You are on page 1of 62

‫‪1‬‬

‫ما حكم طلب الدعاء‬


‫من صاحب القرب ؟‬

‫‪1‬‬
‫يقوؿ الشيخ سليماف بن عبد اهلل بن محمد بن عبد الوىاب ‪ -‬في ىذا المقاـ ‪:-‬‬

‫" الدعاء عبادة من أجل العبادات‪ ،‬بل ىو أكرمها على اهلل ‪ ..‬فإف مل يكن اإلشراؾ فيو شركان‪ ،‬فليس ُب‬
‫األرض شرؾ‪ ،‬كإف كاف ُب األرض شرؾ‪ ،‬فالشرؾ ُب الدعاء أكىل أف يكوف شركان من اإلشراؾ ُب غًنه من‬
‫أنواع العبادة‪ ،‬بل اإلشراؾ ُب الدعاء ىو أكرب شرؾ ادلشركٌن الذين بعث إليهم رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫كسلم‪ ،‬فإهنم يدعوف األنبياء كالصاحلٌن كادلالئكة ليشفعوا ذلم عند اهلل‪ ،‬كذلذا ؼللصوف ُب الشدائد هلل‪،‬‬
‫كينسوف ما يشركوف‪ { "..‬تيسًن العزيز احلميد ُب شرح كتاب التوحيد ‪ ،‬ص ‪} 219‬‬

‫سليماف بن عبد اهلل ؿ الشيخ‪:‬‬

‫جدا ُب كالـ العلماء‪ ،‬كىو إمجاع منهم أف اإللو ىو ادلعبود‪ ،‬خالفنا دلا يعتقده عباد القبور‬
‫"كىذا كثًن ن‬

‫كأشباىهم ُب معىن اإللو أنو اخلالق أك القادر على االخرتاع أك ضلو ىذه العبارات‪ ،‬كيظنوف أهنم إذا قالوىا‬

‫ّٔذا ادلعىن‪ ،‬فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصول‪ ،‬كلو فعلوا ما فعلوا من عبادة غًن اللٌو‪ ،‬كدعاء األموات‪،‬‬

‫واالستغاثة بهم في الكربات‪ ،‬وسؤالهم قضاء الحاجات‪ ،‬والنذر لهم في الملمات‪ ،‬وسؤالهم الشفاعة‬

‫عند رب األرض والسموات‪ ،‬إلى غير ذلك من أنواع العبادات‪ ،‬كما شعركا أف إخواهنم من كفار العرب‬

‫يشاركوهنم ُب ىذا اإلقرار‪ ،‬كيعرفوف أف اللٌو ىو اخلالق القادر على االخرتاع‪ ،‬كيعبدكنو بننواع من العبادات‪،‬‬

‫أيضا إخوا يهنم عباد كد كسواع كيغوث‬


‫فليهن أبو جهل كأبو ذلب كمن تبعهما حبكم عباد القبور‪ ،‬كليهن ن‬
‫كيعوؽ كنسر‪ ،‬إذ جعل ىؤالء دينهم ىو اإلسالـ ادلربكر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫كلو كاف معناىا ما زعمو ىؤالء اجلهاؿ‪ ،‬مل يكن بٌن الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم كبينهم نزاع‪ ،‬بل كانوا‬

‫يبادركف إىل إجابتو‪ ،‬كيلبوف دعوتو‪ ،‬إذ يقوؿ ذلم‪ :‬قولوا‪ :‬ال إلو إال اللٌو‪ ،‬دبعىن‪ :‬أنو ال قادر على االخرتاع إال‬

‫اللٌو‪ .‬فكانوا يقولوف‪ :‬مسعنا كأطعنا‪.‬‬

‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ض‬
‫ات َواأل َْر َ‬ ‫قاؿ اللٌو تعاىل‪َ {:‬ولَئ ْن َسأَلْتَػ ُه ْم َم ْن َخلَ َق ُه ْم لَيَػ ُقولُ َّن اللَّوُ}‪َ {.1‬ولَئ ْن َسأَلْتَػ ُه ْم َم ْن َخلَ َق َّ َ َ‬
‫الس ْم َع‬
‫ك َّ‬ ‫الس َم ِاء َواأل َْر ِ‬
‫ض أ ََّم ْن يَ ْملِ ُ‬ ‫يم}‪{.2‬قُ ْل َم ْن يَػ ْرُزقُ ُك ْم ِم َن َّ‬ ‫ِ‬
‫لَيَػ ُقولُ َّن َخلَ َق ُه َّن ال َْع ِز ُيز ال َْعل ُ‬
‫ص َار‪ 3}...‬اآلية‪ ،‬إىل غًن ذلك من اآليات‪.‬‬
‫َواألَبْ َ‬
‫أىل اللساف العريب‪ ،‬فعلموا أهنا هتدـ عليهم دعاء األموات كاألصناـ من األساس‪ ،‬كتكب بناء‬
‫القوـ ي‬
‫لكن ى‬
‫ى‬
‫ا‪{:‬ما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إِالَّ لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو‬
‫سؤاؿ الشفاعة من غًن اللٌو‪ ،‬كصرؼ اإلذلية لغًنه ألـ الرأس‪ ،‬فقالو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َع َل اآلل َهةَ إِلَهاً َواحداً إِ َّف َى َذا لَ َش ْي ٌء ُع َج ٌ‬
‫اب}‪ .6‬فتبنا دلن كاف‬ ‫ُزلْ َفى}‪َ {.4‬ى ُؤالء ُش َف َعا ُؤنَا ع ْن َد اللَّو}‪{.5‬أ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أبو جهل كرأس الكفر من قريش كغًنىم أعلم منو بػ‪ " :‬ال إلو إال اللٌو "‪ .‬قاؿ تعاىل‪{:‬إنَّػ ُه ْم َكانُوا إ َذا ق َ‬
‫يل‬

‫ِِ ِ ِ‬
‫اع ٍر م ْجنُ ٍ‬
‫وف}‪ .7‬فعرفوا أهنا تقتضي ترؾ عبادة‬ ‫لَ ُه ْم ال إِلَوَ إِالَّ اللَّوُ يَ ْستَ ْكبِ ُرو َف َويَػ ُقولُو َف أَإِنَّا لَتَا ِرُكو ل َهتنَا ل َش َ‬
‫ما سول اللٌو‪ ،‬كإفراد اللٌو بالعبادة‪ ،‬كىكذا يقوؿ عباد القبور إذا طلبت منهم إخالص الدعوة كالعبادة للٌو‬

‫كشفعاءنا ُب قضاء حوائجنا؟! فيقاؿ ذلم‪ :‬نعم كىذا الرتؾ كاإلخالص ىو احلق‪ ،‬كما‬
‫كحده‪ :‬أنرتؾ سادتنا ي‬

‫ين}‪ .1‬فػ‪ " :‬ال إلو إال اللٌو " اشتملت على نفي كإثبات‪ ،‬فنفت‬ ‫قاؿ تعاىل‪{:‬بل جاء بِالْح ّْق وص َّد َؽ ال ِ‬
‫ْم ْر َسل َ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ‬
‫اإلذلية عن كل ما سول اللٌو تعاىل‪ ،‬فكل ما سواه من ادلالئكة كاألنبياء فضالن عن غًنىم‪ ،‬فليس بإلو‪ ،‬كال لو‬

‫من العبادة شيء‪ ،‬كأثبتت اإلذلية للٌو كحده‪ ،‬دبعىن أف العبد ال ينلو غًنه‪ ،‬أم‪ :‬ال يقصده بشيء من التنلو كىو‬

‫تعلق القلب الذم يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة‪ ،‬كالدعاء كالذبح كالنذر كغًن ذلك‬

‫‪3‬‬
‫كباجلملة فال ينلو إال اللٌو‪ ،‬أم‪ :‬ال يعبد إال ىو‪ ،‬فمن قاؿ ىذه الكلمة عارفنا دلعناىا‪ ،‬عامالن دبقتضاىا‪ ،‬من‬

‫نفي الشرؾ كإثبات الوحدانية للٌو مع االعتقاد اجلازـ دلا تضمنتو من ذلك كالعمل بو‪ ،‬فهذا ىو ادلسلم ح نقا‪،‬‬

‫ظاىرا من غًن اعتقاد‪ ،‬فهو ادلنافق‪ ،‬كإف عمل خبالفها من الشرؾ‪ ،‬فهو الكافر كلو قاذلا‪ ،‬أال ترل‬
‫فإف عمل بو ن‬
‫َس َف ِل ِم َن النَّار}‪[ ،‬النٌساء‪ ،‬من اآلية‪ ،]145 :‬كاليهود‬ ‫أف ادلنافقٌن يعملوف ّٔا ظاىرا كىم {فِي الد ِ‬
‫َّرؾ األ ْ‬
‫ْ‬ ‫ن‬
‫يقولوهنا كىم على ما ىم عليو من الشرؾ كالكفر‪ ،‬فلم تنفعهم‪ ،‬ككذلك من ارتد عن اإلسالـ بإنكار شيء‬

‫من لوازمها كحقوقها‪ ،‬فإهنا ال تنفعو‪ ،‬كلو قاذلا مائة ألف‪ ،‬فكذلك من يقوذلا شلن يصرؼ أنواع العبادة لغًن‬

‫اللٌو‪ ،‬كعباد القبور كاألصناـ‪ ،‬فال تنفعهم كال يدخلوف ُب احلديث الذم جاء ُب فضلها‪ ،‬كما أشبهو من‬

‫األحاديث‪.‬‬

‫تنبيها على أف اإلنساف قد‬


‫كقد بٌن النيب صلى اهلل عليو كسلم ذلك بقولو‪ " :‬كحده ال شريك لو "‪ ،‬ن‬
‫يقوذلا كىو مشرؾ‪ ،‬كاليهود كادلنافقٌن كعباد القبور‪ ،‬دلا رأكا أف النيب صلى اهلل عليو كسلم دعا قومو إىل قوؿ‪:‬‬

‫" ال إلو إال اللٌو " ‪ ،‬ظنوا أنو إظلا دعاىم إىل النطق ّٔا فقط‪ ،‬كىذا جهل عظيم‪ ،‬كىو عليو السالـ إظلا دعاىم‬
‫ِِ ِ ِ‬
‫اع ٍر م ْجنُ ٍ‬
‫وف}‪.2‬‬ ‫إليها ليقولوىا كيعملوا دبعناىا‪ ،‬كيرتكوا عبادة غًن اللٌو‪ ،‬كذلذا قالوا‪{:‬أَإِنَّا لَتَا ِرُكو ل َهتنَا ل َش َ‬
‫كقالوا‪{:‬أَجعل اآللِهةَ إِلَهاً و ِ‬
‫احداً}‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬

‫) تيسًن العزيز احلميد ُب شرح كتاب التوحيد ‪ ,‬ص ‪(54-59‬‬

‫‪4‬‬
‫ويوضح الشيخ حمد حكم من دعا ميتاً أو غائباً فيقوؿ‪:‬‬

‫" من دعا ميتان أك غائبان فقاؿ يا سيدم فالف أغثين أك انصرين أك ارمحين‪ ،‬أك اكشف عين شدٌب‪ ،‬كضلو ذلك‬
‫فهو كافر مشرؾ يستتاب فإف تاب كإال قتل‪.‬‬

‫كىذا شلا ال خالؼ فيو بٌن العلماء‪ ،‬فإف ىذا ىو شرؾ ادلشركٌن الذين قاتلهم رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬

‫كسلم‪ ،‬فإهنم مل يكونوا يقولوف‪ :‬أهنا زبلق‪ ،‬كترزؽ كتدبر أمر من دعاىا بل كانوا يعلموف أف ذلك هلل كحده‬

‫كما حكاه عنهم ُب غًن موضع ُب كتابو‪ ،‬كإظلا كانوا يفعلوف عندىا ما يفعلو إخواهنم من ادلشركٌن اليوـ من‬

‫دعائها كاالستغاثة ّٔا‪ { "...‬رلموعة الرسائل كادلسائل‪} 596 / 4 ،‬‬

‫اإلماـ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب رحمهم اهلل تعالى‪:‬‬

‫"كقولو تعاىل‪ " :‬قل هلل الشفاعة جميعاً " أم ىو مالكها‪ ،‬فليس دلن تطلب منو شئ منها‪ ،‬كإظلا تطلب‬

‫‪.‬شلن ؽللكها دكف كل من سواه‪ ،‬ألف ذلك عبادة وتأليو ال يصلح إلى هلل‪"...‬‬

‫{ فتح آّيد شرح كتاب التوحيد ‪ ,‬باب الشفاعة }‬

‫قاؿ ‪ :‬الدعاء ىو العبادة‬

‫واألصل ‪َّ :‬‬


‫أف من صرؼ شيئاً من أنواع العبادة لغير اهلل فقد أشرؾ بو في ألوىيتو‬

‫‪5‬‬
‫قاؿ شيخ اإلسالـ أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسالـ بن تيمية النميري الحراني الدمشقي رحمو اهلل‬

‫في كتابو العظيم ‪ :‬قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص‪ [ )18/‬وىو في مجموع الفتاوى‬

‫(‪: ] )160-158/1‬‬

‫ب ِم ْن ال َْم َالئِ َك ِة َو ْاألَنْبِيَ ِاء أَ ْف يَ ْش َف ُعوا فىًإذىا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ْم ْش ِرُكو َف م ْن َى ُؤَالء قَ ْد يَػ ُقولُو َف ‪ :‬إنَّا نَ ْستَ ْشف ُع بِ ِه ْم أ ْ‬
‫َي نَطْلُ ُ‬ ‫"وال ُ‬
‫َ‬
‫ص َّوىرةه ىك ىما‬ ‫ً ً‬ ‫أىتىػيػنىا قىػبػر أىح ًد ًىم طىلىبػنىا ًمٍنو أى ٍف ي ٍش ىفع لىنىا فىًإذىا ص َّورنىا ًسبٍثالىو ‪ -‬كالت ً‬
‫يل يم ى‬
‫يل َّإما يرلى َّس ىدةه ىكإ َّما سبىىاث ي‬
‫َّماث ي‬
‫ىٍ ى ي ى ى‬ ‫ٍ ٍى ى ٍ ٍ ي ى ى‬
‫اطب ى ًذهً‬
‫ً‬ ‫يص ّْورىا النَّصارل ًُب ىكنائً ًس ًهم ‪ -‬قىاليوا ‪ :‬فىم ٍقصودنىا ًّٔ ًذهً التَّماثً ًيل تى ىذ ُّكر أ ً ً ً‬
‫ىص ىحأّىا ىكس ىًًنى ٍم ىكىٍضل ين يطلى ي ى‬
‫ي ٍ‬ ‫ى يي ى ى‬ ‫ى ٍ‬ ‫ي ى يى ى ى‬
‫ىح يد يى ٍم ‪ :‬يىا ىسيّْ ًدم فيىال هف أ ٍىك يىا ىسيّْ ًدم‬ ‫ىص ىح ًأّىا لًيى ٍش ىف يعوا لىنىا ىإىل اللَّ ًو ‪ .‬فىػيىػ يق ي‬
‫وؿ أ ى‬ ‫اب أ ٍ‬
‫التَّماثًيل كم ٍقص ً‬
‫ودنىا خطى ي‬
‫ى ى ىى ي ي‬
‫ك ا ٍش ىف ٍع ًِل ىإىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫احلنونىةي مرًن أىك يا سيّْ ًدم ٍ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وسى بٍ ىن ع ٍمىرا ىف أ ٍىك ىغٍيػىر ذىل ى‬
‫يل أ ٍىك يم ى‬
‫اخلىل ي‬ ‫جرجس أ ٍىك بطىٍر ًس أ ٍىك يىا س ِّّْت ٍىي ى ٍ ىي ٍ ى ى‬
‫احلي كىو ىغائًب ىكما يؼلى ً‬ ‫ً‬ ‫اطبو ىف الٍميّْ ً ًً‬ ‫ً‬
‫اطبيونىوي لى ٍو ىكا ىف‬ ‫ت عٍن ىد قىػ ٍربه ‪ :‬ىس ٍل ًِل ىربَّك ‪ .‬أ ٍىك يؼلىاطبيو ىف ٍى َّ ى ي ى ه ى‬
‫ىربّْك ‪ .‬ىكقى ٍد يؼلى ي ى ى‬

‫ىح يد يى ٍم فً ىيها ‪ :‬يَا َسيّْ ِدي فَُال ٌف أَنَا فِي َح َسبِك أَنَا فِي ِج َوا ِرؾ ا ْش َف ْع لِي‬ ‫صائً ىد يىػ يق ي‬
‫وؿ أ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ىحاضنرا ىحيِّا ىكيػيٍنش يدك ىف قى ى‬
‫ف َعنَّا َى ِذهِ ّْ‬
‫الش َّدةَ أَ ْش ُكو إلَْيك َك َذا َوَك َذا‬ ‫إلَى اللَّ ِو سل اللَّو لَنَا أَ ْف يػ ْنصرنَا َعلَى َع ُد ّْونَا سل اللَّو أَ ْف يك ِ‬
‫ْش َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َْ َ‬

‫َح ُد ُى ْم ‪َ :‬س ْل اللَّوَ أَ ْف يَػ ْغ ِف َر لِي ‪ .‬ىكًمٍنػ يه ٍم ىم ٍن يىػتىن َّىك يؿ قىػ ٍولو‬ ‫ف َى ِذهِ الْ ُك ْربَةَ ‪ .‬أ َْو يَػ ُق ُ‬
‫وؿ أ َ‬
‫فَسل اللَّو أَ ْف يك ِ‬
‫ْش َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫وؿ لَ َو َج ُدوا اللَّوَ تَػ َّوابًا‬
‫الر ُس ُ‬ ‫استَػ ْغ َف ُروا اللَّوَ َو ْ‬
‫استَػ ْغ َف َر لَ ُه ُم َّ‬ ‫اىل { َولَ ْو أَنَّػ ُه ْم إ ْذ ظَلَ ُموا أَنْػ ُف َس ُه ْم َجاءُ َ‬
‫وؾ فَ ْ‬ ‫تىػ ىع ى‬

‫الص ىحابىًة‬
‫ين طىلىبيوا ًاال ٍستً ٍغ ىف ىار ًم ٍن َّ‬ ‫ًً ً ً َّ ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫ِ‬
‫يما } ىكيىػقيوليو ىف ‪ :‬إذىا طىلىٍبػنىا مٍنوي اال ٍست ٍغ ىف ىار بىػ ٍع ىد ىم ٍوتو يكنَّا دبىٍن ًزلىة الذ ى‬
‫َرح ً‬
‫اف كسائًر الٍمسلً ًمٌن فىًإ َّف أىح ندا ًمٍنػهم ىمل يطٍلي ً‬
‫ً‬ ‫إمجاع َّ ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ب م ٍن النً ّْ‬
‫َّيب‬ ‫ى يٍ ٍى ٍ‬ ‫ٌن ىذلي ٍم بًًإ ٍح ىس ى ى ى ي ٍ ى‬
‫الص ىحابىة ىكالتَّابًع ى‬ ‫ىكيؼلىال يفو ىف بً ىذل ى‬
‫ك ٍى ى‬

‫ين فِي‬ ‫ك أَح ٌد ِمن أَئِ َّم ِة ال ِ ِ‬‫ِ‬ ‫ًً‬ ‫ً‬


‫ْم ْسلم َ‬
‫ُ‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم بىػ ٍع ىد ىم ٍوتو أى ٍف يى ٍش ىف ىع لىوي ىكىال ىسنىلىوي ىشٍيئنا َوَال ذََك َر ذَل َ َ ْ‬
‫ى‬
‫ًو ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ك ىم ٍن ذى ىكىرهي ًم ٍن يمتىن ّْ‬ ‫ً‬
‫ىخ ًرم الٍ يف ىق ىهاء ىك ىح ىك ٍوا ح ىكايىةن ىم ٍك يذكبىةن ىعلىى ىمالك ىرض ىي اللَّوي ىعٍنوي‬ ‫ُكتُبِ ِه ْم ىكإًَّظلىا ذى ىكىر ذىل ى‬
‫‪6‬‬
‫اب ال َْم َالئِ َك ِة َو ْاألَنْبِيَ ِاء‬
‫اىل ‪ .‬فَػ َه ِذهِ ْاألَنْػ َواعُ ِم ْن ِخطَ ِ‬ ‫ىسيىنًٌٍب ًذ ٍك يرىىا ىكبى ٍس ي‬
‫ط الٍ ىك ىالًـ ىعلىٍيػ ىها إ ٍف ىشاءى اللَّوي تىػ ىع ى‬
‫الشر ِؾ الْموج ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِ ِحين بػع َد موتِ ِهم ِع ْن َد قُػبوِرِىم وفِي م ِغيبِ ِهم و ِخطَ ِ ِ ِ‬
‫ود‬ ‫اب تَ َماثيل ِه ْم ُى َو م ْن أَ ْعظَ ِم أَنْػ َو ِاع ّْ ْ َ ْ ُ‬ ‫ُ َْ َ َْ‬ ‫َو َّ َ َ ْ َ ْ ْ‬
‫ىح ىدثيوا ًم ٍن الش ٍّْرًؾ‬ ‫اب كالٍمسلً ًم َّ ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْكت ِ ِ‬‫ِ‬ ‫فِي الْم ْش ِركِ ِ‬
‫ين أ ٍ‬ ‫اب َوفي ُم ْبتَد َعة أَ ْى ِل الْكتَ ِ ى ي ٍ ى‬
‫ٌن الذ ى‬ ‫ين م ْن غَْي ِر أَ ْى ِل ال َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اىل ‪ { :‬أ َْـ لَ ُه ْم ُش َرَكاءُ َش َر ُعوا لَ ُه ْم ِم َن الدّْي ِن َما لَ ْم يَأْ َذ ْف‬
‫اؿ اللَّوي تىػ ىع ى‬ ‫ات ىما ىملٍ يىنٍ ىذ ٍف بًًو اللَّوي تىػ ىع ى‬
‫اىل ‪ .‬قى ى‬ ‫كالٍعًباد ً‬
‫ى ىى‬

‫بِ ِو اللَّوُ } ‪.‬‬

‫اع ًًّٔ ٍم ًُب ىى ًذهً ٍ‬


‫احلى ًاؿ‬ ‫ً ً ًً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫فىًإ َّف يد ىعاءى الٍ ىم ىالئ ىكة ىك ٍاألىنٍبًيىاء بىػ ٍع ىد ىم ٍوهت ٍم ىكًُب ىمغيبً ًه ٍم ىك يس ىؤا ىذلي ٍم ىكاال ٍستغىاثىةى ّٔ ٍم ىكاال ٍست ٍش ىف ى‬
‫ث بًًو ىر يس نوال ىكىال‬ ‫ً‬ ‫صب سبىىاثًيلً ًهم ‪ً -‬دبىٍع ىىن طىلى ً‬
‫اع ًة ًمٍنػ يه ٍم ‪ -‬يى ىو ًم ٍن الدّْي ًن الَّذم ىملٍ يى ٍشىر ٍعوي اللَّوي ىكىال ابٍػتىػ ىع ى‬
‫الش ىف ى‬
‫ب َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ىكنى ٍ ى‬
‫ً‬ ‫اؽ الٍمسلً ًمٌن كىال فىػعلىو أىح هد ًمن َّ ً‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ًً ً‬
‫الص ىحابىة ىكالتَّابًع ى‬
‫ٌن ىذلي ٍم‬ ‫س يى ىو ىكاجبنا ىكىال يم ٍستى ىحبِّا باتّْػ ىف ي ٍ ى ى ى ي ى ٍ‬
‫أىنٍػىزىؿ بو كتىابنا ىكلىٍي ى‬
‫َّن لىوي ًعبى ىادةه ىكيزٍى هد‬ ‫اف كىال أىمر بًًو إماـ ًمن أىئً َّم ًة الٍمسلً ًمٌن كإً ٍف ىكاف ذىلًك ًشلَّا يػ ٍفعليو ىكثًًن ًمن الن ً ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫َّاس شل ٍ‬ ‫ى ى ىىي ه ٍ‬ ‫يٍ ىى‬ ‫بًإ ٍح ىس ى ى ى ى ه ٍ‬
‫اف ‪ .‬كفًي ًهم من يػٍن ًظم الٍ ىقصائً ىد ًُب دع ًاء الٍميّْ ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ًً ً‬
‫ت‬ ‫يى ى‬ ‫ىكيى ٍذ يك يرك ىف فيو ح ىكايىات ىكىمنى ىامات فىػ ىه ىذا يكلُّوي م ٍن الشٍَّيطى ى ٍ ى ٍ ى ي ى‬
‫س ًدبى ٍش ير ً‬ ‫ُّ‬ ‫يح ٍاألىنٍبًي ًاء ك َّ ًً‬ ‫ً‬ ‫ك ًاالستً ٍش ىف ًاع بًًو ك ًاالستًغىاثىًة أىك ي ٍذ يكر ذىلً ى ً ً‬
‫كع ىكىال‬ ‫ٌن فىػ ىه ىذا يكلوي لىٍي ى‬
‫الصاحل ى‬ ‫ك ُب ض ٍم ًن ىمد ً ى ى‬ ‫ٍ ى ي‬ ‫ى ٍ‬ ‫ى ٍ‬
‫ت ىك ًاجبىةن ىكىال يم ٍستى ىحبَّةن ؛ ىكيى ىو يػى ٍعتى ًق يد ىىا‬ ‫ً ً‬
‫ٌن ىكىم ٍن تىػ ىعبَّ ىد بًعبى ىادة لىٍي ىس ٍ‬ ‫ً ً ً ًً‬
‫ب بًاتّْػ ىفاؽ أىئ َّمة الٍ يم ٍسلم ى‬ ‫ك ًاج و‬
‫ب ىكىال يم ٍستى ىح ٍّ‬ ‫ى‬
‫اؿ مبتى ًدعه بً ٍدعةن سيّْئىةن ىال بً ٍدعةن حسنىةن بًاتّْػ ىف ً‬
‫اؽ أىئً َّم ًة الدّْي ًن فىًإ َّف اللَّوى ىال يػي ٍعبى يد َّإال ًدبىا يى ىو‬ ‫ً‬
‫ى ىى‬ ‫ى ى‬ ‫ض ّّ يٍ‬
‫ىكاجبىةن أ ٍىك يم ٍستى ىحبَّةن فىػ يه ىو ى‬

‫صالً ىح ىكىٍػلتى ُّجو ىف ىعلىٍيػ ىها‬ ‫َّاس ي ْذ ُكرو َف فِي ى ِذهِ ْاألَنْػو ِاع ِمن ّْ ِ ً‬ ‫ك ًاجب أىك مستح ّّ ِ ِ‬
‫الش ْرؾ ىمنىاف ىع ىكىم ى‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ب ‪َ .‬وَكث ٌير م ْن الن ِ َ ُ‬ ‫ى ه ٍ ي ٍى ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً ً ًً‬ ‫ًحبي ىج ًج ًم ٍن ًج ىه ًة َّ‬
‫الذ ٍك ًؽ أ ٍىك م ٍن ج ىهة التَّػ ٍقليد ىكالٍ ىمنى ىامات ىكىٍضل ًو ذىل ى‬
‫ك ‪".‬‬ ‫الرأٍ ًم أ ٍىك َّ‬

‫‪7‬‬
‫قاؿ شيخ اإلسالـ ابن تيمية رحمو اهلل في مجموع الفتاوى {‪:}38\20‬‬

‫ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫" فىاسم الٍم ٍش ًرًؾ ثػىبت قىػبل ّْ ً‬


