ولو لبثيت فيي السيجن ميا لبثيه أجبيت الداعيي ولم ألتميس العذر)‪ .‬وروي نحيو هذا‬
‫الحديث من طريق عبدالرحمن بن القاسم صاحب مالك‪ ،‬فيي كتاب التفسير من صحيح البخاري‪،‬‬
‫وليس لبن القاسم في الديوان غيره‪ .‬وفي رواية الطبري (يرحم ال يوسف لو كنت أنا المحبوس‬
‫ثيم أرسيل إلي لخرجيت سيريعا أن كان لحليميا ذا أناة)‪ .‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬لقيد عجبيت مين‬
‫يوسيف وصيبره وكرميه وال يغفير له حيين سيئل عين البقرات لو كنيت مكانيه لميا أخيبرتهم حتيى‬
‫اشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين آتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب)‪ .‬قال ابن‬
‫عطية‪ :‬كان هذا الفعل من يوسف عليه السلم أناة وصبرا‪ ،‬وطلبا لبراءة الساحة؛ وذلك أنه ‪ -‬فيما‬
‫روي ‪ -‬خشيي أن يخرج وينال مين الملك مرتبية ويسيكت عين أمير ذنبيه صيفحا فيراه الناس بتلك‬
‫العين أبدا ويقولون‪ :‬هذا الذي راود امرأة موله؛ فأراد يوسف عليه السلم أن يبين براءته‪ ،‬ويحقق‬
‫منزلتيه مين العفية والخيير؛ وحينئذ يخرج للحظاء والمنزلة؛ فلهذا قال للرسيول‪ :‬ارجيع إلى ربيك‬
‫وقل له ما بال النسوة‪ ،‬ومقصد يوسف عليه السلم إنما كان‪ :‬وقل له يستقصي عن ذنبي‪ ،‬وينظر‬
‫فيي أمري هيل سيجنت بحيق أو بظلم؛ ونكيب عين امرأة العزييز حسين عشرة‪ ،‬ورعايية لذمام الملك‬
‫العزييز له‪ .‬فإن قييل‪ :‬كييف مدح النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوسيف بالصيبر والناة وترك المبادرة‬
‫إلى الخروج‪ ،‬ثيم هو يذهيب بنفسه عن حالة قيد مدح بهيا غيره؟ فالوجه فيي ذلك أن النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم إنميا أخيذ لنفسيه وجهيا آخير مين الرأي‪ ،‬له جهية أيضيا مين الجودة؛ يقول‪ :‬لو كنيت أنيا‬
‫لبادرت بالخروج‪ ،‬ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك‪ ،‬وذلك أن هذه القصص والنوازل هي معرضة‬
‫لن يقتدي الناس بهييا إلى يوم القياميية؛ فأراد رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم حمييل الناس على‬
‫الحزم مين المور؛ وذلك أن تارك الحزم فيي مثيل هذه النازلة‪ ،‬التارك فرصية الخروج مين مثيل‬
‫ذلك السيجن‪ ،‬ربميا نتيج له البقاء فيي سيجنه‪ ،‬وانصيرفت نفيس مخرجيه عنيه‪ ،‬وإن كان يوسيف علييه‬
‫السيلم أمين مين ذلك بعلميه مين ال‪ ،‬فغيره مين الناس ل يأمين ذلك؛ فالحالة التيي ذهيب النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم‪ ،‬وما فعله يوسف عليه السلم صبر عظيم وجلد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسأله ما بال النسوة" ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم‬
‫بالتلويح حتى ل يقع عليها تصريح؛ وذلك حسن عشرة وأدب؛ وفي الكلم محذوف‪ ،‬أي فاسأله أن‬
‫يتعرف مييا بال النسييوة‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬فأرسييل الملك إلى النسييوة وإلى امرأة العزيييز ‪ -‬وكان قييد‬
‫مات العزييز فدعاهين فيي "قال ميا خطبكن" أي ما شأنكن‪" .‬إذ راودتن يوسيف عن نفسه" وذلك أن‬
‫كيل واحدة منهين كلميت يوسيف فيي حيق نفسيها‪ ،‬على ميا تقدم‪ ،‬أو أراد قول كيل واحدة قيد ظلميت‬
‫امرأة العزيز‪ ،‬فكان ذلك مراودة منهن‪" .‬قلن حاش ل" أي معاذ ال‪" .‬ما علمنا عليه من سوء" أي‬
‫زنيى‪" .‬قالت امرأة العزييز الن حصيحص الحيق" لميا رأت إقرارهين بيبراءة يوسيف‪ ،‬وخافيت أن‬
‫يشهدن عليها إن أنكرت أقرت هي أيضا؛ وكان ذلك لطفا من ال بيوسف‪ .‬و"حصحص الحق" أي‬
‫تبين وظهر؛ وأصله حصص‪ ،‬فقيل‪ :‬حصحص؛ كما قال‪ :‬كبكبوا في كببوا‪ ،‬وكفكف في كفف؛ قال‬
‫الزجاج وغيره‪ .‬وأصيل الحيص اسيتئصال الشييء؛ يقال‪ :‬حيص شعره إذا اسيتأصله جزا؛ قال أبيو‬
‫القيس بن السلت‪:‬‬
‫أطعم نوما غير تهجاع‬ ‫قد حصّت البيضة رأسي فما‬
‫وسنة حصّاء أي جرداء ل خير فيها‪ ،‬قال جرير‪:‬‬
‫من ساقه السنة الحصا والذيب‬ ‫يأوي إليكم بل من ول جحد‬
‫كأنيه أراد أن يقول‪ :‬والضبيع‪ ،‬وهيي السينة المجدبية؛ فوضيع الذئب موضعيه لجيل القافيية؛ فمعنيى‬
‫"حصحص الحق" أي انقطع عن الباطل‪ ،‬بظهوره وثباته؛ قال‪:‬‬
‫كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم‬ ‫أل مبلغ عني خداشا فإنه‬
‫وقيل‪ :‬هو مشتق من الحصة؛ فالمعنى‪ :‬بانت حصة الحق من حصة الباطل‪ .‬وقال مجاهد وقتادة‪:‬‬
‫وأصيله مأخوذ مين قولهيم؛ حيص شعره إذا اسيتأصل قطعيه؛ ومنيه الحصية مين الرض إذا قطعيت‬
‫منهيا‪ .‬والحصيحص بالكسير التراب والحجارة؛ ذكره الجوهري‪" .‬أنيا راودتيه عين نفسيه وإنيه لمين‬
‫الصييادقين" وهذا القول منهييا ‪ -‬وإن لم يكيين سييأل عنييه ‪ -‬إظهار لتوبتهييا وتحقيييق لصييدق يوسييف‬
‫وكرامتيه؛ لن إقرار المقير على نفسيه أقوى مين الشهادة علييه؛ فجميع ال تعالى ليوسيف لظهار‬
‫صدقه الشهادة والقرار‪ ،‬حتى ل يخامر نفسا ظن‪ ،‬ول يخالطها شك‪ .‬وشددت النون في "خطبكن"‬
‫و"راودتن" لنها بمنزلة الميم والواو في المذكر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن ال ل يهدي كيد الخائنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك ليعلم أنيي لم أخنيه بالغييب" اختلف فيمين قاله‪ ،‬فقييل‪ :‬هيو مين‪ ،‬قول امرأة‬
‫العزيز‪ ،‬وهو متصل بقولها‪" :‬الن حصحص الحق" أي أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب‬
‫أي بالكذب علييه‪ ،‬ولم أذكره بسيوء وهيو غائب‪ ،‬بيل صيدقت وحدت عين الخيانية؛ ثيم قالت‪" :‬وميا‬
‫أبرئ نفسيي" بيل أنيا راودتيه؛ وعلى هذا هيي كانيت مقرة بالصيانع‪ ،‬ولهذا قالت‪" :‬إن ربيي غفور‬
‫رحيييم"‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو ميين قول يوسييف؛ أي قال يوسييف‪ :‬ذلك الميير الذي فعلتييه‪ ،‬ميين رد الرسييول‬
‫"ليعلم" العزيز "أني لم أخنه بالغيب" قاله الحسن وقتادة وغيرهما‪ .‬ومعنى "بالغيب" وهو غائب‪.‬‬
‫وإنميا قال يوسيف ذلك بحضرة الملك‪ ،‬وقال‪" :‬ليعلم" على الغائب توقيرا للملك‪ .‬وقييل‪ :‬قاله إذ عاد‬
‫إلييه الرسيول وهيو فيي السيجن بعيد؛ قال ابين عباس‪ :‬جاء الرسيول إلى يوسيف علييه السيلم بالخيبر‬
‫وجبريل معه يحدثه؛ فقال يوسيف‪" :‬ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن ال ل يهدي كيد الخائنين"‬
‫أي لم أخن سيدي بالغيب؛ فقال له جبريل عليه السلم‪ :‬يا يوسف! ول حين حللت الزار‪ ،‬وجلست‬
‫مجلس الرجل من المرأة؟! فقال يوسف‪" :‬وما أبرئ نفسي" الية‪ .‬وقال السدي‪ :‬إنما قالت له امرأة‬
‫العزيز ول حين حللت سراويلك يا يوسف؟! فقال يوسف‪" :‬وما أبرئ نفسي"‪ .‬وقيل‪" :‬ذلك ليعلم"‬
‫ميين قول العزيييز؛ أي ذلك ليعلم يوسييف أنييي لم أخنييه بالغيييب‪ ،‬وأنييي لم أغفييل عيين مجازاتييه على‬
‫أمانته‪" .‬وأن ال ل يهدي كيد الخائنين" معناه‪ :‬أن ال ل يهدي الخائنين بكيدهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 53 :‬وميا أبرئ نفسيي إن النفيس لمارة بالسيوء إل ميا رحيم ربيي إن ربيي غفور‬
‫رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا أبرئ نفسيي" قييل‪ :‬هيو مين قول المرأة‪ .‬وقال القشيري‪ :‬فالظاهير أن قوله‪:‬‬
‫"ذلك ليعلم" وقوله‪" :‬وما أبرئ نفسي" من قول يوسف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إذا احتميل أن يكون مين قول المرأة فالقول بيه أولى حتيى نيبرئ يوسيف مين حيل الزار‬
‫والسراويل؛ وإذا قدرناه من قول يوسف فيكون مما خطير بقلبه‪ ،‬على ما قدمناه من القول المختار‬
‫في قوله‪" :‬وهم بها"‪ .‬قال أبو بكر النباري‪ :‬من الناس من يقول‪" :‬ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب"‬
‫إلى قوله‪" :‬إن ربيي غفور رحييم" مين كلم امرأة العزييز؛ لنيه متصيل بقولهيا‪" :‬أنيا راودتيه عين‬
‫نفسه وإنه لمن الصادقين" [يوسف‪ ]51 :‬وهذا مذهب الذين ينفون الهم عن يوسف عليه السلم؛‬
‫فمين بنيى على قولهيم قال‪ :‬مين قوله‪" :‬قالت امرأة العزييز" [يوسيف‪ ]51 :‬إلى قوله‪" :‬إن ربيي‬
‫غفور رحييم" كلم متصيل بعضيه ببعيض‪ ،‬ول يكون فييه وقيف تام على حقيقية؛ ولسينا نختار هذا‬
‫القول ول نذهيب إلييه‪ .‬وقال الحسين‪ :‬لميا قال يوسيف "ذلك ليعلم أنيي لم أخنيه بالغييب" كره نيبي ال‬
‫أن يكون قيد زكيى نفسيه فقال‪" :‬وميا أبرئ نفسيي" لن تزكيية النفيس مذمومية؛ قال ال تعالى‪" :‬فل‬
‫تزكوا أنفسيكم" [النجيم‪ ]32 :‬وقيد بيناه فيي "النسياء"‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين قول العزييز؛ أي وميا أبرئ‬
‫نفسيي مين سيوء الظين بيوسيف‪" .‬إن النفيس لمارة بالسيوء" أي مشتهيية له‪" .‬إل ميا رحيم ربيي إن‬
‫ربي غفور رحيم" "إل ما رحم ربي" في موضع نصب بالستثناء؛ و"ما" بمعنى من؛ أي إل من‬
‫رحيم ربيي فعصيمه؛ و"ميا" بمعنيى مين كثيير؛ قال ال تعالى‪" :‬فانكحوا ميا طاب لكيم مين النسياء"‬
‫[النساء‪ ]3 :‬وهو استثناء منقطع‪ ،‬لنه استثناء المرحوم بالعصمة من النفس المارة بالسوء؛ وفي‬
‫الخيبر عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬ميا تقولون فيي صياحب لكيم إن أنتيم أكرمتموه‬
‫وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى‬
‫خييير غاييية) قالوا‪ :‬يييا رسييول ال! هذا شيير صيياحب فييي الرض‪ .‬فال‪( :‬فوالذي نفسييي بيده إنهييا‬
‫لنفوسكم التي بين جنوبكم)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 54 :‬وقال الملك ائتونيي بيه أسيتخلصه لنفسيي فلميا كلميه قال إنيك اليوم لدينيا مكيين‬
‫أمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الملك ائتونيي بيه أسيتخلصه لنفسيي" لميا ثبيت للملك براءتيه مميا نسيب إلييه؛‬
‫وتحقق في القصة أمانته‪ ،‬وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده‪ ،‬وتيقن حسن خلل قال‪:‬‬
‫"ائتوني به استخلصه لنفسي" فانظر إلى قول الملك أول ‪ -‬حين تحقق علمه ‪" -‬ائتوني به" فقط‪،‬‬
‫فلميا فعيل يوسيف ميا فعيل ثانييا قال‪" :‬ائتونيي بيه اسيتخلصه لنفسيي" وروي عن وهيب بين منبيه قال‪:‬‬
‫لميا دعيي يوسيف وقيف بالباب فقال‪ :‬حسيبي ربيي مين خلقيه‪ ،‬عيز جاره وجيل ثناؤه ول إله غيره‪ .‬ثيم‬
‫دخيل فلميا نظير إلييه الملك نزل عين سيريره فخير له سياجدا؛ ثيم أقعده الملك معيه على سيريره فقال‪.‬‬
‫"إنيك اليوم لدينيا مكيين أميين" قال له يوسيف "اجعلنيي على خزائن الرض إنيي حفييظ" [يوسيف‪:‬‬
‫‪ ]55‬بوجوه تصرفاتها‪ .‬وقيل‪ :‬حافظ للحساب‪ ،‬عليم باللسن‪ .‬وفي الخبر‪( :‬يرحم ال أخي يوسف‬
‫لو لم يقل اجعلني على خزائن الرض لستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك سنة)‪ .‬وقيل‪ :‬إنما تأخر‬
‫تمليكه إلى سنة لنه لم يقل إن شاء ال‪ .‬وقد قيل في هذه القصة‪ :‬إن يوسف عليه السلم لما دخل‬
‫على الملك قال‪ :‬اللهم إني أسألك بخيرك من خيره‪ ،‬وأعوذ بك‪ ،‬من شره وشر غيره؛ ثم سلم على‬
‫الملك بالعربية فقال‪ :‬ما هذا اللسان؟ فال‪ :‬هذا لسان عمي إسماعيل‪ ،‬ثم دعا له بالعبرانية فقال‪ :‬ما‬
‫هذا اللسيان؟ قال‪ :‬لسيان آبائي إبراهييم وإسيحاق ويعقوب؛ وكان الملك يتكلم بسيبعين لسيانا‪ ،‬فكلميا‬
‫تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان‪ ،‬فأعجب الملك أمره‪ ،‬وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلثين‬
‫سنة؛ ثم أجلسه على سريره وقال‪ :‬أحب أن أسمع منك رؤياي‪ ،‬قال يوسف نعم أيها الملك! رأيت‬
‫سبع بقرات سمان شهبا غرا حسانا‪ ،‬كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلفها‬
‫لبنيا؛ فبينيا أنيت تنظير إليهين وتتعجيب مين حسينهن إذ نضيب النييل فغار ماؤه‪ ،‬وبدا أسيه‪ ،‬فخرج مين‬
‫حمئه ووحله سيبع بقرات عجاف شعيث غيبر مقلصيات البطون‪ ،‬لييس لهين ضروع ول أخلف‪،،‬‬
‫لهيين أنياب وأضراس‪ ،‬وأكييف كأكييف الكلب وخراطيييم كخراطيييم السييباع‪ ،‬فاختلطيين بالسييمان‬
‫فافترسيينهن افتراس السييباع‪ ،‬فأكلن لحومهيين‪ ،‬ومزقيين جلودهيين‪ ،‬وحطميين عظامهيين‪ ،‬ومشمشيين‬
‫مخهن؛ فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل! ثم لم يظهر منهن سمن ول زيادة بعد‬
‫أكلهن! إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حبا وماء‪ ،‬وإلى جانبهن سبع يابسات ليس‬
‫فيهين ماء ول خضرة فيي منبيت واحيد‪ ،‬عروقهين فيي الثرى والماء‪ ،‬فبينيا أنيت تقول فيي نفسيك‪ :‬أي‬
‫شيء هذا؟! هؤلء خضر مثمرات‪ ،‬وهؤلء سود يابسات‪ ،‬والمنبت واحد‪ ،‬وأصولهن في الماء‪ ،‬إذ‬
‫هبييت ريييح فذرت الوراق ميين اليابسييات السييود على الخضيير المثمرات‪ ،‬فأشعلت فيهيين النار‬
‫فأحرقتهيين؛ فصييرن سييودا مغييبرات؛ فانتبهييت مذعورا أيهييا الملك؛ فقال الملك‪ :‬وال مييا شأن هذه‬
‫الرؤييا وإن كان عجبيا بأعجيب مميا سيمعت منيك! فميا ترى فيي رؤياي أيهيا الصيديق؟ فقال يوسيف‪:‬‬
‫أرى أن تجمع الطعام‪ ،‬وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة؛ فإنك لو زرعت على حجر‬
‫أو مدر لنبيت‪ ،‬وأظهير ال فييه النماء والبركية‪ ،‬ثيم ترفيع الزرع فيي قصيبه وسينبله تبنيي له المخازن‬
‫العظام؛ فيكون القصب والسنبل علفا للدواب‪ ،‬وحبه للناس‪ ،‬وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى‬
‫أهرائك الخمييس؛ فيكفيييك ميين الطعام الذي جمعتييه لهييل مصيير وميين حولهييا‪ ،‬ويأتيييك الخلق ميين‬
‫النواحيي يمتارون منيك‪ ،‬ويجتميع عندك مين الكنوز ميا لم يجتميع لحيد قبلك؛ فقال الملك‪ :‬ومين لي‬
‫بتدبيير هذه المور؟ ولو جمعيت أهيل مصير جميعيا ميا أطاقوا‪ ،‬ولم يكونوا فييه أمناء؛ فقال يوسيف‬
‫علييه السيلم عنيد ذلك‪" :‬اجعلنيي على خزائن الرض" [يوسيف‪ ]55 :‬أي على خزائن أرضيك؛‬
‫وهي جمع خزانة؛ ودخلت اللف واللم عوضا من الضافة‪ ،‬كقول النابغة‪:‬‬
‫من الجود والحلم غير كواذب‬ ‫لهم شيمة لم يعطها ال غيرهم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اسيتخلصه لنفسيي" جزم لنيه جواب المير؛ وهذا يدل على أن قوله‪" :‬ذلك ليعلم‬
‫أنيي لم أخنيه بالغييب" جرى فيي السيجن‪ .‬ويحتميل أنيه جرى عنيد الملك ثيم قال فيي مجلس آخير‪:‬‬
‫"ائتوني به" [يوسف‪ ]50 :‬تأكيدا "استخلصه لنفسي" أي اجعله خالصا لنفسي‪ ،‬أفوض إليه أمر‬
‫مملكتيي؛ فذهبوا فجاؤوا بيه؛ ودل على هذا قوله‪" :‬فلميا كلميه" أي كلم الملك يوسيف‪ ،‬وسيأله عين‬
‫الرؤييا فأجاب يوسيف؛ "قال إنيك اليوم لدينيا مكيين" "قال" الملك‪" :‬إنيك اليوم لدينيا مكيين أميين" أي‬
‫متمكن نافذ القول‪" ،‬أمين" ل تخاف غدرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬قال اجعلني على خزائن الرض إني حفيظ عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال اجعلنيي على خزائن الرض" قال سعيد بن منصور‪ :‬سمعت مالك بن أنس‬
‫يقول‪ :‬مصييير خزانييية الرض؛ أميييا سيييمعت إلى قوله‪" :‬اجعلنيييي على خزائن الرض" أي على‬
‫حفظها‪ ،‬فحذف المضاف‪" .‬إني حفيظ" لما وليت "عليم" بأمره‪ .‬وفي التفسير‪ :‬إني حاسب كاتب؛‬
‫وأنيه أول مين كتيب فيي القراطييس‪ .‬وقييل‪" :‬حفييظ" لتقديير القوات "علييم" بسيني المجاعات‪ .‬قال‬
‫جوييبر عين الضحاك عين ابين عباس قال قال وسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬رحيم ال أخيي‬
‫يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الرض لستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك عنه سنة)‪.‬‬
‫قال ابيين عباس‪ :‬لمييا انصييرمت السيينة ميين يوم سييأل المارة دعاه الملك فتوجييه ورداه بسيييفه‪،‬‬
‫ووضيع له سيريرا مين ذهيب‪ ،‬مكلل بالدر والياقوت‪ ،‬وضرب علييه حلة مين إسيتبرق؛ وكان طول‬
‫السييرير ثلثييين ذراعييا وعرضييه عشرة أذرع‪ ،‬عليييه ثلثون فراشييا وسييتون مرفقييه‪ ،‬ثييم أمره أن‬
‫يخرج‪ ،‬فخرج متوجيا‪ ،‬لونيه كالثلج‪ ،‬ووجهيه كالقمير؛ يرى الناظير وجهيه مين صيفاء لون وجهيه‪،‬‬
‫فجلس على السرير ودانت له الملوك‪ ،‬ودخل الملك بيته مع نسائه‪ ،‬وفوض إليه أمر مصر‪ ،‬وعزل‬
‫قطفيير عميا كان علييه وجعيل يوسيف مكانيه‪ .‬قال ابين زييد‪ :‬كان لفرعون ملك مصير خزائن كثيرة‬
‫غيير الطعام‪ ،‬فسيلم سيلطانه كله إلييه‪ ،‬وهلك قطفيير تلك الليالي‪ ،‬فزوج الملك يوسيف راعييل امرأة‬
‫العزييز‪ ،‬فلميا دخيل عليهيا قال‪ :‬ألييس هذا خيرا مميا كنيت تريديين؟! فقالت‪ :‬أيهيا الصيديق ل تلمنيي؛‬
‫فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى‪ ،‬وكان صاحبي ل يأتي النساء‪ ،‬وكنت كما جعلك ال من‬
‫الحسين فغلبتنيي نفسيي‪ .‬فوجدهيا يوسيف عذراء فأصيابها فولدت له رجليين‪ :‬إفراثييم بين يوسيف‪،‬‬
‫ومنشا بن يوسف‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬إنما كان تزويجه زليخاء امرأة العزيز بين دخلتي الخوة‪،‬‬
‫وذلك أن زليخاء مات زوجها ويوسف في السجن‪ ،‬وذهب مالها وعمي بصرها بكاء على يوسف‪،‬‬
‫فصيارت تتكفيف الناس‪ ،‬فمنهيم مين يرحمهيا ومنهيم مين ل يرحمهيا‪ ،‬وكان يوسيف يركيب فيي كيل‬
‫أسيبوع مرة فيي موكيب زهاء مائة ألف مين عظماء قوميه‪ ،‬فقييل لهيا‪ :‬لو تعرضيت له لعله يسيعفك‬
‫بشييء؛ ثيم قييل لهيا‪ :‬ل تفعلي‪ ،‬فربميا ذكير بعيض ميا كان منيك مين المراودة والسيجن فيسييء إلييك‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬أنييا أعلم بخلق حبيييبي منكييم‪ ،‬ثييم تركتييه حتييى إذا ركييب فييي موكبييه‪ ،‬قامييت فنادت بأعلى‬
‫صوتها‪ :‬سبحان من جعل الملوك عبيدا بمعصيتهم‪ ،‬وجعل العبيد ملوكا بطاعتهم‪ ،‬فقال يوسف‪ :‬ما‬
‫هذه؟ فأتوا بها؛ فقالت‪ :‬أنا التي كنت أخدمك على صدور قدمي‪ ،‬وأرجل جمتك‪ ،‬بيدي‪ ،‬وتربيت في‬
‫بيتييي‪ ،‬وأكرمييت مثواك‪ ،‬لكيين فرط مييا فرط ميين جهلي وعتوي فذقييت وبال أمري‪ ،‬فذهييب مالي‪،‬‬
‫وتضعضييع ركنييي‪ ،‬وطال ذلي‪ ،‬وعمييي بصييري‪ ،‬وبعدمييا كنييت مغبوطيية أهييل مصيير صييرت‬
‫مرحومتهيم‪ ،‬أتكفيف الناس‪ ،‬فمنهيم مين يرحمنيي‪ ،‬ومنهيم مين ل يرحمنيي‪ ،‬وهذا جزاء المفسيدين؛‬
‫فبكى يوسف بكاء شديدا‪ ،‬ثم قال لها‪ :‬هل بقيت تجدين مما كان في نفسك من حبك لي شيئا؟ فقالت‪:‬‬
‫وال لنظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها‪ ،‬لكن ناولني صدر سوطك‪ ،‬فناولها فوضعته‬
‫على صدرها‪ ،‬فوجد للسوط في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقان قلبها‪ ،‬فبكى ثم مضى إلى منزله‬
‫فأرسيل إليهيا رسيول‪ :‬إن كنيت أيميا تزوجناك‪ ،‬وإن كنيت ذات بعيل أغنيناك‪ ،‬فقالت للرسيول‪ :‬أعوذ‬
‫بال أن يستهزئ بي الملك! لم يردني أيام شبابي وغناي ومالي وعزي أفيريدني اليوم وأنا عجوز‬
‫عمياء فقيرة؟! فأعلميه الرسيول بمقالتهيا‪ ،‬فلميا ركيب فيي السيبوع الثانيي تعرضيت له‪ ،‬فقال لهيا‪ :‬ألم‬
‫يبلغك الرسول؟ فقالت‪ :‬قد أخبرتك أن نظرة واحدة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ فأمر‬
‫بها فأصلح من شأنها وهيئت‪ ،‬ثم زفت إليه‪ ،‬فقام يوسف يصلي ويدعو ال‪ ،‬وقامت وراءه‪ ،‬فسأل‬
‫ال تعالى أن يعييد إليهيا شبابهيا وجمالهيا وبصيرها‪ ،‬فرد ال عليهيا شبابهيا وجمالهيا وبصيرها حتيى‬
‫عادت أحسن ما كانت يوم راودته‪ ،‬إكراما ليوسف عليه السلم لما عف عن محارم ال‪ ،‬فأصابها‬
‫فإذا هيي عذراء‪ ،‬فسيألها؛ فقالت‪ :‬ييا نيبي ال إن زوجيي كان عنينيا ل يأتيي النسياء‪ ،‬وكنيت أنيت مين‬
‫الحسين والجمال بميا ل يوصيف؛ قال‪ :‬فعاشيا فيي خفيض عييش‪ ،‬فيي كيل يوم يجدد ال لهميا خيرا‪،‬‬
‫وولدت له ولدييين؛ إفراثيييم ومنشييا‪ .‬وفيمييا روي أن ال تعالى ألقييى فييي قلب يوسييف ميين محبتهييا‬
‫أضعاف ما كان في قلبها‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما شأنك ل تحبينني كما كنت في أول مرة؟ فقالت له‪ :‬لما ذقت‬
‫محبة ال تعالى شغلني ذلك عن كل شيء‪.‬‬
‫@ قال بعض أهل العلم‪ :‬في هذه الية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر‪ ،‬والسلطان‬
‫الكافر‪ ،‬بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل ل يعارضه فيه‪ ،‬فيصلح منه ما شاء؛ وأما إذا كان‬
‫عمله بحسيييب اختيار الفاجييير وشهواتيييه وفجوره فل يجوز ذلك‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن هذا كان ليوسيييف‬
‫خاصيييية‪ ،‬وهذا اليوم غييييير جائز؛ والول أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال‬
‫الماوردي‪ :‬فان كان المولي ظالما فقد اختلف الناس في جواز الولية من قبله على قولين‪ :‬أحدهما‬
‫‪ -‬جوازهيا إذا عميل بالحيق فيميا تقلده؛ لن يوسيف ولي مين قبيل فرعون‪ ،‬ولن العتبار فيي حقيه‬
‫بفعله ل بفعل غيره‪ .‬الثاني‪ :‬أنه ل يجوز ذلك؛ لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم‪ ،‬وتزكيتهم‬
‫بتقلد أعمالهيم؛ فأجاب مين ذهيب إلى هذا المذهيب عين وليية يوسيف مين قبيل فرعون بجوابيين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن فرعون يوسف كان صالحا‪ ،‬وإنما الطاغي فرعون موسى‪ .‬الثاني‪ :‬أنه نظر في أملكه‬
‫دون أعماله‪ ،‬فزالت عنيه التبعية فييه‪ .‬قال الماوردي‪ :‬والصيح مين إطلق هذيين القوليين أن يفصيل‬
‫ما يتوله من جهة الظالم على ثلثة أقسام‪ :‬أحدها‪ :‬ما يجوز لهله فعله من غير اجتهاد فيي تنفيذه‬
‫كالصييدقات والزكوات‪ ،‬فيجوز توليييه ميين جهيية الظالم‪ ،‬لن النييص على مسييتحقه قييد أغنييى عيين‬
‫الجتهاد فيه‪ ،‬وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التقليد‪ .‬والقسم الثاني‪ :‬ما ل يجوز أن يتفردوا به‬
‫ويلزم الجتهاد فيي مصيرفه كأموال الفييء‪ ،‬فل يجوز تولييه مين جهية الظالم؛ لنيه يتصيرف بغيير‬
‫حييق‪ ،‬ويجتهييد فيمييا ل يسييتحق‪ .‬والقسييم الثالث‪ :‬مييا يجوز أن يتوله لهله‪ ،‬وللجتهاد فيييه مدخييل‬
‫كالقضايا والحكام‪ ،‬فعقد التقليد محلول‪ ،‬فإن كان النظر تنفيذا للحكم بين متراضيين‪ ،‬وتوسطا بين‬
‫مجبورين جاز‪ ،‬وإن كان إلزام إجبار لم يجز‪.‬‬
‫@ ودلت الية أيضا على جواز أن يخطب النسان عمل يكون له أهل؛ فإن قيل‪ :‬فقد روى مسلم‬
‫عين عبدالرحمين بين سيمرة قال قال لي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ييا عبدالرحمين ل تسيأل‬
‫المارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها)‪ .‬وعن‬
‫أبي بردة قال قال أبو موسى‪ :‬أقبلت إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومعي رجلن من الشعريين‪،‬‬
‫أحدهما عن يميني والخر عن يساري‪ ،‬فكلهما سأل العمل‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم يستاك‪،‬‬
‫فقال‪( :‬ميا تقول ييا أبيا موسيى ‪ -‬أو ييا عبدال بين قييس)‪ .‬قال قلت‪ :‬والذي بعثيك بالحيق ميا أطلعانيي‬
‫على ميا فيي أنفسيهما‪ ،‬وميا شعرت أنهميا يطلبان العميل‪ ،‬قال‪ :‬وكأنيي أنظير إلى سيواكه تحيت شفتيه‬
‫وقد قلصت‪ ،‬فقال‪( :‬لن ‪ -‬أو ‪ -‬ل نستعمل على عملنا من أراده) وذكر الحديث؛ خرجه مسلم أيضا‬
‫وغيره؛ فالجواب‪ :‬أول‪ :‬أن يوسيف علييه السيلم إنميا طلب الوليية لنيه علم أنيه ل أحيد يقوم مقاميه‬
‫فيي العدل والصيلح وتوصييل الفقراء إلى حقوقهيم فرأى أن ذلك فرض متعيين علييه فإنيه لم يكين‬
‫هناك غيره‪ ،‬وهكذا الحكم اليوم‪ ،‬لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم‬
‫يكين هناك مين يصيلح ول يقوم مقاميه لتعيين ذلك علييه‪ ،‬ووجيب أن يتولهيا ويسيأل ذلك‪ ،‬ويخيبر‬
‫بصيفاته التيي يسيتحقها بيه مين العلم والكفايية وغيير ذلك‪ ،‬كميا قال يوسيف علييه السيلم‪ ،‬فأميا لو كان‬
‫هناك مين يقوم بهيا ويصيلح لهيا وعلم بذلك فالولى أل يطلب؛ لقول علييه السيلم‪ ،‬لعبدالرحمين‪( :‬ل‬
‫تسيأل‪ ،‬المارة وأيضيا فإن فيي سيؤالها والحرص عليهيا ميع العلم بكثرة آفاتهيا وصيعوبة التخلص‬
‫منهيا دلييل على‪ ،‬أنيه يطلبهيا لنفسيه ولغراضيه‪ ،‬ومين كان هكذا يوشيك أن تغلب علييه نفسيه فيهلك؛‬
‫وهذا معنيى قوله علييه السيلم‪( :‬وكيل إليهيا) ومين أباهيا لعلميه بآفاتهيا‪ ،‬ولخوفيه مين التقصيير فيي‬
‫حقوقها فر منها‪ ،‬ثم إن ابتلي بها فيرجى له التخلص منها‪ ،‬وهو معنى قوله‪( :‬أعين عليها)‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫أنه لم يقل‪ :‬إني حسيب كريم‪ ،‬وإن كان كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬الكريم ابن الكريم ابن‬
‫الكرييم ابين الكرييم يوسيف بن يعقوب بين إسيحاق بن إبراهييم) ول قال‪ :‬إنيي جمييل ملييح‪ ،‬إنميا قال‪:‬‬
‫"إنيي حفييظ علييم" فسيألها بالحفيظ والعلم‪ ،‬ل بالنسيب والجمال‪ .‬الثالث‪ :‬إنميا قال ذلك عنيد مين ل‬
‫يعرفيه فأراد تعرييف نفسيه‪ ،‬وصيار ذلك مسيتثنى مين قوله تعالى‪" :‬فل تزكوا أنفسيكم"‪ .‬الرابيع‪ :‬أنيه‬
‫رأى ذلك فرضا متعينا عليه؛ لنه لم يكن هنالك غيره‪ ،‬وهو الظهر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ ودلت اليية أيضيا على أنيه يجوز للنسيان أن يصيف نفسيه بميا فييه مين علم وفضيل؛ قال‬
‫الماوردي‪ :‬وليس هذا على الطلق في عموم الصفات‪ ،‬ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله‪ ،‬أو‬
‫تعلق بظاهير مين مكسيب‪ ،‬وممنوع منيه فيميا سيواه‪ ،‬لميا فييه مين تزكيية ومراءاة‪ ،‬ولو ميزه الفاضيل‬
‫عنه لكان ألييق بفضله؛ فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله‪ ،‬ولما يرجو من الظفر‬
‫بأهله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬وكذلك مكنا ليوسف في الرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء‬
‫ول نضيع أجر المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك مكنا ليوسف في الرض يتبوأ منها حيث يشاء" أي ومثل هذا النعام الذي‬
‫أنعمنا عليه في تقريبه إلى قلب الملك‪ ،‬وإنجائه من السجن مكنا له في الرض؛ أي أقدرناه على ما‬
‫يرييد‪ .‬وقال الكييا الطيبري قوله تعالى‪" :‬وكذلك مكنيا ليوسيف فيي الرض" دلييل على إجازة الحيلة‬
‫في التوصل إلى المباح‪ ،‬وما فيه الغبطة والصلح‪ ،‬واستخراج الحقوق‪ ،‬ومثله قوله تعالى‪" :‬وخذ‬
‫بيدك ضغثيا فاضرب بيه ول تحنيث" [ص‪ ]44 :‬وحدييث أبيي سيعيد الخدري فيي عاميل خييبر‪،‬‬
‫والذي أداه من التمر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وما قاله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا مردود على ما يأتي‪ .‬يقال‪ :‬مكناه ومكنا له‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬مكناهم في الرض ما لم‬
‫نمكن لكم" [النعام‪ .]6 :‬قال الطبري‪ :‬استخلف الملك الكبر الوليد بن الريان يوسف على عمل‬
‫إطفير وعزله؛ فال مجاهد‪ :‬وأسلم على يديه‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬ملكه بعد سنة ونصف‪ .‬وروى مقاتل‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لو أن يوسف قال إني حفيظ عليم إن شاء ال لملك في وقته)‪.‬‬
‫ثيم مات إطفيير فزوجيه الولييد بزوجية إطفيير راعييل‪ ،‬فدخيل بهيا يوسيف فوجدهيا عذراء‪ ،‬وولدت له‬
‫ولديين‪ :‬إفراثييم ومنشيا‪ ،‬ابنيي يوسيف‪ ،‬ومين زعيم أنهيا زليخاء قال‪ :‬لم يتزوجهيا يوسيف‪ ،‬وأنهيا لميا‬
‫رأته في موكبه بكت‪ ،‬ثم قالت‪ :‬الحمد ل الذي جعل الملوك عبيدا بالمعصية‪ ،‬والحمد ل الذي جعل‬
‫العبيييد بالطاعيية ملوكييا‪ ،‬فضمهييا إليييه‪ ،‬فكانييت ميين عياله حتييى ماتييت عنده‪ ،‬ولم يتزوجهييا؛ ذكره‬
‫الماوردي؛ وهو خلف ما تقدم عن وهب‪ ،‬وذكره الثعلبي؛ فال أعلم‪ .‬ولما فوض الملك أمر مصر‬
‫إلى يوسيف تلطيف بالناس‪ ،‬وجعيل يدعوهيم إلى السيلم حتيى آمنوا بيه‪ ،‬وأقام فيهيم العدل‪ ،‬فأحبيه‬
‫الرجال والنسيياء‪ ،‬قال وهيب والسييدي وابيين عباس وغيرهييم‪ :‬ثييم دخلت السيينون المخصييبة‪ ،‬فأميير‬
‫يوسف بإصلح المزارع‪ ،‬وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة‪ ،‬فلما أدركت الغلة أمر بها فجمعت‪،‬‬
‫ثم بنى لها الهرام‪ ،‬فجمعت فيها في تلك السنة غلة ضاقت عنها المخازن لكثرتها‪ ،‬ثم جمع عليه‬
‫غلة كل سنة كذلك‪ ،‬حتى إذا انقضت السبع المخصبة وجاءت السنون المجدبة نزل جبريل وقال‪:‬‬
‫يا أهل مصر جوعوا؛ فإن ال سلط عليكم الجوع سبع سنين‪.‬‬
‫وقال بعييض أهييل الحكميية‪ :‬للجوع والقحييط علمتان‪ :‬إحداهمييا‪ :‬أن النفييس تحييب الطعام أكثيير ميين‬
‫العادة‪ ،‬ويسييرع إليهييا الجوع خلف مييا كانييت عليييه قبييل ذلك‪ ،‬وتأخييذ ميين الطعام فوق الكفاييية‪.‬‬
‫والثانييية‪ :‬أن يفقييد الطعام فل يوجييد رأسييا ويعييز إلى الغاييية‪ ،‬فاجتمعييت هاتان العلمتان فييي عهييد‬
‫يوسييف‪ ،‬فانتبييه الرجال والنسيياء والصييبيان ينادون الجوع الجوع!! ويأكلون ول يشبعون‪ ،‬وانتبييه‬
‫الملك‪ ،‬ينادى الجوع الجوع!! قال‪ :‬فدعا له يوسف فأبرأه ال من ذلك‪ ،‬ثم أصبح فنادى يوسف في‬
‫أرض مصير كلهيا؛ معاشير الناس! ل يزرع أحيد زرعيا فيضييع البذر ول يطلع شييء‪ .‬وجاءت تلك‬
‫السينون بهول عظييم ل يوصيف؛ قال ابين عباس‪ :‬لميا كان ابتداء القحيط بينيا الملك فيي جوف اللييل‬
‫أصيابه الجوع فيي نصيف اللييل‪ ،‬فهتيف الملك ييا يوسيف! الجوع الجوع!! فقال يوسيف‪ :‬هذا أوان‬
‫القحط؛ فلما دخلت أول سنة من سني القحط هلك فيها كل شيء أعدوه في السنين المخصبة‪ ،‬فجعل‬
‫أهيل مصير يبتاعون الطعام مين يوسيف؛ فباعهيم أول سينة بالنقود‪ ،‬حتيى لم يبيق بمصير دينار ول‬
‫درهيم إل قبضيه؛ وباعهيم فيي السينة الثانيية بالحلي والجواهير‪ ،‬حتيى لم يبيق فيي أيدي الناس منهيا‬
‫شييء؛ وباعهيم فيي السينة الثالثية بالمواشيي والدواب‪ ،‬حتيى احتوى عليهيا أجميع‪ ،‬وباعهيم فيي السينة‬
‫الرابعية بالعبييد والماء‪ ،‬حتيى احتوى على الكيل؛ وباعهيم فيي السينة الخامسية بالعقار والضياع‪،‬‬
‫حتى ملكها كلها؛ وباعهم في السنة السادسة بأولدهم ونسائهم فاسترقهم جميعا وباعهم في السنة‬
‫السابعة برقابهم‪ ،‬حتى لم يبق في السنة السابعة بمصر حر ول عبد إل صار عبدا له؛ فقال الناس‪:‬‬
‫وال ميا رأينيا ملكيا أجيل ول أعظيم مين هذا؛ فقال يوسيف لملك مصير‪ :‬كييف رأييت صينع ربيي فيميا‬
‫خولنيي! والن كيل هذا لك‪ ،‬فميا ترى فييه؟ فقال‪ :‬فوضيت إلييك الم فافعيل ميا شئت‪ ،‬وإنميا نحين لك‬
‫تبيع؛ وميا أنيا بالذي يسيتنكف عين عبادتيك وطاعتيك‪ ،‬ول أنيا إل مين بعيض مماليكيك‪ ،‬وخول مين‬
‫خولك؛ فقال يوسييف علييه السيلم‪ :‬إنيي لم أعتقهيم مين الجوع لسييتعبدهم‪ ،‬ولم أجرهيم مين البلء‬
‫لكون عليهيم بلء؛ وإنيي أشهيد ال وأشهدك أنيي أعتقيت أهيل مصير عين آخرهيم‪ ،‬ووددت عليهيم‬
‫أموالهيم وأملكهيم‪ ،‬ورددت علييك ملكيك بشرط أن تسيتن بسينتي‪ .‬ويروى أن يوسيف علييه السيلم‬
‫كان ل يشبيع مين طعام فيي تلك السينين‪ ،‬فقييل له‪ :‬أتجوع وبيدك خزائن الرض؟ فقال‪ :‬إنيي أخاف‬
‫إن شبعيت أن أنسيى الجائع؛ وأمير يوسيف طباخ الملك أن يجعيل غذاءه نصيف النهار‪ ،‬حتيى يذوق‪،‬‬
‫الملك طعم الجوع‪ .‬فل ينسى الجائعين؛ فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نصيب برحمتنا من نشاء" أي بإحساننا؛ والرحمة النعمة والحسان‪".‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول نضيع أجر المحسنين" أي ثوابهم‪ .‬وقال ابن عباس ووهب‪ :‬يعني الصابرين؛‬
‫لصيبره فيي الجيب‪ ،‬وفيي الرق‪ ،‬وفيي السيجن‪ ،‬وصيبره عين محارم ال عميا دعتيه إلييه المرأة‪ .‬وقال‬
‫الماوردي‪ :‬واختلف فيما أوتيه يوسف من هذه الحال على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه ثواب من ال تعالى‬
‫على ما ابتله‪ .‬الثاني‪ :‬أنه أنعم ال عليه بذلك تفضل منه عليه‪ ،‬وثوابه باق على حاله في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬ولجر الخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون}‬
‫@ أي ما نعطيه في الخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا؛ لن أجر الخرة دائم‪ ،‬وأجر الدنيا‬
‫ينقطع؛ وظاهر الية العموم في كل مؤمن متق؛ وأنشدوا‪:‬‬
‫لمثلك محبوسا على الظلم والفك‬ ‫أما في رسول ال يوسف أسوة‬
‫فآل به الصبر الجميل إلى الملك‬ ‫أقام جميل الصبر في الحبس برهة‬
‫وكتب بعضهم إلى صديق له‪:‬‬
‫وأول مفروج به آخر الحزن‬ ‫وراء مضيق الخوف متسع المن‬
‫خزائنه بعد الخلص من السجن‬ ‫فل تيأسن فال ملك يوسفا‬
‫وأنشد بعضهم‪:‬‬
‫وكادت تذوب لهن المهج‬ ‫إذا الحادثات بلغن النهي‬
‫فعند التناهي يكون الفرج‬ ‫وحل البلء وقل العزاء‬
‫والشعر في هذا المعنى كثير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاء إخوة يوسييف فدخلوا علييه" أي جاؤوا إلى مصيير لمييا أصييابهم القحيط‬
‫ليمتاروا؛ وهذا ميين اختصييار القرآن المعجييز‪ .‬قال ابيين عباس وغيره‪ :‬لمييا أصيياب الناس القحييط‬
‫والشدة‪ ،‬ونزل ذلك بأرض كنعان بعيث يعقوب علييه السيلم ولده للميرة‪ ،‬وذاع أمير يوسيف علييه‬
‫السيلم فيي الفاق‪ ،‬للينيه وقربيه ورحمتيه ورأفتيه وعدل وسييرته؛ وكان يوسيف علييه السيلم حيين‬
‫نزلت الشدة بالناس‪ ،‬يجلس للناس عنيد البييع بنفسيه‪ ،‬فيعطيهيم مين الطعام على عدد رؤوسيهم‪ ،‬لكيل‬
‫رأس وسقا‪" .‬فعرفهم" يوسف "وهم له منكرون" لنهم خلقوه صبيا‪ ،‬ولم يتوهموا أنه بعد العبودية‬
‫يبلغ إلى تلك الحال مين المملكية‪ ،‬ميع طول المدة؛ وهيي أربعون سينة‪ .‬وقييل‪ :‬أنكروه لنهيم اعتقدوا‬
‫أنه ملك كافر‪ :‬وقيل‪ :‬رأوه لبس حريير‪ ،‬وفي عنقه طوق ذهب‪ ،‬وعلى رأسه تاج‪ ،‬وقد تزييا بزي‬
‫فرعون مصير؛ ويوسيف رآهيم على ميا كان عهدهيم فيي الملبيس والحليية‪ .‬ويحتميل أنهيم رأوه وراء‬
‫ستر فلم يعرفوه‪ .‬وقيل‪ :‬أنكروه لمر خارق امتحانا امتحن ال به يعقوب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم أل ترون أني أوفي الكيل‬
‫وأنا خير المنزلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولميا جهزهيم بجهازهيم" يقال‪ :‬جهزت القوم تجهيزا أي تكلفيت لهيم بجهازهيم‬
‫للسييفر؛ وجهاز العروس مييا يحتاج إليييه عنييد الهداء إلى الزوج؛ وجوز بعييض الكوفيييين الجهاز‬
‫بكسير الجييم؛ والجهاز فيي هذه اليية الطعام الذي امتاروه مين عنده‪ .‬قال السيدي‪ :‬وكان ميع إخوة‬
‫يوسف أحد عشر بعيرا‪ ،‬وهم عشرة‪ ،‬فقالوا ليوسف‪ :‬إن لنا أخا تخلف عنا‪ ،‬وبعيره معنا؛ فسألهم لم‬
‫تخلف؟ فقالوا‪ :‬لحييب أبيييه إياه‪ ،‬وذكروا له أنييه كان له أخ أكييبر منييه فخرج إلى البرييية فهلك؛ فقال‬
‫لهيم‪ :‬أردت أن أرى أخاكيم هذا الذي ذكرتيم‪ ،‬لعلم وجيه محبية أبيكيم إياه‪ ،‬وأعلم صيدقكم؛ ويروى‬
‫أنهم تركوا عنده شمعون رهينة‪ ،‬حتى يأتوا بأخيه بنيامين‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬قال يوسف للترجمان‬
‫قييل لهييم‪ :‬لغتكييم مخالفيية للغتنييا‪ ،‬وزيكييم مخالف لزينييا‪ ،‬فلعلكييم جواسيييس؛ فقالوا‪ :‬وال! مييا نحيين‬
‫بجواسيس‪ ،‬بل نحن بنو أب واحد‪ ،‬فهو شيخ صديق؛ قال‪ :‬فكم عدتكم؟ قالوا‪ :‬كنا اثني عشر فذهب‬
‫أخ لنيا إلى البريية فهلك فيهيا؛ قال‪ :‬فأيين الخير؟ قالوا‪ :‬عنيد أبينيا؛ قال‪ :‬فمين يعلم صيدقكم؟ قالوا‪ :‬ل‬
‫يعرفنا ههنا أحد‪ ،‬وقد عرفناك أنسابنا‪ ،‬فبأي شيء تسكن نفسك إلينا؟ فقال يوسف‪" :‬ائتوني بأخ لكم‬
‫من أبيكم" إن كنتم صادقين؛ فأنا أرضى بذلك‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل ترون أنيي أوفيي الكييل" أي أتميه ول أبخسيه‪ ،‬وأزيدكيم حميل بعيير لخيكيم‬
‫ويحتمل وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه رخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل‪ .‬والثاني‪ :‬أنه كال لهم‬
‫بمكيال واف‪" .‬وأنا خير المنزلين" فيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه خير المضيفين‪ ،‬لنه أحسن ضيافتهم؛‬
‫قال مجاهد‪ .‬الثاني‪ :‬وهو محتمل؛ أي خير من نزلتم عليه من المأمونين؛ وهو على التأويل الول‬
‫مأخوذ من النزل وهو الطعام‪ ،‬وعلى الثاني من المنزل وهو الدار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬فإن لم تأتوني به فل كيل لكم عندي ول تقربون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن لم تأتوني به فل كيل لكم عندي" أي فل أبيعكم شيئا فيما بعد‪ ،‬لنه قد وفاهم‬
‫كيلهيم فيي هذه الحال‪" .‬ول تقربون" أي ل أنزلكيم عندي منزلة القرييب‪ ،‬ولم يرد أنهيم يبعدون منيه‬
‫ول يعودون إلييه؛ لنيه على العود حثهيم‪ .‬قال السيدي‪ :‬وطلب منهيم رهينية حتيى يرجعوا؛ فارتهين‬
‫شمعون عنده؛ قال الكلبيي‪ :‬إنميا اختار شمعون منهيم لنيه كان يوم الجيب أجملهيم قول‪ ،‬وأحسينهم‬
‫رأييا‪ .‬و"تقربون" فيي موضيع جزم بالنهيي‪ ،‬فلذلك حذفيت منيه النون وحذفيت الياء؛ لنيه رأس آيية؛‬
‫ولو كان خبرا لكان "تقربون" بفتح النون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا سنراود عنه أباه" أي سنطلبه منه‪ ،‬ونسأله أن يرسله معنا‪" .‬وإنا لفاعلون"‬
‫أي لضامنون المجيء به‪ ،‬ومحتالون في ذلك‪.‬‬
‫@ مسيألة‪ :‬إن قييل‪ :‬كييف اسيتجاز يوسيف إدخال الحزن على أبييه بطلب أخييه؟ قييل له‪ :‬عين هذا‬
‫أربعية أجوبية‪ :‬أحدهيا‪ :‬يجوز أن يكون ال عيز وجيل أمره بذلك ابتلء ليعقوب‪ ،‬ليعظيم له الثواب؛‬
‫فاتبع أمره فيه‪ .‬الثاني‪ :‬يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف عليهما السلم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬لتتضاعيف المسيرة ليعقوب برجوع ولدييه علييه‪ .‬الرابيع‪ :‬ليقدم سيرور أخييه بالجتماع معيه‬
‫قبل إخوته؛ لميل كان منه إليه؛ والول أظهر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 62 :‬وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فيي رحالهم لعلهيم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهيم‬
‫لعلهم يرجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال لفتيته" هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم؛ وهي اختيار أبي حاتم‬
‫والنحاس وغيرهميا‪ .‬وقرأ سيائر الكوفييين "لفتيانيه" وهو اختيار أبيي عبييد؛ وقال‪ :‬هو فيي مصيحف‬
‫عبدال كذلك‪ .‬قال الثعلبييي‪ :‬وهمييا لغتان جيدتان؛ مثييل الصييبيان والصييبية قال النحاس‪" :‬لفتيانييه"‬
‫مخالف للسواد العظم؛ لنه فيي السواد ل ألف فيه ول نون‪ ،‬ول يترك السواد المجتمع عليه لهذا‬
‫السيناد المنقطيع؛ وأيضيا فإن فتيية أشبيه مين فتيان؛ لن فتيية عنيد العرب لقيل العدد‪ ،‬والقلييل بأن‬
‫يجعلوا البضاعيية فييي الرحال أشبييه‪ .‬وكان هؤلء الفتييية يسييوون جهازهييم‪ ،‬ولهذا أمكنهييم جعييل‬
‫بضاعتهيم فيي رحالهيم‪ .‬ويجوز أن يكونوا أحرارا‪ ،‬وكانوا أعوانيا له‪ ،‬وبضاعتهيم أثمان ميا اشتروه‬
‫مين الطعام‪ .‬وقييل‪ :‬كانيت دراهيم ودنانيير‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬النعال والدم ومتاع المسيافر‪ ،‬ويسيمى‬
‫رحل؛ قال ابيين النباري‪ :‬يقال للوعاء رحييل‪ ،‬وللبيييت رحييل‪ .‬وقال‪" :‬لعلهييم يعرفونهييا" لجواز أل‬
‫تسيلم فيي الطرييق‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا فعيل ذلك ليرجعوا إذا وجدوا ذلك؛ لعلميه أنهيم ل يقبلون الطعام إل‬
‫بثمنيه‪ .‬قييل‪ :‬ليسيتعينوا بذلك على الرجوع لشراء الطعام‪ .‬وقييل‪ :‬اسيتقبح أن يأخيذ مين أبييه وإخوتيه‬
‫ثمن الطعام‪ .‬وقيل‪ :‬ليروا فضله‪ ،‬ويرغبوا في الرجوع إليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 63 :‬فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له‬
‫لحافظون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل" لنه قال لهم‪" :‬فإن لم تأتوني به‬
‫فل كييل لكيم عندي" وأخيبروه بميا كان مين أمرهيم وإكرامهيم إياه‪ ،‬وأن شمعون مرتهين حتيى يعلم‬
‫صيدق قولهيم‪" .‬فأرسيل معنيا أخانيا نكتيل" أي قالوا عنيد ذلك‪" :‬فأرسيل معنيا أخانيا نكتيل" والصيل‬
‫نكتال؛ فحذفييت الضميية ميين اللم للجزم‪ ،‬وحذفييت اللف للتقاء السيياكنين‪ .‬وقراءة أهييل الحرمييين‬
‫وأبي عمرو وعاصم "نكتل" بالنون وقرأ سائر الكوفيين "يكتل" بالياء؛ والول اختيار أبي عبيد‪،‬‬
‫ليكونوا كلهيم داخليين فيمين يكتال؛ وزعيم أنيه إذا كان بالياء كان للخ وحده‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا ل‬
‫يلزم؛ لنييه ل يخلو الكلم ميين أحييد جهتييين؛ أن يكون المعنييى‪ :‬فأرسييل أخانييا يكتييل معنييا؛ فيكون‬
‫للجمييع‪ ،‬أو يكون التقديير على غيير التقدييم والتأخيير؛ فيكون فيي الكلم دلييل على الجمييع‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫"فإن لم تأتوني به فل كيل لكم عندي"‪" .‬وإنا له لحافظون" من أن يناله سوء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 :‬قال هل آمنكم عليه إل كما أمنتكم على أخيه من قبل فال خير حافظا وهو أرحم‬
‫الراحمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال هل آمنكم عليه إل كما أمنتكم على أخيه من قبل" أي قيد فرطتيم في يوسف‬
‫فكيييف آمنكييم على أخيييه!‪" .‬فال خييير حفظييا" نصييب على البيان‪ ،‬وهذه قراءة أهييل المدينيية وأبييي‬
‫عمرو وعاصييم‪ .‬وقرأ سييائر الكوفيييين "حافظييا" على الحال‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬على البيان؛ وفييي هذا‬
‫دليل على أنه أجابهم إلى إرسال معهم؛ ومعنى الية‪ :‬حفظ ال له خير من حفظكم إياه‪ .‬قال كعب‬
‫الحبار‪ :‬لميا قال يعقوب‪" :‬فال خيير حافظيا" قال ال تعالى‪ :‬وعزتيي وجللي لردن علييك ابنييك‬
‫كليهما بعدما توكلت علي‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 65 :‬ولميا فتحوا متاعهيم وجدوا بضاعتهيم ردت إليهيم قالوا ييا أبانيا ميا نبغيي هذه‬
‫بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولميا فتحوا متاعهيم" اليية لييس فيهيا معنيى يشكيل‪" .‬ميا نبغيي" "ميا" اسيتفهام فيي‬
‫موضيع نصيب؛ والمعنيى‪ :‬أي شييء نطلب وراء هذا؟! وفيي لنيا الكييل‪ ،‬ورد علينيا الثمين؛ أرادوا‬
‫بذلك أن يطيبوا نفيس أبيهييم‪ .‬وقييل‪ :‬هييي نافييية؛ أي ل نبغييي منييك دراهيم ول بضاعية‪ ،‬بيل تكفينييا‬
‫بضاعتنيا هذه التيي ردت إلينيا‪ .‬وروي عين علقمية "ردت إلينيا" بكسير الراء؛ لن الصيل‪ ،‬رددت؛‬
‫فلما أدغم قلبت حركة الدال على الراء‪ .‬وقوله‪" :‬ونمير أهلنا" أي نجلب لهم الطعام؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫متى يأتي غياثك من تغيث‬ ‫بعثتك مائرا فمكثت حول‬
‫وقرأ السيلمي بضيم النون‪ ،‬أي نعينهيم على الميرة‪" .‬ونزداد كييل بعيير ذلك كييل يسيير" أي حميل‬
‫بعير لبنيامين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 66 :‬قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من ال لتأتنني به إل أن يحاط بكم فلما‬
‫آتوه موثقهم قال ال على ما نقول وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تؤتون" أي تعطوني‪" .‬موثقا من ال" أي عهدا يوثق به‪ .‬قال السدي‪ :‬حلفوا بال‬
‫ليردنيه إلييه ول يسيلمونه؛ واللم فيي "لتأتننيي" لم القسيم‪" .‬إل أن يحاط بكيم" قال مجاهيد‪ :‬إل أن‬
‫تهلكوا أو تموتوا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إل أن تغلبوا علييه‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وهيو فيي موضيع نصيب‪" .‬فلميا آتوه‬
‫موثقهم قال ال على ما نقول وكيل" أي حافظ للحلف‪ .‬وقيل‪ :‬حفيظ للعهد قائم بالتدبير والعدل‪.‬‬
‫@ هذه اليية أصيل فيي جواز الحمالة بالعيين والوثيقية بالنفيس؛ وقيد اختلف العلماء فيي ذلك؛ فقال‬
‫مالك وجمييع أصيحابه وأكثير العلماء‪ :‬هيي جائزة إذا كان المتحميل بيه مال‪ .‬وقيد ضعيف الشافعيي‬
‫الحمالة بالوجه فيي المال؛ وله قول كقول مالك‪ .‬وقال عثمان البتيي‪ :‬إذا تكفيل بنفس فيي قصياص أو‬
‫جراح فإنيه إن لم يجييء بيه لزميه الديية وأرش الجراح‪ ،‬وكانيت له فيي مال الجانيي‪ ،‬إذ ل قصياص‬
‫على الكفيل؛ فهذه ثلثة أقوال في الحمالة بالوجه‪ .‬والصواب تفرقة مالك في ذلك‪ ،‬وأنها تكون في‬
‫المال‪ ،‬ول تكون في حد أو تعزير‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪:‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 :‬وقال يا بني ل تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم‬
‫من ال من شيء إن الحكم إل ل عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}‬
‫@ لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين؛ فأمرهم أل يدخلوا مصر من باب واحد‪ ،‬وكانت‬
‫مصر لها أربعة أبواب؛ وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجل لرجل واحد؛ وكانوا أهل‬
‫جمال وكمال وبسطة؛ قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫@ إذا كان هذا معنى الية فيكون فيها دليل على التحرز من العين‪ ،‬والعين حق؛ وقد قال رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن العيين لتدخيل الرجيل القيبر والجميل القدر)‪ .‬وفيي تعوذه عليه السيلم‪:‬‬
‫(أعوذ بكلمات ال التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لمة) ما يدل على ذلك‪.‬‬
‫وروى مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول‪ :‬اغتسل أبي سهل بن‬
‫حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه‪ ،‬وعامر بن ربيعة ينظر‪ ،‬قال‪ :‬وكان سهل رجل ابيض حسن‬
‫الجلد قال فقال له عامير بين ربيعية‪ :‬ميا رأييت كاليوم ول جلد عذراء! فوعيك سيهل مكانيه واشتيد‬
‫وعكه‪ ،‬فأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبر أن سهل وعك‪ ،‬وأنه غير رائح معك يا رسول‬
‫ال؛ فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر؛ فقال رسول ال‬
‫صيلى ال علييه سيلم‪( :‬علم يقتيل أحدكيم أخاه أل بركيت إن العيين حيق توضيأ له) فتوضيأ عامير‪،‬‬
‫فراح سهل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس به بأس؛ في رواية (اغتسل) فغسل له عامر‬
‫وجهيه ويدييه ومرفقييه وركبتييه وأطراف رجلييه وداخيل إزاره فيي قدح ثيم صيب علييه؛ فراح سيهل‬
‫ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لييس بيه بأس‪ .‬وركيب سيعد بين أبيي وقاص يوميا فنظرت إلييه‬
‫امرأة فقالت‪ :‬إن أميركيم هذا ليعلم أنيه أهضيم الكشحيين؛ فرجيع إلى منزله فسيقط‪ ،‬فبلغيه ميا قالت‬
‫المرأة‪ ،‬فأرسل إليها فغسلت له؛ ففي هذين الحديثين أن العين حق‪ ،‬وأنها تقتل كما قال النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم؛ وهذا قول علماء المية‪ ،‬ومذهيب‪ ،‬أهيل السينة؛ وقيد أنكرتيه طوائف مين المبتدعية‪،‬‬
‫وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه المة‪ ،‬وبما يشاهد من ذلك في الوجود؛ فكم من رجل‬
‫أدخلتيه العيين القيبر‪ ،‬وكيم مين جميل ظهيير أدخلتيه القدر‪ ،‬لكين ذلك بمشيئة ال تعالى كميا قال‪" :‬وميا‬
‫هيم بضاريين بيه مين أحيد إل بإذن ال" [البقرة‪ .]102 :‬قال الصيمعي‪ :‬رأييت رجل عيونيا سيمع‬
‫بقرة تحلب فأعجبييه شخبهييا فقال‪ :‬أيتهيين هذه؟ فقالوا‪ :‬الفلنييية لبقرة أخرى يورون عنهييا‪ ،‬فهلكتييا‬
‫جميعييا‪ ،‬المروى بهييا والمورى عنهييا‪ .‬قال الصييمعي‪ .‬وسييمعته يقول‪ :‬إذا رأيييت الشيييء يعجبنييي‬
‫وجدت حرارة تخرج من عيني‪.‬‬
‫@ واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك؛ فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور ل محالة؛‬
‫أل ترى قوله عليييه السييلم لعاميير‪( :‬أل بركييت) فدل على أن العييين ل تضيير ول تعدو إذا برك‬
‫العائن‪ ،‬وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك‪ .‬والتبريك أن يقول‪ :‬تبارك ال أحسن الخالقين! اللهم بارك فيه‪.‬‬
‫@ العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرك فإنه يؤمر بالغتسال‪ ،‬ويجبر على ذلك إن أباه؛ لن المر‬
‫على الوجوب‪ ،‬ل سييما هذا؛ فإنيه قيد يخاف على المعيين الهلك‪ ،‬ول ينبغيي لحيد أن يمنيع أخاه ميا‬
‫ينتفع به أخوه ول يضره هو‪ ،‬ول سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه‪.‬‬
‫@ من عرف بالصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعا لضرره؛ وقد قال بعض العلماء‪ :‬يأمره‬
‫المام بلزوم بيتيه؛ وإن كان فقيرا رزقيه ميا يقوم بيه‪ ،‬ويكيف أذاه عين الناس‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنيه ينفيى؛‬
‫وحدييث مالك الذي ذكرناه يرد هذه القوال؛ فإنيه علييه السيلم لم يأمير فيي عامير بحبيس ول بنفيي‪،‬‬
‫بل قد يكون الرجل الصالح عائنا‪ ،‬وأنه ل يقدح فيه ول يفسق به؛ ومن قال‪ :‬يحبس ويؤمر بلزوم‬
‫بيته‪ .‬فذلك احتياط ودفع ضرر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ روى مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال‪ :‬دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم بابني‬
‫جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما‪( :‬ما لي أراهما ضارعين) فقالت حاضنتهما‪ :‬يا رسول ال!‬
‫إنيه تسيرع إليهميا العيين‪ ،‬ولم يمنعنيا أن نسيترقي لهميا إل أنيا ل ندري ميا يوافقيك مين ذلك؟ فقال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬اسيترقوا لهميا فإنيه لو سيبق شييء القدر سيبقته العيين)‪ .‬وهذا‬
‫الحدييث منقطيع‪ ،‬ولكنيه محفوظ لسيماء بنيت عمييس الخثعميية عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين‬
‫وجوه ثابتية متصيلة صيحاح؛ وفييه أن الرقيي مميا يسيتدفع بيه البلء‪ ،‬وأن العيين تؤثير فيي النسيان‬
‫وتضرعه‪ ،‬أي تضعفه وتنحله؛ وذلك بقضاء ال تعالى وقدره‪ .‬ويقال‪ :‬إن العين أسرع إلى الصغار‬
‫منها إلى الكبار‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ أمر صلى ال عليه وسلم في حديث أبي أمامة العائن بالغتسال للمعين‪ ،‬وأمر هنا بالسترقاء؛‬
‫قال علماؤنيا‪ :‬إنميا يسيترقى مين العيين إذا لم يعرف العائن؛ وأميا إذا عرف الذي أصيابه بعينيه فإنيه‬
‫يؤمر بالوضوء على حديث أبي أمامة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أغني عنكم من ال من شيء" أي من شيء أحذره عليكم؛ أي ل ينفع الحذر‬
‫ميع القدر‪" .‬إن الحكيم إل ل" أي المير والقضاء ل‪" .‬علييه توكلت وعلييه فليتوكيل المتوكلون" أي‬
‫اعتمدت ووثقت‪" .‬وعليه فليتوكل المتوكلون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من ال من شيء إل حاجة‬
‫في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم" أي من أبواب شتى‪" .‬ما كان يغني عنهم من‬
‫ال مين شييء" إن أراد إيقاع مكروه بهيم‪" .‬إل حاجية" اسيتثناء لييس مين الول‪" .‬فيي نفيس يعقوب‬
‫قضاها" أي خاطر خطر بقلبه؛ وهو وصيته أن يتفرقوا؛ قال مجاهد‪ :‬خشية العين‪ ،‬وقد تقدم القول‬
‫فييه‪ .‬وقييل‪ :‬لئل يرى الملك عددهيم وقوتهيم فيبطيش بهيم حسيدا أو حذرا؛ قاله بعيض المتأخريين‪،‬‬
‫واختاره النحاس‪ ،‬وقال‪ :‬ول معنييى للعييين هاهنييا‪ .‬ودلت هذه الييية على أن المسييلم يجييب عليييه أن‬
‫يحذر أخاه ممييا يخاف عليييه‪ ،‬ويرشده إلى مييا فيييه طريييق السييلمة والنجاة؛ فإن الدييين النصيييحة‪،‬‬
‫والمسلم أخو المسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنيه" يعنيي يعقوب‪" .‬لذو علم لميا علمناه" أي بأمير دينيه‪ .‬وقييل‪" :‬لذو علم" أي‬
‫عميل؛ فإن العلم أول أسيباب العميل‪ ،‬فسيمي بميا هيو بسيببه‪" .‬ولكين أكثير الناس ل يعلمون" أي ل‬
‫يعلمون ما يعلم يعقوب عليه السلم من أمر دينه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 69 :‬ولميا دخلوا على يوسيف آوى إلييه أخاه قال إنيي أنيا أخوك فل تبتئس بميا كانوا‬
‫يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه" قال قتادة‪ :‬ضمه إليه‪ ،‬وأنزله معه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أمير أن ينزل كيل اثنيين فيي منزل‪ ،‬فبقيى أخوه منفردا فضميه إلييه وقال‪ :‬أشفقيت علييه مين الوحدة‪،‬‬
‫"قال إنيي أنيا أخوك فل تبتئس بميا كانوا يعملون" قال له سيرا مين إخوتيه‪" :‬إنيي أنيا أخوك فل‬
‫تبتئس" أي ل تحزن "بما كانوا يعملون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم‬
‫لسارقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه" لما عرف بنيامين أنه يوسف‬
‫قال له‪ :‬ل تردنيي إليهيم‪ ،‬فقال‪ :‬قيد علميت اغتمام يعقوب بيي فيزداد غميه‪ ،‬فأبيى بنياميين الخروج؛‬
‫فقال يوسيف‪ :‬ل يمكين حبسيك إل بعيد أن أنسيبك إلى ميا ل يجميل بيك‪ :‬فقال‪ :‬ل أبالي! فدس الصياع‬
‫في رحله؛ إما بنفسه من حيث لم يطلع عليه أحد‪ ،‬أو أمر بعض خواصه بذلك‪ .‬والتجهيز التسريح‬
‫وتنجيز المر؛ ومنه جهز على الجريح أي قتله‪ ،‬ونجز أمره‪ .‬والسقاية والصواع شيء واحد؛ إناء‬
‫له رأسييان فييي وسييطه مقبييض‪ ،‬كان الملك يشرب منييه ميين الرأس الواحييد‪ ،‬ويكال الطعام بالرأس‬
‫الخر؛ قاله النقاش عن ابن عباس‪ ،‬وكل شيء يشرب به فهو صواع؛ وأنشد‪:‬‬
‫نشرب الخمر بالصواع جهارا‬
‫واختلف في جنسه؛ فروى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪ :‬كان صواع‬
‫الملك شيء من فضة يشبه المكوك‪ ،‬من فضة مرصع بالجوهر‪ ،‬يجعل على الرأس؛ وكان للعباس‬
‫واحد في الجاهلية‪ ،‬وسأل نافع بن الزرق ما الصواع؟ قال‪ :‬الناء؛ قال فيه العشى‪:‬‬
‫وقدر وطباخ وصاع وديسق‬ ‫له درمك في رأسه ومشارب‬
‫وقال عكرمية‪ :‬كان مين فضية‪ .‬وقال عبدالرحمين بين زييد‪ :‬كان مين ذهيب؛ وبيه كال طعامهيم مبالغية‬
‫في إكرامهم‪ .‬وقيل‪ :‬إنما كان يكال به لعزة الطعام‪ .‬والصاع يذكر ويؤنث؛ فمن أنثه قال‪ :‬أصوع؛‬
‫مثل أدور‪ ،‬ومن ذكره قال أصواع؛ مثل أثواب‪ .‬وقال مجاهد وأبو صالح‪ :‬الصاع الطر جهالة بلغة‬
‫حميير‪ .‬وفييه قراءات‪" :‬صيواع" قراءة العامية؛ و"صيوغ" بالغيين المعجمية‪ ،‬وهيي قراءة يحييى بين‬
‫يعمر؛ قال‪ :‬وكان إناء أصيغ من ذهب‪" .‬وصوع" بالعين غير المعجمة قراءة أبي رجا‪" .‬وصوع"‬
‫بصياد مضمومية وواو سياكنة وعيين غيير معجمية قراءة أبيي‪ .‬و"صيياع" بياء بيين الصياد واللف؛‬
‫قراءة سعيد بن جبير‪" .‬وصاع" بألف بين الصاد والعين؛ وهي قراءة أبي هريرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم أذن مؤذن أيتهيا العيير إنكيم لسيارقون" أي نادى مناد وأعلم‪" .‬وأذن" للتكثيير؛‬
‫فكأنيه نادى مرارا "أيتهيا العيير"‪ .‬والعيير ميا امتيير علييه مين الحميير والبيل والبغال‪ .‬قال مجاهيد‪:‬‬
‫كان عيرهيم حميرا‪ .‬قال أبيو عيبيدة‪ :‬العيير البيل المرحولة المركوبية؛ والمعنيى‪ :‬ييا أصيحاب العيير‪،‬‬
‫كقوله‪" :‬واسيأل القريية" [يوسيف‪ ]82 :‬وييا خييل ال اركيبي‪ :‬أي ييا أصيحاب خييل ال‪ ،‬وسييأتي‪.‬‬
‫وهنييا اعتراضان‪ :‬الول‪ :‬إن قيييل‪ :‬كيييف رضييي بنيامييين بالقعود طوعييا وفيييه عقوق الب بزيادة‬
‫الحزن‪ ،‬ووافقه على ذلك يوسف؟ وكيف نسب يوسف السرقة إلى إخوته وهم براء وهو ‪ -‬الثاني ‪-‬‬
‫فالجواب عيين الول‪ :‬أن الحزن كان قييد غلب على يعقوب بحيييث ل يؤثيير فيييه فقييد بنيامييين كييل‬
‫التأثيير‪ ،‬أول تراه لميا فقده قال‪" :‬ييا أسيفا على يوسيف" [يوسيف‪ ]84 :‬ولم يعرج على بنياميين؛‬
‫ولعيل يوسيف إنميا وافقيه على القعود بوحيي؛ فل اعتراض‪ .‬وأميا نسيبة يوسيف السيرقة إلى إخوتيه‬
‫فالجواب‪ :‬أن القوم كانوا قيد سيرقوه مين أبييه فألقوه فيي الجيب‪ ،‬ثيم باعوه؛ فاسيتحقوا هذا السيم بذلك‬
‫الفعيل‪ ،‬فصيدق إطلق ذلك عليهيم‪ .‬جواب آخير ‪ -‬وهيو أنيه أراد أيتهيا العيير حالكيم حال السيراق؛‬
‫والمعنى‪ :‬إن شيئا لغيركم صار عندكم من غير رضا الملك ول علمه‪ .‬جواب آخر ‪ -‬وهو أن ذلك‬
‫كان حيلة لجتماع شمله بأخيه‪ ،‬وفصله عنهم إليه‪ ،‬وهذا بناء على أن بنيامين لم يعلم بدس الصاع‬
‫فيي رحله‪ ،‬ول أخيبره بنفسيه‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن معنيى الكلم السيتفهام؛ أي أو إنكيم لسيارقون؟ كقوله‪:‬‬
‫"وتلك نعمة" [الشعراء‪ ]22 :‬أي أو تلك نعمة تمنها علي؟ والغرض أل يعزى إلى يوسف صلى‬
‫ال عليه وسلم الكذب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 72 - 71 :‬قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون‪ ،‬قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به‬
‫حمل بعير وأنا به زعيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولميين جاء بييه حمييل بعييير وأنييا بييه زعيييم"‪ .‬البعييير هنييا الجمييل فييي قول أكثيير‬
‫المفسرين‪ .‬وقيل‪ :‬إنه الحمار‪ ،‬وهي لغة لبعض العرب؛ قاله مجاهد واختاره‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬الزعيم‬
‫هيو المؤذن الذي قال‪" :‬أيتهيا العيير"‪ .‬والزعييم والكفييل والحمييل والضميين والقبييل سيواء والزعييم‬
‫الرئيس‪ .‬قال‪:‬‬
‫بسير ترى منه الفرانق أزورا‬ ‫وإني زعيم إن رجعت مملكا‬
‫وقالت ليلى الخيلية ترثي أخاها‪:‬‬
‫يوم اللقاء من الحياء سقيما‬ ‫ومخرق عنه القميص تخاله‬
‫تحت اللواء على الخميس زعيما‬ ‫حتى إذا رفع اللواء رأيته‬
‫@ إن قييل‪ :‬كييف ضمين حميل البعيير وهيو مجهول‪ ،‬وضمان المجهول ل يصيح؟ قييل له‪ :‬حميل‬
‫البعير كان معينا معلوما عندهم كالوسق؛ فصح ضمانه‪ ،‬غير أنه كان بدل مال للسارق‪ ،‬ول يحل‬
‫للسارق ذلك‪ ،‬فلعله كان يصح في شرعهم أو كان هذا جعالة‪ ،‬وبذل مال لمن كان يفتش ويطلب‪.‬‬
‫@ قال بعيض العلماء‪ :‬فيي هذه اليية دليلن‪ :‬أحدهميا‪ :‬جواز الجُعْل وقيد أجييز للضرورة؛ فإنيه‬
‫يجوز فييه مين الجهالة ميا ل يجوز‪ .‬فيي غيره؛ فإذا قال الرجيل‪ :‬مين فعيل كذا فله كذا صيح‪ .‬وشأن‬
‫الجعل أن يكون أحد الطرفين معلوما والخر مجهول للضرورة إليه؛ بخلف الجارة؛ فإنه يتقدر‬
‫فيهيا العوض والمعوض مين الجهتيين؛ وهيو مين العقود الجائزة التيي يجوز لحدهميا فسيخه؛ إل أن‬
‫المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع وبعده‪ ،‬إذا رضي بإسقاط حقه‪ ،‬وليس للجاعل أن يفسخه‬
‫إذا شرع المجعول له فيي العميل‪ .‬ول يشترط فيي عقيد الجعيل حضور المتعاقديين‪ ،‬كسيائر العقود؛‬
‫لقوله‪" :‬ولمن جاء به حمل بعير" وبهذا كله قال الشافعي‪.‬‬
‫@ متى قال النسان‪ ،‬من جاء بعبدي البق فله دينار لزمه ما جعله فيه إذا جاء به؛ فلو جاء به من‬
‫غيير ضمان لزميه إذا جاء بيه على طلب الجرة؛ وذلك أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين‬
‫جاء بآبيق فله أربعون درهميا) ولم يفصيل بيين مين جاء بيه مين عقيد ضمان أو غيير عقيد‪ .‬قال ابين‬
‫خوييز منداد ولهذا قال أصيحابنا‪ :‬إن كان ممين يفعيل بالنسيان ميا يجيب علييه أن يفعله بنفسيه مين‬
‫مصالحه لزمه ذلك‪ ،‬وكان له أجر مثله إن كان ممن يفعل ذلك بالجر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وخالفنا في هذا كله الشافعي‪.‬‬
‫@ الدلييل الثانيي‪ :‬جواز الكفالة على الرجيل؛ لن المؤذن الضامين هيو غيير يوسيف علييه السيلم‪،‬‬
‫قال علماؤنيا‪ :‬إذا قال الرجيل تحملت أو تكفلت أو ضمنيت أو وأنيا حمييل لك أو زعييم أو كفييل أو‬
‫ضاميين أو قبيييل‪ ،‬أو هييو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي فذلك كله حمالة لزميية‪ ،‬وقييد اختلف‬
‫الفقهاء فيمن تكفل بالنفس أو بالوجه‪ ،‬هل يلزمه ضمان المال أم ل؟ فقال الكوفيون‪ :‬من تكفل بنفس‬
‫رجيل لم يلزميه الحيق الذي على المطلوب إن مات؛ وهيو أحيد قولي الشافعيي فيي المشهور عنيه‪.‬‬
‫وقال مالك واللييث والوزاعيي‪ :‬إذا تكفيل بنفسيه وعلييه مال فإنيه إن لم يأت بيه غرم المال‪ ،‬ويرجيع‬
‫بييه إلى المطلوب؛ فإن اشترط ضمان نفسييه أو وجهييه وقال‪ :‬ل أضميين المال فل شيييء عليييه ميين‬
‫المال؛ والحجية لمين أوجيب غرم المال أن الكفييل قيد علم أن المضمون وجهيه ل يطلب بدم‪ ،‬وإنميا‬
‫يطلب بمال؛ فإذا ضمنيه له ولم يأتيه بيه فكأنيه فوتيه علييه‪ ،‬وعزه منيه؛ فلذلك لزميه المال‪ .‬واحتيج‬
‫الطحاوي للكوفييين فقال‪ :‬أميا ضمان المال بموت المكفول بيه فل معنيى له؛ لنيه إنميا تكفيل بالنفيس‬
‫ولم يتكفل بالمال‪ ،‬فمحال أن يلزمه ما لم يتكفل به‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء إذا تكفيل رجيل عين رجيل بمال؛ هيل للطالب أن يأخيذ مين شاء منهميا؟ فقال‬
‫الثوري والكوفيون والوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق‪ :‬يأخذ من شاء حتى يستوفي حقه؛ وهذا‬
‫كان قول مالك ثيم رجيع عنيه فقال‪ :‬ل يؤخيذ الكفييل إل أن يفلس الغرييم أو يغييب؛ لن التبديية بالذي‬
‫عليه الحق أولى‪ ،‬إل أن يكون معدما فإنه يؤخذ من الحميل‪ ،‬لنه معذور في أخذه في هذه الحالة؛‬
‫وهذا قول حسيين‪ .‬والقياس أن للرجييل مطالبيية أي الرجلييين شاء‪ .‬وقال ابيين أبييي ليلى‪ :‬إذا ضميين‬
‫الرجيل عين صياحبه ميا ل تحول على الكفييل وبرئ صياحب‪ ،‬الصيل‪ ،‬إل أن يشترط المكفول له‬
‫عليهميا أن يأخيذ أيهميا شاء؛ واحتيج بيبراءة المييت مين الديين‪ ،‬بضمان أبيي قتادة‪ ،‬وبنحوه قال أبيو‬
‫ثور‪.‬‬
‫@ الزعامة ل تكون إل في الحقوق التي تجوز النيابة فيها‪ ،‬مما يتعلق بالذمة من الموال‪ ،‬وكان‬
‫ثابتيا مسيتقرا؛ فل تصيح الحمالة بالكتابية لنهيا ليسيت بديين ثابيت مسيتقر؛ لن العبيد إن عجيز رق‬
‫وانفسيخت الكتابية؛ وأميا كيل حيق ل يقوم بيه أحيد عين أحيد كالحدود فل كفالة فييه‪ ،‬ويسيجن المدعيى‬
‫عليه الحد‪ ،‬حتى ينظر في أمره‪.‬‬
‫وشييذ أبييو يوسييف ومحمييد فأجازا الكفالة فييي الحدود والقصيياص‪ ،‬وقال‪ :‬إذا قال المقذوف أو‬
‫المدعيي القصياص بينتيي حاضرة كفله ثلثية أيام؛ واحتيج لهيم الطحاوي بميا رواه حمزة بين عمرو‬
‫عن عمر وابن مسعود وجرير بن عبدال والشعث أنهم حكموا بالكفالة بالنفس بمحضر الصحابة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 75 - 73 :‬قالوا تال لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الرض وما كنا سارقين‪ ،‬قالوا‬
‫فما جزاؤه إن كنتم كاذبين‪ ،‬قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا تال لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الرض" يروى أنهم كانوا ل ينزلون على‬
‫أحييد ظلمييا‪ ،‬ول يرعون زرع أحييد‪ ،‬وأنهييم جمعوا على أفواه إبلهييم الكميية لئل تعيييث فييي زروع‬
‫الناس‪ .‬ثم قال‪" :‬وما كنا سارقين" يروى أنهم ردوا البضاعة التي كانت في رحالهم؛ أي فمن رد‬
‫ما وجد فكيف يكون سارقا؟ !‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين" المعنى‪ :‬فما جزاء الفاعل إن بان كذبكم؟ فأجاب‬
‫إخوة يوسييف‪" :‬جزاؤه ميين وجييد فييي رحله فهييو جزاؤه" أي يسييتعبد ويسييترق‪" .‬فجزاؤه" مبتدأ‪،‬‬
‫و"ميين وجييد فييي رحله" خييبره؛ والتقدييير‪ :‬جزاؤه اسييتعباد ميين وجييد فييي رحله؛ فهييو كناييية عيين‬
‫الستعباد؛ وفي الجملة معنى التوكيد‪ ،‬كما تقول‪ :‬جزاء من سرق القطع فهذا جزاؤه‪" .‬كذلك نجزي‬
‫الظالميين" أي كذلك نفعيل فيي الظالميين إذا سيرقوا أن يسيترقوا‪ ،‬وكان هذا مين ديين يعقوب علييه‬
‫السلم وحكمه‪ .‬وقولهم هذا قول من لم يسترب نفسه؛ لنهم التزموا استرقاق من وجد في رحله‪،‬‬
‫وكان حكم السارق عند أهل مصر أن يغرم ضعفي ما أخذ؛ قاله الحسن والسدي وغيرهما‪ .‬مسألة‪:‬‬
‫قد تقدم في سورة "المائدة" أن القطع في السرقة ناسخ لما تقدم من الشرائع‪ ،‬أو لما كان في شرع‬
‫يعقوب من استرقاق السارق‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 76 :‬فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما‬
‫كان ليأخذ أخاه في دين الملك إل أن يشاء ال نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبدأ بأوعيتهيم قبيل وعاء أخييه" إنما بدأ يوسيف برحالهيم لنفيي التهمة والريبية من‬
‫قلوبهيم إن بدأ بوعاء أخييه‪ .‬والوعاء يقال بضيم الواو وكسيرها‪ ،‬لغتان؛ وهيو ميا يحفيظ فييه المتاع‬
‫ويصونه‪" .‬ثم استخرجها من وعاء أخيه" يعني بنيامين؛ أي استخرج السقاية أو الصواع عند من‬
‫يؤنث‪ ،‬وقال‪" :‬ولمن جاء به" [يوسف‪ ]72 :‬فذكر؛ فلما رأى ذلك إخوته نكسوا رؤوسهم‪ ،‬وظنوا‬
‫الظنون كلهييا‪ ،‬وأقبلوا عليييه وقالوا ويلك يييا بنيامييين! مييا رأينييا كاليوم قييط‪ ،‬ولدت أمييك "راحيييل"‬
‫أخوين لصين! قال لهم أخوهم‪ :‬وال ما سرقته‪ ،‬ول علم لي بمن وضعه في متاعي‪ .‬ويروى أنهم‬
‫قالوا له‪ :‬ييا بنياميين! أسيرقت؟ قال‪ :‬ل وال؛ قالوا‪ :‬فمين جعيل الصيواع فيي رحلك؟ قال‪ :‬الذي جعيل‬
‫البضاعية فيي رحالكيم‪ .‬ويقال‪ :‬إن المفتيش كان إذا فرغ مين رجيل رجيل اسيتغفر ال عيز وجيل تائبيا‬
‫ميين فعله ذلك؛ وظاهيير كلم قتادة وغيره أن المسييتغفر كان يوسييف؛ لنييه كان يفتشهييم ويعلم أييين‬
‫الصيواع حتيى فرغ منهيم‪ ،‬وانتهيى إلى رحيل بنياميين فقال‪ :‬ميا أظين هذا الفتيى رضيي بهذا ول أخيذ‬
‫شيئا‪ ،‬فقال له إخوته‪ :‬وال ل نبرح حتى تفتشه؛ فهو أطيب لنفسك ونفوسنا؛ ففتش فأخرج السقاية؛‬
‫وهذا التفتييش مين يوسيف يقتضيي أن المؤذن سيرقهم برأييه؛ فيقال‪ :‬إن جمييع ذلك كان أمير مين ال‬
‫تعالى؛ ويقوي ذلك قوله تعالى‪" :‬كذلك كدنا ليوسف"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كدنيا" معناه صينعنا؛ عين ابين عباس‪ .‬القتيبي‪ :‬دبرنيا‪ .‬ابين النباري‪ :‬أردنيا؛ قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫لو عاد من عهد الصبا ما قد مضى‬ ‫كادت وكدت وتلك خير إرادة‬
‫وفييه جواز التوصيل إلى الغراض بالحييل إذا لم تخالف شريعية‪ ،‬ول هدميت أصيل‪ ،‬خلفيا لبيي‬
‫حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الصول‪ ،‬وخرمت التحليل‪.‬‬
‫@ أجميع العلماء على أن للرجيل قبيل حلول الحول التصيرف فيي مال بالبييع والهبية إذا لم ينيو‬
‫الفرار مين الصيدقة؛ وأجمعوا على أنيه إذا حال الحول وأظيل السياعي أنيه ل يحيل له التحييل ول‬
‫النقصيان‪ ،‬ول أن يفرق بيين مجتميع‪ ،‬ول أن يجميع بيين متفرق‪ .‬وقال مالك‪ :‬إذا فوت مين ماله شيئا‬
‫ينوي بيه الفرار مين الزكاة قبيل الحول بشهير‪ .‬أو نحوه لزمتيه الزكاة‪ .‬عنيد الحول‪ ،‬أخذا منيه بقوله‬
‫عليه السلم‪( :‬خشية الصدقة)‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن نوى بتفريقه الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم‬
‫ل يضره؛ لن الزكاة ل تلزم إل بتمام الحول‪ ،‬ول يتوجييه إليييه معنييى قوله‪( :‬خشييية الصييدقة) إل‬
‫حينئذ‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬سيمعت أبيا بكير محميد بين الولييد الفهري وغيره يقول‪ :‬كان شيخنيا قاضيي‬
‫القضاة أبييو عبدال محمييد بيين علي الدامغانييي صيياحب عشرات اللف دينار ميين المال‪ ،‬فكان إذا‬
‫جاء رأس الحول دعيا بنييه فقال لهيم‪ :‬كيبرت سيني‪ ،‬وضعفيت قوتيي‪ ،‬وهذا مال ل أحتاجيه فهيو لكيم‪،‬‬
‫ثم يخرجه فيحمله الرجال على أعناقهم إلى دور بنيه؛ فإذا جاء رأس الحول ودعا بنية لمر قالوا‪:‬‬
‫ييا أبانيا! إنميا أملنيا حياتيك‪ ،‬وأميا المال فأي رغبية لنيا فييه ميا دميت حييا؛ أنيت ومالك لنيا‪ ،‬فخذه إلييك‪،‬‬
‫ويسير الرجال به حتى يضعوه بين يديه‪ ،‬فيرده إلى موضعه؛ يريد بتبديل الملك إسقاط الزكاة على‬
‫رأي أبيي حنيفية فيي التفرييق بيين المجتميع‪ ،‬والجميع بيين المتفرق؛ وهذا خطيب عظييم وقيد صينف‬
‫البخاري رضي ال عنه في جامعه كتابا مقصود فقال‪" :‬كتاب الحيل"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وترجيم فييه أبوابيا منهيا‪" :‬باب الزكاة وأل يفرق بيين مجتميع ول يجميع بيين متفرق خشيية‬
‫الصيدقة"‪ .‬وأدخل فيه حديث أنس بن مالك‪ ،‬وأن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة؛ وحديث طلحة‬
‫بن عبيدال أن أعرابيا جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثائر الرأس‪ .‬الحديث؛ وفي آخره‪:‬‬
‫(أفلح إن صدق) أو (دخيل الجنة إن صدق)‪ .‬وقال بعض الناس‪ :‬فيي عشريين ومائة بعيير حقتان؛‬
‫فإن أهلكهيا متعمدا أو وهبهيا أو احتال فيهيا فرارا مين الزكاة فل شييء علييه؛ ثيم أردف بحدييث أبيي‬
‫هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يكون كنيز أحدكيم يوم القيامية شجاعيا أقرع له‬
‫زبيبتان ويقول أنيا كنزك) الحدييث‪ ،‬قال المهلب‪ :‬إنميا قصيد البخاري فيي هذا الباب أن يعرفيك أن‬
‫كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم لما منع‬
‫مين جميع الغنيم وتفريقهيا خشيية الصيدقة فهيم منيه هذا المعنيى‪ ،‬وفهيم مين قوله‪( :‬أفلح إن صيدق) أن‬
‫مين رام أن ينقيض شيئا مين فرائض ال بحيلة يحتالهيا أنيه ل يفلح‪ ،‬ول يقوم بذلك عذره عنيد ال؛‬
‫وميا أجازه الفقهاء مين تصيرف صياحب المال فيي ماله قرب حلول الحول إنميا هيو ميا لم يرد بذلك‬
‫الهرب مين الزكاة؛ ومين نوى ذلك فالثيم‪ ،‬عنيه غيير سياقط‪ ،‬وال حسييبه؛ وهيو كمين فير مين صييام‬
‫رمضان قبيل رؤيية الهلل بيوم‪ ،‬واسيتعمل سيفرا ل يحتاج إلييه رغبية عين فرض ال الذي كتبيه ال‬
‫على المؤمنين؛ فالوعيد متوجه عليه؛ أل ترى عقوبة من منع الزكاة يوم القيامة بأي وجه متعمدا‬
‫كيييف تطؤه البييل‪ ،‬ويمثييل له ماله شجاعييا أقرع! ؟ وهذا يدل على أن الفرار ميين الزكاة ل يحييل‪،‬‬
‫وهو مطالب بذلك في الخرة‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬قال بعض علماء الشافعية في قوله تعالى‪" :‬وكذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ‬
‫أخاه"‪ .‬دليييل على وجييه الحيلة إلى المباح‪ ،‬واسييتخراج الحقوق؛ وهذا وهييم عظيييم؛ وقوله تعالى‪:‬‬
‫"وكذلك كدنا ليوسف في الرض" قيل فيه‪ :‬كما مكنا ليوسف ملك نفسه عن امرأة العزيز مكنا له‬
‫ملك الرض عيين العزيييز‪ ،‬أو مثله ممييا ل يشبييه مييا ذكره‪ .‬قال الشفعوي‪ :‬ومثله قوله عييز وجييل‪:‬‬
‫"وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ول تحنث" [ص‪ ]44 :‬وهذا ليس حيلة‪ ،‬إنما هو حمل لليمين على‬
‫اللفاظ أو على المقاصيد‪ .‬قال الشفعوي‪ :‬ومثله حدييث أبيي سيعيد الخدري فيي عاميل خييبر أنيه أتيى‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم بتمير جنييب‪ ،‬الحدييث؛ ومقصيود الشافعيية مين هذا الحدييث أنيه علييه‬
‫السيلم أمره أن ييبيع جمعيا ويبتاع جنيبيا مين الذي باع منيه الجميع أو مين غيره‪ .‬وقالت المالكيية‪:‬‬
‫معناه ميين غيره؛ لئل يكون جنيبييا بجمييع‪ ،‬والدراهييم ربييا؛ كمييا قال ابيين عباس‪ :‬جريرة بجريرة‬
‫والدراهم ربا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيي ديين الملك" أي سيلطانه‪ ،‬عين ابين عباس ابين عيسيى‪ :‬عاداتيه‪ ،‬أي يظلم بل‬
‫حجة‪ .‬مجاهد‪ :‬في حكمه؛ وهو استرقاق السيراق‪" .‬إل أن يشاء ال" أي إل بأن يشاء ال أن يجعل‬
‫السيقاية فيي رحله تعلة وعذرا له‪ .‬وقال قتادة‪ :‬بيل كان حكيم الملك الضرب والغرم ضعفيين‪ ،‬ولكين‬
‫شاء ال أن يجري على ألسنتهم حكم بني‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬على ما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نرفيع درجات مين نشاء" أي بالعلم واليمان‪ .‬وقرئ "نرفيع درجات مين نشاء"‬
‫بمعنيى‪ :‬نرفع من نشاء درجات؛ وقد مضيى فيي "النعام" وقوله‪" :‬وفوق كل ذي علم عليم" روى‬
‫إسيرائيل عين سيماك عين عكرمية عين ابين عباس قال‪ :‬يكون ذا أعلم مين ذا وذا أعلم مين ذا‪ ،‬وال‬
‫فوق كل عالم‪ .‬وروى سفيان عن عبدالعلى عن سعيد بن جبير قال‪ :‬كنا عند ابن عباس رحمه ال‬
‫فتحدث بحديث فتعجب منه رجل فقال‪ :‬سبحان ال! وفوق كل ذي علم عليم؛ فقال ابن عباس‪ :‬بئس‬
‫ما قلت؛ ال العليم وهو فوق كل عالم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم‬
‫قال أنتم شر مكانا وال أعلم بما تصفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل" اقتدى‪ :‬أي اقتدى بأخيه‪ ،‬ولو اقتدى بنا‬
‫ميا سيرق؛ وإنميا قالوا ذلك لييبرؤوا مين فعله‪ ،‬لنيه لييس مين أمهيم؛ وأنيه إن سيرق فقيد جذبيه عرق‬
‫أخيه السارق؛ لن الشتراك في النساب يشاكل في الخلق‪ .‬وقد اختلفوا في السرقة التي نسبوا‬
‫إلى يوسف؛ فروي عن مجاهد وغيره أن عمة يوسف بنت إسحاق كانت أكبر من يعقوب‪ ،‬وكانت‬
‫صيارت إليهيا منطقية إسيحاق لسينها؛ لنهيم كانوا يتوارثون بالسين‪ ،‬وهذا مميا نسيخ حكميه بشرعنيا‪،‬‬
‫وكان من سرق استعبد‪ .‬وكانت عمة يوسف حضنته وأحبته حبا شديدا؛ فلما ترعرع وشب فال لها‬
‫يعقوب‪ :‬سيلمي يوسيف إلي‪ ،‬فلسيت أقدر أن يغييب عنيي سياعة؛ فولعيت بيه‪ ،‬وأشفقيت مين فراقيه؛‬
‫فقالت له‪ :‬دعيه عندي أياميا أنظيير إلييه فلميا خرج مين عندهيا يعقوب عمدت إلى منطقية إسيحاق‪،‬‬
‫فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه‪ ،‬ثم قالت‪ :‬لقد فقدت منطقة إسحاق‪ ،‬فانظروا من أخذها ومن‬
‫أصابها؛ فالتمست ثم فالت‪ :‬اكشفوا أهل البيت فكشفوا؛ فوجدت مع يوسف‪ .‬فقالت‪ :‬إنه وال لي سلم‬
‫أصينع فييه ميا شئت؛ ثيم أتاهيا يعقوب فأخيبرته الخيبر‪ ،‬فقال لهيا‪ :‬أنيت وذلك‪ ،‬إن كان فعيل ذلك فهيو‬
‫سلم لك؛ فأمسكته حتى ماتت؛ فبذلك عيره إخوته في قولهم‪" :‬إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل"‬
‫ومن ههنا تعلم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه كما عملت به عمته‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬إنما‬
‫أمرتيه أن يسيرق صينما كان لجده أبيي أميه‪ ،‬فسيرقه وكسيره وألقاه على الطرييق‪ ،‬وكان ذلك منهميا‬
‫تغييرا للمنكر؛ فرموه بالسرقة وعيروه بها‪ ،‬وقال قتادة‪ .‬وفي كتاب الزجاج‪ :‬أنه كان صنما ذهب‪.‬‬
‫وقال عطيية العوفيي‪ :‬إنيه كان ميع إخوتيه على طعام فنظير إلى عرق فخبأه فغيره بذلك‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه‬
‫كان يسرق من طعام المائدة للمساكين؛ حكاه ابن عسى وقيل‪ :‬إنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه؛ قاله‬
‫الحسن‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم" أي أسر في نفسه قولهم "إن يسرق فقد‬
‫سرق أخ له من قبل" قاله ابن شجرة وابن عيسى‪ .‬وقيل‪ :‬إنه أسر في نفسه قوله‪" :‬أنتم شر مكانا"‬
‫ثيم جهير فقال‪" :‬وال أعلم بميا تصيفون"‪ .‬قاله ابين عباس‪ ،‬أي أنتيم شير مكانيا ممين نسيبتموه إلى هذه‬
‫السيرقة‪ .‬ومعنيى قوله‪" :‬وال أعلم بميا تصيفون" أي ال أعلم أن ميا قلتيم كذب‪ ،‬وإن كانيت ل رضيا‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 78 :‬قالوا ييا أيهيا العزييز إن له أبيا شيخيا كيبيرا فخيذ أحدنيا مكانيه إنيا نراك مين‬
‫المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه" خاطبوه باسم العزيز‬
‫إذ كان في تلك اللحظة بعزل الول أو موته‪ .‬وقولهم‪" :‬إن له أبا شيخا كبيرا" أي كبير القدر‪ ،‬ولم‬
‫يريدوا كبر السن؛ لن ذلك معروف من حال الشيء‪" .‬فخذ أحدنا مكانه" أي عبدا بدله؛ وقد قيل‪:‬‬
‫إن هذا مجاز؛ لنهيم يعلمون أنيه ل يصيح أخيذ حير يسيترق بدل مين قيد أحكميت السينة عندهيم رقيه؛‬
‫وإنميا هذا كميا تقول لمين تكره فعله‪ :‬اقتلنيي ول تفعيل كذا وكذا‪ ،‬وأنيت ل ترييد أن يقتلك‪ ،‬ولكنيك‬
‫مبالغ في استنزاله‪ .‬ويحتمل أن يكون قولهم‪" :‬فخذ أحدنا مكان" حقيقة؛ وبعيد عليهم وهم أنبياء أن‬
‫يروا استرقاق حر‪ ،‬فلم يبق إل أن يريدوا بذلك طريق الحمالة؛ أي خذ أحدنا مكانه‪ .‬حتى ينصرف‬
‫إليييك صيياحبك؛ ومقصييدهم بذلك أن يصييل بنيامييين إلى أبيييه؛ ويعرف يعقوب جلييية الميير؛ فمنييع‬
‫يوسيف علييه السيلم مين ذلك‪ ،‬إذ الحمالة فيي الحدود ونحوهيا ‪ -‬بمعنيى إحضار المضمون فقيط ‪-‬‬
‫جائزة ميع التراضيي‪ ،‬غيير لزمية إذا أبيى الطالب؛ وأميا الحمالة فيي مثيل هذا على أن يلزم الحمييل‬
‫ما كان يلزم المضمون من عقوبة‪ ،‬فل يجوز إجماعا‪ .‬وفي "الواضحة"‪ :‬إن الحمالة في الوجه فقط‬
‫فيي جمييع الحدود جائزة‪ ،‬إل فيي النفيس‪ .‬وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة فيي النفيس‪ .‬واختلف‬
‫فيها عن الشافعي؛ فمرة ضعفها‪ ،‬ومرة أجازها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا نراك من المحسنين" يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع‬
‫أفعاله معهيم‪ ،‬ويحتميل أن يريدوا‪ :‬إنيا نرى لك إحسيانه علينيا فيي هذه الييد أن أسيديتها إلينيا؛ وهذا‬
‫تأويل ابن إسحاق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬قال معاذ ال أن نأخذ إل من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال معاذ ال" مصدر‪" .‬أن نأخيذ" فيي موضع نصب؛ أي من أن نأخذ‪" .‬إل من‬
‫وجدنا" في موضع نصب بي "أخذ"‪" .‬متاعنا عنده" أي معاذ ال أن نأخذ البريء بالمجرم ونخالف‬
‫ما تعاقدنا عليه‪" .‬إنا إذا لظالمون" أي أن نأخذ غيره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 80 :‬فلميا اسيتيأسوا منيه خلصيوا نجييا قال كيبيرهم ألم تعلموا أن أباكيم قيد أخيذ عليكيم‬
‫موثقا من ال ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم ال لي‬
‫وهو خير الحاكمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمييا اسييتيئسوا منييه" أي يئسييوا؛ مثييل عجييب واسييتعجب‪ ،‬وسييخر واسييتسخر‪.‬‬
‫"خلصوا" أي انفردوا وليس هو معهم‪" .‬نجيا" نصب على الحال من المضمر في "خلصوا" وهو‬
‫واحيد يؤدي عين جميع‪ ،‬كميا فيي هذه اليية؛ ويقيع على الواحيد كقوله تعالى‪" :‬وقربناه نجييا" [مرييم‪:‬‬
‫‪ ]52‬وجمعه أنجية؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫واضطرب القوم اضطراب الرشية‬ ‫إني إذا ما القوم كانوا أنجية‬
‫هناك أوصيني ول توصي بيه‬
‫وقرأ ابين كثيير‪" :‬اسيتايسوا" "ول تايسيوا" "إنيه ل ياييس" "أفلم ياييس" بألف مين غيير هميز على‬
‫القلب؛ قدميت الهمزة وأخرت الياء‪ ،‬ثيم قلبيت الهمزة ألفيا لنهيا سياكنة قبلهيا فتحية؛ والصيل قراءة‬
‫الجماعية؛ لن المصيدر ميا جاء إل على تقدييم الياء ‪ -‬يأسيا ‪ -‬والياس لييس بمصيدر أييس؛ بيل هيو‬
‫مصيدر أسيته أوسيا وإياسيا أي أعطيتيه‪ .‬وقال قوم‪ :‬أييس ويئس لغتان؛ أي فلميا يئسيوا مين رد أخيهيم‬
‫إليهيم تشاوروا فيميا بينهيم ل يخالطهيم غيرهيم مين الناس‪ ،‬يتناجون فيميا عرض لهيم‪ .‬والنجيي فعييل‬
‫بمعنى المناجي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال كبيرهم" قال قتادة‪ :‬وهو روبيل‪ ،‬كان أكبرهم في السن‪ .‬مجاهد‪ :‬هو شمعون‪،‬‬
‫كان أكبرهم في الرأي‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬يهوذا؛ وكان أعقلهم‪ .‬وقال محمد بن كعب وابن إسحاق‪ :‬هو‬
‫لوى‪ ،‬وهيو أبيو النيبياء‪" .‬ألم تعلموا أن أباكيم قيد أخيذ عليكيم موثقيا مين ال" أي عهدا مين ال فيي‬
‫حفيظ ابنيه‪ ،‬ورده إلييه‪" .‬ومين قبيل ميا فرطتيم فيي يوسيف" "ميا" فيي محيل نصيب عطفيا على "أن"‬
‫والمعنيى‪ :‬ألم تعلموا أن أباكيم قيد أخيذ عليكيم موثقيا مين ال‪ ،‬وتعلموا تفريطكيم فيي يوسيف؛ ذكير‬
‫النحاس وغيره‪ .‬و"مين" فيي قوله‪" :‬ومين قبيل" متعلقية بيي "تعلموا"‪ .‬ويجوز أن تكون "ميا" زائدة؛‬
‫فيتعلق الظرفان اللذان هما "من قبل" و"في يوسف" بالفعل وهو "فرطتم"‪ .‬ويجوز أن تكون "ما"‬
‫والفعل مصدرا‪ ،‬و"من قبل" متعلقا بفعل مضمر؛ التقدير‪ :‬تفريطكم في يوسف واقع من قبل؛ فما‬
‫والفعل في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬والخبر هو الفعل المضمر الذي يتعلق به "من قبل"‪" .‬فلن أبرح‬
‫الرض" أي ألزمهييا‪ ،‬ول أبرح مقيميا فيهيا؛ يقال‪ :‬برح براحييا وبروحيا أي زال‪ ،‬فإذا دخيل النفيي‬
‫صيار مثبتيا‪" .‬حتيى يأذن لي أبيي" بالرجوع فإنيي أسيتحي منيه‪" .‬أو يحكيم ال لي" بالممير ميع أخيي‬
‫فأمضييي معييه إلى أبييي‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى أو يحكييم ال لي بالسيييف فأحارب واخييذ أخييي‪ ،‬أو أعجييز‬
‫فأنصيرف بعذر‪ ،‬وذلك أن يعقوب قال‪" :‬لتأتننيي بيه إل أن يحاط بكيم" [يوسيف‪ ]66 :‬ومين حارب‬
‫وعجز فقد أحيط به‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬وكان يهوذا إذا غضب وأخذ السيف فل يرد وجهه مائة ألف؛ يقوم شعره في‬
‫صدره مثل المسال فتنفذ من ثيابه‪ .‬وجاء في الخبر أن يهوذا قال لخوته ‪ -‬وكان أشدهم غضبا ‪: -‬‬
‫إميا أن تكفونيي الملك ومين معيه أكفكيم أهيل مصير؛ وإميا أن تكفونيي أهيل مصير أكفكيم الملك ومين‬
‫معه؛ قالوا‪ :‬بل أكفنا الملك ومن معه نكفك أهل مصر‪ ،‬فبعث واحدا من إخوته فعدوا أسواق مصر‬
‫فوجدوا فيها تسعة أسيواق‪ ،‬فأخيذ كيل‪ ،‬واحيد منهيم سيوقا؛ ثيم إن يهوذا دخل على يوسيف وقال‪ :‬أيهيا‬
‫الملك! لئن لم تخل معنا أخانا لصيحن صيحة ل تبقي في مدينتك حامل إل أسقطت ما في بطنها؛‬
‫وكان ذلك خاصة فيهم عند الغضب‪ ،‬فأغضبه يوسف وأسمعه كلمه‪ ،‬فغضب يهوذا واشتد غضبه‪،‬‬
‫وانتبجيت ؟؟ شعراتيه؛ وكذا كان كيل واحيد مين بنيي يعقوب؛ كان إذا غضيب‪ ،‬اقشعير جلده‪ ،‬وانتفيخ‬
‫جسده‪ ،‬وظهرت شعرات ظهره‪ ،‬من تحت الثوب‪ ،‬حتى تقطر من كل شعرة قطرة دم؛ وإذا ضرب‬
‫الرض برجله تزلزلت وتهدم البنيان‪ ،‬وإن صيياح صيييحة لم تسييمعه حامييل ميين النسيياء والبهائم‬
‫والطير إل وضعت ما في بطنها‪ ،‬تماما أو غير تمام؛ فل يهدأ غضبه إل أن يسفك دما‪ ،‬أو تمسكه‬
‫يييد ميين نسييل يعقوب؛ فلمييا علم يوسييف أن غضييب أخيييه يهوذا قييد تييم وكمييل كلم ولدا له صييغيرا‬
‫بالقبطية‪ ،‬وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث ل يراه؛ ففعل فسكن غضبه وألقى السيف‬
‫فالتفييت يمينييا وشمال لعله يرى أحدا ميين إخوتييه فلم يره؛ فخرج مسييرعا إلى إخوتييه وقال‪ :‬هييل‬
‫حضرني منكم أحد؟ قالوا‪ :‬ل! قال‪ :‬فأين ذهب شمعون؟ قالوا‪ :‬ذهب إلى الجبل؛ فخرج فلقيه‪ ،‬وقد‬
‫احتمل صخرة عظيمة؛ قال‪ :‬ما تصنع بهذه؟ قال أذهب إلى السوق الذي وقع في نصيبي أشدخ بها‬
‫رؤوس كل من فيه؛ قال‪ :‬فارجع فردها أو ألقها في البحر‪ ،‬ول تحدثن حدثا؛ فوالذي اتخذ إبراهيم‬
‫خليل! لقد مسني كف من نسل يعقوب‪ .‬ثم دخلوا على يوسف‪ ،‬وكان يوسف أشدهم بطشا‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫معشيير العيبرانيين! أتظنون أنيه لييس أحييد أشييد منكييم قوة‪ ،‬ثيم عميد إلى حجيير عظيييم مين حجارة‬
‫الطاحونيية فركله برجله فدحييا بييه ميين خلف الجدار ‪ -‬الركييل الضرب بالرجييل الواحدة؛ وقييد ركله‬
‫يركله؛ قال الجوهري ‪ -‬ثيم أمسيك يهوذا بإحدى يدييه فصيرعه لجنبيه‪ ،‬وقال‪ :‬هات الحداديين أقطيع‬
‫أيديهيم وأرجلهيم وأضرب أعناقهييم‪ ،‬ثييم صييعد على سيريره وجلس على فراشييه‪ ،‬وأميير بصييواعه‬
‫فوضيع بيين يدييه‪ ،‬ثيم نقره نقرة فخرج طنينيه‪ ،‬فالتفيت إليهيم وقال‪ :‬أتدرون ميا يقول؟ قالوا‪ :‬ل! قال‪:‬‬
‫فإنه يقول‪ :‬إنه ليس على قلب أبي هؤلء هم ول غم ول كرب إل بسببهم‪ ،‬ثم نقر نقرة ثانية وقال‪:‬‬
‫إنيه يخيبرني أن هؤلء أخذوا أخيا لهيم صيغيرا فحسيدوه ونزعوه مين أبيهيم ثيم أتلفوه؛ فقالوا‪ :‬أيهيا‬
‫العزيز! استر علينا ستر ال عليك‪ ،‬وامنن علينا من ال عليك؛ فنقره نقرة ثالثة وقال إنه يقول‪ :‬إن‬
‫هؤلء طرحوا صيغيرهم فيي الجيب‪ ،‬ثيم باعوه بييع العبييد بثمين بخيس‪ ،‬وزعموا لبيهيم أن الذئب‬
‫أكله؛ ثيم نقره رابعية وقال‪ :‬إنيه يخيبرني أنكيم أذنبتيم ذنبيا منيذ ثمانيين سينة لم تسيتغفروا ال منيه؛ ولم‬
‫تتوبوا إلييه‪ ،‬ثيم نقره خامسية وقال إنيه يقول‪ :‬إن أخاهيم الذي زعموا أنيه هلك لن تذهيب اليام حتيى‬
‫يرجيع فيخيبر الناس بميا صينعوا؛ ثيم نقره سيادسة وقال إنيه يقول‪ :‬لو كنتيم أنيبياء أو بنيي أنيبياء ميا‬
‫كذبتييم ول عققتييم والدكييم؛ لجعلنكييم نكال للعالمييين‪ .‬ايتونييي بالحدادييين أقطييع أيديهييم وأرجلهييم‪،‬‬
‫فتضرعوا وبكوا وأظهروا التوبية وقالوا‪ :‬لو قيد أصيبنا أخانيا يوسيف إذ هيو حيي لنكونين طوع يده‪،‬‬
‫وترابا يطأ علينا برجله؛ فلما رأى ذلك يوسف من إخوته بكى وقال لهم‪ :‬اخرجوا عني! قد خليت‬
‫سبيلكم إكراما لبيكم‪ ،‬ولول هو لجعلتكم نكال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 81 :‬ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إل بما علمنا وما كنا‬
‫للغيب حافظين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ارجعوا إلى أبيكم" قاله الذي قال‪" :‬فلن أبرح الرض"‪" .‬فقولوا يا أبانا إن ابنك‬
‫سرّقَ" النحاس‪ :‬وحدثني محمد بن أحمد‬ ‫سرَق" وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين "إن ابنك ُ‬ ‫َ‬
‫بن عمر قال حدثنا ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن أبي سريج البغدادي قال‪ :‬سمعت‪ ،‬الكسائي يقرأ‪:‬‬
‫سرّق" بضم السين وتشديد الراء مكسورة؛ على ما لم يسم فاعله؛ أي نسب‪ ،‬إلى‬ ‫"يا أبانا إن ابنك ُ‬
‫السيرقة ورميي بهيا؛ مثيل خونتيه وفسيقته وجرتيه إذا نسيبته إلى هذه الخلل‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬سيرق"‬
‫يحتمل معنيين‪ :‬أحدهما‪ :‬علم منه السرق‪ ،‬والخر‪ :‬اتهم بالسرق‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والسرق والسرقة‬
‫بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق‪ ،‬والمصدر يسرق سرقا بالفتح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما شهدنا إل بما علمنا" يريدون فقد شهدنا قط إل بما علمنا‪ ،‬وأما الن فقد شهدنا‬
‫بالظاهير وميا نعلم الغييب؛ كأنهيم وقعيت لهيم تهمية مين قول بنياميين‪ :‬دس هذا فيي رحلي مين دس‬
‫بضاعتكيم فيي رحالكيم؛ قال معناه ابين إسيحاق‪ .‬وقييل المعنيى‪ :‬ميا شهدنيا عنيد يوسيف بأن السيارق‬
‫يسيترق إل بميا علمنيا مين دينيك؛ قاله ابين زييد‪" .‬وميا كنيا للغييب حافظيين" أي لم نعلم وقيت أخذناه‬
‫منك أنه يسرق فل نأخذه‪ .‬وقال مجاهد وقتادة‪ :‬ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا‪،‬‬
‫وإنميا قلنيا‪ :‬نحفيظ أخانيا فيميا نطييق‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬يعنون أنيه سيرق ليل وهيم نيام‪ ،‬والغييب هيو‬
‫الليل بلغة حمير؛ وعنه‪ :‬ما كنا نعلم ما يصنع في ليلة ونهاره وذهابه وإيابه‪ .‬وقيل‪ :‬ما دام بمرأى‬
‫منا لم يجر خلل‪ ،‬فلما غاب عنا خفت عنا حالته‪ .‬وقيل معناه‪ :‬قد أخذت السرقة من رحله‪ ،‬ونحن‬
‫أخرجناها وننظر إليها‪ ،‬ول علم لنا بالغيب‪ ،‬فلعلهم سرقوه ولم يسرق‪.‬‬
‫@ تضمنت هذه الية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها؛ فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقل‬
‫وشرعيا‪ ،‬فل تسيمع إل ممين علم‪ ،‬ول تقبيل إل منهيم‪ ،‬وهذا هيو الصيل فيي الشهادات؛ ولهذا قال‬
‫أصييحابنا‪ :‬شهادة العمييى جائزة‪ ،‬وشهادة المسييتمع جائزة‪ ،‬وشهادة الخرس إذا فهمييت إشارتييه‬
‫جائزة؛ وكذلك الشهادة على الخيط ‪ -‬إذا تيقين أنيه خطيه أو خيط فلن ‪ -‬صيحيحة فكيل مين حصيل له‬
‫العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه؛ قال ال تعالى‪" :‬إل من شهد بالحق وهم‬
‫يعلمون" [الزخرف‪ ]86 :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل أخبركم بخير الشهداء خير‬
‫الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وقد مضى في "البقرة"‪.‬‬
‫@ اختلف قول مالك فيي شهادة المرور؛ وهيو أن يقول‪ :‬مررت بفلن فسيمعته يقول كذا فإن‬
‫اسييتوعب القول شهييد فييي أحييد قوليييه‪ ،‬وفييي القول الخيير ل يشهييد حتييى يشهداه‪ .‬والصييحيح أداء‬
‫الشهادة عند الستيعاب؛ وبه قال جماعة العلماء‪ ،‬وهو الحق؛ لنه قد حصل المطلوب وتعين عليه‬
‫أداء العلم؛ فكان‪ .‬خير الشهداء إذا أعلم المشهود له‪ ،‬وشر الشهداء إذا كتمها وال أعلم‪،‬‬
‫إذا أدعى رجل شهادة ل يحتملها عمره ردت؛ لنه ادعى باطل فأكذبه العيان ظاهر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 82 :‬واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسأل القرية التي كنا فيها والعير" حققوا بها شهادتهم عنده‪ ،‬ورفعوا التهمة عن‬
‫أنفسيهم لئل يتهمهيم‪ .‬فقولهيم‪" :‬واسيأل القريية" أي أهلهيا؛ فحذف؛ ويريدون بالقريية مصير‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها‪ .‬وقيل المعنى "واسأل القرية" وإن كانت جمادا‪ ،‬فأنت نبي‬
‫ال‪ ،‬وهيييو ينطيييق الجماد له؛ وعلى هذا فل حاجييية إلى إضمار؛ قال سييييبويه‪ :‬ول يجوز كلم هندا‬
‫وأنت تريد غلم هند؛ لن هذا يشكل‪ .‬والقول في العير كالقول في القرية سواء‪" .‬وإنا لصادقون"‬
‫في قولنا‪.‬‬
‫@ في هذه الية من الفقه أن كل من كان على حق‪ ،‬وعلم أنه قد يظن به أنه على خلف ما هو‬
‫عليه أو يتوهم أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه‪ ،‬ويصرح بالحق الذي هو عليه‪ ،‬حتى ل يبقى‬
‫لحد متكلم؛ وقد فعل هذا نبينا محمد صلى ال عليه وسلم بقوله للرجلين اللذين مرا وهو قد خرج‬
‫ميع صيفية يقلبهيا مين المسيجد‪( :‬على رسيلكما إنميا هيي صيفية بنيت حييي) فقال‪ :‬سيبحان ال وكيبر‬
‫عليهميا فقال النيبي‪( :‬إن الشيطان يبلغ مين النسيان مبلغ الدم وإنيي خشييت أن يقذف فييي قلوبكميا‬
‫شيئا) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 83 :‬قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى ال أن يأتيني بهم جميعا إنه‬
‫هو العليم الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال بيل سيولت" أي زينيت‪" .‬لكيم أنفسيكم" أن ابنيي وميا سيرق‪ ،‬وإنميا ذلك لمير‬
‫يريده ال‪" .‬فصييبر جميييل" أي فشأنييي صييبر جميييل أو صييبر جميييل أولى بييي على مييا تقدم أول‬
‫السورة‪.‬‬
‫@ الواجيب على كيل مسيلم إذا أصييب بمكروه فيي نفسيه أو ولده أو ماله أن يتلقيى ذلك بالصيبر‬
‫الجميييل‪ ،‬والرضييا والتسييليم لمجريييه عليييه وهييو العليييم الحكيييم‪ ،‬ويقتدي بنييبي ال يعقوب وسييائر‬
‫النبيين‪ ،‬صلوات ال عليهم أجمعين‪ .‬وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال‪ :‬ما من‬
‫جرعتيين يتجرعهميا العبيد أحيب إلى ال مين جرعية مصييبة يتجرعهيا العبيد بحسين صيبر وحسين‬
‫عزاء‪ ،‬وجرعية غييظ يتجرعهيا العبيد بحلم وعفيو‪ .‬وقال ابين جرييج عين مجاهيد فيي قوله تعالى‪:‬‬
‫"فصبر جميل" أي ل أشكو ذلك إلى أحد‪ .‬وروى قاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي‬
‫هريرة عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين بيث لم يصيبر)‪ .‬وقيد تقدم فيي "البقرة" أن‬
‫الصبر عند أول الصدمة‪ ،‬وثواب من ذكر مصيبته واسترجع وأن تقادم عهدها‪ .‬وقال جويبر عن‬
‫الضحاك عين ابين عباس قال‪ :‬إن يعقوب أعطيى على يوسيف أجير مائة شهييد‪ ،‬وكذلك مين احتسيب‬
‫من هذه المة في مصيبته فله مثل أجر يعقوب عليه السلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عسى ال أن يأتيني بهم جميعا" لنه كان عنده أن يوسف صلى ال عليه وسلم لم‬
‫يمت‪ ،‬وإنما غاب عنه خبره؛ لن يوسف حمل وهو عبد ل يملك لنفسه شيئا‪ ،‬ثم اشتراه الملك فكان‬
‫في داره ل يظهر للناس‪ ،‬ثم حبس‪ ،‬فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره؛ ولم يوجه برسول لنه‬
‫كره مين إخوتيه أن يعرفوا ذلك فل يدعوا الرسيول يصيل إلييه وقال‪" :‬بهيم" لنهيم ثلثية؛ يوسيف‬
‫وأخوه‪ ،‬والمتخلف ميين أجييل أخيييه‪ ،‬وهييو القائل‪" :‬فلن أبرح الرض"‪" .‬إنييه هييو العليييم" بحالي‪.‬‬
‫"الحكيم" فيما يقضي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتولى عنهيم" أي أعرض عنهيم؛ وذلك أن يعقوب لميا بلغيه خيبر بنياميين تتام‬
‫حزنييه‪ ،‬وبلغ جهده‪ ،‬وجدد ال مصيييبته له فييي يوسييف فقال‪" :‬يييا أسييفا على يوسييف" ونسييى ابنييه‬
‫بنياميين فلم يذكره؛ عين ابين عباس‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‪ :‬لم يكين عنيد يعقوب ميا فيي كتابنيا مين‬
‫السيترجاع‪ ،‬ولو كان عنده لميا قال‪" :‬ييا أسيفا على يوسيف" قال قتادة والحسين‪ :‬والمعنيى ييا حزناه!‬
‫وقال مجاهد والضحاك‪ :‬يا جزعاه!؛ قال ُك َثيّر‪:‬‬
‫وللنفس لما سليت فتسلت‬ ‫فيا أسفا للقلب كيف انصرافه‬
‫والسف شدة الحزن على ما فات‪ .‬والنداء على معنى‪ :‬تعال يا أسف فإنه من أوقاته‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫الصيل ييا أسيفي؛ فأبدل مين الياء ألف لخفية الفتحية‪" .‬وابيضيت عيناه مين الحزن" قييل‪ :‬لم يبصير‬
‫بهما ست سنين‪ ،‬وأنه عمي؛ قال مقاتل‪ .‬وقيل‪ :‬قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية‪ ،‬وال أعلم‬
‫بحال يعقوب؛ وإنميا ابيضت عيناه من البكاء‪ ،‬ولكن سبب البكاء الحزن‪ ،‬فلهذا قال‪" :‬مين الحزن"‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬إن يعقوب كان يصيلي‪ ،‬ويرسيف نائميا معترضيا ببين يدييه‪ ،‬فغيط فيي نوميه‪ ،‬فالتفيت يعقوب‬
‫إليه‪ ،‬ثم غط ثانية فالتفت إليه‪ ،‬ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه؛ فأوحى ال تعالى إلى‬
‫ملئكتيه‪" :‬انظروا إلى صيفيي وابين خليلي قائميا فيي مناجاتيي يلتفيت إلى غيري‪ ،‬وعزتيي وجللي!‬
‫لنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما‪ ،‬ولفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة‪ ،‬ليعلم العاملون‬
‫أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري"‪.‬‬
‫@ هذا يدل على أن اللتفات في الصلة ‪ -‬وإن لم يبطل ‪ -‬يدل على العقوبة عليها‪ ،‬والنقص فيها‪،‬‬
‫وقيد روى البخاري عين عائشية قالت‪ :‬سيألت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين اللتفات فيي‬
‫الصلة فقال‪( :‬هو اختلس يختلسه الشيطان من صلة العبد)‪ .‬وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول‬
‫سورة "المؤمنون" موعبا إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬فإن سيأل قوم عين معنيى شدة حزن يعقوب ‪ -‬صيلى ال علييه وسيلم وعلى نبينيا ‪-‬‬
‫فللعلماء في هذا ثلثة أجوبة‪ :‬منها ‪ -‬أن يعقوب لما علم أن يوسف صلى ال عليه وسلم حي خاف‬
‫على دينيه‪ ،‬فاشتيد حزنيه لذلك‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا حزن لنيه سيلمه إليهيم صيغيرا‪ ،‬فندم على ذلك‪ .‬والجواب‬
‫الثالث‪ :‬وهيو أبينهيا ‪ -‬هيو أن الحزن لييس بمحظور‪ ،‬وإنميا المحظور الولولة وشيق الثياب‪ ،‬والكلم‬
‫بميا ل ينبغيي وقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬تدميع العيين ويحزن القلب ول نقول ميا يسيخط‬
‫الرب)‪ .‬وقيد بيين ال جيل وعيز ذلك بقوله‪" :‬فهيو كظييم" أي مكظوم مملوء مين الحزن ممسيك علييه‬
‫ل يبثيه؛ ومنيه كظيم الغييظ وهيو إخفاؤه؛ فالمكظوم المسيدود علييه طرييق حزنيه؛ قال ال تعالى‪" :‬إذ‬
‫نادى وهو مكظوم" [القلم‪ ]48 :‬أي مملوء كربا‪ .‬ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم؛ وهو‬
‫المشتمل على حزنه‪ .‬وعن ابن عباس‪ :‬كظيم مغموم؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫فإني اليوم منطلق لساني‬ ‫فإن أك كاظما لمصاب شاس‬
‫وقال ابين جرييج عين مجاهيد عين ابين عباس قال‪ :‬ذهبيت عيناه مين الحزن "فهيو كظييم" قال‪ :‬فهيو‬
‫مكروب‪ .‬وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله‪" :‬فهو كظيم" قال‪ :‬فهو كمد؛‬
‫يقول‪ :‬يعلم أن يوسف حي‪ ،‬وأنه ل يدري أين هو؛ فهو كمد من ذلك‪ .‬قال الجوهري‪ :‬الكمد الحزن‬
‫المكتوم؛ تقول منيه كميد الرجيل فهيو كميد وكمييد‪ .‬النحاس‪ .‬يقال فلن كظييم وكاظيم؛ أي حزيين ل‬
‫يشكو حزنه؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫والقوم من الخوف المنايا كظم‬ ‫فحضضت قومي واحتسبت قتالهم‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 86 - 85 :‬قالوا تال تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين‪،‬‬
‫قال إنما أشكو بثي وحزني إلى ال وأعلم من ال ما ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا تال تفتيأ تذكير يوسيف" أي قال له ولده‪" :‬تال تفتيا تذكير يوسيف" قال‬
‫الكسائي‪ :‬فتأت وفتئت أفعل ذلك أي ما زلت‪ .‬وزعم الغراء أن "ل" مضمرة؛ أي ل تفتأ‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي‬ ‫فقلت يمين ال أبرح قاعدا‬
‫أي ل أبرح؛ قال النحاس‪ :‬والذي قال حسين صيحيح‪ .‬وزعيم الخلييل وسييبويه أن "ل" تضمير فيي‬
‫القسم‪ ،‬لنه ليس فيه إشكال؛ ولو كان واجبا لكان باللم والنون؛ وإنما قالوا له لنهم علموا باليقين‬
‫أنه يداوم على ذلك؛ يقال‪ :‬ما زال يفعل كذا‪ ،‬وما فتئ وفتأ فهما لغتان‪ ،‬ول يستعملن إل مع الجحد‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫سرادق يوم ذي رياح ترفع‬ ‫فما فئت حتى كأن غبارها‬
‫أي ما برحت فتفتأ تبرح‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬تزال‪" .‬حتى تكون حرضا" أي تالفا‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫ومجاهد‪ :‬دنفا من المرض‪ ،‬وهو ما دون الموت؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وقدما زادني مرضا‬ ‫سرى همي فأمرضني‬
‫م مما يورث الحرضا‬ ‫كذا الحب قبل اليو‬
‫وقال قتادة‪ :‬هرميا‪ .‬الضحاك‪ :‬بالييا دائرا‪ .‬محميد بين إسيحاق‪ :‬فاسيدا ل عقيل لك‪ .‬الفراء‪ :‬الحارض‬
‫الفاسيد الجسيم والعقيل؛ وكذا الحرض‪ .‬ابين زييد‪ :‬الحرص الذي قيد رد إلى أرذل العمير‪ .‬الربييع بين‬
‫أنس‪ :‬يابس الجلد على العظيم‪ .‬المؤرج‪ :‬ذائبا من الهم‪ .‬وقال الخفش‪ :‬ذاهبا‪ .‬ابن النباري‪ :‬هالكا‪،‬‬
‫وكلها متقاربة‪ .‬وأصل الحرض الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم‪ ،‬عن أبي‬
‫عبيدة وغيره؛ وقال العرجي‪:‬‬
‫حتى بليت وحتى شفني السقم‬ ‫إني امرؤ لج بي حب فأحرضني‬
‫قال النحاس‪ :‬يقال حرض حرضييا وحرض حروضييا وحروضيية إذا بليييي وسييقم‪ ،‬ورجييل حارض‬
‫وحرض؛ إل أن حرضييا ل يثنييي ول يجمييع‪ ،‬ومثله فميين وحري ل يثنيان ول يجمعان‪ .‬الثعلبييي‪:‬‬
‫وميين العرب ميين يقول حارض للمذكيير‪ ،‬والمؤنثيية حارضيية؛ فإذا وصييف بهذا اللفييظ ثنييى وجمييع‬
‫وأنث‪ .‬ويقال‪ :‬حرض يحرض حراضة فهو حريض وحرض‪ .‬ويقال‪ :‬رجل محرض‪ ،‬وينشد‪:‬‬
‫ولو الفته لضحى محرضا‬ ‫طلبته الخيل يوما كامل‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كإحراض بكر في الديار مريض‬ ‫أرى المرء ذا الذواد يصبح محرضا‬
‫قال النحاس‪ :‬وحكيى أهيل اللغية أحرضيه الهيم إذا أسيقمه‪ ،‬ورجيل حارض أي أحميق‪ .‬وقرأ أنيس‪:‬‬
‫"حُرْضا" بضم الحاء وسكون الراء‪ ،‬أي مثل عود الشنان‪ .‬وقرأ الحسن بضم الحاء والراء‪ .‬قال‬
‫حرَض والحُرُض الشنان‪" .‬أو تكون مين الهالكيين" أي الميتيين‪ ،‬وهيو قول الجمييع؛‬ ‫الجوهري‪ :‬ال َ‬
‫وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه‪ ،‬وإن كانوا السبب في ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال إنما أشكو بثي" حقيقة البث في اللغة ما يرد على النسان من الشياء المهلكة‬
‫التي ل يتهيأ له أن يخفيها؛ وهو من بثثته أي فرقته‪ ،‬فسميت المصيبة بثا مجازا‪ ،‬قال ذو الرمة‪:‬‬
‫فما زلت أبكي عنده وأخاطبه‬ ‫وقفت على ربع لمية ناقتي‬
‫تكلمني أحجاره وملعبه‬ ‫وأسقيه حتى كاد مما أبثه‬
‫وقال ابين عباس‪" :‬بثيي" هميي‪ .‬الحسين‪ :‬حاجتيي‪ .‬وقييل‪ :‬أشيد الحزن‪ ،‬وحقيقية ميا ذكرناه‪" .‬وحزنيي‬
‫إلى ال" معطوف عليه‪ ،‬أعاده بغير لفظه‪" .‬وأعلم من ال ما ل تعلمون" أي أعلم أن رؤيا يوسف‬