‫الر ىسالىة ؛ فىًإنَّوي يي ٍش ًريؾ بًىربّْو ىكيىػ ٍعد يؿ بًو ىكىٍغل ىع يل ىم ىعوي آذلىةن أ ٍ‬
‫يخىرل ىكىٍغل ىع يل لىوي أىنٍ ىد نادا قىػٍب ىل‬ ‫ى ى ٍى‬ ‫ٍي ي‬
‫اى نال قىػبل ىًرل ً‬
‫اىلًيَّةن كج ً‬
‫اؿ ‪ :‬ج ً‬ ‫ىمساء م ىقدَّـ علىيػها كىك ىذلًك اسم ا ٍجله ًل ك ٍ ً ً ً‬ ‫ًً‬ ‫الرس ً‬
‫يء‬ ‫ٍى‬ ‫ىى‬ ‫اجلىاىليَّة يػي ىق ي ى‬ ‫ت أ َّىف ىىذه ٍاأل ٍى ى ي ه ى ٍ ى ى ى ٍ ي ى ٍ ى‬ ‫وؿ ىكيػيثٍبً ي‬ ‫َّ ي‬
‫يب فى ىال‪"..‬‬ ‫وؿ كأ َّىما التػ ً‬
‫َّ ً‬
‫َّعذ ي‬
‫ٍ‬ ‫الر يس ى‬

‫قاؿ ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم {‪:}356\1‬‬

‫"كمن رمحة اهلل تعاىل أف الدعاء المتضمن شركا ؛ كدعاء غيره أف يفعل‪ ,‬أو دعائو أف يدعو اهلل‪ ,‬ونحو‬

‫ذلك‪ .‬ال ػلصل بو غرض صاحبو كال يورث حصوؿ الغرض شبهة إال ُب األمور احلقًنة فنما األمور العظيمة‬

‫كإنزاؿ الغيث عند القحوط ‪ ,‬ككشف العذاب النازؿ فال ينفع فيو ىذا الشرؾ‪"..‬‬

‫وقاؿ ابن تيمية رحمو اهلل أيضاً في مجموع الفتاوى (‪: ) 72/27‬‬

‫ص هل ‪:‬‬
‫" فى ٍ‬
‫ً‬ ‫كأ َّىما من ينًٌٍب ىإىل قىػ ًرب نىًيب أىك صالً وح أىك من يػعت ًق يد فً ًيو أىنَّو قىػبػر نىًيب أىك رج ول ً‬
‫ك ىكيى ٍسنىليوي‬ ‫س ىك ىذل ى‬ ‫صال وح ىكلىٍي ى‬ ‫ي ٍ ي ٍّ ٍ ى ي ى‬ ‫ٍ ٍّ ٍ ى ٍ ى ٍ ى ٍ ى‬ ‫ى ىٍ ى‬
‫ث درج و‬
‫ات ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىكيى ٍستىػٍنج يدهي فىػ ىه ىذا ىعلىى ثىىال ى ى ى‬
‫ض ىي ىديٍػنىوي أىٍك يىػٍنتى ًق ىم لىوي ًم ٍن‬‫إح ىداىا ‪ :‬أى ٍف يسنىلىو حاجتىو ًمثٍل أى ٍف يسنىلىو أى ٍف ي ًزيل مرضو أىك مرض دكابًّْو أىك يػ ٍق ً‬
‫ى ٍ ي ى ى ي ي ى ٍ ي ي ى ى ى ى ي ٍ ىى ى ى ى ٍ ى‬ ‫ٍ ى‬
‫ب أى ٍف‬ ‫ك ًشلَّا ىال يػ ٍق ًدر ىعلىٍيوً َّإال اللَّو ىعَّز كج َّل ‪ :‬فىػه ىذا ًشرهؾ ص ًر ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يح ىغل ي‬
‫ى ٍ ى ه‬ ‫ي ىى‬ ‫ى ي‬ ‫اُب نػى ٍف ىسوي ىكأ ٍىىلىوي ىكىد ىكابَّوي ىكىٍضل ىو ذىل ى‬
‫ىع يد ّْكه أ ٍىك يػي ىع ى‬

‫‪8‬‬
‫اؿ أَنَا أَسأَلُو لِ َكونِِو أَقػْرب إلَى اللَّ ِو ِمنّْي لِي ْش َفع لِي فِي ى ِذهِ‬
‫اب ىكإًَّال قيتً ىل ‪َ .‬وإِ ْف قَ َ‬ ‫يستتاب ً‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ ْ ََ‬ ‫صاحبيوي فىًإ ٍف تى ى‬
‫ي ٍ ىى ى ى‬
‫اؿ ال ِ‬ ‫اص ِو وأَ ْعوانِِو فَػ َه َذا ِم ْن أَفػ َ ِ‬ ‫ْاأل ُُموِر ؛ ِألَنّْي أَتَػو َّسل إلَى اللَّ ِو بِ ِو َكما يُػتَػو َّسل إلَى ُّ ِ ِ‬
‫ْم ْش ِرك َ‬
‫ين‬ ‫ْع ُ‬ ‫الس ْلطَاف ب َخ َو ّْ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬

‫اء يَ ْستَ ْش ِف ُعو َف بِ ِه ْم فِي َمطَالِبِ ِه ْم َوَك َذلِ َ‬


‫ك‬ ‫َحبَ َارُى ْم َوُرْىبَانَػ ُه ْم ُش َف َع َ‬
‫ِ‬
‫َّص َارى فَِإنَّػ ُه ْم يَػ ْز ُع ُمو َف أَنَّػ ُه ْم يَػتَّخ ُذو َف أ ْ‬
‫َوالن َ‬
‫اىل ‪:‬‬ ‫ين أَنَّػ ُه ْم قَالُوا ‪َ { :‬ما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم َّإال لِيُػ َق ّْربُونَا إلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى } ىكقى ى‬
‫اؿ يسٍب ىحانىوي ىكتىػ ىع ى‬ ‫أَ ْخبػر اللَّو َعن ال ِ‬
‫ْم ْش ِرك َ‬
‫ََ ُ ْ ُ‬

‫اعةُ‬ ‫اء قُ ْل أ ََولَ ْو َكانُوا َال يَ ْملِ ُكو َف َش ْيئًا َوَال يَػ ْع ِقلُو َف } { قُ ْل لِلَّ ِو َّ‬
‫الش َف َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫{ أَِـ اتَّ َخ ُذوا م ْن ُدوف اللَّو ُش َف َع َ‬
‫اؿ تَػ َعالَى ‪َ { :‬ما لَ ُك ْم ِم ْن ُدونِِو ِم ْن َولِ ٍّي َوَال‬
‫ض ثُ َّم إلَْي ِو تُػ ْر َج ُعو َف } َوقَ َ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َج ِم ًيعا لَوُ ُمل ُ‬
‫ْك َّ َ َ‬
‫اؿ تَػ َعالَى ‪َ { :‬م ْن ذَا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِع ْن َدهُ َّإال بِِإ ْذنِِو }‪"..‬‬
‫َش ِفي ٍع أَفَ َال تَػتَ َذ َّك ُرو َف } َوقَ َ‬

‫وقاؿ ابن تيمية رحمو اهلل أيضاً في مجموع الفتاوى (‪: )87/27‬‬

‫الرٍىب ً‬ ‫ً‬ ‫اؿ قىائًل ‪ :‬أىنىا أىدعو الشَّيخ لًي يكو ىف ش ًفيعا ًِل فىػهو ًمن ًجٍن ً ً‬ ‫ً‬
‫اف ‪.‬‬‫ىحبىا ًر ىك ُّ ى‬
‫َّص ىارل ل ىم ٍرىىًن ىك ٍاأل ٍ‬
‫س يد ىعاء الن ى‬ ‫يى ٍ‬ ‫ى ن‬ ‫ٍي ٍى ى‬ ‫"فىإ ىذا قى ى ه‬
‫ّْين ىك ىح ُّق ىشٍي ًخوً أى ٍف يى ٍد يع ىو لىوي ىكيىػتىػىر َّح ىم ىعلىٍي ًو‪"..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صا لىوي الد ى‬
‫ىكالٍ يم ٍؤم ين يىػ ٍر يجو ىربَّوي ىكىؼلىافيوي ىكيى ٍد يعوهي يٍسلل ن‬

‫إلى أف قاؿ رحمو اهلل (‪: )90/27‬‬

‫اف تي ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫و‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫ين‬ ‫ع اللَّوي ىكىر يسوليوي ىإىل بً ٍد ىعة ىما أىنٍػىزىؿ اللَّوي ّٔىا م ٍن يسلٍطى و ى‬
‫ضاىي د ى‬ ‫ف يىػ ٍعد يؿ الٍ يم ٍؤم ين بًاىللَّو ىكىر يسولو ىع َّما ىشىر ى‬
‫"فى ىكٍي ى‬
‫ً‬
‫َّص ىارل ؟"‬ ‫الٍ يم ٍش ًرك ى‬
‫ٌن ىكالن ى‬

‫‪9‬‬
‫إلى أف قاؿ رحمو اهلل (‪: )98/27‬‬

‫الرٍىبى ًة ‪ً :‬مثٍ يل يد ىعائً ًه ٍم ًعٍن ىد‬


‫الر ٍغبى ًة ىك َّ‬
‫َّوا ًزًؿ ًُب َّ‬ ‫اجلملى ًة فىػ ىق ٍد علًم الٍمسلًمو ىف يكلُّهم أ َّىف ما يػٍن ًزيؿ بًالٍمسلً ًم ً‬
‫ٌن م ٍن النػ ى‬
‫يٍ ى‬ ‫يٍ ى ى‬ ‫ىى يٍ ي‬ ‫" ىكبً ٍي ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً ً ًً‬ ‫ً ً‬ ‫ًاالستًس ىق ًاء لًنيػز ً‬
‫الرٍزًؽ ىكيد ىعائ ًه ٍم عٍن ىد الٍ يك يسوؼ ىكاال ٍعت ىداد لىرفٍ ًع الٍبى ىالء ىكأ ٍىمثى ًاؿ ىذل ى‬
‫ك َّإظلىا يى ٍد يعو ىف ًُب ىذل ى‬
‫ك اللَّوى‬ ‫كؿ ّْ‬ ‫ي‬ ‫ٍ ٍ‬
‫ط أى ٍف يىػ ٍرًج يعوا ًحبى ىوائً ًج ًه ٍم ىإىل ىغ ًًٍن اللَّ ًو ىعَّز ىك ىج َّل ؛‬ ‫ً ًً‬ ‫ً‬
‫يك لىوي ىال يي ٍش ًريكو ىف بًو ىشٍيئنا ىملٍ يى يك ٍن ل ٍل يم ٍسلم ى‬
‫ٌن قى ُّ‬ ‫ىك ٍح ىدهي ىال ىش ًر ى‬

‫اإل ْس َالِـ َال‬ ‫اسطَ ٍة فَػي ِجيبػهم اللَّو أَفَػتػراىم بػع َد التػَّو ِح ِ‬
‫يد َو ِْ‬ ‫اىلِيَّتِ ِهم ي ْد ُعونَو بَِال و ِ‬
‫بل َكا َف الْم ْش ِرُكو َف فِي ج ِ‬
‫ُ ُ ُ ْ ُ ََ ُ ْ َْ ْ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫اسطَ ِة الَّتِي ما أَنْػز َؿ اللَّوُ بِ َها ِمن س ْلطَ ٍ‬
‫اف ؟"‬ ‫ي ِجيب ُد َعاءىم َّإال بِه ِذهِ الْو ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ َُ ْ َ َ‬

‫قاؿ شيخ اإلسالـ ابن تيمية رحمو اهلل في مجموع الفتاوى {‪:}126/1‬‬

‫اب الَّ ًذين بػ ٌٍن الٍملً ً‬


‫ك ىكىر ًعيَّتً ًو ‪ً -‬حبىٍي ي‬ ‫احل َّج ً‬ ‫ًً‬ ‫"كإً ٍف أىثٍػبتػهم كسائً ىط بػ ً‬
‫ث يى يكونيو ىف يى ٍم يىػ ٍرفىػ يعو ىف‬ ‫ىىى ى‬ ‫ٌن اللَّو ىكبىػ ٍ ى‬
‫ٌن ىخ ٍلقو ‪ -‬ىك ٍي‬ ‫ى ىى ي ٍ ى ى ى ٍ ى‬
‫ىإىل اللَّ ًو ىح ىوائً ىج ىخ ٍل ًق ًو ؛ فىاىللَّوي َّإظلىا يػى ٍه ًدم ًعبى ىادهي ىكيىػ ٍريزقيػ يه ٍم بًتىػ ىو ُّس ًط ًه ٍم ؛ فى ٍ‬
‫اخلىلٍ يق يى ٍسنىليونػى يه ٍم ىكيى ٍم يى ٍسنىليو ىف اللَّوى ؛ ىك ىما‬

‫َّاس يى ٍسنىليونػى يه ٍم ؛ أ ىىدبنا ًمٍنػ يه ٍم أى ٍف‬ ‫احلوائًج لًلن ً ً ًً ً‬ ‫أ َّىف الٍوسائً ىط ًعٍن ىد الٍملي ً‬
‫وؾ ‪ :‬يى ٍسنىليو ىف الٍ يملي ى‬
‫َّاس ؛ ل يق ٍرّٔ ٍم مٍنػ يه ٍم ىكالن ي‬ ‫وؾ ٍىى ى‬ ‫ي‬ ‫ىى‬
‫ً ً ً ً ًً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫اشركا س ىؤ ىاؿ الٍملً ً‬
‫ك ؛ أ ٍىك ًأل َّ‬ ‫ً‬
‫ىف طىلىبىػ يه ٍم م ٍن الٍ ىو ىسائط أىنٍػ ىف يع ىذلي ٍم م ٍن طىلىبً ًه ٍم م ٍن الٍ ىملك ؛ ل ىك ٍوهن ٍم أىٍقػىر ى‬
‫ب ىإىل‬ ‫ى‬ ‫يػيبى ي ي‬
‫اب فىًإ ٍف‬ ‫ً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً ً َّ ً ً ً ً‬
‫ب أى ٍف يي ٍستىتى ى‬
‫الٍ ىملك م ٍن الطالب للٍ ىح ىوائ ًج ‪ .‬فى ىم ٍن أىثٍػبىتىػ يه ٍم ىك ىسائ ىط ىعلىى ىى ىذا الٍ ىو ٍجو ‪ :‬فىػ يه ىو ىكافهر يم ٍشرهؾ ىغل ي‬
‫اخلىالً ًق ىك ىج ىعليوا لًلَّ ًو أىنٍ ىد نادا‪"..‬‬ ‫اب ىكإًَّال قيتً ىل ‪ .‬ىكىى يؤىال ًء يم ىشبّْػ يهو ىف لًلَّ ًو ىشبَّػ يهوا الٍ ىم ٍخلي ى‬
‫وؽ بً ٍ‬ ‫تى ى‬

‫‪10‬‬
‫ويقوؿ ابن تيمية رحمو اهلل أيضاً في مجموع الفتاوى {‪:}135 ،134/1‬‬

‫الر ًعيَّ ًة فىػ يه ىو يم ٍش ًرهؾ ؛ بى ٍل ىى ىذا‬ ‫" أى َّف من أىثٍػبت كسائً ىط بػٌن اللَّ ًو كبػٌن خ ٍل ًق ًو ىكالٍوسائً ًط الًَِّّت تى يكو يف بػٌن الٍملي ً‬
‫وؾ ىك َّ‬ ‫ىٍ ى ي‬ ‫ىى‬ ‫ى ٍ ى ى ى ى ىٍ ى ىىٍ ى ى‬
‫َّها ىك ىسائً يل يىػتىػ ىقَّربيو ىف ًّٔىا ىإىل اللَّ ًو ؛‬ ‫اف ىكانيوا يػ يقوليو ىف ‪ :‬إنػَّها سبىىاثًيل ٍاألىنٍبًي ًاء كا َّ ًً‬
‫ًدين الٍم ٍش ًركًٌن عبَّاد ٍاألىكثى ً‬
‫ٌن ىكإًنػ ى‬
‫لصاحل ى‬ ‫ي ى ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ي ي ى ي ي ٍ‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ىكيى ىو م ٍن الش ٍّْرؾ الَّذم أىنٍ ىكىرهي اللَّوي ىعلىى الن ى‬
‫َّص ىارل‪"..‬‬

‫ويقوؿ ابن تيمية رحمو اهلل أيضاً في مجموع الفتاوى {‪:}105\3‬‬

‫اإل ىذلًيَّ ًة "‬


‫يد ًٍ‬ ‫ىص يل ٍاأل َّىك يؿ " تىػ ٍو ًح ي‬
‫ٍاأل ٍ‬
‫فىًإنَّو سبحانىو أىخبػر عن الٍم ٍش ًركًٌن ىكما تىػ ىقدَّـ بًنىنػَّهم أىثٍػبتوا كسائً ىط بػيػنىػهم كبػٌن اللَّ ًو ي ٍدعونػىهم كيػت ً‬
‫َّخ يذكنػى يه ٍم‬ ‫ى ي ٍ ىي ى ى ىٍ ي ٍ ى ى ٍ ى ى ي ي ٍ ى ى‬ ‫ي يٍ ى ي ٍ ى ى ى ٍ ي ى ى‬
‫ض ُّرُى ْم َوَال يَػ ْنػ َف ُع ُه ْم َويَػ ُقولُو َف َى ُؤَال ِء‬
‫وف اللَّ ِو َما َال يَ ُ‬ ‫اىل ‪ { :‬ويػ ْعب ُدو َف ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫اؿ تىػ ىع ى‬ ‫كف إ ٍذ ًف اللَّ ًو قى ى‬‫يش ىفعاء بً يد ً‬
‫ىى‬
‫ات َوَال فِي ْاأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُس ْب َحانَوُ َوتَػ َعالَى َع َّما‬ ‫ُش َف َعا ُؤنَا ع ْن َد اللَّو قُ ْل أَتُػنَبّْئُو َف اللَّوَ ب َما َال يَػ ْعلَ ُم في َّ َ َ‬
‫اىل ىع ٍن يم ٍؤًم ًن يس { َوَما لِ َي َال‬ ‫ين َّازبى يذكا ىى يؤىال ًء يش ىف ىعاءى يم ٍش ًريكو ىف ىكقى ى‬
‫اؿ تىػ ىع ى‬ ‫ً َّ ً‬
‫ىخبىػىر أ َّىف ىى يؤىالء الذ ى‬ ‫يُ ْش ِرُكو َف } فىن ٍ‬
‫الر ْح َم ُن بِ ُ‬
‫ض ٍّر َال تُػغْ ِن َعنّْي‬ ‫أَ ْعبُ ُد الَّ ِذي فَطََرنِي َوإِلَْي ِو تُػ ْر َج ُعو َف } { أَأَتَّ ِخ ُذ ِم ْن ُدونِِو لِ َهةً إ ْف يُ ِر ْد ِف َّ‬
‫وف } ىكقى ى‬
‫اؿ‬ ‫اسمع ِ‬
‫ت بَِربّْ ُك ْم فَ ْ َ ُ‬ ‫ض َال ٍؿ ُمبِي ٍن } { إنّْي َم ْن ُ‬ ‫وف } { إنّْي إذًا لَ ِفي َ‬ ‫اعتُػ ُهم َش ْيئًا وَال يػ ْن ِق ُذ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َش َف َ ْ‬
‫ادى َك َما َخلَ ْقنَا ُك ْم أ ََّو َؿ َم َّرةٍ َوتَػ َرْكتُ ْم َما َخ َّولْنَا ُك ْم َوَر َاء ظُ ُهوِرُك ْم َوَما نَػ َرى َم َع ُك ْم‬ ‫اىل ‪َ { :‬ولَ َق ْد ِج ْئتُ ُمونَا فُػ َر َ‬ ‫تىػ ىع ى‬
‫ض َّل َع ْن ُك ْم َما ُك ْنتُ ْم تَػ ْز ُع ُمو َف } فىن ٍ‬
‫ىخبىػىر‬ ‫ين َز َع ْمتُ ْم أَنَّػ ُه ْم فِي ُك ْم ُش َرَكاءُ لَ َق ْد تَػ َقطَّ َع بَػ ْيػنَ ُك ْم َو َ‬ ‫َّ ِ‬
‫اء ُك ُم الذ َ‬ ‫ُش َف َع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّه ٍم فًي ًه ٍم يشىرىكاءي ‪ ،‬ىكقى ى‬ ‫ً‬
‫اىل ‪ { :‬أَِـ اتَّ َخ ُذوا م ْن ُدوف اللَّو ُش َف َع َ‬
‫اء قُ ْل‬ ‫اؿ تىػ ىع ى‬ ‫َّه ٍم ىز ىع يموا أىنػ ي‬‫يسٍب ىحانىوي ىع ٍن يش ىف ىعائ ًه ٍم أىنػ ي‬
‫ض ثُ َّم‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬‫السماو ِ‬
‫ْك َّ َ َ‬ ‫اعةُ َج ِم ًيعا لَوُ ُمل ُ‬ ‫أ ََولَ ْو َكانُوا َال يَ ْملِ ُكو َف َش ْيئًا َوَال يَػ ْع ِقلُو َف } { قُ ْل لِلَّ ِو َّ‬
‫الش َف َ‬
‫إلَْي ِو تُػ ْر َج ُعو َف }‪"..‬‬

‫‪11‬‬
‫ويقوؿ ابن تيمية رحمو اهلل أيضاً في مجموع الفتاوى {‪:}312-310\1‬‬

‫وؿ اللَّ ًو ‪ :‬ىكأ َّىك يؿ‬ ‫يق ىش ىه ىادةً أى ٍف ىال إلىوى َّإال اللَّوي ىكأ َّىف يزلى َّم ندا ىر يس ي‬ ‫ً‬
‫ٌن ىك يعلىا ‪ :‬ىٍربق ي‬ ‫ىصلى ٍ ً‬
‫ين ىعلىى أ ٍ‬ ‫اإل ٍس ىالًـ ىمٍب ً ّّ‬
‫ين ًٍ‬ ‫ً‬
‫" ىكد ي‬
‫ب اللَّوى ىكىال تىػ ٍر يجوهي ىك ىما تىػ ٍر يجو اللَّوى ىكىال ىزبٍ ىشاهي ىك ىما‬ ‫ب سلىٍليوقنا ىك ىما يًرب ُّ‬ ‫آخىر فى ىال يًرب ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ك أى ٍف ىال ىٍذب ىع ىل ىم ىع اللَّو إ ىذلنا ى‬ ‫ذىل ى‬
‫ين بًىرًّّْٔ ٍم يىػ ٍع ًدليو ىف‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ً ً‬ ‫وً ً‬ ‫وؽ ك ٍ ً‬ ‫ً‬
‫ك فىػ ىق ٍد ىع ىد ىؿ باىللَّو ىكيى ىو م ٍن الذ ى‬ ‫اخلىال ًق ًُب ىش ٍيء م ٍن ذىل ى‬ ‫ٌن الٍ ىم ٍخلي ى‬ ‫ىزبٍ ىشى اللَّوى ىكىم ٍن ىس َّول بىػ ٍ ى‬
‫ض ‪ .‬فىًإ َّف يم ٍش ًركًي‬ ‫كقى ٍد جعل مع اللَّ ًو إ ىذلا آخر كإً ٍف ىكا ىف مع ذىلًك يػعت ًق يد أ َّىف اللَّو كح ىده خلىق َّ ً‬
‫الس ىم ىوات ىك ٍاأل ٍىر ى‬ ‫ى ىٍ ي ى ى‬ ‫ى ى ى ى ٍى‬ ‫ن ىى ى‬ ‫ى ىى ى ىى‬
‫اىل ‪َ { :‬ولَئِ ْن َسأَلْتَػ ُه ْم َم ْن َخلَ َق‬ ‫ىف اللَّو كح ىده خلىق َّ ً‬ ‫ً‬
‫اؿ تىػ ىع ى‬
‫ض ىك ىما قى ى‬ ‫الس ىم ىوات ىك ٍاأل ٍىر ى‬ ‫ين بًن َّ ى ى ٍ ي ى ى‬ ‫ً‬
‫الٍ ىعىرب ىكانيوا يمقّْر ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال َّسماو ِ‬
‫اىل ‪{ :‬‬ ‫اؿ تىػ ىع ى‬‫يخىرل قى ى‬ ‫ٌن ىٍغل ىعليو ىف ىم ىع اللَّو آذلىةن أ ٍ‬ ‫ك يم ٍش ًرك ى‬ ‫ض لَيَػ ُقولُ َّن اللَّوُ } ىكىكانيوا ىم ىع ذىل ى‬ ‫ات َو ْاأل َْر َ‬ ‫ََ‬
‫َّخ ُذ ِمن ُد ِ‬ ‫س من ي ػ ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َم َع اللَّ ِو لِ َهةً أُ ْخ َرى قُ ْل َال أَ ْش َه ُد } ىكقى ى‬ ‫أَئِنَّ ُك ْم لَتَ ْش َه ُدو َف أ َّ‬
‫وف‬ ‫ْ‬ ‫اىل ‪َ { :‬وم َن النَّا ِ َ ْ َ‬ ‫اؿ تىػ ىع ى‬
‫وى ٍم ىك يحبّْ ًو ىال‬ ‫ب اللَّ ِو والَّ ِذين منُوا أَ َش ُّد حبِّا لِلَّ ِو } فىصاركا م ٍش ًركً ً‬ ‫ادا يُ ِحبُّونَػ ُه ْم َك ُح ّْ‬ ‫اللَّ ِو أَنْ َد ً‬
‫ىحبُّ ي‬‫َّه ٍم أ ى‬
‫ٌن ألىنػ ي‬
‫ىي ي ى‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫إف ًآذلتىػ يه ٍم ىخلى يقوا ىك ىخ ٍل ًق ًو ‪ .‬ىك ىما قى ى‬
‫اء َخلَ ُقوا َك َخلْقو فَػتَ َشابَوَ‬ ‫اىل ‪ { :‬أ َْـ َج َعلُوا للَّو ُش َرَك َ‬ ‫اؿ تىػ ىع ى‬ ‫َّه ٍم قىاليوا َّ‬ ‫أىنػ ي‬
‫َّه ٍم يم ًقُّرك ىف أ َّىف‬ ‫ًً‬ ‫ًً‬
‫ىم ىما ىج ىعليوا للَّو يشىرىكاءى ىخلى يقوا ىك ىخلٍقو فىًإنػ ي‬
‫ً‬
‫اـ إنٍ ىكا ور دبىٍع ىىن النَّػ ٍف ًي أ ٍ‬
‫ْق َعلَي ِهم } ‪ .‬كى ىذا ً‬
‫است ٍف ىه ي‬‫ىى ٍ‬ ‫الْ َخل ُ ْ ْ‬
‫وف اللَّ ِو َما َال‬ ‫اىل ‪ { :‬ويػ ْعب ُدو َف ِمن ُد ِ‬ ‫اؿ تىػ ىع ى‬‫ًآذلتىػ يه ٍم ىملٍ ؼلىٍلي يقوا ىك ىخ ٍل ًق ًو ‪ .‬ىكإًَّظلىا ىكانيوا ىٍغل ىعليونػى يه ٍم يش ىف ىعاءى ىكىك ىسائً ىط قى ى‬
‫ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َوَال‬ ‫ض ُّرُى ْم َوَال يَػ ْنػ َف ُع ُه ْم َويَػ ُقولُو َف َى ُؤَالء ُش َف َعا ُؤنَا ع ْن َد اللَّو قُ ْل أَتُػنَبّْئُو َف اللَّوَ ب َما َال يَػ ْعلَ ُم في َّ َ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ب يس ‪َ { :‬وَما لِ َي َال أَ ْعبُ ُد الَّ ِذي فَطََرنِي َوإِلَْي ِو‬ ‫صاح ي‬
‫اؿ ً‬
‫ض ُس ْب َحانَوُ َوتَػ َعالَى َع َّما يُ ْش ِرُكو َف } ىكقى ى ى‬ ‫فِي ْاأل َْر ِ‬
‫وف } {‬ ‫اعتُػ ُهم َش ْيئًا وَال يػ ْن ِق ُذ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ض ٍّر َال تُػ ْغ ِن َعنّْي َش َف َ ْ‬ ‫تُػ ْر َج ُعو َف } { أَأَتَّ ِخ ُذ ِم ْن ُدونِِو لِ َهةً إ ْف يُ ِر ْد ِف َّ‬
‫الر ْح َم ُن بِ ُ‬
‫وف } ‪.‬‬ ‫اسمع ِ‬
‫ت بَِربّْ ُك ْم فَ ْ َ ُ‬ ‫ض َال ٍؿ ُمبِي ٍن } { إنّْي َم ْن ُ‬ ‫إنّْي إ ًذا لَ ِفي َ‬