‫صادقة‪ ،‬وأني سأسجد له‪ .‬قاله ابن عباس‪ .‬إني أعلم من إحسان ال تعالى إلى ما يوجب حسن ظني‬
‫بييه‪ .‬وقيييل‪ :‬قال يعقوب لملك الموت هييل قبضييت روح يوسييف؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬فأكييد هذا رجاءه‪ .‬وقال‬
‫السدي‪ :‬أعلم أن يوسف حي‪ ،‬وذلك أنه لما أخبر‪ .‬ولده بسيرة الملك وعدله خلفه وقوله أحست نفس‬
‫يعقوب أنه ولده فطمع‪ ،‬وقال‪ :‬لعله يوسف‪ .‬وقال‪ :‬ل يكون في الرض صديق إل نبئ‪ .‬وقيل‪ :‬أعلم‬
‫من إجابة دعاء المضطرين ما ل تعلمون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 87 :‬يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ول تيأسوا من روح ال إنه ل ييأس‬
‫من روح ال إل القوم الكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا بنيي اذهبوا فتحسيسوا مين يوسيف وأخييه" هذا يدل على أنيه تيقين حياتيه؛ إميا‬
‫بالرؤييا‪ ،‬وإميا بإنطاق ال تعالى الذئب كمييا فييي أول القصية‪ ،‬وإمييا بإخبار ملك الموت إياه بأنييه لم‬
‫يقبض روحه؛ وهو أظهر‪ .‬والتحسس طلب الشيء بالحواس؛ فهو تفعل من الحس‪ ،‬أي اذهبوا إلى‬
‫هذا الذهيب طلب منكيم أخاكيم‪ ،‬واحتال عليكيم فيي أخذه فاسيألوا عنيه وعين مذهبيه‪ .‬ويروى أن ملك‬
‫الموت قال له‪ :‬اطلبيه مين هاهنيا! وأشار إلى ناحيية مصير‪ .‬وقييل‪ :‬إن يعقوب تنبيه على يوسيف برد‬
‫البضاعية‪ ،‬واحتباس أخييه‪ ،‬وإظهار الكرامية؛ فلذلك وجههيم سيلى جهية مصير دون غيرهيا‪" .‬ول‬
‫تيأسيوا مين روح ال" أي ل تقنطوا مين فرج ال؛ قال ابين زييد‪ ،‬يرييد‪ :‬أن المؤمين يرجيو فرج ال‪،‬‬
‫والكافير يقنيط فيي الشدة‪ .‬وقال قتادة والضحاك‪ :‬مين رحمية ال‪" .‬إنيه ل ييأس مين روح ال إل القوم‬
‫الكافرون" دليل على أن القنوط من الكبائر‪ ،‬وهو اليأس في "الزمر" بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 88 :‬فلميا دخلوا علييه قالوا ييا أيهيا العزييز مسينا وأهلنيا الضير وجئنيا ببضاعية مزجاة‬
‫فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن ال يجزي المتصدقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز" أي الممتنع‪" .‬مسنا وأهلنا الضر" هذه المرة‬
‫الثالثية مين عودهيم إلى مصير؛ وفيي الكلم حذف‪ ،‬أي فخرجوا إلى مصير‪ ،‬فلميا دخلوا على يوسيف‬
‫قالوا‪" :‬مسينا" أي أصيابنا "وأهلنيا الضير" أي الجوع والحاجية؛ وفيي هذا دلييل على جواز الشكوى‬
‫عند الضر‪ ،‬أي الجوع؛ بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضر من الفقر وغيره أن يبدي حالته‬
‫إلى مين يرجيو منيه النفيع؛ كميا هيو واجيب علييه أن يشكيو ميا بيه مين اللم إلى الطيبيب ليعالجيه؛ ول‬
‫يكون ذلك قدحيا فيي التوكيل‪ ،‬وهذا ميا لم يكين التشكيي على سيبيل التسيخط؛ والصيبر والتجلد فيي‬
‫النوائب أحسيين‪ ،‬والتعفييف عيين المسييألة أفضييل؛ وأحسيين الكلم فييي الشكوى سييؤال المولى زوال‬
‫البلوى؛ وذلك قول يعقوب‪" :‬إنما أشكو بثي وحزني إلى ال وأعلم من ال ما ل تعلمون" [يوسف‪:‬‬
‫‪ ]86‬أي من جميل صنعه‪ ،‬وغريب لطفه‪ ،‬وعائدته على عباده؛ فأما الشكوى على غير مشك فهو‬
‫السفه‪ ،‬إل أن يكون على وجه البث والتسلي؛ كما قال ابن دريد‪:‬‬
‫لنكبة تعرفني عرق المدى‬ ‫ل تحسبن يا دهر أني ضارع‬
‫جوانب الجو عليه ما شكا‬ ‫مارست ما لو هوت الفلك من‬
‫جاش لغام من نواحيها غما‬ ‫لكنها نفثة مصدر إذا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجئنا ببضاعة" البضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء؛ تقول‪ :‬أبضعت‬
‫الشييء واسيتبضعته أي جعلتيه بضاعية؛ وفيي المثيل‪ :‬كمسيتبضع التمير إلى هجير‪" .‬مزجاة" صيفة‬
‫لبضاعية؛ والزجاء السيوق بدفيع؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬ألم تير أن ال يزجيي سيحابا" [النور‪]43 :‬‬
‫والمعنى أنها بضاعة تدفع؛ ول يقبلها كل أحد‪ .‬قال ثعلب‪ :‬البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة‪.‬‬
‫واختلفت فيي تعيينهيا هنيا؛ فقيل‪ :‬كانيت قديدا وحيسيا؛ ذكره الواقدي عن علي بين أبي طالب رضي‬
‫ال عنه‪ .‬وقيل‪ :‬خلق الغرائر والحبال؛ روى عن ابن عباس‪ .‬وقيل‪ :‬متاع العراب صوف وسمن؛‬
‫قال عبدال بين الحارث‪ .‬وقييل‪ :‬الحبية الخضراء والصينوبر وهيو البطيم‪ ،‬حيب شجرة بالشام؛ يؤكيل‬
‫ويعصير الزييت منيه لعميل الصيابون‪ ،‬قاله أبيو صيالح؛ فباعوهيا بدراهيم ل تنفيق فيي الطعام‪ ،‬وتنفيق‬
‫فيميا بيين الناس؛ فقالوا‪ :‬خذهيا منيا بحسياب جياد تنفيق مين الطعام‪ .‬وقييل‪ :‬دراهيم رديئه؛ فال ابين‬
‫عباس أيضيا‪ .‬وقيل‪ :‬لييس عليهيا صيورة يوسيف‪ ،‬وكانت دراهيم مصير عليهيم صيورة يوسف‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬النعال والدم؛ وعنه‪ :‬كانت سويقا منخل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأوف لنا الكيل" يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد ل تنقصنا بمكان دراهمنا؛ هذا‬
‫قول أكثرا المفسرين‪ .‬وقال ابن جريج‪" .‬فأوف لنا الكيل" يريدون الكيل الذي كان قد كاله لخيهم‪.‬‬
‫"وتصيدق علينيا" أي تفضيل علينيا بميا بيين سيعر الجياد والرديئة‪ .‬قاله سيعيد بين جيبير والسيدي‬
‫والحسين‪ :‬لن الصيدفة تحرم على النيبياء‪ .‬وقييل المعنيى‪" :‬تصيدق علينيا" بالزيادة على حقنيا؛ قاله‬
‫سفيان بن عيينة‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ولم تحرم الصدقة إل على نبينا محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال ابن‬
‫جريييج‪ :‬المعنييى "تصييدق علينييا" برد أخينييا إلينييا‪ .‬وقال ابيين شجرة‪" :‬تصييدق علينييا" تجوز عنييا؛‬
‫استشهد بقول الشاعر‪:‬‬
‫وأمر علينا الشعري لياليا‬ ‫تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب‬
‫"إن ال يجزي المتصدقين" يعني في الخرة؛ يقال‪ :‬هذا من معاريض الكل؛ لنه لم يكن عندهم‬
‫أنيه على دينهيم‪ ،‬فلذلك لم يقولوا‪ :‬إن ال يجزييك بصيدقتك‪ ،‬فقالوا لفظيا يوهميه أنهيم أرادوه‪ ،‬وهيم‬
‫يصح لهم إخراجه بالتأويل؛ قاله النقاش وفي الحديث‪( :‬إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب)‪.‬‬
‫@ استدل مالك وغيره من العلماء على أن أجرة الكيال على البائع؛ قال ابن القاسم وابن نافع قال‬
‫مالك‪ :‬قالوا ليوسيييف "فأوف لنيييا الكييييل" فكان يوسيييف هيييو الذي يكييييل‪ ،‬وكذلك الوزان والعداد‬
‫وغيرهم‪ ،‬لن الرجل إذا باع عدة معلومة من طعامه‪ ،‬وأوجب العقد عليه‪ ،‬وجب عليه أن يبرزها‬
‫ويميز حق المشتري من حقه‪ ،‬إل أن يبيع منه معينا صبره أو ما ل حق توفيه فيه ي فخلى ما بينه‬
‫وبينه‪ ،‬فما جرى على المبيع فهو على المبتاع؛ وليس كذلك ما فيه حق توفيه من كيل أو وزن‪ ،‬أل‬
‫ترى أنه ل يستحق البائع الثمن إل بعد التوفية‪ ،‬وإن تلف فهو منه قبل التوفية‪.‬‬
‫@ وأميا أجرة النقيد فعلى البائع أيضيا؛ لن المبتاع الدافيع لدراهميه يقول‪ :‬إنهيا طيبية‪ ،‬فأنيت الذي‬
‫تدعيي الرداءة فانظير لنفسيك؛ وأيضيا فإن النفيع يقيع له فصيار الجير علييه‪ ،‬وكذلك ل يجيب على‬
‫الذي يجب عليه القصاص؛ لنه ل يجب عليه أن يقطع يد نفسه‪ ،‬إل أن يمكن من ذلك طائعا؛ أل‬
‫ترى أن قرضيا علييه أن يفدي يده‪ ،‬ويصيالح علييه إذا طلب المقتيص ذلك منيه‪ ،‬فأجير القطاع على‬
‫المقتص‪ .‬وقال الشافعي في المشهور عنه‪ :‬إنها على المقتص منه كالبائع‪.‬‬
‫@ يكره للرجل أن يقول في دعائه‪ :‬اللهم تصدق علي؛ لن الصدقة إنما تكون ممن يبتغي الثواب‪،‬‬
‫وال تعالى متفضيل بالثواب بجمييع النعيم ل رب غيره؛ وسيمع الحسين رجل يقول‪ :‬اللهيم تصيدق‬
‫علي؛ فقال الحين‪ :‬ييا هذا! إن ال ل يتصيدق إنميا يتصيدق مين يبتغيي الثواب؛ أميا سيمعت قول ال‬
‫تعالى‪" :‬إن ال يجزي المتصدقين" قل‪ :‬اللهم أعطني وتفضل علي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 90 - 89 :‬قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون‪ ،‬قالوا أئنك لنت‬
‫يوسيف قال أنيا يوسيف وهذا أخيي قيد مين ال علينيا إنيه مين يتيق ويصيبر فإن ال ل يضييع أجير‬
‫المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال هيل علمتيم ميا فعلتيم بيوسيف وأخييه" اسيتفهام بمعنيى التذكيير والتوبييخ‪ ،‬وهيو‬
‫الذي قال ال‪" :‬لتنبئنهم بأمرهم هذا" [يوسف‪ ]15 :‬الية‪" .‬إذ أنتم جاهلون" دليل على أنهم كانوا‬
‫صيغارا فيي وقيت أخذهيم ليوسيف‪ ،‬غيير أنيبياء؛ لنيه ل يوصيف بالجهيل إل مين كانيت هذه صيفته؛‬
‫ويدل على أنييه حسيينت حالهييم الن؛ أي فعلتييم ذلك إذ أنتييم صييغار جهال؛ قال معناه ابيين عباس‬
‫والحسين؛ ويكون قولهيم‪" :‬وإن كنيا لخاطئيين" على هذا‪ ،‬لنهيم كيبروا ولم يخيبروا أباهيم بميا فعلوا‬
‫حياء وخوفا منه‪ .‬وقيل‪ :‬جاهلون بما تؤول إليه العاقبة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا أئنك لنت يوسف" لما دخلوا عليه فقالوا‪" :‬مسنا وأهلنا الضر" فخضوا له‬
‫وتواضعوا رق لهيم‪ ،‬وعرقهيم بنفسيه‪ ،‬فقال‪" :‬هيل علمتيم ميا فعلتيم بيوسيف وأخييه" فتنبهوا فقالوا‪:‬‬
‫"أئنك لنت يوسف" قاله ابن إسحاق‪ .‬وقيل‪ :‬إن يوسف تبسم فشبهوه بيوسف واستفهموا قال ابن‬
‫عباس لما قال لهم‪" :‬هل علمتم ما فعلتم بيوسف" الية‪ ،‬ثم تبسم يوسف ‪ -‬وكان إذا تبسم كأن ثناياه‬
‫اللؤلؤ المنظوم ‪ -‬فشبهوه بيوسيف‪ ،‬فقالوا له على جهية السيتفهام‪" :‬أئنيك لنيت يوسيف"‪ .‬وعين ابين‬
‫عباس أيضيا‪ :‬أن إخوتيه لم يعرفوه حتيى وضيع التاج عنيه‪ ،‬وكان فيي قرنيه علمية‪ ،‬وكان ليعقوب‬
‫مثلهيا شبيه الشامية‪ ،‬فلميا قال لهيم‪" :‬هيل علمتيم ميا فعلتيم بيوسيف" رفيع التاج عنيه فعرفوه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫"أئنك لنت يوسف"‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬كتب يعقوب إليه يطلب رد ابنه‪ ،‬وفي الكتاب‪ :‬من يعقوب‬
‫صيفي ال ابين إسيحاق ذبييح ال ابين إبراهييم خلييل ال إلى عزييز مصير ‪ -‬أميا بعيد ‪ -‬فإنيا أهيل بييت‬
‫بلء ومحين‪ ،‬ابتلى ال جدي إبراهييم بنمروذ وناره‪ ،‬ثيم ابتلى أبيي إسيحاق بالذبيح‪ ،‬ثيم ابتلنيي بولد‬
‫كان لي أحب أولدي إلي حتى كف بصري من البكاء‪ ،‬وإني لم أسرق ولم ألد سارقا والسلم‪ .‬فلما‬
‫قرأ يوسييف الكتاب ارتعدت مفاصييله‪ ،‬واقشعيير جلده‪ ،‬وأرخييى عينيييه بالبكاء‪ ،‬وعيييل صييبره فباح‬
‫بالسيير‪ .‬وقرأ ابيين كثييير "إنييك" على الخييبر‪ ،‬ويجوز أن تكون هذه القراءة اسييتفهاما كقوله‪" :‬وتلك‬
‫نعمية" [الشعراء‪" .]22 :‬قال أنيا يوسيف" أي أنيا المظلوم والمراد قتله‪ ،‬ولم يقيل أنيا هيو تعظيميا‬
‫للقصية‪" .‬قيد مين ال علينيا" أي بالنجاة والملك‪" .‬إنيه مين يتيق ويصيبر" أي يتيق ال ويصيبر على‬
‫المصيائب‪ ،‬وعين المعاصيي‪" .‬فإن ال ل يضييع أجير المحسينين" أي الصيابرين فيي بلئه‪ ،‬القائميين‬
‫بطاعتيه‪ .‬وقرأ ابين كثيير‪" :‬إنيه مين يتقيي" بإثبات الياء؛ والقراءة بهيا جائزة على أن تجعيل "مين"‬
‫بمعنيى الذي‪ ،‬وتدخيل "يتقيي" فيي الصيلة‪ ،‬فتثبيت الياء ل غيير‪ ،‬وترفيع "ويصيبر"‪ .‬وقيد يجوز أن‬
‫تجزم "ويصيير" على أن تجعيل "يتقيي" فيي موضيع جزم و"مين" للشرط‪ ،‬وتثبيت الياء‪ ،‬وتجعيل‬
‫علمة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الصل؛ كما قال‪:‬‬
‫يا يزيد بن خالد بن يزيد‬ ‫ثم نادي إذا دخلت دمشقا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بما لقت لبون بني زياد‬ ‫ألم يأتيك والنباء تنمي‬
‫وقراءة الجماعة ظاهرة‪ ،‬والهاء في "إنه" كناية عن الحديث‪ ،‬والجملة الخبر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 92 - 91 :‬قالوا تال لقيد آثرك ال علينيا وإن كنيا لخاطئيين‪ ،‬قال ل تثرييب عليكيم‬
‫اليوم يغفر ال لكم وهو أرحم الراحمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا تال لقد آثرك ال علينا" الصل همزتان خففت الثانية‪ ،‬ول يجوز تحقيقها‪،‬‬
‫واسم الفاعل مؤثر‪ ،‬والمصدر إيثار‪ .‬ويقال‪ :‬أثرت التراب إثارة فإنا مثير؛ وهو أيضا على أفعل ثم‬
‫أعيل‪ ،‬والصيل أثيير نقلت حركية الياء على الثاء‪ ،‬فانقلبيت الياء ألفيا‪ ،‬ثيم حذفيت للتقاء السياكنين‪.‬‬
‫وأثرت الحديث على فعلت فأنا اثر؛ والمعنى‪ :‬لقد فضلك ال علينا‪ ،‬واختارك بالعلم والحلم والحكم‬
‫والعقل والملك‪" .‬وإن كنا لخاطئين" أي مذنبين من خطئ يخطأ إذا أتى الخطيئة‪ ،‬وفي ضمن هذا‬
‫سؤال العفو‪ .‬وقيل لبن عباس‪ :‬كيف قالوا "وإن كنا لخاطئين" وقد تعمدوا لذلك؟ قال‪ :‬وإن تعمدوا‬
‫لذلك‪ ،‬فميا تعمدوا حتيى أخطؤوا الحيق‪ ،‬وكذلك كيل مين أتيى ذنبيا تخطيى المنهاج الذي علييه مين‬
‫الحق‪ ،‬حتى يقع في الشبهة والمعصية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تثرييب عليكيم اليوم" أي قال يوسيف ‪ -‬وكان حليميا موفقيا‪" :‬ل تثرييب عليكيم‬
‫اليوم" وتيم الكلم‪ .‬ومعنيى "اليوم"‪ :‬الوقيت‪ .‬والتثرييب التعييير والتوبييخ‪ ،‬أي تعييير ول توبييخ ول‬
‫لوم عليكم اليوم؛ قال سفيان الثوري وغيره؛ ومنه قوله عليه السلم‪( :‬إذا زنت أمه أحدكم فليجلدها‬
‫الحد ول يثرب عليها) أي ل يعيرها؛ وقال بشر‪:‬‬
‫وتركتهم لعقاب يوم سرمد‬ ‫فعفوت عنهم عفو مثرب‬
‫وقال الصيمعي‪ :‬ثربيت علييه وعربيت علييه بمعنيى إذا قبحيت علييه فعله‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنيى ل‬
‫إفسياد لميا بينيي وبينكيم مين الحرمية‪ ،‬وحيق الخوة‪ ،‬ولكيم عندي العفيو والصيفح؛ وأصيل التثرييب‬
‫الفساد‪ ،‬وهي لغة أهل الحجاز‪ .‬وعن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ بعضادتي‬
‫الباب يوم فتيح مكية‪ ،‬وقيد لذ الناس بالبييت فقال‪( :‬الحميد ل الذي صيدق وعده ونصير عبده وهزم‬
‫الحزاب وحده) ثيم قال‪( :‬ماذا تظنون ييا معشير قرييش) قالوا‪ :‬خيرا‪ ،‬أخ كرييم‪ ،‬ابين أخ كرييم وقيد‬
‫قدرت؛ قال‪( :‬وأنيا أقول كميا قال أخيي يوسيف "ل تثرييب عليكيم اليوم" فقال عمير رضيي ال عنيه‪:‬‬
‫ففضت عرقا من الحياء من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ذلك أني قد كنت قلت لهم حين‬
‫دخلنا مكة‪ :‬اليوم ننتقم منكم ونفعل‪ ،‬فلما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال استحييت من‬
‫قولي‪" .‬يغفيير ال لكييم" مسييتقبل فيييه معنييى الدعاء؛ سييأل ال أن يسييتر عليهييم ويرحمهييم‪ .‬وأجاز‬
‫الخفيش الوقيت على "عليكيم" والول هيو المسيتعمل؛ فإن فيي الوقيف على "عليكيم" والبتداء بيي‬
‫"اليوم يغفر ال لكم" جزم بالمغفرة في اليوم‪ ،‬وذلك ل يكون إل عن وحي‪ ،‬وهذا بين‪ .‬وقال عطاء‬
‫الخراسيياني‪ :‬طلب الحوائج ميين الشباب أسييهل منييه ميين الشيوخ؛ ألم تيير قول يوسييف‪" :‬ل تثريييب‬
‫عليكم اليوم يغفر ال لكم" وقال يعقوب‪" :‬سوف أستغفر لكم ربي"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 93 :‬اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اذهبوا بقميصي هذا" نعت للقميص‪ ،‬والقميص مذكر‪ ،‬فأما قول الشاعر‪:‬‬
‫فوق النطاق تشد بالزرار‬ ‫تدعو هوازن والقميص مفاضة‬
‫فتقديره‪[ :‬والقمييص] درع مفاضية‪ .‬قاله النحاس‪ .‬وقال ابين السيدي عين أبييه عين مجاهيد‪ :‬قال لهيم‬
‫يوسف‪" :‬اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا" قال‪ :‬كان يوسف أعلم بال من أن‬
‫يعلم أن قميصيه يرد على يعقوب بصيره‪ ،‬ولكين ذلك قمييص إبراهييم الذي البسيه ال فيي النار مين‬
‫حرير الجنة‪ ،‬وكان كساه إسحاق‪ ،‬وكان إسحاق كساه يعقوب‪ ،‬وكان يعقوب أدرج ذلك القميص في‬
‫قصبة من فضة وعلقة في عنق يوسف‪ ،‬لما كان يخاف عليه من العين‪ ،‬وأخبره جبريل بأن أرسل‬
‫قميصيك فإن فييه رييح الجنية‪ ،‬وإن رييح الجنية ل يقيع على سيقيم ول مبتلى إل عوفيي‪ .‬وقال قميصيه‬
‫يهوذا‪ ،‬قال يوسيف‪ :‬أنيا الذي حملت إلييه قميصيك بدم كذب فأحزنتيه‪ ،‬وأنيا الذي أحمله الن لسيره‪،‬‬
‫وليعود إليييه بصييره‪ ،‬فحمله؛ حكاه السييدي‪" .‬وأتونييي بأهلكييم أجمعييين" لتتخذوا مصيير دارا‪ .‬قال‬
‫مسروق‪ :‬فكانوا ثلثة وتسعين‪ ،‬ما بين رجل وامرأة‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن القميص الذي بعثه هو القميص‬
‫الذي قد من دبره‪ ،‬ليعلم يعقوب أنه عصم من الزنيى؛ والقول الول أصح‪ ،‬وقد روى مرفوعا من‬
‫حديث أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم؛ ذكره القشيري وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 94 :‬ولما فصلت العير قال أبوهم إني لجد ريح يوسف لول أن تفندون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما فصلت العير" أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام‪ ،‬يقال‪ :‬فصل فصول‪،‬‬
‫وفصيلته فصيل‪ ،‬فهيو لزم ومتعيد‪" .‬قال أبوهيم" أي قال لمين حضير مين قرابتيه ممين لم يخرج إلى‬
‫مصير وهيم ولد ولده‪" :‬إنيي لجيد رييح يوسيف" وقيد يحتميل‪ ،‬أن يكون خرج بعيض بنييه‪ ،‬فقال لمين‬
‫بقيي‪" :‬إنيي لجيد رييح يوسيف لول أن تفندون"‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬هاجيت رييح فحملت رييح قمييص‬
‫يوسف إليه‪ ،‬وبينهما مسيرة ثمان ليال‪ .‬وقال الحسن‪ :‬مسيرة عشر ليال؛ وعنه أيضا مسيرة شهر‪.‬‬
‫وقال مالك بن أنس رضيي ال عنه‪ :‬إنما أوصل ريحه من أوصل عرش‪ .‬بلقيس قبل أن يرتيد إلى‬
‫سيليمان علييه السيلم طرفيه‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬هبيت رييح فصيفقت القمييص فراحيت روائح الجنية فيي‬
‫الدنيا واتصلت بيعقوب‪ ،‬فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إل ما كان من ذلك‬
‫القميص‪ ،‬فعند ذلك قال‪" :‬إني لجد" أي أشم؛ فهو وجود بحاسة الشم‪" .‬لول أن تفندوني" قال ابن‬
‫عباس ومجاهد‪ :‬لول أن تسفهون؛ ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫قم في البرية فاحددها عن الفند‬ ‫إل سليمان إذ قال المليك له‬
‫أي عيين السييفه‪ .‬وقال سييعيد بيين جييبير والضحاك‪ :‬لول أن تكذبون‪ .‬والفنييد الكذب‪ .‬وقييد أفنييد إفنادا‬
‫كذب؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫فليس ما فات من أمري مردود‬ ‫يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي‬
‫وقال ابيين العرابييي‪" :‬لول أم تفندون" لول أن تُضعفوا رأي؛ وقاله ابيين إسييحاق‪ .‬والفنييد ضعييف‬
‫الرأي ميين كييبر‪ .‬وقول رابييع‪ :‬تضللون‪ ،‬قاله أبييو عييبيدة‪ .‬وقال الخفييش‪ :‬تلومونييي؛ والتفنيييد اللوم‬
‫وتضعيف الرأي‪ .‬وقال الحسن وقتادة ومجاهد أيضا‪ :‬تهرمون؛ وكله متقارب المعنى‪ ،‬وهو راجع‬
‫إلى التعجيز وتضعيف الرأي؛ يقال‪ :‬فنده تفنيدا إذا أعجزه‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫أهلكني باللوم والتفنيد‬
‫ويقال‪ :‬أفند إذا تكلم بالخطأ؛ والفند الخطأ في الكلم والرأي‪ ،‬كما قال النابغة‪:‬‬
‫‪ ... .‬فاحددها عن الفند‬
‫أي امنعها عن الفساد في العقل‪ ،‬ومن ذلك قيل‪ :‬اللوم تفنيد؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫طال الهوى وأطلتما التفنيدا‬ ‫يا عاذلي دعا الملم وأقصرا‬
‫ويقال‪ :‬أفند فلنا الدهر إذا أفسده؛ ومنه قول ابن مقبل‪:‬‬
‫إذا كلف الفناد بالناس أفندا‬ ‫دع الدهر يفعل ما أراد فإنه‬
‫*‪*3‬الية‪{ 95 :‬قالوا تال إنك لفي ضللك القديم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا تال إنك لفي ضللك القديم" أي لفي ذهاب عن طريق الصواب‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس وابن زيد‪ :‬لفي خطئك الماضي من حب يوسف ل تنساه‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬لفي جنونك‬
‫القديم‪ .‬قال الحسن‪ :‬وهذا عقوق‪ .‬وقال قتادة وسفيان‪ :‬لفي محبتك القديمة‪ .‬وقيل‪ :‬إنما قالوا هذا؛ لن‬
‫يوسيف عندهيم كان قيد مات‪ .‬وقييل‪ :‬إن الذي قال له ذلك مين بقيي معيه مين ولده ولم يكين عندهيم‬
‫الخبر‪ .‬وقيل‪ :‬قال له ذلك من كان معه من أهله وقرابته‪ .‬وقيل‪ :‬بنو بنيه وكانوا صغارا؛ فال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 96 :‬فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من‬
‫ال ما ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا أن جاء البشيير ألقاه على وجهيه" أي على عينييه‪" .‬فارتيد بصييرا" "أن"‬
‫زائدة‪ ،‬والبشيير قييل هيو شمعون‪ .‬وقييل‪ :‬يهوذا قال‪ :‬أنيا أذهيب بالقمييص اليوم كميا ذهبيت به ملطخيا‬
‫بالدم؛ قال ابين عباس‪ .‬وعين السيدي أنيه قال لخوتيه‪ :‬قيد علمتيم أنيي ذهبيت إلييه بقمييص الترحية‬
‫فدعونيي أذهيب إلييه بقمييص الفرحية‪ .‬وقال يحييى بين يمان عين سيفيان‪ :‬لميا جاء البشيير إلى يعقوب‬
‫قال له‪ :‬على أي ديين تركيت يوسيف؟ قال‪ :‬على السيلم؛ قال‪ :‬الن تميت النعمية؛ وقال الحسين‪ :‬لميا‬
‫ورد البشيير على يعقوب لم يجيد عنده شيئا يثيبيه بيه؛ فقال‪ :‬وال ميا أصيبت عندنيا شيئا؛ وميا خبزنيا‬
‫شيئا منذ سبع ليال‪ ،‬ولكن هون ال عليك سكرات الموت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الدعاء مين أعظيم ميا يكون مين الجوائز‪ ،‬وأفضيل العطاييا والذخائر‪ .‬ودلت هذه اليية‬
‫على جواز البذل والهبات عنيد البشائر‪ .‬وفيي الباب حدييث كعيب بين مالك ‪ -‬الطوييل ‪ -‬وفييه‪" :‬فلميا‬
‫جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته" وذكر الحديث‪ ،‬وقد تقدم‬
‫بكماله فيي قصية الثلثية الذيين خلفوا‪ ،‬وكسيوة كعيب ثوبييه للبشيير ميع كونيه لييس له غيرهميا دلييل‬
‫على جواز مثيل ذلك إذا ارتجيى حصيول ميا يسيتبشر بيه‪ .‬وهيو دلييل على جواز إظهار الفرح بعيد‬
‫زوال الغيم والترح‪ .‬ومين هذا الباب جواز حذاقية الصيبيان‪ ،‬وإطعام الطعام فيهيا‪ ،‬قيد نحير عمير بعيد‬
‫حفظه سورة "البقرة" جزورا‪ .‬وال أعلم‪" .‬قال ألم أقل لكم إني أعلم من ال ما ل تعلمون" ذكرهم‬
‫قوله‪" :‬إنما أشكو بثي وحزني إلى ال وأعلم من ال ما ل تعلمون" [يوسف‪.]86 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 98 - 97 :‬قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين‪ ،‬قال سوف أستغفر لكم‬
‫ربي إنه هو الغفور الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ييا أبانيا اسيتغفر لنيا ذنوبنيا إنيا كنيا خاطئيين" فيي الكلم حذف‪ ،‬التقديير‪ :‬فلميا‬
‫رجعوا من مصر قالوا يا أبانا؛ وهذا يدل على أن الذي قال له‪" :‬تال إنك لفي ضللك" القديم" بنو‬
‫بنيه أو غيرهم من قرابته وأهله ل ولده‪ ،‬فإنهم كانوا غيبا‪ ،‬وكان يكون ذلك زيادة في العقوق‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬وإنما سألوه المغفرة‪ ،‬لنهم أدخلوا عليه من ألم الحزن ما لم يسقط المأثم عنه إل بإحلله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الحكم ثابت فيمن آذى مسلما في نفسه أو ماله أو غير ذلك ظالما له؛ فإنه يجب عليه‬
‫أن يتحلل له ويخبره بالمظلمة وقدرها؛ وهل ينفعه التحليل المطلق أم ل؟ فيه خلف والصحيح أنه‬
‫ل ينفيع؛ فإنيه لو أخيبره بمظلمية لهيا قدر وبال ربميا لم تطيب نفيس المظلوم فيي التحلل منهيا‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬وفيي صيحيح البخاري وغيره عين أبيي هريرة قال‪ :‬قال رسيول صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين‬
‫كانت له مظلمة لخيه من عرضه أو شيء فليحلله منه اليوم قبل أل يكون دينار ول درهم إن كان‬
‫له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)‬
‫قال المهلب فقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أخيذ منيه بقدر مظلمتيه) يجيب أن تكون المظلمية معلومية‬
‫القدر مشارا إليها مبينة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال سوف أستغفر لكم ربي" قال ابن عباس‪ :‬أخر دعاءه إلى السحر‪ .‬وقال المثنى‬
‫بن الصباح عن طاوس قال‪ :‬سحر ليلة الجمعة‪ ،‬ووافق ذلك ليلة عاشوراء‪ .‬وفي دعاء الحفظ ‪ -‬من‬
‫كتاب الترمذي ‪ -‬عين ابين عباس أنيه قال‪ :‬بينميا نحين عنيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذ جاءه‬
‫علي بن أبي طالب ‪ -‬رضى ال عنه ‪ -‬فقال‪ - :‬بأبي أنت وأمي ‪ -‬تفلت هذا القرآن من صدري‪ ،‬فما‬
‫أجدنيي أقدر علييه‪ ،‬فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أفل أعلميك كلمات ينفعيك ال بهين‬
‫وينفيع بهين مين علمتيه ويثبيت ميا تعلميت فيي صيدرك) قال‪ :‬أجيل ييا رسيول ال! فعلمنيي؛ قال‪( :‬إذا‬
‫كان ليلة الجمعيية فإن اسييتطعت أن تقوم فييي ثلث الليييل الخيير فإنهييا سيياعة مشهودة والدعاء فيهييا‬
‫مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه "سوف أستغفر لكم ربي" يقول حتى تأتي ليلة الجمعة) وذكر‬
‫الحدييث‪ .‬وقال قال أيوب بين أبيي تميمية السيختياني عين سيعيد بين جيبير قال‪" :‬سيوف اسيتغفر لكيم‬
‫ربيي" فيي الليالي البييض‪ ،‬فيي الثالثية عشرة‪ ،‬والرابعية عشرة‪ ،‬والخامسية عشرة فإن الدعاء فيهيا‬
‫مسيتجاب‪ .‬وعين عامير الشعيبي قال‪" :‬سيوف اسيتغفر لكيم ربيي" أي أسيأل يوسيف إن عفيا عنكيم‬
‫اسيتغفرت لكيم ربيي؛ وذكير سينيد بين داود قال‪ :‬حدثنيا هشييم قال حدثنيا عبدالرحمين بين إسيحاق عين‬
‫محارب بن دثار عن عمه قال‪ :‬كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار ابن مسعود فأسمعه يقول‪:‬‬
‫اللهيم إنيك أمرتنيي فأطعيت‪ ،‬ودعوتنيي فأجبيت‪ ،‬وهذا سيحر فاغفير لي‪ ،‬فلقييت ابين مسيعود فقلت‪:‬‬
‫كلمات أسمعك تقولهن في السحر فقال‪ :‬إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله‪" :‬سوف استغفر لكم‬
‫ربي"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 99 :‬فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا دخلوا على يوسيف" أي قصيرا كان له هناك‪" .‬آوى إلييه أبوييه" قييل‪ :‬إن‬
‫يوسيف بعيث ميع البشيير مائتيي راحلة وجهازا‪ ،‬وسيأل يعقوب أن يأتييه بأهله وولده جميعيا؛ فلميا‬
‫دخلوا علييه آوى إلييه أبوييه‪ ،‬أي ضيم؛ ويعنيي بأبوييه أباه وخالتيه‪ ،‬وكانيت أميه قيد ماتيت فيي ولدة‬
‫أخييه بنياميين‪ .‬وقييل‪ :‬أحييا ال له أميه تحقيقيا للرؤييا حتيى سيجدت له‪ ،‬قاله الحسين؛ وقيد تقدم فيي‬
‫"البقرة" أن ال تعالى أحيا لنبيه عليه السلم أباه وأمه فآمنا به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين" قال ابن جريج‪ :‬أي سوف أستغفر لكم ربي‬
‫إن شاء ال؛ قال‪ :‬وهذا من تقديم القرآن وتأخيره؛ قال النحاس‪ :‬يذهب ابن جريج إلى أنهم قد دخلوا‬
‫مصيير فكيييف يقول‪" :‬ادخلوا مصيير إن شاء ال"‪ .‬وقيييل‪ :‬إنمييا قال‪" :‬إن شاء ال" تبركييا وجزمييا‪.‬‬
‫"آمنين" من القحط‪ ،‬أو من فرعون؛ وكانوا ل يدخلونها إل بجوازه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 100 :‬ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من‬
‫قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ‬
‫الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورفع أبويه على العرش" قال قتادة‪ :‬يريد السرير‪ ،‬وقد تقدمت محامله؛ قد يعبر‬
‫بالعرش عن الملك والملك نفسه؛ ومنه قول النابغة الذبياني‪:‬‬
‫عروش تفانوا بعد وأمنة‬
‫وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وخروا له سيجدا" الهاء فيي "خروا له" قييل‪ :‬إنهيا تعود على ال تعالى؛ المعنيى‪:‬‬
‫وخروا شكرا ل سييجدا؛ ويوسييف كالقبلة لتحقيييق روياه‪ ،‬وروي عيين الحسيين؛ قال النقاش‪ :‬وهذا‬
‫خطأ؛ والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة‪" :‬رأيتهم لي ساجدين" [يوسف‪.]4 :‬‬
‫وكان تحيتهيم أن يسيجد الوضييع للشرييف‪ ،‬والصيغير للكيبير؛ سيجد يعقوب وخالتيه وإخوته ليوسيف‬
‫عليه السلم‪ ،‬فاقشعر جلده وقال‪" :‬هذا تأويل رؤياي من قبل" وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها‬
‫اثنتان وعشرون سنة‪ .‬وقال سلمان الفارسي وعبدال بن شداد‪ :‬أربعون سنة؛ قال عبدال بن شداد‪:‬‬
‫وذلك آخيير مييا تبطييئ الرؤيييا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬خمييس وثلثون سيينة‪ .‬وقال السييدي وسييعيد بيين جييبير‬
‫وعكرمة‪ :‬ست وثلثون سنة‪ .‬وقال الحسن وجسر بن فرقد وفضيل ابن عياض‪ :‬ثمانون سنة‪ .‬وقال‬
‫وهيب بين منبيه‪ :‬ألقيي يوسيف فيي الجيب وهيو ابين سيبع عشرة سينة‪ ،‬وغاب عين أبييه ثمانيين سينة‪،‬‬
‫وعاش بعيد أن التقيى بأبييه ثلثيا وعشريين سينة‪ ،‬ومات وهيو ابين مائة وعشريين سينة‪ .‬وفيي التوراة‬
‫مائة وسيت وعشرون سينة‪ .‬وولد ليوسيف مين امرأة العزييز إفراثييم ومنشيا ورحمية امرأة أيوب‪.‬‬
‫وبيين يوسيف وموسيى أربعمائة سينة‪ .‬وقييل‪ :‬إن يعقوب بقيي عنيد يوسيف عشريين سينة‪ ،‬ثيم توفيي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬أقام عنده ثمانيي عشرة سينة‪ .‬وقال بعيض المحدثيين‪ :‬بعضيا وأربعيين‬
‫سينة؛ وكان بيين يعقوب ويوسيف ثلث وثلثون سينة حتيى جمعهيم ال‪ .‬وقال ابين إسيحاق‪ :‬ثمانيي‬
‫عشرة سنة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال سعيد بعد جبير عن قتادة عن الحسن‪ :‬في قوله‪" :‬وخروا له سجدا" ‪ -‬قال‪ :‬لم يكن سجودا‪،‬‬
‫لكنييه سيينة كانييت فيهييم‪ ،‬يومئون برؤوسييهم إيماء‪ ،‬كذلك كانييت تحيتهييم‪ .‬وقال الثوري والضحاك‬
‫وغيرهميا‪ :‬كان سيجودا كالسيجود المعهود عندنيا‪ ،‬وهيو كان تحيتهيم‪ .‬وقييل‪ :‬كان انحناء كالركوع‪،‬‬
‫ولم يكين خرورا على الرض‪ ،‬وهكذا كان سيلمهم بالتكفيي والنحناء‪ ،‬وقيد نسيخ ال ذلك كله فيي‬
‫شرعنييا‪ ،‬وجعييل الكلم بدل عيين النحناء‪ .‬وأجمييع المفسييرون أن ذلك السييجود على أي وجييه كان‬
‫فإنميا كان تحيية ل عبادة؛ قال قتادة‪ :‬هذه كانيت تحيية الملوك عندهيم؛ وأعطيى ال هذه المية السيلم‬
‫تحية أهل الجنة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا النحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية‪ ،‬وعند العجم‪ ،‬وكذلك‬
‫قيام بعضهيم إلى بعيض؛ حتيى أن أحدهيم إذا لم يقيم له وجيد فيي نفسيه كأنيه ل يؤبيه بيه‪ ،‬وأنيه ل قدر‬
‫له؛ وكذلك إذا التقوا انحنييى بعضهيم لبعيض‪ ،‬عادة مسيتمرة‪ ،‬ووراثية مسيتقرة ل سييما عنيد التقاء‬
‫المراء والرؤسياء‪ .‬نكبوا عين السينن‪ ،‬وأعرضوا عين السينن‪ .‬وروى أنيس بين مالك قال‪ :‬قلنيا ييا‬
‫رسيول ال أينحنيي بعضنيا إلى بعيض إذا التقينيا؟ قال‪( :‬ل)؛ قلنيا‪ :‬أفيعتنيق بعضنيا بعضيا؟ قال (ل)‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬أفيصافح بعضنا بعضا؟ قال (نعم)‪ .‬خرجه أبو عمر في "التمهيد" فإن قيل‪ :‬فقد قال رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬قوموا إلى سييدكم وخيركيم) ‪ -‬يعنيي سيعد بين معاذ ‪ -‬قلنيا‪ :‬ذلك مخصيوص‬
‫بسعد لما تقتضيه الحال المعينة؛ وقد قيل‪ :‬إنما كان قيامهم لينزلوه عن الحمار؛ وأيضا فإنه يجوز‬
‫للرجيل الكيبير إذا لم يؤثير ذلك فيي نفسيه‪ ،‬فإن أثير فييه وأعجيب بيه ورأى لنفسيه حظيا لم يجيز عونيه‬
‫على ذلك؛ لقوله صيلى ال عليه وسيلم‪( :‬من سيره أن يتمثيل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار)‪.‬‬
‫وجاء عين الصيحابة رضوان ال عليهيم أجمعيين أنيه لم يكين وجيه أكرم عليهيم مين وجيه رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما كانوا يقومون له إذا رأوه‪ ،‬لما يعرفون من كراهته لذلك‪.‬‬
‫@ فإن قييل‪ :‬فميا تقول فيي الشارة بالصيبع؟ قييل له‪ :‬ذلك جائز إذا بعيد عنيك‪ ،‬لتعيين له بيه وقيت‬
‫السيلم‪ ،‬فإن كان دانييا فل؛ وقيد قييل بالمنيع فيي القرب والبعيد؛ لميا جاء عين رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬مين تشبيه بغيرنيا فلييس منيا)‪ .‬وقال‪( :‬ل تسيلموا تسيليم اليهود والنصيارى فإن‬
‫تسيليم اليهود بالكيف والنصيارى بالشارة)‪ .‬وإذا سيلم فإنيه ل ينحنيي‪ ،‬ول أن يقبيل ميع السيلم يده‪،‬‬
‫ولن النحناء على معنيى التواضيع ل ينبغيي إل ل‪ .‬وأميا تقبييل الييد فإنيه مين فعيل العاجيم‪ ،‬ول‬
‫يتبعون على أفعالهيم التيي أحدثوهيا تعظيميا منهيم لكيبرائهم؛ قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل‬
‫تقوموا عنيد رأسيي كميا تقوم العاجيم عنيد رؤوس أكاسيرتها" فهذا مثله‪ .‬ول بأس بالمصيافحة؛ فقيد‬
‫صيافح النيبي صيلى ال علييه وسيلم جعفير بين أبيي طالب حيين قدم مين الحبشية‪ ،‬وأمير بهيا‪ ،‬وندب‬
‫إليها‪ ،‬وقال‪( :‬تصافحوا يذهب الغل) وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي صلى ال‬
‫علييييه وسيييلم كانوا إذا التقوا تصيييافحوا‪ ،‬وإذا قدموا مييين سيييفر تعانقوا؛ فإن قييييل‪ :‬فقيييد كره مالك‬
‫المصافحة؟ قلنا‪ :‬روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة‪ ،‬وذهب إلى هذا سحنون‬
‫وغيره مين أصيحابنا؛ وقيد روي عين مالك خلف ذلك مين جواز المصيافحة‪ ،‬وهيو الذي يدل علييه‬
‫معنى ما في الموطأ؛ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫إنما كره مالك المصافحة لنه لم يرها أمرا عاما في الدين‪ ،‬ول منقول نقل‬
‫قلت‪ :‬قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها‪ ،‬والدأب عليها والمحافظة؛ وهو ما‬
‫رواه البراء بن عازب قال‪ :‬لقيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت‪ :‬يا رسول ال!‬
‫إن كنت لحسب أن المصافحة للعاجم؟ فقال‪( :‬نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان‬
‫فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إل ألقيت ذنوبها بينهما)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيد أحسين بيي إذ أخرجنيي مين السيجن" ولم يقيل من الجيب اسيتعمال للكرم؛ لئل‬
‫يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله‪" :‬ل تثريب عليكم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو الصل عند مشايخ الصوفية‪ :‬ذكر الجفا في وقت الصفا جفا‪ ،‬وهو قول صحيح‬
‫دل علييه الكتاب‪ .‬وقييل‪ :‬لن فييي دخول السيجن كان باختياره بقوله‪" :‬رب السيجن أحييب إلي ممييا‬
‫يدعونني إليه" [يوسف‪ ]33 :‬وكان في الجب بإرادة ال تعالى له‪ .‬وقيل‪ :‬لنه كان في السجن مع‬
‫اللصوص والعصاة‪ ،‬وفي الجب مع ال تعالى؛ وأيضا فإن المنة في النجاة من السجن كانت أكبر‪،‬‬
‫لنيه دخله بسيبب أمرهيم بيه؛ وأيضيا دخله باختياره إذ قال‪" :‬رب السيجن أحيب إلي" فكان الكرب‬
‫فيه أكثر؛ وقال فيه أيضا‪" :‬اذكرني عند ربك" [يوسف‪ ]42 :‬فعوقب فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاء بكيم مين البدو" يروى أن مسيكن يعقوب كان بأرض كنعان‪ ،‬وكانوا أهيل‬
‫مواش وبريية؛ وقييل‪ :‬كان يعقوب تحول إلى باديية وسيكنها‪ ،‬وأن ال لم يبعيث نبييا مين أهيل الباديية‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه كان خرج إلى بدا‪ ،‬وهو موضع؛ وإياه عنى جميل بقوله‪:‬‬
‫إلي وأوطاني بلد سواهما‬ ‫وأنت التي حببت شغبا إلى بدا‬
‫وليعقوب بهذا الموضيع مسيجد تحيت جبيل‪ .‬يقال‪ :‬بدا القوم بدوا إذا أتوا بدا‪ ،‬كميا يقال‪ :‬غاروا غورا‬
‫أي أتوا الغور؛ والمعنيى‪ :‬وجاء بكيم مين مكان بدا؛ ذكره القشيري‪ ،‬وحكاه الماوردي عين الضحاك‬
‫عين ابين عباس‪" .‬مين بعيد أن نزغ الشيطان بينيي وبيين إخوتيي" بإيقاع الحسيد؛ قاله ابين عباس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أفسد ما بيني وبين إخوتي؛ أحال ذنبهم على الشيطان تكرما منه‪" .‬إن ربي لطيف لما يشاء"‬
‫أي رفييق بعباده‪ .‬وقال الخطابيي‪ :‬اللطييف هيو البر بعباده الذي يلطيف بهيم مين حييث ل يعلمون‪،‬‬
‫ويسييبب لهييم مصييالحهم ميين حيييث ل يحتسييبون؛ كقوله‪" :‬ال لطيييف بعباده يرزق ميين يشاء"‬
‫[الشورى‪ .]19 :‬وقييل‪ :‬اللطييف العالم بدقائق المور؛ والمراد هنيا الكرام والرفيق‪ .‬قال قتادة‪،‬‬
‫لطييف بيوسييف بمييا خراجييه ميين السييجن‪ ،‬وجاءه بأهله ميين البدو‪ ،‬ونزع عيين قلبييه نزغ الشيطان‪.‬‬
‫ويروى أن يعقوب لميا قدم بأهله وولده وشارف أرض مصير وبلغ ذلك يوسيف اسيتأذن فرعون ‪-‬‬
‫واسمه الريان ‪ -‬أن يأذن له في تلقي أبيه يعقوب؛ وأخبره بقدومه فأذن له‪ ،‬وأمر المل من أصحابه‬
‫بالركوب معه؛ فخرج يوسيف والملك معيه في أربعية آلف من المراء مع كل أميير خلق ال أعلم‬
‫بهييم؛ وركييب أهييل مصيير معهييم يتلقون يعقوب‪ ،‬فكان يعقوب يمشييي متكئا على يييد يهوذا؛ فنظيير‬
‫يعقوب إلى الخيييل والناس والعسيياكر فقال‪ :‬يييا يهوذا! هذا فرعون مصيير؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬بييل هذا ابنييك‬
‫يوسيف؛ فلميا دنيا كيل واحيد منهميا مين صياحبه ذهيب يوسيف ليبدأه بالسيلم فمنيع مين ذلك‪ ،‬وكان‬
‫يعقوب أحق بذلك منه وأفضل؛ فابتدأ يعقوب بالسلم فقال‪ :‬السلم عليك يا مذهب الحزان‪ ،‬وبكى‬
‫وبكيى معيه يوسيف؛ فبكيى يعقوب فرحيا‪ ،‬وبكيى يوسيف لميا رأى بأبييه مين الحزن؛ قال ابين عباس‪:‬‬
‫فالبكاء أربعية‪ ،‬بكاء مين الخوف‪ ،‬وبكاء من الجزع‪ ،‬وبكاء من الفرح‪ ،‬وبكاء رياء‪ .‬ثيم فال يعقوب‪:‬‬
‫الحمد ل الذي أقر عيني بعد الهموم والحزان‪ ،‬ودخل‪ ،‬مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته؛ فلم‬
‫يخرجوا مين مصير حتيى بلغوا سيتمائة ألف ونييف ألف؛ وقطعوا البحير ميع موسيى علييه السيلم؛‬
‫رواه عكرمية عين ابين عباس‪ .‬وحكيى ابين مسيعود أنهيم دخلوا مصير وهيم ثلثية وتسيعون إنسيانا ميا‬
‫بيين رجيل وامرأة‪ ،‬وخرجوا ميع موسيى وهيم سيتمائة ألف وسيبعون ألفيا‪ .‬وقال الربييع بين خيثيم‪:‬‬
‫دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفا‪ ،‬وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف‪ .‬وقال وهب‪ :‬بن منبه دخل‬
‫يعقوب وولده مصير وهيم تسيعون إنسيانا ميا بيين رجيل وامرأة وصيغير‪ ،‬وخرجوا منهيا ميع موسيى‬
‫فرارا ميين فرعون‪ ،‬وهييم سييتمائة ألف وسييتمائة وبضييع وسييبعون رجييل مقاتلييين‪ ،‬سييوى الذرييية‪.‬‬
‫والهرميى والزمنيى؛ وكانيت الذريية ألف ألف ومائتيي ألف سيوى المقاتلة‪ ،‬وقال أهيل التوارييخ‪ :‬أقام‬
‫يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة‪ ،‬ومات بمصر‪ ،‬وأوصى إلى ابنه يوسف‬
‫أن يحميل جسيده حتيى يدفنيه عنيد أبييه إسيحاق بالشام ففعيل‪ ،‬ثيم انصيرف إلى مصير‪ .‬قال سيعيد بين‬
‫جبير‪ :‬نقل يعقوب صلى ال عليه وسلم في تابوت من ساج إلى بيت المقدس‪ ،‬ووافق ذلك يوم مات‬
‫عيصيو‪ ،‬فدفنيا فيي قيبر واحيد؛ فمين ثيم تنقيل اليهود موتاهيم إلى بييت المقدس‪ ،‬مين فعيل ذلك منهيم؛‬
‫وولد يعقوب وعيصييو فييي بطيين واحييد‪ ،‬ودفنييا فييي قييبر واحييد وكان عمرهمييا جميعييا مائة وسييبعا‬
‫وأربعين سنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 101 :‬رب قيد آتيتنيي مين الملك وعلمتنيي مين تأوييل الحادييث فاطير السيماوات‬
‫والرض أنت وليي في الدنيا والخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث" قال قتادة‪ :‬لم يتمن الموت‬
‫أحيد؛ نيبي ول غيره إل يوسيف علييه السيلم؛ حيين تكاملت علييه النعيم وجميع له الشميل اشتاق إلى‬
‫لقاء ربه عز وجل‪ .‬وقيل‪ :‬إن يوسف لم يتمن الموت‪ ،‬وإنما تمنى الوفاة على السلم؛ أي إذا جاء‬
‫أجلي توفنييي مسييلما؛ وهذا قول الجمهور‪ .‬وقال سييهل بيين عبدال التسييتري‪ :‬ل يتمنييى الموت إل‬
‫ثلث‪ :‬رجيل جاهيل بميا بعيد الموت‪ ،‬أو رجيل يفير مين أقدار ال تعالى علييه‪ ،‬أو مشتاق محيب للقاء‬
‫ال عيز وجيل‪ .‬وثبيت فيي الصيحيح عين أنيس قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل يتمنيين‬
‫أحدكييم الموت لضيير نزل بييه فإن كان ل بييد متمنيييا فليقييل اللهييم أحينييي مييا كانييت الحياة خيرا لي‬
‫وتوفنيي إذا كانيت الوفاة خيرا لي) رواه مسيلم‪ .‬وفييه عين أبيي هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬ل يتمنيين أحدكيم الموت ول يدع بيه مين قبيل أن يأتييه إنيه إذا مات أحدكيم انقطيع عمله‬
‫وإنيه ل يزييد المؤمين عمره إل خيرا)‪ .‬وإذا ثبيت هذا فكييف يقال‪ :‬إن يوسيف علييه السيلم تمنيى‬
‫الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل؟ هذا بعيد! إل أن يقال‪ :‬إن ذلك كان جائزا في شرعه؛ أما‬
‫أنيه يجوز تمنيي الموت والدعاء بيه عنيد ظهور الفتين وغلبتهيا‪ ،‬وخوف ذهاب الديين‪ ،‬على ميا بيناه‬
‫فيي كتاب "التذكرة"‪" .‬ومين" مين قوله‪" :‬مين الملك" للتبعييض‪ ،‬وكذلك قوله‪" :‬وعلمتنيي مين تأوييل‬
‫الحاديث" لن ملك مصر ما كان كل الملك‪ ،‬وعلم التعبير ما كان كل العلوم‪ .‬وقيل‪" :‬من" للجنس‬
‫كقوله‪" :‬فاجتنبوا الرجس من الوثان" [الحج‪ ]30:‬وقيل‪ :‬للتأكد‪ .‬أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاطير السيماوات والرض" نصيب على النعيت للنداء‪ ،‬وهيو رب‪ ،‬وهيو نداء‬
‫مضاف؛ والتقدييير‪ :‬يييا رب! ويجوز أن يكون نداء ثانيييا‪ .‬والفاطيير الخالق؛ فهييو سييبحانه فاطيير‬
‫الموجودات‪ ،‬أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الطلق من غير شيء‪ ،‬ول مثال سبق؛‬
‫وقد تقدم هذا المعنى في "البقرة" مستوفى؛ عند قوله‪" :‬بديع السماوات والرض" [البقرة‪]117 :‬‬
‫وزدناه بيانيا فيي الكتاب السينى فيي شرح أسيماء ال الحسينى‪" .‬أنيت ولييي" أي ناصيري ومتولي‬
‫أموري فييي الدنيييا والخرة‪" .‬توفنييي مسييلما وألحقنييي بالصييالحين" يريييد آباءه الثلثيية؛ إبراهيييم‬
‫وإسيحاق ويعقوب‪ ،‬فتوفاه ال ‪ -‬طاهرا طيبيا صيلى ال علييه وسيلم ‪ -‬بمصير‪ ،‬ودفين فيي النييل فيي‬
‫صيندوق مين رخام؛ وذلك أنيه لميا مات تشاح الناس علييه؛ كيل يحيب أن يدفين فيي محلتهيم‪ ،‬لميا‬
‫يرجون ميين بركتييه؛ واجتمعوا على ذلك حتييى هموا بالقتال‪ ،‬فرأوا أن يدفنوه فييي النيييل ميين حيييث‬
‫مفرق الماء بمصير‪ ،‬فيمير علييه الماء‪ ،‬ثيم يتفرق فيي جمييع مصير‪ ،‬فيكونوا فييه شرعيا ففعلوا؛ فلميا‬
‫خرج موسيى ببنيي إسيرائيل أخرجيه مين النييل‪ :‬ونقيل تابوتيه بعيد أربعمائة سينة إلى بييت المقدس‪،‬‬
‫فدفنوه مع آبائه لدعوته‪" :‬وألحقني بالصالحين" وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام‪ .‬وعن الحسن‬
‫قال‪ :‬ألقي يوسف فيي الجب وهو ابن سبع عشرة سنة‪ ،‬وكان فيي العبودية والسجن والملك ثمانين‬
‫سينة‪ ،‬ثيم جميع له شمله فعاش بعيد ذلك ثلثيا وعشريين سينه؛ وكان له مين الولد إفراثييم‪ ،‬ومنشيا‪،‬‬
‫ورحمية‪ ،‬زوجية أيوب؛ فيي قول ابين لهيعية‪ .‬قال الزهري‪ :‬وولد لفراثييم ‪ -‬بين يوسيف ‪ -‬نون بين‬
‫إفراثيم‪ ،‬وولد لنون يوشع؛ فهو يوشع بن نون‪ ،‬وهو فتى موسى الذي كان معه صاحب أمره‪ ،‬ونبأه‬
‫ال فيي زمين موسيى علييه السيلم؛ فكان بعده نبييا‪ ،‬وهيو الذي افتتيح أريحيا‪ ،‬وقتيل مين كان بهيا مين‬
‫الجبابرة‪ ،‬واسيتوقفت له الشميس حسيب ميا تقدم فيي "المائدة"‪ .‬وولد لمنشيا بين يوسيف موسيى بين‬
‫منشيا‪ ،‬قبيل موسيى بين عمران‪ .‬وأهيل التوراة يزعمون أنيه هيو الذي طلب العالم ليتعلم منيه حتيى‬
‫أدركيه‪ ،‬والعالم هيو الذي خرق السيفينة‪ ،‬وقتيل الغلم‪ ،‬وبنيى الجدار‪ ،‬وموسيى بين منشيا معيه حتيى‬
‫بلغه معه حيث بلغ؛ وكان ابن عباس ينكر ذلك؛ والحق الذي قاله ابن عباس؛ وكذلك في القرآن‪ .‬ثم‬
‫كان بييين يوسييف وموسييى أمييم وقرون‪ ،‬وكان فيمييا بينهمييا شعيييب‪ ،‬صييلوات ال وسييلمه عليهييم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 102 :‬ذلك مين أنباء الغييب نوحييه إلييك وميا كنيت لديهيم إذ أجمعوا أمرهيم وهيم‬
‫يمكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك من أنباء الغيب" ابتداء وخبر‪" .‬نوحيه إليك" خبر ثان‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويجوز‬
‫أن يكون "ذلك" بمعنى الذي! "نوحيه إليك" خبره؛ أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك؛ يعني هو‬
‫الذي قصصنا عليك يا محمد من أمر يوسف من أخبار الغيب "نوحيه إليك" أي نعلمك بوحي هذا‬
‫إليك‪" .‬وما كنت لديهم" أي مع إخوة يوسف "إذ أجمعوا أمرهم" في إلقاء يوسف في الجب‪" .‬وهم‬
‫يمكرون" أي بيوسف في إلقائه في الجب‪ .‬وقيل‪" :‬يمكرون" بيعقوب حين جاؤوه بالقميص ملطخا‬
‫بالدم؛ أي ما شاهدت تلك الحوال‪ ،‬ولكن ال أطلعك عليها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 103 :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ظن أن العرب لما سألته عن هذه القصة‬
‫وأخيبرهم يؤمنون‪ ،‬فلم يؤمنوا؛ فنزلت اليية تسيلية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ أي لييس تقدر على‬
‫هدايية مين أردت هدايتيه؛ تقول‪ :‬حرص يحرص‪ ،‬مثيل‪ :‬ضرب يضرب‪ .‬وفيي لغية ضعيفية حرص‬
‫يحرص مثل حمد يحمد‪ .‬والحرص طلب الشيء باختيار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 104 :‬وما تسألهم عليه من أجر إن هو إل ذكر للعالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما تسألهم عليه من أجر" "من" صلة؛ أي ما تسألهم جعل‪" .‬إن هو" أي ما هو؛‬
‫يعني القرآن والوحي‪" .‬إل ذكر" أي عظة وتذكرة "للعالمين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 105 :‬وكأين من آية في السماوات والرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}‬
‫@ قال الخليل وسيبويه‪ :‬هي "أي" دخل عليها كاف التشبيه وبنيت معها‪ ،‬فصار في الكلم معنى‬
‫كم‪ ،‬وقد مضى في "آل عمران" القول فيها مستوفى‪ .‬ومضى القول في آية "السماوات والرض"‬
‫فيي "البقرة"‪ .‬وقييل‪ :‬اليات آثار عقوبات الميم السيالفة؛ أي هيم غافلون معرضون عن تأميل‪ .‬وقرأ‬
‫عكرمييية وعمرو بييين فائد "والرض" رفعيييا ابتداء‪ ،‬وخيييبره‪" .‬يمرون عليهيييا"‪ .‬وقرأ السيييدي‬
‫"والرض" نصيبا بإضمار فعيل‪ ،‬والوقيف على هاتيين القراءتيين على "السيماوات"‪ .‬وقرأ ابين‬
‫مسعود‪" :‬يمشون عليها"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 106 :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون" نزلت في قوم أقروا بال خالقهم وخالق‬
‫الشياء كلهيا‪ ،‬وهيم يعبدون الوثان؛ قاله الحسين‪ ،‬ومجاهيد وعامير الشعيبي وأكثير المفسيرين‪ .‬وقال‬
‫عكرمية هيو قوله‪" :‬ولئن سيألتهم مين خلقهيم ليقولن ال" [الزخرف‪ ]87 :‬ثيم يصيفونه بغيير صيفته‬
‫ويجعلون له أندادا؛ ودعين الحسين أيضيا‪ :‬أنهيم أهيل كتاب معهيم شرك وإيمان‪ ،‬آمنوا بال وكفروا‬
‫بمحميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فل يصيح إيمانهيم؛ حكاه ابين‪ ،‬النباري‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬نزلت فيي‬
‫تلبييية مشركييي العرب‪ :‬لبيييك ل شريييك لك إل شريكييا هييو لك تملكييه ومييا ملك‪ .‬وعنييه أيضييا أنهييم‬
‫النصيارى‪ .‬وعنيه أيضيا أنهيم المشبهية‪ ،‬آمنوا مجمل وأشركوا مفصيل‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي المنافقيين؛‬
‫المعنيى‪" :‬وميا يؤمين أكثرهيم بال" أي باللسيان إل وهيو كافير بقلبيه؛ ذكره الماوردي عين الحسين‬
‫أيضيا‪ .‬وقال عطاء‪ :‬هذا فيي الدعاء؛ وذلك أن الكفار ينسيون ربهيم فيي الرخاء‪ ،‬فإذا أصيابهم البلء‬
‫أخلصييوا فييي الدعاء؛ بيانييه‪" :‬وظنوا أنهييم أحيييط بهييم" [يونييس‪ ]22 :‬الييية‪ .‬وقوله‪" :‬وإذا مييس‬
‫النسيان الضير دعانيا لجنبيه" [يونيس‪ ]12 :‬اليية‪ .‬وفيي آيية أخرى‪" :‬وإذا مسيه الشير فذو دعاء‬
‫عريض" [فصلت‪ .]51 :‬وقيل‪ :‬معناها أنهم يدعون ال ينجيهم من الهلكة‪ ،‬فإذا أنجاهم قال قائلهم‪:‬‬
‫لول فلن ميا نجونيا‪ ،‬ولول الكلب لدخيل علينيا اللص‪ ،‬ونحيو هذا؛ فيجعلون‪ .‬نعمية ال منسيوبة إلى‬
‫فلن‪ ،‬ووقايته منسوبة إلى الكلب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقييد يقييع فييي هذا القول والذي قبله كثييير ميين عوام المسييلمين؛ ول حول ول قوة إل بال‬
‫العلي العظييم‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت هذه اليية فيي قصية الدخان؛ وذلك أن أهيل مكية لميا غشيهيم الدخان فيي‬
‫سيني القحيط قالوا‪" :‬ربنيا اكشيف عنيا العذاب إنيا مؤمنون" [الدخان‪ ]12 :‬فذلك إيمانهيم‪ ،‬وشركهيم‬
‫عودهيم إلى الكفير بعيد كشيف العذاب؛ بيانيه قوله‪" :‬إنكيم عائدون" [الدخان‪ ]15 :‬والعود ل يكون‬
‫إل بعد ابتداء؛ فيكون معنى‪" :‬إل وهم مشركون" أي إل وهم عائدون إلى الشرك‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 107 :‬أفأمنوا أن تأتيهييم غاشييية ميين عذاب ال أو تأتيهييم السيياعة بغتيية وهييم ل‬
‫يشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفأمنوا أن تأتيهيم غاشيية مين عذاب ال" قال ابين عباس‪ :‬مجللة‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫عذاب يغشاهيم؛ نظيره‪" .‬يوم يغشاهيم العذاب مين فوقهيم ومين تحيت أرجلهيم" [العنكبوت‪.]55 :‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬وقيعية تقيع لهيم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يعنيي الصيواعق والقوارع‪" .‬أو تأتيهيم السياعة" يعنيي‬
‫القيامة‪" .‬بغتة" نصب على الحال؛ وأصله المصدر‪ .‬وقال المبرد‪ :‬جاء عن العرب حال بعد نكرة؛‬
‫وهو قولهم‪ :‬وقع أمر بغتة وفجأة؛ قال النحاس‪ :‬ومعنى "بغتة" إصابة من حيث لم يتوقع‪" .‬وهم ل‬
‫يشعرون" وهيو توكييد‪ .‬وقوله‪" :‬بغتية" قال ابين عباس‪ :‬تصييح الصييحة بالناس وهيم فيي أسيواقهم‬
‫ومواضعهم‪ ،‬كما قال‪" :‬تأخذهم وهم يخصمون" [يس‪ ]49 :‬على ما يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 108 :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان ال وما أنا‬
‫من المشركين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هذه سبيلي" ابتداء وخبر؛ أي قل يا محمد هذه طريقي وسنتي ومنهاجي؛ قاله‬
‫ابن زيد‪ .‬وقال الربيع‪ :‬دعوتي‪ ،‬مقاتل‪ :‬دينيي‪ ،‬والمعنيى واحد؛ أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدي‬
‫إلى الجنية‪" .‬على بصييرة" أي على يقيين وحيق؛ ومنيه‪ :‬فلن مسيتبصر بهذا‪" .‬أنيا" توكييد‪" .‬ومين‬
‫اتبعنيي" عطيف على المضمير‪" .‬وسيبحان ال" أي قيل ييا محميد‪" :‬وسيبحان ال"‪" .‬وميا أنيا مين‬
‫المشركين" الذين يتخذون من دون ال أندادا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 109 :‬وميا أرسيلنا مين قبلك إل رجال نوحيي إليهيم مين أهيل القرى أفلم يسييروا فيي‬
‫الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الخرة خير للذين اتقوا أفل تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم من أهل القرى" هذا رد على القائلين‪:‬‬
‫"لول أنزل علييه ملك" [النعام‪ ]8 :‬أي أرسيلنا رجال لييس فيهيم امرأة ول جنيي ول ملك؛ وهذا‬
‫يرد ما يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إن في النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم‬
‫موسيى ومرييم)‪ .‬وقيد تقدم فيي "آل عمران" شييء مين هذا‪" .‬مين أهيل القرى" يرييد المدائن؛ ولم‬
‫يبعيث ال نبييا مين أهيل الباديية لغلبية الجفاء والقسيوة على أهيل البدو؛ ولن أهيل المصيار أعقيل‬
‫وأحلم وأفضيل وأعلم‪ .‬قال الحسين‪ :‬لم يبعيث ال نبييا مين أهيل الباديية قيط‪ ،‬ول مين النسياء‪ ،‬ول مين‬
‫الجين‪ .‬وقال قتادة‪" :‬مين أهيل القرى" أي مين أهيل المصيار؛ لنهيم أعلم وأحلم‪ .‬وقال العلماء‪ :‬مين‬
‫شرط الرسول أن يكون رجل آدميا مدنيا؛ وإنما قالوا آدميا تحرزا؛ من قوله‪" :‬يعوذون برجال من‬
‫الجن" [الجن‪ ]6 :‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفلم يسيروا في الرض فينظروا" إلى مصارع المم المكذبة لنبيائهم فيعتبروا‪.‬‬
‫"ولدار الخرة خير" ابتداء وخبره‪ .‬وزعم الفراء أن الدار هي الخرة؛ وأضيف الشيء إلى نفسه‬
‫لختلف اللفظ‪ ،‬كيوم الخميس‪ ،‬وبارحة الولى؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫عرفت الذل عرفان اليقين‬ ‫ولو أقوت عليك ديار عبس‬
‫أي عرفانييا يقينييا؛ واحتييج الكسييائي بقولهييم‪ :‬صييلة الولى؛ واحتييج الخفييش بمسييجد الجامييع‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬إضافية الشييء إلى نفسيه محال؛ لنيه إنميا يضاف الشييء إلى غيره ليتعرف بيه؛ والجود‬
‫الصيلة الولى‪ ،‬ومين قال صيلة الولى فمعناه‪ :‬عنيد صيلة الفريضية الولى؛ وإنميا سيميت الولى‬
‫لنهيا أول ميا صيلي حيين فرضيت الصيلة‪ ،‬وأول ميا أظهير؛ فلذلك قييل لهيا أيضيا الظهير‪ .‬والتقديير‪:‬‬
‫ولدار الحال الخرة خيير‪ ،‬وهذا قول البصيريين؛ والمراد بهذه الدار الجنية؛ أي هيي خيير للمتقيين‪.‬‬
‫وقرئ‪" :‬وللدار الخرة"‪ .‬وقرأ نافيييييع وعاصيييييم ويعقوب وغيرهيييييم‪" .‬أفل تعقلون" بالتاء على‬
‫الخطاب‪ .‬الباقون بالياء على الخبر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 110 :‬حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء‬
‫ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى إذا استيأس الرسل" تقدم القراءة فيه ومعناه‪" .‬وظنوا أنهم قد كذبوا" وهذه‬
‫اليية فيهيا تنزييه النيبياء وعصيمتهم عميا ل يلييق بهيم‪ .‬وهذا الباب عظييم‪ ،‬وخطره جسييم‪ ،‬ينبغيي‬
‫الوقوف‪ ،‬علييه لئل يزل النسيان فيكون فيي سيواء الجحييم‪ .‬المعنيى‪ :‬وميا أرسيلنا قبلك ييا محميد إل‬
‫رجال ثم لم نعاقب أممهم بالعذاب‪" .‬حتى إذا استيأس الرسل" أي يئسوا من إيمان قومهم‪" .‬وظنوا‬
‫أنهيم قيد كذبوا" بالتشدييد؛ أي أيقنوا أن قومهيم كذبوهيم‪ .‬وقييل المعنيى‪ :‬حسيبوا أن مين آمين بهيم مين‬
‫قومهم كذبوهم‪ ،‬ل أن القوم كذبوا‪ ،‬ولكن النبياء ظنوا وحسبوا أنهم يكذبونهم؛ أي خافوا أن يدخل‬
‫قلوب أتباعهم شك؛ فيكون "وظنوا" على بابه في هذا التأويل‪ .‬وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو‬
‫عبدالرحمن السلمي وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة‬
‫والكسائي ويحيى بن وثاب والعمش وخلف "كذبوا" بالتخفيف؛ أي ظن القوم أن الرسل كذبوهم‬
‫فيما أخبروا به من العذاب‪ ،‬ولم يصدقوا‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ظن المم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا‬
‫به من نصرهم‪ .‬وفي رواية عن ابن عباس؛ ظن الرسل أن ال أخلف ما وعدهم‪ .‬وقيل‪ :‬لم تصح‬
‫هذه الروايية؛ لنيه ل يظين بالرسيل هذا الظين‪ ،‬ومين ظين هذا الظين ل يسيتحق النصير؛ فكييف قال‪:‬‬
‫"جاءكم نصرنا"؟ ! قال القشيري أبو نصر‪ :‬ول يبعد إن صحت الرواية أن المراد خطر بقلوب‬
‫الرسيل هذا مين غيير أن يتحققوه فيي نفوسيهم؛ وفيي الخيبر‪( :‬إن ال تعالى تجاوز لمتيي عميا حدثيت‬
‫به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمل به)‪ .‬ويجوز أن يقال‪ :‬قربوا من ذلك الظن؛ كقولك‪ :‬بلغت‬
‫المنزل‪ ،‬أي قربت منه‪.‬‬
‫وذكر الثعلبي والنحاس عن ابن عباس قال‪ :‬كانوا بشرا فضعفوا من طول البلء‪ ،‬ونسوا وظنوا‬
‫أنهم أخلفوا؛ ثم تل‪" :‬حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر ال" [البقرة‪ .]214 :‬وقال‬
‫الترمذي الحكييم‪ :‬وجهيه عندنيا أن الرسيل كانيت تخاف بعيد ميا وعيد ال النصير‪ ،‬ل مين تهمية لوعيد‬
‫ال‪ ،‬ولكين لتهمية النفوس أن تكون قيد أحدثيت‪ ،‬حدثيا ينقيض ذلك الشرط والعهيد الذي عهيد إليهيم؛‬
‫فكانييت إذا طالت عليهييم المدة دخلهييم الياس والظنون ميين هذا الوجييه‪ .‬وقال المهدوي عيين ابيين‬
‫عباس‪ :‬ظنيت الرسيل أنهيم قيد أخلفوا على ميا يلحيق البشير؛ واسيتشهد بقول إبراهييم علييه السيلم‪:‬‬
‫"رب أرني كيف تحيى الموتى" [البقرة‪ ]260 :‬الية‪ .‬والقراءة الولى أولى‪ .‬وقرأ مجاهد وحميد‬
‫‪" -‬قيد كذبوا" بفتيح الكاف والذال مخففيا؛ على معنيى‪ :‬وظين قوم الرسيل أن الرسيل قيد كذبوا‪ ،‬لميا‬
‫رأوا مين تفضيل ال عيز وجيل فيي تأخيير العذاب‪ .‬ويجوز أن يكون المعنيى‪ :‬ولميا أيقين الرسيل أن‬
‫قومهم قد كذبوا على ال بكفرهم جاء الرسل نصرنا‪ .‬وفي البخاري عن عروة عن عائشة قالت له‬
‫وهيو يسيألها عين قول ال عيز وجيل‪" :‬حتيى إذا اسيتيأس الرسيل" قال قلت‪ :‬أكذبوا أم كذبوا؟ قالت‬
‫عائشيية‪ :‬كذبوا‪ .‬قلت‪ :‬فقييد اسييتيقنوا أن قومهييم كذبوهييم فمييا هييو بالظيين؟ قالت‪ :‬أجييل! لعمري! لقييد‬
‫اسيتيقنوا بذلك؛ فقلت لهيا‪" :‬وظنوا أنهيم قيد كذبوا" قالت‪ :‬معاذ ال! لم تكين الرسيل تظين ذلك بربهيا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فميا هذه اليية؟ قالت‪ :‬هييم أتباع الرسييل الذيين آمنوا بربهييم وصييدقوهم‪ ،‬فطال عليهييم البلء‪،‬‬
‫واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم‪ ،‬وظنت الرسل أن أتباعهم‬
‫قييد كذبوهييم جاءهييم نصييرنا عنييد ذلك‪ .‬وفييي قوله تعالى‪" :‬جاءهييم نصييرنا" قولن‪ :‬أحدهمييا‪ :‬جاء‬
‫الرسيل نصير ال؛ قال مجاهيد‪ .‬الثانيي‪ :‬جاء قومهيم عذاب ال؛ قاله ابين عباس‪" .‬فننجيي مين نشاء"‬
‫قييل‪ :‬النيبياء ومين آمين معهيم‪ .‬وروي عين عاصيم "فنجيي مين نشاء" بنون واحدة مفتوحية الياء‪،‬‬
‫و"مين" فيي موضيع رفيع‪ ،‬اسيم ميا لم يسيم فاعله؛ واختار أبيو عبييد هذه القراءة لنهيا فيي مصيحف‬
‫عثمان‪ ،‬وسيائر مصياحف البلدان بنون واحدة‪ .‬وقرأ ابين محيصين "فنجيا" فعيل ماض‪ ،‬و"مين" فيي‬
‫موضيع رفيع لنيه الفاعيل‪ ،‬وعلى قراءة الباقيين نصيبا على المفعول‪" .‬ول يرد بأسينا" أي عذابنيا‪.‬‬
‫"عن القوم المجرمين" أي الكافرين المشركين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 111 :‬لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق‬
‫الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد كان في قصصهم عبرة" أي في قصة يوسف وأبيه وإخوته‪ ،‬أو في قصص‬
‫الميم‪" .‬عيبرة" أي فكرة وتذكرة وعظية‪" .‬لولي اللباب" أي العقول‪ .‬وقال محميد بين إسيحاق عين‬
‫الزهري عين محميد بين إبراهييم بين الحارث التيميي‪ :‬إن يعقوب عاش مائة سينة وسيبعا وأربعيين‬
‫سينة‪ ،‬وتوفيي أخوه عيصيو معيه فيي يوم واحيد‪ ،‬وقيبرا فيي قيبر واحيد؛ فذلك قوله‪" :‬لقيد كان فيي‬
‫قصيصهم عيبرة لولي اللباب" إلى آخير السيورة‪" .‬ميا كان حديثيا يفترى" أي ميا كان القرآن حديثيا‬
‫يفترى‪ ،‬أو مييا كانييت هذه القصيية حديثييا يفترى‪" .‬ولكيين تصييديق الذي بييين يديييه" أي ولكيين كان‬
‫تصديق‪ ،‬ويجوز الرفع بمعنى لكن هو تصديق الذي بين يديه أي ما كان قبله من التوراة والنجيل‬
‫وسيائر كتيب ال تعالى؛ وهذا تأوييل مين زعيم أنيه القرآن‪" .‬وتفصييل كيل شييء" مميا يحتاج العباد‬
‫إليه من الحلل والحرام‪ ،‬والشرائع والحكام‪" .‬وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الرعد‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ سيورة الرعيد مكيية فيي قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر‪ ،‬ومدنية فيي قول الكلبيي ومقاتل‪.‬‬
‫وقال ابين عباس وقتادة‪ :‬مدنيية إل آيتيين منهيا نزلتيا بمكية؛ وهميا قوله عيز وجيل‪" :‬ولو أن قرآنيا‬
‫سيرت به الجبال" [الرعد‪[ ]31 :‬إلى آخرهما]‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 1 :‬المير تلك آيات الكتاب والذي أنزل إلييك مين ربيك الحيق ولكين أكثير الناس ل‬
‫يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المير تلك آيات الكتاب" تقدم القول فيهيا‪" .‬والذي أنزل إلييك" يعنيي وهذا القرآن‬
‫الذي أنزل إليك‪" .‬من ربك الحق ولكن أكثر الناس ل يؤمنون" ل كما يقول المشركون‪ :‬إنك تأتي‬
‫به من تلقاء نفسك؛ فاعتصم به‪ ،‬وأعمل بما فيه‪ .‬قال مقاتل‪ :‬نزلت حين قال المشركون‪ :‬إن محمدا‬
‫أتييى بالقرآن ميين تلقاء نفسييه‪" .‬والذي" فييي موضييع رفييع عطفييا على "آيات" أو على البتداء‪،‬‬
‫و"الحييق" خييبره؛ ويجوز أن يكون موضعييه جرا على تقدييير‪ :‬وآيات الذي أنزل إليييك‪ ،‬وارتفاع‬
‫"الحيق" على هذا على إضمار مبتدأ‪ ،‬تقديره‪ :‬ذلك الحيق؛ كقوله تعالى‪" :‬وهيم يعلمون الحيق"‬
‫[البقرة‪ ]147 - 146:‬يعنيي ذلك الحيق‪ .‬قال الفراء‪ :‬وإن شئت جعلت "الذي" خفضيا نعتيا‬
‫للكتاب‪ ،‬وإن كانييت فيييه الواو كمييا يقال‪ :‬أتانييا هذا الكتاب عيين أبييي حفييص والفاروق؛ ومنييه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وليت الكتيبة في المزدحم‬ ‫إلى الملك القرم وابن الهمام‬
‫يريد‪ :‬إلى الملك القرم بن الهمام‪ ،‬ليث الكتيبة‪" .‬ولكن أكثر الناس ل يؤمنون"‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬ال الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس‬
‫والقمر كل يجري لجل مسمى يدبر المر يفصل اليات لعلكم بلقاء ربكم توقنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها" الية‪ .‬لما بين تعالى أن القرآن حق‪،‬‬
‫بييين أن ميين أنزل قادر على الكمال؛ فانظروا فييي مصيينوعاته لتعرفوا كمال قدرتييه؛ وقييد تقدم هذا‬
‫المعنى‪ .‬وفي قوله‪" :‬بغير عمد ترونها" قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنها مرفوعة بغير عمد ترونها؛ قاله قتادة‬
‫وإياس بين معاويية وغيرهميا‪ .‬الثانيي‪ :‬لهيا عميد‪ ،‬ولكنيا ل نراه؛ قال ابين عباس‪ :‬لهيا عميد على جبيل‬
‫قاف؛ ويمكن أن يقال على هذا القول‪ :‬العمد قدرته التي يمسك بها السماوات والرض‪ ،‬وهي غير‬
‫مرئيية لنيا؛ ذكره الزجاج‪ .‬وقال ابين عباس أيضيا‪ :‬هيي توحييد المؤمين‪ .‬أعمدت السيماء حيين كادت‬
‫تنفطر من كفر الكافر؛ ذكره الغزنوي‪ .‬والعمد جمع عمود؛ قال النابغة‪:‬‬
‫يبنون تدمر بالصفاح والعمد‬ ‫وخيس الجن إني قد أذنت لهم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم اسيتوى على العرش" تقدم الكلم فييه‪" .‬وسيخر الشميس والقمير" أي ذللهميا‬
‫لمنافيع خلقيه ومصيالح عباده؛ وكيل مخلوق مذلل للخالق‪" .‬كيل يجري لجيل مسيمى" أي إلى وقيت‬
‫معلوم؛ وهو فناء الدنييا‪ ،‬وقيام السياعة التيي عندهيا تكور الشميس‪ ،‬ويخسيف القمير‪ ،‬وتنكدر النجوم‪،‬‬
‫وتنتثير الكواكيب‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬أراد بالجيل المسيمى درجاتهميا ومنازلهيا التيي ينتهيان إليهيا ل‬
‫يجاوزانهيا‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى الجيل المسيمى أن القمير يقطيع فلكيه فيي شهير‪ ،‬والشميس فيي سينة‪" .‬يدبر‬
‫المير" أي يصيرفه على ميا يرييد‪" .‬يفصيل اليات لعلكيم بلقاء ربكيم توقنون" "يفصيل اليات" أي‬
‫يبينها أي من قدر على هذه الشياء يقدر على العادة؛ ولهذا قال‪" :‬لعلكم بلقاء ربكم توقنون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 3 :‬وهيو الذي ميد الرض وجعيل فيهيا رواسيي وأنهارا ومين كيل الثمرات جعيل فيهيا‬
‫زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهيو الذي ميد الرض" لميا بيين آيات السيماوات بيين آيات الرض؛ أي بسيط‬
‫الرض طول وعرضييا‪" .‬وجعييل فيهييا رواسييي" أي جبال ثوابييت؛ واحدهييا راسييية؛ لن الرض‬
‫ترسو بها‪ ،‬أي تثبت؛ والرساء الثبوت؛ قال عنترة‪:‬‬
‫ترسوا إذا نفس الجبان تطلع‬ ‫فصبرت عارفة لذلك حرة‬
‫وقال جميل‪:‬‬
‫حبا إذا ظهرت آياته بطنا‬ ‫أحبها والذي أرسى قواعده‬
‫وقال ابن عباس وعطاء‪ :‬أول جبل وضع على الرض أبو قبيس‪.‬‬
‫مسييألة‪ :‬فييي هذه الييية رد على ميين زعييم أن الرض كالكرة‪ ،‬ورد على ميين زعييم أن الرض‬
‫تهوي أبوابها عليها؛ وزعم ابن الراوندي أن تحت الرض جسما صعادا كالريح الصعادة؛ وهي‬
‫منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجرم والقوة فتوافقا‪ .‬وزعم آخرون أن الرض مركب من‬
‫جسييمين‪ ،‬أحدهمييا منحدر‪ ،‬والخيير مصييعد‪ ،‬فاعتدل‪ ،‬فلذلك وقفييت‪ .‬والذي علييه المسييلمون وأهيل‬
‫الكتاب القول بوقوف الرض وسكونها ومدها‪ ،‬وأن حركتها إنما تكون فيي العادة بزلزلة تصيبها‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬وأنهارا" أي مياها جارية في الرض‪ ،‬فيها منافع الخلق‪" .‬ومن كل الثمرات جعل‬
‫فيهييا زوجييين اثنييين" بمعنييى صيينفين‪ .‬قال أبييو عييبيدة‪ :‬الزوج واحييد‪ ،‬ويكون اثنييين‪ .‬الفراء‪ :‬يعنييي‬
‫بالزوجيين هييا هنييا الذكيير والنثييى؛ وهذا خلف النييص‪ .‬وقيييل‪ :‬معنييى "زوجييين" نوعان‪ ،‬كالحلو‬
‫والحاميض‪ ،‬والرطيب واليابيس‪ ،‬والبييض والسيود‪ ،‬والصيغير والكيبير‪" .‬إن فيي ذلك ليات" أي‬
‫دللت وعلمات "لقوم يتفكرون"‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 4 :‬وفيي الرض قطيع متجاورات وجنات مين أعناب وزرع ونخييل صينوان وغيير‬
‫صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل إن في ذلك ليات لقوم يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفيي الرض قطيع متجاورات" "وفيي الرض قطيع متجاورات" فيي الكلم‬
‫حذف؛ المعنيى‪ :‬وفيي الرض قطيع متجاورات وغيير متجاورات؛ كميا قال‪" :‬سيرابيل تقيكيم الحير"‬
‫والمعنيييى‪ :‬وتقيكيييم البرد‪ ،‬ثيييم حذف لعلم السيييامع‪ .‬والمتجاورات المدن وميييا كان عامرا‪ ،‬وغيييير‬
‫متجاورات الصييحارى ومييا كان غييير عاميير‪" .‬متجاورات" أي قرى متدانيات‪ ،‬ترابهييا واحييد‪،‬‬
‫وماؤها واحد‪ ،‬وفيها زروع وجنات‪ ،‬ثم تتفاوت في الثمار والتمر؛ فيكون البعض حلوا‪ ،‬والبعض‬
‫حامضيا؛ والغصين الواحيد مين الشجرة قيد يختلف الثمير فييه مين الصيغر والكيبر واللون والمطعيم‪،‬‬
‫وإن انبسط الشمس والقمر على الجميع على نسق واحد؛ وفي هذا أدل دليل على وحدانيته وعظم‬
‫صمديته‪ ،‬والرشاد لمن ضل عن معرفته؛ فإنه نبه سبحانه بقوله‪" :‬تسقى بماء واحد" على أن ذلك‬
‫كله ليس إل بمشيئته وإرادته‪ ،‬وأنه مقدور بقدرته؛ وهذا أدل دليل على بطلن القول بالطبع؛ إذ لو‬
‫كان ذلك بالماء والتراب والفاعيل له الطبيعية لميا وقيع الختلف‪ .‬وقييل‪ :‬وجيه الحتجاج أنيه أثبيت‬
‫التفاوت بين البقاع؛ فمن تربة عذبة‪ ،‬ومن تربة سبخة مع تجاورهما؛ وهذا أيضا من دللت كمال‬
‫قدرته؛ جل وعز تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا‪.‬‬
‫@ ذهبيت الكفرة ‪ -‬لعنهيم ال ‪ -‬إلى أن كيل حادث يحدث بنفسيه ل مين صيانع؛ وادعوا ذلك فيي‬
‫الثمار الخارجية مين الشجار‪ ،‬وقيد أقروا بحدوثهيا‪ ،‬وأنكروا محدثهيا‪ ،‬وأنكروا العراض‪ .‬وقالت‬
‫فرقة‪ :‬بحدوث الثمار ل من صانع‪ ،‬وأثبتوا للعراض فاعل؛ والدليل على أن الحادث ل بد له من‬
‫محدث أنيه يحدث فيي وقيت‪ ،‬ويحدث ميا هيو مين جنسيه فيي وقيت آخير؛ فلو كان حدوثيه فيي وقتيه‬
‫لختصاصه به‪ ،‬لوجب أن يحدث في وقته كل ما هو من جنسه؛ وإذا بطل اختصاصه بوقته صح‬
‫أن اختصياصه بيه لجيل مخصيص خصيصه بيه‪ ،‬ولول تخصييصه إياه بيه لم يكين حدوثيه فيي وقتيه‬
‫أولى من حدوثه قبل ذلك أو بعده؛ واستيفاء هذا في علم الكلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجنا تٌ من أعناب" قرأ الحسن "وجنا تٍ" بكسر التاء‪ ،‬على التقدير‪ :‬وجعل فيها‬
‫جنات‪ ،‬فهو محمول على قوله‪" :‬وجعل فيها رواسي"‪ .‬ويجوز أن تكون مجرورة على الحمل على‬
‫"كل" التقدير‪ :‬ومن كل الثمرات‪ ،‬ومن جنات‪ .‬الباقون "جنات" بالرفع على تقدير‪ :‬وبينهما جنات‪.‬‬
‫"وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان" بالرفع‪ .‬ابن كثير وأبو عمرو وحفص عطفا على الجنات؛‬
‫أي على تقدييير‪ :‬وفيي الرض زرع ونخييل‪ .‬وخفضهييا الباقون نسيقا على العناب؛ فيكون الزرع‬
‫والنخيييل ميين الجنات؛ ويجوز أن يكون معطوفييا على "كييل" حسييب مييا تقدم فييي "وجنات"‪ .‬وقرأ‬
‫مجاهد والسلمي وغيرهما "صنوان" بضم الصاد‪ ،‬الباقون بالكسر؛ وهما لغتان؛ وهما جمع صنو‪،‬‬
‫وهييي النخلت والنخلتان‪ ،‬يجمعهيين أصييل واحييد‪ ،‬وتتشعييب منييه رؤوس فتصييير نخيل؛ نظيرهييا‬
‫قنوان‪ ،‬واحدهييا قنييو وروى أبييو إسييحاق عيين البراء قال‪ :‬الصيينوان المجتمييع‪ ،‬وغييير الصيينوان‬
‫المتفرق؛ النحاس‪ :‬وكذلك هيو فيي اللغية؛ يقال للنخلة إذا كانيت فيهيا نخلة أخرى أو أكثير صينوان‪.‬‬
‫والصنو المثيل؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬عيم الرجل صنو أبييه)‪ .‬ول فرق فيها بين‬
‫التثنية والجمع ول بالعراب؛ فتعرب نون الجمع‪ ،‬وتكسر نون التثنية؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫للمرء زين هما اجتمعا‬ ‫العلم والحلم خلتا كرم‬
‫إل بجمع ذا وذاك معا‬ ‫صنوان ل يستتم حسنهما‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسقى بماء واحد" كصالح بني آدم وخبيثهم؛ أبوهم واحد؛ قاله النحاس والبخاري‪.‬‬
‫وقرأ عاصيم وابين عامير‪" :‬يسيقى" بالياء‪ ،‬أي يسيقى ذلك كله‪ .‬وقرأ الباقون بالتاء‪ ،‬لقوله‪" :‬جنات"‬
‫واختاره أبيو حاتيم وأبيو عيبيدة؛ قال أبيو عمرو‪ :‬والتأنييث أحسين؛ "ونفضيل بعضهيا على بعيض فيي‬
‫الكيل" ولم يقيل بعضيه‪ .‬وقرأ حمزة والكسيائي وغيرهمييا "ويُ َفضّلي" بالياء ردا على قوله‪" :‬يدبر‬
‫المير" [الرعيد‪ ]2 :‬و"يفصيل" [الرعيد‪ ]2 :‬و"يغشيي" [الرعيد‪ ]3:‬الباقون بالنون على معنيى‪:‬‬
‫ونحين نفضيل‪ .‬وروى جابر بين عبدال قال‪ :‬سيمعت النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول لعلي رضيي‬
‫ال عنيه‪( :‬الناس مين شجير شتيى وأنيا وأنيت مين شجرة واحدة ثيم قرأ النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫"وفيي الرض قطيع متجاورات" حتيى بلغ قوله‪" :‬يسيقى بماء واحيد") و"الكيل" الثمير‪ .‬قال ابين‬
‫عباس‪ :‬يعنييي الحلو والحامييض والفارسييي والدقييل‪ .‬وروي مرفوعييا ميين حديييث أبييي هريرة (أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في قوله تعالى‪" :‬ونفضل بعضها على بعض في الكل" قال‪:‬‬
‫الفارسي والدقل والحلو والحامض) ذكره الثعلبي‪ .‬قال الحسن‪ :‬المراد بهذه الية المثل؛ ضربه ال‬
‫تعالى لبني آدم‪ ،‬أصلهم واحد‪ ،‬وهم مختلفون في الخير والشر‪ .‬واليمان والكفر‪ ،‬كاختلف الثمار‬
‫التي تسقى بماء واحد؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫منها شجر الصندل والكافور والبان‬ ‫الناس كالنبت والنبت ألوان‬
‫ومنها شجر ينضج طول الدهر قطران‬
‫"إن في ذلك ليات لقوم يعقلون" أي لعلمات لمن كان له قلب يفهم عن ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 5 :‬وإن تعجيب فعجيب قولهيم أئذا كنيا ترابيا أئنيا لفيي خلق جدييد أولئك الذيين كفروا‬
‫بربهم وأولئك الغلل في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تعجيب فعجيب قولهيم" أي إن تعجيب ييا محميد مين تكذيبهيم لك بعدميا كنيت‬
‫عندهييم الصييادق المييين فأعجييب منييه تكذيبهييم بالبعييث؛ وال تعالى ل يتعجييب‪ ،‬ول يجوز عليييه‬
‫التعجيب؛ لنيه تغيير النفيس بميا تخفيى أسيبابه‪ ،‬وإنميا ذكير ذلك ليتعجيب منيه نيبيه والمؤمنون‪ .‬وقييل‬
‫المعنيى‪ :‬أي إن عجبيت ييا محميد مين إنكارهيم العادة ميع إقرارهيم بأنيي خالق السيماوات والرض‬
‫والثمار المختلفيية ميين الرض الواحدة فقولهييم عجييب يعجييب منييه الخلق؛ لن العادة فييي معنييى‬
‫البتداء‪ .‬وقييل‪ :‬اليية فيي منكري الصيانع؛ أي إن تعجيب مين إنكارهيم الصيانع ميع الدلة الواضحية‬
‫بأن المتغير ل بد له من مغير فهو محل التعجب؛ ونظم الية يدل على الول والثاني؛ لقوله‪" :‬أئذا‬
‫كنيا ترابيا" أي انبعيث إذا كنيا ترابيا؟ !‪" .‬أئنيا لفيي خلق جدييد" وقرئ "إنيا"‪ .‬و"الغلل" جميع غيل؛‬
‫وهيو طوق تشيد بيه الييد إلى العنيق‪ ،‬أي يغلون يوم القيامية؛ بدلييل قوله‪" :‬إذ الغلل فيي أعناقهيم"‬
‫[غافر‪ ]71 :‬إلى قوله‪" :‬ثم في النار يسجرون" [غافر‪ .]72 :‬وقيل‪ :‬الغلل أعمالهم السيئة التي‬
‫هي لزمة لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلت وإن ربك لذو مغفرة‬
‫للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسيتعجلونك بالسييئة قبيل الحسينة" أي لفرط إنكارهيم وتكذيبهيم يطلبون العذاب؛‬
‫قييل هو قولهيم‪" :‬اللهيم إن كان هذا هيو الحيق مين عندك فأمطير علينيا حجارة مين السيماء" [النفال‪:‬‬
‫‪ .]32‬قال قتادة‪ :‬طلبوا العقوبية قبيل العافيية؛ وقيد حكيم سيبحانه بتأخيير العقوبية عين هذه المية إلى‬
‫يوم القيامة‪ .‬وقيل‪" :‬قبل الحسنة" أي قبل اليمان الذي يرجى به المان والحسنات‪" .‬وقد خلت من‬
‫قبلهم المثلت" العقوبات؛ الواحدة مثلة‪ .‬ورى عن العمش أنه قرأ "المثلت" بضم الميم وإسكان‬
‫الثاء؛ وهذا جمييع مثلة‪ ،‬ويجوز "المثلت" تبدل ميين الضميية فتحيية لثقلهييا‪ ،‬وقيييل‪ :‬يؤتييى بالفتحيية‬
‫عوضا من الهاء‪ .‬وروي عن العمش أنه قرأ "المثلت" بفتح الميم وإسكان الثاء؛ فهذا جمع مثلة‪،‬‬
‫ثيم حذف الضمية لثقلهيا؛ ذكره جميعيه النحاس رحميه ال‪ .‬وعلى قراءة الجماعية واحدة مثلة‪ ،‬نحيو‬
‫صدقة وصدقة؛ وتميم تضم الثاء والميم جميعا‪ ،‬واحدها على لغتهم مثلة‪ ،‬بضم الميم وجزم الثاء؛‬
‫مثل‪ :‬غرفة وغرفات‪ ،‬والفعل منه مثلت به أمثل مثل‪ ،‬بفتح الميم وسكون الثاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" أي لذو تجاوز‬
‫عين المشركيين إذا أمنوا‪ ،‬وعين المذنيبين إذا تابوا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬أرجيى آيية فيي كتاب ال تعالى‬
‫"وإن ربيك لذو مغفرة للناس على ظلمهيم"‪" .‬وإن ربيك لشدييد العقاب" إذا أصيروا على الكفير‪.‬‬
‫وروى حماد بين سيلمة عين علي بين زييد عين سيعيد بين المسييب قال‪ :‬لميا نزلت‪" :‬وإن ربيك لذو‬
‫مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لول عفو‬
‫ال ورحمته وتجاوزه لما َه َنأَ أحداً عيشٌ ولول عقابه ووعيده وعذابه لتكل كل أحد)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬ويقول الذين كفروا لول أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقول الذين كفروا لول" أي هل "أنزل عليه آية من ربه"‪ .‬لما اقترحوا اليات‬
‫وطلبوها قال ال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنما أنت منذر" أي معلم‪" .‬ولكل قوم هاد" أي‬
‫نبي يدعوهم إلى ال‪ .‬وقيل‪ :‬الهادي ال؛ أي عليك النذار‪ ،‬وال هادي‪ ،‬كل قوم إن أراد هدايتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 9 - 8 :‬ال يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد وكل شيء عنده‬
‫بمقدار‪ ،‬عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال يعلم ما تحمل كل أنثى" أي من ذكر وأنثى‪ ،‬صبيح وقبيح‪ ،‬صالح وطالح؛ وقد‬
‫تقدم في سورة "النعام" أن ال سبحانه منفرد بعلم الغيب وحده ل شريك له؛ وذكرنا هناك حديث‬
‫البخاري عين ابين عمير أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مفاتييح الغييب خميس) الحدييث‪.‬‬
‫وفييه (ل يعلم ميا تغييض الرحام إل ال)‪ .‬واختلف العلماء فيي تأوييل قوله‪" :‬وميا تغييض الرحام‬
‫وميا تزداد" فقال قتادة‪ :‬المعنيى ميا تسيقط قبيل التسيعة الشهير‪ ،‬وميا تزداد فوق التسيعة؛ وكذلك قال‬
‫ابن عباس‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬إذا حاضت المرأة في حملها كان ذلك نقصانا في ولدها؛ فإن زادت على‬
‫التسيعة كان تماميا لميا نقيص؛ وعنيه‪ :‬الغييض ميا تنقصيه الرحام مين الدم‪ ،‬والزيادة ميا تزداد منيه‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬الغييض والزياد‪ .‬يرجعان إلى الولد‪ ،‬كنقصيان إصيبع أو غيرهيا‪ ،‬وزيادة إصيبع أو غيرهيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الغيض انقطاع دم الحيض‪" .‬وما تزداد" بدم النفاس بعد الوضع‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على أن الحامل تحيض؛ وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه‪ .‬وقال‬
‫عطاء والشعبي وغيرهما‪ :‬ل تحيض؛ وبه قال أبو حنيفة؛ ودليله الية‪ .‬قال ابن عباس في تأويلها‪:‬‬
‫إنه‪ .‬حيض الحبالى‪ ،‬وكذلك روي عن عكرمة ومجاهد؛ وهو قول عائشة‪ ،‬وأنها كانت تفتي النساء‬
‫الحواميل إذا حضين أن يتركين الصيلة؛ والصيحابة إذ ذاك متوافرون‪ ،‬ولم ينكير منهيم أحيد عليهيا‪،‬‬
‫فصيار كالجماع؛ قاله ابين القصيار‪ .‬وذكير أن رجليين‪ ،‬تنازعيا ولدا‪ ،‬فترافعيا إلى عمير رضيي ال‬
‫عنيه فعرضيه على القافية‪ ،‬فألحقيه القافية بهميا‪ ،‬فعله عمير بالدرة‪ ،‬وسيأل نسيوة مين قرييش فقال‪:‬‬
‫انظرن ما شأن هذا الولد؟ فقلن‪ :‬إن الول خل بها وخلها‪ ،‬فحاضت على الحمل‪ ،‬فظنت أن عدتها‬
‫انقضت؛ فدخل بها الثاني‪ ،‬فانتعش الولد بماء الثاني؛ فقال عمر‪ :‬ال أكبر! وألحقه بالول‪ ،‬ولم يقل‬
‫إن الحامل ل تحيض‪ ،‬ول قال ذلك أحد من الصحابة؛ فدل أنه إجماع‪ ،‬وال أعلم‪ .‬واحتج المخالف‬
‫بأن قال لو كان الحامييل تحيييض‪ ،‬وكان مييا تراه المرأة ميين الدم حيضييا لمييا صييح اسييتبراء الميية‬
‫بحيض؛ وهو إجماع وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض‪.‬‬
‫@ فيي هذه اليية دلييل على أن الحاميل قيد تضيع حملهيا لقيل مين تسيعة أشهير والكثير‪ ،‬وأجميع‬
‫العلماء على أن أقيل الحميل سيتة أشهير‪ ،‬وأن عبدالملك‪ ،‬بين مروان ولد لسيتة أشهير‪ .‬وهذه السيتة‬
‫الشهر هي بالهلة كسائر أشهر الشريعة؛ ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك‪،‬‬
‫وأظنيه فيي كتاب ابين حارث أنيه إن نقيص عين الشهير السيتة ثلثية أيام فإن الولد يلحيق لعلة نقيص‬
‫الشهر وزيادتها؛ حكاه ابن عطية‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي أكثير الحميل؛ فروى ابين جرييج عين جميلة بنيت سيعد عين عائشية قالت‪:‬‬
‫يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل؛ ذكره الدارقطني‪ .‬وقالت جميلة بنت سعد‬
‫‪ -‬أخيت عبييد بين سيعد‪ ،‬وعين اللييث بين سيعد ‪ -‬إن أكثره ثلث سينين‪ .‬وعين الشافعيي أربيع سينين؛‬
‫وروي عين مالك فيي إحدى روايتييه‪ ،‬والمشهور عنيه خميس سينين؛ وروي عنيه ل حيد له‪ ،‬ولو زاد‬
‫على العشرة العوام؛ وهيي الروايية الثالثية عنيه‪ .‬وعين الزهري سيت وسيبع‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬ومين‬
‫الصحابة من يجعله إلى سبع؛ والشافعي‪ :‬مدة الغاية منها أربع سنين‪ .‬والكوفيون يقولون‪ :‬سنتان ل‬
‫غير‪ .‬ومحمد بن عبدالحكم يقول‪ :‬سنة ل أكثر‪ .‬وداود يقول‪ :‬تسعة أشهر‪ ،‬ل يكون عنده حمل أكثر‬
‫منهيا‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬وهذه مسيألة ل أصيل لهيا إل الجتهاد‪ ،‬والرد إلى ميا عرف مين أمير النسياء‬
‫وبال التوفييق‪ .‬روى الدارقطنيي عين الولييد بين مسيلم قال‪ :‬قلت لمالك ابين أنيس إنيي حدثيت عين‬
‫عائشية أنهيا قالت‪ :‬ل تزييد المرأة فيي حملهيا على سينتين قدر ظيل المغزل‪ ،‬فقال‪ :‬سيبحان ال! مين‬
‫يقول هذا؟ ! هذه جارتنيا امرأة محميد بين عجلن‪ ،‬تحميل وتضيع فيي أربيع سينين‪ ،‬امرأة صيدق‪،‬‬
‫وزوجها رجل صدق؛ حملت ثلثة أبطن في اثنتي عشرة سنة‪ ،‬تحمل كل بطن أربع سنين‪ .‬وذكره‬
‫عين المبارك ابن مجاهيد قال‪ :‬مشهور عندنيا كانيت امرأة محميد بن عجلن تحميل وتضيع فيي أربيع‬
‫سنين‪ ،‬وكانت تسمى حاملة الفيل‪ .‬وروى أيضا قال‪ :‬بينما مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل‬
‫فقال‪ :‬ييا أبيا يحييى! ادع لمرأة حبلى منيذ أربيع سينين قيد أصيبحت فيي كرب شدييد؛ فغضيب مالك‬
‫وأطبيق المصيحف ثيم قال‪ :‬ميا يرى هؤلء القوم إل أنيا أنيبياء! ثيم قرأ‪ ،‬ثيم دعيا‪ ،‬ثيم قال‪ :‬اللهيم هذه‬
‫المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها الساعة‪ ،‬وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلما‪،‬‬
‫فإنك تمحو ما تشاء وتثبت‪ ،‬وعندك أم الكتاب‪ ،‬ورفع مالك يده‪ ،‬ورفع الناس أيديهم‪ ،‬وجاء الرسول‬
‫إلى الرجييل فقال‪ :‬أدرك امرأتييك‪ ،‬فذهييب الرجييل‪ ،‬فمييا حييط مالك يده حتييى طلع الرجييل ميين باب‬
‫المسجد على رقبته غلم جعد قطط‪ ،‬ابن أربع سنين‪ ،‬قد استوت أسنانه‪ ،‬ما قطعت سراره؛ وروي‬
‫أيضيا أن رجل جاء إلى عمير بين الخطاب فقال‪ :‬ييا أميير المؤمنيين! إنيي غبيت عين امرأتيي سينتين‬
‫فجئت وهيي حبلى؛ فشاور عمير الناس فيي رجمهيا‪ ،‬فقال معاذ بين جبيل‪ :‬ييا أميير المؤمنيين! إن كان‬
‫لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل؛ فاتركها حتى تضع‪ ،‬فتركها‪ ،‬فوضعت غلما قد‬
‫خرجيت ثنيتاه؛ فعرف الرجيل الشبيه فقال‪ :‬ابنيي ورب الكعبية!؛ فقال عمير‪ :‬عجزت النسياء أن يلدن‬
‫مثيل معاذ؛ لول معاذ لهلك عمير‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬وضعتنيي أميي وقيد حملت بيي فيي بطنهيا سينتين‪،‬‬
‫فولدتني وقد خرجت سني‪ .‬ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين‪ ،‬وقيل‪ :‬ثلث سنين‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إن محميد بين عجلن مكيث فيي بطين أميه ثلث سينين‪ ،‬فماتيت بيه وهيو يضطرب اضطرابيا‬
‫شديدا‪ ،‬فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه‪ .‬وقال حماد بن سلمة‪ :‬إنما سمي هرم بن حيان هرما‬
‫لنه بقي في بطن أمه أربع سنين‪ .‬وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين‪ ،‬وقد طلعت سنه فسمي‬
‫ضحاكا‪ .‬وقال عباد بن العوام‪ :‬ولدت جارة لنا لربع سنين غلما شعره إلى منكبيه‪ ،‬فمير به طيير‬
‫فقال‪ :‬كش‪.‬‬
‫@ قال ابين خوييز منداد‪ :‬أقيل الحييض والنفاس وأكثره وأقيل الحميل وأكثره مأخوذ مين طرييق‬
‫الجتهاد؛ لن علم ذلك اسيتأثر ال بيه‪ ،‬فل يجوز أن يحكيم فيي شييء منيه إل بقدر ميا أظهره لنيا‪،‬‬
‫ووجيد ظاهرا فيي النسياء نادرا أو معتادا؛ ولميا وجدنيا امرأة قيد حملت أربيع سينين وخميس سينين‬
‫حكمنيا بذلك‪ ،‬والنفاس والحييض لميا لم نجيد فييه أمرا مسيتقرا رجعنيا فييه إلى ميا يوجيد فيي النادر‬
‫منهن‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬نقل بعض المتساهلين من المالكيين أن أكثر الحمل تسعة أشهر؛ وهذا ما لم‬
‫ينطييق بييه قييط إل هالكييي‪ ،‬وهييم الطبائعيون الذييين يزعمون أن مدبر الحمييل فييي الرحييم الكواكييب‬
‫السييبعة؛ تأخذه شهرا شهرا‪ ،‬ويكون الشهيير الرابييع منهييا للشمييس؛ ولذلك يتحرك ويضطرب‪ ،‬وإذا‬
‫تكاميل التداول فيي السيبعة الشهير بيين الكواكيب السيبعة عاد فيي الشهير الثامين إلى زحيل‪ ،‬فيبقله‬
‫ببرده؛ فيا ليتني تمكنت من مناظرتهم أو مقاتلتهم! ما بال المرجع بعد تمام الدور يكون إلى زحل‬
‫دون غيره؟ ال أخييبركم بهذا أم على ال تفترون؟ ! وإذا جاز أن يعود إلى اثنييين منهييا لم ل يجوز‬
‫أن يعود التدبير إلى ثلث أو أربع‪ ،‬أو يعود إلى جميعها مرتين أو ثلثا؟ ! ما هذا التحكم بالظنون‬
‫الباطلة على المور الباطنة!‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكيل شييء عنده بمقدار" يعنيي مين النقصيان والزيادة‪ .‬ويقال‪" :‬بمقدار" قدر‬
‫خروج الولد مين بطين أميه‪ ،‬وقيد مكثيه فيي بطنهيا إلى خروجيه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬فيي الرزق والجيل‪.‬‬
‫والمقدار القدر؛ وعموم الية يتناول كل ذلك‪ ،‬وال سبحانه أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الية تمدح ال سبحانه وتعالى بها بأنه "عالم الغيب والشهادة" أي هو عالم بما غاب‬
‫عين الخلق‪ ،‬وبميا شهدوه‪ .‬فالغييب مصيدر بمعنيى الغائب‪ .‬والشهادة مصيدر بمعنيى الشاهيد؛ فنبيه‬
‫سبحانه على انفراده بعلم الغيب‪ ،‬والحاطة بالباطن الذي يخفى على الخلق‪ ،‬فل يجوز أن يشاركه‬
‫في ذلك أحد؛ فأما أهل الطب الذين يستدلون بالمارات والعلمات فإن قطعوا بذلك فهو كفر‪ ،‬وإن‬
‫قالوا إنهييا تجربيية تركوا ومييا هييم عليييه‪ ،‬ولم يقدح ذلك فييي الممدوح؛ فإن العادة يجوز انكسييارها‪،‬‬
‫والعلم ل يجوز تبدله‪ .‬و"الكبير" الذي كل شيء دونه‪" .‬المتعال" عما يقول المشركون‪ ،‬المستعلي‬
‫على كل شيء بقدرته وقهره؛ وقد ذكرناهما في شرح السماء مستوفى‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 10 :‬سيواء منكيم مين أسير القول ومين جهير بيه ومين هيو مسيتخف باللييل وسيارب‬
‫بالنهار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سواء منكم من أسر القول ومن جهر به" إسرار القول‪ :‬ما حدث به المرء نفسه‪،‬‬
‫والجهر ما حدث به غيره؛ والمراد بذلك أن ال سبحانه يعلم ما أسره النسان من خير وشر‪ ،‬كما‬
‫يعلم ما جهر به من خير وشر‪ .‬و"منكم" يحتمل أن يكون وصفا لي " سواء" التقدير‪ :‬سير من أسر‬
‫وجهر من جهر سواء منكم؛ ويجوز أن يتعلق "بسواء" على معنى‪ :‬يستوي منكم‪ ،‬كقولك‪ :‬مررت‬
‫بزييد‪ .‬ويجوز أن يكون على تقديير‪ :‬سير مين أسير منكيم وجهير مين جهير منكيم‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫التقديير‪ :‬ذو سيواء منكيم مين أسير القول ومين جهير بيه‪ ،‬كميا تقول‪ :‬عدل زييد وعمرو أي ذوا عدل‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬سيواء" أي مسيتو‪ ،‬فل يحتاج إلى تقديير حذف مضاف‪" .‬ومين هيو مسيتخف باللييل وسيارب‬
‫بالنهار" "بالنهار" أي يسيتوي فيي علم ال السير والجهير‪ ،‬والظاهير فيي الطرقات‪ ،‬والمسيتخفي فيي‬
‫الظلمات‪ .‬وقال الخفييش وقطرب‪ :‬المسييتخفي بالليييل الظاهيير؛ ومنييه خفيييت الشيييء وأخفيتييه أي‬
‫أظهرته؛ وأخفيت الشيء أي استخرجته؛ ومنه قيل للنباش‪ :‬المختفي‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫خفاهن ودق من عشي مجلب‬ ‫خفاهن من أنفاقهن كأنما‬
‫والسارب المتواري‪ ،‬أي الداخل سربا؛ ومنه قولهم‪ :‬انسرب الوحشي إذا دخل في كناسه‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪" :‬مستخف" مستتر‪" ،‬وسارب" ظاهر‪ .‬مجاهد‪" :‬مستخف" بالمعاصي‪" ،‬وسارب" ظاهر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬معنى "سارب" ذاهب؛ قال الكسائي‪ :‬سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫ونحن خلعنا قيدة فهو سارب‬ ‫وكل أناس قاربوا قيد فحلهم‬
‫أي ذاهب‪ .‬وقال أبو رجاء‪ :‬السارب الذاهب على وجهه في الرض؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫أني سربت وكنت غير سروب‬
‫وقال القتيبي‪" :‬سيارب بالنهار" أي منصيرف فيي حوائجيه بسيرعة؛ مين قولهيم‪ :‬أنسيرب الماء‪ .‬وقال‬
‫الصمعي‪ :‬خل سربه أي طريقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر ال إن ال ل يغير ما بقوم‬
‫حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد ال بقوم سوء فل مرد له وما لهم من دونه من وال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له معقبات" قوله تعالى‪" :‬له معقبات" أي ل ملئكة يتعاقبون بالليل والنهار؛ فإذا‬
‫صيعدت ملئكية اللييل أعقبتهيا ملئكية النهار‪ .‬وقال‪" :‬معقبات" والملئكية ذكران لنيه جميع معقبية؛‬
‫يقال‪ :‬ملك معقيب‪ ،‬وملئكية معقبية‪ ،‬ثيم معقبات جميع الجميع‪ .‬وقرأ بعضهيم ‪" -‬له معاقييب مين بيين‬
‫يديه ومن خلفه"‪ .‬ومعاقيب جمع معقب؛ وقيل للملئكة معقبة على لفظ الملئكة وقيل‪ :‬أنث لكثرة‬
‫ذلك منهيم؛ نحيو نسيابة وعلمية وراويية؛ قال الجوهري وغيره‪ .‬والتعقيب العود بعيد البدء؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬ولى مدبرا ولم يعقيب" [النميل‪ ]10 :‬أي لم يرجيع؛ وفيي الحدييث‪( :‬معقبات ل يخييب‬
‫قائلهين ‪ -‬أو ‪ -‬فاعلهين) فذكير التسيبيح والتحمييد والتكيبير‪ .‬قال أبيو الهيثيم‪ :‬سيمين "معقبات" لنهين‬
‫عادت مرة بعد مرة‪ ،‬فعل من عمل عمل ثم عاد إليه فقد عقب‪ .‬والمعقبات من البل اللواتي يقمن‬
‫عند أعجاز البل المعتركات على الحوض؛ فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى‪ .‬وقوله‪" :‬من‬
‫بين يديه ومن خلفه" أي المستخفي بالليل والسارب بالنهار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحفظونيه مين أمير ال" اختلف فيي هذا الحفيظ؛ فقييل‪ :‬يحتميل أن يكون توكييل‬
‫الملئكية بهيم لحفظهيم مين الوحوش والهوام والشياء المضرة‪ ،‬لطفيا منيه بيه‪ ،‬فإذا جاء القدر‪ .‬خلوا‬
‫بينيه وبينيه؛ قال ابين عباس وعلي بين أبيي طالب رضيي ال عنهميا‪ .‬قال أبيو مجلز‪ :‬جاء رجيل مين‬
‫مراد إلى علي فقال‪ :‬احترس فإن ناسييا ميين مراد يريدون قتلك؛ فقال‪ :‬إن مييع كييل رجييل ملكييين‬
‫يحفظانيه ميا لم يقدر‪ ،‬فإذا جاء القدر خلييا بينيه وبيين قدر ال‪ ،‬وإن الجيل حصين حصيينة؛ وعلى‬
‫هذا‪" ،‬يحفظونيه مين أمير ال" أي بأمير ال وبإذنيه؛ فيي "مين" بمعنيى الباء؛ وحروف الصيفات يقوم‬
‫بعضهيا مقام بعيض‪ .‬وقييل‪" :‬مين" بمعنيى عين؛ أي يحفظونيه عين أمير ال‪ ،‬وهذا قرييب مين الول؛‬
‫أي حفظهييم عيين أميير ال ل مين عنييد أنفسييهم؛ وهذا قول الحسيين؛ تقول‪ :‬كسييوته عيين عري وميين‬
‫عري؛ ومنه قوله عز وجل‪" :‬أطعمهم من جوع" [قريش‪ ]4 :‬أي عن جوع‪ .‬وقيل‪ :‬يحفظونه من‬
‫ملئكة العذاب‪ ،‬حتى ل تحل به عقوبة؛ لن ال ل يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما‬
‫بأنفسيهم بالصيرار على الكفير‪ ،‬فإن أصيروا حان الجيل المضروب ونزلت بهيم النقمية‪ ،‬وتزول‬
‫عنهم الحفظة المعقبات‪ .‬وقيل‪ :‬يحفظونه من الجن؛ قال كعب‪ :‬لول أن ال وكل بكم ملئكة يذبون‬
‫عنكيم فيي مطعمكيم ومشربكيم وعوراتكيم لتخطفتكيم الجين‪ .‬وملئكية العذاب مين أمير ال؛ وخصيهم‬
‫بأن قال‪" :‬من أمر ال" لنهم غير معاينين؛ كما قال‪" :‬قل الروح من أمر ربي" [السراء‪]85 :‬‬
‫أي لييس مميا تشاهدونيه أنتيم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬فيي الكلم تقدييم وتأخيير‪ ،‬تقديره‪ ،‬له معقبات مين أم ال‬
‫من بين يديه ومن خلفه يحفظونه‪ .‬وهو مروي عن مجاهد وابن جريج والنخعي؛ وعلى أن ملئكة‬
‫العذاب والجين مين أمير ال ل تقدييم فييه ول تأخيير‪ .‬وقال ابين جرييج‪ :‬إن المعنيى يحفظون علييه‬
‫عمله؛ فحذف المضاف‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يكتبون أقواله وأفعاله‪ .‬ويجوز إذا كانيت المعقبات الملئكية أن‬
‫تكون الهاء في "له" ل عز وجل‪ ،‬كما ذكرنا؛ ويجوز أن تكون للمستخفي‪ ،‬فهذا قول‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬له معقبات من بين يديه ومن خلفه" يعني به النبي صلى ال عليه وسلم؛ أي أن الملئكة‬
‫تحفظه من أعدائه؛ وقد جرى ذكر الرسول في قوله‪" :‬لول أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر"‬
‫[الرعيد‪ ]7 :‬أي سيواء منكيم مين أسير القول ومين جهير بيه فيي أنيه ل يضير النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ ،‬بل له معقبات يحفظونه عليه السلم؛ ويجوز أن يرجع هذا إلى جميع الرسل؛ لنه قد قال‪:‬‬
‫"ولكل قوم هاد" [الرعد‪ ]7 :‬أي يحفظون الهادي من بين يديه ومن خلفه‪ .‬وقول رابع‪ :‬أن المراد‪.‬‬
‫بالية السلطين والمراء الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم؛ فإذا جاء أمر ال لم‬
‫يغنوا عنهيم مين ال شيئا؛ قال ابين عباس وعكرمية؛ وكذلك قال الضحاك‪ :‬هيو السيلطان المتحرس‬
‫مين أمير ال‪ ،‬المشرك‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن فيي الكلم على هذا التأوييل نفييا محذوفيا‪ ،‬تقديره‪ :‬ل يحفظونيه‬
‫من أمر ال تعالى‪ ،‬ذكره الماوردي‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومن جعل المعقبات الحرس فالمعنى‪ :‬يحفظونه‬
‫مين أمير ال على ظنيه وزعميه‪ .‬وقييل‪ :‬سيواء مين أسير القول ومين جهير بيه فله حراس وأعوان‬
‫يتعاقبون عليه فيحملونه على المعاصي‪ ،‬ويحفظونه من أن ينجع فيه وعظ؛ قال القشيري‪ :‬وهذا ل‬
‫يمنع الرب من المهال إلى أن يحق العذاب؛ وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الصرار‬
‫فيصيير ذلك سيببا للعقوبة؛ فكأنيه الذي يحيل العقوبة بنفسيه؛ فقوله‪" :‬يحفظونيه مين أمير ال" أي مين‬
‫امتثال أمير ال‪ .‬وقال عبدالرحمين بين زييد‪ :‬المعقبات ميا يتعاقيب مين أمير ال تعالى وقضائه فيي‬
‫عباده؛ قال الماوردي‪ :‬وميين قال بهذا القول ففييي تأويييل قوله‪" :‬يحفظونييه ميين أميير ال" وجهان‪:‬‬
‫أحدهميا‪ :‬يحفظونيه مين الموت ميا لم يأت أجيل؛ قاله الضحاك‪ .‬الثانيي‪ :‬يحفظونيه مين الجين والهوام‬
‫المؤذية‪ ،‬ما لم يأت قدر؛ ‪ -‬قاله أبو أمامة وكعب الحبار ‪ -‬فإذا جاء المقدور خلوا عنه؛ والصحيح‬
‫أن المعقبات الملئكيية‪ ،‬وبييه قال الحسيين ومجاهييد وقتادة وابيين جريييج؛ وروي عيين ابيين عباس‪،‬‬
‫واختاره النحاس‪ ،‬واحتيج بقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يتعاقبون فيكيم ملئكية باللييل وملئكية‬
‫بالنهار) الحديث‪ ،‬رواه الئمة‪.‬‬
‫وروى الئمة عن عمرو عن ابن عباس قرأ ‪" -‬معقبات من بين يديه ووقباء من خلفه من أمر ال‬
‫يحفظونه" فهذا قد بين المعنى‪ .‬وقال كنانة العدوي‪ :‬دخل عثمان رضيي ال عنه على النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال! أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال‪( :‬ملك عن يمينك يكتب‬
‫الحسينات وآخير عين الشمال يكتيب السييئات والذي على اليميين أميير على الذي على الشمال فإذا‬
‫عملت حسينة كتبيت عشرا وإذا عملت سييئة قال الذي على الشمال للذي على اليميين أأكتيب قال ل‬
‫لعله يستغفر ال تعالى أو يتوب إليه فإذا قال ثلثا قال نعم اكتب أراحنا ال تعالى منه فبئس القرين‬
‫هو ما أقل مراقبته ل عز وجل وأقل استحياءه منا يقول ال تعالى "ما يلفظ من قول إل لديه رقيب‬
‫عتيد" [ق‪ ]18 :‬وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول ال تعالى "له معقبات من بين يديه ومن‬
‫خلفه يحفظونه من أمر ال" وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت ل رفعك وإذا تجبرت على‬
‫ال قصيمك وملكان على شفتييك ولييس يحفظان علييك إل الصيلة على محميد وآله وملك قاسيم على‬
‫فيييك ل يدع أن تدخييل الحييية فييي فيييك وملكان على عينيييك فهؤلء عشرة أملك على كييل آدمييي‬
‫يتداولون ملئكية اللييل على ملئكية النهار لن ملئكية اللييل ليسيوا بملئكية النهار فهؤلء عشرون‬
‫ملكا على كل آدمي وإبليس مع ابن آدم بالنهار وولده بالليل)‪ .‬ذكره الثعلبي‪ .‬قال الحسن‪ :‬المعقبات‬
‫أربعيية أملك يجتمعون عنييد صييلة الفجيير‪ .‬واختيار الطييبري‪ :‬أن المعقبات المواكييب بييين أيدي‬
‫المراء وخلفهييم؛ والهاء فييي "له" لهيين؛ على مييا تقدم‪ .‬وقال العلماء رضوان ال عليهييم‪ :‬إن ال‬
‫سبحانه جعل أوامره على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬قضى حلوله ووقوعه بصاحبه؛ فذلك ل يدفعه أحد ول‬
‫يغيره‪ .‬والخيير‪ :‬قضييى مجيئه ولم يقييض حلوله ووقوعييه‪ ،‬بييل قضييى صييرفه بالتوبيية والدعاء‬
‫والصدقة والحفظ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أخبر ال تعالى في هذه الية أنه‬
‫ل يغيير ميا بقوم حتيى يقيع منهيم تغييير‪ ،‬إميا منهيم أو مين الناظير لهيم‪ ،‬أو ممين هيو منهيم بسيبب؛ كميا‬
‫غيير ال بالمنهزميين يوم أحيد بسيبب تغييير الرماة بأنفسيهم‪ ،‬إلى غيير هذا مين أمثلة الشريعية؛ فلييس‬
‫معنى الية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إل بأن يتقدم منه ذنب‪ ،‬بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير؛‬
‫كميا قال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬وقيد(سيئل أنهلك وفينيا الصيالحون؟ قال‪ :‬نعيم إذا كثير الخبيث)‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا أراد ال بقوم سوءا" أي هلكا وعذابا‪" ،‬فل مرد له" وقيل‪ :‬إذا أراد بهم بلء‬
‫مين أمراض وأسيقام فل مرد لبلئه‪ .‬وله‪ :‬إذا أراد ال بقوم سوءا أعميى أبصيارهم حتيى يختاروا ميا‬
‫فييه البلء ويعملوه؛ فيمشون إلى هلكهيم بأقدامهيم‪ ،‬حتيى يبحيث أحدهيم عين حتفيه بكفيه‪ ،‬ويسيعى‬
‫بقدميه إلى إراقية دميه‪" .‬وميا لهيم مين دونيه مين وال" أي ملجيأ؛ وهيو معنيى قول السيدي‪ .‬وقييل‪ :‬مين‬
‫ناصر يمنعهم من عذابه؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫ما في السماء سوى الرحمن من وال‬
‫ووال وولي كقادر وقدير‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 13 - 12 :‬هيو الذي يريكيم البرق خوفيا وطمعيا وينشيئ السيحاب الثقال‪ ،‬ويسيبح‬
‫الرعيد بحمده والملئكية مين خيفتيه ويرسيل الصيواعق فيصييب بهيا مين يشاء وهيم يجادلون فيي ال‬
‫وهو شديد المحال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هييو الذي يريكييم البرق خوفييا وطمعييا وينشييئ السييحاب الثقال" أي بالمطيير‪.‬‬
‫"السيحاب" جميع‪ ،‬والواحدة سيحابة‪ ،‬وسيحب وسيحائب فيي الجميع أيضيا‪" .‬ويسيبح الرعيد بحمده‬
‫والملئكيية ميين خيفتييه" قييد مضييى فييي "البقرة" القول فييي الرعييد والبرق والصييواعق فل معنييى‬
‫للعادة؛ والمراد بالية بيان كمال قدرته؛ وأن تأخير العقوبة ليس عن عجز؛ أي يربكم البرق في‬
‫السيماء خوفيا للمسيافر؛ فإنيه يخاف أذاه لميا ينال مين المطير والهول والصيواعق؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"أذى من مطر" [النساء‪ ]102 :‬وطمعا للحاضر أن يكون عقبه مطر وخصب؛ قال معناه قتادة‬
‫ومجاهيد وغيرهميا‪ .‬وقال الحسين‪ :‬خوفيا مين صيواعق البرق‪ ،‬وطمعيا فيي غيثيه المزييل للقحيط‪.‬‬
‫"وينشئ السحاب الثقال" قال مجاهد‪ :‬أي بالماء‪" .‬ويسبح الرعد بحمده" من قال إن الرعد صوت‬
‫السيحاب فيجوز أن يسيبح الرعيد بدلييل خلق الحياة فييه؛ ودلييل‪ ،‬صيحة هذا القول قوله‪" :‬والملئكية‬
‫مين خيفتيه" فلو كان الرعيد ملكيا لدخيل فيي جملة الملئكية‪ .‬ومين قال إنيه ملك قال‪ :‬معنيى‪" .‬مين‬
‫خيفتييه" ميين خيفيية ال؛ قاله الطييبري وغيره‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬إن الملئكيية خائفون ميين ال ليييس‬
‫كخوف ابن آدم؛ ل يعرف واحدهم من على يمينه ومن على يساره‪ ،‬ل يشغلهم عن عبادة ال طعام‬
‫ول شراب؛ وعنيه قال‪ :‬الرعيد ملك يسيوق السيحاب‪ ،‬وإن بخار الماء لفيي نقرة إبهاميه‪ ،‬وإنيه موكيل‬
‫بالسيحاب يصيرفه حييث يؤمير‪ ،‬وإنيه يسيبح ال؛ فإذا سيبح الرعيد لم يبيق ملك فيي السيماء إل رفيع‬
‫صيوته بالتسيبيح‪ ،‬فعندهيا ينزل القطير‪ ،‬وعنيه أيضيا كان إذا سيمع صيوت الرعيد قال‪ :‬سيبحان الذي‬
‫سبحت له‪ .‬وروى مالك عن عامر بن عبدال عن أبيه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال‪ :‬سبحانه‬
‫الذي يسح الرعد بحمده والملئكة من خيفته‪ ،‬ثم يقول‪ :‬إن هذا وعيد لهل الرض شديد‪ .‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫ملك جالس على كرسي بين السماء والرض‪ ،‬وعن يمينه سبعون ألف ملك وعن يساره مثل ذلك؛‬
‫فإذا أقبيل على يمينيه وسيبح سيبح الجمييع مين خوف ال‪ ،‬وإذا أقبيل على يسياره وسيبح سيبح الجمييع‬
‫من خوف ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويرسيل الصيواعق فيصييب بهيا من يشاء" ذكير الماوردي عن ابين عباس وعلي‬
‫بين أبيي طالب ومجاهيد‪ :‬نزلت فيي يهودي قال للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬أخيبرني! مين أي شييء‬
‫ربك؛ أمن لؤلؤ أم من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأحرقته‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في بعض كفار العرب؛ قال‬