‫ص ىد بًًو‬‫ب كالٍمباح إ ىذا قي ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ىصل الث ً‬


‫ع ىعلىى أىلٍ يس ًن ير يسلو ىال نىػ ٍعبي يدهي َّإال ب ىواجب أ ٍىك يم ٍستى ىح ٍّ ى ي ى ي‬‫َّاين أى ٍف نىػ ٍعبي ىدهي دبىا ىشىر ى‬ ‫ٍاأل ٍ ي‬
‫اث ًًّٔ ٍم‬ ‫ً‬ ‫ات فىمن دعا الٍمخليوقً ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫الطَّاعةي دخل ًُب ذىلًك ‪ .‬كالد ً‬
‫استىػغى ى‬ ‫ٌن م ٍن الٍ ىم ٍوتىى ىكالٍغىائبً ى‬
‫ٌن ىك ٍ‬ ‫ُّعاءي م ٍن مجيٍلىة الٍعبى ىاد ى ٍ ى ى ى ٍ ى‬ ‫ى ى ى‬ ‫ى ىىى‬
‫ب‬‫اب ‪ -‬ىكا ىف يمٍبتى ًد نعا ًُب الدّْي ًن يم ٍش ًرنكا بًىر ّْ‬
‫استً ٍحب و‬ ‫و‬ ‫ًً‬
‫‪ -‬ىم ىع أ َّىف ىى ىذا أ ٍىمهر ىملٍ يىنٍ يم ٍر بو اللَّوي ىكىال ىر يسوليوي أىٍمىر إغلىاب ىكىال ٍ ى‬
‫ًً‬ ‫ً‬
‫ٌن ‪"..‬‬‫ٌن يمتَّبً نعا ىغٍيػىر ىسبً ًيل الٍ يم ٍؤمن ى‬
‫الٍ ىعالىم ى‬

‫‪12‬‬
‫كلو عدنا ألصل ادلسنلة الِّت أثًن ألجلها ىذا ادلوضوع ؛ فشيخ اإلسالـ ابن تيمية قد مسَّى دعاء األموات (((‬

‫ُب كثًن من كتبو ككالمو ))) ‪ ( :‬ذريعة إىل الشرؾ) ‪ ،‬كمسىاه ( زلرمان ) ‪ ،‬كمسَّاه ( بدعة مل يكن عليها السلف‬

‫كمسىاه ( شركان أكرب) كمسَّاه ( كفران )‪..‬‬

‫ككلها صحيحة اإلطالؽ ‪ ،‬كلكل منها معىن عند االستعماؿ‬

‫قاؿ الشيخ محمد بن عبد الوىاب رحمو اهلل في الدرر السنية (‪: )37-36/2‬‬

‫" فمن دعا غًن اهلل‪ ،‬طالبان منو‪ ،‬ما ال يقدر عليو إال اهلل‪ ،‬من جلب خًن‪ ،‬أك دفع ضر‪ ،‬فقد أشرؾ ُب عبادة‬

‫اهلل‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪( :‬ومن أضل ممن يدعوا من دوف اهلل من ال يستجيب لو إلى يوـ القيامة وىم عن‬

‫دعائهم غافلوف‪ ،‬وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) [األحقاؼ‪ ]6 – 5 :‬كقاؿ‬

‫تعاىل‪( :‬والذين تدعوف من دونو ما يملكوف من قطمير‪ ،‬إف تدعوىم ال يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما‬

‫استجابوا لكم ويوـ القيامة يكفروف بشرككم وال ينبئك مثل خبير) [فاطر‪ ]14 – 13 :‬فنخرب تبارؾ‬

‫كتعاىل‪ :‬أف دعاء غًن اهلل شرؾ‪ ،‬فمن قاؿ‪ :‬يا رسوؿ اهلل؛ أو‪ :‬يا عبد اهلل بن عباس؛ أو‪ :‬يا عبد القادر؛‬

‫أو‪ :‬يا محجوب؛ زاعماً أنو يقضي حاجتو إلى اهلل تعالى‪ ،‬أو أنو شفيعو عنده‪ ،‬أو وسيلتو إليو‪ ،‬فهو‬

‫الشرؾ الذي يهدر الدـ‪ ،‬ويبيح الماؿ‪ ،‬إال أف يتوب من ذلك‪"..‬‬

‫‪13‬‬
‫قاؿ الشيخ محمد بن عبد الوىاب رحمو اهلل في الدرر السنية (‪: )105-104/2‬‬

‫" ك اعلم‪ :‬أف من ذبح لغًن اهلل‪ ،‬من جىن‪ ،‬أك قرب‪ ،‬فكما لو سجد لو؛ كقد لعنو رسوؿ اهلل ُب احلديث‬

‫الصحيح‪ ،‬قاؿ‪ " :‬لعن اهلل من ذبح لغًن اهلل "‪.‬‬

‫ومن أنواع العبادة‪:‬‬

‫الدعاء؛ كما كاف المؤمنوف‪ ،‬يدعوف اهلل وحده‪ ،‬ليالً‪ ،‬ونهاراً‪ُ ،‬ب الشدة‪ ،‬كالرخاء؛ ال يشك أحد‪ ،‬أف ىذا‬

‫من أنواع العبادة؛ فتفكر ػ رمحك اهلل ػ فيما حدث ُب الناس اليوـ‪ ،‬من دعاء غًن اهلل‪ُ ،‬ب الشدة‪ ،‬كالرخاء؛‬

‫ىذا‪ :‬يريد سفران‪ ،‬فينٌب عند قرب‪ ،‬أك غًنه‪ ،‬فيدخل عليو دبا لو‪ ،‬عمن ينهبو؛ كىذا تلحقو‪ :‬الشدة‪ُ ،‬ب الرب‪ ،‬أك‬

‫البحر؛ فيستغيث بعبد القادر‪ ،‬أك مشساف‪ ،‬أك نيب من األنبياء‪ ،‬أك كِل من األكلياء‪ ،‬أف ينجيو من ىذه‬

‫الشدة‪.‬‬

‫فيقاؿ لهذا الجاىل‪ :‬إف كنت تعرؼ‪ ،‬أف اإللو‪ ،‬ىو‪ :‬ادلعبود؛ كتعرؼ‪ :‬أف الدعاء من العبادة؛ فكيف تدعو‬

‫سللوقان‪ ،‬ميتان‪ ،‬عاجزان ؟ ! كترتؾ‪ :‬احلي‪ ،‬ال ٌقيوـ‪ ،‬احلاضر‪ ،‬الرؤؼ‪ ،‬الرحيم‪ ،‬القدير ؟ ! فقد يقوؿ ‪ -‬ىذا ادلشرؾ‬

‫‪ -‬إف األ مر بيد اهلل‪ ،‬كلكن ىذا العبد الصاحل‪ ،‬يشفع ِل عند اهلل‪ ،‬كتنفعين شفاعتو‪ ،‬كجاىو؛ كيظن أف ذلك‪:‬‬

‫يسلمو من الشرؾ‪.‬‬

‫فيقاؿ لهذا الجاىل‪ :‬المشركوف‪ ،‬عباد األصناـ‪ ،‬الذين قاتلهم رسوؿ اهلل كغنم أمواذلم‪ ،‬كأبناءىم‪،‬‬

‫كنساءىم‪ ،‬كلهم يعتقدكف‪ :‬أف اهلل ىو النافع‪ ،‬الضار‪ ،‬الذم يدبر األمر‪ ،‬كإظلا أرادكا‪ :‬ما أردت‪ ،‬من الشفاعة‬

‫عند اهلل‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪( :‬ويعبدوف من دوف اهلل ما ال يضرىم وال ينفعهم ويقولوف ىؤالء شفعاؤنا عند‬

‫‪14‬‬
‫اهلل) [يونس‪ ]18 :‬كقاؿ تعاىل‪( :‬والذين اتخذوا من دونو أولياء ما نعبدىم إال ليقربونا إلى اهلل زلفى)‬

‫[الزمر‪ ]3 :‬كإال فهم يعرتفوف‪ :‬بنف اهلل‪ ،‬ىو اخلالق‪ ،‬الرازؽ‪ ،‬النافع الضار‪ ،‬كما أخرب اهلل عنهم‪ ،‬بقولو‪( :‬قل‬

‫من يرزقكم من السماء واألرض أمن يملك السمع واألبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج‬

‫الميت من الحي ومن يدير األمر فسيقولوف اهلل فقل أفال تتقوف) [يونس‪ .]31 :‬فليتدبر اللبيب العاقل‪،‬‬

‫الناصح لنفسو‪ ،‬الذم يعرؼ‪ :‬أف بعد ادلوت جنة‪ ،‬كناران‪ ،‬ىذا ادلوضع؛ كيعرؼ‪ :‬الشرؾ باهلل‪ ،‬الذم قاؿ اهلل‬

‫فيو‪( :‬إف اهلل اليغفر أف يشرؾ بو ويغفر ما دوف ذلك لمن يشاء) [النساء‪ ]48 :‬كقاؿ‪( :‬إنو من يشرؾ‬

‫باهلل فقد حرـ اهلل عليو الجنة ومأواه النار) [المائدة‪ ]72 :‬فما بعد ىذا البياف‪ ،‬بياف‪ ،‬إذا كاف اهلل َّ‬
‫عز‬

‫كجل‪ ،‬قد حكى عن الكفار‪ ،‬أهنم مقركف‪ :‬أنو ىو اخلالق‪ ،‬الرازؽ‪ ،‬احمليي‪ ،‬ادلميت‪ ،‬الذم يدبر األمر؛ كإظلا‬
‫َّ‬

‫أرادكا من الذين يعتقدكف فيهم‪ :‬التقرب‪ ،‬والشفاعة عند اهلل تعالى‪"..‬‬

‫قاؿ شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب‪ ،‬قدس اهلل روحو في الدرر السنية {‪:}84-83\2‬‬

‫" الدعاء الذم يفعل ُب ىذا الزماف‪ :‬أنواع؛‬

‫النوع األوؿ‪ :‬دعاء اهلل كحده ال شريك لو‪ ،‬الذم بعث اهلل بو رسولو‬

‫النوع الثاني‪ :‬أف يدعو اهلل‪ ،‬كيدعو معو نبيان‪ ،‬أك كليان‪ ،‬كيقوؿ‪ :‬أريد شفاعتو‪ ،‬وإال فأنا أعلم‪ :‬ما ينفع‪ ،‬وال‬

‫يضر‪ ،‬إال اهلل؛ لكن أنا مذنب‪ ،‬وأدعو ىذا الصالح‪ ،‬لعلو يشفع لي؛ فهذا الذي فعلو المشركوف‪،‬‬

‫وقاتلهم رسوؿ اهلل حتى يتركوه؛ وال يدعوا مع اهلل أحداً‪ ،‬ال لطلب شفع‪ ،‬وال نفع‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫النوع الثالث‪ ،‬أف يقوؿ‪ :‬اللهم إىن أتوسل إليك بنبيك‪ ،‬أك باألنبياء‪ ،‬أك الصاحلٌن؛ فهذا‪ :‬ليس شركان‪ ،‬كال‬

‫هنينا الناس عنو؛ كلكن ادلذكور عن أيب حنيفة‪ ،‬كأيب يوسف‪ ،‬كغًنىم‪ :‬أهنم كرىوه‪ ،‬لكن ليس شلا طلتلف ضلن‪،‬‬

‫كغًننا فيو‪".‬‬

‫قاؿ اإلماـ المجدد شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب رحمو اهلل‪:‬‬

‫" اعلم أف نواقض اإلسالـ عشرة ‪ ,‬األكؿ ‪ :‬الشرؾ ُب عبادة اهلل تعاىل ‪ ,‬قاؿ اهلل تعاىل ‪ (( :‬إف اهلل ال يغفر‬

‫أف يشرؾ بو ويغفر ما دوف ذلك لمن يشاء )) كقاؿ تعاىل ‪ (( :‬إنو من يشرؾ باهلل فقد حرـ عليو الجنو‬

‫ومأواه النار وما للظالمين من أنصار )) كمنو الذبح لغًن اهلل كمن يذبح للجن أك للقرب‬

‫)) الثاني ‪ :‬من جعل بينو وبين اهلل وسائط يدعوىم ويسألهم الشفاعة ‪ ,‬ويتوكل عليهم كفر إجماعا ((‬

‫)) الثالث ‪ :‬من مل يكفر ادلشركٌن أك شك ُب كفرىم ‪ ,‬أك صحح مذىبهم كفر ((‪"..‬‬

‫‪16‬‬
‫قاؿ اإلماـ المجدد شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب في الدرر السنية {‪:}88\2‬‬

‫فًنجع ىذا ادلشرؾ‪ ،‬يقوؿ‪ :‬ىذا ُب الشجر‪ ،‬كاحلجر‪ ،‬كأنا اعتقد ُب أناس صاحلٌن‪ ،‬أنبياء‪ ،‬كأكلياء‪ ،‬أريد منهم‬

‫الشفاعة‪ ،‬عند اهلل‪ ،‬كما يشفع ذك احلاجة عند ادللوؾ‪ ،‬كأريد منهم القربة إىل اهلل؛ فقل لو‪ :‬ىذا دين الكفار‬

‫بعينو‪ ،‬كما أخرب سبحانو بقولو‪( :‬والذين اتخذوا من دونو أولياء ما نعبدىم إال ليقربونا إلى اهلل زلفى)‬

‫[الزمر‪ ]3 :‬كقولو‪( :‬ويعبدوف من دوف اهلل ما ال يضرىم وال ينفعهم ويقولوف ىؤالء شفعاؤنا عند اهلل)‬

‫[يونس‪"..]18 :‬‬

‫وقاؿ الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن‪ ،‬وفقو اهلل تعالى في الدرر السنية‬

‫(‪:)568-566/1‬‬

‫" فاعلموا ‪ -‬إف حقيقة ما ضلن عليو‪ ،‬كما ندعوا إليو كصلاىد على التزامو‪ ،‬كالعمل بو ‪ -‬إنا ندعوا إىل دين‬

‫اإلسالـ‪ ،‬كالتزاـ أركانو‪ ،‬كأحكامو الذم أصلو‪ ،‬كأساسو ‪ :‬شهادة أف ال إلىو إالٌ اهلل كاألمر بعبادتو كحده ال‬

‫شريك لو‪ ،‬كىذه العبادة‪ ،‬مبنية على اصلٌن ‪ :‬كماؿ احلب هلل‪ ،‬مع كماؿ اخلضوع‪ ،‬كالذؿ لو‪ ،‬كالعبادة ذلا‬

‫أنواع كثًنة‪ ،‬فمن أنواعها ‪:‬‬

‫الدعاء‪ ،‬كىو أجل أنواع العبادة‪ ،‬كمساه اهلل عباده‪ُ ،‬ب عدة مواضع من كتابو‪ ،‬كما قاؿ تعاىل ‪ ( :‬وقاؿ ربكم‬

‫ادعوني استجب لكم إف الذين يستكبروف عن عبادتي سيدخلوف جهنم داخرين ) [غافر ‪ ]60:‬كنظائر‬

‫‪17‬‬
‫ىذا ُب القرآف كثًن‪ ،‬كَب احلديث ‪ " :‬الدعاء مخ العبادة " ‪.‬‬

‫فنقوؿ ‪ :‬ال يدعى إال اهلل‪ ،‬كال يستغاث ُب الشدائد‪ ،‬كجلب الفوائد إال بو‪ ،‬كال يذبح القرباف اإللو‪ ،‬كال ينذر‬

‫اإللو‪ ،‬كال ؼلاؼ خوؼ السر‪ ،‬إال منو كحده‪ ،‬كال يتوكل إال عليو‪ ،‬كال يستعاف‪ ،‬كال يستعاذ إال بو‪ ،‬كليس‬

‫ألحد من اخللق شيء من ذلك‪ ،‬ال ادلالئكة كال األنبياء‪ ،‬كال األكلياء كال الصاحلٌن‪ ،‬كال غًنىم‪ ،‬فللو حق‪ ،‬ال‬

‫يكوف لغًنه‪ ،‬كحقو تعاىل ‪ :‬إفراده جبميع أنواع العبادة‪ ،‬فال تنلو القلوب زلبة كإجالالن‪ ،‬كتعظيمان‪ ،‬كخوفان‪،‬‬

‫كرجاء‪ ،‬إال اهلل‪ ،‬فهذه ‪ .‬ىي ‪ :‬احلكمة الشرعية‪ ،‬الدينية‪ ،‬كاألمر ادلقصود ُب إغلاد الربية ‪.‬‬

‫قاؿ اهلل تعاىل‪ ( :‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدوف ) [ الذاريات ‪ ] 56 :‬كمعىن ‪ :‬يعبدكف‪،‬‬

‫يوحدكف‪ ،‬كالعبادة ىي ‪ :‬التوحيد‪ ،‬ألف اخلصومة بٌن الرسل كأشلهم‪ ،‬فيو‪ ،‬قاؿ تعاىل ‪ ( :‬ولقد بعثنا في كل‬

‫أمة رسوالً أف اعبدوا اهلل واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل ‪ ] 36 :‬كقاؿ تعاىل ‪ ( :‬وما أرسلنا من قبلك‬

‫من رسوال إال نوحي إليو أنو ال إلو إال أنا فاعبدوف ) [ األنبياء ‪ ] 25:‬كقاؿ تعاىل ‪ ( :‬كاف ادلساجد هلل‬

‫فال تدعوا مع اهلل أحدا ) [ اجلن ‪ ] 18 :‬فمن دعا غير اهلل‪ ،‬من ميت‪ ،‬أو غائب‪ ،‬أو استغاث بو‪ ،‬فهو‬

‫مشرؾ كافر‪ ،‬وإف لم يقصد إال مجرد التقرب إلى اهلل‪ ،‬وطلب الشفاعة عنده ‪.‬‬

‫وقد دخل كثير من ىذه األمة في الشرؾ باهلل‪ ،‬كالتعلق على من سواه‪ ،‬كيسموف ذلك توسال‪ ،‬كتشفعا‪،‬‬

‫كتغيًن األمساء‪ ،‬ال اعتبار بو‪ ،‬كال تزكؿ حقيقة الشيء‪ ،‬كال حكمو بزكاؿ امسو‪ ،‬كانتقالو ُب عرؼ الناس‪ ،‬باسم‬

‫آخر ‪.‬‬

‫كدلا علم الشيطاف ‪ :‬أف النفوس تنفر من تسمية ما يفعلو ادلشركوف تنذلان‪ ،‬أخرجو ُب قالب آخر‪ ،‬تقبلو النفوس‬

‫‪18‬‬
‫كقد جاء عن النيب صلى اهلل عليو كسلم أنو قاؿ ‪ ":‬ليشربن أناسان من أمِّت اخلمر‪ ،‬يسموهنا بغًن امسها "‬

‫ككذلك من زىن‪ ،‬كمسى ما فعلو ‪ :‬نكاحا‪ ،‬فتغيًن األمساء‪ ،‬ال يزيل احلقائق‪ ،‬ككذا من ارتكب شيئا‪ ،‬من األمور‬

‫الشركيو‪ ،‬فهو مشرؾ‪ ،‬كإف مسى ذلك توسالن‪ ،‬كتشفعان‬

‫يوضح ذلك ‪ :‬ما ذكر اهلل ُب كتابو‪ ،‬عن اليهود‪ ،‬كالنصارل‪ ،‬بقولو تعاىل ‪ ( :‬ازبذكا أحبارىم كرىباهنم أربابا‬

‫من دكف اهلل ) اآلية [التوبة ‪". ] 31 :‬‬

‫وقاؿ الشيخ عبد اهلل بن عبد الرحمن‪ ،‬أبا بطين رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية (‪:)63-58\12‬‬

‫"‪ ..‬باب العلم قبل القوؿ والعمل; إشارة إىل أف العلم دبعىن ال إلو إال اهلل‪ :‬أكؿ كاجب‪ٍ ،‬ب بعد ذلك القوؿ‬

‫كالعمل‪.‬‬

‫اح ٌد َولِيَ َّذ َّكر أُولُو األَلْبَ ِ‬


‫اب} [سورة‬ ‫َّاس ولِيػ ْن َذروا بِ ِو ولِيػعلَموا أَنَّما ىو إِلَوٌ و ِ‬
‫كقاؿ تعاىل‪َ { :‬ى َذا بَالغٌ للن ِ َ ُ ُ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬

‫إبراىيم ية‪ ،]52 :‬مل يقل‪ :‬ليقولوا إظلا ىو إلو كاحػد; كقاؿ تعاىل‪{ :‬إِالَّ َم ْن َش ِه َد بِال َ‬
‫ْح ّْق َو ُى ْم يَػ ْعلَ ُمو َف}‬

‫[سورة الزخرؼ ية‪ ]86 :‬بقلؤّم ما شهدكا بو بنلسنتهم‪ ،‬كقاؿ صلى اهلل عليو كسلم‪" :‬من مات وىو‬

‫يعلم أف ال إلو إال اهلل دخل الجنة"‪.‬‬

‫كاستدؿ العلماء ّٔذه اآلية كضلوىا‪ ،‬على أف أكؿ كاجب على اإلنساف‪ :‬معرفة اهلل; كدلت ىذه اآلية‪ ،‬على أف‬

‫آكد الفرائض‪ :‬العلم دبعىن ال إلو إال اهلل‪ ،‬كأف أعظم اجلهل‪ :‬نقص العلم دبعناىا‪ ،‬إذ كاف معرفو معناىا آكد‬

‫الواجبات‪ ،‬كاجلهل بذلك أعظم اجلهل كأقبحو‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫كمن العجب‪ :‬أف بعض الناس إذا مسع من يتكلم ُب معىن ال إلو إال اهلل نفيا كإثباتا‪ ،‬عاب ذلك‪ ،‬كقاؿ‪ :‬لسنا‬

‫مكلفٌن بالناس كالقوؿ فيهم‪.‬‬

‫فيقاؿ لو‪ :‬بل أنت مكلف بمعرفة التوحيد‪ ،‬الذي خلق اهلل الجن واإلنس ألجلو‪ ،‬وأرسل جميع الرسل‬

‫يدعوف إليو‪ ،‬ومعرفة ضده وىو الشرؾ الذي ال يغفره اهلل؛ وال عذر لمكلف في الجهل بذلك‪ ،‬وال‬

‫يجوز فيو التقليد‪ ،‬ألنو أصل األصوؿ؛ فمن لم يعرؼ المعروؼ‪ ،‬وينكر المنكر فهو ىالك‪ ،‬ال سيما‬

‫أعظم المعروؼ‪ ،‬وىو التوحيد‪ ،‬وأكبر المنكر وىو الشرؾ‪ .‬قاؿ رجل لعبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنو‪:‬‬

‫ىلكت إف مل آمر بادلعركؼ كأنو عن ادلنكر; فقاؿ ابن مسعود‪" :‬ىلكت إف مل يعرؼ قلبك ادلعركؼ‪ ،‬كينكر‬

‫ادلنكر"; كدبعرفة التوحيد يعرؼ أىلو; قاؿ علي رضي اهلل عنو‪" :‬اعرؼ الحق تعرؼ أىلو‪".‬‬

‫كأما اإلقرار بتوحيد الربوبية‪ ،‬كىو أف اهلل سبحانو كتعاىل خالق كل شيء كمليكو كمدبره‪ ،‬فهذا يقر بو ادلسلم‬

‫كالكافر‪ ،‬كال بد منو؛ لكن ال يصًن بو اإلنساف مسلما‪ ،‬حىت ينٌب بتوحيد اإلذلية الذم دعت إليو الرسل‪،‬‬

‫كأىب عن اإلقرار بو ادلشركوف‪ ،‬كبو يتميز ادلسلم من ادلشرؾ‪ ،‬كأىل اجلنة من أىل النار‪ .‬كقد أخرب اهلل سبحانو‬

‫ُب مواضع من كتابو عن ادلشركٌن أهنم يقركف بتوحيد الربوبية‪ ،‬كػلتج عليهم سبحانو بإقرارىم بتوحيد الربوبية‪،‬‬

‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬


‫ض} [سورة يونس ية‪:‬‬ ‫على شركهم بتوحيد اإلذلية‪ ،‬قػاؿ اهلل تعالػى‪{:‬قُ ْل َم ْن يَػ ْرُزقُ ُك ْم ِم َن َّ‬

‫ْح ّْق إِالَّ الضَّال ُؿ‬ ‫ِ‬


‫‪ ]31‬إىل قولو‪{ :‬فَ َسيَػ ُقولُو َف اللَّوُ فَػ ُق ْل أَفَال تَػتَّػ ُقو َف فَ َذل ُك ُم اللَّوُ َربُّ ُك ُم ال َ‬
‫ْح ُّق فَ َماذَا بَػ ْع َد ال َ‬

‫فَأَنَّى تُ ْ‬
‫ص َرفُو َف} [سورة يونس ية‪.]32-31 :‬‬

‫قاؿ البكرم الشافعي ُب تفسًنه على ىذه اآلية‪ :‬إف قلت‪ :‬إذا أقركا بذلك فكيف عبدكا األصناـ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬كلهم كانوا يعتقدكف بعبادهتم األصناـ عبادة اهلل‪ ،‬كالتقرب إليو‪ ،‬لكن بطرؽ سلتلفة‪ :‬ففرقة قالت‪ :‬ليس‬

‫‪20‬‬
‫لنا أىلية عبادة اهلل بال كاسطة لعظمتو‪ ،‬فعبدناىا لتقربنا إىل اهلل زلفى‪ .‬كفرقة قالت‪ :‬ادلالئكة ذك كجاىة عند‬

‫اهلل‪ ،‬فازبذنا أصناما على ىيئة ادلالئكة‪ ،‬لتقربنا إىل اهلل زلفى‪.‬‬

‫كفرقة قالت‪ :‬جعلنا األصناـ قبلة لنا ُب العبادة‪ ،‬كما أف الكعبة قبلة ُب عبادتو‪ .‬كفرقة اعتقدت‪ :‬أف لكل صنم‬

‫شيطانا موكال بنمر اهلل‪ ،‬فمن عبد الصنم حق عبادتو قضى الشيطاف حوائجو بنمر اهلل‪ ،‬كإال أصابو الشيطاف‬

‫بنكبة بنمر اهلل‪.‬‬

‫اء َما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إِالَّ لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين اتَّ َخ ُذوا م ْن ُدونو أ َْوليَ َ‬
‫قاؿ ابن كثًن رمحو اهلل‪ ،‬عند قولو تعاىل‪َ { :‬والذ َ‬
‫ُزلْ َفى} [سورة الزمر ية‪ ]3 :‬اآلية‪ :‬إظلا ػلملهم على عبادهتم‪ :‬أنهم عبدوا األصناـ‪ ،‬اتخذوىا على صور‬

‫المالئكة المقربين في زعمهم؛ فعبدوا تلك الصور ت ْنزيال لذلك م ْنزلة عبادتهم المالئكة‪ ،‬ليشفعوا لهم‬

‫عند اهلل في نصرىم‪ ،‬ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا; قاؿ قتادة كالسدم كمالك‪ ،‬عن زيد بن أسلم‬

‫كابن زيد‪{ :‬إِالَّ لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى} [سورة الزمر ية‪ :]3 :‬ليشفعوا لنا‪ ،‬ويقربونا عنده‪ .‬كقاؿ تعاىل‪:‬‬

‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ات‬ ‫{ َولَئ ْن َسأَلْتَػ ُه ْم َم ْن َخلَ َق ُه ْم لَيَػ ُقولُ َّن اللَّوُ} [سورة الزخرؼ ية‪َ { ]87 :‬ولَئ ْن َسأَلْتَػ ُه ْم َم ْن َخلَ َق َّ َ َ‬
‫يم} [سورة الزخرؼ ية‪ ،]9 :‬كقاؿ‪َ { :‬وَما يُػ ْؤِم ُن أَ ْكثَػ ُرُى ْم بِاللَّ ِو إِالَّ‬ ‫ِ‬
‫ض لَيَػ ُقولُ َّن َخلَ َق ُه َّن ال َْع ِز ُيز ال َْعل ُ‬
‫َواأل َْر َ‬