‫الحسين‪( :‬كان رجيل مين طواغييت العرب بعيث النيبي صيلى ال علييه وسيلم نفرا يدعونيه إلى ال‬
‫ورسوله والسلم فقال لهم‪ :‬أخبروني عن رب محمد ما هو‪ ،‬ومم هو‪ ،‬أمن فضة أم من حديد أم‬
‫نحاس؟ فاسيتعظم القوم مقالتيه؛ فقال‪ :‬أجييب محمدا إلى رب ل يعرفيه! فبعيث النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم إليه مرارا وهو يقول مثل هذا؛ فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق‬
‫رؤوسييهم‪ ،‬فرعدت وأبرقييت ورمييت بصيياعقة‪ ،‬فأحرقييت الكافيير وهييم جلوس؛ فرجعوا إلى النييبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فاسيتقبلهم بعيض أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أحترق‬
‫صيياحبكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ميين أييين علمتييم؟ قالوا‪ :‬أوحييى ال إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪" .‬ويرسييل‬
‫الصييواعق فيصيييب بهييا ميين يشاء")‪ .‬ذكره الثعلبييي عيين الحسيين؛ والقشيري بمعناه عيين أنييس‪،‬‬
‫وسيأتي‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت الية في أربد بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة‪ ،‬وفي عامر بن الطفيل؛ قال ابن‬
‫عباس‪( :‬أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبي صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫فييي المسيجد جالس فييي نفير مين أصيحابه‪ ،‬فدخل المسييجد‪ ،‬فاسييتشرف الناس لجمال عامير وكان‬
‫أعور‪ ،‬وكان من أجميل الناس؛ فقال رجيل من أصيحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬هذا يا رسيول‬
‫ال عامير بين الطفييل قيد أقبيل نحوك؛ فقال‪( :‬دعيه فإن يرد ال بيه خيرا يهده) فأقبيل حتيى قام علييه‬
‫فقال؛ يا محمد مالي إن أسلمت؟ فقال‪( :‬لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين)‪ .‬قال‪ :‬أتجعل لي‬
‫الميير ميين بعدك؟ قال‪( :‬ليييس ذاك إلي إنمييا ذلك إلى ال يجعله حيييث يشاء)‪ .‬قال‪ :‬أفتجعلنييي على‬
‫الوبر وأنت على المدر؟ قال‪( :‬ل)‪ .‬قال‪ :‬فما تجعل لي؟ قال‪( :‬أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها في‬
‫سبيل ال)‪ .‬قال‪ :‬أو ليس لي أعنة الخيل اليوم؟ قم معي أكلمك‪ ،‬فقام معه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكان عامر أومأ إلى أربد‪ :‬إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف‪ ،‬فجعل يخاصم‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم ويراجعيه؛ فاخترط أربيد مين سييفه شيبرا ثيم حبسيه ال‪ ،‬فلم يقدر على‬
‫سله‪ ،‬ويبست يده على سيفه؛ وأرسل ال عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته؛ وولى عامر‬
‫هاربيا وقال‪ :‬ييا محميد! دعوت ربيك على أربيد حتيى قتلتيه؛ وال لملنهيا علييك خيل جردا‪ ،‬وفتيانيا‬
‫مردا؛ فقال عليه السلم‪( :‬يمنعك ال من ذلك وأبناء قيلة) يعني الوس والخزرج؛ فنزل عامر بيت‬
‫امرأة سييلولية؛ وأصييبح وهييو يقول‪ :‬وال لئن أصييحر لي محمييد وصيياحبه ‪ -‬يريييد ملك الموت ‪-‬‬
‫لنفذتهميا برمحيي؛ فأرسيل ال ملكيا فلطميه بجناحيه فأذراه فيي التراب؛ وخرجيت على ركبتيه غدة‬
‫عظيمة في الوقت؛ فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول‪ :‬غدة كغدة البعير‪ ،‬وموت في بيت سلولية؛ ثم‬
‫ركب على فرسه فمات على ظهره)‪ .‬ورثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد فقال‪:‬‬
‫ينا وقام الخصوم في كبد‬ ‫يا عين هل بكيت أربد إذ قمي‬
‫أرهب نوء السماك والسد‬ ‫أخشى على أربد الحتوف ول‬
‫رس يوم الكريهة النجد‬ ‫فجعني الرعد والصواعق بالفا‬
‫وفيه قال‪:‬‬
‫فقدان كل أخ كضوء الكوكب‬ ‫إن الرزية ل رزية مثلها‬
‫أفردتني أمشي بقرن أعضب‬ ‫يا أربد الخير الكريم جدوده‬
‫وأسلم لبيد بعد ذلك رضي ال عنه‪.‬‬
‫مسيألة‪ :‬روى أبان عن أنيس قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تأخيذ الصياعقة ذاكرا‬
‫ل عيز وجيل)‪ .‬وقال أبيو هريرة رضيي ال عنيه‪( :‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا سيمع صيوت‬
‫الرعيد يقول‪ :‬سيبحان مين يسيبح الرعيد بحمده والملئكية مين خيفتيه وهيو على كيل شييء قديير فإن‬
‫أصيابته صياعقة فعلي ديتيه)‪ .‬وذكير الخطيب مين حديث سليمان بين علي بن عبدال بن عباس عن‬
‫أبييه عين جده قال‪ :‬كنيا ميع عمير فيي سيفر فأصيابنا رعيد وبرد‪ ،‬فقال لنيا كعيب‪ :‬مين قال حيين يسيمع‬
‫الرعد‪ :‬سبحان من يسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ثلثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد؛‬
‫ففعلنيا فعوفينيا؛ ثيم لقييت عمير بين الخطاب رضيى ال عنيه فإذا بردة قيد أصيابت أنفيه فأثرت بيه‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ييا أميير المؤمنيين ميا هذا؟ قال بردة أصيابت أنفيي فأثرت‪ ،‬فقلت‪ :‬إن كعبيا حيين سيمع الرعيد‬
‫قال لنا‪ :‬من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ثلثا عوفي‬
‫مما يكون في ذلك الرعد؛ فقلنا فعوفينا؛ فقال عمر‪ :‬أفل قلتم لنا حتى نقولها؟ وقد تقدم هذا المعنى‬
‫في "البقرة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهم يجادلون في ال" يعني جدال اليهودي حين سأل عن ال تعالى‪ :‬من أي شيء‬
‫هيو؟ قال مجاهيد‪ .‬وقال ابين جرييج‪ :‬جدال أربيد فيميا هيم بيه مين قتيل النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون‪" ،‬وهم يجادلون في ال" حال‪ ،‬ويجوز أن يكون منقطعا‪ .‬وروى أنس (أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بعث إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى ال عز وجل‪ ،‬فقال لرسول ال‪:‬‬
‫أخبرني عن إلهك هذا؟ أهو من فضة أم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك؛ فرجع إليه فأعلمه؛‬
‫فقال‪ :‬ارجع إليه فادعه فرجع إليه وقد أصابته صاعقة‪ ،‬وعاد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وقييد نزل‪" :‬وهييم يجادلون فييي ال" "وهييو شديييد المحال" قال ابيين العرابييي‪" :‬المحال" المكيير‪،‬‬
‫والمكير مين ال عيز وجيل التدبيير بالحيق‪ .‬النحاس‪ :‬المكير مين ال إيصيال المكروه إلى مين يسيتحقه‬
‫ميين حيييث ل يشعيير‪ .‬وروى ابيين اليزيدي عيين أبييي زيييد "وهييو شديييد المحال" أي النقميية‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪" :‬المحال" أي القوة والشدة‪ .‬والمحييل‪ :‬الشدة؛ الميييم أصييلية‪ ،‬ومييا حلت فلنييا محال أي‬
‫قاويتييه حتييى يتييبين أينييا أشييد‪ .‬وقال أبييو عبيييد‪" :‬المحال" العقوبيية والمكروه‪ .‬وقال ابيين عرفيية‪:‬‬
‫"المحال" الجدال؛ يقال‪ :‬ميا حيل عين أمره أي جادل‪ .‬وقال القتييبي‪ :‬أي شدييد الكييد؛ وأصيله مين‬
‫الحيلة‪ ،‬جعيل ميميه كمييم المكان؛ وأصيله مين الكون‪ ،‬ثيم يقال‪ :‬تمكنيت‪ .‬وقال الزهري‪ :‬غلط ابين‬
‫قتيبة أن الميم فيه زائدة؛ بل هي أصلية‪ ،‬وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي‬
‫أصيلية؛ مثيل‪ :‬مهاد وملك ومراس‪ ،‬وغيير ذلك مين الحروف‪ .‬ومفعيل إذا كانيت مين بنات الثلثية‬
‫فإنه يجيء بإظهار الواو مثل‪ :‬مزود ومحول ومحور‪ ،‬وغيرها من الحروف؛ وقال‪ :‬وقرأ العرج‬
‫ي "وهو شديد الَمحال" بفتح الميم؛ وجاء تفسيره على هذه القراءة عن ابن عباس أنه الحول‪ ،‬ذكر‬
‫هذا كله أبيو عبيييد الهروي‪ ،‬إل مييا ذكرناه أول عين ابين العرابييي؛ وأقاوييل الصييحابة والتابعييين‬
‫بمعناهيا؛ وهيي ثمانيية‪ :‬أولهيا‪ :‬شدييد العداوة‪ ،‬قاله ابين عباس‪ .‬وثانيهيا‪ :‬شدييد الحول‪ ،‬قاله ابن عباس‬
‫أيضييا‪ .‬وثالثهييا‪ :‬شديييد الخييذ‪ ،‬قال علي بيين أبييي طالب‪ .‬ورابعهييا‪ :‬شديييد الحقييد‪ ،‬قاله ابيين عباس‪.‬‬
‫وخامسيها‪ :‬شدييد القوة‪ ،‬قال مجاهيد‪ .‬وسيادسها‪ :‬شدييد الغضيب‪ ،‬قاله وهيب بين منبيه‪ .‬وسيابعها‪ :‬شدييد‬
‫الهلك بالمحيل‪ ،‬وهيو القحيط؛ قاله الحسين أيضيا‪ .‬وثامنهيا‪ :‬شدييد الحيلة؛ قاله قتادة‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‬
‫معمر‪ :‬المحال والمماحلة المماكرة والمغالبة؛ وأنشد للعشى‪:‬‬
‫يد كثير الندى شديد المحال‬ ‫فرع نبع يهتز في غصن المجي‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أعد له الشغازب والمحال‬ ‫ولبس بن أقوام فكل‬
‫وقال عبدالمطلب‪:‬‬
‫ينع رحله فامنع حللك‬ ‫ل هم إن المرء يمي‬
‫لهم عدوا محالك‬ ‫ل يغلبن صليبهم ومحا‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬له دعوة الحق والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لهم بشيء إل كباسط كفيه‬
‫إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إل في ضلل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له دعوة الحق" أي ل دعوة الصدق‪ .‬قال ابن عباس وقتادة وغيرهما‪ :‬ل إله إل‬
‫ال‪ .‬وقال الحسن‪ :‬إن ال هو الحيق‪ ،‬فدعاؤه دعوة الحيق‪ .‬وقييل‪ :‬إن الخلص فيي الدعاء هو دعوة‬
‫الحق؛ قال بعض المتأخرين‪ .‬وقيل‪ :‬دعوة الحق دعاؤه عند الخوف؛ فإنه ل يدعى فيه إل إياه‪ .‬كما‬
‫قال‪" :‬ضيل مين تدعون إل إياه" [السيراء‪]67 :‬؛ قال الماوردي‪ :‬وهيو أشبيه بسيياق اليية؛ لنيه‬
‫قال‪" :‬والذييين يدعون ميين دونييه" يعنييي الصيينام والوثان‪" .‬ل يسييتجيبون لهييم بشيييء" أي ل‬
‫يسيتجيبون لهيم دعاء‪ ،‬ول يسيمعون لهيم نداء‪" .‬إل كباسيط كفييه إلى الماء ليبلغ فاه وميا هيو ببالغيه"‬
‫ضرب ال عز وجل الماء مثل ليأسهم من الجابة لدعائهم؛ لن العرب تضرب لمن سعى فيما ل‬
‫يدركه مثل بالقابض الماء باليد؛ قال‪:‬‬
‫فأصبحت فيما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد‬
‫وفيي معنيى هذا المثيل ثلثية أوجيه‪ :‬أحدهيا‪ :‬أن الذي يدعيو إلهيا مين دون ال كالظمآن الذي يدعيو‬
‫الماء إلى فييه مين بعييد يرييد تناوله ول يقدر علييه بلسيانه‪ ،‬ويشيير إلييه بيده فل يأتييه أبدا‪ ،‬لن الماء‬
‫ل يسيتجيب‪ ،‬وميا الماء ببالغ إلييه؛ قاله مجاهيد‪ .‬الثانيي‪ :‬أنيه كالظمآن الذي يرى خياله فيي الماء وقيد‬
‫بسيط كفيه فييه ليبلغ فاه وميا هيو ببالغيه‪ ،‬لكذب ظنيه‪ ،‬وفسياد توهميه؛ قاله ابين عباس‪ .‬الثالث‪ :‬أنيه‬
‫كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فل يجمد في كفه شيء منه‪ .‬وزعم الفراء أن المراد بالماء ههنا‬
‫البئر؛ لنها معدن للماء‪ ،‬وأن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء؛ وشاهده قول الشاعر‪:‬‬
‫وبئري ذو حفرت وذو طويت‬ ‫فإن الماء ماء أبي وجدي‬
‫قال علي رضي ال عنه‪ :‬هو كالعطشان على شفة البئر‪ ،‬فل يبلغ قعر البئر‪ ،‬ول الماء يرتفع إليه‪،‬‬
‫ومعنى "إل كباسط" إل كاستجابة باسط كفيه "إلى الماء" فالمصدر مضاف إلى الباسط‪ ،‬ثم حذف‬
‫المضاف؛ وفاعل المصدر المضاف مراد في المعنى وهو الماء؛ والمعنى‪ :‬إل كإجابة باسط كفيه‬
‫إلى الماء؛ واللم فيي قوله‪" :‬ليبلغ فاه" متعلقية بالبسيط‪ ،‬وقوله‪" :‬وميا هيو ببالغيه" كنايية عين الماء؛‬
‫أي وميا الماء ببالغ فاه‪ .‬ويجوز أن يكون "هيو" كنايية عين الفيم؛ أي ميا الفيم ببالغ الماء‪" .‬وميا دعاء‬
‫الكافرين إل فيي ضلل" أي ليست عبادة الكافرين الصينام إل في ضلل‪ ،‬لنها شرك‪ ،‬وقيل‪ :‬إل‬
‫فيي ضلل أي يضيل عنهيم ذلك الدعاء‪ ،‬فل يجدون منيه سيبيل؛ كميا قال‪" :‬أيين ميا كنتيم تدعون مين‬
‫دون ال قالوا ضلوا عنيا" [العراف‪ ]37 :‬وقال ابين عباس‪ :‬أي أصيوات الكافريين محجوبية عين‬
‫ال فل يسمع دعاءهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬ول يسجد من في السماوات والرض طوعا وكرها وظللهم بالغدو والصال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يسييجد ميين فييي السييماوات والرض طوعييا وكرهييا" قال الحسيين وقتادة‬
‫وغيرهميا‪ :‬المؤمين يسيجد طوعيا‪ ،‬والكافير يسيجر كرهيا بالسييف‪ .‬وعين قتادة أيضيا‪ :‬يسيجد الكافير‬
‫كارها حين ل ينفه اليمان‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة‪.‬‬
‫وقال ابن زيد‪" :‬طوعا" من دخل في السلم رغبة‪ ،‬و"كرها" من دخل فيه رهبة بالسيف‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"طوعيا" مين طالت مدة إسيلمه فألف السيجود‪ ،‬و"كرهيا" مين يكره نفسيه ل تعالى؛ فاليية فيي‬
‫المؤمنيين‪ ،‬وعلى هذا يكون معنيى "والرض" وبعيض مين فيي الرض‪ .‬قال القشري‪ :‬وفيي اليية‬
‫مسييلكان‪ :‬أحدهمييا‪ :‬أنهييا عاميية والمراد بهييا التخصيييص؛ فالمؤميين يسييجد طوعييا‪ ،‬وبعييض الكفار‬
‫يسييجدون إكراهييا وخوفييا كالمنافقييين؛ فالييية محمولة على هؤلء‪ ،‬ذكره الفراء‪ .‬وقيييل على هذا‬
‫القول‪ :‬الية في المؤمنين؛ منهم من يسجد طوعا ل يثقل عليه السجود‪ ،‬ومنهم من يثقل عليه؛ لن‬
‫التزام التكليف مشقة‪ ،‬ولكنهم يتحملون المشقة إخلصا وإيمانا‪ ،‬إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه‪.‬‬
‫والمسييلك الثانييي‪ :‬وهييو الصييحيح ‪ -‬إجراء الييية على التعميييم؛ وعلى هذا طريقان‪ :‬أحدهمييا‪ :‬أن‬
‫المؤمين يسيجد طوعيا‪ ،‬وأميا الكافير فمأمور‪ :‬السيجود مؤاخيذ بيه‪ .‬والثانيي‪ :‬وهيو الحيق ‪ -‬أن المؤمين‬
‫يسيجد ببدنيه طوعيا‪ ،‬وكيل مخلوق مين المؤمين والكافير يسيجد مين حييث إنيه مخلوق‪ ،‬يسيجد دللة‬
‫وحاجية إلى الصيانع؛ وهذا كقوله‪" :‬وإن مين شييء إل يسيبح بحمده" [السيراء‪ ]44 :‬وهيو تسيبيح‬
‫دللة ل تسبيح عبادة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وظللهيم بالغدو والصيال" أي ظلل الخلق سياجدة ل تعالى بالغدو والصيال؛‬
‫لنها تبين في هذين الوقتين‪ ،‬وتميل من ناحية إلى ناحية؛ وذلك تصريف ال إياها على ما يشاء؛‬
‫وهو كقوله تعالى‪" :‬أو لم يروا إلى ما خلق ال من شيء يتفيأ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا ل‬
‫وهم داخرون" [النحل‪ ]48 :‬قال ابن عباس وغيره‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬ظل المؤمن يسجد طوعا وهو‬
‫طائع؛ وظيل الكافير يسيجد كرهيا وهيو كاره‪ .‬وقال ابين النباري‪ :‬يجعيل للظلل عقول تسيجد بهيا‬
‫وتخشيع بهيا‪ ،‬كميا جعيل للجبال أفهام حتيى خاطبيت وخوطبيت‪ .‬قال القشيري‪ :‬فيي هذا نظير؛ لن‬
‫الجبييل عييين‪ ،‬فيمكيين أن يكون له عقييل بشرط تقدييير الحياة‪ ،‬وأمييا الظلل فآثار وأعراض‪ ،‬ول‬
‫يتصور تقدير الحياة لها‪ ،‬والسجود بمعنى الميل؛ فسجود الظلل ميلها من جانب إلى جانب؛ يقال‪:‬‬
‫سجدت النخلة أي مالت‪ .‬و"الصال" جمع أصل‪ ،‬والصل جمع أصيل؛ وهو ما بين العصر إلى‬
‫الغروب‪ ،‬ثم أصائل جمع الجمع؛ قال أبو ذؤيب الهذلي‪:‬‬
‫وأقعد في أفيائه بالصائل‬ ‫لعمري لنت البيت أكرم أهله‬
‫و"ظللهم" يجوز أن يكون معطوفا على "من" ويجوز أن يكون ارتفع بالبتداء والخبر محذوف؛‬
‫التقدير‪ :‬وظللهم سجد بالغدو والصال و"بالغدو" يجوز أن يكون مصدرا‪ ،‬ويجوز أن يكون جمع‬
‫غداة؛ يقوى كونه جمعا مقابلة الجمع الذي هو الصال به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬قل من رب السماوات والرض قل ال قل أفاتخذتم من دونه أولياء ل يملكون‬
‫لنفسيهم نفعيا ول ضرا قيل هيل يسيتوي العميى والبصيير أم هيل تسيتوي الظلمات والنور أم جعلوا‬
‫ل شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل ال خالق كل شيء وهو الواحد القهار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل من رب السماوات والرض قل ال" أمر ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يقول للمشركين‪" :‬قل من رب السماوات والرض" ثم أمره أن يقول لهم‪ :‬هو ال إلزاما للحجة‬
‫إن لم يقولوا ذلك‪ ،‬وجهلوا ميين هييو‪" .‬قييل أفاتخذتييم ميين دونييه أولياء ل يملكون لنفسييهم نفعييا ول‬
‫ضرا" هذا يدل على اعترافهيم بأن ال هيو الخالق وإل لم يكين للحتجاج بقوله‪" :‬قيل أفاتخذتيم مين‬
‫دونيه أولياء" معنيى؛ دليله قوله‪" :‬ولئن سيألتهم مين خلق السيماوات والرض ليقولن ال" [الزمير‪:‬‬
‫‪ ]38‬أي فإذا اعترفتم فلم تعبدون غيره؟‪ !،‬وذلك الغير ل ينفع ول يضر؛ وهو إلزام صحيح‪ .‬ثم‬
‫ضرب لهيم مثل فقال‪" :‬قيل هيل يسيتوي العميى والبصيير" فكذلك ل يسيتوي المؤمين الذي يبصير‬
‫الحيق‪ ،‬والمشرك الذي ل يبصير الحيق‪ .‬وقييل‪ :‬العميى مثيل لميا عبدوه من دون ال‪ ،‬والبصيير مثيل‬
‫ال تعالى‪" :‬أم هييل تسييتوي الظلمات والنور" أي الشرك واليمان‪ .‬وقرأ ابيين محيصيين وأبييو بكيير‬
‫والعميش وحمزة والكسيائي "يسيوي" بالياء لتقدم الفعيل؛ ولن تأنييث "الظلمات" لييس بحقيقيي‪.‬‬
‫الباقون بالتاء؛ واختاره أبو عبيد‪ ،‬قال‪ :‬لنه لم يحل بين المؤنث والفعل حائل‪ .‬و"الظلمات والنور"‬
‫مثييل اليمان والكفيير؛ ونحيين ل نقييف على كيفييية ذلك‪" .‬أم جعلوا ل شركاء خلقوا كخلقييه فتشابييه‬
‫الخلق عليهم" هذا من تمام الحتجاج؛ أي خلق غير ال مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم‪ ،‬فل يدرون‬
‫خلق ال مين خلق آلهتهيم‪" .‬قيل ال خالق كيل شييء" أي قيل لهيم ييا محميد‪" :‬ال خالق كيل شييء"‪،‬‬
‫فلزم لذلك أن يعبده كيل شييء‪ .‬واليية رد على المشركيين والقدريية الذيين زعموا أنهيم خلقوا كميا‬
‫خلق ال‪" .‬وهيو الواحيد" قبيل كيل شييء‪" .‬القهار" الغالب لكيل شييء‪ ،‬الذي يغلب فيي مراده كيل‬
‫مرييد‪ .‬قال القشيري أبيو نصير‪ :‬ول يبعيد أن تكون اليية واردة فيمين ل يعترف بالصيانع؛ أي سيلهم‬
‫عن خالق السماوات والرض‪ ،‬فإنه يسهل تقرير الحجة فيه عليهم‪ ،‬ويقرب المر من الضرورة؛‬
‫فإن عجيز الجماد وعجيز كيل مخلوق عين خلق السيماوات والرض معلوم‪ ،‬وإذا تقرر هذا وبان أن‬
‫الصيانع هيو ال فكييف يجوز اعتداد الشرييك له؟ ! وبيين فيي أثناء الكلم أنيه لو كان للعالم صيانعان‬
‫لشتبه الخلق‪ ،‬ولم يتميز فعل هذا عن فعل ذلك‪ ،‬فبم يعلم أن الفعل من اثنين؟ !‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 17 :‬أنزل مين السيماء ماء فسيالت أوديية بقدرهيا فاحتميل السييل زبدا رابييا ومميا‬
‫يوقدون علييه فيي النار ابتغاء حليية أو متاع زبيد مثله كذلك يضرب ال الحيق والباطيل فأميا الزبيد‬
‫فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض كذلك يضرب ال المثال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا" ضرب مثل‬
‫للحيق والباطيل؛ فشبيه الكفير بالزبيد الذي يعلو الماء‪ ،‬فإنيه يضمحيل ويعلق بجنبات الوديية‪ ،‬وتدفعيه‬
‫الرياح؛ فكذلك يذهيب الكفير ويضمحيل‪ ،‬عله‪ ،‬ميا نيبينه‪ .‬قال مجاهيد‪" :‬فسيالت أوديية بقدرهيا" قال‪:‬‬
‫بقدر ملئهييا‪ .‬وقال ابيين جريييج‪ :‬بقدر صييغرها وكبرهييا‪ .‬وقرأ الشهييب العقيلي والحسيين "بقدرهييا"‬
‫بسيكون الدال‪ ،‬والمعنيى واحيد‪ .‬وقييل‪ :‬معناهيا بميا قدر لهيا‪ .‬والوديية‪ .‬جميع الوادي؛ وسيمي وادييا‬
‫لخروجه وسيلنه؛ فالوادي على هذا اسم للماء السائل‪ .‬وقال أبو علي‪" :‬فسالت أودية" توسع؛ أي‬
‫سييال ماؤهييا فحذف‪ ،‬قال‪ :‬ومعنييى "بقدرهييا" بقدر مياههييا؛ لن الودييية مييا سييالت بقدر أنفسييها‪.‬‬
‫"فاحتميل السييل زبدا رابييا" أي طالعيا عالييا مرتفعيا فوق الماء؛ وتيم الكلم؛ قال مجاهيد‪ .‬ثيم قال‪:‬‬
‫"ومميا يوقدون علييه فيي النار" وهيو المثيل الثانيي‪" .‬ابتغاء حليية" أي حليية الذهيب والفضية‪" .‬أو‬
‫متاع زبد مثله" قال مجاهد‪ :‬الحديد والنحاس والرصاص‪ .‬وقوله‪" :‬زبد مثله" أي يعلو هذه الشياء‬
‫زبيد كميا يعلو السييل؛ وإنميا احتميل السييل الزبيد لن الماء خالطيه تراب الرض فصيار ذلك زبدا‪،‬‬
‫كذلك ميا يوقيد علييه فيي النار مين الجوهير ومين الذهيب والفضية مميا ينبيث فيي الرض مين المعادن‬
‫فقد خالطه التراب؛ فإنما يوقد عليه ليذوب فيزايله تراب الرض‪ .‬وقوله‪" :‬كذلك يضرب ال الحق‬
‫والباطيل فأميا الزبيد فيذهيب جفاء" قال مجاهيد‪ :‬جمودا‪ .‬وقال أبيو عيبيدة قال أبيو عمرو بين العلء‪:‬‬
‫أجفأت القدر إذا غلت حتى ينصب زبدها‪ ،‬وإذا جمد في أسفلها‪ .‬والجفاء ما أجفاه الوادي أي رمى‬
‫بييه‪ .‬وحكييى أبييو عييبيدة أنييه سييمع رؤبيية يقرأ "جفال" قال أبييو عييبيدة‪ :‬يقال أجفلت القدر إذا قذفييت‬
‫بزبدها‪ ،‬وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته‪" .‬وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض" قال مجاهد‪:‬‬
‫هييو الماء الخالص الصييافي‪ .‬وقيييل‪ :‬الماء ومييا خلص ميين الذهييب والفضيية والحديييد والنحاس‬
‫والرصياص؛ وهيو أن المثليين ضربهميا ال للحيق فيي ثباتيه‪ ،‬والباطيل فيي اضمحلله‪ ،‬فالباطيل وإن‬
‫عل فيي بعيض الحوال فإنيه يضمحيل كاضمحلل الزبيد‪ .‬والخبيث‪ .‬وقييل‪ :‬المراد مثيل ضربيه ال‬
‫للقرآن ومييا يدخييل منييه القلوب؛ فشبييه القرآن بالمطيير لعموم خيره وبقاء نفعييه‪ ،‬وشبييه القلوب‬
‫بالودية‪ ،‬يدخل فيها من القرآن مثل ما يدخل في الودية بحسب سعتها وضيقها‪ .‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫"أنزل من الماء ماء" قال‪ :‬قرآنا‪" ،‬فسالت أودية بقدرها" قال‪ :‬الودية قلوب العباد‪ .‬قال صاحب‬
‫"سوق العروس" إن صح هذا التفسير فالمعنى فيه أن ال سبحانه مثل القرآن بالماء‪ .‬ومثل القلوب‬
‫بالودية‪ ،‬ومثل المحكم بالصافي‪ ،‬ومثل المتشابه بالزبد‪ .‬وقيل‪ :‬الزبد مخايل النفس وغوائل الشك‬
‫ترتفيع مين حييث ميا فيهيا فتضطرب مين سيلطان تلعهيا‪ ،‬كميا أن ماء السييل يجري صيافيا فيرفيع ميا‬
‫يجيد فيي الوادي باقييا‪ ،‬وأميا حليية الذهيب والفضية فمثيل الحوال النيية‪ .‬والخلق الزكيية؛ التيي بهيا‬
‫جمال الرجال‪ ،‬وقوام صالح العمال‪ ،‬كما أن من الذهب والفضة زينة النساء‪ .‬وبهما قيمة الشياء‪.‬‬
‫وقرأ جحيد وابن محيصن ويحيى والعمش وحمزة والكسائي وحفص‪" ،‬يوقدون" بالياء واختاره‬
‫أبييو عبيييد؛ لقوله‪" :‬ينفييع الناس" فأخييبر‪ ،‬ول مخاطبيية هاهنييا‪ .‬الباقون بالتاء لقوله فييي أول الكلم‪:‬‬
‫"أفاتخذتيم مين دونيه أولياء" [الرعيد‪ ]16 :‬اليية‪ .‬وقوله‪" :‬فيي النار" متعلق بمحذوف‪ ،‬وهيو فيي‬
‫موضيع الحال‪ ،‬وذو الحال الهاء التيي فيي "علييه" التقديير‪ :‬ومميا توقدون علييه ثابتيا فيي النار أو‬
‫كامئا‪ .‬وفي قوله‪" :‬في النار" ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذي الحال ول يستقيم أن‬
‫يتعلق "فيي النار" بيي "يوقدون" مين حييث ل يسيتقيم أوقدت علييه فيي النار؛ لن الموقيد علييه يكون‬
‫في النار‪ ،‬فيصير قوله‪" :‬في النار" غير مقيد‪ .‬وقوله‪" :‬ابتغاء حلية" مفعول له‪" .‬زبد مثله" ابتداء‬
‫وخيبر؛ أي زبيد مثيل زبيد السييل‪ .‬وقييل‪ :‬إن خيبر "زبيد" قوله‪" :‬فيي النار" الكسيائي‪" :‬زبيد" ابتداء‪،‬‬
‫و"مثله" نعيت له‪ ،‬والخيبر فيي الجملة التيي قبله‪ ،‬وهيو "مميا يوقدون"‪" .‬كذلك يضرب ال المثال"‬
‫أي كما بين لكم هذه المثال فكذلك يضربها بينات‪ .‬تم الكلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الرض‬
‫جميعا ومثله معه لفتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذين استجابوا لربهم" أي أجابوا؛ واستجاب بمعنى أجاب؛ قال‪:‬‬
‫فلم يستجبه عند ذاك مجيب‬
‫وقيد تقدم؛ أي أجاب إلى ميا دعاه ال مين التوحييد والنبوات‪" .‬الحسينى" لنهيا فيي نهايية الحسين‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬مين الحسينى النصير فيي الدنييا‪ ،‬والنعييم المقييم غدا‪" .‬والذيين لم يسيتجيبوا" أي لم يجيبوا إلى‬
‫اليمان بيه‪" .‬لو أن لهيم ميا فيي الرض جميعيا" أي مين الموال‪" .‬ومثله معيه" ملك لهيم‪" .‬لفتدوا‬
‫بيه" مين عذاب يوم القيامية؛ نظيره فيي "آل عمران" "إن الذيين كفروا لن تغنيي عنهيم أموالهيم ول‬
‫أولدهم من ال شيئا" [آل عمران‪" ،]10 :‬إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم‬
‫ملء الرض ذهبيا ولو افتدى بيه" [آل عمران‪ ]91 :‬حسيب ميا تقدم بيانيه هناك‪" .‬أولئك لهيم سيوء‬
‫الحسياب" أي ل يقبيل لهيم حسينة‪ ،‬ول يتجاوز لهيم عين سييئة‪ .‬وقال فرقيد السيبخي قال لي إبراهييم‬
‫النخعيي‪ :‬يا فرقيد! أتدري ميا سوء الحسياب؟ قلت ل! قال أن يحاسب الرجل‪ :‬بذنبه كله ل يفقد منيه‬
‫شيء‪" .‬ومأواهم جهنم" أي مسكنهم ومقامهم‪" .‬وبئس المهاد" أي الفراش الذي مهدوا لنفسهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 19 :‬أفمين يعلم أنميا أنزل إلييك مين ربيك الحيق كمين هيو أعميى إنميا يتذكير أولوا‬
‫اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمين يعلم أنميا أنزل إلييك مين ربيك الحيق كمين هيو أعميى" هذا مثيل ضربيه ال‬
‫للمؤمن والكافر‪ ،‬وروي أنها نزلت في حمزة بن عبدالمطلب رضي ال عنه‪ ،‬وأبي جهل لعنه ال‪.‬‬
‫والمراد بالعمى عمى القلب‪ ،‬والجاهل بالدين أعمى القلب‪" .‬إنما يتذكر أولو اللباب"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬الذين يوفون بعهد ال ول ينقضون الميثاق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين يوفون بعهد ال" هذا من صفة ذوي اللباب‪ ،‬أي إنما يتذكر أولو اللباب‬
‫الموفون بعهد ال‪ .‬والعهد اسم الجنس؛ أي بجميع عهود ال‪ ،‬وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها‬
‫عييبيده؛ ويدخييل فييي هذه اللفاظ التزام جميييع الفروض‪ ،‬وتجنييب جميييع المعاصييي‪ .‬وقوله‪" :‬ول‬
‫ينقضون الميثاق" يحتمل أن يريد به جنس المواثيق‪ ،‬أي إذا عقدوا في طاعة ال عهدا لم ينقضوه‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬تقدم ال إلى عباده فيي نقيض الميثاق ونهيى عنيه فيي بضيع وعشريين آيية؛ ويحتميل أن‬
‫يشييير إلى ميثاق بعينييه‪ ،‬هييو الذي أخذه ال على عباده حييين أخرجهييم ميين صييلب أبيهييم آدم‪ .‬وقال‬
‫القفال‪ :‬هو ما ركب في عقولهم من دلئل التوحيد والنبوات‪.‬‬
‫@ روى أبو داود وغيره عن عوف بن مالك قال‪( :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم سبعة‬
‫أو ثمانيية أو تسيعة فقال‪ :‬أل تبايعون رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم وكنا حديث عهيد ببيعية فقلنا‪:‬‬
‫قيد بايعناك حتيى قالهيا ثلثيا؛ فبسيطنا أيدينيا فبايعناه‪ ،‬فقال قائل‪ :‬ييا رسيول ال! إنيا قيد بايعناك فعلى‬
‫ماذا نبايعيييك؟ قال‪( :‬أن تعبدوا ال ول تشركوا بيييه شيئا وتصيييلوا الصيييلوات الخميييس وتسيييمعوا‬
‫وتطيعوا وأسر كلمة خفية ‪ -‬قال‪ :‬ل تسألوا الناس شيئا)‪ .‬قال‪ :‬ولقد كان بعضد‪ ،‬أولئك النفر يسقط ‪-‬‬
‫سيوطه فميا يسيأل أحدا أن يناوله‪ .‬إياه‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬مين أعظيم المواثييق فيي الذكير أل يسيأل‬
‫سواه؛ فقد كان أبو حمزة الخراساني من كبار العباد سمع أن أناسا بايعوا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم أل يسيألوا أحدا شيئا‪ ،‬الحدييث؛ فقال أبيو حمزة‪ :‬رب! إن هؤلء عاهدوا نبييك إذ رأوه‪ ،‬وأنيا‬
‫أعاهدك أل أسأل أحدا شيئا؛ قال‪ :‬فخرج حاجا من الشام يريد مكة فبينما هو يمشي في الطريق من‬
‫اللييل إذ بقيي عين أصيحابه لعذر ثيم أتبعهيم‪ ،‬فبينميا هيو يمشيي إليهيم إذ سيقط فيي بئر على حاشيية‬
‫الطريييق؛ فلمييا حييل فييي قعره قال‪ :‬اسييتغيث لعييل أحدا يسييمعني‪ .‬ثييم قال‪ :‬إن الذي عاهدتييه يرانييي‬
‫ويسيمعني‪ ،‬وال! ل تكلميت بحرف للبشير‪ ،‬ثيم لم يلبيث إل يسييرا إذ مير بذلك البئر نفير‪ ،‬فلميا رأوه‬
‫على حاشييية الطريييق قالوا‪ :‬إنييه لينبغييي سييد هذا البئر؛ ثييم قطعوا خشبييا ونصييبوها على فييم البئر‬
‫وغطوهيا بالتراب؛ فلميا رأى ذلك أبيو حمزة قال‪ :‬هذه مهلكية‪ ،‬ثيم أراد أن يسييتغيث بهيم‪ ،‬ثيم قال‪:‬‬
‫وال! ل أخرج منهيا أبدا؛ ثيم رجيع إلى نفسيه فقال‪ :‬ألييس قيد عاهدت مين يراك؟ فسيكت وتوكيل‪ ،‬ثيم‬
‫اسيتند فيي قعير البئر مفكرا فيي أمره‪ ،‬فإذا بالتراب يقيع علييه؛ والخشيب يرفيع عنيه‪ ،‬وسيمع فيي أثناء‬
‫ذلك مين يقول‪ :‬هات يدك! قال‪ :‬فأعطيتيه يدي فأقلنيي فيي مرة واحدة إلى فيم البئر؛ فخرجيت فلم أر‬
‫أحدا؛ فسمعت هاتفا يقول‪ :‬كيف رأيت ثمرة التوكل؛ وأنشد‪:‬‬
‫فأغنيتني بالعلم منك عن الكشف‬ ‫نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى‬
‫إلى غائبي واللطف يدرك باللطف‬ ‫تلطفت في أمري فأبديت شاهدي‬
‫تخبرني بالغيب أنك في كف‬ ‫تراءيت لي بالعلم حتى كأنما‬
‫فتؤنسني باللطف منك وبالعطف‬ ‫أراني وبي من هيبتي لك وحشة‬
‫وذا عجب كيف الحياة مع الحتف‬ ‫وتحيي محبا أنت في الحب حتفه‬
‫قال ابيين العربييي‪ :‬هذا رجييل عاهييد ال فوجييد الوفاء على التمام والكمال‪ ،‬فاقتدوا بييه إن شاء ال‬
‫تهتدوا‪ .‬قال أبيو الفرج الجوزي‪ :‬سيكوت هذا الرجيل فيي هذا المقام على التوكيل بزعميه إعانية على‬
‫نفسه‪ ،‬وذلك ل يحل؛ ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه ل ينافي استغاثته في تلك الحالة؛ كما لم يخرج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروج من مكة‪ ،‬واستئجاره دليل‪ ،‬واستكتامه‬
‫ذلك الميير‪ ،‬واسييتتاره فييي الغار‪ ،‬وقوله لسييراقة‪( :‬اخييف عنييا)‪ .‬فالتوكييل الممدوح ل ينال بفعييل‬
‫محظور؛ وسيكوت هذا الواقيع فيي البئر محظور عليه‪ ،‬وبيان ذلك أن ال تعالى قيد خلق للدميي آلة‬
‫يدفيع عنيه بهيا الضرر‪ ،‬وآلة يجتلب بهيا النفيع‪ ،‬فإذا عطلهيا مدعييا للتوكيل كان ذلك جهل بالتوكيل‪،‬‬
‫وردا لحكمة التواضع؛ لن التوكل إنما هو اعتماد القلب على ال تعالى‪ ،‬وليس من ضرورته قطع‬
‫السيباب؛ ولو أن إنسيانا جاع فلم يسيأل حتيى مات دخيل النار؛ قاله سيفيان الثوري وغيره‪ ،‬لنيه قيد‬
‫دل على طريقية السيلمة‪ ،‬فإذا تقاعيد عنهيا أعان على نفسيه‪ .‬وقال أبيو الفرج‪ :‬ول التفات إلى قول‬
‫أبيي حمزة‪" :‬فجاء أسيد فأخرجنيي" فإنيه إن صيح ذلك فقيد يقيع مثله اتفاقيا وقيد يكون لطفيا مين ال‬
‫تعالى بالعبيد الجاهيل‪ ،‬ول ينكير أن يكون ال تعالى لطيف بيه‪ ،‬إنميا ينكير فعله الذي هيو كسيبه‪ ،‬وهيو‬
‫إعانته على نفسه التي هي وديعة ل تعالى عنده‪ ،‬وقد أمره بحفظها‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 21 :‬والذييين يصييلون مييا أميير ال بييه أن يوصييل ويخشون ربهييم ويخافون سييوء‬
‫الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين يصيلون ميا أمير ال بيه أن يوصيل" ظاهير فيي صيلة الرحام‪ ،‬وهيو قول‬
‫قتادة وأكثير المفسيرين‪ ،‬وهيو ميع ذلك يتناول جمييع الطاعات‪" .‬ويخشون ربهيم} قييل‪ :‬فيي قطيع‬
‫الرحييم‪ .‬وقييل‪ :‬فييي جمييع المعاصييي‪" .‬ويخافون سيوء الحسيياب" سييوء الحسيياب السييتقصاء فييه‬
‫والمناقشة؛ ومن نوقش الحساب عذب‪ .‬وقال ابن عباس وسعيد بن جبير‪ :‬معنى‪" .‬يصلون ما أمر‬
‫ال به" اليمان بجميع الكتب والرسل كلهم‪ .‬الحسن‪ :‬هو صلة محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ويحتمل‬
‫رابعا‪ :‬أن يصيلوا اليمان بالعميل الصيالح؛ "ويخشون ربهيم" فيميا أمرهيم بوصيله‪" ،‬ويخافون سيوء‬
‫الحساب" في تركه؛ والقول الول يتناول هذه القوال كما ذكرنا‪ ،‬وبال توفيقنا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 22 :‬والذيين صيبروا ابتغاء وجيه ربهيم وأقاموا الصيلة وأنفقوا مميا رزقناهيم سيرا‬
‫وعلنية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم" قيل‪" :‬الذين" مسيتأنف؛ لن "صيبروا" ماض‬
‫فل ينعطيف على "يوفون" وقييل‪ :.‬هيو مين وصيف مين تقدم‪ ،‬ويجوز الوصيف تارة بلفيظ الماضيي‪،‬‬
‫وتارة بلفييظ المسييتقبل؛ لن المعنييى ميين يفعييل كذا فله كذا؛ ولمييا كان "الذييين" يتضميين الشرط‪،‬‬
‫والماضي في الشرط كالمستقبل جاز ذلك؛ ولهذا قال‪" :‬الذين يوفون" ثم قال‪" :‬والذين صبروا" ثم‬
‫عطف عليه فقال‪" :‬ويدرؤون بالحسنة السيئة" قال ابن زيد‪ :‬صبروا على طاعة ال‪ ،‬وصبروا عن‬
‫معصية ال‪ .‬وقال عطاء‪ :‬صبروا على الرزايا والمصائب‪ ،‬والحوادث والنوائب‪ .‬وقال أبو عمران‬
‫الجونيي‪ :‬صيبروا على دينهيم ابتغاء وجيه ال "وأقاموا الصيلة" أدوهيا بفروضهيا وخشوعهيا فيي‬
‫مواقيتهيا‪" .‬وأنفقوا مميا رزقناهيم سيرا وعلنيية" يعنيي الزكاة المفروضية‪ ،‬عين ابين عباس‪ ،‬وقيد‬
‫مضى القول في هذا في "البقرة" وغيرها‪" .‬ويدرؤون بالحسنة السيئة" أي يدفعون بالعمل الصالح‬
‫السييء مين العمال‪ ،‬قال ابين عباس‪ .‬ابين زييد‪ :‬يدفعون الشير بالخيير‪ .‬سيعيد بين جيبير‪ :‬يدفعون‬
‫المنكير بالمعروف‪ .‬الضحاك‪ :‬يدفعون الفحيش بالسيلم‪ .‬جوييبر‪ :‬يدفعون الظلم بالعفيو‪ .‬ابين شجرة‪:‬‬
‫يدفعون الذنيب بالتوبية‪ .‬القتيبي‪ :‬يدفعون سيفه الجاهيل بالحلم؛ فالسيفه السييئة‪ ،‬والحلم الحسينة‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫إذا هموا بسيئة رجعوا عنها واستغفروا‪ .‬وقيل‪ :‬يدفعون الشرك بشهادة أن ل إله إل ال؛ فهذه تسعة‬
‫أقوال‪ ،‬معناهييا كلهييا متقارب‪ ،‬والول يتناولهييا بالعموم؛ ونظيره‪" :‬إن الحسيينات يذهبيين السيييئات"‬
‫[هود‪ ]114 :‬ومنيه قول علييه السيلم لمعاذ‪( :‬وأتبيع السييئة الحسينة تمحهيا وخالق الناس بخلق‬
‫حسن)‪ .‬قوله تعالى‪" :‬أولئك لهم عقبى الدار" أي عاقبة الخرة‪ ،‬وهي الجنة بدل النار‪ ،‬والدار غدا‬
‫داران‪ :‬الجنية للمطييع‪ ،‬والنار للعاصيي؛ فلميا ذكر وصف المطيعيين فدارهيم الجنة ل محالة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫عني بالدار دار الدنيا؛ أي لهم جزاء ما عملوا من الطاعات في دار الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 24 - 23 :‬جنات عدن يدخلونهيا ومين صيلح مين آبائهيم وأزواجهيم وذرياتهيم‬
‫والملئكة يدخلون عليهم من كل باب‪ ،‬سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جنات عدن يدخلونهيا" أي لهيم جنات عدن؛ فيي "جنات عدن" بدل مين "عقيبي"‬
‫ويجوز أن تكون تفسيييرا لييي"عقييبى الدار" أي لهييم دخول جنات عدن؛ لن "عقييبى الدار" حدث‬
‫و"جنات عدن" عيين‪ ،‬والحدث إنميا يفسير بحدث مثله؛ فالمصيدر المحذوف مضاف إلى المفعول‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون "جنات عدن" خيييبر ابتداء محذوف‪ .‬و"جنات عدن" وسيييط الجنييية وقصيييبتها‪،‬‬
‫وسيقفها عرش الرحمين؛ قال القشيري أبيو نصير عبدالملك‪ .‬وفيي صيحيح البخاري‪( :‬إذا سيألتم ال‬
‫فاسيألوه الفردوس فإنيه أوسيط الجنية وأعلى الجنية وفوقيه عرش الرحمين ومنيه تفجير أنهار الجنية)‬
‫فيحتميل أن يكون "جنات" كذلك إن صيح فذلك خيبر‪ .‬وقال عبدال بين عمرو‪ :‬إن فيي الجنية قصيرا‬
‫يقال له عدن‪ ،‬حوله البروج والمروج؛ فيه ألف باب‪ ،‬على كل باب خمسة آلف حبرة ل يدخله إل‬
‫نيبي أو صيديق أو شهييد‪ .‬و"عدن" مأخوذ مين عدن بالمكان إذا أقام فييه؛ على ميا يأتيي بيانيه فيي‬
‫سيورة "الكهيف" إن شاء ال تعالى‪" .‬ومين صيلح مين آبائهيم وأزواجهيم وذرياتهيم" يجوز أن يكون‬
‫معطوفيا على "أولئك" المعنيى‪ :‬أولئك ومين صيلح مين آبائهيم وأزواجهيم وذرياتهيم لهيم عقيبى الدار‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في "يدخلونها" وحسن العطف لما حال الضمير‬
‫المنصيوب بينهميا‪ .‬ويجوز أن يكون المعنيى‪ :‬يدخلونهيا ويدخلهيا مين صيلح مين آبائهيم‪ ،‬أي مين كان‬
‫صالحا‪ ،‬ل يدخلونها بالنساب‪ .‬ويجوز أن يكون موضع "من" نصبا على تقدير‪ :‬يدخلونها مع من‬
‫صييلح ميين آبائهييم‪ ،‬وإن لم يعمييل مثييل أعمالهييم يلحقييه ال بهييم كراميية لهييم‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬هذا‬
‫الصلح اليمان بال والرسول‪ ،‬ولو كان لهم مع اليمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم ل على‬
‫وجييه التبعييية‪ .‬قال القشيري‪ :‬وفييي هذا نظيير؛ لنييه ل بييد ميين اليمان‪ ،‬فالقول فييي اشتراط العمييل‬
‫الصييالح كالقول فييي اشتراط اليمان‪ .‬فالظهيير أن هذا الصييلح فييي جملة العمال‪ ،‬والمعنييى‪ :‬أن‬
‫النعمية غدا تتيم عليهيم بأن جعلهيم مجتمعيين ميع قراباتهيم فيي الجنية‪ ،‬وإن دخلهيا كيل إنسيان بعميل‬
‫نفسه؛ بل برحمة ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والملئكية يدخلون عليهيم مين كيل باب" أي بالتحيف والهداييا مين عنيد ال تكرمية‬
‫لهيم‪" .‬سيلم عليكيم" أي يقولون‪ :‬سيلم عليكيم؛ فأضمير القول‪ ،‬أي قيد سيلمتم مين الفات والمحين‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيو دعاء لهيم بدوام السيلمة‪ ،‬وإن كانوا سيالمين‪ ،‬أي سيلمكم ال‪ ،‬فهيو خيبر معناه الدعاء؛‬
‫ويتضمين العتراف بالعبوديية‪" .‬بميا صيبرتم" أي بصيبركم؛ فيي"ميا" ميع الفعيل بمعنيى المصيدر‪،‬‬
‫والباء فييي "بمييا" متعلقيية بمعنييى‪" .‬سييلم عليكييم" ويجوز أن تتعلق بمحذوف؛ أي هذه الكراميية‬
‫بصبركم‪ ،‬أي على أمر ال تعالى ونهيه؛ قال سعيد بن جبير‪ .‬وقيل‪ :‬على الفقر في الدنيا؛ قاله أبو‬
‫عمران الجونيي‪ .‬وقييل‪ :‬على الجهاد فيي سيبيل ال؛ كميا روي عين عبدال بين عمير قال قال رسيول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬هل تدرون من يدخل الجنة من خلق ال)؟ قالوا‪ :‬ال ورسول أعلم؛ قال‪:‬‬
‫(المجاهدون الذين تسد بهم الثغور وتتقي بهم المكاره فيموت أحدهم وحاجته في نفسه ل يستطيع‬
‫لها قضاء فتأتيهم الملئكة فيدخلون عليهم من كل باب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)‪.‬‬
‫وقال محميد بين إبراهييم‪(:‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يأتيي قبور الشهداء على رأس كيل حول‬
‫فيقول‪ :‬السلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان؛ وذكره البيهقي‬
‫عن أبي هريرة قال‪(:‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يأتي الشهداء‪ ،‬فإذا أتى فرضة الشعب يقول‪:‬‬
‫السلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)‪ .‬ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى ال عليه وسلم يفعله‪،‬‬
‫وكان عمير بعيد أبيي بكير يفعله‪ ،‬وكان عثمان بعيد عمير يفعله‪ .‬وقال الحسين البصيري رحميه ال‪:‬‬
‫"بميا صيبرتم" عين فضول الدنييا‪ .‬وقييل‪" :‬بميا صيبرتم" على ملزمية الطاعية‪ ،‬ومفارقية المعصيية؛‬
‫قال معناه الفضييل بين عياض‪ .‬ابين زييد‪" :‬بميا صيبرتم" عميا تحبونيه إذا فقدتموه‪ .‬ويحتميل سيابعا ‪-‬‬
‫"بما صبرتم" عن اتباع الشهوات‪ .‬وعن عبدال بن سلم وعلي بن الحسين رضي ال عنهم أنهما‬
‫قال‪ :‬إذا كان يوم القيامية ينادي مناد ليقيم أهيل الصيبر؛ فيقوم ناس مين الناس فيقال لهيم‪ :‬انطلقوا إلى‬
‫الجنية فتتلقاهيم الملئكية فيقولون‪ :‬إلى أيين؟ فيقولون‪ :‬إلى الجنية؛ قالوا‪ :‬قبيل الحسياب؟ قالوا نعيم!‬
‫فيقولون‪ :‬من أنتم؟ فيقولون‪ :‬نحن أهل الصبر‪ ،‬قالوا‪ :‬وما كان صبركم؟ قالوا‪ :‬صبرنا أنفسنا على‬
‫طاعية ال‪ ،‬وصيبرناها عين معاصيي ال وصيبرناها على البلء والمحين فيي الدنييا‪ .‬قال علي بين‬
‫الحسين‪ :‬فتقول لهم الملئكة‪ :‬ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين‪ .‬وقال ابن سلم‪ :‬فتقول لهم الملئكة‪:‬‬
‫"سلم عليكم بما صبرتم"‪" .‬فنعم عقبى الدار" أي نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها؛ عملتم فيها ما‬
‫أعقبكيم هذا الذي أنتيم فييه؛ فالعقيبى على هذا اسيم‪ ،‬و"الدار" هيي الدنييا‪ .‬وقال أبيو عمران الجونيي‪:‬‬
‫"فنعم عقبى الدار" الجنة عن النار‪ .‬وعنه‪" :‬فنعم عقبى الدار" الجنة عن الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 25 :‬والذيين ينقضون عهيد ال مين بعيد ميثاقيه ويقطعون ميا أمير ال بيه أن يوصيل‬
‫ويفسدون في الرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين ينقضون عهيد ال مين بعيد ميثاقيه" لميا ذكير الموفيين بعهده‪ ،‬والمواصيلين‬
‫لمره‪ ،‬وذكير ميا لهيم ذكير عكسيهم‪ .‬نقيض الميثاق‪ :‬ترك أمره‪ .‬وقييل‪ :‬إهمال عقولهيم‪ ،‬فل يتدبرون‬
‫بهييا ليعرفوا ال تعالى‪" .‬ويقطعون مييا أميير ال بييه أن يوصييل" أي ميين الرحام‪ .‬واليمان بجميييع‬
‫النييبياء‪" .‬ويفسييدون فييي الرض" أي بالكفيير وارتكاب المعاصييي "أولئك لهييم اللعنية" أي الطرد‬
‫والبعاد من الرحمة‪" .‬ولهم سوء الدار" أي سوء المنقلب‪ ،‬وهو جهنم‪ .‬وقال سعد بن أبي وقاص‪:‬‬
‫وال الذي ل إله إل هو ! إنهم الحرورية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 26 :‬ال يبسيط الرزق لمين يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنييا وميا الحياة الدنييا فيي‬
‫الخرة إل متاع}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" لما ذكر عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك بين أنه‬
‫تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا‪ ،‬لنها دار امتحان؛ فبسط الرزق على الكافر ل يدل على‬
‫كرامته‪ ،‬والتقتير على بعض المؤمنين ل يدل على إهانتهم‪" .‬ويقدر" أي يضيق؛ ومنه "ومن قدر‬
‫عليه رزقه" [الطلق‪ ]7 :‬أي ضيق‪ .‬وقيل‪" :‬يقدر" يعطي بقدر الكفاية‪" .‬وفرحوا بالحياة الدنيا"‬
‫يعنيي مشركيي مكية؛ فرحوا بالدنييا ولم يعرفوا غيرهيا‪ ،‬وجهلوا ميا عنيد ال؛ وهيو معطوف على‬
‫"ويفسدون في الرض"‪ .‬وفي الية تقديم وتأخير؛ التقدير‪ :‬والذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه‬
‫ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون في الرض وفرحوا بالحياة الدنيا‪" .‬وما الحياة الدنيا‬
‫فيي الخرة" أي فيي جنبهيا‪" .‬إل متاع" أي متاع مين المتعية‪ ،‬كالقصيعة والسيكرجة‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫شييء قلييل ذاهيب؛ مين متيع النهار إذا ارتفيع؛ فل بيد له مين زوال‪ .‬ابين عباس‪ :‬زاد كزاد الراعيي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬متاع الحياة الدنيا ما يستمتع بها منها‪ .‬وقيل‪ :‬ما يتزود منها إلى الخرة‪ ،‬من التقوى والعمل‬
‫الصالح‪" ،‬ولهم سوء الدار" ثم ابتدأ‪" .‬ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يوسع ويضيق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ويقول الذين كفروا لول أنزل عليه آية من ربه قل إن ال يضل من يشاء ويهدي‬
‫إليه من أناب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقول الذيين كفروا لول أنزل علييه آيية مين ربيه" بيين فيي مواضيع أن اقتراح‬
‫اليات على الرسيل جهيل‪ ،‬بعيد أن رأوا آيية واحدة تدل على الصيدق‪ ،‬والقائل‪ ،‬عبدال بين أبيي أميية‬
‫وأصحابه حين طالبوا النيبي صلى ال عليه وسلم باليات‪" .‬قيل إن ال يضيل مين يشاء" عيز وجيل‬
‫"يضيل مين يشاء" أي كميا أضلكيم بعيد ميا أنزل مين اليات وحرمكيم السيتدلل بهيا يضلكيم عنيد‬
‫نزول غيرهيا‪" .‬ويهدي إلييه مين أناب" أي مين رجيع‪ .‬والهاء فيي "إلييه" للحيق‪ ،‬أو للسيلم‪ ،‬أو ل‬
‫عيز وجيل؛ على تقديير‪ :‬ويهدي إلى دينيه وطاعتيه مين رجيع إلييه بقلبيه‪ .‬وقييل‪ :‬هيي للنيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال تطمئن القلوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين آمنوا" "الذين" في موضع نصب‪ ،‬لنه مفعول؛ أي يهدي ال الذين أمنوا‪.‬‬
‫وقيل بدل من قوله‪" :‬من أناب" فهو في محل نصب أيضا‪" .‬وتطمئن قلوبهم بذكر ال" أي تسكن‬
‫وتسييتأنس بتوحيييد ال فتطمئن؛ قال‪ :‬أي وهييم تطمئن قلوبهييم على الدوام بذكيير ال بألسيينتهم؛ قال‬
‫قتادة‪ :‬وقال مجاهيد وقتادة وغيرهميا‪ :‬بالقرآن‪ .‬وقال سيفيان بين عيينية‪ :‬بأمره‪ .‬مقاتيل‪ :‬بوعده‪ .‬ابين‬
‫عباس‪ :‬بالحلف باسيمه‪ ،‬أو تطمئن بذكير فضله وإنعاميه؛ كميا تَْوجيل بذكير عدله وانتقاميه وقضائه‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬يذكر ال" أي يذكرون ال ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل بذكر ال تطمئن القلوب" أي قلوب المؤمنين‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هذا في الحلف؛‬
‫فإذا حلف خصمه بال سكن قلبه‪ .‬وقيل‪" :‬بذكر ال" أي بطاعة ال‪ .‬وقيل‪ :‬بثواب ال‪ .‬وقيل‪ :‬بوعد‬
‫ال‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم" ابتداء وخبره‪ .‬وقيل‪ :‬معناه لهم طوبى‪،‬‬
‫في"طوبى" رفع بالبتداء‪ ،‬ويجوز أن يكون موضعه نصبا على تقديير‪ :‬جعل لهم طوبى‪ ،‬ويعطف‬
‫عليه "وحسن مآب" على الوجهين المذكورين‪ ،‬فترفع أو تنصب‪ .‬وذكر عبدالرزاق‪ :‬أخبرنا معمر‬
‫عين يحييى بين أبيي كثيير عين عمرو بين أبيي يزييد البكالي عين عتبية بين عبدالسيلمي قال‪( :‬جاء‬
‫أعرابيي إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأله عين الجنية وذكير الحوض فقال‪ :‬فيهيا فاكهية؟ قال‪:‬‬
‫(نعم شجرة تدعى طوبى) قال‪ :‬يا رسول ال! أي شجر أرضنا تشبه؟ قال (ل تشبه شيئا من شجر‬
‫أرضيك أأتييت الشام هناك شجرة تدعيي الجوزة تنبيت على سياق ويفترش أعلهيا)‪ .‬قال‪ :‬ييا رسيول‬
‫ال! فمييا عظييم أصييلها! قال‪( :‬لو ارتحلت جذعية ميين إبييل أهلك مييا أحطييت بأصييلها حتييى تنكسيير‬
‫ترقوتها هرما)‪ .‬وذكر الحديث‪ ،‬وقد كتبناه بكمال في أبواب الجنة من كتاب "التذكرة"‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫وذكير ابين المبارك قال‪ :‬أخبرنيا معمير عين الشعيث عين عبدال عين شهير بين حوشيب عين أبيي‬
‫هريرة قال‪ :‬في الجنة شجرة يقال لها طوبى؛ يقول ال تعالى لها‪ :‬تفتقي لعبدي عما شاء؛ فتفتق له‬
‫عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء‪ ،‬وتفتق عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء‪،‬‬
‫وعين النجائب والثياب‪ .‬وذكير ابين وهيب مين حدييث شهير بين حوشيب عين أبيي أمامية الباهلي قال‪:‬‬
‫"طوبيى" شجرة فيي الجنية ليس منهيا دار إل وفيهيا غصن منهيا‪ ،‬ول طيير حسين إل هو فيها‪ ،‬ول‬
‫ثمرة إل هيي منهيا؛ وقيد قييل‪ :‬إن أصيلها فيي قصير النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي الجنية‪ ،‬ثيم تنقسيم‬
‫فروعهيا على منازل أهيل الجنية‪ ،‬كميا انتشير منيه العلم واليمان على جمييع أهيل الدنييا‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس‪" :‬طوبيى لهيم" فرح لهيم وقرة عيين؛ وعنيه أيضيا أن "طوبيى" اسيم الجنية بالحبشيية؛ وقال‬
‫سعيد بن جبير‪ .‬الربيع بن أنس‪ :‬هو البستان بلغة الهند؛ قال القشيري‪ :‬إن صح هذا فهو وفاق بين‬
‫اللغتين‪ .‬وقال قتادة‪" :‬طوبى لهم" حسنى لهم‪ .‬عكرمة‪ :‬نعمى لهم‪ .‬إبراهيم النخعي‪ :‬خير لهم‪ ،‬وعنه‬
‫أيضيا كرامية مين ال لهيم‪ .‬الضحاك‪ :‬غبطية لهيم‪ .‬النحاس‪ :‬وهذه القوال متقاربية؛ لن طوبيى فعلى‬
‫مين الطييب؛ أي العييش الطييب لهيم؛ وهذه الشياء ترجيع إلى الشييء الطييب‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬طوبيى‬
‫فعلى من الطيب‪ ،‬وهي الحالة المستطابة لهم؛ والصل طيبي‪ ،‬فصارت الياء واوا لسكونها وضم‬
‫ما قبلها‪ ،‬كما قالوا‪ :‬موسر وموقن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصيييحيح أنهيييا شجرة؛ للحدييييث المرفوع الذي ذكرناه‪ ،‬وهيييو صيييحيح على ميييا ذكره‬
‫السيهيلي؛ ذكره أبيو عمير فيي التمهييد‪ ،‬ومنيه نقلناه؛ وذكره أيضيا الثعلبيي فيي تفسييره؛ وذكير أيضيا‬
‫المهدوي والقشيري عن معاوية بن قرة عن أبييه أن رسول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬طوبيى‬
‫شجرة في الجنة غرسها ال بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من‬
‫وراء سيور الجنية) ومين أراد زيادة على هذه الخبار فليطالع الثعلبيي‪ .‬وقال ابين عباس‪" :‬طوبيى"‬
‫شجرة فيي الجنة أصيلها فيي دار علي‪ ،‬وفيي دار كيل مؤمين منهيا غصين‪ .‬وقال أبيو جعفير محميد بين‬
‫علي‪(:‬سيئل النيبي صيلى ال علييه وسيلم عين قوله تعالى‪" :‬طوبيى لهيم وحسين مآب" قال‪( :‬شجرة‬
‫أصلها في داري وفروعها في الجنة) ثم سئل عنها مرة أخرى فقال‪( :‬شجرة أصلها في دار على‬
‫وفروعهيا فيي الجنية)‪ .‬فقييل له‪ :‬ييا رسيول ال! سيئلت عنهيا فقلت‪( :‬أصيلها فيي داري وفروعهيا فيي‬
‫الجنية) ثيم سيئلت عنها فقلت‪( :‬أصيلها في دار علي وفروعها فيي الجنة) فقال النيبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد) وعنه صلى ال عليه وسلم‪( :‬هي‬
‫شجرة أصلها في داري وما من دار من دوركم إل مدلى فيها غصن منها) "وحسن مآب" آب إذا‬
‫رجح‪ .‬وقيل‪ :‬تقدير الكلم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال وعملوا الصالحات طوبى لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم‬
‫يكفرون بالرحمن قل هو ربي ل إله إل هو عليه توكلت وإليه متاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم" أي أرسلناك كما أرسلنا النبياء من‬
‫قبلك؛ قاله الحسين‪ .‬وقييل‪ :‬شبيه النعام على مين أرسيل إلييه محميد علييه السيلم بالنعام على مين‬
‫أرسيل إلييه النيبياء قبله‪" .‬لتتلو عليهيم الذي أوحينيا إلييك" يعنيي القرآن‪" .‬وهيم يكفرون بالرحمين"‬
‫قال مقاتيل وابين جرييج‪ :‬نزلت فيي صيلح الحديبيية حيين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصيلح‪ ،‬فقال النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لعلي‪( :‬اكتب بسم ال الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو والمشركون‪ :‬ما‬
‫نعرف الرحمين إل صياحب اليمامية‪ ،‬يعنون مسييلمة الكذاب؛ اكتيب باسيمك اللهيم‪ ،‬وهكذا كان أهيل‬
‫الجاهليية يكتبون؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم لعلي‪( :‬اكتيب هذا ميا صيالح علييه محميد رسيول‬
‫ال) فقال مشركيو قرييش‪ :‬لئن كنت رسول ال ثيم قاتلناك وصددناك لقد ظلمناك‪ ،‬ولكن اكتيب‪ :‬هذا‬
‫ما صالح عليه محمد بن عبدال؛ فقال أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬دعنا نقاتلهم؛ فقال‪( :‬ل‬
‫ولكن اكتب ما يريدون) فنزلت‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬اسيجدوا للرحمين) [الفرقان‪ "]60 :‬قالوا وميا الرحمين" فنزلت‪" .‬قيل" لهيم ييا‬
‫محمد‪ :‬الذي أنكرتم‪" .‬هو ربي ل إله إل هو" ول معبود سواه؛ هو واحد بذاته؛ وإن اختلفت أسماء‬
‫صييفاته‪" .‬عليييه توكلت" واعتمدت ووثقييت‪" .‬وإليييه متاب" أي مرجعييي غدا‪ ،‬واليوم أيضييا عليييه‬
‫توكلت ووثقيت‪ ،‬رضيا بقضائه‪ ،‬وتسيليما لمره‪ .‬وقييل‪ :‬سيمع أبيو جهيل رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم يدعيو فيي الحجير ويقول‪( :‬ييا ال ييا رحمين) فقال‪ :‬كان محميد ينهانيا عين عبادة اللهية وهيو‬
‫يدعو إلهين؛ فنزلت هذه الية‪ ،‬ونزل‪" .‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن" [السراء‪.]110 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 31 :‬ولو أن قرآنيا سييرت بيه الجبال أو قطعيت بيه الرض أو كلم بيه الموتيى بيل ل‬
‫المييير جميعيييا أفلم ييأس الذيييين آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعيييا ول يزال الذيييين كفروا‬
‫تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد ال إن ال ل يخلف الميعاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" هذا متصل بقوله‪" :‬لول أنزل عليه آية من ربه"‬
‫[يونيس‪ .]20 :‬وذلك أن نفرا مين مشركيي مكية فيهيم أبيو جهيل وعبدال بين أبيي أميية المخزوميان‬
‫جلسوا خلف الكعبة‪ ،‬ثم أرسلوا إلى رسول ال فأتاهم؛ فقال له عبدال‪ :‬إن سرك أن نتبعك فسير لنا‬
‫جبال مكية بالقرآن‪ ،‬فأذهبهيا عنيا حتيى تنفسيح؛ فإنهيا أرض ضيقية‪ ،‬واجعيل لنيا فيهيا عيونيا وأنهارا‪،‬‬
‫حتيى نغرس ونزرع؛ فلسيت كميا زعميت بأهون على ربيك مين داود حيين سيخر له الجبال تسيير‬
‫معه‪ ،‬وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا‪ ،‬ثم نرجع من يومنا؛ فقد‬
‫كان سليمان سحرت له الريح كما زعمت؛ فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود‪ ،‬وأحي لنا‬
‫قصيا جدك‪ ،‬أو من شئت أنت من موتانا نسأله؛ أحق ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيى‬
‫الموتى‪ ،‬ولست بأهون على ال منه؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" الية؛ قال‬
‫معناه الزبييير بيين العوام ومجاهييد وقتادة والضحاك؛ والجواب محذوف تقديره‪ :‬لكان هذا القرآن‪،‬‬
‫لكن حذف إيجازا‪ ،‬لما في ظاهر الكلم من الدللة عليه؛ كما قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ولكنها نفس تساقط أنفسا‬ ‫فلو أنها نفس تموت جميعة‬
‫يعنييي لهان علي؛ هذا معنييى قول قتادة؛ قال‪ :‬لو فعييل هذا قرآن قبييل قرآنكييم لفعله قرآنكييم‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫الجواب متقدم‪ ،‬وفي الكلم تقديم وتأخير؛ أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما‬
‫اقترحوا‪ .‬الفراء‪ :‬يجوز أن يكون الجواب لو فعيييل بهيييم هذا لكفروا بالرحمييين‪ .‬الزجاج‪" :‬ولو أن‬
‫قرآنيا" إلى قوله‪" :‬الموتيى" لميا آمنوا‪ ،‬والجواب المضمير هنيا ميا أظهير فيي قوله‪" :‬ولو أننيا نزلنيا‬
‫إليهم الملئكة" [النعام‪ ]111 :‬إلى قوله‪" :‬ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء ال" [النعام‪.]111 :‬‬
‫"بل ل المر جميعا" أي هو المالك لجميع المور‪ ،‬الفاعل لما يشاء منها‪ ،‬فليس ما تلتمسونه مما‬
‫يكون بالقرآن‪ ،‬إنما يكون بأمر ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفلم ييئس الذيين آمنوا" قال الفراء قال الكلبيي‪" :‬ييأس" بمعنيى يعلم‪ ،‬لغية النخيع؛‬
‫وحكاه القشيري عيين ابيين عباس؛ أي أفلم يعلموا؛ وقاله الجوهري فييي الصييحاح‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو لغيية‬
‫هوازن؛ أي أفلم يعلم؛ عيين ابيين عباس ومجاهييد والحسيين‪ .‬وقال أبييو عييبيدة‪ :‬أفلم يعلموا ويتييبينوا‪،‬‬
‫وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النصري‪:‬‬
‫ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم‬ ‫أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني‬
‫ييسرونني من الميسر‪ ،‬وقد تقدم في "البقرة" ويروى يأسرونني من السر‪ .‬وقال رباح بن عدي‪:‬‬
‫وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا‬ ‫ألم ييأس القوام أني أنا ابنه‬
‫فييي كتاب الرد "أنييي أنييا ابنييه" وكذا ذكره الغزنوي‪ :‬ألم يعلم؛ والمعنييى على هذا‪ :‬أفلم يعلم الذييين‬
‫آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعيييا مييين غيييير أن يشاهدوا اليات‪ .‬وقييييل‪ :‬هيييو مييين اليأس‬
‫المعروف؛ أي أفلم ييأس الذيين آمنوا مين إيمان هؤلء الكفار‪ ،‬لعلمهيم أن ال تعالى لو أراد هدايتهيم‬
‫لهداهييم؛ لن المؤمنييين تمنوا نزول اليات طمعييا فييي إيمان الكفار‪ .‬وقرأ علي وابيين عباس‪" :‬أفلم‬
‫يتييبين الذييين آمنوا" ميين البيان‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقيييل لبيين عباس المكتوب "أفلم ييئس" قال‪ :‬أظيين‬
‫الكاتيب كتبهيا وهيو ناعيس؛ أي زاد بعيض الحروف حتيى صيار "ييئس"‪ .‬قال أبيو بكير النباري‪:‬‬
‫روي عين عكرمية عين ابين أبيي‪ :‬نجييح أنيه قرأ ‪" -‬أفلم يتيبين الذيين آمنوا" وبهيا احتيج مين زعيم أنيه‬
‫الصيواب فيي التلوة؛ وهيو باطيل عين بين عباس‪ ،‬لن مجاهدا وسيعيد بين جيبير حكييا الحرف عين‬
‫ابن عباس‪ ،‬على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن‬
‫ابيين عباس؛ ثييم إن معناه‪ :‬أفلم يتييبين؛ فإن كان مراد ال تحييت اللفظيية التييي خالفوا بهييا الجماع‬
‫فقراءتنيا تقيع عليهيا‪ ،‬وتأتيي بتأويلهيا‪ ،‬وإن أراد ال المعنيى الخير الذي اليأس فييه لييس مين طرييق‬
‫العلم فقيد سيقط مميا أوردوا؛ وأميا سيقوطه يبطيل القرآن‪ ،‬ولزوم أصيحابه البهتان‪" .‬أن لو يشاء ال‬
‫لهدى الناس جميعيا" "أن" مخففية مين القيلة‪ ،‬أي أنيه لو يشاء ال "لهدى الناس جميعيا" وهيو يرد‬
‫على القدرية وغيرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يزال الذيين كفروا تصييبهم بميا صينعوا قارعية" أي داهيية تفجؤهيم بكفرهيم؛‬
‫وعتوهم؛ ويقال‪ :‬قرعه أمر إذا أصابه‪ ،‬والجمع قوارع؛ والصل في القرع الضرب؛ قال‪:‬‬
‫قرع القواقيز أفواه الباريق‬ ‫أفني تلدي وما جمعت من نشب‬
‫أي ل يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو‬
‫جدب‪ ،‬أو غييير ذلك ميين العذاب والبلء؛ كمييا نزل بالمسييتهزئين‪ ،‬وهييم رؤسيياء المشركييين‪ .‬وقال‬
‫عكرمة عن ابن عباس‪ :‬القارعة النكبة‪ .‬وقال ابن عباس أيضا وعكرمة‪ :‬القارعة الطلئع والسرايا‬
‫التيي كان ينفذهيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لهيم "أو تحيل" أي القارعية‪" .‬قريبيا مين دارهيم"‬
‫قاله قتادة والحسن‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أو تحل أنت قريبا من دارهم‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت الية بالمدينة؛ أي‬
‫ل تزال تصييبهم القوارع فتنزل بسياحتهم أو بالقرب منهيم كقرى المدينية ومكية‪" .‬حتيى يأتيي وعيد‬
‫ال" فيي فتيح مكية؛ قاله مجاهيد وقتادة وقييل‪ :‬نزلت بمكية؛ أي تصييبهم القوارع‪ ،‬وتخرج عنهيم إلى‬
‫المدينية ييا محميد‪ ،‬فتحيل قريبيا مين دارهيم‪ ،‬أو تحيل بهيم محاصيرا لهيم؛ وهذه المحاصيرة لهيل‬
‫الطائف‪ ،‬ولقلع خييبر‪ ،‬ويأتيي وعيد ال بالذن لك فيي قتالهيم وقهرهيم‪ .‬وقال الحسين‪ :‬وعيد ال يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقييد اسييتهزئ برسييل ميين قبلك فأمليييت للذييين كفروا ثييم أخذتهييم" تقدم معنييى‬
‫السيتهزاء فيي "البقرة" ومعنيى الملء فيي "آل عمران" أي سيخر بهيم‪ ،‬وأزري عليهيم؛ فأمهلت‬
‫الكافرين مدة ليؤمن من كان في علمي أنه يؤمن منهم؛ فلما حق القضاء أخذتهم بالعقوبة‪" .‬فكيف‬
‫كان عقاب" أي فكيف رأيتم ما صنعت بهم‪ ،‬فكذلك أصنع بمشركي قومك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا ل شركاء قل سموهم أم تنبئونه‬
‫بما ل يعلم في الرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن‬
‫يضلل ال فما له من هاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمين هيو قائم على كيل نفيس بميا كسيبت" لييس هذا القيام القيام الذي هيو ضيد‬
‫القعود‪ ،‬بل هو بمعنيى التولي لمور الخلق؛ كما يقال‪ :‬قام فلن بشغل كذا؛ فإنه قائم على كل نفس‬
‫بميا كسيبت أي يقدرهيا على الكسيب‪ ،‬ويخلقهيا ويرزقهيا ويحفظهيا ويجازيهيا على عملهيا؛ فالمعنيى‪:‬‬
‫أنه حافظ ل يغفل‪ ،‬والجواب محذوف؛ والمعنى‪ :‬أفمن هو حافظ ل يغفل كمن يغفل‪ .‬وقيل‪" :‬أفمن‬
‫هو قائم" أي عالم؛ قاله العمش‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫سرقتم ثياب البيت وال قائم‬ ‫فلول رجال من قريش أعزة‬
‫أي عالم؛ فال عالم بكسب كل نفس‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بذلك الملئكة الموكلون ببني آدم‪ ،‬عن الضحاك‪.‬‬
‫"وجعلوا" حال؛ أي أوقد جعلوا‪ ،‬أو عطف على "استهزئ" أي استهزؤوا وجعلوا؛ أي سموا "ل‬
‫شركاء" يعنييي أصييناما جعلوهييا آلهيية‪" .‬قييل سييموهم" أي قييل لهييم يييا محمييد‪" :‬سييموهم" أي بينوا‬
‫أسيماءهم‪ ،‬على جهية التهدييد؛ أي إنميا يسيمون‪ :‬اللت والعزى ومناة وهبيل‪" .‬أم تنبئونيه بميا ل يعلم‬
‫فيي الرض" "أم" اسيتفهام توبييخ‪ ،‬أي أتنبئونيه؛ وهيو على التحقييق عطيف على اسيتفهام متقدم فيي‬
‫المعنيى؛ لن قوله‪" :‬سيموهم" معناه‪ :‬ألهيم أسيماء الخالقيين‪" .‬أم تنبئونيه بميا ل يعلم فيي الرض"؟‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنيى قل لهم أتنبئون ال بباطن ل يعلمه‪" .‬أم بظاهير من القول" يعلمه؟ فإن قالوا‪ :‬بباطن‬
‫ل يعلميه أحالوا‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬بظاهير يعلميه فقيل لهيم‪ :‬سيموهم؛ فإذا سيموهم اللت والعزى فقيل لهيم‪:‬‬
‫إن ال ل يعلم لنفسيه شريكيا‪ .‬وقييل‪" :‬أم تنبئونيه" عطيف على قوله‪" :‬أفمين هيو قائم" أي أفمين هيو‬
‫قائم‪ ،‬أم تنبئون ال بمييا ل يعلم؛ أي أنتييم تدعون ل شريكييا‪ ،‬وال ل يعلم لنفسييه شريكييا؛ أفتنبئونييه‬
‫بشرييك له فيي الرض وهيو ل يعلميه! وإنميا خيص الرض بنفيي الشرييك عنهيا وإن لم يكين له‬
‫شريك في غير الرض لنهم ادعوا له شركاء في الرض‪ .‬ومعنى‪" .‬أم بظاهر من القول"‪ :‬الذي‬
‫أنزل ال على أنبيائه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معناه بباطل من القول؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر‬ ‫أعيرتنا ألبانها ولحومها‬
‫أي باطيل‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬بكذب مين القول‪ .‬ويحتميل خامسيا ‪ -‬أن يكون الظاهير مين القول حجية‬
‫يظهرونهيا بقولهيم؛ ويكون معنيى الكلم‪ :‬أتجيبرونه بذلك مشاهديين‪ ،‬أم تقولون محتجيين‪" .‬بيل زيين‬
‫للذين كفروا مكرهم" أي دع هذا! بل زين للذين كفروا مكرهم قيل‪ :‬استدراك‪ .‬على هذا الوجه‪ ،‬أي‬
‫لييس ل شرييك‪ ،‬لكين زيين للذيين كفروا مكرهيم‪ .‬وقرأ ابين عباس ومجاهيد ‪" -‬بيل زيين للذيين كفروا‬
‫مكرهييم" مسييمى الفاعييل‪ ،‬وعلى قراءة الجماعيية فالذي زييين للكافرييين مكرهييم ال تعالى‪ ،‬وقيييل‪:‬‬
‫الشيطان‪ .‬ويجوز أن يسيمى الكفير مكرا؛ لن مكرهيم بالرسيول كان كفرا‪" .‬وصيدوا عين السيبيل"‬
‫أي صدهم ال؛ وهي قراءة حمزة والكسائي‪ .‬الباقون بالفتح؛ أي صدوا غيرهم؛ واختاره أبو حاتم‪،‬‬
‫اعتبارا بقوله‪" :‬ويصيدون عين سيبيل ال" [النفال‪ ]47 :‬وقوله‪" :‬هيم الذيين كفروا وصيدوكم عين‬
‫المسجد الحرام" [الفتح‪ .]25 :‬وقراءة الضم أيضا حسنة في "زين" و"صدوا" لنه معلوم أن ال‬
‫فاعيل‪ ،‬ذلك فيي مذهيب أهيل السينة؛ ففييه إثبات القدر‪ ،‬وهيو اختيار أبيي عبييد‪ .‬وقرأ يحييى بين وثاب‬
‫وعلقمة ‪" -‬وصِدوا" بكسر الصاد؛ وكذلك‪" .‬هذه بضاعتنا ردت إلينا" [يوسف‪ ]65 :‬بكسر الراء‬
‫أيضيا على ميا لم يسيم فاعله؛ وأصيلها صيددوا ورددت‪ ،‬فلميا أدغميت الدال الولى فيي الثانيية نقلت‬
‫حركتهيا على ميا قبلهيا فانكسير‪" .‬ومين يضلل ال" بخذلنيه‪" .‬فميا له مين هاد" أي موفيق؛ وفيي هذا‬
‫إثبات قراءة الكوفيييين وميين تابعهييم؛ لقوله‪ ،" :‬وميين يضلل ال" فكذلك قوله‪" :‬وصييدوا"‪ .‬ومعظييم‬
‫القراء يقفون على الدال مين غيير الياء؛ وكذلك "وال" و"واق"؛ لنيك تقول فيي الرجيل‪ :‬هذا قاض‬
‫ووال وهاد‪ ،‬فتحذف الياء لسييكونها والتقائهييا مييع التنوييين‪ .‬وقرئ "فمييا له ميين هادي" و"والي"‬
‫و"واقييي" بالياء؛ وهييو على لغيية ميين يقول‪ :‬هذا داعييي وواقييي بالياء؛ لن حذف الياء فييي حالة‬
‫الوصيل للتقائهيا ميع التنويين‪ ،‬وقيد أمنيا هذا فيي الوقيف؛ فردت الياء فصيار هادي ووالي وواقيي‪.‬‬
‫وقال الخلييل فيي نداء قاض‪ :‬ييا قاضيي بإثبات الياء؛ إذ ل تنويين ميع النداء‪ ،‬كميا ل تنويين فيي نحيو‬
‫الداعي والمتعالي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الخرة أشق وما لهم من ال من واق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لهيم عذاب فيي الحياة الدنييا" أي للمشركيين الصيادين‪ :‬بالقتيل والسيبي والسيار‪،‬‬
‫وغير ذلك من السقام والمصائب‪" .‬ولعذاب الخرة أشق" أي أشد؛ من قولك‪ :‬شق علي كذا يشق‪.‬‬
‫"وما لهم من ال من واق" أي مانع يمنعهم من عذابه ول دافع‪ .‬و"من" زائدة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 35 :‬مثيل الجنية التيي وعيد المتقون تجري مين تحتهيا النهار أكلهيا دائم وظلهيا تلك‬
‫عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثل الجنة التي وعد المتقون" اختلف النحاة في رفع "مثل" فقال سيبويه‪ :‬ارتفع‬
‫بالبتداء والخيبر محذوف؛ والتقديير‪ :‬وفيميا يتلى عليكيم مثيل الجنية‪ .‬وقال الخلييل‪ :‬ارتفيع البتداء‬
‫وخيبره "تجري مين تحتهيا النهار" أي صيفة الجنية التيي وعيد المتقون تجري مين تحتهيا النهار؛‬
‫كقولك‪ :‬قولي يقوم زيييد؛ فقولي مبتدأ‪ ،‬ويقوم زيييد خييبره؛ والمثييل بمعنييى الصييفة موجود؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬ذلك مثلهيم فيي التوراة ومثلهيم فيي النجييل" [الفتيح‪ ]29 :‬وقال‪" :‬ول المثيل العلى"‬
‫[النحيل‪ ]60 :‬أي الصيفة العلييا؛ وأنكره أبيو علي وقال‪ :‬لم يسيمع مثيل بمعنيى الصيفة؛ إنميا معناه‬
‫الشبيه؛ أل تراه يجري مجراه فيي مواضعيه ومتصيرفاته‪ ،‬كقولهيم‪ :‬مررت برجيل مثلك؛ كميا تقول‪:‬‬
‫مررت برجل شبهك؛ قال‪ :‬ويفسد أيضا من جهة المعنى؛ لن مثل إذا كان معناه صفة كان تقدير‬
‫الكلم‪ :‬صيفة الجنية التيي فيهيا أنهار‪ ،‬وذلك غيير مسيتقيم؛ لن النهار فيي الجنية نفسيها ل صيفتها‬
‫وقال الزجاج‪ :‬مثيل ال عيز وجيل لنيا ميا غاب عنيا بميا نراه؛ والمعنيى‪ :‬مثيل الجنية جنية تجري مين‬
‫تحتهيا النهار؛ وأنكره أبو علي فقال‪ :‬ل يخلو المثل على قوله أن يكون الصفة أو الشبه‪ ،‬وفي كل‬
‫الوجهيين ل يصيح ميا قاله؛ لنيه إذا كان بمعنيى الصيفة لم يصيح‪ ،‬لنيك إذا قلت‪ :‬صيفة الجنية جنية‪،‬‬
‫فجعلت الجنية خيبرا لم يسيتقم ذلك؛ لن الجنية ل تكون الصيفة‪ ،‬وكذلك أيضيا شبيه الجنية جنية؛ أل‬
‫ترى أن الشبيه عبارة عين المماثلة التيي بيين المتماثليين‪ ،‬وهيو حدث؛ والجنية غيير حدث؛ فل يكون‬
‫الول الثاني‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المثل مقحم للتأكيد؛ والمعنى‪ :‬الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها‬
‫النهار؛ والعرب تفعيل ذلك كثيرا بالمثيل؛ كقوله‪" :‬لييس كمثله شييء" [الشورى‪ :]11 :‬أي لييس‬
‫هيو كشييء‪ .‬وقييل التقديير‪ :‬صيفة الجنية التيي وعيد المتقون صيفة جنية "تجري مين تحتهيا النهار"‬
‫وقييل معناه‪ :‬شبيه الجنية التيي وعيد المتقون فيي الحسين والنعمية والخلود كشبيه النار فيي العذاب‬
‫والشدة والخلود؛ قاله مقاتييل‪" .‬أكلهييا دائم وظلهييا" ل ينقطييع؛ وفييي الخييبر‪( :‬إذا أخذت ثمرة عادت‬
‫مكانهيا أخرى) وقيد بيناه فيي "التذكرة"‪" .‬وظلهيا" أي وظلهيا كذلك؛ فحذف؛ أي ثمرهيا ل ينقطيع‪،‬‬
‫وظلها ل يزول؛ وهذا رد على الجهمية في زعمهم أن نعيم الجنة يزول ويفني‪" .‬تلك عقبى الذين‬
‫اتقوا وعقبى الكافرين النار" أي عاقبة أمر المكذبين وآخرتهم النار يدخلونها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الحزاب من ينكر بعضه قل‬
‫إنما أمرت أن أعبد ال ول أشرك به إليه أدعو وإليه مآب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك" أي بعض من أوتي الكتاب يفرح‬
‫بالقرآن‪ ،‬كابين سيلم وسيلمان‪ ،‬والذيين جاؤوا مين الحبشية؛ فاللفيظ عام‪ ،‬والمراد الخصيوص‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم يفرحون بنور القرآن؛ وقاله مجاهد وابن زيد‪ .‬وعن‬
‫مجاهييد أيضييا أنهييم مؤمنييو أهييل الكتاب‪ .‬وقيييل‪ :‬هييم جماعيية أهييل الكتاب ميين اليهود والنصييارى‬
‫يفرحون بنزول القرآن لتصيديقه كتبهيم‪ .‬وقال أكثير العلماء‪ :‬كان ذكير الرحمين فيي القرآن قليل فيي‬
‫أول ميا أنزل‪ ،‬فلميا أسيلم عبدال بين سيلم وأصيحابه سياءهم قلة ذكير الرحمين فيي القرآن ميع كثرة‬
‫ذكره في التوراة؛ فسألوا النيبي عن ذلك؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬قيل ادعوا ال أو ادعوا الرحمين أيا ميا‬
‫تدعوا فله السيماء الحسينى" [السيراء‪ ]110 :‬فقالت قرييش‪ :‬ميا بال محميد يدعيو إلى إله واحيد‬
‫فأصبح اليوم يدعو إلهين‪ ،‬ال والرحمن! وال ما نعرف الرحمن إل رحمن اليمامة‪ ،‬يعنون مسيلمة‬
‫الكذاب؛ فنزلت‪" :‬وهييم بذكيير الرحميين هييم كافرون" [النييبياء‪" ]36 :‬وهييم يكفرون بالرحميين"‬
‫[الرعد‪ ]30 :‬ففرح مؤمنو أهل الكتاب بذكير الرحمن؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬والذين آتيناهيم الكتاب‬
‫يفرحون بمييا أنزل إليييك"‪" .‬وميين الحزاب" يعنييي مشركييي مكيية‪ ،‬وميين لم يؤميين ميين اليهود‬
‫والنصارى والمجوس‪ .‬وقيل‪ :‬هم العرب المتحزبون على النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬ومن‬
‫أعداء المسيلمون مين ينكير بعيض ميا فيي القرآن؛ لن فيهيم مين كان يعترف ببعيض النيبياء‪ ،‬وفيهيم‬
‫ميين كان يعترف بأن ال خالق السييماوات والرض‪" .‬قييل إنمييا أمرت أن أعبييد ال ول أشرك بييه"‬
‫قراءة الجماعيية بالنصييب عطفييا على "أعبييد"‪ .‬وقرأ أبييو خالد بالرفييع على السييتئناف أي أفرده‬
‫بالعبادة وحده ل شريك له‪ ،‬وأتبرأ عن المشركين‪ ،‬ومن قال‪ :‬المسيح ابن ال وعزير ابن ال‪ ،‬ومن‬
‫اعتقد التشبيه كاليهود‪" .‬إليه أدعو" أي إلى عبادته أدعو الناس‪" .‬وإليه مآب" أي أرجع في أموري‬
‫كلها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك‬
‫من ال من ولي ول واق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك أنزلناه حكما عربيا" أي وكما أنزلنا عليك القرآن فأنكره بعض الحزاب‬
‫كذلك أنزلناه حكميا عريبيا؛ وإذا وصيفه بذلك لنيه أنزله على محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وهيو‬
‫عربي‪ ،‬فكذب الحزاب بهذا الحكم أيضا‪ .‬وقيل نظم الية‪ :‬وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم‬
‫كذلك أنزلنا إليك القرآن حكما عربيا‪ ،‬أي بلسان العرب؛ ويريد بالحكم ما فيه من الحكام‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أراد بالحكم العربي القرآن كله؛ لنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم‪" .‬ولئن اتبعت أهواءهم" أي‬
‫أهواء المشركيين فيي عبادة ميا دون ال‪ ،‬وفيي التوجييه إلى غيير الكعبية‪" .‬بعدميا جاءك مين العلم ميا‬
‫لك مين ال مين ولي ول واق" أي ناصير ينصيرك‪" .‬ول واق" يمنعيك مين عذابيه؛ والخطاب للنيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والمراد المة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬ولقد أرسلنا رسل من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي‬
‫بآية إل بإذن ال لكل أجل كتاب}‬
‫@ قيل‪ :‬إن اليهود عابوا على النبي صلى ال عليه وسلم الزواج‪ ،‬وعيرته بذلك وقالوا‪ :‬ما نرى‬
‫لهذا الرجييل هميية إل النسيياء والنكاح‪ ،‬ولو كان نبيييا لشغله أم النبوة عيين النسيياء؛ فأنزل ال هذه‬
‫واليية‪ ،‬وذكرهيم أمير داود وسيليمان فقال‪" :‬ولقيد أرسيلنا مين قبلك وجعلنيا لهيم أزواجيا وذريية" أي‬
‫جعلناهم بشرا يقصون ما أحل ال من شهوات الدنيا‪ ،‬وإنما التخصيص في الوحي‪.‬‬
‫@ هذه الية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه‪ ،‬وتنهي عن التبتل‪ ،‬وهو ترك النكاح‪،‬‬
‫وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الية‪ ،‬والسنة واردة بمعناها؛ قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(تزوجوا فإني مكاثر بكم المم) الحديث‪ .‬وقد تقدم في "آل عمران" وقال‪( :‬من تزوج فقد استكمل‬
‫نصيف الديين فليتيق ال فيي النصيف الثانيي)‪ .‬ومعنيى ذلك أن النكاح يعيف عن الزنيي‪ ،‬والعفاف أحيد‬
‫الخصلتين اللتين ضمن رسول ال صلى ال عليه وسلم عليهما الجنة فقال‪( :‬من وقاه ال شر اثنتين‬
‫ولج الجنية ميا بيين لحيييه وميا بيين رجلييه) خرجيه الموطيأ وغيره‪ .‬وفيي صيحيح البخاري عين أنيس‬
‫قال‪( :‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي صلى ال عليه وسلم! قد غفر‬
‫ال له ميا تقدم مين ذنبيه وميا تأخير‪ .‬فقال أحدهيم‪ :‬أميا أنيا فإنيي أصيلي اللييل أبدا‪ ،‬وقال الخير‪ :‬إنيي‬
‫أصوم الدهر فل أفطر‪ .‬وقال الخر‪ :‬أنا أعتزل النساء فل أتزوج؛ فجاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إليهم فقال‪( :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما وال إني لخشاكم ل وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر‬
‫وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)‪ .‬خرجه مسلم بمعناه؛ وهذا أبين‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عين سيعد بين أبيي وقاص قال‪(:‬أراد عثمان أن يتبتيل فنهاه النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم؛ ولو أجاز له ذلك لختصيينا‪ ،‬وقيد تقدم فيي "آل عمران" الحيض على طلب الولد والرد على‬
‫مين جهل ذلك‪ .‬وقد روي عن عمير بن الخطاب رضيي ال عنه أنه كان يقول‪ :‬إني لتزوج المرأة‬
‫وما لي فيها من حاجة‪ ،‬وأطؤها وما أشتهيها؛ قيل له‪ :‬وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال‪:‬‬
‫حيبي أن يخرج ال منيي من يكاثير به النيبي صيلى ال علييه وسيلم النيبيين يوم القيامة؛ وإنيي سيمعته‬
‫يقول‪( :‬عليكم بالبكار فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلقا وأنتق أرحاما وإني مكاثر بكم المم يوم‬
‫القياميية) يعنييي بقول‪( :‬أنتييق أرحامييا) أقبييل للولد؛ ويقال للمرأة الكثيرة الولد ناتييق؛ لنهييا ترمييي‬
‫بالولد رمييا‪ .‬وخرج أبيو داود عين معقيل بين يسيار قال‪ :‬جاء رجيل إلى رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم فقال‪ :‬إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال‪ ،‬وإنها ل تلد‪ ،‬أفأتزوجها؟ قال "ل" ثم أتاه الثانية‬
‫فنهاه‪ ،‬ثييم أتاه الثالثيية فقال‪( :‬تزوجوا الودود الولود فإنييي مكاثيير بكييم المييم)‪ .‬صييححه أبييو محمييد‬
‫عبدالحق وحسبك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان لرسول أن يأتي بآية إل بإذن ال" عاد الكلم إلى ما اقترحوا من اليات‬
‫‪ -‬ما تقدم ذكره في هذه السورة ‪ -‬فأنزل ال ذلك فيهم؛ وظاهر الكلم حظر ومعناه النفي؛ لنه ل‬
‫يحظير على أحيد ميا ل يقدر علييه‪" .‬لكيل أجيل كتاب" أي لكيل أمير قضاه ال كتاب عنيد ال؛ قال‬
‫الحسن‪ .‬وقيل‪ :‬فيه تقديم وتأخير‪ ،‬المعنى‪ :‬لكل كتاب أجل؛ قال الفراء والضحاك؛ أي لكل أمر كتبه‬
‫ال أجل مؤقت‪ ،‬ووقت معلوم؛ نظيره‪" .‬لكل نبأ مستقر" [النعام‪]67 :‬؛ بين أن المراد ليس على‬
‫اقتراح الميم فيي نزول العذاب‪ ،‬بيل لكيل أجيل كتاب‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى لكيل مدة كتاب مكتوب‪ ،‬وأمير‬
‫مقدر ل تقف عليه الملئكة‪ .‬وذكر الترمذي الحكيم في "نوادر الصول" عن شهر بن حوشب عن‬
‫أبيي هريرة قال‪ :‬لميا ارتقيى موسيى صيلوات ال علييه وسيلمه طور سييناء رأى الجبار فيي إصيبعه‬
‫خاتميا‪ ،‬فقال‪ :‬ييا موسيى ميا هذا؟ وهيو أعلم بيه‪ ،‬قال‪ :‬شييء مين حلي الرجال‪ ،‬قال‪ :‬فهيل علييه شييء‬
‫من أسمائي مكتوب أو كلمي؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فاكتب عليه "لكل أجل كتاب"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬يمحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت" أي يمحيو مين ذلك الكتاب ميا يشاء أن يوقعيه بأهله‬
‫ويأتيي بيه‪" .‬ويثبيت" ميا يشاء؛ أي يؤخره إلى وقتيه؛ يقال‪ :‬محوت الكتاب محوا‪ ،‬أي أذهبيت أثره‪.‬‬
‫"ويثبيت" أي ويثبتيه؛ كقوله‪" :‬والذاكريين ال كثيرا والذاكرات" [الحزاب‪ ]35 :‬أي والذاكرات‬
‫ال‪.‬‬
‫وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم "ويثبت" بالتخفيف‪ ،‬وشدد الباقون؛ وفي قراءة ابن عباس‪،‬‬
‫واختيار أبيي حاتيم وأبيي عبييد لكثرة مين قرأ بهيا؛ لقول‪" :‬يثبيت ال الذيين آمنوا" [إبراهييم‪.]27 :‬‬
‫وقال ابين عمير‪ :‬سيمعت النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت إل السيعادة‬
‫والشقاوة والموت)‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت إل أشياء؛ الخَلق والخُلق والجيل‬
‫والرزق والسيعادة والشقاوة؛ وعنيه‪ :‬هميا كتابان سيوى أم الكتاب‪ ،‬يمحيو ال منهميا ميا يشاء ويثبيت‪.‬‬
‫"وعنده أم الكتاب" الذي ل يتغير منه شيء‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق‬
‫والرزق ل تتغير؛ فالية فيما عدا هذه الشياء؛ وفي هذا القول نوع تحكم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مثييل هذا ل يدرك بالرأي والجتهاد‪ ،‬وإنمييا يؤخييذ‪ :‬توقيفييا‪ ،‬فإن صييح فالقول بييه يجييب‬
‫ويوقييف عنده‪ ،‬وإل فتكون الييية عاميية فييي جميييع الشياء‪ ،‬وهييو الظهيير وال أعلم؛ وهذا يروي‬
‫معناه عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه وابن مسعود وأبي وائل وكعب الحبار وغيرهم‪ ،‬وهو‬
‫قول الكلبي‪ .‬وعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضى ال عنه كان يطوف بالبيت وهو‬
‫يبكي ويقول‪ :‬اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها‪ ،‬وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة‬
‫والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت‪ ،‬وعندك أم الكتاب‪.‬‬
‫وقال ابين مسيعود‪ :‬اللهيم إن كنيت كتبتنيي فيي السيعداء فأثبتنيي فيهيم‪ ،‬وإن كنيت كتبتنيي فيي الشقياء‬
‫فامحنيي مين الشقياء واكتبنيي فيي السيعداء؛ فإنيك‪ :‬تمحيو ميا تشاء وتثبيت؛ وعندك أم الكتاب‪ .‬وكان‬
‫أبيو وائل يكثير أن يدعيو‪ :‬اللهيم إن كنيت كتبتنيا أشقياء فاميح واكتبنيا سيعداء‪ ،‬وإن كنيت كتبتنيا سيعداء‬
‫فأثبتنيا‪ ،‬فإنيك تمحيو ميا تشاء وتثبيت وعندك أم الكتاب‪ .‬وقال كعيب لعمير بين الخطاب‪ :‬لول آيية فيي‬
‫كتاب ال لنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة‪" .‬يمحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"‪ .‬وقال‬
‫مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها‪ :‬اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلما فإنك تمحو ما‬
‫تشاء وتثبيت وعندك أم الكتاب‪ .‬وقيد تقدم فيي الصيحيحين عين أبيي هريرة قال‪ :‬سيمعت النيبي صيلى‬
‫ال علييه وسيلم يقول‪( :‬مين سيره أن يبسيط له رزقيه وينسيأ له أثره فليصيل رحميه)‪ .‬ومثله عين أنيس‬
‫بين مالك أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين أحيب) فذكره بلفظيه سيواء؛ وفييه تأويلن‪:‬‬
‫أحدهميا‪ :‬معنوي‪ ،‬وهيو ميا يبقيى بعده مين الثناء الجمييل والذكير الحسين‪ ،‬والجير المتكرر‪ ،‬فكأنيه لم‬
‫يميت‪ .‬والخير‪ :‬يؤخير أجله المكتوب فيي اللوح المحفوظ؛ والذي فيي علم ال ثابيت ل تبدل له‪ ،‬كميا‬
‫قال‪" :‬يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت وعنده أم الكتاب"‪ .‬وقييل لبين عباس لميا روى الحدييث الصيحيح‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من أحب أن يمد ال في عمره وأجله ويبسط له في‬
‫رزقه فليتق ال وليصل رحمه) كيف يزاد في العمر والجل؟ ! فقال‪ :‬قال ال عز وجل‪" :‬هو الذي‬
‫خلقكم من طين ثم قضى أجل وأجل مسمى عنده" [النعام‪ .]2 :‬فالجل الول أجل العبد من حين‬
‫ولدتيه إلى حيين موتيه‪ ،‬والجيل الثانيي‪ :‬يعنيي المسيمى عنده ‪ -‬مين حيين وفاتيه إلى يوم يلقاه فيي‬
‫البرزخ ل يعلمه إل ال؛ فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده ال في أجل عمره الول من أجل‬
‫البرزخ؛ ما شاء‪ ،‬وإذا عصى وقطع رحمه نقصه ال من أجل عمره في الدنيا ما شاء‪ ،‬فيزيده في‬
‫البرزخ فإذا تحتمل الجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان؛ لقوله تعالى‪" :‬فإذا جاء أجلهم‬
‫ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون" [العراف‪ ]34 :‬فتوافق الخبر والية؛ وهذه زيادة في نفس‬
‫العمير وذات الجيل على ظاهير اللفيظ‪ ،‬فيي اختيار حيبر المية‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬يحكيم ال‬
‫أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء‪ ،‬إل الحياة والموت‪ ،‬والشقاء والسعادة؛ وقد‬
‫مضييى القول فيييه‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يمحييو ال مييا يشاء ميين ديوان الحفظيية مييا ليييس فيييه ثواب ول‬
‫عقاب‪ ،‬ويثبت ما فيه ثواب وعقاب؛ وروى معناه أبو صالح عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال الكلبيي‪ :‬يمحيو مين الرزق ويزييد فييه‪ ،‬ويمحيو مين الجيل ويزييد فييه‪ ،‬ورواه عين النيبي صيلى‬
‫ال علييه وسيلم‪ .‬ثيم سيئل الكلبيي عين هذه اليية فقال‪ :‬يكتيب القول كله‪ ،‬حتيى إذا كان يوم الخمييس‬
‫طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ول عقاب‪ ،‬مثل قولك‪ :‬أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحوه‪،‬‬
‫وهيو صيادق‪ ،‬ويثبيت ميا فييه الثواب والعقاب‪ .‬وقال قتادة وابين زييد وسيعيد بين جيبير‪ :‬يمحيو ال ميا‬
‫يشاء من الفرائض والنوافيل فينسيخه ويبدله‪ ،‬ويثبيت ميا يشاء فل ينسيخه‪ ،‬وجملة الناسيخ والمنسيوخ‬
‫عنده فيي أم الكتاب؛ ونحوه ذكره النحاس والمهدوي عين ابين عباس؛ قال النحاس‪ :‬وحدثنيا بكير بين‬
‫سيهل‪ ،‬قال حدثنيا أبيو صيالح‪ ،‬عين معاويية بين صيالح‪ ،‬عين علي بين أبيي طلحية عين ابين عباس‪،‬‬
‫"يمحيو ال ميا يشاء" يقول‪ :‬يبدل ال مين القرآن ميا يشاء فينسيخه‪" ،‬ويثبيت" ميا يشاء فل يبدله‪،‬‬
‫"وعنده أم الكتاب" يقول‪ :‬جملة ذلك عنده في أم الكتاب‪ ،‬الناسخ والمنسوخ‪ .‬وقال سعيد بن جبير‬
‫أيضا‪ :‬يغفر ما يشاء ‪ -‬يعني ‪ -‬من ذنوب عباده‪ ،‬ويترك ما يشاء فل يغفره‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬يمحو ما‬
‫يشاء ‪ -‬يعنيي بالتوبية ‪ -‬جمييع الذنوب ويثبيت بدل الذنوب حسينات قال تعالى‪" :‬إل مين تاب وأمين‬
‫وعميل عمل صيالحا" [الفرقان‪ ]70 :‬اليية‪ .‬وقال الحسين‪" :‬يمحيو ال ميا يشاء" مين جاء أجله‪،‬‬
‫"ويثبت" من لم يأت أجله‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يمحو الباء‪ ،‬ويثبت البناء‪ .‬وعنه أيضا‪ .‬ينسى الحفظة‬
‫مين الذنوب ول ينسيي‪ .‬وقال السيدي‪" :‬يمحيو ال ميا يشاء" يعنيي‪ :‬القمير‪" ،‬ويثبيت" يعنيي‪ :‬الشميس؛‬
‫بيانيه قوله‪" :‬فمحونيا آيية اللييل وجعلنيا آيية النهار مبصيرة" [السيراء‪ ]12 :‬وقال الربييع بين أنيس‪:‬‬
‫هذا في الرواح حالة النوم؛ يقبضها عند النوم‪ ،‬ثم إذا أراد موته فجأة أمسكه‪ ،‬ومن أراد بقاءه أثبته‬
‫ورده إلى صاحبه؛ بيانه قوله‪" :‬ال يتوفى النفس حين موتها" الية [الزمر‪ .]42 :‬وقال علي بن‬
‫أبيي طالب يمحيو ال ميا يشاء مين القرون‪ ،‬كقوله‪" :‬ألم يروا كيم أهلكنيا قبلهيم مين القرون" [ييس‪:‬‬
‫‪ ]31‬ويثبيت ميا يشاء منهيا‪ ،‬كقوله‪" :‬ثيم أنشأنيا مين بعدهيم قرنيا آخريين" [المؤمنون‪ ]31 :‬فيمحيو‬
‫قرنا‪ ،‬ويثبت قرنا‪ .‬وقيل‪ :‬هو الرجل يعمل الزمن الطويل بطاعة ال‪ ،‬ثم يعمل بمعصية ال فيموت‬
‫على ضلله؛ فهيو الذي يمحيو‪ ،‬والذي يثبيت‪ :‬الرجيل يعميل بمعصيية ال الزمان الطوييل ثيم يتوب‪،‬‬
‫فيمحوه ال مين ديوان السيييئات‪ ،‬ويثبتييه فييي ديوان الحسيينات؛ ذكره الثعلبييي والماوردي عين ابيين‬
‫عباس‪ .‬وقيييل‪ :‬يمحييو ال مييا يشاء ‪ -‬يعنييي الدنيييا ‪ -‬ويثبييت الخرة‪ .‬وقال قيييس بيين عباد فييي اليوم‬
‫العاشر من رجب‪ :‬هو اليوم الذي يمحو ال فيه ما يشاء‪ ،‬ويثبت فيه ما يشاء‪ ،‬وقد تقدم عن مجاهد‬
‫أن ذلك يكون فيي رمضان‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬إن ل لوحيا محفوظيا مسييرة خمسيمائة عام‪ ،‬مين درة‬
‫بيضاء‪ ،‬لها دفتان من ياقوتة حمراء‪ ،‬ل فيه كل يوم ثلثمائة وستون نظرة‪ ،‬يثبت ما يشاء ويمحو‬
‫ميا يشاء‪ .‬وروي أبيو الدرداء عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن ال سيبحانه يفتيح الذكير فيي‬
‫ثلث ساعات يبقين من الليل فينظر في الكتاب الذي ل ينظر فيه أحد غيره فيثبت ما يشاء ويمحو‬
‫ما يشاء)‪ .‬والعقيدة أنه ل تبديل لقضاء ال؛ وهذا المحو والثبات مما سبق به القضاء‪ ،‬وقد تقدم أن‬
‫من القضاء ما يكون واقعا محتوما‪ ،‬وهو الثابت؛ ومنه ما يكون مصروفا بأسباب‪ ،‬وهو الممحو‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وقال الغزنوي‪ :‬وعندي أن مييا فييي اللوح خرج عيين الغيييب لحاطيية بعييض الملئكيية؛‬
‫فيحتمل التبديل؛ لن إحاطة الخلق بجميع علم ال محال؛ وما في علمه من تقدير الشياء ل يبدل‪.‬‬
‫"وعنده أم الكتاب" أصيل ميا كتيب مين الجال وغيرهيا‪ .‬وقييل‪ :‬أم الكتاب اللوح المحفوظ الذي ل‬
‫يبدل ول يغيير‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنيه يجري فييه التبدييل‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا يجري فيي الجرائد الخير‪ .‬وسيئل ابين‬
‫عباس عين أم الكتاب فقال‪ :‬علم ال ميا هيو خالق‪ ،‬وميا خلقيه عاملون؛ فقال لعلميه‪ :‬كين كتابيا‪ ،‬ول‬
‫تبدييل فيي علم ال‪ ،‬وعنيه أنيه الذكير؛ دليله قوله تعالى‪" :‬ولقيد كتبنيا فيي الزبور مين بعيد الذكير"‬
‫[النيبياء‪ ]105 :‬وهذا يرجيع معناه إلى الول؛ وهيو معنيى قول كعيب‪ .‬قال كعيب الحبار‪ :‬أم‬
‫الكتاب علم ال تعالى بما خلق وبما هو خالق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلغ وعلينا الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم" "ما" زائدة‪ ،‬والتقدير‪ :‬وإن نرينك بعض الذي‬
‫نعدهم‪ ،‬أي من العذاب لقوله‪" :‬لهم عذاب في الحياة الدنيا" [الرعد‪ ]34 :‬وقوله‪" :‬ول يزال الذين‬
‫كفروا تصييبهم بميا صينعوا قارعية" [الرعيد‪ ]31 :‬أي إن أريناك بعيض ميا وعدناهيم "أو نتوفينيك‬
‫فإنما عليك البلغ" فليس عليك إل البلغ؛ أي التبليغ؛ "وعلينا الحساب" أي الجزاء والعقوبة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬أولم يروا أنا نأتي الرض ننقصها من أطرافها وال يحكم ل معقب لحكمه وهو‬
‫سريع الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يروا" يعنيي‪ ،‬أهيل مكية‪" ،‬أنيا نأتيي الرض" أي نقصيدها‪" .‬ننقصيها مين‬
‫أطرافهيا" اختلف فييه؛ فقال ابين عباس ومجاهيد‪" :‬ننقصيها مين أطرافهيا" موت علمائهيا وصيلحائها‬
‫قال القشيري‪ :‬وعلى هذا فالطراف الشراف؛ وقيد قال ابين العرابييي‪ :‬الطرف والطرف الرجييل‬
‫الكرييم؛ ولكين هذا القول بعييد‪ ،‬لن مقصيود اليية‪ :‬أنيا أريناهيم النقصيان فيي أمورهيم‪ ،‬ليعلموا أن‬
‫تأخيييير العقاب عنهييم ليييس عيين عجييز؛ إل أن يحمييل قول ابيين عباس على موت أحبار اليهود‬
‫والنصييارى‪ .‬وقال مجاهييد أيضييا وقتادة والحسيين‪ :‬هييو مييا يغلب عليييه المسييلمون ممييا فييي أيدي‬
‫المشركيين؛ وروي ذلك عين ابين عباس‪ ،‬وعنيه أيضيا هيو خراب الرض حتيى يكون العمران فيي‬
‫ناحيية منهيا؛ وعين مجاهيد‪ :‬نقصيانها خرابهيا وموت أهلهيا‪ .‬وذكير وكييع بين الجراح عين طلحية بين‬
‫عمييير عيين عطاء بيين أبييي رباح فييي قول ال تعالى‪" :‬أو لم يروا أنييا نأتييي الرض ننقصييها ميين‬
‫أطرافهيا" قال‪ :‬ذهاب فقهائهيا وخيار أهلهيا‪ .‬قال أبيو عمير بين عبدالبر‪ :‬قول عطاء فيي تأوييل اليية‬
‫حسن جدا؛ تلقاه أهل العلم بالقبول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكاه المهدوي عين مجاهيد وابين عمير‪ ،‬وهذا نيص القول الول نفسيه‪ ،‬روى سيفيان عين‬
‫منصيور عين مجاهيد‪" ،‬ننقصيها مين أطرفهيا" قال‪ :‬موت الفقهاء والعلماء؛ ومعروف فيي اللغية أن‬
‫الطرف الكريم من كل شيء؛ وهذا خلف ما ارتضاه أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم من قول‬
‫ابين عباس‪ .‬وقال عكرمية والشعيبي‪ :‬هيو النقصيان وقبيض النفيس‪ .‬قال أحدهميا‪ :‬ولو كانيت الرض‬
‫تنقيص لضاق علييك حشيك‪ .‬وقال الخير‪ :‬لضاق علييك حيش تتيبرز فييه‪ .‬قييل‪ :‬المراد بيه هلك مين‬
‫هلك مين الميم قبيل قرييش وهلك أرضهيم بعدهيم؛ والمعنيى‪ :‬أو لم تير قرييش هلك مين قبلهيم‪،‬‬
‫وخراب أرضهيم بعدهيم؟! أفل يخافون أن يحيل بهيم مثيل ذلك؛ وروي ذلك أيضيا عين ابين عباس‬
‫ومجاهيد وابين جرييج‪ .‬وعين ابين عباس أيضيا أنيه بركات الرض وثمارهيا وأهلهيا‪ .‬وقييل‪ :‬نقصيها‬
‫بجور ولتها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا صحيح معنى؛ فإن الجور والظلم يخرب البلد‪ ،‬بقتل أهلها وانجلئهم عنها‪ ،‬وترفع‬
‫من الرض البركة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يحكيم ل معقيب لحكميه" أي لييس يتعقيب حكميه أحيد بنقيص ول تغيير‪" .‬وهو‬
‫سيريع الحسياب" أي النتقام مين الكافريين‪ ،‬سيريع الثواب للمؤمين‪ .‬وقييل‪ :‬ل يحتاج‪ .‬فيي حسيابه إلى‬
‫روية قلب‪ ،‬ول عقد بنان؛ حسب ما تقدم في "البقرة" بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار‬
‫لمن عقبى الدار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقد مكر الذين من قبلهم" أي من قبل مشركي مكة‪ ،‬مكروا بالرسل وكادوا لهم‬
‫وكفروا بهم‪" .‬فلله المكر جميعا" أي هو مخلوق له مكر الماكرين‪ ،‬فل يضر إل بإذنه‪ .‬وقيل‪ :‬فلله‬
‫خيير المكير؛ أي يجازيهيم بيه‪" .‬يعلم ميا تكسيب كيل نفيس" مين خيير وشير‪ ،‬فيجازي علييه‪" .‬وسييعلم‬
‫الكفار" كذا قراءه نافع وابين كثيير وأبي عمرو‪ .‬الباقون‪" :‬الكفار" على الجمع‪ .‬وقيل‪ :‬عني به أبو‬
‫جهييل‪" .‬لميين عقييبى الدار" أي عاقبيية دار الدنيييا ثوابييا وعقابييا‪ ،‬أو لميين الثواب والعقاب فييي الدار‬
‫الخرة؛ وهذا تهديد ووعيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬ويقول الذين كفروا لست مرسل قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم‬
‫الكتاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقول الذين كفروا لست مرسل" قال قتادة‪ :‬هم مشركو العرب؛ أي لست بنبي‬
‫ول رسول‪ ،‬وإنما أنت متقول؛ أي لما لم يأتهم بما اقترحوا قالوا ذلك‪" .‬قل كفى بال" أي قل لهم يا‬
‫محمد‪" :‬كفى بال شهيدا بيني وبينكم" بصدقي وكذبكم‪" .‬ومن عنده علم الكتاب" وهذا إحجاج على‬
‫مشركي العرب لنهم كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب ‪ -‬من آمن منهم ‪ -‬في التفاسير‪ .‬وقيل‪ :‬كانت‬
‫شهادتهم قاطعة لقول الخصوم؛ وهم مؤمنو أهل الكتاب كعبدال بن سلم وسلمان الفارسي وتميم‬
‫الداري والنجاشي وأصحابه‪ ،‬قاله قتادة وسعيد بن جبير‪ .‬وروى الترمذي عن ابن أخي عبدال بن‬
‫سيلم قال‪ :‬لميا أرييد قتيل عثمان جاء عبدال بين سيلم فقال له عثمان‪ :‬ميا جاء بيك؟ قال‪ :‬جئت فيي‬
‫نصرتك؛ قال‪ :‬أخرج إلى الناس فاطردهم عني‪ ،‬فإنك خارج خير لي من داخل؛ قال فخرج عبدال‬
‫بن سلم إلى الناس فقال‪ :‬أيها الناس! إنه كان اسمي في الجاهلية فلن‪ ،‬فسماني رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم عبدال‪ ،‬ونزلت في آيات من كتاب ال؛ فنزلت في‪" .‬وشهد شاهد من بنيي إسرائيل‬
‫على مثله فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين" [الحقاف‪ ]10 :‬ونزلت في‪" .‬قل كفى‬
‫بال شهيدا بينيي وبينكييم ومين عنده علم الكتاب" الحدييث‪ .‬وقيد كتبناه بكماله فييي كتاب "التذكرة"‪.‬‬
‫وقال فيه أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬وكان اسمه الجاهلية حصين فسماه النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عبدال‪ .‬وقال أبو بشر‪ :‬قلت لسعيد بن جبير "ومن عنده علم الكتاب"؟ قال‪ :‬هو عبدال‬
‫بن سلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكييف يكون عبدال بين سيلم وهذه السيورة مكيية وابين سيلم ميا أسيلم إل بالمدينية؟! ذكره‬
‫الثعلبيي‪ .‬وقال القشيري‪ :‬وقال ابين جيبير السيورة مكيية وابين سيلم أسيلم بالمدينية بعيد هذه السيورة؛‬
‫فل يجوز أن تحمل هذه الية على ابن سلم؛ فمن عنده علم الكتاب جبريل؛ وهو قول ابن عباس‪.‬‬
‫وقال الحسيييين ومجاهييييد والضحاك‪ :‬هييييو ال تعالى؛ وكانوا يقرؤون "وميييين عنده علم الكتاب"‬
‫وينكرون على مين يقول‪ :‬هيو عبدال بين سيلم وسيلمان؛ لنهييم يرون أن السيورة مكيية‪ ،‬وهؤلء‬
‫أسلموا بالمدينة‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ "ومن عنده علم الكتاب" وإن كان‬
‫في الرواية ضعف‪ ،‬وروى ذلك سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم؛ وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ كذلك ‪" -‬ومِن عنده" بكسر‬
‫المييم والعيين والدال "علم الكتاب" بضيم العيين ورفيع الكتاب‪ .‬وقال عبدال بين عطاء‪ :‬قلت‪ ،‬لبيي‬
‫جعفيير بيين على بيين الحسييين بيين علي بيين أبييي طالب رضييي ال عنهييم زعموا أن الذي عنده علم‬
‫الكتاب عبدال بين سيلم فقال‪ :‬إنميا ذلك علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه؛ وكذلك قال محميد ابين‬
‫الحنفيية‪ .‬وقيل‪ :‬جمييع المؤمنين‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال القاضيي أبيو بكر بن العربيي‪ :‬أما مين قال إنه علي‬
‫فعول على أحد وجهين‪ :‬إما لنه عنده أعلم المؤمنين وليس كذلك؛ بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم‬
‫منيه‪ .‬ولقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( .‬أنيا مدينية العلم وعلي بابهيا) وهيو حدييث باطيل؛ النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم علم وأصيحابه أبوابهيا؛ فمنهيم الباب المنفسيح‪ ،‬ومنهيم المتوسيط‪ ،‬على قدر‬
‫منازلهم في العلوم‪ .‬وأما من قال إنهم جميع المؤمنين فصدق؛ لن كل مؤمن يعلم الكتاب‪ ،‬ويدرك‬
‫وجه إعجازه‪ ،‬ويشهد للنبي صلى ال عليه وسلم بصدقه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالكتاب على هذا هييو القرآن‪ .‬وأمييا ميين قال هييو عبدال بيين سييلم فعوّل‪ ،‬على حديييث‬
‫الترمذي؛ ولييس يمتنيع أن ينزل فيي عبدال بين سيلم شيئا ويتناول جمييع المؤمنيين لفظيا؛ ويعضده‬
‫ميين النظام أن قوله تعالى‪" :‬ويقول الذييين كفروا" يعنييي قريشييا؛ فالذييين عندهييم علم الكتاب هييم‬
‫المؤمنون من اليهود والنصارى‪ ،‬الذين هم إلى معرفة النبوة والكتاب أقرب من عبدة الوثان‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وقول من قال هو عبدال بن سلم وغيره يحتمل أيضا؛ لن البراهين إذا صحت وعرفها‬
‫من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا؛ وال أعلم بحقيقة ذلك‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة إبراهيم‬
‫*‪*3‬مقدمة‬
‫@ سيورة إبراهييم مكيية كلهيا فيي قول الحسين وعكرمية وجابر‪ .‬وقال ابين عباس وقتادة‪ :‬إل آيتيين‬
‫منهييا مدنيتييين وقيييل‪ :‬ثلث‪ ،‬نزلت فييي الذييين حاربوا ال ورسييوله وهييي قوله تعالى‪" :‬ألم تيير إلى‬
‫الذين بدلوا نعمت ال كفرا" [إبراهيم‪ ]28 :‬إلى قوله‪" :‬فإن مصيركم إلى النار" [إبراهيم‪.]30 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط‬
‫العزيز الحميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الر كتاب أنزلناه إليك" تقدم معناه‪" .‬لتخرج الناس" أي بالكتاب‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬أي‬
‫بدعائك إليييه‪" .‬ميين الظلمات إلى النور" أي ميين ظلمات الكفيير الضللة والجهييل إلى نور اليمان‬
‫والعلم؛ وهذا على التمثيل؛ لن الكفر بمنزلة الظلمة؛ والسلم بمنزلة النور‪ .‬وقيل‪ :‬من البدعة إلى‬
‫السنة‪ ،‬ومن الشك إلى اليقين‪ ،‬والمعنى‪ .‬متقارب‪" .‬بإذن ربهم" أي بتوفيقه إياهم ولطفه بهم‪ ،‬والباء‬
‫فيي "بإذن ربهيم" متعلقية بيي "تخرج" وأضييف الفعيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم لنيه الداعيي‬
‫والمنذر الهادي‪" .‬إلى صراط العزيز الحميد" هو كقولك‪ :‬خرجت إلى زيد العاقل الفاضل من غير‬
‫واو‪ ،‬لنهما شيء واحد؛ وال هو العزيز الذي ل مثل له ول شبيه‪ .‬وقيل‪" :‬العزيز" الذي ل يغلبه‬
‫غالب‪ .‬وقيل‪" :‬العزيز" المنيع في ملكه وسلطانه‪" .‬الحميد" أي المحمود بكل لسان‪ ،‬والممجد في‬
‫كيل مكان على كيل حال‪ .‬وروى مقسيم عين ابين عباس قال‪ :‬كان قوم آمنوا بعيسيى ابين مرييم‪ ،‬وقوم‬
‫كفروا بيه‪ ،‬فلميا بعيث محميد صيلى ال علييه وسيلم آمين بيه الذيين كفروا بعيسيى‪ ،‬وكفير الذيين آمنوا‬
‫بعيسى؛ فنزلت هذه الية‪ ،‬ذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬ال الذي له ما في السماوات وما في الرض وويل للكافرين من عذاب شديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي له ما في السماوات وما في الرض" أي ملكا وعبيدا واختراعا وخلقا‪.‬‬
‫وقرأ نافيع وابين عامير وغيرهميا‪" :‬ال" بالرفيع على البتداء "الذي" خيبره‪ .‬وقييل‪" :‬الذي" صيفة‪،‬‬
‫والخيبر مضمير؛ أي ال الذي له ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض قادر على كيل شييء‪ .‬الباقون‬
‫بالخفض نعتا للعزيز الحميد فقدم النعت على المنعوت؛ كقولك‪ :‬مررت بالظريف زيد‪ .‬وقيل‪ :‬على‬
‫البدل ميين "الحميييد" وليييس صييفة؛ لن اسييم ال صييار كالعلم فل يوصييف؛ كمييا ل يوصييف بزيييد‬
‫وعمرو‪ ،‬بل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى؛ لن معناه أنه المنفرد بقدرة اليجاد‪ .‬وقال أبو‬
‫عمرو‪ :‬والخفييض على التقديييم والتأخييير‪ ،‬مجازه‪ :‬إلى صييراط ال العزيييز الحميييد الذي له مييا فييي‬
‫السيماوات وميا فيي الرض‪ .‬وكان يعقوب إذا وقيف على "الحمييد" رفيع‪ ،‬وإذا وصيل خفيض على‬
‫النعيت‪ .‬قال ابين النباري‪ :‬مين خفيض وقيف على "وميا فيي الرض"‪" .‬ووييل للكافريين مين عذاب‬
‫شديد" قد تقدم معنى الويل في "البقرة" وقال الزجاج‪ :‬هي كلمة تقال للعذاب والهلكة‪" .‬من عذاب‬
‫شديد" أي من جهنم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬الذين يستحبون الحياة الدنيا على الخرة ويصدون عن سبيل ال ويبغونها عوجا‬
‫أولئك في ضلل بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين يستحبون الحياة الدنيا" أي يختارونها على الخرة‪ ،‬والكافرون يفعلون ذلك‪.‬‬
‫في "الذين" في موضع خفض صفة لهم‪ .‬وقيل‪ :‬في موضع رفع خبر ابتداء مضمر‪ ،‬أي هم الذين‬
‫وقيل‪" :‬الذين يستحبون" مبتدأ وخبره‪" .‬أولئك"‪ .‬وكل من آثر الدنيا وزهرتها‪ ،‬واستحب البقاء في‬
‫نعيمهيا على النعييم فيي الخرة‪ ،‬وصيد عين سيبيل ال ‪ -‬أي صيرف الناس عنيه وهيو ديين ال‪ ،‬الذي‬
‫جاءت بيه الرسيل‪ ،‬فيي قول ابين عباس وغيره ‪ -‬فهيو داخيل فيي هذه اليية؛ وقيد قال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪( :‬إن أخوف ما أخاف على أمتي الئمة المضلون) وهو حديث صحيح‪ .‬وما أكثر ما هم في‬
‫هذه الزمان‪ ،‬وال المستعان‪ .‬وقيل‪" :‬يستحبون" أي يلتمسون الدنيا من غير وجهها‪ ،‬لن نعمة ال‬
‫ل تلتمييس إل بطاعتييه دون معصيييته‪" .‬ويبغونهييا عوجييا" أي يطلبون لهييا زيغييا وميل لموافقيية‬
‫أهوائهيم‪ ،‬وقضاء حاجاتهيم وأغراضهيم‪ .‬والسيبيل تذكير وتؤنيث‪ .‬والموج بكسير العيين فيي الديين‬
‫والمر والرضي‪ ،‬وفي كل ما لم يكن قائما؛ وبفتح العين في كل ما كان قائما‪ ،‬كالحائط والرمح‬
‫ونحوه؛ وقيد تقدم فيي "آل عمران" وغيرهيا‪" .‬أولئك فيي ضلل بعييد" أي ذهاب عين الحيق بعييد‬
‫عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وما أرسلنا من رسول إل بلسيان قومه ليبين لهم فيضل ال من يشاء ويهدي من‬
‫يشاء وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا من رسول" أي قبلك يا محمد "إل بلسان قومه" أي بلغتهم‪ ،‬ليبينوا لهم‬
‫أمير دينهيم؛ ووحيد اللسيان وإن أضافيه إلى القوم لن المراد اللغية؛ فهيي اسيم جنيس يقيع على القلييل‬
‫والكثيير؛ ول حجية للعجيم وغيرهيم فيي هذه اليية؛ لن كيل مين ترجيم له ميا جاء بيه النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم ترجمية يفهمهيا لزمتيه الحجية‪ ،‬وقيد قال ال تعالى‪" :‬وميا أرسيلناك إل كافية للناس بشيرا‬