‫َو ُى ْم ُم ْش ِرُكو َف} [سورة يوسف ية‪ ،]106 :‬قاؿ ابن عباس كغًنه‪" :‬إذا سنلتهم من خلق السماكات‬

‫كاألرض؟ قالوا‪ :‬اهلل; كىم يعبدكف معو غًنه"‪ .‬ففسركا اإلؽلاف ُب ىذه اآلية بإقرارىم بتوحيد الربوبية‪ ،‬كالشرؾ‬

‫بعبادهتم غًن اهلل‪ ،‬كىو إنكار توحيد اإلذلية‪ .‬فلما تقرر اإللو كأنو ادلعبود‪ ،‬تعٌن علينا معرفة حقيقة العبادة‬

‫كحدىا؛ فعرفها بعضهم‪ :‬بنهنا ما أيمر بو اإلنساف شرعا‪ ،‬من غًن اطراد عرُب‪ ،‬كال اقتضاء عقلي; كقاؿ‬

‫بعضهم‪ :‬ىي كماؿ احلب مع كماؿ اخلضوع‪ ،‬كىذا يستلزـ طاعة احملبوب كاالنقياد لو‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وقاؿ شيخ اإلسالـ ابن تيمية‪ ،‬رمحو اهلل تعاىل‪ :‬ىي اسم جامع لكل ما ػلبو اهلل‪ ،‬كيرضاه‪ ،‬من األقواؿ‪،‬‬

‫كاألعماؿ الباطنة‪ ،‬كالظاىرة‪ ،‬كالصالة كالزكاة كالصياـ‪ ،‬كاحلج‪ ،‬كصدؽ احلديث‪ ،‬كأداء األمانة‪ ،‬كبر الوالدين‪،‬‬

‫كصلة األرحاـ‪ ،‬كاألمر بادلعركؼ‪ ،‬كالنهي عن ادلنكر‪ ،‬كالدعاء كالذكر كالقرآف‪ ،‬كأمثاؿ ذلك من العبادة؛‬

‫فالدين كلو داخل ُب العبادة‪.‬‬

‫فإذا علم اإلنساف وتحقق معنى اإللو‪ ،‬وأنو المعبود‪ ،‬وعرؼ حقيقة العبادة‪ ،‬تبين لو أف من جعل شيئا‬

‫من العبادة لغير اهلل‪ ،‬فقد عبده واتخذه إلها‪ ،‬وإف فر من تسميتو معبودا وإلها‪ ،‬وسمى ذلك توسال‬

‫وتشفعا‪ ،‬والتجاء‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فالمشرؾ مشرؾ شاء أـ أبى‪ ،‬كما أف ادلرايب مراب شاء أـ أىب‪ ،‬كإف مل‬

‫يسم ما فعلو ربا‪ ،‬كشارب اخلمر شارب للخمر كإف مساىا بغًن امسها‪ .‬كُب احلديث عن النيب صلى اهلل عليو‬

‫كسلم‪" :‬يأتي أناس من أمتي يشربوف الخمر‪ ،‬يسمونها بغير اسمها" فتغيًن االسم‪ ،‬ال يغًن حقيقة‬

‫ادلسمى‪ ،‬كال يزيل حكمو‪ ،‬كتسمية البوادم سوالفهم الباطلة حقا‪ ،‬كتسمية الظلمة ما ينخذكنو من الناس بغًن‬

‫امسو‪.‬‬

‫َحبارُىم ورْىبانَػ ُهم أَرباباً ِمن ُد ِ‬


‫وف اللَّ ِو}‬ ‫كدلا مسع عدم بن حاًب ‪ -‬كىو نصراين ‪ -‬قولو تعاىل‪{ :‬اتَّ َخ ُذوا أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ َْ ْ‬

‫[سورة التوبة ية‪ ،]31 :‬قاؿ للنيب صلى اهلل عليو كسلم إنا لسنا نعبدىم; قاؿ‪" :‬أليس يحرموف ما أحل‬

‫اهلل فتحرمونو‪ ،‬ويحلوف ما حرـ اهلل فتحلونو ؟ قاؿ‪ :‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قاؿ‪ :‬فتلك عبادتهم"‪.‬‬

‫فعدم رضي اهلل عنو ما كاف يظن أف موافقتهم ُب ذلك عبادة منهم ذلم‪ ،‬فنخرب النيب صلى اهلل عليو كسلم‬

‫أف ذلك عبادة منهم ذلم‪ ،‬مع أهنم ال يعتقدكنو عبادة ذلم‪ .‬ككذلك‪ :‬ما يفعلو عباد القبور‪ ،‬من دعاء‬

‫أصحابها‪ ،‬وسؤالهم قضاء الحاجات‪ ،‬وتفريج الكربات‪ ،‬والتقرب إليهم بالذبائح والنذور‪ ،‬عبادة منهم‬

‫‪22‬‬
‫للمقبورين‪ ،‬وإف كانوا ال يسمونو وال يعتقدونو عبادة‪"...‬‬

‫قوؿ الشيخ عبد اللطيف ؿ الشيخ‪:‬‬

‫فاعلم ‪ :‬أنو دلا كقع ُب آخر ىذه األمة‪ ،‬ما أخرب بو نبيها صلى اهلل عليو كسلم من اتباع سنن‬

‫من قبلها ‪ ،‬من أىل الكتاب ‪ ،‬ك فارس كالركـ ‪ ،‬ك تزايدت تلك السنن ‪ ،‬حىت كقع الغلو ُب الدين ‪ ،‬كعبدت‬

‫قبور األكلياء كالصاحلٌن ‪ ،‬ك جعلت أكثانا تقصد من دكف اهلل رب العادلٌن ‪ ،‬عظمها قوـ مل‬

‫يعرفوا حقيقة اإلسالـ ‪ ،‬ك مل يشموا رائحة العلم ‪ ،‬ك مل ػلصلوا على شيء من رائحة النبوة ‪ ،‬كمل‬

‫يفقهوا شيئا من أخبار األمم قبلهم ‪ ،‬ككيف كاف بدء أمرىم كشركهم ‪ ،‬كمنتهى ضللتهم كحقيقة‬

‫طريقتهم ‪ ،‬ك ىذا الذم عابو القرآف عليهم كذمو‬

‫كتلطف الشيطاف ُب كيد ىؤالء الغالة ُب قبور الصاحلٌن ‪ ،‬بنف دس عليهم تغيًن األمساء‬

‫ك احلدكد الشرعية ‪ ،‬كاأللفاظ اللغوية ‪ ،‬فسموا الشرؾ كعبادة الصاحلٌن توسال كنداء ‪ ،‬ك حسن اعتقاد ُب‬

‫األكلياء كتشفعا ّٔم كاستظهارا بنركاحهم الشريفة ; فاستجاب لو صبياف العقوؿ ‪ ،‬كخفافيش البصائر ‪،‬‬

‫كداركا مع األمساء‪".....‬‬

‫‪23‬‬
‫وسئل الشيخ‪ :‬حمد بن ناصر بن معمر رحمو اهلل تعالى ‪ ,‬عن الفرؽ بين الشفاعة المثبتة ‪ ,‬والمنفية في‬

‫الدرر السنية (‪:)157/2‬‬

‫فنجاب‪ :‬أما الفرؽ بٌن الشفاعة ادلثبتة ‪ ,‬كالشفاعة ادلنفية ‪ ,‬فهي مسنلة عظيمة ‪ ,‬ومن لم يعرفها ‪ ,‬لم يعرؼ‬

‫حقيقة التوحيد ‪ ,‬والشرؾ؛ كالشيخ رمحو اهلل تعاىل ‪ ,‬عقد ذلا بابان ‪ُ ,‬ب كتاب التوحيد ‪ ,‬فقاؿ‪ :‬باب‬

‫الشفاعة ‪ ,‬كقوؿ اهلل تعاىل‪( :‬وأنذر بو الذين يخافوف أف يحشروا إلي ربهم ليس لهم من دونو ولي وال‬

‫شفيع) [األنعاـ‪ٍ ]51 :‬ب ساؽ اآليات ‪ ,‬كعقبو بكالـ الشيخ‪ :‬تقي الدين‪....‬‬

‫فننت راجع الباب ‪ ,‬كأمعن النظر فيو ‪ ,‬يتبٌن لك حقيقة الشفاعة ‪ ,‬كالفرؽ بٌن ما أثبتو القرآف ‪ ,‬كما نفاه؛‬

‫كإذا تنمل اإلنساف القرآف‪ :‬وجد فيو يات كثيرة ‪ ,‬في نفي الشفاعة؛ كأيات كثًنة ُب إثباهتا؛ فاآليات الِّت‬

‫فيها نفي الشفاعة ‪ ,‬مثل قولو‪( :‬ليس لهم من دونو ولي وال شفيع) كمثل قولو‪( :‬أنفقوا مما رزقناكم من‬

‫قبل أف يأتى يوـ ال بيع فيو وال خلة وال شفاعة) [البقرة‪ ]254 :‬كقولو‪( :‬ما لكم من دونو من ولي وال‬

‫شفيع أفال تتذكروف) [السجدة‪ ]4 :‬كقولو‪( :‬قل هلل الشفاعة جميعا) [الزمر‪ ]44 :‬إِل غًن ذلك من‬

‫اآليات‪.‬‬

‫كأما اآليات الِّت فيها إثبات الشفاعة ‪ ,‬فمثل قولو تعاىل‪( :‬وكم من ملك في السموات ال تغنى شفاعتهم‬

‫شيئا إال من بعد أف يأذف اهلل لمن يشاء ويرضى) [النجم‪ ]26 :‬كقولو‪( :‬وال تنفع الشفاعة عنده إال‬

‫لمن أذف لو) [سبأ‪ ]23 :‬كقولو (‪ :‬وال يشفعوف إال لمن ارتضى) [األنبياء‪ ]28 :‬كقولو‪( :‬يومئذ ال تنفع‬

‫الشفاعة إال من أذف لو الرحمن ورضي لو قوال)[طو‪ ]109 :‬إِل غًن ذلك من اآليات‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫فالشفاعة‪ :‬الِّت نفاىا القرآف؛ ىي؛ التي يطلبها المشركوف من غير اهلل ‪ ,‬فيأتوف إلي قبر النبي صلي اهلل‬

‫عليو وسلم أو إلي قبر من يظنونو‪ :‬من األولياء ‪ ,‬والصالحين؛ فيستغيث بو ‪ ,‬ويستشفع بو إلي اهلل ‪,‬‬

‫لظنو أنو أذا فعل ذلك‪ ,‬شفع لو عند اهلل ‪,‬كقضي اهلل حاجتو ‪ ,‬سواء أراد حاجة دنيوية ‪ ,‬أك حاجة‬

‫أخركية ‪ ,‬كما حكى اهلل عن المشركين في قولو‪( :‬ويقولوف ىؤالء شفعاؤنا عند اهلل) [يونس‪ ]18 :‬لكن‪:‬‬

‫كاف الكفار األولوف ‪ ,‬يستشفعوف بهم ‪ ,‬في قضاء الحاجات الدنيوية؛ وأما المعاد ‪ ,‬فكانوا‪ :‬مكذبٌن بو‬

‫‪ ,‬جاحدين لو؛ وأما المشركوف اليوـ‪ :‬فيطلبوف من غير اهلل ‪ ,‬حوائج الدنيا ‪ ,‬كاألخرة؛ كيتقربوف بذلك إِل‬

‫اهلل ‪ ,‬كيستدلوف عليو باألدلة الباطلة (حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد)‬

‫[الشورى‪.]16 :‬‬

‫كأما الشفاعة‪ :‬الِّت أثبتها القرآف ‪ ,‬فقيدىا سبحانو ‪ ,‬بإذنو للشافع ‪ ,‬كرضاه عن ادلشفوع لو؛ فال يشفع عنده‬

‫أحد إال بإذنو ‪ ,‬ال ملك مقرب ‪ ,‬كال نيب مرسل ‪ ,‬كال ينذف للشفعاء أف يشفعوا إال دلن رضي قولو ‪ ,‬كعملو؛‬

‫كىو سبحانو‪ :‬ال يرضى إال التوحيد‪.‬‬

‫كأخرب الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم أف أسعد الناس بشفاعتو‪ :‬أىل التوحيد ‪ ,‬كاإلخالص؛ فمن طلبها منو‬

‫اليوـ ‪ ,‬حرمها يوـ القيامة؛ كاهلل سبحانو قد أخرب‪ :‬أف المشركين ال تنفعهم شفاعة الشافعين؛ كإظلا تنفع‪:‬من‬

‫جرد توحيده؛ حبيث أف يكوف اهلل كحده ‪ ,‬ىو‪ :‬إذلو ‪ ,‬كمعبوده؛ كىو سبحانو‪ :‬ال يقبل من العمل ‪ ,‬إال ما‬

‫كاف خالصان ‪ ,‬كما قاؿ تعاىل‪( :‬أال هلل الدين الخالص) [الزمر‪.]3 :‬‬

‫‪25‬‬
‫فإذا تنملت اآليات ‪ ,‬تبٌن لك‪ :‬أف الشفاعة ادلنفية ‪ ,‬ىي‪ :‬التي يظنها المشركوف ‪ ,‬ويطلبونها اليوـ من غير‬

‫اهلل ‪ ,‬كأما الشفاعة‪ :‬ادلثبتة؛ فهي‪ :‬الِّت ألىل التوحيد كاإلخالص؛ كما أخرب الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم أف‬

‫شفاعتو نائلة من مات من أمتو ‪ ,‬ال يشرؾ باهلل شيئان ‪ ,‬كاهلل أعلم‪".‬‬

‫وقاؿ شيخ اإلسالـ‪ ،‬علم الهداة األعالـ‪ ،‬الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ اإلماـ محمد بن‬

‫عبد الوىاب‪ ،‬أجزؿ اهلل لهم الثواب‪ ،‬وأدخلهم الجنة بغير حساب في الدرر السنية (‪-157/11‬‬

‫‪:)158‬‬

‫" كمن أنواعو ‪ -‬أم الشرؾ ‪ :-‬طلب احلوائج من ادلوتى كاالستغاثة ّٔم‪ ،‬كالتوجو إليهم؛ كىذا أصل شرؾ‬

‫العامل; فإف ادليت قد انقطع عملو‪ ،‬كىو ال ؽللك لنفسو نفعا كال ضرا‪ ،‬فضال عن أف ؽللك دلن استغاث بو‪،‬‬

‫وسألو قضاء حاجتو‪ ،‬أو سألو أف يشفع لو إلى اهلل فيها‪ .‬وىذا من جهلو بالشافع‪ ،‬والمشفوع لو عنده‪،‬‬

‫فإنو ال يقدر أف يشفع عند اهلل إال بإذنو‪ ،‬واهلل لم يجعل استغاثتو وسؤالو سببا إلذنو‪ ،‬وإنما السبب‬

‫إلذنو‪ :‬كماؿ التوحيد‪.‬‬

‫فجاء ىذا المشرؾ‪ ،‬بسبب ؽلنع ىذا اإلذف‪ ،‬كىو دبٍنزلة من استعاف ُب حاجتو دبا ؽلنع حصوذلا؛ كىذه حالة‬

‫كل مشرؾ‪ .‬فجمعوا بن الشرؾ بادلعبود‪ ،‬كتغيًن دينو‪ ،‬كمعاداة أىل التوحيد‪ ،‬كنسبة أىلو إىل التنقص‬

‫باألموات‪.‬‬

‫كىم قد تنقصوا اخلالق بالشرؾ‪ ،‬كأكلياءه ادلوحدين لو‪ ،‬بذمهم‪ ،‬كعيبهم‪ ،‬كمعاداهتم; كتنقصوا من أشركوا بو‬

‫‪26‬‬
‫غاية التنقص؛ إذ ظنوا أهنم راضوف منهم ّٔذا‪ ،‬كأهنم يوالوهنم عليو‪ .‬كىؤالء أعداء الرسل ُب كل زماف كمكاف‪،‬‬

‫كما أكثر ادلستجيبٌن ذلم!‬

‫قاؿ‪ :‬كما صلا من شرؾ ىذا الشرؾ األكرب‪ ،‬إال من جرد توحيده هلل‪ ،‬كعادل ادلشركٌن ُب اهلل‪ ،‬كتقرب دبقتهم‬

‫إىل اهلل‪ ،‬كازبذ اهلل كحده كليو كإذلو كمعبوده؛ فجرد حبو هلل‪ ،‬كخوفو هلل‪ ،‬كرجاءه هلل‪ ،‬كذلو هلل‪ ،‬كتوكلو على‬

‫اهلل‪ ،‬كاستعانتو باهلل‪ ،‬كالتجاءه إىل اهلل‪ ،‬كأخلص قصده هلل متبعا ألمره‪ ،‬متطلبا دلرضاتو؛ إذا سنؿ سنؿ اهلل‪،‬‬

‫كإذا استعاف استعاف باهلل‪ ،‬كإذا عمل عمل هلل؛ فهو باهلل كمع اهلل‪ ،‬انتهى‪ .‬فرحم اهلل ىذا اإلماـ كشيخو‪ ،‬فلقد‬

‫بينا للناس حقيقة الشرؾ كطرقو كما يبطلو; كما حديث ابن عباس‪ :‬أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم قاؿ‬

‫لو‪" :‬إذا سألت فاسأؿ اهلل‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باهلل" ‪ ،‬كمل يقل فاسنلين كاستعن يب‪ ،‬فقصر السؤاؿ‬

‫اؾ نَػ ْعب ُد وإِيَّ َ ِ‬


‫ين} [سورة الفاتحة ية‬
‫اؾ نَ ْستَع ُ‬ ‫كاالستعانة على اهلل الذم ال يستحقو سواه‪ ،‬كما ُب قولو‪{ :‬إِيَّ َ ُ َ‬
‫‪ ،]5 :‬فمن صرؼ ذلك لغير اهلل‪ ،‬فقد عصى اهلل ورسولو‪ ،‬وأشرؾ باهلل‪.‬‬

‫كللمعرتض كالـ ركيك‪ ،‬ال حاجة لنا إىل ذكر ما فيو‪ ،‬كإظلا نتتبع من كالمو‪ ،‬ما ػلتاج إىل رده كإبطالو جنس‬

‫ما تقدـ‪ .‬كاعلم أنو قاؿ‪ :‬دلا ذكر قوؿ آّيب ‪ -‬إنو ال غلتمع اإلؽلاف باآليات احملكمات كتلك األبيات‪ ،‬دلا‬

‫بينهما من التناُب كالتضاد‪ ،‬قاؿ ادلعرتض‪ :‬أقوؿ‪ :‬ػلتمعاف‪ ،‬بنف يفرد اهلل بالعبادة‪ ،‬كال يقدح فيو تشفعو‬

‫بنحباب حبو إليو‪ .‬ككيف ػلكم عليو بالضالؿ‪ ،‬دبجرد طلبو الشفاعة شلن ىو أىل ذلا؟ كما ُب احلديث "أنا‬

‫ذلا‪ ،‬أنا ذلا" كمعلوـ‪ :‬أف الضالؿ ضد احلق‪.‬‬

‫فاجلواب‪ :‬ال ؼلفى ما ُب كالمو من التخليط كالتلبيس‪ ،‬كالعصبية ادلشوبة باجلهل ادلركب؛ ال يدرم كال يدرم‬

‫أنو ال يدرم‪ .‬وقد بينا فيما تقدـ أف دعوة غير اهلل ضالؿ‪ ،‬وأف اتخاذ الشفعاء الذين أنكر اهلل تعالى‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫إنما ىو بدعائهم وااللتجاء إليهم‪ ،‬والرغبة إليهم فيما أراده الراغب منهم‪ ،‬من الشفاعة التي ال يقدر‬

‫عليها إال اهلل؛ وذلك ينافي اإلسالـ واإليماف بال ريب‪.‬‬

‫فإف طلبها من األموات والغائبين‪ ،‬طلب لما ال يقدر عليو إال اهلل‪ ،‬وىو خالؼ لما أمر اهلل تعالى بو‪،‬‬

‫كارتكاب دلا هنى عنو‪ ،‬كما تقدـ بيانو ُب معىن قولو تعاىل‪{ :‬ويػ ْعب ُدو َف ِمن ُد ِ‬
‫وف اللَّ ِو َما ال يَ ُ‬
‫ض ُّرُى ْم َوال‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَػ ْنػ َفعُ ُه ْم َويَػ ُقولُو َف َى ُؤالء ُش َف َعا ُؤنَا ع ْن َد اللَّو} [سورة يونس ية ‪ ]18 :‬اآلية‪ ،‬كقولو‪{ :‬قُ ِل ا ْدعُوا الذ َ‬
‫ين‬

‫ُّر َع ْن ُك ْم َوال تَ ْح ِويالً} [سورة اإلسراء ية ‪ ]56 :‬اآلية‪ ،‬كقولو‪:‬‬ ‫َز َع ْمتُ ْم ِم ْن ُدونِِو فَال يَ ْملِ ُكو َف َك ْش َ‬
‫ف الض ّْ‬

‫{ َما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إَِّال لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى} [سورة الزمر ية ‪.]3 :‬‬

‫فطلب الشفاعة من النبي صلى اهلل عليو وسلم وغيره بعد وفاتو‪ ،‬وبعده عن الداعي‪ ،‬ال يحبو اهلل‬

‫تعالى‪ ،‬وال يرضاه‪ ،‬وال رسولو صلى اهلل عليو وسلم؛ وىو التوسل الذي ذكره العالمة ابن القيم‪،‬‬

‫وشيخو‪ ،‬وصرحا بأنو شرؾ‪"..‬‬

‫في الدرر السنية (‪:)158-157/1‬‬

‫أجل أم ور أمر اهلل بو ؟ قيل ‪ :‬توحيده بالعبادة‪ ،‬كقد تقدـ بيانو ؛ كأعظم هني هنى اهلل عنو‪،‬‬
‫" فإف قيل ‪ :‬فما ُّ‬

‫الشرؾ بو‪ ،‬كىو ‪ :‬أف يدعو مع اهلل غًنه‪ ،‬أك يقصده بغًن ذلك‪ ،‬من أنواع العبادة ؛ فمن صرؼ شيئان من أنواع‬

‫العبادة لغًن اهلل ‪ :‬فقد ازبذه ربٌان‪ ،‬كإذلان‪ ،‬كأشرؾ مع اهلل غًنه‪ ،‬أك يقصده بغًن ذلك‪ ،‬من أنواع العبادة ‪ .‬كقد‬

‫تقدـ‪ ،‬من اآليات ‪ :‬ما يدؿ على أف ىذا ىو الشرؾ‪ ،‬الذم هنى اهلل عنو‪ ،‬كأنكره على ادلشركٌن‪ ،‬كقد قاؿ‬

‫‪28‬‬
‫تعاىل ‪ ( :‬إف اهلل ال يغفر أف يشرؾ بو ويغفر ما دوف ذلك لمن يشاء ومن يشرؾ باهلل فقد ضل ضالالً‬

‫بعيداً ) [النساء‪ ]116:‬كقاؿ تعاىل ‪ ( :‬إنو من يشرؾ باهلل فقد حرـ اهلل عليو الجنة ومأواه النار وما‬

‫للظالمين من أنصار ) [المائدة‪ ]72:‬كصلي اهلل على زلمد ‪"...‬‬

‫اإلماـ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب‬

‫رحمهم اهلل تعالى في الدرر السنية (‪:)238-237/2‬‬

‫" فكيف يسمع ميت من مسافة شهر‪ ،‬أك شهرين‪ ،‬أك دكف ذلك‪ ،‬أك أكثر؛ كقد ذىبت قوتو‪ ،‬كفارقتو ركحو‪،‬‬

‫عز كجلَّ‪ ،‬ما يبطلو‪ ،‬قاؿ اهلل‬


‫كبطلت حواسو ؟ ىذا من أعظم ما ربيلو العقوؿ‪ ،‬كتنكره الفطر كُب كتاب اهلل َّ‬

‫تعاىل‪( :‬ذالكم اهلل ربكم لو الملك والذين تدعوف من دونو ما يملكوف من قطمير‪ ،‬إف تدعوىم ال‬

‫يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوـ القيامة يكفروف بشرككم وال ينبئك مثل خبير)‬

‫[فاطر‪ ]14-13 :‬فنخرب اخلبًن جل كعال‪ :‬أف مساعهم شلتنع‪ ،‬كاستجابتهم دلن دعاىم شلتنعة فهؤالء‬

‫ادلشركوف‪ ،‬دلا استغرقوا ُب الشرؾ‪ ،‬كنشؤكا عليو‪ ،‬أتوا ُب أقواذلم بادلستحيل‪ ،‬كمل يصدقوا اخلبًن ُب إخباره؛ كقاؿ‬

‫تعاىل‪( :‬والذين يدعوف من دوف اهلل ال يخلقوف شيئاً وىم يخلقوف‪ ،‬أموات غير أحياء وما يشعروف أياف‬

‫يبعثوف) [النحل‪ ]21– 20 :‬فذكره تعاىل‪ :‬أهنم أموات‪ ،‬دليل على بطالف دعوهتم‪ ،‬ككذلك عدـ شعورىم‪،‬‬

‫كجل ُب كتابو احلق‪ ،‬كأبطل الباطل‪ ،‬كلو كره ادلشركوف‬


‫عز َّ‬
‫يبٌن تعاىل ّٔذا‪ :‬جهل ادلشرؾ‪ ،‬كضاللو؛ فنحق َّ‬

‫لكن ىؤالء‪ ،‬دلا عظم شركهم‪ :‬نزلوا األموات ُب علم الغيب‪ ،‬منزلة عالـ الغيوب‪ ،‬الذم يعلم خائنة األعٌن‬

‫كما زبفى الصدكر‪ ،‬كشبهوىم برب العادلٌن‪ ،‬سبحانو كتعاىل عما يشركوف؛ قاؿ اهلل تعاىل‪( :‬أيشركوف ما ال‬

‫‪29‬‬
‫يخلق شيئاً وىم يخلقوف‪ ،‬وال يستطيعوف لهم نصراً وال أنفسهم ينصروف) [األعراؼ‪]192– 191 :‬‬

‫كليس عند ىؤالء ادلالحدة‪ :‬ما يصدكف بو العامة‪ ،‬عن أدلة الكتاب‪ ،‬كالسنة‪ ،‬الِّت فيها النهي عن الشرؾ ُب‬

‫العبادة‪ ،‬إال قوذلم‪ :‬قاؿ أحمد بن حجر الهيتمي‪ ،‬قاؿ فالف‪ ،‬وقاؿ فالف‪ ،‬يجوز التوسل بالصالحين‪،‬‬

‫ونحو ذلك من العبارات الفاسدة فنقوؿ‪ :‬ىذا وأمثالو‪ ،‬ليسوا بحجة تنفع عند اهلل‪ ،‬وتخلصكم من‬

‫عذابو؛ بل الحجة ما في كتاب اهلل‪ ،‬وسنة رسوؿ صلى اهلل عليو وسلم الثابتة عنو‪ ،‬وما أجمع عليو‬

‫سلف األمة وأئمتها‪ ،‬كما أحسن ما قالو اإلماـ مالك رمحو اهلل‪ :‬ككلما جاءنا رجل أجدؿ من رجل‪ ،‬نرتؾ ما‬

‫نزؿ بو جربائيل‪ ،‬على زلمد صلى اهلل عليو كسلم جلدلو ؟!‬

‫إذا عرؼ ذلك‪ :‬فالتوسل يطلق على شيئٌن؛ فإف كاف ابن حجر‪ ،‬كأمثالو‪ :‬أرادكا سؤاؿ اهلل بالرجل الصاحل‪،‬‬

‫فهذا ليس ُب الشريعة ما يدؿ على جوازه‪ ،‬كلو جاز دلا ترؾ الصحابة السابقوف األكلوف‪ ،‬من ادلهاجرين‪،‬‬

‫كاألنصار‪ ،‬رضي اهلل عنهم‪ :‬التوسل بالنيب صلى اهلل عليو كسلم بعد كفاتو‪ ،‬كما كانوا يتوسلوف بدعائو ُب‬