‫ونذيرا" [سيبأ‪ .]28 :‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أرسيل كيل نيبي إلى أمتيه بلسيانها وأرسيلني ال‬
‫إلى كيل أحمير وأسيود مين خلقيه)‪ .‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬والذي نفسيي بيده ل يسيمع بيي أحيد‬
‫ميين هذه الميية يهودي ول نصييراني ثييم لم يؤميين بالذي أرسييلت بييه إل كان ميين أصييحاب النار)‪.‬‬
‫خرجه مسلم‪ ،‬وقد تقدم‪" .‬فيضل ال من يشاء ويهدي من يشاء" رد على القدرية في نفوذ المشيئة‪،‬‬
‫وهيو مسيتأنف‪ ،‬ولييس بمعطوف على "لييبين" لن الرسيال إنميا وقيع للتيبيين ل للضلل‪ .‬ويجوز‬
‫النصيب فيي "يضيل" لن الرسيال صيار سيببا للضلل؛ فيكون كقوله‪" :‬ليكون لهيم عدوا وحزنيا"‬
‫[القصص‪ ]8 :‬وإنما صار الرسال سببا للضلل لنهم كفروا به لما جاءهم؛ فصار كأنه سبب‬
‫لكفرهم "وهو العزيز الحكيم" تقدم معناه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 5 :‬ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا أن أخرج قوميك مين الظلمات إلى النور وذكرهيم بأيام‬
‫ال إن في ذلك ليات لكل صبار شكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا" أي بحجتنيا وبراهيننيا؛ أي بالمعجزات الدالة على‬
‫صييدقه‪ .‬قال مجاهييد‪ :‬هييي التسييع اليات‪" .‬أن أخرج قومييك ميين الظلمات إلى النور" نظيره قوله‬
‫تعالى‪ :‬لنبينيا علييه السيلم أول السيورة‪" :‬لتخرج الناس مين الظلمات إلى النور"‪" :‬أن" هنيا بمعنيى‬
‫أي‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬وانطلق المل منهم أن امشوا" [ص‪ ]6 :‬أي امشوا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وذكرهيم بأيام ال" أي قيل لهيم قول يتذكرون بيه أيام ال تعالى‪ .‬قال ابين عباس‬
‫ومجاهيد وقتادة‪ :‬بنعيم ال عليهيم؛ وقاله أبيي بين كعيب ورواه مرفوعيا؛ أي بميا أنعيم ال عليهيم مين‬
‫النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم‪ ،‬وقد تسمى النعم اليام؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫وأيام لنا غر طوال‬
‫وعيين ابيين عباس أيضييا ومقاتييل‪ :‬بوقائع ال فييي المييم السييالفة؛ يقال‪ :‬فلن عالم بأيام العرب‪ ،‬أي‬
‫بوقائعهيا‪ .‬قال ابين زييد‪ :‬يعنيي اليام التيي انتقيم فيهيا مين الميم الخاليية؛ وكذلك روى ابين وهيب عين‬
‫مالك قال‪ :‬بلؤه‪ .‬وقال الطبري‪ :‬وعظهم بما سلف في اليام الماضية لهم‪ ،‬أي بما كان في أيام ال‬
‫من النعمة والمحنة؛ وقد كانوا عبيدا مستذلين؛ واكتفى بذكر اليام عنه لنها كانت معلومة عندهم‪.‬‬
‫وروى سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين أبيي بين كعيب قال‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم يقول‪( :‬بينيا موسيى علييه السيلم فيي قوميه يذكرهيم بأيام ال وأيام ال بلؤه ونعماؤه) وذكير‬
‫حديث الخضر؛ ودل هذا على جواز الوعظ المرفق للقلوب‪ ،‬المقوي لليقين‪ .‬الخالي من كل بدعة‪،‬‬
‫والمنزه عن كل ضللة وشبهة‪" .‬إن في ذلك" أي في التذكير بأيام ال "ليات" أي دللت‪" .‬لكل‬
‫صبار" أي كثير الصبر على طاعة ال‪ ،‬وعن معاصيه‪" .‬شكور" لنعم ال‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هو العبد؛‬
‫إذا أعطي شكر‪ ،‬وإذا ابتلي صبر‪ .‬وروى عن النبي أنه قال‪( :‬اليمان نصفان نصف صبر ونصف‬
‫شكير ‪ -‬ثيم تل هذه اليية ‪" -‬إن فيي ذلك ليات لكيل صيبار شكور"‪ ).‬ونحوه عين الشعيبي موقوفيا‪.‬‬
‫وتواري الحسين البصيري عن الحجاج سبع سنين‪ ،‬فلميا بلغيه موتيه قال‪ :‬اللهيم قيد أمتيه فأميت سنته‪،‬‬
‫وسييجد شكرا‪ ،‬وقرأ‪" :‬إن فييي ذلك ليات لكييل صييبار شكور"‪ .‬وإنمييا خييص باليات كييل صييبار‬
‫شكور؛ لنيه يعتيبر بهيا ول يغفيل عنهيا؛ كميا قال‪" :‬إنميا أنيت منذر مين يخشاهيا" [النازعات‪]45 :‬‬
‫وإن كان منذرا للجميع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة ال عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم‬
‫سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلء من ربكم عظيم}‬
‫@ تقدم معناه في "البقرة" مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ تأذن ربكيم" قييل‪ :‬هيو مين قول موسيى لقوميه‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين قول ال؛ أي‬
‫واذكير ييا محميد إذ قال ربيك كذا‪ .‬و"تأذن" وأذن بمعنيى أعلم؛ مثيل أوعيد وتوعيد؛ روي معنيى ذلك‬
‫عن الحسن وغيره‪ .‬ومنه الذان‪ ،‬لنه إعلم؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫سمعنا في مجالسنا الذينا‬ ‫فلم نشعر بضوء الصبح حتى‬
‫وكان ابين مسيعود يقرأ‪" :‬وإذ قال ربكيم" والمعنيى واحيد‪" .‬لئن شكرتيم لزيدنكيم" أي لئن شكرتيم‬
‫إنعاميي لزيدنكيم مين فضلي‪ .‬الحسين‪ :‬لئن شكرتيم نعمتيي لزيدنكيم مين طاعتيي‪ .‬ابين عباس‪ :‬لئن‬
‫وحدتم وأطعتم لزيدنكم من الثواب‪ ،‬والمعنى متقارب في هذه القوال؛ والية نص في أن الشكر‬
‫سبب المزيد؛ وقد تقدم في "البقرة" ما للعلماء في معنى الشكر‪ .‬وسئل بعض الصلحاء عن الشكر‬
‫ل فقال‪ :‬أل تتقوى بنعمييه على معاصيييه‪ .‬وحكييي عيين داود عليييه السييلم أنييه قال‪ :‬أي رب كيييف‬
‫أشكرك‪ ،‬وشكري لك نعمة مجددة منك علي‪ .‬قال‪ :‬يا داود الن شكرتني‪ .‬قلت‪ :‬فحقيقة الشكر على‬
‫هذا العتراف بالنعمة للمنعم‪ .‬وأل يصرفها في غير طاعته؛ وأنشد الهادي وهو يأكل‪:‬‬
‫بطاعته وتشكر بعض حقه‬ ‫أنالك رزقه لتقوم فيه‬
‫قويت على معاصيه برزقه‬ ‫فلم تشكر لنعمته ولكن‬
‫فغص باللقمة‪ ،‬وخنقته العبرة‪ .‬وقال جعفر الصادق‪ :‬إذا سمعت النعمة الشكر فتأهب للمزيد‪" .‬ولئن‬
‫كفرتييم إن عذابييي لشديييد" أي جحدتييم حقييي‪ .‬وقيييل‪ :‬نعمييي؛ وعييد بالعذاب على الكفيير‪ ،‬كمييا وعييد‬
‫بالزيادة على الشكر‪ ،‬وحذفت الفاء التي في جواب الشرط من "إن" للشهرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الرض جميعا فإن ال لغني حميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الرض جميعا فإن ال لغني حميد" أي ل‬
‫يلحقه بذلك نقص‪ ،‬بل هو الغني‪( .‬الحميد) أي المحمود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم إل‬
‫ال جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهيم في أفواههم وقالوا إنا كفرنيا بما أرسلتم به وإنا لفي شك‬
‫مما تدعوننا إليه مريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود" النبأ الخبر‪ ،‬والجمع النباء؛‬
‫قال‪:‬‬
‫ألم يأتيك والنباء تنمي‬
‫ثيم قييل‪ :‬هيو مين قول موسيى‪ .‬وقييل‪ :‬مين قول ال؛ أي واذكير ييا محميد إذ قال ربيك كذا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو‬
‫ابتداء خطاب ميين ال تعالى‪ .‬وخييبر قوم نوح وعاد وثمود مشهور قصييه ال فييي كتابييه‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"والذيين مين بعدهيم ل يعلمهيم إل ال" أي ل يحصيي عددهيم إل ال‪ ،‬ول يعرف نسيبهم إل ال‪،‬‬
‫والنسيابون وإن نسيبوا إلى آدم فل يدعون إحصياء جمييع الميم‪ ،‬وإنميا ينسيبون البعيض؛ ويمسيكون‬
‫عن نسب البعض؛ وقد روى عن النبي صلى ال عليه وسلم لما سمع النسابين ينسبون إلى معد بن‬
‫عدنان ثيم زادوا فقال‪( :‬كذب النسيابون إن ال يقول‪" :‬ل يعلمهيم إل ال")‪ .‬وقيد روي عن عروة بين‬
‫الزبييير أنييه قال‪ :‬مييا وجدنييا أحدا يعرف مييا بييين عدنان وإسييماعيل‪ .‬وقال بيين عباس‪ :‬بييين عدنان‬
‫وإسييماعيل ثلثون أبييا ل يعرفون‪ .‬وكان ابيين مسييعود يقول حييين يقرأ‪" :‬ل يعلمهييم إل ال"‪ .‬كذب‬
‫النسابون‪" .‬جاءتهم رسلهم بالبينات" أي بالحجج والدللت‪" .‬فردوا أيديهم في أفواههم" أي جعل‬
‫أولئك القوم أيدي أنفسييهم فييي أفواههييم ليعضوهييا غيظييا ممييا جاء بييه الرسييل؛ إذ كان فيييه تسييفيه‬
‫أحلمهيم‪ ،‬وشتيم أصينامهم؛ قاله بين مسيعود‪ ،‬ومثله قاله عبدالرحمين بين زييد؛ وقرأ‪" :‬عضوا عليكيم‬
‫النامل من "الغيظ" [آل عمران‪ .]119 :‬وقال ابن عباس‪ :‬لما سمعوا كتاب ال عجبوا ورجعوا‬
‫بأيديهم إلى أفواههم‪ .‬وقال أبو صالح‪ :‬كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول ال إليكم أشاروا بأصابعهم‬
‫إلى أفواههيم‪ :‬أن اسيكت‪ ،‬تكذيبيا له‪ ،‬وردا لقوله؛ وهذه القوال الثلثية متقاربية المعنيى‪ .‬والضميران‬
‫للكفار؛ والقول الول أصيحها إسينادا؛ قال أبيو عبييد‪ :‬حدثنيا عبدالرحمين بين مهدي عين سيفيان عين‬
‫أبي إسحاق عن أبي الحوص عن عبدال في قوله تعالى‪" :‬فردوا أيديهم في أفواههم" قال‪ :‬عضوا‬
‫عليها غيظا؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫ودقة في عظم ساقي ويدي‬ ‫لو أن سلمى أبصرت تخددي‬
‫عضت من الوجد بأطراف اليد‬ ‫وبعد أهلي وجفاء عودي‬
‫وقد مضى هذا المعنى في "آل عمران" مجودا‪ ،‬والحمد ل‪ .‬وقال مجاهد وقتادة‪ :‬ردوا على الرسل‬
‫قولهييم وكذبوهيم بأفواههييم؛ فالضمييير الول للرسيل‪ ،‬والثانييي للكفار‪ .‬وقال الحسين وغيره‪ :‬جعلوا‬
‫أيديهيم فيي أفواه الرسيل ردا لقولهيم؛ فالضميير الول على هذا للكفار‪ ،‬والثانيي للرسيل‪ .‬وقييل معناه‪:‬‬
‫أومأوا للرسل أن يسكتوا‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم‬
‫ويقطعوا كلمهيم‪ .‬وقييل‪ :‬رد الرسيل أيدي القوم فيي أفواههيم‪ .‬وقييل‪ :‬إن اليدي هنيا النعيم؛ أي ردوا‬
‫نعييم الرسييل بأفواههييم‪ ،‬أي بالنطييق والتكذيييب‪ ،‬ومجيييء الرسييل بالشرائع نعييم؛ والمعنييى‪ :‬كذبوا‬
‫بأفواههيم ميا جاءت بيه الرسيل‪ .‬و"فيي" بمعنيى الباء؛ يقال‪ :‬جلسيت فيي البييت وبالبييت؛ وحروف‬
‫الصييفات يقام بعضهييا مقام بعييض‪ .‬وقال أبييو عييبيدة‪ :‬هييو ضرب مثييل؛ أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا؛‬
‫والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت‪ :‬قد رد يده في فيه‪ .‬وقاله الخفش أيضا‪ .‬وقال‬
‫القتيبي‪ :‬لم نسيمع أحدا مين العرب يقول‪ :‬رد يده فيي فييه إذا ترك ميا أمير بيه؛ وقاله المغنيي‪ :‬عضوا‬
‫على اليدي حنقا وغيظا؛ لقول الشاعر‪:‬‬
‫د حتى يعض علي الكفا‬ ‫تردون في فيه غش الحسو‬
‫يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫فأضحى يعض علي الوظيفا‬ ‫قد أفني أنامل أزمة‬
‫وقالوا‪ - :‬يعني المم للرسل‪" :‬وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به" أي بالرسال على زعمكم‪ ،‬ل أنهم‬
‫أقروا أنهم أرسلوا‪" .‬وإنا لفي شك" أي في ريب ومرية‪" .‬مما تدعوننا إليه" من التوحيد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مريب" أي موجب للريبة؛ يقال‪ :‬أربته إذ فعلت أمرا من أوجب ريبة وشكا؛ أي‬
‫نظن أنكم تطلبون الملك والدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 10 :‬قالت رسيلهم أفيي ال شيك فاطير السيماوات والرض يدعوكيم ليغفير لكيم مين‬
‫ذنوبكيم ويؤخركيم إلى أجيل مسيمى قالوا إن أنتيم إل بشير مثلنيا تريدون أن تصيدونا عميا كان يعبيد‬
‫آباؤنا فأتونا بسلطان مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالت رسيلهم أفيي ال شيك" اسيتفهام معناه النكار؛ أي ل شيك فيي ال؛ أي فيي‬
‫توحيده؛ قال قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬في طاعته‪ .‬ويحتمل وجها ثالثا‪ :‬أفي قدرة ال شك؟ ! لنهم متفقون عليها‬
‫ومختلفون فيميا عداهيا؛ يدل علييه قوله‪" :‬فاطير السيماوات والرض" خالقهيا ومخترعهيا ومنشئهيا‬
‫وموجدهيا بعيد العدم؛ لينبيه على قدرتيه فل تجوز العبادة إل له‪" .‬يدعوكيم" أي إلى طاعتيه بالرسيل‬
‫والكتب‪" .‬ليغفر لكم من ذنوبكم" قال أبو عبيد‪" :‬من" زائدة‪ .‬وقال سيبويه‪ :‬هي للتبعيض؛ ويجوز‬
‫أن يذكير البعيض والمراد منيه الجمييع‪ .‬وقييل‪" :‬مين" للبدل وليسيت بزائدة ول مبعضية؛ أي لتكون‬
‫المغفرة بدل مين الذنوب‪" .‬ويؤخركيم إلى أجيل مسيمى" يعنيي الموت‪ ،‬فل يعذبكيم فيي لدنييا‪" .‬قالوا‬
‫إن أنتييم" أي مييا أنتييم‪" .‬إل بشيير مثلنييا" فييي الهيئة والصييورة؛ تأكلون ممييا نأكييل‪ ،‬وتشربون ممييا‬
‫نشرب‪ ،‬ولسيتم ملئكية‪" .‬تريدون أن تصيدونا عميا كان يعبيد آباؤنيا" مين الصينام والوثان "فأتونيا‬
‫بسلطان مبين" أي بحجة ظاهرة؛ وكان محال منهم؛ فإن الرسل ما دعوا إل ومعهم المعجزات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬قالت لهم رسلهم إن نحن إل بشر مثلكم ولكن ال يمن على من يشاء من عباده‬
‫وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إل بإذن ال وعلى ال فليتوكل المؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالت لهم رسلهم إن نحن إل بشر مثلكم" أي في الصورة والهيئة كما قلتم‪" .‬ولكن‬
‫ال يمين على مين يشاء مين عباده" أي يتفضيل علييه بالنبوة‪ .‬وقييل؛ بالتوفييق‪ ،‬والحكمية والمعرفية‬
‫والهداية‪ .‬وقال سهل بن عبدال‪ :‬بتلوة القرآن وفهم ما فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول حسيين‪ ،‬وقييد خرج الطييبري ميين حديييث ابيين عميير قال قلت لبييي ذر‪ :‬يييا عييم‬
‫أوصيني؛ قال‪ :‬سيألت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كميا سيألتني فقال‪( :‬ميا مين يوم ول ليلة ول‬
‫سياعة إل ول فييه صيدقة يمين بهيا على مين يشاء مين عباده وميا مين ال تعالى على عباده بمثيل أن‬
‫يلهمهم ذكره)‪" .‬وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان" أي بحجة وآية‪" .‬إل بإذن ال" أي بمشيئته‪ ،‬وليس‬
‫ذلك فيي قدرتنيا؛ أي ل نسيتطيع أن نأتيي بحجية كميا تطلبون إل بأمره وقدرتيه؛ فلفظيه؛ لفيظ الخيبر‪،‬‬
‫ومعناه النفي‪ ،‬لنه ل يحظر على أحد ما ل يقدر عليه‪" .‬وعلى ال فليتوكل المؤمنون" تقدم معناه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬وما لنا أل نتوكل على ال وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى ال‬
‫فليتوكل المتوكلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا لنيا أل نتوكيل على ال" "ميا" اسيتفهام فيي موضيع رفيع بالبتداء‪ ،‬و"لنيا"‬
‫الخيبر؛ وميا بعدهيا فيي موضيع الحال؛ التقديير‪ :‬أي شييء لنيا فيي ترك التوكيل على ال‪" .‬وقيد هدانيا‬
‫سيبلنا" أي الطريييق الذي يوصيل إلى رحمتيه‪ ،‬وينجيي مين سيخطه ونقمتيه‪" .‬ولنصيبرن على ميا‬
‫آذيتمونييا وعلى ال فليتوكييل المتوكلون" "ولنصييبرنّ" لم قسييم؛ مجازه‪ :‬وال لنصييبرن "على مييا‬
‫آذيتمونيا" بيه‪ ،‬أي مين الهانية والضرب‪ ،‬والتكذييب والقتيل‪ ،‬ثقية بال أنيه يكفينيا ويثيبنيا‪" .‬وعلى ال‬
‫فليتوكل المتوكلون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 14 - 13 :‬وقال الذيين كفروا لرسيلهم لنخرجنكيم مين أرضنيا أو لتعودن فيي ملتنيا‬
‫فأوحيى إليهيم ربهيم لنهلكين الظالميين‪ ،‬ولنسيكننكم الرض مين بعدهيم ذلك لمين خاف مقاميي وخاف‬
‫وعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذييين كفروا لرسييلهم لنخرجنكييم ميين أرضنييا" اللم لم قسييم؛ أي وال‬
‫لنخرجنكم‪" .‬أو لتعودن" أي حتى تعودوا أو إل أن تعودوا؛ قاله الطبري وغيره‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫وهيو غيير مفتقير إلى هذا التقديير؛ فإن "أو" على بابهيا مين التخييير؛ خيير الكفار الرسيل بيين أن‬
‫يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم؛ وهذه سيرة ال تعالى فيي رسله وعباده؛ أل ترى إلى‬
‫قوله‪" :‬وإن كادوا ليستفزونك من الرض ليخرجوك منها وإذا ل يلبثون خلفك إل قليل‪ .‬سنة من‬
‫قد أرسلنا قبلك من رسلنا" [السراء‪ ]77 - 76 :‬وقد تقدم هذا المعنى في "العراف" وغيرها‪.‬‬
‫"في ملتنا" أي إلى ديننا‪" ،‬فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين‪ ،‬ولنسكننكم الرض من بعدهم"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك لمين خاف مقاميي وخاف وعييد" أي مقاميه بيين يدي يوم القيامية؛ فأضييف‬
‫المصدر إلى الفاعل‪ .‬والمقام مصدر كالقيام؛ يقال‪ :‬قام قياما ومقاما؛ وأضاف ذلك إليه لختصاصه‬
‫بيه‪ .‬والمقام بفتيح المييم مكان المامية‪ ،‬وبالضيم فعيل القامية؛ و"ذلك لمين خاف مقاميي" أي قياميي‬
‫عليه‪ ،‬ومراقبتي له؛ قال ال تعالى‪" :‬أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت"‪[ .‬الرعد ‪ ]33‬وقال‬
‫الخفيش‪" :‬ذلك لمين خاف مقاميي" أي عذابيي‪" ،‬وخاف وعييد" أي القرآن وزواجره‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه‬
‫العذاب‪ .‬والوعيد السم من الوعد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واستفتحوا" أي واستنصروا؛ أي أذن للرسل في الستفتاح على قومهم‪ ،‬والدعاء‬
‫بهلكهم؛ قاله ابن عباس وغيره‪ ،‬وقد مضى في "البقرة"‪ .‬ومنه الحديث‪ :‬إن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين‪ ،‬أي يستنصر‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬استفتحت المم بالدعاء كما‬
‫قالت قريش‪" :‬اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" [النفال‪ ]32 :‬الية‪ .‬وروي عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقييل قال الرسيول‪( :‬إنهيم كذبونيي فافتيح بينيي وبينهيم فتحيا) وقالت الميم‪ :‬إن كان هؤلء صيادقين‬
‫فعذبنيا‪ ،‬عين ابين عباس أيضيا؛ نظيره "ائتنيا بعذاب ال إن كنيت مين الصيادقين" [العنكبوت‪]29 :‬‬
‫"ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين" [العراف‪" .]77 :‬وخاب كل جبار عنيد" الجبار المتكبر‬
‫الذي ل يري لحييد عليييه حقييا؛ هكذا هييو عنييد أهييل اللغيية؛ ذكره النحاس‪ .‬والعنيييد المعانييد للحييق‬
‫والمجانيب له‪ ،‬عين ابين عباس وغيره؛ يقال‪ :‬عنيد عين قوميه أي تباعيد عنهيم‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين العنيد‪،‬‬
‫وهو الناحية وعاند فلن أي أخذ في ناحية معرضا؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫إني كبير ل أطيق العندا‬ ‫إذا نزلت فاجعلوني وسطا‬
‫وقال الهروي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬جبار عنييد" أي جائر عين القصيد؛ وهيو العنود والعنييد والعانيد؛ وفيي‬
‫حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال‪ :‬إنه عرق عاند‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬هو الذي عند وبغى‬
‫كالنسان يعاند؛ فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته‪ .‬وقال شمر‪ :‬العاند الذي ل يرقأ‪ .‬وقال‬
‫عمير يذكير سييرته‪ :‬أضيم العنود؛ قال اللييث‪ :‬العنود مين البيل الذي ل يخالطهيا إنميا هيو فيي ناحيية‬
‫أبدا؛ أراد من هم بالخلف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬العنيد المتكبر‪ .‬وقال‬
‫ابين كيسيان‪ :‬هيو الشاميخ بأنفيه‪ .‬وقييل‪ :‬العنود والعنييد الذي يتكيبر على الرسيل وبذهيب عين طرييق‬
‫الحق فل يسلكها؛ تقول العرب‪ :‬شر البل العنود الذي يخرج عن الطريق‪ .‬وقيل‪ :‬العنيد العاصي‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬العنيد الذي أبي أن يقول ل إله إل ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والجبار والعنييد فيي اليية بمعنيى واحيد‪ ،‬وإن كان اللفيظ مختلفيا‪ ،‬وكيل متباعيد عين الحيق‬
‫جبار وعنييد أي متكيبر‪ .‬وقييل‪ :‬إن المراد بيه فيي اليية أبيو جهيل؛ ذكره المهدوي‪ .‬وحكيى الماوردي‬
‫في كتاب "أدب الدنيا والدين" أن الوليد بن يزيد بن عبدالملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له‬
‫قوله عز وجل‪" :‬واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد" فمزق المصحف وأنشأ يقول‪:‬‬
‫فها أنا ذاك جبار عنيد‬ ‫أتوعد كل جبار عنيد‬
‫فقل يا رب مزقني الوليد‬ ‫إذا ما جئت ربك يوم حشر‬
‫فلم يلبث إل أياما حتى قتل شر قتلة‪ ،‬وصلب رأسه على قصره‪ ،‬ثم على سور بلده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين ورائه جهنيم" أي مين وراء ذلك الكافير جهنيم‪ ،‬أي مين بعيد هلكيه‪ .‬ووراء‬
‫بمعنى بعد؛ قال النابغة‪:‬‬
‫وليس وراء ال للمرء مذهب‬ ‫حلفت فلم أترك لنفسك ريبة‬
‫أي بعيد ال جيل جلله؛ وكذلك قوله تعالى‪" :‬ومين ورائه عذاب غلييظ" أي مين بعده؛ وقوله تعالى‪:‬‬
‫"ويكفرون بما وراءه" [البقرة‪ ]91 :‬أي بميا سيواه؛ قاله الفراء‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬بما بعده‪ :‬وقيل‪:‬‬
‫"من ورائه" أي من أمامه‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ل حاضر معجز عنه ول بادي‬ ‫ومن ورائك يوم أنت بالغه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وقومي تميم والفلة ورائيا‬ ‫أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي‬
‫وقال لبيد‪:‬‬
‫لزوم العصا تحني عليها الصابع‬ ‫ليس ورائي إن تراخت منيتي‬
‫يرييد أماميي‪ .‬وفيي التنزييل‪" :‬كان وراءهيم ملك" [الكهيف‪ ]79 :‬أي أمامهيم‪ ،‬وإلى هذا ذهيب أبيو‬
‫عيبيدة وأبيو علي قطرب وغيرهميا‪ .‬وقال الخفيش‪ :‬هيو كميا يقال هذا المير مين ورائك‪ ،‬أي سيوف‬
‫يأتيك‪ ،‬وأنا من وراء فإن أي في طلبه وسأصل إليه‪ .‬وقال النحاس في قول "من ورائه جهنم" أي‬
‫ميين أمامييه‪ ،‬وليييس ميين الضداد ولكنييه ميين تواري؛ أي اسييتتر‪ .‬وقال الزهري‪ :‬إن وراء تكون‬
‫بمعنى خلف وأمام فهو من الضداد‪ ،‬وقاله أبو عبيدة أيضا‪ ،‬واشتقاقهما مما توارى واستتر‪ ،‬فجهنم‬
‫توارى ول تظهر‪ ،‬فصارت من وراء لنها ل ترى‪ ،‬حكاه ابن النباري وهو حسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسقى من ماء صديد" أي من ماء مثل الصديد‪ ،‬كما يقال للرجل الشجاع أسد‪،‬‬
‫أي مثل السد‪ ،‬وهو تمثيل وتشبيه‪ .‬وقيل‪ :‬هو ما يسيل من أجسام أهل النار من القيح والدم‪ .‬وقال‬
‫محمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس‪ :‬هو غسالة أهل النار‪ ،‬وذلك ماء يسيل من فروج الزناة‬
‫والزوانيي‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين ماء كرهتيه تصيد عنيه‪ ،‬فيكون الصيديد مأخوذا مين الصيد‪ .‬وذكير ابين‬
‫المبارك‪ ،‬أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيدال بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في قوله‪" :‬ويسقي من ماء صديد يتجرعه" قال‪( :‬يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى‬
‫وجهيه ووقعيت فروة رأسيه فإذا شربيه قطيع أمعاءه حتيى تخرج مين دبره يقول ال‪" :‬وسيقوا ماء‬
‫حميما فقطع أمعاءهم" [محمد‪ ]15 :‬ويقول ال‪" :‬وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه‬
‫بئس الشراب") [الكهيف‪ )]29 :‬خرجيه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حدييث غرييب‪ ،‬وعيبيدال بين بسير الذي‬
‫روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبدال بن بسر‪*3* .‬الية‪17 :‬‬
‫{يتجرعه ول يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يتجرعه" أي يتحساه جرعا ل مرة واحدة لمرارته وحرارته‪" .‬ول يكاد يسيغه"‬
‫أي يبتلعه؛ يقال‪ :‬جرع الماء واجترعه وتجرعه بمعنى‪ .‬وساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا إذا‬
‫كان سيلسا سيهل‪ ،‬وأسياغه ال إسياغة‪ .‬و"يكاد" صيلة؛ أي يسييغه بعيد إبطاء‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وميا‬
‫كادوا يفعلون" [البقرة‪ ]71 :‬أي فعلوا بعد إبطاء‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬يصهر به ما في بطونهم والجلود"‬
‫[الحج‪ ]20 :‬فهذا يدل على الساغة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يجيزه ول يمر به‪" .‬ويأتيه الموت من كل‬
‫مكان" قال ابين عباس‪ :‬أي يأتييه أسيباب الموت مين كيل جهية عين يمينيه وشماله‪ ،‬ومين فوقيه وتحتيه‬
‫ومين قداميه وخلفيه‪ ،‬كقول‪" :‬لهيم مين فوقهيم ظلل مين النار ومين تحتهيم ظلل" [الزمير‪ .]16 :‬وقال‬
‫إبراهيم التيمي‪ :‬يأتيه من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره؛ لللم التي في كل مكان من‬
‫جسد‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إنه ليأتيه الموت من كل ناحية ومكان حتى من إبهام رجليه‪ .‬وقال الخفش‪:‬‬
‫يعنيي البلييا التيي تصييب الكافير فيي النار سيماها موتيا‪ ،‬وهيي مين أعظيم الموت‪ .‬وقييل‪ :‬إنه ل يبقيى‬
‫عضيو مين أعضائه إل وكيل بيه نوع مين العذاب؛ لو مات سيبعين مرة لكان أهون علييه مين نوع‬
‫منهيا فيي فرد لحظية؛ إميا حيية تنهشيه؛ أو عقرب تلسيعه‪ ،‬أو نار تسيفعه‪ ،‬أو قييد برجلييه‪ ،‬أو غيل فيي‬
‫عنقه‪ ،‬أو سيلسلة يقرن بهيا‪ ،‬أو تابوت يكون فييه‪ ،‬أو زقوم أو حمييم‪ ،‬أو غيير ذلك من العذاب‪ ،‬وقال‬
‫محمد بن كعب‪ :‬إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه مات موتات‪ ،‬فإذا دنا منه مات موتات‪ ،‬فإذا‬
‫شرب منه مات موتات؛ فذلك قوله‪" :‬ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت"‪ .‬قال الضحاك‪ :‬ل‬
‫يموت فيسيتريح‪ .‬وقال ابين جرييج‪ :‬تعلق روحيه فيي حنجرتيه فل تخرج مين فييه فيموت‪ ،‬ول ترجيع‬
‫إلى مكانهيا مين جوفيه فتنفعيه الحياة؛ ونظيره قوله‪" :‬ل يموت فيهيا ول يحييا" [طيه‪ .]74 :‬وقييل‪:‬‬
‫يخلق ال في جسده آل ما كل واحد منها كألم الموت‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما هو بميت" لتطاول شدائد الموت به‪ ،‬وامتداد سكراته عليه؛ ليكون ذلك زيادة‬
‫في عذابه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويظهيير ميين هذا أنييه يموت‪ ،‬وليييس كذلك؛ لقوله تعالى‪" :‬ل يقضييى عليهييم فيموتوا ول‬
‫يخفيف عنهيم مين عذابهيا" [فاطير‪ ]36 :‬وبذلك وردت السينة؛ فأحوال الكفار أحوال مين اسيتولى‬
‫عليييه سييكرات الموت دائمييا‪ ،‬وال أعلم‪" .‬وميين ورائه" أي ميين أمامييه‪" .‬عذاب غليييظ" أي شديييد‬
‫متواصل اللم غير فتور؛ ومنه قوله‪" :‬وليجدوا فيكم غلظة" [التوبة‪ ]123 :‬أي شدة وقوة‪ .‬وقال‬
‫فضيل بن عياض في قول ال تعالى‪" :‬ومن ورائه عذاب غليظ" قال‪ :‬حبس النفاس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 18 :‬مثيل الذيين كفروا بربهيم أعمالهيم كرماد اشتدت بيه الرييح فيي يوم عاصيف ل‬
‫يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلل البعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثيل الذيين كفروا بربهيم أعمالهيم كرماد" اختلف النحويون فيي رفيع "مثيل" فقال‬
‫سييبويه‪ :‬ارتفيع بالبتداء والخيبر مضمير؛ التقديير‪ :‬وفيميا يتلى عليكيم أو يقيص "مثيل الذيين كفروا‬
‫بربهم" ثم ابتدأ فقال‪" :‬أعمالهم كرماد" أي كمثل رماد "اشتدت به الريح"‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي مثل‬
‫الذيين كفروا فيميا يتلى عليكيم أعمالهيم كرماد‪ ،‬وهيو عنيد الفراء على إلغاء المثيل‪ ،‬التقديير‪ :‬والذيين‬
‫كفروا بربهم أعمالهم كرماد‪ .‬وعنه أيضا أنه على حذف مضاف؛ التقدير‪ :‬مثل أعمال الذين كفروا‬
‫بربهيم كرماد؛ وذكير الول عنيه المهدوي‪ ،‬والثانيي القشيري والثعلبيي ويجوز أن يكون مبتدأ كميا‬
‫يقال‪ :‬صييفة فلن أسييمر؛ فييي"مثييل" بمعنييى صييفة‪ .‬ويجوز فييي الكلم جيير "أعمالهييم" على بدل‬
‫الشتمال ميين "الذييين" واتصييل هذا بقوله‪" :‬وخاب جبار عنيييد" والمعنييى‪ :‬أعمالهييم محبطيية غييير‬
‫مقبولة‪ .‬والرماد مييا بقييي بعييد احتراق الشيييء؛ فضرب ال هذه الييية مثل لعمال الكفار فييي أنييه‬
‫يمحقهيا كميا تمحيق الرييح الشديدة الرماد فيي يوم عاصيف‪ .‬والعصيف شدة الرييح؛ وإنميا كان ذلك‬
‫لنهم أشركوا فيها غير ال تعالى‪ .‬وفي وصف اليوم بالعصوف ثلثة أقاويل‪ :‬أحدها‪ :‬أن العصوف‬
‫وإن كان للرييح فإن اليوم قيد يوصيف بيه؛ لن الرييح تكون فييه‪ ،‬فجاز أن يقال‪ :‬يوم عاصيف‪ ،‬كميا‬
‫يقال‪ :‬يوم حار ويوم بارد‪ ،‬والبرد والحير فيهما‪ .‬والثانيي‪ :‬أن يرييد "فيي يوم عاصيف" الرييح؛ لنها‬
‫ذكرت في أول الكلمة‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف‬
‫يرييد كاسيف الشميس فحذف؛ لنيه قيد مير ذكره؛ ذكرهميا الهروي‪ .‬والثالث‪ :‬أنيه مين نعيت الرييح؛‬
‫غيير أنيه لميا جاء بعيد اليوم أتبيع إعرابيه كميا قييل‪ :‬جحير ضيب خرب؛ ذكره الثعلبيي والماوردي‪.‬‬
‫وقرأ ابين أبيي إسيحاق وإبراهييم بين أبيي بكير "فيي يوم عاصيف"‪" .‬ل يقدرون" يعنيي الكفار‪" .‬مميا‬
‫كسيبوا على شييء" يرييد فيي الخرة؛ أي مين ثواب ميا عملوا مين البر فيي الدنييا‪ ،‬لحباطيه بالكفير‪.‬‬
‫"ذلك هو الضلل البعيد" أي الخسران الكبير؛ وإنما جعله كبيرا بعيدا لفوات استدراكه بالموت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬ألم تر أن ال خلق السماوات والرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تير أن ال خلق السيماوات والرض بالحيق" الرؤيية هنيا رؤيية القلب؛ لن‬
‫المعنييى‪ :‬ألم ينتييه علمييك إليييه؛‪ .‬وقرأ حمزة والكسييائي ‪" -‬خالق السييماوات والرض"‪ .‬ومعنييى‬
‫"بالحق" ليستدل بها على قدرته‪" .‬إن يشأ يذهبكم" أيها الناس؛ أي هو قادر على الفناء كما قدر‬
‫على إيجاد الشياء؛ فل تعصييوه فإنكييم إن عصيييتموه "يذهبكييم ويأت بخلق جديييد" أفضييل وأطوع‬
‫منكم؛ إذ لو كانوا مثل الولين فل فائدة في البدال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وما ذلك على ال بعزيز}‬
‫@ أي منيع متعذر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وبرزوا ل جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون‬
‫عنيا مين عذاب ال مين شييء قالوا لو هدانيا ال لهديناكيم سيواء علينيا أجزعنيا أم صيبرنا ميا لنيا مين‬
‫محيص}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبرزوا ل جميعا" أي برزوا من قبورهم‪ ،‬يعني يوم القيامة‪ .‬والبروز الظهور‪.‬‬
‫والبراز المكان الواسيع لظهوره؛ ومنيه امرأة برزة أي تظهير للناس؛ فمعنيى‪" ،‬برزوا" ظهروا مين‬
‫قبورهيم‪ .‬وجاء بلفيظ؛ الماضيي ومعناه السيتقبال‪ ،‬وأتصيل هذا بقوله‪" :‬وخاب كيل جبار عنييد" أي‬
‫وقاربوا لميا اسيتفتحوا فأهلكوا‪ ،‬ثيم بعثوا للحسياب فيبرزوا ل جميعيا ل يسيترهم عنيه سياتر‪" .‬ل"‬
‫لجل أمر ال إياهم بالبروز‪" .‬فقال الضعفاء" يعني التباع "للذين استكبروا" وهم القادة‪" .‬إنا كنا‬
‫لكييم تبعييا" يجوز أن يكون تبييع مصييدرا؛ التقدييير‪ :‬ذوي تبييع‪ .‬ويجوز أن يكون تابييع؛ مثييل حارس‬
‫وحرس‪ ،‬وخادم وخدم‪ ،‬وراصيد ورصيد‪ ،‬وباقير وبقير‪" .‬فهيل أنتيم مغنون عنيا مين عذاب ال مين‬
‫شيء" أي دافعون "عنا من عذاب ال من شيء" أي شيئا‪ ،‬و"من" صلة؛ يقال‪ :‬أغنى عنه إذا دفع‬
‫عنيه الذى‪ ،‬وأغناه إذا أوصيل إلييه النفيع‪" .‬قالوا لو هدانيا ال لهديناكيم" أي لو هدانيا ال إلى اليمان‬
‫لهديناكيم إلييه‪ .‬وقييل‪ :‬لو هدانيا ال إلى طرييق الجنية لهديناكيم إليهيا‪ .‬وقييل؛ لو نجانيا ال مين العذاب‬
‫لنجيناكيم منيه‪" .‬سيواء علينيا أجزعنيا أم صيبرنا ميا لنيا مين محييص" "سيواء علينيا" هذا ابتداء خيبره‬
‫"أجزعنا" أي‪" :‬سواء علينا "أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص" أي من مهرب وملجأ‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون بمعنيى المصيدر‪ ،‬وبمعنيى السيم؛ يقال‪ :‬حاص فلن عين كذا أي فير وزاغ يحييص حيصيا‬
‫وحيوصيا وحيصيانا؛ والمعنيى‪ :‬ميا لنيا وجيه نتباعيد بيه عين النار‪ .‬وروي عين النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم أنيه قال‪( :‬يقول أهيل النار إذا أشتيد بهيم العذاب تعالوا نصيبر فيصيبرون خمسيمائة عام فلميا‬
‫رأوا أن ذلك ل ينفعهيم قالوا هلم فلنجزع فيجزعون ويصييحون خمسيمائة عام فلميا رأوا أن ذلك ل‬
‫ينفعهيم قالوا "سيواء علينيا أجزعنيا أم صيبرنا ميا لنيا مين محييص")‪ .‬وقال محميد بن كعيب القرظيي‪:‬‬
‫ذكر لما أن أهل النار يقول بعضهم لبعض‪ :‬يا هؤلء! قد نزل بكم من البلء والعذاب ما قد ترون‪،‬‬
‫فهلم فلنصبر؛ فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الطاعة على طاعة ال فنفعهم الصبر إذ صبروا؛‬
‫فأجمعوا رأيهييم على الصييبر فصيبروا؛ فطال صييبرهم فجزعوا‪ ،‬فنادوا‪" :‬سيواء علينييا أجزعنييا أم‬
‫صييبرنا مييا لنييا ميين محيييص" أي منجييي‪ ،‬فقام إبليييس عنييد ذلك فقال‪" :‬إن ال وعدكييم وعييد الحييق‬
‫ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا‬
‫أنفسيكم ميا أنيا بمصيرخكم" يقول‪ :‬لسيت بمغين عنكيم شيئا "وميا أنتيم بمصيرخي إنيي كفرت بميا‬
‫أشركتموني من قبل" الحديث بطوله‪ ،‬وقد كتبناه في كتاب {التذكرة} بكماله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬وقال الشيطان لما قضي المر إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما‬
‫كان لي عليكييم ميين سييلطان إل أن دعوتكييم فاسييتجبتم لي فل تلومونييي ولوموا أنفسييكم مييا أنييا‬
‫بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الشيطان لميا قضيي المير" قال الحسين‪ :‬يقيف إبلييس يوم القيامية خطيبيا فيي‬
‫جهنم على منبر من نار يسمعه الخلئق جميعا‪ .‬ومعنى‪" :‬لما قضي المر" أي حصل أهل الجنة‬
‫في الجنة وأهل النار في النار‪ ،‬على ما يأتي بيانه في "مريم" عليها السلم‪" .‬إن ال وعدكم وعد‬
‫الحق" يعني البعث والجنة والنار وثواب المطيع وعقاب العاصي فصدقكم وعده‪ ،‬ووعدتكم أن ل‬
‫بعث ول جنة ول نار ول ثواب ول عقاب فأخلفتكم‪ .‬وروي ابن المبارك من حديث عقبة بن عامر‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث الشفاعة قال‪( :‬فيقول عيسى أدلكم على النبي المي‬
‫فيأتونيي فيأذن ال لي أن أقوم فيثور مجلسيي مين أطييب رييح شمهيا أحيد حتيى آتيي ربيي فيشفعنيي‬
‫ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ثم يقول الكافرون قد وجه المؤمنون من يشفع لهم‬
‫فمين يشفيع لنيا فيقولون ميا هيو غيير إبلييس هيو الذي أضلنيا فيأتونيه فيقولون قيد وجيد المؤمنون مين‬
‫يشفع لهم فاشفع لنا فإنك أضللتنا فيثور مجلسه من أنتن ريح شمها أحد ثم يعظم نحيبهم ويقول عند‬
‫ذلك‪" :‬إن ال وعدكيم وعيد الحيق ووعدتكيم فأخلفتكيم" اليية)‪" .‬وعيد الحيق" هيو إضافية الشييء إلى‬
‫نعتيه كقولهيم‪ :‬مسيجد الجاميع؛ قال الفراء قال البصيريون‪ :‬وعدكيم وعيد اليوم الحيق أو وعدكيم وعيد‬
‫الوعد الحق فصدقكم؛ فحذف المصدر لدللة الحال‪" .‬وما كان لي عليكم من سلطان" أي من حجة‬
‫وبيان؛ أي ميا أظهرت لكيم حجة على ميا وعدتكيم وزينتيه لكيم فيي الدنييا‪" ،‬إل أن دعوتكيم فاسيتجبتم‬
‫لي" أي أغويتكم فتابعتموني‪ .‬وقيل‪ :‬لم أقهركم على ما دعوتكم إليه‪" .‬إل أن دعوتكم" هو استثناء‬
‫منقطع؛ أي لكن دعوتكم بالوسواس فاستجبتم لي باختياركم‪" ،‬فل تلوموني ولوموا أنفسكم" وقيل‪:‬‬
‫"وما كان لي عليكم من سلطان" أي على قلوبكم وموضع إيمانكم لكن دعوتكم فاستجبتم لي؛ وهذا‬
‫على أنيه خطيب العاصيي المؤمين والكافير الجاحيد؛ وفييه نظير؛ لقوله‪" :‬لميا قضيي المير" فإنيه يدل‬
‫على أنييه خطييب الكفار دون العاصييين الموحدييين؛ وال أعلم‪" .‬فل تلومونييي ولوموا أنفسييكم" إذا‬
‫جئتمونيي مين غيير حجية‪" .‬ميا أنيا بمصيرخكم" أي بمغيثكيم‪" .‬وميا أنتيم بمصيرخي" أي بمغيثيي‪.‬‬
‫والصارخ والمستصرخ هو الذي يطلب النصرة والمعاونة‪ ،‬والمصرخ هو المغيث‪ .‬قال سلمة بن‬
‫جندل‪.‬‬
‫وكان الصراخ له قرع الظنابيب‬ ‫كنا إذا ما أتانا صارخ فزع‬
‫وقال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫ول تجزعوا إني لكم غير مصرخ وليس لكم عندي غناء ول نصر‬
‫يقال‪ :‬صييرخ فلن أي اسيتغاث يصييرخ صيرخا وصييراخا وصيرخة‪ .‬واصييطرخ بمعنييى صييرخ‪.‬‬
‫والتصيرخ تكلف الصيراخ‪ .‬والمصيرخ المغييث‪ ،‬والمسيتصرخ المسيتغيث؛ تقول منيه‪ :‬اسيتصرخني‬
‫فأصيرخته‪ .‬والصيريخ صيوت المسيتصرخ‪ .‬والصيريخ أيضيا الصيارخ‪ ،‬وهيو المغييث والمسيتغيث‪،‬‬
‫وهيو مين الضداد؛ قاله الجوهري‪ .‬وقراءة العامية "بمصيرخي" بفتيح الياء‪ .‬وقرأ العميش وحمزة‬
‫"بمصرخي" بكسر الياء‪ .‬والصل فيها بمصرخيين فذهبت النون للضافة‪ ،‬وأدغمت ياء الجماعة‬
‫فيي ياء الضافية‪ ،‬فمين نصيب فلجيل التضعييف‪ ،‬ولن ياء الضافية إذا سيكن ميا قبلهيا تعيين فيهيا‬
‫الفتيح مثيل‪ :‬هواي وعصياي‪ ،‬فإن تحرك ميا قبلهيا جاز الفتيح والسيكان‪ ،‬مثيل‪ :‬غلميي وغلمتيي‪،‬‬
‫ومن كسر فللتقاء الساكنين حركت إلى الكسر‪ ،‬لن الياء أخت الكسرة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬قراءة حمزة‬
‫وهيم منيه‪ ،‬وقيل مين سيلم منهيم عين خطيأ‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هذه قراءة رديئة ول وجيه لهيا إل وجيه‬
‫ضعييف‪ .‬وقال قطرب‪ :‬هذه لغية بنيي يربوع يزيدون على ياء الضافية ياء‪ .‬القشيري‪ :‬والذي يغنيي‬
‫عن هذا أن ما يثبت بالتواتر عن النبي صلى ال عليه وسلم فل يجوز أن يقال فيه هو خطأ أو قبيح‬
‫أو رديء‪ ،‬بل هو في القرآن فصيح‪ ،‬وفيه ما هو أفصح منه‪ ،‬فلعل هؤلء أرادوا أن غير هذا الذي‬
‫قرأ به حمزة أفصح‪" .‬إني كفرت بما أشركتموني من قبل" أي كفرت بإشراككم إياي مع ال تعالى‬
‫في الطاعة؛ في "ما" بمعنى المصدر‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬إني كفرت اليوم بما كنتم تدعونه في الدنيا‬
‫ميين الشرك بال تعالى‪ .‬قتادة‪ :‬إنييي عصيييت ال‪ .‬الثوري‪ :‬كفرت بطاعتكييم إياي فييي الدنيييا‪" .‬إن‬
‫الظالميين لهيم عذاب ألييم"‪ .‬وفيي هذه اليات رد على القدريية والمعتزلة والماميية ومين كان على‬
‫طريقهيم؛ انظير إلى قول المتبوعيين‪" :‬لو هدانيا ال لهديناكيم" وقول إبلييس‪" :‬إن ال وعدكيم وعيد‬
‫الحق" كيف اعترفوا بالحق في صفات ال تعالى وهم في دركات النار؛ كما قال في موضع آخر‪:‬‬
‫"كلميا ألقيي فيهيا فوج سيألهم خزنتهيا" [الملك‪ ]8 :‬إلى قوله‪" :‬فاعترفوا بذنبهيم" [الملك‪]11 :‬‬
‫واعترافهم في دركات لظى بالحق ليس بنافع‪ ،‬وإنما ينفع العتراف صاحبه في الدنيا؛ قال ال عز‬
‫وجييل‪" :‬وآخرون اعترفوا بذنوبهييم خلطوا عمل صييالحا وآخيير سيييئا عسييى ال أن يتوب عليهييم"‬
‫[التوبة‪ ]102 :‬و"عسى" من ال واجبة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 23 :‬وأدخيل الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات جنات تجري مين تحتهيا النهار خالديين‬
‫فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات" أي في جنات لن دخلت ل يتعدى؛‬
‫كميا ل يتعدى نقيضيه وهيو خرجيت‪ ،‬ول يقاس علييه؛ قاله المهدوي‪ .‬ولميا أخيبر تعالى بحال أهيل‬
‫النار أخيبر بحال أهيل الجنية أيضيا‪ .‬وقراءة الجماعية "أدخيل" على أنيه فعيل مبنيي للمفعول‪ .‬وقرأ‬
‫الحسين "وأدخيل" على السيتقبال والسيتئناف‪" .‬بإذن ربهيم" أي بأمره‪ .‬وقييل‪ :‬بمشيئتيه وتيسييره‪.‬‬
‫وقال‪" :‬بإذن ربهييم" ولم يقييل‪ :‬بإذنييي تعظيمييا وتفخيمييا‪" .‬تحيتهييم فيهييا سييلم" تقدم فييي "يونييس"‪.‬‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 25 - 24 :‬ألم تير كييف ضرب ال مثل كلمية طيبية كشجرة طيبية أصيلها ثابيت‬
‫وفرعها في السماء‪ ،‬تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب ال المثال للناس لعلهم يتذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تير كييف ضرب ال مثل" لميا ذكير تعالى مثيل أعمال الكفار وأنهيا كرماد‬
‫اشتدت بيه الرييح فيي يوم عاصيف‪ ،‬ذكير مثيل أقوال المؤمنيين وغيرهيا‪ ،‬ثيم فسير ذلك المثيل فقال‪:‬‬
‫"كلمية طيبية" التمير‪ ،‬فحذف لدللة الكلم علييه‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬الكلمية الطيبية ل إله إل ال‬
‫والشجرة الطيبية المؤمين‪ .‬وقال مجاهيد وابين جرييج‪ :‬الكلمية الطيبية اليمان‪ .‬عطية العوفيي والربييع‬
‫بين أنس‪ :‬هيي المؤمن نفسه‪ .‬وقال مجاهيد أيضا وعكرمية‪ :‬الشجرة النخلة؛ فيجيز أن يكون المعنيى‪:‬‬
‫أصيل الكلمية فيي قلب المؤمين ‪ -‬وهيو اليمان ‪ -‬شبهيه بالنخلة فيي المنبيت‪ ،‬وشبيه ارتفاع عمله فيي‬
‫السيماء بارتفاع فروع النخلة‪ ،‬وثواب ال له بالثمير‪ .‬وروي مين حدييث أنيس عين النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬إن مثيل اليمان كمثيل شجرة ثابتية اليمان عروقهيا والصيلة أصيلها والزكاة‬
‫فروعها والصيام أغصانها والتأذي ال نباتها وحسن الخلق ورقها والكف عن محارم ال ثمرتها)‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعنى‪ :‬أصل النخلة ثابت في الرض؛ أي عروقها تشرب من الرض وتسقيها‬
‫السماء من فوقها‪ ،‬فهي زاكية نامية‪ .‬وخرج الترمذي من حديث أنس بن مالك قال‪ :‬أتي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بقناع فيه رطب‪ ،‬فقال‪( :‬مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها‬
‫فيي السيماء تؤتيي أكلهيا كيل حيين بإذن ربهيا ‪ -‬قال ‪ -‬هيي النخلة ومثيل كلمية خبيثية كشجرة خبيثية‬
‫اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار ‪ -‬قال ‪ -‬هي الحنظل)‪ .‬وروي عن أنس قوله وقال‪ :‬وهو‬
‫أصح‪ .‬وخرج الدارقطني عن ابن عمر قال‪(:‬قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم "ضرب ال مثل‬
‫كلمية طيبية كشجرة طيبية أصيلها ثابيت" فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أتدرون ميا هيي)‬
‫فوقع في نفسي أنها النخلة‪ .‬قال السهيلي ول يصح فيها ما روي عن علي بن أبي طالب أنها جوزة‬
‫الهند؛ لما صح عن النبي صلى ال عليه وسلم في حديث ابن عمر (إن من الشجرة شجرة ل يسقط‬
‫ورقها وهي مثل المؤمن خبروني ما هي ‪ -‬ثم قال ‪ -‬هي النخلة) خرجه مالك "الموطأ" من رواية‬
‫ابين القاسيم وغيره إل يحييى فإنيه أسيقطه مين روايتيه‪ .‬وخرجيه أهيل الصيحيح وزاد فييه الحارث بين‬
‫أسيامة زيادة تسياوي رحلة؛ عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬وهيى النخلة ل تسيقط هيا أنملة‬
‫وكذلك المؤمن ل تسقط له دعوة)‪ .‬فبين معنى الحديث والمماثلة‬
‫قلت‪ :‬وذكير الغزنوي عنيه علييه السيلم‪( :‬مثيل المؤمين كالنخلة إن صياحبته نفعيك وإن جالسيته‬
‫نفعيك وإن شاورتيه نفعيك كالنخلة كيل شييء منهيا ينتفيع بيه)‪ .‬وقال‪( :‬كلوا مين عمتكيم) يعنيي النخلة‬
‫خلقيت مين فضلة طينية آدم علييه السيلم‪ ،‬وكذلك أنهيا برأسيها تبقيي‪ ،‬وبقلبهيا تحييا‪ ،‬وثمرهيا بامتزاج‬
‫الذكر والنثى‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنها لما كانت أشبه الشجار بالنسان شبهت به؛ وذلك أن كل شجرة إذا‬
‫قطيع رأسيها تشعبيت الغصيون مين جوانيب‪ ،‬والنخلة إذا قطيع رأسيها يبسيت وذهبيت أصيل؛ ولنهيا‬
‫تشبه النسان وسائر الحيوان في اللتقاح لنها ل تحمل حتى تلقح قال النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة)‪ .‬والبار اللقاح وسيأتي في سورة "الحجر" بيانه‪ .‬ولنها‬
‫من فضلة طينة آدم‪ .‬ويقال‪ :‬إن ال عز وجل لما صور آدم من الطين فضلت قطعة طين فصورها‬
‫بيده وغرسها في جنة عدن‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أكرموا عمتكم) قالوا‪ :‬ومن عمتنا يا‬
‫رسيول ال؟ قال‪( :‬النخلة)‪" .‬تؤتيي أكلهيا كيل حيين" قال الربييع‪" :‬كيل حيين" غدوة وعشيية كذلك‬
‫يصيعد عميل المؤمين أول النهار وآخره؛ وقاله ابين عباس‪ .‬وعنيه "تؤتيي أكلهيا كيل حيين" قال‪ :‬هيو‬
‫شجرة جوزة الهند ل تتعطل من ثمرة‪ ،‬تحمل في كل شهر‪ ،‬شبه عمل المؤمن ل عز وجل في كل‬
‫وقيت‪ :‬لنخلة التيي تؤتيي أكلهيا فيي أوقات مختلفية‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬كيل سياعة مين لييل أو نهار شتاء‬
‫وصيييفا يوكييل فييي جميييع الوقات‪ ،‬وكذلك المؤميين ل يخلو ميين الخييير فييي الوقات كلهييا‪ .‬وقال‬
‫النحاس‪ :‬وهذه القوال متقاربية غيير متناقضية‪ ،‬لن الحيين عنيد جمييع أهيل اللغية إل مين شيذ منهيم‬
‫بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره‪ ،‬وأنشد الصمعي بيت النابغة‪:‬‬
‫تطلقه حينا وحينا تراجع‬ ‫تناذرها الراقون من سوء سمها‬
‫فهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت‪ ،‬فاليمان ثابت في قلب المؤمن‪ ،‬وعمله وقوله وتسبيحه عال‬
‫مرتفيع فيي السيماء ارتفاع فروع النخلة‪ ،‬وميا يكسيب مين بركية اليمان وثوابيه كميا ينال مين ثمرة‬
‫النخلة فيي أوقات السينة كلهيا‪ ،‬مين الرطيب والبسير والبلح والزهيو والتمير والطلع‪ .‬وفيي روايية عين‬
‫ابن عباس‪ :‬إن الشجرة شجرة في الجنة تثمر في كل وقت‪ .‬و(مثل) مفعول بي"ضرب"‪" ،‬وكلمة"‬
‫بدل منيه‪ ،‬والكاف فيي قوله‪( :‬كشجرة) فيي موضيع نصيب على الحال مين "كلمية" التقديير‪ :‬كلمية‬
‫طيبة مشبهة بشجرة طيبة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تؤتيي أكلهيا كيل حيين" لميا كانيت الشجار تؤتيي أكلهيا كيل سينة مرة كان فيي ذلك‬
‫بيان حكيم الحيين؛ ولهذا قلنيا‪ :‬مين حلف أل يكلم فلنيا حينيا‪ ،‬ول يقول كذا حينيا إن الحيين سينة‪ .‬وقيد‬
‫ورد الحيين فيي موضيع آخير يراد بيه أكثير مين ذلك لقوله تعالى‪" :‬هيل أتيى على النسيان حيين مين‬
‫الدهير" [النسيان‪ ]1 :‬قييل فيي "التفسيير"‪ :‬أربعون عاميا‪ .‬وحكيى عكرمية أن رجل قال‪ :‬إن فعلت‬
‫كذا وكذا إلى حين فغلمه حر‪ ،‬فأتى عمر بن عبدالعزيز فسأل‪ ،‬فسألني عنها فقلت‪ :‬إن من الحين‬
‫حينا ل يدرك‪ ،‬قوله‪" :‬وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" [النبياء‪ ]111 :‬فأرى أن تمسك‬
‫ما بين صرام النخلة إلى حملها‪ ،‬فكأنه أعجبه؛ وهو قول أبي حنيفة في الحين أنه ستة أشهر اتباعا‬
‫لعكرمية وغيره‪ .‬وقيد مضيى ميا للعلماء فيي الحيين فيي "البقرة" مسيتوفى والحميد ل‪" .‬ويضرب ال‬
‫المثال" أي الشباه "للناس لعلهم يتذكرون" ويعتبرون؛ وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار}‬
‫@ الكلمة الخبيثة كلمة الكفر‪ .‬وقيل‪ :‬الكافر نفسه‪ .‬والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل كما في حديث‬
‫أنيس‪ ،‬وهيو قول ابين عباس ومجاهيد وغيرهميا‪ ،‬وعين ابين عباس أيضيا‪ :‬أنهيا شجرة لم تخلق على‬
‫الرض‪ .‬وقيل‪ :‬هي شجرة الثوم؛ عن ابن عباس أيضا‪ .‬وقيل‪ :‬الكمأة أو الطحلبة‪ .‬وقيل‪ :‬الكشوث‪،‬‬
‫وهي شجرة ل ورق لها ول عروق في الرض؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وهم كشوث فل أصل ول ورق‬
‫"اجتثت من فوق الرض" اقتلعت من أصلها؛ قال ابن عباس؛ ومنه قول لقيط‪:‬‬
‫فمن رأى مثل ذا يوما ومن سمعا‬ ‫والجلء الذي تجتث أصلكم‬
‫وقال المؤرج‪ :‬أخذت جثتهييا وهييي نفسييها‪ ،‬والجثيية شخييص النسييان قاعدا أو قائمييا‪ .‬وجثييه قلعييه‪،‬‬
‫واجتثه اقتلعه من فوق الرض؛ أي ليس لها أصل راسخ يشرب بعروقه من الرض‪" .‬ما لها من‬
‫قرار" أي من أصل في الرض‪ .‬وقيل‪ :‬من ثبات؛ فكذلك الكافر ل حجة له ول ثبات ول خير فيه‪،‬‬
‫وميا يصيعد له قول طييب ول عميل صيالح‪ .‬وروى معاويية بين صيالح عين علي بين أبيي طلحية فيي‬
‫قوله تعالى‪" :‬ضرب ال مثل كلمييية طيبييية" قال‪ :‬ل إله إل ال "كشجرة طيبييية" قال‪ :‬المؤمييين‪،‬‬
‫"أصيلها ثابيت" ل إله إل ال ثابتية فيي قلب المؤمين؛ "ومثيل كلمية خبيثية" قال‪ :‬الشرك‪" ،‬شجرة‬
‫خبيثية" قال‪ :‬المشرك؛ "اجتثيت مين فوق الرض ميا لهيا مين قرار" أي لييس للمشرك أصيل يعميل‬
‫عليه‪ .‬وقيل‪ :‬يرجع المثل إلى الدعاء إلى اليمان‪ ،‬والدعاء إلى الشرك؛ لن الكلمة يفهم منها القول‬
‫والدعاء إلى الشيء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 27 :‬يثبيت ال الذيين آمنوا بالقول الثابيت فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة ويضيل ال‬
‫الظالمين ويفعل ال ما يشاء}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يثبيت ال الذيين آمنوا بالقول الثابيت" قال ابين عباس‪ :‬هيو ل إله إل ال‪ .‬وروى‬
‫النسيائي عين البراء قال قال‪" :‬يثبيت ال الذيين آمنوا بالقول الثابيت فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة"‬
‫نزلت فيي عذاب القيبر؛ يقال‪ :‬مين ربيك؟ فيقول‪ :‬ربيي ال ودينيي ديين محميد‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬يثبيت ال‬
‫الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد جاء هكذا موقوفا في بعض طرق مسلم عن البراء أنه قول‪ ،‬والصحيح فيه الرفع كما‬
‫فيي صحيح مسلم وكتاب النسائي وأبي داود وابين ماجة وغيرهيم‪ ،‬عن البراء عن النبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم؛ وذكر البخاري؛ حدثنا جعفر بن عمر‪ ،‬قال حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد‬
‫بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه‬
‫آت ثم يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فذلك قوله "يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت‬
‫في الحياة الدنيا وفي الخرة"‪ .‬وقد بينا هذا الباب في كتاب (التذكرة) وبينا هناك من يفتن في قبره‬
‫ويسأل‪ ،‬فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك‪ .‬وقال سهل بن عمار‪ :‬رأيت يزيد بن هارون في المنام‬
‫بعيد موتيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬ميا فعيل ال بيك؟ فقال‪ :‬أتانيي فيي قيبري ملكان فظان غليظان‪ ،‬فقال‪ :‬ميا دينيك‬
‫ومين ربيك ومين نبييك؟ فأخذت بلحيتيي البيضاء وقلت‪ :‬ألمثلي يقال هذا وقيد علميت الناس جوابكميا‬
‫ثمانيين سينة؟! فذهبيا وقال‪ :‬أكتبيت عين حرييز بين عثمان؟ قلت نعيم! فقال‪ :‬إنيه كان يبغيض علييا‬