‫حياتو‪ ،‬إذا قحطوا كثبت عن أمًن ادلؤمنٌن‪ :‬عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنو‪ ،‬أنو خرج بالعباس بن عبد‬

‫ادلطلب‪ ،‬عاـ الرمادة‪ ،‬دبحضر من السابقٌن األكلٌن‪ ،‬يستسقوف‪ ،‬فقاؿ عمر‪ :‬اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل‬

‫إليك بنبينا فتسقينا‪ ،‬كإنا نتوسل إليك بعم نبينا‪ ،‬فنسقنا‪ٍ ،‬ب قاؿ‪ :‬ارفع يديك يا عباس‪ ،‬فرفع يديو يسنؿ اهلل‬

‫تعاىل؛ كمل يسنلو جباه النيب صلى اهلل عليو كسلم كال بغًنه؛ كلو كاف ىذا التوسل حقان‪ ،‬كانوا إليو أسبق‪ ،‬كعليو‬

‫أحرص‪.‬‬

‫فإف كانوا أرادوا بالتوسل‪ :‬دعاء الميت‪ ،‬واالستشفاع بو‪ ،‬فهذا ىو شرؾ المشركين بعينو؛ واألدلة على‬

‫بطالنو في القر ف كثيرة جداً‪ ،‬فمن ذلك قولو تعالى‪( :‬أـ اتخذوا من دوف اهلل شفعاء قل أولو كانوا ال‬

‫‪30‬‬
‫يملكوف شيئاً وال يعقلوف‪ ،‬قل هلل الشفاعة جميعاً لو ملك السموات واألرض ثم إليو ترجعوف) [الزمر‪:‬‬

‫‪ ]44 -43‬فالذم لو ملك السماكات كاألرض‪ ،‬ىو الذم ينذف ُب الشفاعة‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪( :‬من ذا‬

‫الذي يشفع عنده إال بإذنو) [البقرة‪.]255 :‬‬

‫كقاؿ تعاىل‪( :‬وكم من ملك في السموات ال تغنى شفاعتهم شيئاً إال من بعد أف يأذف اهلل لمن يشاء‬

‫ويرضى) [النجم‪ ]26 :‬كىو ال يرضى إال اإلخالص‪ُ ،‬ب األقواؿ‪ ،‬كاألعماؿ‪ ،‬الباطنة‪ ،‬كالظاىرة؛ كما صرح‬

‫بو النيب صلى اهلل عليو كسلم ُب حديث أيب ىريرة‪ ،‬كغًنه؛ كأنكر تعاىل على ادلشركٌن ازباذ الشفعاء‪ ،‬فقاؿ‬

‫تعاىل‪( :‬ويعبدوف من دوف اهلل ما ال يضرىم وال ينفعهم ويقولوف ىؤالء شفعاؤنا عند اهلل قل أتنبئوف اهلل‬

‫بما ال يعلم في السموات وال في األرض سبحانو وتعالى عما يشركوف) [يونس‪ .]18 :‬فبٌن تعاىل ُب‬

‫ىذه اآلية‪ :‬أف ىذا شرؾ المشركين‪ ،‬وأف الشفاعة ممتنعة في حقهم‪ ،‬لما سألوىا من غير وجهها‪ ،‬وأف‬

‫ىذا شرؾ‪ ،‬نزه نفسو عنو‪ ،‬بقولو تعالى‪( :‬سبحانو وتعالى عما يشركوف) فهل فوؽ ىذا البياف بياف ؟‬

‫كقاؿ تعاىل‪( :‬والذين اتخذوا من دونو أولياء ما نعبدىم إال ليقربونا إلى اهلل زلفى إف اهلل يحكم بينهم في‬

‫ما ىم فيو يختلفوف إف اهلل ال يهدي من ىو كاذب كفار) [الزمر‪ ]3 :‬فكفرىم بطلبهم من غًنه‪ :‬أف‬

‫يقربوىم إليو‪ .‬كقد تقدـ‪ :‬بعض األدلة على النهي عن دعوة غًن اهلل‪ ،‬كالتغليظ ُب ذلك؛ كأنو ُب غاية‬

‫الضالؿ‪ ،‬وأنو شرؾ باهلل‪ ،‬وكفر بو‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪( :‬ومن يدع مع اهلل إلهاً خر ال برىاف لو بو فإنما‬

‫حسابو عند ربو إنو ال يفلح الكافروف) [المؤمنوف‪"...]117 :‬‬

‫‪31‬‬
‫وقاؿ أيضا‪ :‬شيخ اإلسالـ‪ ،‬الشيخ عبد الرحمن بن حسن‪ ،‬قدس اهلل روحو في الدرر السنية‬

‫{‪:}480-478\11‬‬

‫" ككل كافر قد أخطن‪ ،‬كادلشركوف ال بد ذلم من تنكيالت‪ ،‬كيعتقدكف أف شركهم بالصاحلٌن‪ ،‬تعظيم ذلم‪،‬‬

‫ين اتَّ َخ ُذوا‬ ‫َّ ِ‬


‫ينفعهم‪ ،‬كيدفع عنهم‪ ،‬فلم يعذروا بذلك الخطأ‪ ،‬كال بذلك التنكيل؛ بل قاؿ اهلل تعاىل‪َ { :‬والذ َ‬
‫اء َما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إَِّال لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى إِ َّف اللَّوَ يَ ْح ُك ُم بَػ ْيػنَػ ُه ْم فِي َما ُى ْم فِ ِيو يَ ْختَلِ ُفو َف إِ َّف‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫م ْن ُدونو أ َْوليَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللَّوَ ال يَػ ْهدي َم ْن ُى َو َكاذ ٌ‬
‫ب َك َّف ٌ‬
‫ار} [سورة الزمر ية ‪.]3 :‬‬

‫اطين أَولِياء ِمن ُد ِ‬


‫وف اللَّ ِو َويَ ْح َسبُو َف أَنَّػ ُه ْم ُم ْهتَ ُدو َف} [سورة األعراؼ ية‬ ‫كقاؿ تعاىل‪{ :‬إِنػَّهم اتَّ َخ ُذوا َّ ِ‬
‫الشيَ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ُُ‬
‫ْحيَاةِ ُّ‬
‫الدنْػيَا َو ُى ْم‬ ‫ِ‬
‫ض َّل َس ْعيُػ ُه ْم في ال َ‬
‫ين َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،]30 :‬كقاؿ تعاىل‪{ :‬قُ ْل َى ْل نُػنَبّْئُ ُك ْم ب ْاألَ ْخ َس ِر َ‬
‫ين أَ ْع َماالًالذ َ‬
‫ِ‬
‫يَ ْح َسبُو َف أَنَّػ ُه ْم يُ ْحسنُو َف ُ‬
‫ص ْنعاً}[ سورة الكهف ية ‪ ]104-103 :‬اآلية‪ .‬فنين ذىب عقل ىذا عن‬

‫ىذه اآليات‪ ،‬كأمثاذلا من اآليات احملكمات؟! كالعلماء رمحهم اهلل تعاىل سلكوا منهج االستقامة‪ ،‬كذكركا باب‬

‫حكم ادلرتد‪ ،‬كمل يقل أحد منهم أنو إذا قاؿ كفرا‪ ،‬أك فعل كفرا‪ ،‬كىو ال يعلم أنو يضاد الشهادتٌن‪ ،‬أنو ال‬

‫يكفر جلهلو‪.‬‬

‫كقد بٌن اهلل ُب كتابو أف بعض ادلشركٌن جهاؿ مقلدكف‪ ،‬فلم يدفع عنهم عقاب اهلل جبهلهم كتقليدىم‪ ،‬كما‬

‫اف م ِر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫قاؿ تعاىل‪َ { :‬وِم َن الن ِ‬
‫يد} [سورة الحج ية ‪]3 :‬‬ ‫َّاس َم ْن يُ َجاد ُؿ في اللَّو بِغَْي ِر عل ٍْم َويَػتَّبِ ُع ُك َّل َش ْيطَ َ‬
‫الس ِعي ِر} [سورة الحج ية ‪.]4 :‬‬ ‫إىل قولو‪{ :‬إِلَى َع َذ ِ‬
‫اب َّ‬
‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ٍب ذكر الصنف الثاين‪ :‬كىم ادلبتدعوف‪ ،‬بقولو تعاىل‪َ { :‬وِم َن الن ِ‬
‫َّاس َم ْن يُ َجاد ُؿ في اللَّو بغَْي ِر عل ٍْم َوال ُى ً‬
‫دى‬

‫َوال كِتَ ٍ‬
‫اب ُمنِي ٍر} [سورة الحج ية ‪ ،]8 :‬فسلبهم العلم كاذلدل؛ كمع ذلك فقد اغرت ّٔم األكثركف‪ ،‬دلا‬
‫‪32‬‬
‫عندىم من الشبهات‪ ،‬كاخلياالت‪ ،‬فضلوا كأضلوا‪ ،‬كما قاؿ تعاىل ُب آخر السورة {ويػ ْعب ُدو َف ِمن ُد ِ‬
‫وف اللَّ ِو َما‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫لَم يػنَػ ّْز ْؿ بِ ِو س ْلطَاناً وما لَْيس لَ ُهم بِ ِو ِعلْم وما لِلظَّالِ ِمين ِمن نَ ِ‬
‫صي ٍر} [سورة الحج ية ‪ .]71 :‬كتقرير‬ ‫َ ْ‬ ‫ٌ ََ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ىذا ادلقاـ‪ ،‬قد سلف ُب كالـ العالمة ابن القيم‪ ،‬ككالـ شيخ اإلسالـ‪.‬‬

‫كقاؿ العالمة ابن القيم‪ ،‬رمحو اهلل تعاىل‪ ،‬أيضا ُب طبقات الناس‪ -‬من ىذه األمة كغًنىا‪ :-‬الطبقة السابعة‬

‫عشر‪ :‬طبقة ادلقلدين‪ ،‬كجهاؿ الكفرة كأتباعهم كمحًنىم الذين ىم تبع‪ ،‬يقولوف‪ :‬إنا كجدنا آباءنا على أمة‬

‫كلنا أسوة ّٔم‪.‬‬

‫قاؿ‪ :‬كقد اتفقت األمة على أف ىذه الطبقة كفار‪ ،‬ككانوا جهاال مقلدين لرؤسائهم‪ ،‬كأئمتهم إال ما ػلكى‬

‫عن بعض أىل البدع أنو ال ػلكم ذلؤالء بالنار كجعلهم دبٍنزلة من مل تبلغو الدعوة؛ كىذا مذىب مل يقل بو‬

‫أحد من أئمة ادلسلمٌن‪ ،‬ال الصحابة كال التابعٌن‪ ،‬كال من بعدىم‪.‬‬

‫كقد صح عن النيب صلى اهلل عليو كسلم أنو قاؿ‪" :‬ما من مولود إال ويولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانو‪ ،‬أو‬

‫ينصرانو‪ ،‬أو يمجسانو" ‪ ،1‬فنخرب أف أبويو ينقالنو عن الفطرة‪ ،‬إىل اليهودية‪ ،‬أك النصرانية‪ ،‬أك آّوسية‪ ،‬كمل‬

‫يعترب ُب ذلك غًن ادلريب‪ ،‬كادلنشن على ما عليو األبواف‪ .‬كصح عنو أنو قاؿ‪" :‬إف الجنة ال يدخلها إال نفس‬

‫مسلمة" ‪ 2‬؛ كىذا ادلقلد ليس دبسلم كىو عاقل مكلف‪ ،‬كالعاقل ادلكلف ال ؼلرج عن اإلسالـ أك الكفر‪.‬‬

‫قاؿ‪ :‬كاإلسالـ ىو‪ :‬توحيد اهلل كعبادتو كحده ال شريك لو‪ ،‬كاإلؽلاف برسولو كاتباعو فيما جاء بو؛ فما مل ينت‬

‫العبد ّٔذا فليس دبسلم كإف مل يكن معاندا‪ ،‬فهو كافر جاىل‪ .‬كغاية ىذه الطبقة‪ :‬أهنم كفار جهاؿ‪ ،‬غًن‬

‫معاندين؛ كعدـ عنادىم ال ؼلرجهم عن كوهنم كفارا‪ .‬فإف الكافر من جحد توحيد اهلل‪ ،‬ككذب رسولو إما‬

‫عنادا كإما جهال كتقليدا ألىل العناد‪".‬‬

‫‪33‬‬
‫القسم األخير من كتاب حكم المرتد‬

‫ولو أيضا‪ ،‬قدس اهلل روحو ونور ضريحو )‪:(19-20/10‬‬

‫" كقاؿ أيضا ُب الباب‪ :‬كمن سب الصحابة‪ ،‬كاقرتف بسبو دعول أف عليا إلو أك نيب‪ ،‬أك أف جربائيل غلط‪،‬‬

‫فال شك في كفر ىذا‪ ،‬بل ال شك في كفر من توقف في تكفيره؛ فتنمل ىذا؛ إذا كاف كالمو ىذا ُب‬

‫علي‪ ،‬فكيف دبن ادعى أف ابن عريب‪ ،‬أك عبد القادر إذلا؟! كتنمل كالـ الشيخ ُب معىن اإللو الذم تنذلو‬

‫القلوب ‪.‬‬

‫واعلم‪ :‬أف المشركين ُب زماننا‪ ،‬قد زادكا على الكفار ُب زمن النيب صلى اهلل عليو كسلم بنهنم يدعوف‬

‫األكلياء كالصاحلٌن‪ُ ،‬ب الرخاء كالشدة‪ ،‬كيطلبوف منهم تفريج الكربات‪ ،‬كقضاء احلاجات‪ ،‬مع كوهنم يدعوف‬

‫مقروف بأف األمر هلل؛ فهم ال يدعونهم‬


‫ادلالئكة كالصاحلٌن‪ ،‬ويريدوف شفاعتهم والتقرب بهم‪ ،‬وإال فهم ّ‬

‫ُّر فِي الْبَ ْح ِر َ‬


‫ض َّل‬ ‫إال في الرخاء‪ ،‬فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا هلل‪ ،‬قاؿ اهلل تعالى‪َ { :‬وإِ َذا َم َّس ُك ُم الض ُّ‬

‫َم ْن تَ ْد ُعو َف إَِّال إِيَّاهُ فَػلَ َّما نَ َّجا ُك ْم إِلَى الْبَػ ّْر أَ ْع َر ْ‬
‫ضتُ ْم} ‪".‬‬

‫وقاؿ أيضا الشيخ عبد اهلل أبا بطين في الدرر السنية {‪:}418-416\10‬‬

‫" كأما من جعل سبيل الكفار أىدل من سبيل ادلؤمنٌن‪ ،‬فإف كاف مراده حاؿ أىل الزماف اليوـ‪ ،‬كنف يقوؿ‪:‬‬
‫إف فعل مشركي الزماف عند القبور كغًنىا‪ ،‬أحسن شلن ال يدعو إال اهلل‪ ،‬كال يدعو غًنه‪ ،‬فهذا كافر بال شك;‬
‫ككذا قولنا‪ :‬إف فعل مشركي الزماف عند القبور‪ ،‬من دعاء أىل القبور‪ ،‬كسؤاذلم قضاء احلاجات‪ ،‬كتفريج‬
‫الكربات‪ ،‬كالذبح‪ ،‬كالنذر ذلم‪ ،‬كقولنا‪ :‬إف ىذا شرؾ أكرب‪ ،‬كأف من فعلو فهو كافر‪ ،‬كالذين يفعلوف ىذه‬

‫‪34‬‬
‫العبادات عند القبور‪ ،‬كفار بال شك‪.‬‬
‫وقوؿ الجهاؿ‪ :‬إنكم تكفروف المسلمين‪ ،‬فهذا ما عرؼ اإلسالـ‪ ،‬وال التوحيد‪ ،‬والظاىر عدـ صحة‬
‫إسالـ ىذا القائل؛ فإف لم ينكر ىذه األمور‪ ،‬التي يفعلها المشركوف اليوـ‪ ،‬وال يراىا شيئا‪ ،‬فليس‬
‫بمسلم‪....‬‬

‫كأعظم أنواع الكفر‪ :‬الشرؾ بعبادة غًن اهلل‪ ،‬كىو كفر بإمجاع ادلسلمٌن‪ ،‬كال مانع من تكفًن من اتصف‬
‫بذلك‪ ،‬كما أف من زىن قيل‪ :‬فالف زاف‪ ،‬كمن راىب‪ :‬قيل‪ :‬فالف مراب‪....‬‬

‫كأما قوؿ القائل‪ :‬إف دعاءىم األموات‪ ،‬كسؤاذلم قضاء احلاجات‪ ،‬رلاز‪ ،‬كاهلل سبحانو ىو ادلسؤكؿ حقيقة‪،‬‬
‫فهذا حقيقة قوؿ ادلشركٌن‪{ :‬ى ُؤ ِ‬
‫الء ُش َف َعا ُؤنَا ِع ْن َد اللَّ ِو} ‪َ { ،2‬ما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إَِّال لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى} ‪،3‬‬ ‫َ‬
‫فهم يسنلوف الوسائط‪ ،‬زاعمٌن أهنم يشفعوف ذلم عند اهلل‪ُ ،‬ب قضاء حوائجهم;‬
‫قاؿ شيخ اإلسالـ‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬رحمو اهلل‪ :‬فمن جعل بينو كبٌن اهلل كسائط‪ ،‬يدعوىم كيتوكل عليهم‪،‬‬
‫كيسنذلم‪ ،‬كفر إجماعا‪"...‬‬

‫قاؿ اإلماـ المجدد شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب في الدرر السنية {‪ 522\1‬؛‬
‫‪:}534\12‬‬

‫" فجنس ىؤالء ادلشركٌن كأمثاذلم‪ ،‬شلن يعبد األكلياء كالصاحلٌن‪ ،‬ضلكم بنهنم مشركوف‪ ،‬كنرل كفرىم إذا‬
‫قامت عليهم احلجة الرسالية‪" ..‬‬

‫قاؿ رحمو اهلل في الدرر السنية {‪:}414\9‬‬

‫" كقد ذكر ُب "اإلقناع"‪ ،‬عن الشيخ تقي الدين‪ :‬أف من دعا علي بن أيب طالب فهو كافر‪ ،‬كأف من شك ُب‬
‫كفره فهو كافر‪ ،‬فإذا كاف ىذا حاؿ من شك ُب كفره‪ ،‬مع عداكتو لو كمقتو‪ ،‬فكيف دبن يعتقد أنو مسلم‪،‬‬
‫كمل يعاده؟ فكيف دبن أحبو؟ فكيف دبن جادؿ عنو كعن طريقتو؟"‬
‫‪35‬‬
‫في الدرر السنية {‪:}416\9‬‬

‫"وقاؿ أبو العباس ابن تيمية‪ُ ،‬ب الرد على ادلتكلمٌن‪ ،‬دلا ذكر بعض أحواؿ أئمتهم‪ ،‬قاؿ‪ :‬ككل شرؾ ُب‬

‫العامل‪ ،‬إظلا حدث برأم جنسهم؛ فهم اآلمركف بالشرؾ‪ ،‬كالفاعلوف لو‪ ،‬كمن مل ينمر منهم بالشرؾ‪ ،‬فلم ينو‬

‫عنو‪ ،‬بل يقر ىؤالء كىؤالء‪ ،‬كإف رجح ادلوحدين ترجيحا ما‪ ،‬فقد يرجح غًنه ادلشركٌن‪ ،‬كقد يعرض عن‬

‫األمرين مجيعا‪ ،‬فتدبر ىذا‪ ،‬فإنو نافع جدا‪.‬‬

‫كذلذا كاف رؤساؤىم ادلتقدموف كادلتنخركف‪ ،‬ينمركف بالشرؾ‪ ،‬ككذلك الذين كانوا ُب ملة اإلسالـ‪ ،‬ال ينهوف‬

‫عن الشرؾ‪ ،‬كيوجبوف التوحيد‪ ،‬بل يسوغوف الشرؾ‪ ،‬أك ينمركف بو‪ ،‬أك ال يوجبوف التوحيد‪ ،‬كقد رأيت من‬

‫مصنفاهتم‪ُ ،‬ب عبادة ادلالئكة‪ ،‬كعبادة األنفس ادلفارقة‪ ،‬كأنفس األنبياء‪ ،‬كغًنىم‪ ،‬ما ىو أصل الشرؾ‪ ،‬كىم‬

‫إذا ادعوا التوحيد‪ ،‬إظلا توحيدىم بالقوؿ‪ ،‬ال بالعبادة كالعمل‪.‬‬

‫كالتوحيد الذم جاءت بو الرسل‪ ،‬ال بد فيو من التوحيد بإخالص الدين هلل‪ ،‬كعبادتو كحده ال شريك لو‪،‬‬

‫كىذا شيء ال يعرفونو‪ ،‬فلو كانوا موحدين بالقوؿ كالكالـ‪ ،‬لكاف معهم التوحيد دكف العمل‪ ،‬كذلك ال يكفي‬

‫ُب السعادة كالنجاة‪ ،‬بل ال بد من أف يعبدكا اهلل كحده‪ ،‬كيتخذكه إذلا دكف ما سواه‪،‬‬

‫كىذا معىن قوؿ ال إلو إال اهلل; انتهى كالـ الشيخ‪".‬‬

‫‪36‬‬
‫[ كالـ الشيخ عبد اهلل أبا بطين في تكفير المعين ]‬

‫{في الدرر السنية ‪:}10/401-405‬‬

‫كقاؿ أيضا الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطٌن‪ ،‬نقوؿ ُب تكفًن ادلعٌن‪ :‬ظاىر اآليات‪ ،‬كاألحاديث‪،‬‬

‫ككالـ مجهور العلماء تدؿ على كفر من أشرؾ باهلل فعبد معو غًنه‪ ،‬كمل تفرؽ األدلة بٌن ادلعٌن كغًنه‪ ،‬قاؿ‬

‫تعاىل‪{ :‬إِ َّف اللَّو ال يػ ْغ ِفر أَ ْف ي ْشر َؾ بِ ِو} ‪ ،‬كقاؿ تعاىل‪{ :‬فَا ْقػتػلُوا ال ِ‬
‫وى ْم} ‪ ،‬كىذا عاـ‬
‫ث َو َج ْدتُ ُم ُ‬ ‫ْم ْش ِرك َ‬
‫ين َح ْي ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬
‫ُب كل كاحد من ادلشركٌن‪.‬‬

‫كمجيع العلماء ُب كتب الفقو‪ ،‬يذكركف حكم ادلرتد‪ ،‬كأكؿ ما يذكركف من أنواع الكفر كالردة‪ :‬الشرؾ‪ ،‬فقالوا‪:‬‬

‫إف من أشرؾ باهلل كفر‪ ،‬ولم يستثنوا الجاىل‪ ،‬كمن زعم هلل صاحبة أك كلدا كفر‪ ،‬كمل يستثنوا اجلاىل‪ ،‬كمن‬

‫قذؼ عائشة كفر‪ ،‬كمن استهزأ باهلل أك رسلو أك كتبو‪ ،‬كفر إمجاعا‪ ،‬لقولو تعاىل‪{ :‬ال تَػ ْعتَ ِذ ُروا قَ ْد َك َف ْرتُ ْم بَػ ْع َد‬

‫يمانِ ُك ْم} ؛ كيذكركف أنواعا كثًنة رلمعا على كفر صاحبها‪ ،‬كمل يفرقوا بٌن ادلعٌن كغًنه‪.‬‬
‫إِ َ‬
‫ٍب يقولوف‪ :‬فمن ارتد عن اإلسالـ قتل بعد االستتابة‪ ،‬فحكموا بردتو قبل احلكم باستتابتو‪ ،‬فاالستتابة بعد‬

‫احلكم بالردة‪ ،‬كاالستتابة إظلا تكوف دلعٌن; كيذكركف ُب ىذا الباب‪ ،‬حكم من جحد كجوب كاحدة من‬

‫العبادات اخلمس‪ ،‬أك استحل شيئا من احملرمات‪ ،‬كاخلمر كاخلٍنزير كضلو ذلك‪ ،‬أك شك فيو يكفر‪ ،‬إذا كاف‬

‫مثلو ال غلهلو‪.‬‬

‫كمل يقولوا ذلك ُب الشرؾ كضلوه شلا ذكرنا بعضو‪ ،‬بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل‪ ،‬وال فرقوا بين المعين‬

‫وغيره‪ ،‬ككما ذكرنا أف االستتابة إظلا تكوف دلعٌن؛ كىل غلوز دلسلم أف يشك ُب كفر من قاؿ‪ :‬إف هلل صاحبة‬

‫أو ولدا‪ ،‬أو أف جبرائيل غلط في الرسالة‪ ،‬أو ينكر البعث بعد الموت‪ ،‬أو ينكر أحدا من األنبياء‪ ،‬وىل‬

‫‪37‬‬
‫يفرؽ مسلم بين المعين وغيره في ذلك ونحوه‪ ،‬كقد قاؿ صلى اهلل عليو كسلم‪":‬من بدؿ دينة فاقتلوه" ‪،‬‬

‫كىذا يعم ادلعٌن كغًنه‪.‬‬

‫كأعظم أنواع تبديل الدين‪ :‬الشرؾ باهلل بعبادة غًنه‪ ،‬لقولو تعاىل‪{ :‬إِ َّف اللَّوَ ال يَػ ْغ ِف ُر أَ ْف يُ ْش َر َؾ بِ ِو} ‪ ،‬كلقولو‬

‫صلى اهلل عليو كسلم دلا سئل‪ :‬أم الذنب أعظم؟ أم‪ :‬عند اهلل‪ ،‬قاؿ‪( :‬أف تجعل هلل ندا وىو خلقك )‪.‬‬

‫كأما قوؿ الشيخ ُب موضع من كالمو‪ ،‬دلا ذكر الشرؾ‪ ،‬قاؿ‪ :‬كلكن لغلبة اجلهل ُب كثًن من ادلتنخرين‪ ،‬مل‬

‫ؽلكن تكفًنىم حىت يبٌن ذلم ما جاء بو الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم‪ ،‬فالظاىر أف مراده ادلعٌن‪ ،‬جلزمو ُب غًن‬

‫موضع بكفر من فعل الشرؾ‪ ،‬كمل يتوقف ُب تكفًنه حىت يبٌن لو ما جاء بو الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم‪،‬‬

‫لقولو ُب مسنلة الوسائط‪ :‬فمن جعل ادلالئكة أك األنبياء كسائط‪ ،‬يدعوىم كيتوكل عليهم‪ ،‬كيسنذلم جلب‬

‫ادلنافع كدفع ادلضار‪ ،‬مثل أف يسنذلم غفراف الذنوب‪ ،‬كىداية القلوب‪ ،‬كتفريج الكربات‪ ،‬كسد الفاقات‪ ،‬فهو‬

‫كافر بإجماع المسلمين‪ ،‬إىل أف قاؿ‪ :‬فمن أثبت كسائط بٌن اهلل كبٌن خلقو‪ ،‬كالوسائط الذين يكونوف بٌن‬

‫ادللك كرعيتو‪ ،‬حبيث يكونوف ىم يرفعوف إىل اهلل حوائج خلقو‪،‬‬

‫دبعىن‪ :‬أف الخلق يسألونهم‪ ،‬وىم يسألوف اهلل‪ ،‬كما أف الوسائط عند الملوؾ يسألوف الملوؾ حوائج‬

‫الناس‪ ،‬لقرّٔم منهم‪ ،‬كالناس يسنلوهنم أدبا منهم‪ ،‬أف يباشركا سؤاؿ ادللك‪ ،‬أك ألف طلبهم من الوسائط أنفع‬

‫من طلبهم من ادللك‪ ،‬لكوهنم أقرب إىل ادللك من الطالب‪ ،‬فمن أثبتهم كسائط على ىذا الوجو فهو كافر‬

‫مشرؾ‪ ،‬غلب أف يستتاب فإف تاب كإال قتل‪.‬‬

‫فانظر قولو‪ :‬فهو كافر بإجماع المسلمين‪ ،‬فجزـ بكفر من ىذه حالو‪ ،‬وأنو إجماع المسلمين‪ ،‬ولم يقل‬

‫‪38‬‬
‫في ىذا الموضع لم يمكن تكفير من فعل ذلك حتى يبين لو ما جاء بو الرسوؿ‪،‬وقولو‪ :‬فمن أثبتهم‬

‫وسائط على ىذا الوجو فهو كافر مشرؾ‪ ،‬يجب أف يستتاب‪ ،‬فجزـ بكفره قبل االستتابة‪.‬‬

‫ككالمو ُب ىذا ادلوضع نقلو صاحب "الفركع" فيو‪ ،‬ككذا صاحب "اإلنصاؼ" ك"اإلقناع" كغًنىم؛ كىذا‬

‫الذم ذكر الشيخ أف من فعلو كافر بإمجاع ادلسلمٌن‪ ،‬ىو الذم يفعل اليوـ عند ىذه ادلشاىد ادلشهورة ُب‬

‫أكثر بالد اإلسالـ‪ ،‬بل زادكا على ذلك أضعافو‪ ،‬كضموا إىل ذلك الذبح كالنذر ذلم‪ ،‬كبعضهم زاد السجود‬

‫ذلم ُب األرض‪.‬‬

‫فنقوؿ‪ :‬كل من فعل اليوـ ذلك عند ىذه ادلشاىد‪،‬‬

‫فهو مشرؾ كافر بال شك‪ ،‬بداللة الكتاب كالسنة كاإلمجاع؛ كضلن نعلم أف من فعل ذلك شلن ينتسب إىل‬

‫اإلسالـ‪ ،‬أنو مل يوقعهم ُب ذلك إال اجلهل‪ ،‬فلو علموا أف ذلك يبعد عن اهلل غاية اإلبعاد‪ ،‬كأنو من الشرؾ‬

‫الذم حرمو اهلل‪ ،‬مل يقدموا عليو‪ ،‬فكفرىم مجيع العلماء‪ ،‬ولم يعذروىم بالجهل‪ ،‬كما يقوؿ بعض الضالين‪:‬‬

‫إف ىؤالء معذكركف ألهنم جهاؿ‪.‬‬

‫كىذا قوؿ على اهلل بغًن علم‪ ،‬معارض دبثل قولو تعاىل‪{ :‬فَ ِريقاً َى َدى َوفَ ِريقاً َح َّق َعلَْي ِه ُم الضَّاللَةُ إِنَّػ ُه ُم‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اطين أَولِي ِ‬


‫اتَّ َخ ُذوا َّ ِ‬
‫اء م ْن ُدوف اللَّو} ‪ 1‬اآلية‪{ ،‬قُ ْل َى ْل نػُنَبّْئُ ُك ْم ب ْاألَ ْخ َس ِر َ‬
‫ين أَ ْع َماالً} ‪ 2‬اآليتٌن‪".‬‬ ‫الشيَ َ ْ َ َ‬

‫‪39‬‬
‫في الدرر السنية ‪10/401‬‬

‫"ومن ذلك قوؿ‪ :‬شيخ اإلسالـ تقي الدين رضي اهلل عنو‪:‬‬

‫فمن جعل ادلالئكة كاألنبياء كسائط‪ ،‬يدعوىم كيتوكل عليهم‪ ،‬كيسنذلم جلب ادلنافع‪ ،‬كدفع ادلضار‪ ،‬فهو‬
‫كافر بإمجاع ادلسلمٌن‪ ،‬انتهى; كىذا ىو الذم يفعل اليوـ عند ىذه ادلشاىد‪ ،‬كىذا أظهر أمور الدين; كلكن‬
‫{ َوَم ْن لَ ْم يَ ْج َع ِل اللَّوُ لَوُ نُوراً فَ َما لَوُ ِم ْن نُوٍر}‪.‬‬
‫كنسنؿ اهلل أف يهدينا صراطو ادلستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم عليهم‪ ،‬من النبيٌن كالصديقٌن‪ ،‬كالشهداء‬
‫كالصاحلٌن‪"..‬‬

‫قاؿ عبد الرحمن بن حسن‪:‬‬


‫" ىمن عرؼ معىن ال إلو إالَّ اهلل‪ ،‬عرؼ‪ :‬أف من شك‪ ،‬أك َّ‬
‫تردد ُب كفر من أشرؾ مع اهلل غًنه‪ ،‬أنو مل يكفر‬
‫بالطاغوت‪{ "...‬الدرر السنية ‪}523/11‬‬

‫ويقوؿ محمد بن عبد الوىاب أيضاً في الناقض الثالث من نواقض اإلسالـ ‪:‬‬

‫(من لم يكفر المشركين أو شك في كفرىم أو صحح مذىبهم كفر ‪).‬‬

‫فاهلل‪ ،‬اهلل‪ ،‬إخواين‪ :‬سبسكوا بنصل دينكم أكلو كآخره‪ ،‬اسو كرأسو‪ ،‬كىو‪ :‬شهادة أف الإلو إال اهلل؛ واعرفوا‪:‬‬

‫معناىا؛ وأحبوا أىلها‪ ،‬واجعلوىم إخوانكم‪ ،‬ولو كانوا بعيدين؛ واكفروا بالطواغيت‪ ،‬وعادوىم‪ ،‬وابغضوا‬

‫من أحبهم‪ ،‬أو جادؿ عنهم‪ ،‬أو لم يكفرىم‪ ،‬أك قاؿ ما علي منهم‪ ،‬أك قاؿ ماكلفين اهلل ّٔم‪ ،‬فقد كذب‬

‫ىذا على اهلل‪ ،‬كافرتل؛ بل‪ :‬كلفو اهلل ّٔم‪ ،‬كفرض عليو الكفر ّٔم‪ ،‬كالرباءة منهم؛ كلو كانوا‪ :‬إخوانو‪ ،‬كأكالده؛‬

‫فاهلل‪ ،‬اهلل‪ ،‬تمسكوا بأصل دينكم ‪ ،‬لعلكم تلقوف ربكم‪ ،‬ال تشركوف بو شيئا؛ اللهم توفنا مسلمٌن‪ ،‬كأحلقنا‬

‫بالصاحلٌن… " { الدرر السنية ‪ 119\2‬ك رلموعة التوحيد }‬

‫‪40‬‬
‫وقاؿ الشيخ عبد اهلل ‪ ،‬والشيخ إبراىيم أبناء الشيخ عبد اللطيف ‪ ،‬والشيخ سليماف بن سحماف ‪ ،‬في‬
‫اإلجابة على سؤاؿ ورد عليهم ‪ ( :‬ال تصح إمامة من ال ييكفر اجلهمية كالقبوريٌن ‪ ،‬أك يشك ُب تكفًنىم ‪،‬‬
‫كىذه ادلسنلة من أكضح الواضحات ‪ ،‬عند طلبة العلم …كمع ذلك فنىل العلم متفقوف على تكفًنه ػ يعنوف‬
‫شم رائحة اإلؽلاف )‪.‬‬ ‫ً‬
‫بشر ادلريسي ػ ككذلك القبوريوف ال يشك ُب كفرىم ‪ ،‬من َّ‬
‫{ الدرر السنية ‪} 437 , 436 / 10‬‬

‫يقوؿ الشيخ محمد ابن عبد الوىاب رحمو اهلل ‪:‬‬


‫" كأف كاف يقوؿ ؛ أقوؿ غًنىم كفار ‪ ،‬كال أقوؿ ىم كفار فهذا حكم منو بإسالمهم ‪ ،‬إذ الكاسطة بٌن‬
‫الكفر كاإلسالـ ‪ ،‬فإف مل يكونوا كفاران فهم مسلمٌن ‪ ،‬كحينئذ فمن مسى الكفر إسالما ‪ ،‬أك مسى الكفار‬
‫مسلمٌن فهو كافر ‪ ،‬فيكوف ىذأ كافران‪" .‬‬

‫{رلموعة التوحيد ‪ ،‬ص ‪}121‬‬

‫‪41‬‬
‫كتاب التوحيد الذي ىو حق اهلل على العبيد‬

‫تأليف‪ :‬شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب {باب (‪ )16‬الشفاعة}‪:‬‬

‫يع لَ َعلَّ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬


‫س لَ ُه ْم م ْن ُدونو َول ّّي َوال َشف ٌ‬
‫ين يَ َخافُو َف أَ ْف يُ ْح َش ُروا إلَى َربّْه ْم لَْي َ‬
‫كقوؿ اهلل‪َ { :‬وأَنْذ ْر بو الذ َ‬
‫اعةُ َج ِميعاً} سورة الزمر آية‪.44 :‬‬ ‫يَػتَّػ ُقو َف} سورة األنعاـ آية‪51 :‬؛ كقولو‪{ :‬قُ ْل لِلَّ ِو َّ‬
‫الش َف َ‬
‫كقولو‪{ :‬من َذا الَّ ِذي ي ْش َفع ِع ْن َدهُ إِالَّ بِِإ ْذنِِو} سورة البقرة آية‪ .255 :‬كقولو‪{ :‬وَكم ِمن ملَ ٍ‬
‫ك فِي‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬

‫اعتُػ ُه ْم َش ْيئاً إِالَّ ِم ْن بَػ ْع ِد أَ ْف يَأْذَ َف اللَّوُ لِ َم ْن يَ َشاءُ َويَػ ْر َ‬


‫ضى} سورة النجم آية‪.26 :‬‬ ‫ات ال تُػغْنِي َش َف َ‬
‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫ات َوال فِي األ َْر ِ‬
‫ض َوَما‬ ‫السماو ِ‬ ‫وف اللَّ ِو ال يملِ ُكو َف ِمثْػ َق َ ٍ ِ‬
‫كقولو‪{ :‬قُ ِل ا ْد ُعوا الَّ ِذين َز َعمتُم ِمن ُد ِ‬
‫اؿ ذَ َّرة في َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ْ ْ‬
‫اعةُ ِع ْن َدهُ إِالَّ لِ َم ْن أ َِذ َف لَوُ} سورة سبن آية‪:‬‬ ‫لَ ُه ْم فِي ِه َما ِم ْن ِش ْر ٍؾ َوَما لَوُ ِم ْنػ ُه ْم ِم ْن ظَ ِهي ٍر َوال تَػ ْنػ َف ُع َّ‬
‫الش َف َ‬

‫‪.23‬‬

‫قاؿ أبو العباس‪ :‬نفى اهلل عما سواه كل ما يتعلق بو ادلشركوف‪ ،‬فنفى أف يكوف لغًنه ملك أك قسط منو‪ ،‬أك‬

‫يكوف عونا هلل‪ .‬كمل يبق إال الشفاعة‪ .‬فبٌن أهنا ال تنفع إال دلن أذف لو الرب‪ ،‬كما قاؿ‪َ { :‬وال يَ ْش َف ُعو َف إِالَّ‬

‫لِ َم ِن ْارتَ َ‬
‫ضى} سورة األنبياء آية‪ .28 :‬فهذه الشفاعة الِّت يظنها ادلشركوف‪ ،‬ىي منتفية يوـ القيامة‪ ،‬كما نفاىا‬

‫القرآف كأخرب النيب صلى اهلل عليو كسلم‪" :‬أنو ينٌب فيسجد لربو كػلمده" (ال يبدأ بالشفاعة أكال)‪ٍ .‬ب يقاؿ‬

‫لو‪" :‬ارفع رأسك كقل ييسمع‪ ،‬كسل تيعط‪ ،‬كاشفع تيشفَّع"‪.‬‬

‫كقاؿ لو أبو ىريرة‪" :‬من أسعد الناس بشفاعتك؟ قاؿ‪ :‬من قاؿ ال إلو إال اهلل خالصا من قلبو" فتلك‬

‫الشفاعة ألىل اإلخالص‪ ،‬بإذف اهلل‪ ،‬كال تكوف دلن أشرؾ باهلل‪ .‬كحقيقتو‪ :‬أف اهلل سبحانو ىو الذم يتفضل‬

‫على أىل اإلخالص فيغفر ذلم بواسطة دعاء من أذف لو أف يشفع‪ ،‬ليكرمو كيناؿ ادلقاـ احملمود‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فالشفاعة الِّت نفاىا القرآف ما كاف فيها شرؾ‪ ،‬كذلذا أثبت الشفاعة بإذنو ُب مواضع‪.‬‬

‫كقد بٌن النيب صلى اهلل عليو كسلم أهنا ال تكوف إال ألىل التوحيد كاإلخالص‪ .‬ا ق كالمو‪.‬‬

‫فيو مسائل‪:‬‬

‫األكىل‪ :‬تفسًن اآليات‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬صفة الشفاعة ادلنفية‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬صفة الشفاعة ادلثبتة‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬ذكر الشفاعة الكربل‪ ،‬كىي ادلقاـ احملمود‪.‬‬

‫اخلامسة‪ :‬صفة ما يفعلو صلى اهلل عليو كسلم أنو ال يبدأ بالشفاعة‪ ،‬بل يسجد؛ فإذا أذف لو شفع‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬من أسعد الناس ّٔا؟‬

‫السابعة‪ :‬أهنا ال تكوف دلن أشرؾ باهلل‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬بياف حقيقتها‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وسئل أبناء الشيخ‪ ،‬وحمد بن ناصر‪ ،‬رحمهم اهلل‪ :‬ىل تعتقدكف كفر أىل األرض على اإلطالؽ؟ أـ ال؟‬

‫فأجابوا‪ :‬الذم نعتقده دينا‪ ،‬كنرضاه إلخواننا مذىبا‪ ،‬أف من أنكر ما ىو معلوـ من الدين بالضرورة‪،‬‬

‫كقامت عليو احلجة‪ ،‬فإنو يكفر بذلك‪ ،‬كلو ادعى اإلسالـ؛ كىذا أمر رلمع عليو بٌن العلماء‪.‬‬

‫كدعي إليها كأىب عن فعلها جحدا‪ ،‬ييقتل عندنا كفرا؛ كىو مذىب‬
‫كيكفر أيضا‪ :‬من أنكر كجوب الصالة‪ ،‬ي‬
‫اإلماـ أمحد‪ ،‬كإسحاؽ‪ ،‬كغًنعلا من السلف كاخللف‪ ،‬كىو الذم تدؿ عليو األدلة‪ ،‬من الكتاب كالسنة; كُب‬

‫ادلسنلة قوؿ آخر‪ :‬أنو يقتل حدا‪ ،‬كىو القوؿ ادلشهور ُب مذىب اإلماـ مالك‪ ،‬كالشافعي‪ ،‬كأيب حنيفة‪.‬‬

‫كنكفر أيضا‪ :‬من أنكر كجوب الزكاة‪ ،‬كامتنع من أدائها‪ ،‬كقاتل اإلماـ عليها; كنكفر أيضا‪ :‬من أبغض شيئا‬

‫من دين الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم كسبو‪.‬‬

‫كقد ذكر بعض العلماء‪ ،‬رمحهم اهلل‪ :‬أف الكفر والردة أنواع كثيرة‪ :‬فمن ذلك ما ىو شك‪ ،‬ومنو ما ىو‬

‫اعتقاد‪ ،‬ومنو ما ىو نطق؛ فمن أشرؾ باهلل‪ ،‬أو جحد ربوبيتو‪ ،‬أو إلهيتو‪ ،‬أو جعل بينو وبين اهلل وسائط‬

‫يدعوىم‪ ،‬ويتوكل عليهم‪ ،‬ويسألهم‪ ،‬كفر إجماعا‪ ،‬ألف ىذا كفعل عابدي األصناـ‪ ،‬قائلين { َما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم‬

‫إَِّال لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى} ‪ ،‬كذكركا أنواعا كثًنة من أنواع الردة‪ ،‬كل نوع يكفر بو ادلسلم‪ ،‬كػلل دمو‬

‫كمالو‪ { "....‬الدرر السنية ‪} 132 ، 131 / 10‬‬

‫‪44‬‬
‫ويسوؽ الشيخ سليماف بن عبد اهلل بن محمد بن عبد الوىاب – رحمو اهلل – إجماع العلماء في حكم‬

‫من صرؼ الدعاء لغير اهلل فيقوؿ‪:‬‬

‫" قاؿ بعض العلماء‪ :‬فال ندرم أم معىن اختص بو اخلالق تعاىل بعد ىذه ادلنزلة‪ ،‬كماذا أبقى ىذا ادلتكلم‬

‫اخلبيث خلالقو من األمر‪ ،‬فإف ادلشركٌن أىل األكثاف ما يؤىلوف من عبدكه لشيء من ىذا‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫ككثًن من عباد القبور ينادكف ادليت من مسافة شهر كأكثر يسنلونو حوائجهم‪ ،‬كيعتقدكف أنو يسمع دعاءىم‬

‫كيستجيب ذلم‪ ،‬كتسمع عندىم حاؿ ركؤّم البحر كاضطرابو من دعاء األموات كاالستغاثة ّٔم ما ال ؼلطر‬

‫على باؿ‪ ،‬ككذلك إذا أصابتهم الشدائد‪ ،‬من مرض‪ ،‬أك كسوؼ‪ ،‬أك ريح شديدة‪ ،‬أك غًن ذلك‪ ،‬فالوِل ُب‬

‫ذلك نصب أعينهم‪ ،‬كاالستغاثة بو ىي مالذىم‪ ،‬كلو ذىبنا نذكر ما يشبو ىذا لطاؿ الكالـ‪ .‬إذا عرفت ىذا‪،‬‬

‫فقد تقدـ ذكر دعاء ادلسنلة‪.‬‬

‫[كالـ العلماء في الغلو والمغالين]‬

‫كأما دعاء العبادة‪ ،‬فهو عبادة اللٌو تعاىل بننواع العبادات‪ ،‬من الصالة‪ ،‬كالذبح‪ ،‬كالنذر‪ ،‬كالصياـ‪ ،‬كاحلج‬

‫كطمعا‪ ،‬يرجو رمحتو‪ ،‬كؼلاؼ عذابو‪ ،‬كإف مل يكن ُب ذلك صيغة سؤاؿ كطلب‪ ،‬فالعابد الذم‬
‫كغًنىا‪ ،‬خوفنا ن‬
‫يريد اجلنة كيهرب من النار‪ ،‬كىو سائل راغب راىب‪ .‬يرغب ُب حصوؿ مراده‪ ،‬كيذىب من فواتو‪ ،‬كىو سائل‬

‫ب لَ ُك ْم}‪ّٔ .‬ذا‪ .‬كىذا قيل‪:‬‬ ‫دلا يطلبو بامتثاؿ األمر ُب فعل العبادة‪ ،‬كقد فسر قولو تعاىل‪{:‬ا ْد ُعونِي أ ْ ِ‬
‫َستَج ْ‬
‫اعبدكين كامتثلوا أمرم أستجب لكم‪ ،‬كقيل‪ :‬سلوين أعطكم‪ ،‬كعلى ىذا القوؿ تدؿ األحاديث كاآلثار‪.‬‬

‫إذا تبٌن ذلك‪ ،‬فاعلم أف العلماء أجمعوا على أف من صرؼ شيئًا من نوعي الدعاء – أي دعاء العبادة‬

‫ودعاء المسألة – لغير اللّو فهو مشرؾ‪ ،‬ولو قاؿ ال إلو إال اللّو محمد رسوؿ اللّو وصلى وصاـ‪ ،‬إذ‬

‫‪45‬‬
‫شرط اإلسالـ مع التلفظ بالشهادتين أف ال يعبد إال اللّو‪ ،‬فمن أتى بالشهادتين وعبد غير اللّو فما أتى‬

‫بهما حقيقة وإف تلفظ بهما كاليهود الذين يقولوف‪ :‬ال إلو إال اللّو وىم مشركوف‪ ،‬ومجرد التلفظ بهما ال‬

‫إجماعا‪{ "..‬تيسًن العزيز احلميد‪ ،‬ص ‪، 186‬‬


‫ً‬ ‫يكفي في اإلسالـ بدوف العمل بمعناىما واعتقاده‬

‫‪}187‬‬

‫قاؿ الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية ‪ ، 12-7 \ 11‬كتاب مختصر‬
‫الردود‪:‬‬

‫" النوع الثاين‪ :‬سؤاؿ ادليت كالغائب كغًنعلا‪ ،‬شلا ال يقدر عليو إال اهلل; مثل‪ :‬سؤاؿ قضاء احلاجات‪ ،‬كتفريج‬
‫الكربات‪ ،‬كإغاثة اللهفات; فهذا من احملرمات ادلنكرة‪ ،‬باتفاؽ أئمة ادلسلمٌن; مل ينمر اهلل بو‪ ،‬كال رسولو‪ ،‬كال‬
‫فعلو أحد من الصحابة‪ ،‬كال التابعٌن ذلم بإحساف‪ ،‬كال استحبو أحد من أئمة ادلسلمٌن‪.‬‬
‫كىذا شلا يعلم باالضطرار أنو ليس من دين اإلسالـ؛ فإنو مل يكن أحد منهم إذا نزلت بو شدة أك عرضت لو‬
‫حاجة‪ ،‬يقوؿ دليت‪ :‬يا سيدم فالف اقض حاجِّت‪ ،‬أك اكشف شدٌب‪ ،‬أك أنا ُب حسبك‪ ،‬أك أنا متشفع بك‬
‫إىل ريب‪ ،‬كما يقوؿ بعض ىؤالء ادلشركٌن دلن يدعوهنم من ادلوتى كالغائبٌن‪ .‬كال أحد من الصحابة استغاث‬
‫بالنيب صلى اهلل عليو كسلم بعد موتو‪ ،‬كال بغًنه من األنبياء عند قبورىم‪ ،‬كال إذا بعدكا عنها; فإف ىذا من‬
‫الشرؾ األكرب‪ ،‬الذم ك ٌفر اهلل بو ادلشركٌن‪ ،‬الذين كفرىم النيب صلى اهلل عليو كسلم كاستباح دماءىم كأمواذلم;‬
‫مل يقولوا إف آذلتهم شاركت اهلل ُب خلق العامل‪ ،‬أك إهنا تٍنزؿ ادلطر كتنبت النبات; بل كانوا مقرين بذلك هلل‬
‫ض لَيَػ ُقولُ َّن اللَّوُ} [سورة لقماف ية ‪:‬‬ ‫ات َو ْاأل َْر َ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫كحده‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪َ { :‬ولَئ ْن َسأَلْتَػ ُه ْم َم ْن َخلَ َق َّ َ َ‬
‫يها إِ ْف ُك ْنتُ ْم تَػ ْعلَ ُمو َف َسيَػقُولُو َف لِلَّ ِو قُ ْل أَفَال تَ َذ َّك ُرو َف}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ]25‬اآلية وقاؿ تعالى‪{ :‬قُ ْل ل َم ِن ْاأل َْر ُ‬
‫ض َوَم ْن ف َ‬
‫[سورة المؤمنوف ية‪ ]85-84 :‬إلى قولو‪{ :‬فَأَنَّى تُ ْس َح ُرو َف} [سورة المؤمنوف ية ‪.]89 :‬‬

‫‪46‬‬
‫كقاؿ تعاىل‪َ { :‬وَما يُػ ْؤِم ُن أَ ْكثَػ ُرُى ْم بِاللَّ ِو إَِّال َو ُى ْم ُم ْش ِرُكو َف} [سورة يوسف ية ‪ ]106 :‬قاؿ طائفة من‬
‫السلف‪ُ ،‬ب تفسًن ىذه اآلية‪ :‬إذا سئلوا من خلق السماكات كاألرض‪ ،‬قالوا‪ :‬اهلل‪ ،‬كىم يعبدكف غًنه؛ ففسركا‬
‫اإلؽلاف ُب اآلية‪ ،‬بإقرارىم بتوحيد الربوبية‪ ،‬كفسركا اإلشراؾ بإشراكهم ُب توحيد اإلذلية‪ ،‬الذم ىو توحيد‬
‫العبادة‪.‬‬
‫والعبادة‪ :‬اسم جامع دلا ػلبو اهلل كيرضاه من األقواؿ كاألعماؿ‪ ،‬من ذلك‪ :‬الدعاء دبا ال يقدر على جلبو أك‬
‫دفعو إال اهلل; فمن طلبو من غًنه‪ ،‬كاستعاف بو فيو‪ ،‬فقد عبده بو كالدعاء من أفضل العبادات‪ ،‬كأجل‬
‫ادتِي َسيَ ْد ُخلُو َف‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اؿ ربُّ ُكم ا ْد ُعونِي أ ْ ِ‬
‫ين يَ ْستَ ْكبِ ُرو َف َع ْن عبَ َ‬
‫ب لَ ُك ْم إِ َّف الذ َ‬
‫َستَج ْ‬ ‫الطاعات‪ ،‬قاؿ اهلل تعاىل‪َ { :‬وقَ َ َ ُ‬
‫ج هن ِ‬
‫ين} [سورة غافر ية ‪.]60 :‬‬ ‫َّم َداخ ِر َ‬
‫ََ َ‬
‫كُب الرتمذم‪ :‬عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليو كسلم قاؿ‪" :‬الدعاء مخ العبادة"‬
‫كللرتمذم كالنسائي كابن ماجو‪ ،‬من حديث النعماف بن بشًن‪ ،‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم‪:‬‬
‫ادتِي}‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اؿ ربُّ ُكم ا ْد ُعونِي أ ْ ِ‬
‫ين يَ ْستَ ْكبِ ُرو َف َع ْن عبَ َ‬
‫ب لَ ُك ْم إِ َّف الذ َ‬
‫َستَج ْ‬ ‫"إف الدعاء ىو العبادة" ٍب قرأ‪َ { :‬وقَ َ َ ُ‬
‫[سورة غافر ية ‪ ]60 :‬اآلية‪ ،‬قاؿ الرتمذم حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫قاؿ الشارح‪ :‬معىن قولو صلى اهلل عليو كسلم‪" :‬الدعاء ىو العبادة" أم‪ :‬معظمها‪ ،‬فهو كقولو‪" :‬احلج عرفة"‬
‫أم‪ :‬ركنو األعظم‪ .‬كمعىن قولو‪" :‬الدعاء العبادة" أم‪ :‬خالصها‪ ،‬ألف الداعي إظلا يدعو اهلل‪ ،‬عند انقطاع أملو‬
‫شلا سواه‪ ،‬كذلك حقيقة التوحيد كاإلخالص‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫والدعاء في القر ف يتناوؿ معنيين‪:‬‬
‫ب لَ ُك ْم}‬ ‫أحدىما‪ :‬دعاء العبادة‪ ،‬كىو‪ :‬دعاء اهلل المتثاؿ أمره‪ُ ،‬ب قولو‪{ :‬ا ْدعُونِي أ ْ ِ‬
‫َستَج ْ‬
‫الثاني‪ :‬دعاء المسألة; كىو دعاؤه سبحانو ُب جلب ادلنفعة‪ ،‬كدفع ادلضرة‪.‬‬
‫ب لَ ُك ْم} [سورة غافر ية ‪:‬‬ ‫اؿ ربُّ ُكم ا ْدعُونِي أ ْ ِ‬
‫َستَج ْ‬ ‫كبقطع النظر عن االمتثاؿ‪ ،‬فقد فسر قولو تعاىل‪َ { :‬وقَ َ َ ُ‬
‫‪ ]60‬بالوجهٌن‪:‬‬
‫ب‬ ‫أحدىما‪ :‬ما ىو عاـ ُب الدعاء كغًنه‪ ،‬كىو العبادة‪ ،‬كامتثاؿ األمر لو سبحانو؛ فيكوف معىن قولو‪{ :‬أ ْ ِ‬
‫َستَج ْ‬
‫ات} [سورة الشورى‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَ ُكم} أثبكم‪ ،‬كما قاؿ ُب اآلية األخرل‪{ :‬ويست ِج َّ ِ‬
‫ين َمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬
‫يب الذ َ‬
‫ََ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪47‬‬
‫ية ‪ ]26 :‬أم يثيبهم على أحد التفسًنين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ىو خاص‪ ،‬معناه‪ :‬سلوين أعطكم‪ ،‬كما ُب الصحيحٌن عن النيب صلى اهلل عليو كسلم أنو قاؿ‪:‬‬
‫"ي ْنزؿ ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا‪ ،‬حين يبقى ثلث الليل اآلخر‪ ،‬فيقوؿ‪ :‬من يدعوني فأستجيب لو؟‬
‫من يسألني فأعطيو سؤالو؟ من يستغفرني فأغفر لو؟" فذكر أكال لفظ الدعاء‪ٍ ،‬ب السؤاؿ‪ٍ ،‬ب االستغفار‪،‬‬
‫كادلستغفر سائل‪ ،‬كما أف ادلسائل داع؛ فعطف السؤاؿ كاالستغفار على الدعاء؛ فهو من باب عطف اخلاص‬
‫على العاـ‪.‬‬