‫فأبغضه ال‪ .‬وقيل‪ :‬معنى‪" ،‬يثبت ال" يديمهم ال على القول الثابت‪ ،‬ومنه قول عبدال بن رواحة‪:‬‬
‫تثبيت موسى ونصرا كالذي نصرا‬ ‫يثبت ال ما آتاك من حسن‬
‫وقيل‪ :‬يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت‪ .‬وقال القفال وجماعة‪" :‬في الحياة الدنيا" أي‬
‫في القبر؛ لن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا‪" ،‬وفي الخرة" أي عند الحساب؛ وحكاه الماوردي‬
‫عن البراء قال‪ :‬المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر‪ ،‬وبالخرة المساءلة في القيامة‪" :‬ويضل ال‬
‫الظالميين" أي عين حجتهيم فيي قبورهيم كميا ضلوا فيي الدنييا بكفرهيم فل يلقنهيم كلمية الحيق‪ ،‬فإذا‬
‫سئلوا في قبورهم قالوا‪ :‬ل ندري؛ فيقول‪ :‬ل دريت ول تليت؛ وعند ذلك يضرب بالمقامع على ما‬
‫ثبيت فيي الخبار؛ وقيد ذكرنيا ذلك فيي كتاب {التذكرة}‪ .‬وقييل‪ :‬يمهلهيم حتيى يزدادوا ضلل فيي‬
‫الدنيا‪" .‬ويفعل ال ما يشاء" من عذاب قوم وإضلل قوم‪ .‬وقيل‪ :‬إن سبب نزول هذه الية ما روي‬
‫عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا وصيف مسياءلة منكير ونكيير وميا يكون مين جواب المييت قال‬
‫عمر‪ :‬يا رسول ال معي عقلي؟ قال‪( :‬نعم) قال‪ :‬كفيت إذا؛ فأنزل ال عز وجل هذه الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تير إلى الذيين بدلوا نعمية ال كفرا" أي جعلوا بدل نعمية ال عليهيم الكفير فيي‬
‫تكذيبهيم محمدا صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬حيين بعثيه ال منهيم وفيهيم فكفروا‪ ،‬والمراد مشركيو قرييش‬
‫وأن اليية نزلت فيهيم؛ عين ابين عباس وعلي وغيرهميا‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي المشركيين الذيين قاتلوا‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يوم بدر‪ .‬قال أبو الطفيل‪ :‬سمعت عليا رضي ال عنه يقول‪ :‬هم قريش‬
‫الذين نحروا يوم بدر‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في الفجرين من قريش بني مخزوم وبني أمية‪ ،‬فأما بنو أمية‬
‫فمتعوا إلى حيين؛ وأميا بنيو مخزوم فأهلكوا يوم بدر؛ قال علي بين أبيي طالب وعمير بين الخطاب‬
‫رضي ال عنهما‪ .‬وقول رابع‪ :‬أنهم متنصيرة العرب جبلة بن اليهم وأصحابه حين لطيم فجعل له‬
‫عمير القصياص بمثلهيا‪ ،‬فلم يرض وأنيف فارتيد متنصيرا ولحيق بالروم فيي جماعية مين قوميه؛ عين‬
‫ابن عباس وقتادة‪ .‬ولما صار إلى بلد الروم ندم فقال‪:‬‬
‫وما كان فيها لو صبرت لها ضرر‬ ‫تنصرت الشراف من عار لطمة‬
‫وبعت لها العين الصحيحة بالعور‬ ‫تكنفني منها لجاج ونخوة‬
‫ولم أنكر القول الذي قاله عمر‬ ‫فيا ليتني أرعى المخاض ببلدة‬
‫وقال الحسين‪ :‬إنهيا عامية فيي جمييع المشركيين‪" .‬وأحلوا قومهيم" أي أنزلوهيم‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬هيم‬
‫قادة المشركيين يوم بدر‪" .‬وأحلوا قومهيم" أي الذيين اتبعوهيم‪" .‬دار البوار" قييل‪ :‬جهنيم؛ قال ابين‬
‫زيد‪ .‬وقيل‪ :‬يوم بدر؛ قال علي بن أبي طالب ومجاهد‪ .‬والبوار الهلك؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫غداة الحرب إذ خيف البوار‬ ‫فلم أر مثلهم أبطال حرب‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬جهنم يصلونها وبئس القرار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جهنيم يصيلونها" بيين أن دار البوار جهنيم كميا قال ابين زييد‪ ،‬وعلى هذا ل يجوز‬
‫الوقييف على "دار البوار" لن جهنييم منصييوبة على الترجميية عيين "دار البوار" فلو رفعهييا رافييع‬
‫بإضمار‪ ،‬على معنى‪ :‬هي جهنم‪ ،‬أو بما عاد من الضمير في "يصلونها" لحسن الوقف على "دار‬
‫البوار"‪" .‬وبئس القرار" أي المستقر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬وجعلوا ل أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلوا ل أندادا" أي أصيناما عبدوهيا؛ وقيد تقدم فيي "البقرة"‪" .‬ليضلوا عين‬
‫سيبيله" أي عين دينيه‪ .‬وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو بفتيح الياء‪ ،‬وكذلك فيي الحيج "ليضيل عين سيبيل‬
‫ال" [الحيج‪ ]9 :‬ومثله فيي "لقمان" و"الزمير" وضمهيا الباقون على معنيى ليضلوا الناس عين‬
‫سييبيله‪ ،‬وأمييا ميين فتييح فعلى معنييى أنهييم هييم يضلون عيين سييبيل ال على اللزوم‪ ،‬أي عاقبتييم إلى‬
‫الضلل والضلل؛ فهذه لم العاقبة‪" .‬قل تمتعوا" وعيد لهم‪ ،‬وهو إشارة إلى تقليل ما هم فيه من‬
‫ملذ الدنيا إذ هو منقطع‪" .‬فإن مصيركم إلى النار" أي مردكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية من قبل‬
‫أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل لعبادي الذيين آمنوا" أي إن أهيل مكية بدلوا نعمية ال بالكفير‪ ،‬فقيل لمين آمين‬
‫وحقق عبوديته أن "يقيموا الصلة" يعني الصلوات الخمس‪ ،‬أي قل لهم أقيموا‪ ،‬والمر معه شرط‬
‫مقدر‪ ،‬تقول‪ :‬أطييع ال يدخلك الجنيية؛ أي إن أطعتييه يدخلك الجنيية؛ هذا قول الفراء‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫"يقيموا" مجزوم بمعنى اللم‪ ،‬أي ليقيموا فأسقطت اللم لن المر دل على الغائب بي "قل"‪ .‬قال‪:‬‬
‫ويحتمل أن يقال‪" :‬يقيموا" جواب أمر محذوف؛ أي قل لهم أقيموا الصلة يقيموا الصلة‪" .‬وينفقوا‬
‫مميا رزقناهيم سيرا وعلنيية" يعنيي الزكاة؛ عين ابين عباس وغيره‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬السير ميا خفيي‬
‫والعلنيية ميا ظهير‪ .‬وقال القاسيم بين يحييى‪ :‬إن السير التطوع والعلنيية الفرض‪ ،‬وقيد مضيى هذا‬
‫المعنيى فيي "البقرة" مجودا عنيد قوله‪" :‬إن تبدوا الصيدقات فنعميا هيي" [البقرة‪" .]271 :‬مين قبيل‬
‫أن يأتييي يوم ل بيييع فيييه ول خلل" وأميير تعالى عباده بالنفاق ممييا رزقهييم ال وأنعييم بييه عليهييم‬
‫وحذرهيم مين المسياك إلى أن يجييء يوم ل يمكين فييه بييع ول شراء ول اسيتدراك نفقية‪ ،‬كميا قال‪:‬‬
‫"فيقول رب لول أخرتنيي إلى أجيل قرييب فأصيدق" [المنافقون‪ .]1 0 :‬والخلة‪ :‬خالص المودة‪،‬‬
‫مأخوذة من تخلل السرار بين الصديقين جمع خلة كقلة وقلل‪ .‬قال‪:‬‬
‫فلست بمقلي الخلل ول قالي‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 33 - 32 :‬ال الذي خلق السيماوات والرض وأنزل مين السيماء ماء فأخرج بيه‬
‫مين الثمرات رزقيا لكيم وسيخر لكيم الفلك لتجري فيي البحير بأمره وسيخر لكيم النهار‪ ،‬وسيخر لكيم‬
‫الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي خلق السماوات والرض" أي أبدعها واخترعها على غير مثال سبق‪.‬‬
‫"وأنزل مين السيماء" أي مين السيحاب‪" .‬ماء فأخرج بيه مين الثمرات رزقيا لكيم" أي مين الشجير‬
‫ثمرات "رزقا لكم"‪" .‬وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره" تقدم معناه في "البقرة"‪" .‬وسخر‬
‫لكم النهار" يعني البحار العذبة لتشربوا منها وتسقوا وتزرعوا‪ ،‬والبحار المالحة لختلف المنافع‬
‫مين الجهات‪" .‬وسخر لكم الشمس والقمير دائبين" أي في إصيلح ما يصلحانه من النبات وغيره‪،‬‬
‫والدؤوب مرور الشييء فيي العميل على عادة جاريية‪ .‬وقييل‪ :‬دائبيين فيي السيير امتثال لمير ال‪،‬‬
‫والمعنييى يجريان إلى يوم القياميية ل يفتران؛ روي معناه عيين ابيين عباس‪" .‬وسييخر لكييم الليييل‬
‫والنهار" أي لتسيكنوا فيي اللييل ولتبتغوا مين فضله فيي النهار‪ ،‬كميا قال‪" :‬ومين رحمتيه جعيل لكيم‬
‫الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله" [القصص‪.]73 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 34 :‬وآتاكيم مين كيل ميا سيألتموه وإن تعدوا نعمية ال ل تحصيوها إن النسيان لظلوم‬
‫كفار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتاكيم مين كيل ميا سيألتموه" أي أعطاكيم مين كيل مسيؤول سيألتموه شيئا؛ فحذف؛‬
‫عين الخفيش‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى وآتاكيم مين كيل ميا سيألتموه‪ ،‬ومين كيل ميا لم تسيألوه فحذف‪ ،‬فلم نسيأل‬
‫شمسا ول قمرا ول كثيرا من نعمه التي ابتدأنا بها‪ .‬وهذا كما قال‪" :‬سرابيل تقيكم الحر" [النحل‪:‬‬
‫‪ ]81‬على ميا يأتيي‪ .‬وقييل‪" :‬مين" زائدة؛ أي أتاكيم كيل ميا سيألتموه‪ .‬وقرأ ابين عباس والضحاك‬
‫وغيرهميا "وآتاكيم مين كيل" بالتنويين "ميا سيألتموه" وقيد روييت هذه القراءة عين الحسين والضحاك‬
‫وقتادة؛ هي على النفي أي من كل ما لم تسألوه؛ كالشمس والقمر وغيرهما‪ .‬وقيل‪ :‬من كل شيء ما‬
‫سيألتموه أي الذي ميا سيألتموه‪" .‬وإن تعدوا نعمية ال ل تحصيوها" أي نعيم ال‪" .‬ل تحصيوها" ول‬
‫تطيقوا عدهيا‪ ،‬ول تقوموا بحصيرها لكثرتهيا‪ ،‬كالسيمع والبصير وتقوييم الصيور إلى غيير ذلك مين‬
‫العافية والرزق؛ نعم ل تحصى وهذه النعم من ال‪ ،‬فلم تبدلون نعمة ال بالكفر؟! وهل استعنتم بها‬
‫على الطاعة؟! "إن النسان لظلوم كفار" النسان لفظ جنس وأراد به الخصوص؛ قال ابن عباس‪:‬‬
‫أراد أبا جهل‪ .‬وقيل‪ :‬جميع الكفار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الصنام}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال إبراهييم رب اجعيل هذا البلد آمنيا" يعنيي مكية وقيد مضيى فيي "البقرة"‪.‬‬
‫"واجنبنيي وبنيي أن نعبيد الصينام" أي اجعلنيي جانبيا عين عبادتهيا‪ ،‬وأراد بقوله‪( :‬بنيي) بنييه مين‪،‬‬
‫صيلبه وكانوا ثمانيية‪ ،‬فميا عبيد أحيد منهيم صينما‪ .‬وقييل‪ :‬هيو دعاء لمين أراد ال أن يدعيو له‪ .‬وقرأ‬
‫الجحدري وعيسييى "وأجنبنييي" بقطييع اللف والمعنييى واحييد؛ يقال‪ :‬جنبييت ذلك الميير؛ وأجنبتييه‬
‫وجنبته إياه فتجانبه وأجتنبه أي تركه‪ .‬وكان إبراهيم التيمي يقول في قصصه‪ :‬من يأمن البلء بعد‬
‫الخليل حين يقول "وأجنبني وبني أن نعبد الصنام" كما عبدها أبي وقومي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور‬
‫رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رب إنهن أضللن كثيرا من الناس" لما كانت سببا للضلل أضاف الفعل إليهن‬
‫مجازا؛ فإن الصينام جمادات ل تفعيل‪" .‬فمين تبعنيي" فيي التوحييد‪" .‬فإنيه منيي" أي مين أهيل دينيي‪.‬‬
‫"ومن عصاني" أي أصر على الشرك‪" .‬فإنك غفور رحيم" قيل‪ :‬قال هذا قبل أن يعرفه ال أن ال‬
‫ل يغفر أن يشرك به‪ .‬وقيل‪ :‬غفور رحيم لمن تاب من معصيته قبل الموت‪ .‬وقال مقاتل بن حيان‪:‬‬
‫"ومن عصاني" فيما دون الشرك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا‬
‫الصلة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}‬
‫@ روى البخاري عن ابن عباس‪(:‬أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل؛ اتخذت منطقا‬
‫لتعفيي أثرهيا على سيارة‪ ،‬ثم جاء بهيا إبراهييم وبابنهيا إسماعيل وهي ترضعه‪ ،‬حتى وضعهميا عند‬
‫البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد؛ وليس‪ ،‬بمكة يومئذ أحد‪ ،‬وليس بها ماء‪ ،‬فوضعهما‬
‫هنا لك؛ ووضع عندهما جرابا فيه تمر‪ ،‬وسقاء فيه ماء‪ ،‬ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل؛‬
‫فقالت‪ :‬ييا إبراهييم! أيين تذهيب وتتركنيا بهذا الوادي الذي لييس فييه إنيس ول شييء‪ ،‬فقالت له ذلك‬
‫مرارا وجعيل ل يلتفيت إليهيا‪ ،‬فقالت له‪ :‬ال أمرك بهذا؟ قال‪ :‬نعيم‪ .‬قالت إذا ل يضيعنيا؛ ثيم رجعيت‪،‬‬
‫فانطلق إبراهيييم حتييى إذا كان عنييد التثنييية حيييث ل يرونييه‪ ،‬اسييتقبل بوجهييه البيييت ثييم دعييا بهذه‬
‫الدعوات‪ ،‬ورفيع يدييه فقال‪" :‬ربنيا إنيي أسيكنت مين ذريتيي بواد غيير ذي زرع" [إبراهييم‪]37 :‬‬
‫حتى بلغ "يشكرون" وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء‪ ،‬حتى إذا نفد ما‬
‫فيي السيقاء عطشيت وعطيش ابنهيا‪ ،‬وجعلت تنظير إلييه يتلوى ‪ -‬أو قال بتلبيط ‪ -‬فانطلقيت كراهيية أن‬
‫تنظر إليه‪ ،‬فوجدت الصفا أقرب جبل في الرض يليها‪ ،‬فقامت عليه‪ ،‬ثم استقبلت الوادي تنظر هل‬
‫ترى أحدا‪ ،‬فلم تر أحدا‪ ،‬فهبطت من الصفا‪ ،‬حتى إذا بلغت الوادي‪ ،‬رفعت طرف درعها‪ ،‬ثم سعت‬
‫سيعي النسيان المجهود‪ ،‬ثيم جاوزت الوادي‪ ،‬ثيم أتيت المروة فقاميت علييه‪ ،‬فنظرت هيل ترى أحدا‬
‫فلم تير أحدا‪ ،‬ففعلت ذلك سيبع مرات؛ قال ابين عباس قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬فذلك سيعي‬
‫الناس بينهم) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت‪ :‬صه! تريد نفسها‪ ،‬ثم تسمعت فسمعت‬
‫أيضيا فقالت‪ :‬قيد أسيمعت‪ ،‬إن كان عندك غواث! فإذا هيي بالملك عنيد موضيع زمزم فبحيث بعقبيه ‪-‬‬
‫أو قال بجناحيه ‪ -‬حتيى ظهير الماء‪ ،‬فجعلت تحوضيه وتقول بيدهيا هكذا‪ ،‬وجعلت تغرف مين الماء‬
‫في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف؛ قال ابن عباس قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬يرحم ال أم‬
‫إسماعيل لو تركت زمزم ‪ -‬أو قال‪ :‬لو لم تغرف من الماء ‪ -‬لكانت زمزم عينا معينا) قال‪ :‬فشربت‬
‫وأرضعت ولدها فقال لها الملك‪ :‬ل تخافي الضيعة فإن ها هنا بيت ال يبنيه هذا الغلم وأبوه‪ ،‬وإن‬
‫ال ل يضيع أهله) وذكر الحديث بطوله‪.‬‬
‫مسيألة‪ :‬ل يجوز لحيد أن يتعلق بهذا فيي طرح ولده وعياله بأرض مضيعية اتكال على العزييز‬
‫الرحيم‪ ،‬واقتداء بفعل إبراهيم الخليل‪ ،‬كما تقول غلة الصوفية في حقيقة التوكل‪ ،‬فإن إبراهيم فعل‬
‫ذلك بأمر ال لقوله الحديث‪ :‬آل أمرك بهذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وقد روي أن سارة لما غارت من هاجر بعد‬
‫أن ولدت إسيماعيل خرج بهيا إبراهييم علييه السيلم إلى مكية‪ ،‬فروي أنيه ركيب البراق هيو وهاجير‬
‫والطفل فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة‪ ،‬وترك ابنه وأمته هنا لك وركب منصرفا من‬
‫يومه‪ ،‬فكان ذلك كله بوحي من ال تعالى‪ ،‬فلما ولي دعا بضمن هذه الية‪.‬‬
‫@ لما أراد ال تأسيس الحال‪ ،‬وتمهيد المقام‪ ،‬وخط الموضع للبيت المكرم‪ ،‬والبلد المحرم‪ ،‬أرسل‬
‫الملك فبحييث عيين الماء وأقامييه مقام الغذاء‪ ،‬وفييي الصييحيح‪ :‬أن أبييا ذر رضييي ال عنييه اجتزأ بييه‬
‫ثلثيين بيين يوم وليلة‪ ،‬قال أبيو ذر‪ :‬ميا كان لي طعام إل ماء زمزم فسيمنت حتيى تكسيرت عكنيي‪،‬‬
‫وما أجد على كبدي سخفة جوع؛ وذكر الحديث‪ .‬وروي الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬ماء زمزم لمييا شرب له إن شربتييه تشتفييي بييه شفاك ال وإن شربتييه‬
‫لشبعيك أشبعيك ال بيه وإن شربتيه لقطيع ظمئك قطعيه وهيي هزمية جبرييل وسيقيا ال إسيماعيل)‪.‬‬
‫وروي أيضيا عين عكرمية قال‪ :‬كان ابين عباس إذا شرب مين زمزم قال‪ :‬اللهيم إنيي أسيألك علميا‬
‫نافعيا‪ ،‬ورزقيا واسيعا‪ ،‬وشفاء مين كيل داء‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهذا موجود فييه إلى يوم القيامية لمين‬
‫صيحت نيتيه‪ ،‬وسيلمت طويتيه‪ ،‬ولم يكين بيه مكذبيا‪ ،‬ول يشربيه مجربيا‪ ،‬فإن ال ميه المتوكليين‪ ،‬وهيو‬
‫يفضيح المجربيين‪ .‬وقال أبيو عبدال محميد بين علي الترمذي وحدثنيي أبيي رحميه ال قال‪ :‬دخلت‬
‫الطواف فييي ليلة ظلماء فأخذنييي ميين البول مييا شغلنييي‪ ،‬فجعلت أعتصيير حتييى آذانييي‪ ،‬وخفييت إن‬
‫خرجييت ميين المسييجد أن أطييأ بعييض تلك القدام‪ ،‬وذلك أيام الحييج؛ فذكرت هذا الحديييث‪ ،‬فدخلت‬
‫زمزم فتضلعت منه‪ ،‬فذهب عني إلى الصباح‪ .‬وروي عن عبدال بن عمرو‪ :‬إن في زمزم عينا في‬
‫الجنة من قبل الركن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين ذريتيي" "مين" فيي قوله تعالى‪" :‬مين ذريتيي" للتبعييض أي أسيكنت بعيض‬
‫ذريتي؛ يعني إسماعيل وأمه‪ ،‬لن إسحاق كان بالشام‪ .‬وقيل‪ :‬هي صلة؛ أي أسكنت ذريتي‪" .‬عند‬
‫بيتك المحرم" يدل على أن البيت كان قديما على ما روي قبل الطوفان‪ ،‬وقد مضى هذا المعنى في‬
‫سييورة "البقرة"‪ .‬أضاف البيييت إليييه لنييه ل يملكييه غيره‪ ،‬ووصييفه بأنييه محرم‪ ،‬أي يحرم فيييه مييا‬
‫يستباح في غيره من جماع واستحلل‪ .‬وقيل‪ :‬محرم على الجبابرة‪ ،‬وأن تنتهك حرمته‪ ،‬ويستخف‬
‫بحقه‪ ،‬قاله قتادة وغيره‪ .‬وقد مضى القول في هذا في "المائدة"‪" .‬ربنا ليقيموا الصلة" خصها من‬
‫جملة الدين لفضلها فيه‪ ،‬ومكانها منه‪ ،‬وهي عهد اله عند العباد؛ قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬خمس‬
‫صيلوات كتبهين ال على العباد)‪ .‬الحدييث‪ .‬واللم فيي "ليقيموا الصيلة" لم كيي؛ هذا هيو الظاهير‬
‫فيهييا وتكون متعلقيية بييي"أسييكنت" ويصييح أن تكون لم أميير‪ ،‬كأنييه رغييب إلى ال أن يأتمنهييم وأن‬
‫يوفقهم لقامة الصلة‪.‬‬
‫@ تضمنيت هذه اليية أن الصيلة بمكية أفضيل مين الصيلة بغيرهيا؛ لن معنيى "ربنيا ليقيموا‬
‫الصيلة" أي أسيكنتهم عنيد بيتيك المحرم ليقيموا الصيلة فييه‪ .‬وقيد اختلف العلماء هيل الصيلة بمكية‬
‫أفضيل أو فيي مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم؟ فذهيب عامية أهيل الثير إلى أن المسيجد الحرام‬
‫أفضيل مين الصيلة فيي مسيجد الرسيول صيلى ال عليه وسيلم بمائة صيلة‪ ،‬واحتجوا بحدييث عبدال‬
‫بن الزبيرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬صلة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلة‬
‫فيميا سيواه مين المسياجد إل المسيجد الحرام وصيلة فيي المسيجد الحرام أفضيل مين صيلة مسيجدي‬
‫هذا بمائة صلة"‪ .‬قال المام الحافظ أبو عمر‪ :‬وأسند هذا الحديث حبيب المعلم عن عطاء بن أبي‬
‫رباح عين عبدال بين الزبيير وجوده‪ ،‬ولم يخلط فيي لفظيه ول فيي معناه‪ ،‬وكان ثقية‪ .‬قال ابين أبيي‪.‬‬
‫خيثمية سيمعت يحييى بين معيين يقول‪ :‬حيبيب المعلم ثقية‪ .‬وذكير عبدال بين أحميد قال سيمعت أبيي‬
‫يقول‪ :‬حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه! وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال‪ :‬بصري‬
‫ثقة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقيد خرج حدييث حيبيب المعلم هذا عين عطاء بين أبيي رباح عين عبدال بين الزبيير عين‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم التميمي البستي في المسند الصحيح له‪،‬‬
‫فالحديث صحيح وهو الحجة عند التنازع والختلف‪ .‬والحمد ل‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقد روي عن ابن‬
‫عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل حديث ابن الزبير؛ رواه موسى الجهني عن نافع عن ابن‬
‫عمرو؛ وموسيى الجهنيي الكوفيي ثقية‪ ،‬أثنيى علييه القطان وأحميد ويحييى وجماعتهيم‪ .‬وروى عنيه‬
‫شعبة‪ .‬والثوري ويحيى بن سعيد‪ .‬وروى حكيم بن سيف‪ ،‬حدثنا عبيدال بن عمر؛ عن عبدالكريم‬
‫عن عطاء بن أبي رباح‪ ،‬عن جابر بن عبدال قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬صلة في‬
‫مسجدي هذا أفضل من ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام وصلة في المسجد الحرام أفضل‬
‫مين مائة ألف فيمين سيواه)‪ .‬وحكييم بين سييف هذا شييخ مين أهيل الرقية قيد روى عنيه أبيو زرعية‬
‫الرازي‪ ،‬وأخذ عنه ابن وضاح‪ ،‬وهو عندهم شيخ صدوق ل بأس به‪ .‬فإن كان حفظ فهما حديثان‪،‬‬
‫وإل فالقول قول حبيب المعلم‪ .‬وروى محمد بن وضاح‪ ،‬حدثنا يوسف بن عدي عن عمر بن عبيد‬
‫عين عبدالملك عين عطاء عين ابين عمير قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬صييلة فيي‬
‫مسيجدي هذا أفضيل مين ألف صيلة فيي غيره مين المسياجد إل المسيجد الحرام فإن الصيلة فييه‬
‫أفضل)‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا كله نص في موضع الخلف قاطع له عند من ألهم رشده‪ ،‬ولم تمل به‬
‫عصييته‪ .‬وذكير ابين حيبيب عين مطرف وعين أصيبغ عين ابين وهيب أنهميا كانيا يذهبان إلى تفضييل‬
‫الصيلة فيي المسيجد الحرام على الصيلة فيي مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم على ميا فيي هذا‬
‫الباب‪ .‬وقيد اتفيق مالك وسيائر العلماء على أن صيلة العيديين ييبرز لهميا فيي كيل بلد إل مكية فإنهيا‬
‫تصييلي فييي المسييجد الحرام‪ .‬وكان عميير وعلي وابيين مسييعود وأبييو الدرداء وجابر يفضلون مكيية‬
‫ومسييجدها وهييم أولى بالتقليييد مميين بعدهييم؛ وإلى هذا ذهييب الشافعييي‪ .‬وهييو قول عطاء والمكيييين‬
‫والكوفييين‪ ،‬وروي مثله عين مالك؛ ذكير ابين وهيب فيي جامعيه عين مالك أن آدم علييه السيلم لميا‬
‫أهبيط إلى الرض قال‪ :‬ييا رب هذه أحيب إلييك أن تعبيد فيهيا؟ قال‪ :‬بيل مكية‪ .‬والمشهور عنيه وعين‬
‫أهل المدينة تفضيل المدينة‪ ،‬واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك؛ فطائفة تقول مكة‪ ،‬وطائفة‬
‫تقول المدينة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" الفئدة جمع فؤاد وهي القلوب‪ ،‬وقد يعبر عن‬
‫القلب بالفؤاد كما قال الشاعر‪:‬‬
‫إليك على طول المدى لصبور‬ ‫وإن فؤادا قادني بصبابة‬
‫وقيل‪ :‬جمع وفد‪ ،‬والصل أوفدة‪ ،‬فقدمت الفاء وقلبت الواو ياء كما هي‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬واجعل وفودا‬
‫مين الناس تهوي إليهيم؛ أي تنزع؛ يقال‪ :‬هوي نحوه إذا مال‪ ،‬وهوت الناقية تهوي هوييا فهيي هاويية‬
‫إذا عدت عدوا شديدا كأنهيييا فيييي هواء بئر‪ ،‬وقوله‪" :‬تهوي إليهيييم" مأخوذ منيييه‪ .‬قال ابييين عباس‬
‫ومجاهييد‪ :‬لو قال أفئدة الناس لزدحمييت عليييه فارس والروم والترك والهنييد واليهود والنصييارى‬
‫والمجوس‪ ،‬ولكين قال‪" :‬مين الناس" فهيم المسيلمون؛ فقوله‪" :‬تهوي إليهيم" أي تحين إليهيم‪ ،‬وتحين‬
‫إلى زيارة البييت‪ .‬وقرأ مجاهيد "تهوَى إليهيم" أي تهواهيم وتجلهيم‪" .‬وارزقهيم مين الثمرات لعلهيم‬
‫يشكرون" فاسيييتجاب ال دعاءه‪ ،‬وأنبيييت لهيييم بالطائف سيييائر الشجار‪ ،‬وبميييا يجلب إليهيييم مييين‬
‫المصار‪ .‬وفي صحيح البخاري عن ابن عباس الحديث الطويل وقد ذكرنا بعضه‪( :‬فجاء إبراهيم‬
‫بعيد ميا تزوج إسيماعيل يطالع تركتيه فلم يجيد إسماعيل‪ ،‬فسيأل امرأته عنه فقالت‪ :‬خرج يبتغيي لنيا‪،‬‬
‫ثم سألهم عن عيشهم وهيئتهم فقالت‪ :‬نحن بشر‪ ،‬نحن في ضيق وشدة؛ فشكت إليه‪ ،‬قال‪ :‬فإذا جاء‬
‫زوجك فاقرئي عليه السلم وقولي له يغير عتبة بابه‪ ،‬فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئا فقال‪ :‬هل‬
‫جاءكيم مين أحيد! قالت‪ :‬نعيم جاءنيا شييخ كذا وكذا فسيألني عنيك فأخيبرته‪ ،‬وسيألني كييف عيشتنيا‬
‫فأخيبرته أنيا فيي جهيد وشدة‪ ،‬قال فهيل أوصياك بشييء‪ :‬قالت‪ :‬أمرنيي أن أقرأ علييك السيلم‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫غيير عتبية بابيك؛ قال‪ :‬ذاك أبيي وقيد أمرنيي أن أفارقيك ألحقيي بأهلك؛ فطلقهيا وتزوج منهيم أخرى‪،‬‬
‫فلبث عنهم إبراهيم ما شاء ال ثم أتاهم بعد فلم يجده‪ ،‬ودخل على امرأته فسألها عنه فقالت‪ :‬خرج‬
‫يبتغيي لنيا‪ .‬قال‪ :‬كييف أنتيم؟ وسيألها عين عيشهيم وهيئتهيم فقالت‪ :‬نحين بخيير وسيعة وأثنيت على ال‪.‬‬
‫قال ما طعامكم؟ قالت‪ :‬اللحم‪ .‬قال فما شرابكم؟ قالت‪ :‬الماء‪ .‬قال‪ :‬اللهم بارك لهم في اللحم والماء‪.‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه)‪ .‬قال‪ :‬فهما ل‬
‫يخلو عليهميا أحيد بغيير مكية إل لم يوافقاه؛ وذكير الحدييث‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬قول إبراهييم "فاجعيل‬
‫أفئدة مين الناس تهوي إليهيم" سيأل أن يجعيل ال الناس يهوون السيكنى بمكية‪ ،‬فيصيير بيتيا محرميا‪،‬‬
‫وكل ذلك كان والحمد ل‪ .‬وأول من سكنه جرهم‪ .‬ففي البخاري ‪ -‬بعد قوله‪ :‬وإن ال ل يضيع أهله‬
‫‪ -‬وكان البيت مرتفعا من الرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله‪ ،‬وكذلك حتى‬
‫مرت بهم رفقة من جرهم قافلين من طريق كذا‪ ،‬فنزلوا بأسفل مكة‪ ،‬فرأوا طائرا عائفا فقالوا‪ :‬إن‬
‫هذا الطائر ليدور على ماء! لعهدنييا بهذا الوادي ومييا فيييه ماء؛ فأرسييلوا جريييا أو جريييين فإذا هييم‬
‫بالماء‪ ،‬فأخيبروهم بالماء فأقبلوا‪ .‬قال‪ :‬وأم إسيماعيل عنيد الماء؛ فقالوا‪ :‬أتأذنيين لنيا أن ننزل عندك؟‬
‫قالت‪ :‬نعيم ولكين ل حيق لكيم فيي الماء‪ .‬قالوا‪ :‬نعيم‪ .‬قال ابين عباس قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫(فألفي ذلك أم إسماعيل وهي تحب النس) فنزلوا وأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهيم حتى إذا كان‬
‫بها أهل أبيات منهم‪ ،‬شب الغلم‪ ،‬وماتت أم إسماعيل‪ ،‬فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع‬
‫تركته؛ الحديث‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على ال من شيء في الرض ول‬
‫في السماء}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن" أي‪ ،‬ليس يخفى عليك شيء من أحوالنا‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس ومقاتل‪ :‬تعلم جميع ما أخفيه وما أعلنه من الوجه بإسماعيل وأمه حيث أسكنا بواد غير‬
‫ذي زرع‪" .‬وميا يخفيي على ال مين شييء فيي الرض ول فيي السيماء" قييل‪ :‬هيو مين قول إبراهييم‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيو مين قول ال تعالى لميا قال إبراهييم‪" :‬ربنيا إنيك تعلم ميا نخفيي وميا نعلن" قال ال‪" :‬وميا‬
‫يخفى على ال من شيء في الرض ول في السماء"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬الحمد ل الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء}‬
‫@ أي على كبر سني وسن امرأتي؛ قال ابن عباس‪ :‬ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة‪.‬‬
‫وإسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬بشير إبراهيم بإسحاق بعد عشر‬
‫ومائة سنة‪" .‬إن ربي لسميع الدعاء"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 41 - 40 :‬رب اجعلني مقيم الصلة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء‪ ،‬ربنا اغفر لي‬
‫ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رب اجعلنيي مقييم الصيلة" أي مين الثابتيين على السيلم والتزام أحكاميه‪" .‬ومين‬
‫ذريتيي" أي واجعيل مين ذريتيي مين يقيمهيا‪" .‬ربنيا وتقبيل دعاء" أي عبادتيكميا قال‪" :‬وقال ربكيم‬
‫ادعوني أستجب لكم" [غافر‪ .]60 :‬وقال عليه السلم‪" :‬الدعاء مخ العبادة) وقد تقدم في "البقرة"‪.‬‬
‫"ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين" قيل‪ :‬استغفر إبراهيم لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان‬
‫ل‪ .‬قال القشيري‪ :‬ول يبعيد أن تكون أميه مسيلمة لن ال ذكير عذره فيي اسيتغفاره لبييه دون أميه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا قراءة سيعيد بين جيبير‪" ،‬رب اغفير لي ولوالدي" يعنيي‪ .‬أباه‪ .‬وقييل‪ :‬اسيتغفر لهميا‬
‫طمعا في إيمانهما‪ .‬وقيل‪ :‬استغفر لهما بشرط أن يسلما‪ .‬وقيل‪ :‬أراد آدم وحواء‪ .‬وقد روي أن العبد‬
‫إذا قال‪ :‬اللهم اغفر لي ولوالدي وكان أبواه قد ماتا كافرين انصرفت المغفرة إلى آدم وحواء لنهما‬
‫والدا الخلق أجمع‪ .‬وقيل‪ :‬إنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق‪ .‬وكان إبراهيم النخعي يقرأ‪" :‬ولولدي"‬
‫يعنيي ابنييه‪ ،‬وقييل‪ :‬إنيه أراد ولدييه إسيماعيل وإسيحاق‪ .‬وكان إبراهييم "وللمؤمنيين" قال ابين عباس‪:‬‬
‫من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪" :‬للمؤمنين" كلهم وهو أظهر‪" .‬يوم يقوم الحساب" أي‬
‫يوم يقوم الناس للحساب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 42 :‬ول تحسيبن ال غافل عميا يعميل الظالمون إنميا يؤخرهيم ليوم تشخيص فييه‬
‫البصار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تحسبن ال غافل عما يعمل الظالمون" وهذا تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بعد أن أجبه من أفعال المشركين ومخالفتهم دين إبراهيم؛ أي أصبر إبراهيم‪ ،‬وأعلم المشركين أن‬
‫تأخيير العذاب لييس للرضيا بأفعالهيم‪ ،‬بيل سينة ال إمهال العصياة مدة‪ .‬قال ميمون بين مهران‪ :‬هذا‬
‫وعبيد للظالم‪ ،‬وتعزيية للمظلوم‪" .‬إنميا يؤخرهيم" يعنيي مشركيي مكية يمهلهيم ويؤخير بهيم‪ .‬وقراءة‬
‫العاميية "يؤخرهييم" بالياء واختاره أبييو عبيييد وأبييو حاتييم لقوله "ول تحسييبن ال"‪ .‬وقرأ الحسيين‬
‫والسلمي وروي عن أبي عمرو أيضا "نؤخرهم" بالنون للتعظيم‪" .‬ليوم تشخص فيه البصار" أي‬
‫ل تغمييض ميين هول مييا تراه فييي ذلك اليوم‪ ،‬قاله الفراء‪ .‬يقال‪ :‬شخييص الرجييل بصييره وشخييص‬
‫البصر نفسه أي سما وطمح من هول ما يرى‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬تشخص أبصار الخلئق يومئذ إلى‬
‫الهواء لشدة الحيرة فل يرمضون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬مهطعين مقنعي رؤوسهم ل يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مهطعيين" أي مسيرعين؛ قاله الحسين وقتادة وسيعيد بين جيبير؛ مأخوذ مين أهطيع‬
‫يهطع إذا أسرع ومنه قوله تعالى‪" :‬مهطعين إلى الداع" [القمر‪ ]8 :‬أي مسرعين‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫بدجلة مهطعين إلى السماع‬ ‫بدجلة دارهم ولقد أراهم‬
‫وقيل‪ :‬المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع؛ أي ناظرين من غير أن يطرفوا؛ قاله ابن عباس‪ ،‬وقال‬
‫مجاهييد والضحاك‪" :‬مهطعييين" أي مديمييي النظيير‪ .‬وقال النحاس‪ :‬والمعروف فييي اللغيية أن يقال‪:‬‬
‫أهطيع إذا أسيرع؛ قال أبيو عبييد‪ :‬وقيد يكون الوجهان جميعيا يعنيي السيراع ميع إدامية النظير‪ .‬وقال‬
‫ابين زييد‪ :‬المهطيع الذي ل يرفيع رأسيه‪" .‬مقنعيي رؤوسيهم" أي رافعيي رؤوسيهم ينظرون فيي ذل‪.‬‬
‫وإقناع الرأس رفعه؛ قال ابن عباس ومجاهد‪ .‬قال ابن عرفة والقتبي وغيرهما‪ :‬المقنع الذي يرفع‬
‫رأسيه ويقبيل ببصيره على ميا بيين يدييه؛ ومنيه القناع فيي الصيلة وأقنيع صيوته إذا رفعيه‪ .‬وقال‬
‫الحسيين‪ :‬وجوه الناس يومئذ إلى السييماء ل ينظيير أحييد إلى أحييد‪ .‬وقيييل‪ :‬ناكسييي رؤوسييهم؛ قال‬
‫المهدوي‪ :‬ويقال أقنع إذا رفع رأسه‪ ،‬وأقنع إذا رأسه ذلة وخضوعا‪ ،‬والية محتملة الوجهين‪ ،‬وقاله‬
‫المبرد‪ ،‬والقول الول أعرف في اللغة؛ قال الراجز‪:‬‬
‫كأنما أبصر شيئا أطمعا‬ ‫أنغض نحوي رأسه وأقنعا‬
‫وقال الشماخ يصف إبل‪:‬‬
‫نواجذهن كالحدأ الوقيع‬ ‫يباكرن العضاه بمقنعات‬
‫يعني‪ :‬برؤوس مرفوعات إليها لتتناولهن‪ .‬ومنه قيل‪ :‬مقنعة لرتفاعها‪ .‬ومنه قنع الرجل إذا رضي؛‬
‫أي رفع رأسه عن السؤال‪ .‬وقنع إذا سأل أي أتى ما يتقنع منه؛ عن النحاس‪ .‬وفم مقنع أي معطوفة‬
‫أسنانه إلى داخل‪ .‬ورجل مقنع بالتشديد؛ أي عليه بيضة قاله الجوهري‪" .‬ل يرتد إليهم طرفهم" أي‬
‫ل ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر فهي شاخصة النظر‪ .‬يقال‪ :‬طرف الرجل يطرف طرفا إذا‬
‫أطبق جفنه على الخر‪ ،‬فسمي النظر طرفا لنه به يكون‪ .‬والطرف العين‪ .‬قال عنترة‪:‬‬
‫حتى يواري جارتي مأواها‬ ‫وأغض طرفي ما بدت جارتي‬
‫وقال جميل‪:‬‬
‫لجمل وللطرف الذي أنا قاصره‬ ‫وأقصر طرفي دون جمل كرامة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأفئدتهم هواء" أي ل تغني شيئا من شدة الخوف‪ .‬ابن عباس‪ :‬خالية من كل خير‪.‬‬
‫السيدي‪ :‬خرجيت قلوبهيم مين صيدورهم فنشبيت فيي حلوقهيم؛ وقال مجاهيد ومرة وابين زييد‪ :‬خاويية‬
‫خربة متخرقة ليس فيها خير ول عقل؛ كقولك في البيت الذي ليس فيه شيء‪ :‬إنما هو هواء؛ وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬والهواء في اللغة المجوف الخالي؛ ومنه قول حسان‪:‬‬
‫فأنت مجوفة نخب هواء‬ ‫أل أبلغ أبا سفيان عني‬
‫وقال زهير يصف صغيرة الرأس‪:‬‬
‫من الظلمان جؤجؤه هواء‬ ‫كأن الرجل منها فوق صعل‬
‫فارغ أي خال؛ وفي التنزيل‪" :‬وأصبح فؤاد أم موسى فارغا" [القصص‪ ]10 :‬أي من كل شيء‬
‫إل من هم موسى‪ .‬وقيل‪ :‬في الكلم إضمار؛ أي ذات هواء وخلء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 44 :‬وأنذر الناس يوم يأتيهيم العذاب فيقول الذيين ظلموا ربنيا أخرنيا إلى أجيل قرييب‬
‫نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنذر الناس" قال ابين عباس‪ :‬أراد أهيل مكية‪" .‬يوم يأتيهيم العذاب" وهيو يوم‬
‫القياميية؛ أي خوفهييم ذلك اليوم‪ .‬وإنمييا خصييهم بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب‪ ،‬لن الكلم خرج‬
‫مخرج التهدييد للعاصيي‪" .‬فيقول الذيين ظلموا" أي فيي ذلك اليوم "ربنيا أخرنيا" أي أمهلنيا‪" .‬إلى‬
‫أجل قريب" سألوه الرجوع إلى الدنيا حين ظهير الحق في الخرة‪" .‬نجب دعوتك ونتبع الرسل"‬
‫أي إلى السلم فيجابوا‪" :‬أولم تكونوا أقسمتم من قبل" يعني في دار الدنيا‪" .‬ما لكم من زوال" قال‬
‫مجاهد‪ :‬هو قسم قريش أنهم ل يبعثون‪ .‬ابن جريج‪ :‬هو ما حكاه عنهم في قوله‪" :‬وأقسموا بال جهد‬
‫أيمانهيم ل يبعيث ال مين يموت" [النحيل‪" .]38 :‬ميا لكيم مين زوال" فييه تأويلن‪ :‬أحدهميا‪ :‬ميا لكيم‬
‫مين انتقال عين الدنييا إلى الخرة؛ أي ل تبعثون ول تحشرون؛ وهذا قول مجاهيد‪ .‬الثانيي‪" :‬ميا لكيم‬
‫مين زوال" أي مين العذاب‪ .‬وذكير البيهقيي عين محميد بين كعيب القرظيي قال‪ :‬لهيل النار خميس‬
‫دعوات يجيبهيم ال أربعية‪ ،‬فإذا كان فيي الخامسية لم يتكلموا بعدهيا أبدا‪ ،‬يقولون‪" :‬ربنيا أمتنيا اثنتيين‬
‫وأحييتنيا اثنتيين فاعترفنيا بذنوبنيا فهيل إلى خروج مين سيبيل" [غافير‪ ]11 :‬فيجيبهيم ال "ذلكيم بأنيه‬
‫إذا دعيي ال وحده كفرتيم وأن يشرك بيه تؤمنوا فالحكيم ل العلي الكيبير" [غافير‪ ]12 :‬ثيم يقولون‪:‬‬
‫"ربنيا أبصيرنا وسيمعنا فارجعنيا نعميل صيالحا إنيا موقنون" [السيجدة‪ ]12 :‬فيجيبهيم ال تعالى‪:‬‬
‫"فذوقوا بميا نسييتم لقاء يومكيم هذا إنيا نسييناكم وذوقوا عذاب الخلد بميا كنتيم تعملون" [السيجدة‪:‬‬
‫‪ ]14‬ثم يقولون‪" :‬ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل" فيجيبهم ال تعالى "أو‬
‫لم تكونوا أقسيمتم مين قبيل ميا لكيم مين زوال" فيقولون‪" :‬ربنيا أخرجنيا نعميل صيالحا غيير الذي كنيا‬
‫نعميل" [فاطير‪ ]37 :‬فيجيبهيم ال تعالى‪" :‬أو لم نعمركيم ميا يتذكير فييه مين تذكير وجاءكيم النذيير‬
‫فذوقوا فميا للظالميين مين نصيير" [فاطير‪ .]37 :‬ويقولون‪" :‬ربنيا غلبيت علينيا شقوتنيا وكنيا قوميا‬
‫ضالين" [المؤمنون‪ ]106 :‬فيجيبهم ال تعالى‪" :‬اخسؤوا فيها ول تكلمون" [المؤمنون‪]108 :‬‬
‫فل يتكلمون بعدهيا أبدا؛ خرجيه ابين المبارك فيي {دقائقيه} بأطول مين هذا ‪ -‬وقيد كتبناه فيي كتاب‬
‫{التذكرة} وزاد فيي الحدييث "وسيكنتم فيي مسياكن الذيين ظلموا أنفسيهم وتيبين لكيم كييف فعلنيا بهيم‬
‫وضربنيا لكيم المثال‪ .‬وقيد مكروا مكرهيم وعنيد ال مكرهيم وإن كان مكرهيم لتزول منيه الجبال"‬
‫[إبراهيم‪ ]45 - 44:‬قال هذه الثالثة‪ ،‬وذكر الحديث وزاد بعد قوله‪" :‬اخسؤوا فيها ول تكلمون"‬
‫[المؤمنون‪ ]108 :‬فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء‪ ،‬وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في‬
‫وجه بعضهم في وجه بعض‪ ،‬وأطبقت عليهم؛ وقال‪ :‬فحدثني الزهر بن أبي الزهر أنه ذكر له‬
‫أن ذلك قوله‪" :‬هذا يوم ل ينطقون‪ .‬ول يؤذن لهم فيعتذرون" [المرسلت‪.]36 - 35:‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم‬
‫المثال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسيكنتم فيي مسياكن الذيين ظلموا أنفسيهم وتيبين لكيم كييف فعلنيا بهيم وضربنيا لكيم‬
‫المثال" أي في بلد ثمود ونحوها فهل اعتبرتم بمساكنهم‪ ،‬بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم‪ ،‬وبعد أن‬
‫ضربنيا لكيم المثال فيي القرآن‪ .‬وقرأ أبيو عبدالرحمين السيلمي "ونيبين لكيم" بنون والجزم على أنيه‬
‫مستقبل ومعناه الماضي؛ وليناسب قوله‪" :‬كيف فعلنا بهم"‪ .‬وقراءة الجماعة‪" ،‬وتبين" وهي مثلها‬
‫في المعنى؛ لن ذلك ل تبين لهم إل بتبيين ال إياهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬وقد مكروا مكرهم وعند ال مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيد مكروا مكرهيم" أي بالشرك بال وتكذييب الرسيل والمعاندة؛ عين ابين عباس‬
‫وغيره‪" .‬وعنييد ال مكرهييم وإن كان مكرهييم لتزول منييه الجبال" "إن" بمعنييى "مييا" أي مييا كان‬
‫مكرهيم لتزول منيه الجبال لضعفيه ووهنيه؛ "وإن" بمعنيى "ميا" فيي القرآن فيي مواضيع خمسية‪:‬‬
‫أحدها هذا‪ .‬الثاني‪" :‬فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك" [يونس‪ .]94 :‬الثالث‪" :‬لو أردنا أن نتخذ‬
‫لهوا لتخذناه مين لدنيا إن كنيا" [النيبياء‪ ]17 :‬أي ميا كنيا‪ .‬الرابيع‪" :‬قيل إن كان للرحمين ولد"‬
‫[الزخرف‪ .]81 :‬الخاميس‪" :‬ولقيد مكناهيم فيميا إن مكناكيم فييه" [الحقاف‪ .]26 :‬وقرا الجماعية‬
‫"وإن كان" بالنون‪ .‬وقرأ عمرو بن علي وابن مسعود وأبي "وإن كاد" بالدال‪ .‬والعامة على كسر‬
‫اللم فيي "لتزول" على أنهيا لم الجحود وفتيح اللم الثانيية نصييبا‪ .‬وقرأ بين محيصين وابين جرييج‬
‫والكسيائي "لتزول" بفتيح اللم الول على أنهيا لم البتداء ورفيع الثانيية "وإن" مخففية مين الثقيلة‪،‬‬
‫ومعنيى هذه القراءة اسيتعظام مكرهيم؛ أي ولقيد عظيم مكرهيم حتيى كادت الجبال تزول منيه؛ قال‬
‫الطيبري‪ :‬الختيار القراءة الولى؛ لنهيا لو كانيت زالت لم تكين ثابتية؛ قال أبيو بكير النباري‪ :‬ول‬
‫حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدثناه أحمد بن الحسين‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة‬
‫حدثنيا وكييع بين الجراح عين إسيرائيل عين أبيي إسيحاق عين عبدالرحمين بين دانييل قال سيمعت علي‬
‫بيين أبييي طالب رضييي ال عنييه يقول‪ :‬إن جبارا ميين الجبابرة قال ل أنتهييي حتييى أعلم ميين فييي‬
‫السماوات‪ ،‬فعمد إلى فراخ نسور‪ ،‬فأمر أن تطعم اللحم‪ ،‬حتى اشتدت وعضلت واستعلجت أمر بأن‬
‫يتخذ تابوت يسع فيه رجلين؛ وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته‪ ،‬وأن يستوثق من‬
‫أرجييل النسييور بالوتاد؛ وتشييد إلى قوائم التابوت‪ ،‬ثييم جلس هييو وصيياحب له ميين التابوت وأثار‬
‫النسييور‪ ،‬فلمييا رأت اللحييم طلبتييه‪ ،‬فجعلت ترفييع التابوت حتييى بلغييت بييه مييا شاء ال؛ فقال الجبار‬
‫لصاحبه‪ :‬افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال‪ :‬أرى الجبال كأنها ذباب‪ ،‬فقال‪ :‬أغلق الباب؛ ثم صعدت‬
‫بالتابوت ما شاء ال أن تصعد‪ ،‬فقال الجبار لصاحبه‪ :‬افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال‪ :‬ما أرى إل‬
‫السماء وما تزداد منا إل بعدا‪ ،‬فقال‪ :‬نكس العصا فنكسها‪ ،‬فانقضت النسور‪ .‬فلما وقع التابوت على‬
‫الرض سيمعت له هدة كادت الجبال تزول عين مراتبهيا منهيا؛ قال‪ :‬فسيمعت علييا رضيي ال عنيه‬
‫يقرأ "وإن كان مكرهم لتزول" بفتح اللم الولى من "لتزول" وضم الثانية‪ .‬وقد ذكر الثعلبي هذا‬
‫الخيبر بمعناه‪ ،‬وأن الجبار هيو النمرود الذي حاج إبراهييم فيي ربيه‪ ،‬وقال عكرمية‪ :‬كان معيه فيي‬
‫التابوت غلم أمرد‪ ،‬وقييد حمييل القوس والنبييل فرمييى بهمييا فعاد إليييه ملطخييا بالدماء وقال‪ :‬كفيييت‬
‫نفسيك إله السيماء‪ .‬قال عكرمية‪ :‬تلطيخ بدم سيمكة مين السيماء‪ ،‬فذفيت نفسيها إلييه مين بحير فيي الهواء‬
‫معلق‪ .‬وقييل‪ :‬طائر مين الطيير أصيابه السيهم ثيم أمير نمرود صياحبه أن يضرب العصيا وأن ينكيس‬
‫اللحيم‪ ،‬فهبطيت النسيور بالتابوت‪ ،‬فسيمعت الجبال حفييف التابوت والنسيور ففزعيت‪ ،‬وظنيت أنيه قيد‬
‫حدث بهييا حدث ميين السييماء‪ ،‬وأن السيياعة قييد قامييت‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬وإن كان مكرهييم لتزول منييه‬
‫الجبال"‪ .‬قال القشيري‪ :‬وهذا جائز بتقدير خلق الحياة في الجبال‪ .‬وذكر الماوردي عن ابن عباس‪:‬‬
‫أن النمرود بين كنعان بنيى الصيرح فيي قريية الرس مين سيواد الكوفية‪ ،‬وجعيل طول خمسية آلف‬
‫ذراع وخمسيين ذراعيا‪ ،‬وعرضيه ثلثية آلف ذراع وخمسية وعشريين ذراعيا‪ ،‬وصيعد منيه ميع‬
‫النسيور‪ ،‬فلميا علم أنيه ل سيبيل له إلى السيماء اتخذه حصينا‪ ،‬وجميع فييه أهله وولده ليتحصين فييه‪.‬‬
‫فأتى ال بنيانه من القواعد‪ ،‬فتداعي الصرح عليهم فهلكوا جميعا‪ ،‬فهذا معنى "وقد مكروا مكرهم"‬
‫وفيي الجبال التيي عنيي زوالهيا بمكرهيم وجهان‪ :‬أحدهميا‪ :‬جبال الرض‪ .‬الثانيي‪ :‬السيلم والقرآن‪،‬‬
‫لنيه لثبوتيه ورسيوخه كالجبال‪ .‬وقال القشيري‪" :‬وعنيد ال مكرهيم" أي هيو عالم بذلك فيجازيهيم أو‬
‫عنيد ال جزاء مكرهيم فحذف المضاف‪" .‬وإن كان مكرهيم لتزول منيه الجبال" بكسير اللم؛ أي ميا‬
‫كان مكرهيم مكرا يكون له أثير وخطير عنيد ال تعالى‪ ،‬فالجبال مثيل لمير النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسييلم‪ .‬وقيييل‪" :‬وإن كان مكرهييم" فييي تقديرهييم "لتزول منييه الجبال" وتؤثيير فييي إبطال السييلم‪.‬‬
‫وقرئ "لتزول منييه الجبال" بفتييح اللم الولى وضييم الثانييية؛ أي كان مكرا عظيمييا تزول منييه‬
‫الجبال‪ ،‬ولكن ال حفظ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو كقوله تعالى‪" :‬ومكروا مكرا كبارا"‬
‫[نوح‪ ]22 :‬والجبال ل تزول ولكن العبارة عن تعظيم الشيء هكذا تكون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬فل تحسبن ال مخلف وعده رسله إن ال عزيز ذو انتقام}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تحسيبن ال مخلف وعده رسيله" اسيم ال تعالى و"مخلف" مفعول تحسيب؛‬
‫و"رسله" مفعول "وعده" وهو على التساع‪ ،‬والمعنى‪ :‬مخلف وعده رسله؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وسائره باد إلى الشمس أجمع‬ ‫ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه‬
‫قال القتيبي‪ :‬هيو مين المقدم الذي يوضحيه التأخيير‪ ،‬والمؤخير الذي يوضحيه التقدييم‪ ،‬وسيواء فيي‬
‫قولك‪ :‬مخلف وعده رسييله‪ ،‬ومخلف رسييله وعده‪" .‬إن ال عزيييز ذو انتقام" أي ميين أعدائه‪ .‬وميين‬
‫أسمائه المنتقم وقد بيناه في "الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات وبرزوا ل الواحد القهار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم تبدل الرض غيير الرض" أي اذكير يوم تبدل الرض‪ ،‬فتكون متعلقة بميا‬
‫قبله‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو صييفة لقول‪" :‬يوم يقوم الحسيياب" [إبراهيييم‪ .]41 :‬واختلف فييي كيفييية تبديييل‬
‫الرض‪ ،‬فقال كثير من الناس‪ :‬إن تبدل الرض عبارة عن تغير صفاتها‪ ،‬وتسوية آكامها‪ ،‬ونسف‬
‫جبالهيا‪ ،‬وميد أرضهيا؛ ورواه ابين مسيعود رضيي ال عنيه؛ خرجيه ابين ماجية فيي سيننه وذكره ابين‬
‫المبارك من حديث شهر بن حوشب‪ ،‬قال حدثني ابن عباس قال‪ :‬إذا كان يوم القيامة مدت الرض‬
‫مد الديم وزيد في سعتها كذا وكذا؛ وذكر الحديث‪ .‬وروي مرفوعا من حديث أبي هريرة أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬تبدل الرض غير الرض فيبسطها ويمدها مد الديم العكاظي ل ترى‬
‫فيها عوجا ول أمتا ثم يزجر ال الخلق زجرة فإذا هم في الثانية في مثل مواضعهم من الولى من‬
‫كان في بطنها ففي بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها) ذكره الغزنوي‪ .‬وتبديل السماء‬
‫تكويير شمسيها وقمرهيا‪ ،‬وتناثير نجومهيا؛ قال ابين عباس‪ .‬وقييل‪ :‬اختلف أحوالهيا‪ ،‬فمرة كالمهيل‬
‫ومرة كالدهان؛ حكاه ابيين النباري؛ وقييد ذكرنييا هذا الباب مبينييا فييي كتاب {التذكرة} وذكرنييا مييا‬
‫للعلماء فيي ذلك‪ ،‬وأن الصيحيح إزالة هذه الرض حسيب ميا ثبيت عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪.‬‬
‫روى مسلم عن ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬كنت قائما عند رسول ال صلى‬
‫ال عليييه وسييلم فجاءه حييبر ميين أحبار اليهود فقال‪ :‬السييلم عليييك؛ وذكيير الحديييث‪ ،‬وفيييه‪ :‬فقال‬
‫اليهودي أيين يكون الناس يوم تبدل الرض غيير الرض والسيماوات؟ فقال رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬فيي الظلمية دون الجسير)‪ .‬وذكير الحدييث‪ .‬وخرج عين عائشية قالت‪ :‬سيئل رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم عين قوله‪" :‬يوم تبدل الرض غيير الرض والسيماوات" فأيين الناس يومئذ؟‬
‫قال‪( :‬على الصراط)‪ .‬خرجه ابن ماجة بإسناد مسلم سواء‪ ،‬وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي‬
‫لسيائلة‪ ،‬قال‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح؛ فهذه الحادييث تنيص على أن السيماوات والرض تبدل‬
‫وتزال‪ ،‬ويخلق ال أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر‪ .‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫سييهل بين سييعد قال قال رسييول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يحشيير الناس يوم القيامية على أرض‬
‫بيضاء عفراء كقرصه النقي ليس فيها علم لحد)‪ .‬وقال جابر‪ :‬سألت أبا جعفر محمد بن علي عن‬
‫قول ال عييز وجييل‪" :‬يوم تبدل الرض غييير الرض" قال‪ :‬تبدل خييبرة يأكييل منهييا الخلق يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ثم قرأ‪" :‬وما جعلناهم جسدا ل يأكلون الطعام" [النبياء‪ .]8 :‬وقال ابن مسعود‪ :‬إنه تبدل‬
‫بأرض غيرهيا بيضاء كالفضية لم يعميل عليهيا خطيئة‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬بأرض مين فضية بيضاء‪.‬‬
‫وقال علي رضيي ال عنيه‪ :‬تبدل الرض يومئذ مين فضية والسيماء مين ذهيب وهذا تبدييل للعيين‪،‬‬
‫وحسبك‪" .‬وبرزوا ل الواحد القهار" أي من قبورهم‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الصفاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى المجرميين" وهيم المشركون‪" .‬يومئذ" أي يوم القيامية‪" .‬مقرنيين" أي‬
‫مشدوديين "فيي الصيفاد" وهيي الغلل والقيود‪ ،‬وأحدهيا صيفد وصيفد‪ .‬ويقال‪ :‬صيفدته صيفدا أي‬
‫قيدته والسم الصفد‪ ،‬فإذا أردت التكثير قلت‪ :‬صفدته تصفيدا؛ قال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫وأبنا بالملوك مصفدينا‬ ‫فآبوا بالنهاب وبالسبايا‬
‫أي مقيدينا‪ .‬وقال حسان‪:‬‬
‫صقر إذا لقى الكريهة حام‬ ‫من كل مأسور يشد صفاده‬
‫أي غله‪ ،‬وأصفدته إصفادا أعطيته‪ .‬وقيل‪ :‬صفدته وأصفدته جاريان في القيد والعطاء جميعا؛ قال‬
‫النابغة‪:‬‬
‫فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد‬
‫فالصفد العطاء؛ لنه يقيد ويعبد‪ ،‬قال أبو الطيب‪:‬‬
‫ومن وجد الحسان قيدا تقيدا‬ ‫وقيدت نفسي في ذراك محبة‬
‫قيل‪ :‬يقرن كل كافر مع شيطان في غل‪ ،‬بيانه قوله‪" :‬احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" [الصافات‪:‬‬
‫‪ ]22‬يعني قرناءهم من الشياطين‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم الكفار يجمعون في الصفاد كما اجتمعوا في الدنيا‬
‫على المعاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيرابيلهم مين قطران" أي قميصيهم‪ ،‬عين ابين درييد وغيره‪ ،‬واحدهيا سيربال‪،‬‬
‫والفعل تسربلت وسربلت غيري؛ قال كعب بن مالك‪:‬‬
‫من نسج داود في الهيجا سرابيل‬ ‫تلقاكم عصب حول النبي لهم‬
‫"مين قطران" يعنيي قطران البيل الذي تهنيأ به؛ قال الحسين‪ .‬وذلك أبلغ لشتعال النار فيهيم‪ .‬وفيي‬
‫الصيحيح‪ :‬أن النائحية إذا لم تتيب قبيل موتهيا تقام يوم القيامية وعليهيا سيربال مين فطران ودرع مين‬
‫جرب‪ .‬وروي عيين حماد أنهييم قالوا‪ :‬هييو النحاس‪ .‬وقرأ عيسييى بيين عميير‪" :‬قطران" بفتييح القاف‬
‫وتسكين الطاء‪ .‬وفيه قراءة ثالثة‪ :‬كسر القاف وجزم الطاء؛ ومنه قول أبي النجم‪:‬‬
‫لبسه القطران والمسوحا‬ ‫جون كان العرق المنتوحا‬
‫وقراءة رابعيية‪" :‬ميين قطران" رويييت عيين ابيين عباس وأبييي هريرة وعكرميية وسييعيد بيين جييبير‬
‫ويعقوب؛ والقطير النحاس والصيفر المذاب؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬آتونيي أفرغ عليه قطرا" [الكهيف‪:‬‬
‫‪ .]96‬والن‪ :‬الذي قيد انتهيى إلى حره؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬وبيين حمييم آن"‪[ .‬الرحمين‪.]44 :‬‬
‫"وتغشى وجوههم النار" أي تضرب "وجوههم النار" فتغشيها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬ليجزي ال كل نفس ما كسبت إن ال سريع الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليجزي ال كل نفس ما كسبت" أي بما كسبت‪" .‬إن ال سريع الحساب" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬هذا بلغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا بلغ للناس" أي هذا الذي أنزلنيا إلييك بلغ؛ أي تبلييغ وعظية‪" .‬ولينذروا بيه"‬
‫أي ليخوفوا عقاب ال عيز وجيل‪ ،‬وقرئ‪" .‬ولينذروا" بفتيح الياء والذال‪ ،‬يقال‪ :‬نذرت بالشييء أنذر‬
‫إذا علميت بيه فاسيتعددت له‪ ،‬ولم يسيتعملوا منيه مصيدرا كميا لم يسيتعملوا مين عسيى ولييس‪ ،‬وكأنهيم‬
‫اسيتغنوا بأن والفعيل كقولك‪ :‬سيرني أن نذرت بالشييء‪" .‬وليعلموا أنميا هيو إله واحيد وليذكير أولو‬
‫اللباب" أي وليعلموا وحدانييية ال بمييا أقام ميين الحجييج والبراهييين‪" .‬وليذكيير أولو اللباب" أي‬
‫وليتعيظ أصيحاب العقول‪ .‬وهذه اللمات فيي "ولينذروا" "وليعلموا" "وليذكير" متعلقية بمحذوف‪،‬‬
‫التقديير‪ :‬ولذلك أنزلناه‪ .‬وروي يمان بين رئاب أن هذه اليية نزلت فيي أبيي بكير الصيديق رضيي ال‬
‫عنيه‪ .‬وسيئل بعضهيم هيل لكتاب ال عنوان؟ فقال‪ :‬نعيم؛ قييل‪ :‬وأيين هيو؟ قال قوله تعالى‪" :‬هذا بلغ‬
‫للناس ولينذروا به" إلى آخرها‪ .‬تم تفسير سورة إبراهيم عليه السلم والحمد ل‪.‬‬

You might also like