‫كىذا ادلعىن الثاين‪ ،‬أعين‪ :‬اخلاص ىو األظهر‪ ،‬لوجهٌن‪:‬‬


‫أحدعلا‪ :‬ما ُب حديث النعماف بن بشًن‪ ،‬أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم قاؿ‪" :‬إف الدعاء ىو العبادة"‬
‫ب لَ ُك ْم} [سورة غافر ية ‪ ]60 :‬فاستداللو عليو الصالة‬ ‫اؿ ربُّ ُكم ا ْد ُعونِي أ ْ ِ‬
‫َستَج ْ‬ ‫ٍب قرأ اآلية‪َ { :‬وقَ َ َ ُ‬
‫كالسالـ‪ ،‬باآلية على الدعاء‪ ،‬دليل على أف ادلراد منها‪ :‬سلوين‪.‬‬
‫كخطاب اهلل عباده ادلكلفٌن بصيغة األمر‪ ،‬منصرؼ إىل الوجوب‪ ،‬ما مل يقم دليل يصرفو إىل االستحباب؛‬
‫اسأَلُوا اللَّوَ ِم ْن‬
‫فيفيد قصر فعلو على اهلل‪ ،‬فال غلعل لغًنه‪ ،‬ألنو عبادة; كذلذا أمر اهلل اخللق بسؤالو‪ ،‬فقاؿ‪َ { :‬و ْ‬
‫ضلِ ِو} [سورة النساء ية ‪.]32 :‬‬‫فَ ْ‬
‫كُب الرتمذم‪ :‬عن ابن مسعود رضي اهلل عنو عن النيب صلى اهلل عليو كسلم‪" :‬سلوا اهلل من فضلو‪ ،‬فإف اهلل‬
‫يحب أف يُسأؿ" كلو عن أيب ىريرة‪ ،‬مرفوعا‪" :‬من لم يسأؿ اهلل يغضب عليو" كلو أيضا‪" :‬إف اهلل يحب‬
‫الملحين في الدعاء" فتبٌن ّٔذا‪ :‬أف الدعاء من أفضل العبادات‪ ،‬كأجل الطاعات‪.‬‬
‫َّاع إِذَا َد َع ِ‬ ‫ك ِعب ِ‬
‫ادي َعنّْي فَِإنّْي قَ ِر ِ‬
‫اف}‬ ‫يب َد ْع َوةَ الد ِ‬
‫يب أُج ُ‬
‫ٌ‬ ‫الوجو الثاين‪ :‬أنو سبحانو قاؿ‪َ { :‬وإِذَا َسأَلَ َ َ‬
‫[سورة البقرة ية ‪ ]186 :‬كالسائل راغب راىب‪ ،‬ككل سائل راغب راىب‪ ،‬فهو عابد للمسؤكؿ‪ .‬ككل‬
‫عابد فهو أيضا راغب راىب‪ ،‬يرجو رمحتو كؼلاؼ عذابو؛ فكل عابد سائل‪ ،‬ككل سائل هلل فهو عابد‪.‬‬

‫قاؿ اهلل تعاىل‪{ :‬إِنَّػ ُهم َكانُوا يسا ِرعُو َف فِي الْ َخ ْيػر ِ‬
‫ات َويَ ْدعُونَػنَا َرغَباً َوَرَىباً} [سورة األنبياء ية ‪ ]90 :‬ال‬‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬
‫يتصور أف ؼللو داع هلل دعاء عبادة‪ ،‬أك دعاء مسنلة‪ ،‬من الرغب كالرىب‪ ،‬كاخلوؼ كالطمع لو; فدعاء‬

‫‪48‬‬
‫العبادة‪ ،‬كدعاء ادلسنلة‪ ،‬كالعلا عبادة هلل‪ ،‬ال غلوز صرفها إىل غًنه; فال غلوز أف يطلب من سللوؽ ميت أك‬

‫غائب‪ ،‬قضاء حاجة‪ ،‬أك تفريج كربة‪ ،‬ما ال يقدر عليو إال اهلل‪ ،‬ال غلوز أف يطلب إال من اهلل‪.‬‬

‫فمن دعا ميتا أك غائبا فقاؿ‪ :‬يا سيدم فالف أغثين‪ ،‬أك انصرين‪ ،‬أك ارمحين‪ ،‬أك اكشف عين شدٌب‪ ،‬كضلو‬

‫ذلك‪ ،‬فهو كافر مشرؾ‪ ،‬يستتاب فإف تاب كإال قتل‪ .‬كىذا شلا ال خالؼ فيو بٌن العلماء‪ ،‬فإف ىذا ىو شرؾ‬

‫ادلشركٌن‪ ،‬الذين قاتلهم النيب صلى اهلل عليو كسلم فإهنم مل يكونوا يقولوف زبلق كترزؽ‪ ،‬كتدبر أمر من دعاىا؛‬

‫بل كانوا يعلموف أف ذلك هلل كحده‪ ،‬كما حكاه عنهم ُب غًن موضع من كتابو‪.‬‬

‫كإظلا كانوا يفعلوف عندىا ما يفعلو إخواهنم من ادلشركٌن اليوـ‪ ،‬من دعائها‪ ،‬كاالستغاثة ّٔا‪ ،‬كالذبح ذلا‪ ،‬كالنذر‬

‫ذلا؛ يزعموف أهنا كسائط بينهم كبٌن اهلل‪ ،‬تقرّٔم إليو‪ ،‬كتشفع ذلم لديو‪ ،‬كما حكاه عنهم ُب قولو تعاىل‪:‬‬

‫اء َما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إَِّال لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى} [سورة الزمر ية ‪.]3 :‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين اتَّ َخ ُذوا م ْن ُدونو أ َْوليَ َ‬
‫{ َوالذ َ‬
‫ض ُّرىم وال يػ ْنػ َفعهم ويػ ُقولُو َف ى ُؤ ِ‬
‫الء ُش َف َعا ُؤنَا ِع ْن َد اللَّ ِو}‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وقاؿ تعالى‪َ { :‬ويَػ ْعبُ ُدو َف م ْن ُدوف اللَّو َما ال يَ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ‬
‫[سورة يونس ية ‪ ]18 :‬فقاتلهم رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم ليكوف الدعاء كلو هلل‪ ،‬كالذبح كلو هلل‪،‬‬

‫كاالستغاثة كلها باهلل‪ ،‬كمجيع العبادات كلها هلل‪".‬‬

‫قاؿ الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية ‪ ، 15 \ 11‬كتاب مختصر‬
‫الردود‪ ":‬فمن جعل األنبياء كادلالئكة كسائط بٌن اهلل كبٌن خلقو‪ ،‬كاحلي ٌجاب الذين يكونوف بٌن ادللك‬
‫كرعيتو‪ ،‬حبيث يزعم أهنم يرفعوف احلوائج إىل اهلل‪ ،‬كأف اهلل يرزؽ عباده‪ ،‬كينصرىم بتوسطهم‪ ،‬أم دبعىن‪ :‬أف‬
‫اخللق يسنلوهنم‪ ،‬كىم يسنلوف اهلل; فمن اعتقد ىذا فهو كافر مشرؾ‪"..‬‬

‫‪49‬‬
‫قاؿ الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية ‪ ، 25-20 \ 11‬كتاب‬
‫مختصر الردود‪:‬‬

‫" كال يشتبو ىذا إال على من مل يعرؼ حقيقة ما بعث اهلل بو زلمدا صلى اهلل عليو كسلم من التوحيد‪ ،‬كمل‬
‫يعرؼ حقيقة شرؾ ادلشركٌن‪ ،‬الذين كفرىم النيب صلى اهلل عليو كسلم كأحل دماءىم كأمواذلم‪ ،‬كأمره اهلل أف‬
‫ّْين ُكلُّوُ لِلَّ ِو}‬ ‫ِ‬
‫يقاتلهم { َحتَّى ال تَ ُكو َف ف ْتػنَةٌ} [سورة البقرة ية ‪ ]193 :‬أم‪ :‬ال يكوف شرؾ‪َ { ،‬ويَ ُكو َف الد ُ‬
‫[سورة األنفاؿ ية ‪.]39 :‬‬
‫فمن أصغى إىل كتاب اهلل‪ ،‬علم علما ضركريا أف دعاء األموات من أعظم الشرؾ‪ ،‬الذم كفر اهلل بو‬
‫ادلشركٌن؛ فكيف يسوغ دلن عرؼ التوحيد الذم بعث اهلل بو زلمدا صلى اهلل عليو كسلم أف غلعل ذلك من‬
‫الشرؾ األصغر‪ ،‬كيقوؿ‪ :‬قد عدـ النص الصريح على كفر فاعلو؟ فإف األدلة القرآنية كالنصوص النبوية‪ ،‬قد‬
‫ِ‬ ‫دلت على ذلك داللة ظاىرة ليست خفية؛ كمن أعمى اهلل بصًنتو فال حيلو فيو {من ي ْ ِ‬
‫ضل ِل اللَّوُ فَال َىاد َ‬
‫ي‬ ‫َْ ُ‬
‫لَوُ َويَ َذ ُرُى ْم فِي طُغْيَانِ ِه ْم يَػ ْع َم ُهو َف} [سورة األعراؼ ية ‪.]186 :‬‬
‫كأيضا‪ :‬فإف كثًنا من ادلسائل الِّت ذكرىا العلماء ُب مسائل الكفر كالردة‪ ،‬كانعقد عليها اإلمجاع‪ ،‬مل يرد فيها‬
‫نصوص صرػلة بتسميتها كفرا‪ ،‬كإظلا يستنبطها العلماء من عموـ النصوص‪ ،‬كما إذا ذبح ادلسلم نسكا متقربا‬
‫بو إىل غًن اهلل‪ ،‬فإف ىذا كفر باإلمجاع‪ ،‬كما نص على ذلك النوكم كغًنه‪ ،‬ككذلك لو سجد لغًن اهلل‪.‬‬
‫ص ّْل‬
‫فإذا قيل‪ :‬ىذا شرؾ‪ ،‬ألف الذبح عبادة كالسجود عبادة‪ ،‬فال غلوز لغًن اهلل‪ ،‬كما دؿ على ذلك قولو‪{ :‬فَ َ‬
‫ب‬‫اي َوَم َماتِي لِلَّ ِو َر ّْ‬ ‫ك وانْحر} [سورة الكوثر ية ‪ ،]2 :‬كقولو‪{ :‬قُل إِ َّف صالتِي ونُ ِ‬
‫سكي َوَم ْحيَ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل َربّْ َ َ َ ْ‬
‫ِ‬

‫يك لَوُ} [سورة األنعاـ ية ‪ ]163-162 :‬؛ فهذا صريح ُب األمر ّٔما‪ ،‬كأنو ال غلوز‬ ‫ين ال َش ِر َ‬ ‫ِ‬
‫ال َْعالَم َ‬
‫صرفهما لغًن اهلل‪ .‬فينبغي أف يقاؿ‪ :‬فنين الدليل ادلصرح بنف ىذا كفر بعينو؟‬
‫كالزـ ىذه آّادلة اإلنكار على العلماء ُب كل مسنلة من مسائل الكفر كالردة الِّت مل يرد فيها نص بعينها‪،‬‬
‫مع أف ىذه ادلسنلة ادلسؤكؿ عنها‪ ،‬قد كجدت فيها النصوص الصرػلة من كالـ اهلل ككالـ رسولو‪ ،‬كأكردنا من‬
‫ذلك ما فيو اذلدل دلن ىداه اهلل‪.‬‬
‫كأما كالـ العلماء‪ ،‬فنشًن إىل قليل من كثًن‪ ،‬كنذكر كالـ من حكى اإلمجاع على ذلك‪ :‬قاؿ ُب اإلقناع‬
‫‪50‬‬
‫كشرحو‪ :‬من جعل بينو كبٌن اهلل كسائط يدعوىم‪ ،‬كيتوكل عليهم‪ ،‬كيسنذلم‪ ،‬كفر إمجاعا‪ ،‬ألف ىذا كفعل‬
‫عابدم األصناـ‪ ،‬قائلٌن‪َ { :‬ما نَػ ْعبُ ُد ُى ْم إَِّال لِيُػ َق ّْربُونَا إِلَى اللَّ ِو ُزلْ َفى} [سورة الزمر ية ‪...]3 :‬‬

‫فمن أثبت الوسائط بٌن اهلل كبٌن خلقو كاحلي ٌجاب الذين بٌن ادللك كرعيتو‪ ،‬حبيث يكونوف ىم يرفعوف إىل اهلل‬
‫حوائج خلقو‪ ،‬كأف اهلل تعاىل إظلا يهدم عباده كيرزقهم‪ ،‬كينصرىم بتوسطهم‪ ،‬دبعىن‪ :‬أف اخللق يسنلوهنم‪ ،‬كىم‬
‫يسنلوف اهلل‪ ،‬كما أف الوسائط عند ادللوؾ‪ ،‬يسنلوف ادللوؾ حوائج الناس بقرّٔم منهم‪ ،‬كالناس يسنلوهنم‪ ،‬أدبا‬
‫منهم أف يباشركا سؤاؿ ادللك‪ ،‬أك ألف طلبهم من الوسائط أنفع ذلم من طلبهم من ادللك‪ ،‬لكوهنم أقرب إىل‬
‫ادللك من الطالب‪ ،‬فمن أثبتهم كسائط على ىذا الوجو‪ ،‬فهو كافر مشرؾ؛ غلب أف يستتاب فإف تاب كإال‬
‫قتل‪ .‬كىؤالء مشبهوف شبهوا اخلالق بادلخلوؽ‪ ،‬كجعلوا هلل أندادا‪ .‬كُب القرآف من الرد على ىؤالء‪ ،‬ما ال تتسع‬
‫لو ىذه الفتول‪.‬‬
‫فإف ىذا دين ادلشركٌن عباد األكثاف‪ ،‬كانوا يقولوف‪ :‬إهنا سباثيل األنبياء كالصاحلٌن‪ ،‬كإهنا كسائل يتقربوف ّٔا إىل‬

‫اهلل تعاىل؛ كىو من الشرؾ الذم أنكره اهلل على النصارل‪ ،‬حيث قاؿ‪{ :‬اتَّ َخ ُذوا أ ْ‬
‫َحبَ َارُى ْم َوُرْىبَانَػ ُه ْم أ َْربَاباً‬
‫وف اللَّ ِو} [سورة التوبة ية ‪.]31 :‬‬ ‫ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬
‫اف فَػلْيَ ْستَ ِجيبُوا لِي َولْيُػ ْؤِمنُوا‬ ‫َّاع إِذَا َد َع ِ‬
‫يب َد ْع َو َة الد ِ‬
‫يب أُج ُ‬
‫ٌ‬
‫ك ِعب ِ‬
‫ادي َعنّْي فَِإنّْي قَ ِر ِ‬
‫كقاؿ تعاىل‪َ { :‬وإِذَا َسأَلَ َ َ‬
‫بِي لَ َعلَّ ُه ْم يَػ ْر ُش ُدو َف} [سورة البقرة ية ‪ ]186 :‬أم‪ :‬فليستجيبوا ِل إذا دعوهتم باألمر كالنهي‪ ،‬كيؤمنوا يب‬
‫ب} [سورة‬ ‫ب َوإِلَى َربّْ َ‬
‫ك فَ ْارغَ ْ‬ ‫صْ‬ ‫أين أجيب دعاءىم ِل بادلسنلة‪ ،‬كالتضرع‪ ،‬كقاؿ تعاىل‪{ :‬فَِإ َذا فَػ َر ْغ َ‬
‫ت فَانْ َ‬
‫الشرح ية ‪".]8-7 :‬‬

‫‪51‬‬
‫قاؿ الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية ‪ ، 40-39 \ 11‬كتاب‬
‫مختصر الردود‪:‬‬

‫" كشلا يبٌن الفرؽ بٌن دعاء األموات كاالستغاثة ّٔم كبٌن احللف ّٔم‪ ،‬أف العلماء قسموا الشرؾ إىل أكرب‬
‫كأصغر‪ ،‬جعلوا دعاء األموات‪ ،‬كاالستغاثة ّٔم فيما ال يقدر عليو إال رب السماكات كاألرض‪ ،‬ىو عٌن شرؾ‬
‫ادلشركٌن الذين كفرىم اهلل ُب كتابو‪ ،‬كجعلوا احللف بغًن اهلل شركا أصغر‪.‬‬
‫فيذكركف األكؿ ُب باب حكم ادلرتد‪ ،‬كأف من أشرؾ باهلل فقد كفر‪ ،‬كيستدلوف بقولو تعاىل‪{ :‬إِ َّف اللَّوَ ال يَػغْ ِف ُر‬
‫أَ ْف يُ ْش َر َؾ بِ ِو} [سورة النساء ية ‪ ،]48 :‬كيفسركف ىذا الشرؾ دبا ذكرناه‪ ،‬كيذكركف الثاين ُب كتاب‬
‫األؽلاف؛ فيفرقوف بٌن ىذا كىذا‪.‬‬
‫كمل نعلم أف أحدا من العلماء الذين ذلم لساف صدؽ ُب األمة‪ ،‬قاؿ إف طلب احلوائج من ادلوتى كاالستغاثة‬
‫ّٔم شرؾ أصغر‪ ،‬كال قاؿ إف ذلك كاحللف بغًن اهلل‪ ،‬اللهم إال أف يكوف بعض ادلنتسبٌن إىل العلم‪ ،‬من‬
‫ادلتنخرين الضالٌن‪ ،‬الذين قرركا الشرؾ‪ ،‬كحسنوه للناس‪ ،‬نظما كنثرا‪ ،‬كصار ذلم نصيب من قولو تعاىل‪{ :‬أَلَ ْم‬
‫وت} [سورة النساء ية ‪".]51 :‬‬ ‫ْكتَ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ت والطَّاغُ ِ‬ ‫صيباً ِمن ال ِ‬
‫تَػر إِلَى الَّ ِذين أُوتُوا نَ ِ‬
‫اب يُػ ْؤمنُو َف بالْج ْب َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫قاؿ الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية ‪ ، 50-41 \ 11‬كتاب‬
‫مختصر الردود‪:‬‬

‫فصل [في دعاء غير اهلل]‬


‫كأما قوؿ القائل‪ :‬الثالث أنو قد كرد ُب حديث الضرير‪ ،‬قولو‪ :‬يا زلمد؛ كُب اجلامع الكبًن‪ ،‬كعزاه للطرباين‬
‫فيمن انفلتت عليو دابتو‪ ،‬قاؿ‪" :‬يا عباد اهلل احبسوا‪ "،‬كىذا دعاء كنداء لغًن اهلل‪.‬‬
‫فنقوؿ ‪ -‬وباهلل التوفيق ‪ :-‬اعلم أف اهلل سبحانو كتعاىل بعث زلمدا صلى اهلل عليو كسلم بالدعوة إىل‬
‫التوحيد‪ ،‬كالنهي عن اإلشراؾ؛ فحمى محى التوحيد‪ ،‬كسد كل طريق يوصل إىل الشرؾ‪ ،‬حىت ُب األلفاظ‪،‬‬
‫حىت "إف رجال قاؿ لو‪ :‬ما شاء اهلل كشئت‪ ،‬قاؿ ‪ :‬أجعلتين هلل ندا؟ بل ما شاء اهلل كحده"؛ فكيف ينمر‬
‫‪52‬‬
‫بدعاء ادليت أك الغائب؟‬
‫بل من ادلعلوـ بالضركرة من دين اإلسالـ أف دعاء ادليت كالغائب‪ ،‬مل ينمر اهلل بو كال رسولو‪ ،‬كال فعلو أحد‬
‫م ن الصحابة كال التابعٌن‪ ،‬كال فعلو أحد من أئمة ادلسلمٌن‪ ،‬كال أحد من الصحابة استغاث بالنيب صلى اهلل‬
‫عليو كسلم بعد موتو; كال قاؿ أحد‪ :‬إف الصحابة استغاثوا بالنيب صلى اهلل عليو كسلم بعد موتو‪ ،‬كلو كاف‬
‫ىذا جائز أك مشركعا لفعلوه‪ ،‬كلو كاف خًنا لسبقوا إليو‪.‬‬
‫كقد كاف عندىم من قبور أصحاب زلمد صلى اهلل عليو كسلم باألمصار عدد كثًن‪ ،‬كىم متوافركف؛ فما‬
‫منهم من استغاث عند قرب صاحب‪ ،‬كال دعاه كال استغاث بو‪ ،‬كال استنصر بو‪ .‬كمعلوـ‪ :‬أف مثل ىذا شلا توفر‬
‫اذلمم كالدكاعي على نقلو‪ ،‬بل على نقل ما ىو دكنو‪.‬‬
‫كحينئذ فال ؼللو‪ :‬إما أف يكوف دعاء ادلوتى كالغائبٌن‪ ،‬أك الدعاء عند قبورىم كالتوسل بنصحأّا أفضل‪ ،‬أك ال‬
‫يكوف؟ فإف كاف أفضل‪ ،‬فكيف خفي علما كعمال على الصحابة كالتابعٌن كتابعيهم؟ فتكوف القركف الثالثة‬
‫الفاضلة‪ ،‬جاىلة علما كعمال ّٔذا الفضل العظيم‪ ،‬يظفر بو اخللوؼ علما كعمال‪.‬‬
‫كىذاف احلديثاف اللذاف أكردعلا السائل‪ ،‬إما أف يكوف الصحابة الذين رككعلا‪ ،‬كمسعوعلا من النيب صلى اهلل‬
‫عليو كسلم جاىلٌن دبعناعلا‪ ،‬كعلمو ىؤالء ادلتنخركف; كإما أف يكوف الصحابة علموىا علما‪ ،‬كزىدكا فيها‬
‫عمال مع حرصهم على اخلًن‪ ،‬كطاعتهم لنبيهم صلى اهلل عليو كسلم؛ ككالعلا زلاؿ‪.‬‬
‫بل ىم أعلم الناس بكالـ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم كأطوع الناس ألكامره‪ ،‬كأحرص الناس على كل‬
‫خًن; كىم نقلوا إلينا سنة نبينا صلى اهلل عليو كسلم؛ فهل فهموا من ىذه األحاديث جواز دعاء ادلوتى‬
‫كالغائبٌن‪ ،‬كالفضالء؟ فضال عن استحبابو كاألمر بو؟!‬
‫ومعلوـ‪ :‬أهنم عرضت ذلم شدائد كاضطرارات‪ ،‬كفنت كقحط كسنوف رلدبات‪ ،‬أفال جاؤكا إىل قرب النيب صلى‬
‫اهلل عليو كسلم شاكٌن‪ ،‬كلو سلاطبٌن‪ ،‬كبكشفها عنهم كتفريج كرباهتم داعٌن؟‬
‫كادلضطر يتشبث بكل سبب يعلم أف لو فيو نفعا‪ ،‬ال سيما الدعاء; فلو كاف ذلك كسيلة مشركعة‪ ،‬كعمال‬
‫صاحلا لفعلوه‪.‬‬
‫فهذه سنة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم ُب أىل القبور حىت توفاه اهلل‪ ،‬كىذه سنة خلفائو الراشدين‪ ،‬كىذه‬

‫‪53‬‬
‫طريقة مجيع الصحابة ك التابعٌن‪ ،‬ىل ؽلكن أحد أف ينٌب عنهم بنقل صحيح‪ ،‬أك حسن‪ ،‬أك ضعيف أهنم‬
‫كانوا إذا كانت ذلم حاجة‪ ،‬أك عرضت ذلم شدة‪ ،‬قصدكا القبور‪ ،‬فدعوا عندىا كسبسحوا ّٔا‪ ،‬فضال عن أف‬
‫يسنلوىا حوائجهم؟ فمن كاف عنده ُب ىذا أثر‪ ،‬أك حرؼ كاحد ُب ذلك‪ ،‬فليوقفنا عليو‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ؽلكنهم أف ينتوا عن اخللوؼ الذين يقولوف ما ال يفعلوف‪ ،‬كيفعلوف ما ال يؤمركف‪ ،‬بكثًن من ادلختلقات‪،‬‬
‫كاحلكايات ادلكذكبات؛ حىت لقد صنف ُب ذلك عدة مصنفات‪ ،‬ليس فيها حديث صحيح عن رسوؿ اهلل‬
‫صلى اهلل عليو كسلم؛ كإظلا فيها التمويهات‪ ،‬كاحلكايات كادلخرتعات‪ ،‬كاألحاديث ادلكذكبات‪.‬‬
‫كقوذلم‪ :‬إذا أعيتكم األمور‪ ،‬فعليكم بنصحاب القبور; كحديث‪ :‬لو أحسن أحدكم ظنو حبجر نفعو; كمنها‬
‫حكايات ذلم عن تلك القبور‪ :‬إف فالنا استغاث بالقرب الفالين ُب شدة فخلص منها‪ ،‬كفالنا دعاه أك دعا بو‬
‫ُب حاجة فقضيت‪ ،‬كفالنا نزؿ بو ضر‪ ،‬فنتى صاحب ذلك القرب‪ ،‬فكشف ضره‪ ،‬كضلو ذلك شلا ىو مضاد‪،‬‬
‫دلا بعث اهلل بو زلمدا صلى اهلل عليو كسلم من الدين‪.‬‬
‫كمن لو معرفة دبا بعث اهلل بو زلمدا صلى اهلل عليو كسلم‪ ،‬يعلم أنو محى جانب التوحيد‪ ،‬كسد الذرائع‬
‫ادلوصلة إىل الشرؾ؛ فكيف يستدؿ بكالمو على نقيض ما أمر بو؟ فيستدؿ ُب حديث األعمى بقولو‪ :‬يا‬
‫زلمد‪ ،‬على أنو أمر بدعائو ُب حاؿ غيبتو‪ ،‬فيدؿ على جواز االستغاثة بالغائب‪ ،‬ككذلك قولو‪" :‬يا عباد اهلل‬
‫احبسوا" يدؿ على ذلك أيضا‪ ،‬ىذا من أعظم احملاؿ كأبطل الباطل‪.‬‬
‫بل كالمو صلى اهلل عليو كسلم يوافق الوحي ادلنػزؿ عليو‪ ،‬يصدقو كال يكذبو‪ ،‬فإهنما من مشكاة كاحدة { َوَما‬
‫ِ‬
‫وحى} [سورة النجم ية ‪ ]4-3 :‬كضلن صليب عن ىذين احلديثٌن‪،‬‬ ‫يَػ ْنط ُق َع ِن ال َْه َوى إِ ْف ُى َو إَِّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫بعوف اهلل كتنييده‪ ،‬من كجوه‪.‬‬

‫ُخ ُر ُمتَ َشابِ َه ٌ‬


‫ات} [سورة ؿ عمراف ية‬ ‫ات ى َّن أ ُُّـ ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫اب َوأ َ‬ ‫ات ُم ْح َك َم ٌ ُ‬
‫الوجو األوؿ‪ :‬أف القرآف فيو { يَ ٌ‬
‫‪ ]7 :‬؛ ٌ‬
‫فًند ادلتشابو إىل احملكم‪ ،‬كال يضرب كتاب اهلل بعضو ببعض‪ .‬ككذلك السنة‪ :‬فيها زلكم كمتشابو؛‬
‫فًند متشأّها إىل احملكم‪ ،‬كال يضرب بعضها ببعض; فكالـ النيب صلى اهلل عليو كسلم ال يتناقض‪ ،‬بل‬
‫ٌ‬
‫يصدؽ بعضو بعضا؛ كالسنة توافق القرآف كال تناقضو‪ .‬كىذا أصل عظيم غلب مراعاتو; كمن أعللو فقد كقع ُب‬

‫‪54‬‬
‫أمر عظيم كىو ال يدرم‪.‬‬
‫كمن ادلعلوـ‪ :‬أف أدلة القرآف الدالة على النهي عن دعاء غًن اهلل‪ ،‬متظاىرة مع كضوحها كبياهنا‪ ،‬كقولو تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َحداً} [سورة الجن ية ‪.]18 :‬‬ ‫َف ال َْم َساج َد للَّو فَال تَ ْد ُعو َم َع اللَّو أ َ‬ ‫{ َوأ َّ‬
‫ين يَ ْد ُعو َف ِم ْن ُدونِِو ال يَ ْستَ ِجيبُو َف لَ ُه ْم بِ َش ْي ٍء} [سورة الرعد ية ‪،]14 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ْح ّْق َوالذ َ‬ ‫كقولو‪{ :‬لَوُ َد ْع َوةُ ال َ‬
‫ض ُّر َؾ } [سورة يونس ية ‪ ،]106 :‬إىل غًن ذلك من‬ ‫ك َوال يَ ُ‬‫وف اللَّ ِو َما ال يَػ ْنػ َف ُع َ‬‫كقولو‪{ :‬وال تَ ْدعُ ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اآليات الواضحات البينات‪.‬‬
‫فمن أعرض عن ىذا كلو‪ ،‬كتعامى عنو‪ ،‬كأعرض عن األحاديث الصحيحة الدالة على ربقيق التوحيد‪،‬‬
‫كإبطاؿ الشرؾ كسد ذرائعو‪ ،‬كتعلق حبديث ضعيف‪ ،‬بل ذكر بعض العلماء أنو حديث منكر‪ ،‬كىو قولو‪" :‬إذا‬
‫انفلتت دابة أحدكم‪ ،‬فليناد يا عباد اهلل احبسوا" كمثل حديث األعمى‪ ،‬الذم فيو‪ :‬يا زلمد‪ ،‬كزعم أف رسوؿ‬
‫اهلل صلى اهلل عليو كسلم أمره أف يسنلو ُب حاؿ غيبتو‪ ،‬مل يكن ىذا إال من زيغ ُب قلبو‪.‬‬

‫اء تَأْ ِويلِ ِو}‬ ‫قد تناكلو قولو تعاىل‪{ :‬فَأ ََّما الَّ ِذين فِي قُػلُوبِ ِهم َزيْ ٌغ فَػيتَّبِعو َف ما تَ َشابوَ ِم ْنوُ ابْتِغَ ِ ِ ِ‬
‫اء الْف ْتػنَة َوابْتغَ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫[سورة ؿ عمراف ية ‪ ،]7 :‬كقولو صلى اهلل عليو كسلم فيما ثبت عنو ُب الصحيح‪ ،‬من حديث عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‪" :‬إذا رأيتم الذين يتبعوف ما تشابو منو‪ ،‬فأولئك الذين سمى اهلل فاحذروىم"‪.‬‬

‫الوجو الثاني‪ :‬أف يقاؿ دلن استدؿ باحلديثٌن على دعاء غًن اهلل ‪ :‬أتظن أف الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم‬
‫ينمر أمتو بالشرؾ‪ ،‬كقد هنى عنو كقد جرد التوحيد هلل‪ ،‬كهنى عن دعوة غًن اهلل؟ كقاؿ فيما ثبت عنو ُب‬
‫صحيح البخارم‪" :‬من مات وىو يدعو هلل ندا دخل النار" ‪ ،‬كقاؿ البن عباس‪" :‬إذا سألت فاسأؿ اهلل‪،‬‬
‫وإذا استعنت فاستعن باهلل"‪ .‬فكيف غلتمع ُب قلبك أف اهلل بعثو ينمر بالتوحيد‪ ،‬كػلذر من اإلشراؾ‪ٍ ،‬ب ينمر‬
‫أمتو بعٌن ما حذرىم عنو؟!‬
‫فمن زعم‪ :‬أف قولو "يا عباد اهلل احبسوا" يدؿ على جواز دعاء الغائب بالنص‪ ،‬كعلى دعاء ادليت بالقياس‬
‫حاد اهلل كرسولو; حيث زعم أف الرسوؿ صلى اهلل‬
‫على الغائب‪ ،‬ككذلك حديث األعمى‪ ،‬فمن زعم ىذا فقد ٌ‬

‫‪55‬‬
‫عليو كسلم أمر أمتو باإلشراؾ الذم بعثو اهلل ينهى عنو‪.‬‬

‫الوجو الثالث‪ :‬أف يقاؿ‪ :‬كعلى تقدير أف ىذا يدؿ على أف االستغاثة بغًن اهلل شرؾ أصغر‪ ،‬فيظن من ُب قلبو‬
‫رائحة اإلؽلاف أف الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم ينمر أمتو بالشرؾ األصغر‪ ،‬الذم قد حرمو اهلل كرسولو; بل إذا‬
‫علم اإلنساف أف ىذا شرؾ أصغر‪ ،‬ثم زعم أف الرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم أمر أمتو بو كاف كافرا‪.‬‬
‫َّاس ُكونُوا ِعبَاداً لِي ِم ْن‬ ‫وؿ لِلن ِ‬ ‫ْح ْك َم َوالنُّبُػ َّوةَ ثُ َّم يَػ ُق َ‬
‫اب َوال ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كقد قاؿ تعاىل‪َ { :‬ما َكا َف لبَ َش ٍر أَ ْف يُػ ْؤتيَوُ اللَّوُ الْكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُدوف اللَّو} [سورة ؿ عمراف ية ‪ ]79 :‬إىل قولو‪َ { :‬وال يَأ ُْم َرُك ْم أَ ْف تَػتَّخ ُذوا ال َْمالئ َكةَ َوالنَّبيّْ َ‬
‫ين أ َْربَاباً‬
‫أَيَأ ُْم ُرُك ْم بِالْ ُك ْف ِر بَػ ْع َد إِ ْذ أَنْػتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َف} [سورة ؿ عمراف ية ‪ ]80 :‬فحاشا جنابو صلى اهلل عليو كسلم‬
‫أف ينمر أمتو بالشرؾ‪ ،‬كلو كاف أصغر‪.‬‬
‫كمن استدؿ ّٔذين احلديثٌن على دعاء ادلوتى كالغائبٌن‪ ،‬فهو بٌن أمرين ال زليد لو عنهما‪ :‬إما أف يقوؿ‪ :‬ىذا‬
‫يدؿ على أف دعاءىم مستحب أو جائز؛ ومن قاؿ ذلك فقد خالف إجماع المسلمين‪ ،‬ومرؽ من‬
‫الدين; فإنو لم يقل أحد من المسلمين‪ :‬إف دعاء الموتى جائز أو مستحب‪.‬‬
‫كإما أف يقوؿ‪ :‬إف ذلك يدؿ على أف دعاء ادلوتى شرؾ أصغر ال أكرب؛ كمن قاؿ ذلك فقد تناقض ُب‬
‫استداللو‪ ،‬حيث استدؿ بكالـ النيب صلى اهلل عليو كسلم الذم أمر بو على ما هنى عنو؛ وكيف يسوغ لمن‬
‫يؤمن باهلل واليوـ اآلخر‪ ،‬أف يستدؿ بأمره على نهيو؟‬
‫ٍب يقاؿ‪ :‬ذلذا ادلستدؿ بقولو‪ :‬فليقل‪" :‬يا عباد اهلل احبسوا" أخربنا عن ىذا األمر‪ ،‬ىل ىو للوجوب‪ ،‬أك‬
‫االستحباب أك اإلباحة؟ كىي أقل أحوالو‪ ،‬كأما ما كاف مكركىا أك زلرما‪ ،‬فال يكوف فيما أمر بو النيب صلى‬
‫اهلل عليو كسلم فما كجو االستدالؿ؟‬

‫‪56‬‬
‫الوجو الرابع‪ :‬أف ىذا احلديث ال يصح عن النيب صلى اهلل عليو كسلم فإنو من ركاية معركؼ بن حساف‪،‬‬
‫كىو منكر احلديث؛ قالو ابن عدم‪.‬‬

‫الوجو الخامس‪ :‬أف يقاؿ‪ :‬إف صح احلديث فال دليل فيو على دعاء ادليت كالغائب؛ فإف احلديث كرد ُب‬
‫أذكار السفر; كمعناه‪ :‬أف اإلنساف إذا انفلتت دابتو كعجز عنها‪ ،‬فقد جعل اهلل عبادا من عباده الصاحلٌن‪،‬‬
‫ك إَِّال ُى َو} [سورة‬
‫ود َربّْ َ‬
‫أم صاحلي اجلن أك ادلالئكة‪ ،‬أك شلن ال يعلمو من جنده سواه { َوَما يَػ ْعلَ ُم ُجنُ َ‬
‫المدثر ية ‪.]31 :‬‬
‫أما خرب النيب صلى اهلل عليو كسلم إف هلل عبادا قد ككلهم ذلذا األمر‪ ،‬فإذا انفلتت الدابة‪ ،‬كنادل صاحبها دبا‬
‫أمره بو النيب صلى اهلل عليو كسلم ُب احلديث حبسوا عليو دابتو؛ فإف ىؤالء عباد هلل أحياء‪ ،‬قد جعل اهلل ذلم‬
‫قدرة على ذلك‪ ،‬كما جعل اهلل لإلنس‪ .‬فهو ينادم من يسمع كيعٌن بنفسو كيرل بعينو‪ ،‬كما ينادم أصحابو‬
‫الذين معو من اإلنس‪ .‬فنين ىذا من االستغاثة بنىل القبور؟! بل ىذا من جنس ما غلوز طلبو من األحياء‪،‬‬
‫استَػغَاثَوُ الَّ ِذي ِم ْن‬
‫فإف اإلنساف غلوز لو أف يسنؿ ادلخلوؽ من األحياء ما يقدر عليو‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪{ :‬فَ ْ‬
‫ص ُروُك ْم فِي الدّْي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ش َيعتِو َعلَى الَّذي م ْن َع ُد ّْوه} [سورة القصص ية ‪ ،]15 :‬ككما قاؿ تعاىل‪َ { :‬وإِ ِف ْ‬
‫استَػ ْن َ‬
‫َّص ُر} [سورة األنفاؿ ية ‪ ،]72 :‬ككما يستغيث الناس يوـ القيامة بآدـ‪ٍ ،‬ب بنوح‪ٍ ،‬ب بإبراىيم‪،‬‬
‫فَػ َعلَْي ُك ُم الن ْ‬
‫ٍب دبوسى‪ٍ ،‬ب بعيسى‪ ،‬حىت ينتوا نبينا زلمدا صلى اهلل عليو كسلم؛ بل ىذا من جنس استغاثتو برفقتو من‬
‫اإلنس‪.‬‬
‫فإذا انفلتت دابتو‪ ،‬كنادل أحد رفقتو‪ :‬يا فالف ردكا الدابة‪ ،‬مل يكن ُب ىذا بنس; فهذا الذم كرد ُب احلديث‬
‫من جنس ىذا بل قد تكوف قربة إذا قصد بو امتثاؿ أمر النيب صلى اهلل عليو كسلم؛ فنين ىذا من استغاثة‬
‫العبادة؟ بنف ينادم ميتا‪ ،‬أك غائبا ُب قطر شاسع‪ ،‬سواء كاف نبيا أك عبدا صاحلا؟!‬

‫‪57‬‬
‫يت لَ ُك ُم‬
‫ض ُ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬
‫ت َعلَْي ُكم نِ ْعمتِي ور ِ‬ ‫الوجو السادس‪ :‬أف اهلل تعاىل قاؿ‪{ :‬الْيَػ ْوَـ أَ ْك َمل ُ‬
‫الـ ِديناً} [سورة المائدة ية ‪ ]3 :‬؛ فبعد أف أكملو بفضلو كرمحتو‪ ،‬فال ػلل لو أف ؼلرتع فيو ما ليس‬ ‫ِ‬
‫ْاأل ْس َ‬
‫منو‪ ،‬كنقيس عليو ما ال يقاس عليو; بل الواجب اتباع ما كرد عن النيب صلى اهلل عليو كسلم فنقوؿ كما أمر‬
‫بو‪ ،‬فإذا نادل شخصا معينا بامسو‪ ،‬فقد كذب على رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم كنادل من مل يؤمر‬
‫بندائو؛ كليس ذلك ُب كل حركة كسكوف كقياـ كقعود‪ ،‬كإظلا ذلك ُب أمر سلصوص‪".‬‬

‫سئل الشيخ سليماف بن عبد اهلل بن الشيخ‪:‬‬


‫ىل غلوز التوسل جباه النيب صلى اهلل عليو كسلم ‪ ,‬أك غًنه من األنبياء كادلرسلٌن كالصاحلٌن ُب الدعاء ؟‬

‫"‪ ...‬كاعلم‪ :‬أف التوسل بذات ادلخلوؽ ‪ ,‬أك جباىو‪ :‬غًن سؤالو ‪ ,‬كدعائو‪ .‬فالتوسل بذاتو ‪ ,‬أك جباىو أف‬
‫يقوؿ‪ :‬اللهم اغفر ِل ‪ ,‬كارمحين ‪ ,‬كأدخلين اجلنة بنبيك زلمد صلى اهلل عليو كسلم ‪ ,‬أك جباه نبيك زلمد‬
‫صلى اهلل عليو كسلم ‪,‬كضلو ذلك ‪ ,‬فهذا بدعة ليس بشرؾ‪.‬‬
‫وسؤالو ودعاؤه ‪ ,‬ىو أف يقوؿ‪ :‬يا رسوؿ اهلل اسألك الشفاعة ‪,‬أو أنا في كرب شديد ‪ ,‬فرج عني ‪ ,‬أو‬
‫استجرت بك من فالف ‪ ,‬فأجرني ‪ ,‬ونحو ذلك ‪ ,‬فهذا كفر ‪ ,‬وشرؾ أكبر ينقل صاحبو عن الملة ‪,‬ألنو‬
‫صرؼ حق اهلل لغيره ‪ ,‬ألف الدعاء عبادة ال يصلح إال هلل ‪ ,‬فمن دعاه ‪ ,‬فقد عبده ‪ ,‬ومن عبد غير اهلل‬
‫‪ ,‬فقد أشرؾ ‪ ,‬واألدلة على ىذا أكثر من أف تحصر‪.‬‬
‫ككثًن من الناس ال ؽليز كال يفرؽ بٌن التوسل بادلخلوؽ‪ ،‬أك جباىو‪ ،‬كبٌن دعائو‪ ،‬كسؤالو‪ ،‬فافهم ذلك كفقنا اهلل‬
‫كإياؾ لسلوؾ أحسن ادلسالك‪ُ { "..‬ب الدرر السنية ‪} 166-165 \ 2‬‬

‫‪58‬‬
‫[جواب الشيخ أبا بطين عما يورده بعضهم أف الشيطاف قد يئس أف يعبده المصلوف]‬
‫قاؿ الشيخ العالم المبجل عبد اهلل بن عبد الرحمن أبا بطين‪ ،‬رحمو اهلل تعالى في الدرر السنية ‪\ 12‬‬
‫‪:121-113‬‬
‫" بسم اهلل الرمحن الر حيم‬
‫احلمد هلل رب العادلٌن‪ ،‬كصلى اهلل على زلمد‪ ،‬كعلى آلو كصحبو أمجعٌن‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فقد طلب مني بعض اإلخواف‪ ،‬أف أكتب لو جوابا عما يورده بعض الناس‪ ،‬من قولو صلى اهلل‬
‫عليو وسلم‪" :‬إف الشيطاف قد يئس أف يعبده المصلوف في جزيرة العرب" ‪ ،‬ويستدلوف بو على استحالة‬
‫وقوع شيء من الشرؾ في جزيرة العرب‪ ،‬والحديث المروي "يا عباد اهلل احبسوا"‪.‬كعما يورده بعضهم‬
‫من قولو صلى اهلل عليو كسلم ألسامة‪" :‬أقتلتو بعد ما قاؿ ال إلو إال اهلل ؟" ‪ ،‬كقولو‪" :‬أمرت أف أقاتل الناس‬
‫حىت يقولوا‪ :‬ال إلو إال اهلل" ؛ كيستدؿ بذلك على أف من قاؿ‪ :‬ال إلو إال اهلل ال غلوز قتالو‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬أما قولو صلى اهلل عليو كسلم‪" :‬إف الشيطاف قد يئس أف يعبده المصلوف في جزيرة العرب" ‪،‬‬
‫فيقاؿ أكال‪ :‬من ادلعلوـ بالضركرة‪ ،‬أف اهلل سبحانو كتعاىل بعث زلمدا صلى اهلل عليو كسلم يدعو إىل التوحيد‪،‬‬
‫كىو توحيد األلوىية‪ ،‬كينهى عن الشرؾ‪ ،‬كىو عبادة غًن اهلل‪.‬‬
‫كأما الشرؾ ُب الربوبية‪ ،‬فمن ادلعلوـ بنصوص الكتاب أف ادلشركٌن الذين بعث إليهم رسوؿ اهلل‪ ،‬كقاتلهم‪،‬‬
‫يقركف بتوحيد الربوبية‪ ،‬كأف شركهم إظلا ىو ُب توحيد العبادة‪ ،‬كىو توحيد األلوىية‪ ،‬الذم ىو مضموف شهادة‬
‫أف ال إلو إال اهلل‪ ،‬فعبدكا من عبدكه من دكف اهلل‪ ،‬ليشفعوا ذلم عنده‪ُ ،‬ب نصرىم‪ ،‬كرزقهم كغًن ذلك‪ ،‬كما‬
‫قاؿ تعاىل إخػبارا عنهػم‪{ :‬ما نَػعب ُدىم إِالَّ لِيػ َق ّْربونَا إِلَى اللَّ ِو زْل َفى} [سػورة الزمر ية‪{ ،]3 :‬ى ُؤ ِ‬
‫الء ُش َف َعا ُؤنَا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ ُ ْ ُ ُ‬
‫ِع ْن َد اللَّ ِو} [سورة يونس ية‪.]18 :‬‬
‫فبعث اهلل رسولو زلمدا صلى اهلل عليو كسلم ينهاىم عن ىذا الشرؾ‪ ،‬كيدعوىم إىل توحيد العبادة؛ كىذه‬
‫اجتَنِبُوا‬ ‫دعوة الرسل من أكذلم إىل آخرىم‪ ،‬قاؿ تعاىل‪{ :‬ولَ َق ْد بػعثْػنَا فِي ُك ّْل أ َُّم ٍة رسوالً أ ِ‬
‫َف ا ْعبُ ُدوا اللَّوَ َو ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ ََ‬
‫وحي إِلَْي ِو أَنَّوُ ال‬‫وؿ إِالَّ نُ ِ‬
‫ك ِم ْن ر ُس ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الطَّاغُ َ‬
‫وت} [سورة النحل ية‪ ،]36 :‬كقاؿ تعاىل‪َ { :‬وَما أ َْر َسلْنَا م ْن قَػ ْبل َ َ‬
‫إِلَوَ إِالَّ أَنَا فَا ْعب ُد ِ‬
‫وف} [سورة األنبياء ية‪ .]25 :‬كىذا األصل ىو الذم خلق اهلل مجيع اجلن كاإلنس‬ ‫ُ‬

‫‪59‬‬
‫ْج َّن وا ِألنْس إِالَّ لِيػ ْعب ُد ِ‬
‫وف} [سورة الذاريات ية‪.]56 :‬‬ ‫ألجلو‪ ،‬قاؿ تعاىل‪{ :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت ال َ َ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫فإذا تبين أف ىذا األصل ىو أصل األصوؿ‪ ،‬علمنا يقينا أف اهلل سبحانو وتعالى لم يترؾ ىذا األمر‬
‫ملتبسا؛ بل ال بد من أف يكوف بينا واضحا ال لبس فيو‪ ،‬وال اشتباه‪ ،‬ألنو أصل الدين‪ ،‬ومعرفتو فرض‬
‫على كل مكلف‪ ،‬وال يجوز فيو التقليد‪....‬‬

‫وأما الجواب عن الحديث المروي‪ ،‬فيمن انفلتت دابتو ُب السفر‪ ،‬أنو يقوؿ‪" :‬يا عباد اهلل احبسوا!"‬
‫فنجيب بننو غًن صحيح‪ ،‬ألنو من ركاية معركؼ بن حساف‪ ،‬كىو منكر احلديث‪ ،‬قالو ابن عدم ; كمن‬
‫ادلعلوـ ‪ -‬إف كاف احلديث صحيحا ‪ -‬أف النيب صلى اهلل عليو كسلم ال ينمر من انفلتت دابتو أف يطلب‬
‫ردىا‪ ،‬كينادم من ال يسمع كال يقدر على ردىا‪ ،‬بل نقطع أنو إظلا أمره أف ينادم من يسمعو‪ ،‬كلو قدرة على‬
‫ذلك‪ ،‬كما ينادم اإلنساف أصحابو الذين معو ُب سفر‪ ،‬لًندكا دابتو‪.‬‬
‫ك إَِّال ُى َو} [سورة المدثر‬
‫ود َربّْ َ‬
‫فهػذا يدؿ ‪ -‬إف صح ‪ -‬أف هلل جنودا يسمعػوف كيقدركف { َوَما يَػ ْعلَ ُم ُجنُ َ‬
‫ية‪ .]31 :‬كركل زيادة لفظة ُب احلديث‪" :‬فإف هلل حاضرا"‪ ،‬فهذا صريح ُب أنو إظلا ينادل حاضرا يسمع؛‬
‫فكيف يستدؿ بذلك على جواز االستغاثة بنىل القبور الغائبٌن ؟!‬
‫فمن استدؿ بهذا الحديث على دعاء األموات‪ ،‬لزمو أف يقوؿ‪ :‬إف دعاء األموات ونحوىم‪ ،‬إما‬
‫مستحب أو مباح‪ ،‬ألف لفظ الحديث فليناد‪ ،‬وىذا أمر أقل أحوالو االستحباب واإلباحة ; ومن ادعى‬
‫أف االستغاثة باألموات والغائبين مستحب أو مباح‪ ،‬فقد مرؽ من اإلسالـ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫فإذا ربققت أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم ال ينمر من انفلتت دابتو أف ينادم من ال يسمعو‪ ،‬كال قدرة‬
‫لو على ذلك‪ ،‬كدؿ عليو قولو‪" :‬فإف هلل حاضرا"‪ ،‬تبٌن لك ضالؿ من استدؿ بو على دعاء الغائبٌن‬
‫كاألموات‪ ،‬الذين ال يسمعوف كال ينفعوف كال يضركف‪.‬‬
‫ك إِذاً‬
‫ْت فَِإنَّ َ‬
‫ض ُّر َؾ فَِإ ْف فَػ َعل َ‬
‫ك َوال يَ ُ‬ ‫كىل ىذا إال مضادة لقولو تعاىل‪{ :‬وال تَ ْدعُ ِمن ُد ِ‬
‫وف اللَّ ِو َما ال يَػ ْنػ َف ُع َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ين تَ ْد ُعو َف ِم ْن ُدونِِو َما يَ ْملِ ُكو َف ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫ين} [سورة يونس ية‪ ،]106 :‬كقولو تعاىل‪َ { :‬والذ َ‬
‫ِِ‬
‫م َن الظَّالم َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫استَ َجابُوا لَ ُك ْم} [سورة فاطر ية‪]14-13 :‬‬ ‫اء ُك ْم َولَ ْو َس ِم ُعوا َما ْ‬ ‫قط ِْمي ٍرإِ ْف تَ ْد ُع ُ‬
‫وى ْم ال يَ ْس َم ُعوا ُد َع َ‬
‫اآلية‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫يب لَوُ إِلَى يَػ ْوِـ ال ِْقيَ َام ِة َو ُى ْم َع ْن ُد َعائِ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كقولة تعاىل‪{ :‬ومن أ َ ِ‬
‫َض ُّل م َّم ْن يَ ْدعُو م ْن ُدوف اللَّو َم ْن ال يَ ْستَج ُ‬ ‫ََ ْ‬
‫غَافِلُو َف} [سورة األحقاؼ ية‪.]5 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َحداً} [سورة الجن ية‪ ،]18 :‬كقاؿ‪{ :‬لَوُ َد ْع َوةُ‬ ‫َف ال َْم َساج َد للَّو فَال تَ ْد ُعو َم َع اللَّو أ َ‬
‫كقولو تعاىل‪َ { :‬وأ َّ‬
‫اس ِط َك َّف ْي ِو إِلَى ال َْم ِاء لِيَْبػلُ َغ فَاهُ َوَما ُى َو‬
‫الْح ّْق والَّ ِذين ي ْد ُعو َف ِمن ُدونِِو ال يست ِجيبو َف لَهم بِ َشي ٍء إَِّال َكب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ُ ُ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ََ‬
‫بِبَالِ ِغ ِو} [سورة الرعد ية‪ ]14 :‬اآلية‪.‬‬
‫فهذه اآليات كأضعاؼ أضعافها نص ُب تضليل من دعا من ال يسمع دعاءه‪ ،‬كال قدرة لو على نفعو كال‬
‫ضره‪ ،‬كلو قدر مساعو فإنو عاجز؛ فكيف ترتؾ نصوص القرآف الواضحة‪ ،‬كترد لقولو‪" :‬يا عباد اهلل احبسوا!"‪،‬‬
‫مع أنو ليس ُب ذلك معارضة دلا دؿ عليو القرآف‪ ،‬كال شبهة معارضة ‪ -‬كهلل احلمد ‪ ،-‬كاهلل أعلم‪".‬‬

‫قاؿ شيخ اإلسالـ محمد بن عبد الوىاب‪ ،‬قدس اهلل روحو في الدرر السنية {‪:}22\2‬‬

‫" أصل دين اإلسالـ‪ ،‬كقاعدتو‪ :‬أمراف؛‬

‫األوؿ‪ :‬األمر بعبادة اهلل كحده ال شريك لو؛ كالتحريض على ذلك‪ ،‬كادلواالة فيو‪ ،‬كتكفًن من تركو‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬اإلنذار عن الشرؾ ُب عبادة اهلل‪ ،‬كالتغليظ ُب ذلك‪ ،‬كادلعاداة فيو‪ ،‬كتكفًن من فعلو‪.‬‬

‫كادلخالفوف ُب ذلك أنواع؛ فنشدىم سلالفة‪:‬‬

‫‪ - 1‬من خالف ُب اجلميع؛‬

‫‪ - 2‬كمن الناس من عبد اهلل كحده‪ ،‬كمل ينكر الشرؾ‪ ،‬كمل يعاد أىلو‪،‬‬

‫‪ - 3‬كمنهم‪ :‬من عاداىم‪ ،‬كمل يكفرىم‪،‬‬

‫‪ - 4‬كمنهم‪ :‬من مل ػلب التوحيد‪ ،‬كمل يبغضو‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ - 5‬كمنهم‪ :‬من كفرىم‪ ،‬كزعم أنو مسبة للصاحلٌن‪،‬‬

‫‪ - 6‬كمنهم‪ :‬من مل يبغض الشرؾ‪ ،‬كمل ػلبو‪،‬‬

‫‪ - 7‬كمنهم‪ :‬من مل يعرؼ الشرؾ‪ ،‬كمل ينكره‪،‬‬

‫‪ - 8‬كمنهم‪ :‬من مل يعرؼ التوحيد‪ ،‬كمل ينكره‪،‬‬


‫‪ - 9‬كمنهم‪ - :‬كىو أشد األنواع خطران – من عمل بالتوحيد‪ ،‬لكن مل يعرؼ قدره‪ ،‬كمل يبغض من تركو‪ ،‬كمل‬
‫يكفرىم‪،‬‬
‫‪ - 10‬كمنهم‪ :‬من ترؾ الشرؾ‪ ،‬ككرىو‪ ،‬كمل يعرؼ قدره‪ ،‬كمل يعاد أىلو‪ ،‬كمل يكفرىم؛ كىؤالء‪ :‬قد خالفوا ما‬
‫جاءت بو األنبياء‪ ،‬من دين اهلل سبحانو كتعاىل‪ ،‬كاهلل أعلم‪".‬‬

‫‪62‬‬

You might also like