You are on page 1of 11

‫قصة ابو قدامة الشامي مع الغالم‬

‫تأليف‬

‫التلميذ رجب انب عيىس كصغال‬

‫‪1‬‬
‫قصة أبو قدامة مع الطفل اجملاهد‬

‫ُ‬
‫وابن النحاس‬ ‫أورد ُ‬
‫ابن الجوزي في صفة الصفوة )‪(2/363‬‬
‫في مشارع األشواق عن رجل من الصالحين اسمه أبو قدامة‬
‫الشامي‬

‫‪2‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫فقد ذكر هذه القصة ابن الجوزي في صفة الصفوة‪ ،‬وغيره بدون إسناد‪ ،‬وال يعني‬
‫ضا‪.‬‬
‫ذلك الحكم بعدم صحتها‪ ،‬كما أن انتشارها‪ ،‬وتناقل الناس لها‪ ،‬ال يعني صحتها أي ً‬
‫ومثل هذه القصص يُقصد بها شحذ الهمم‪ ،‬وتعليم الشجاعة‪ ،‬وغيرها من العظات‪،‬‬
‫والعبر‪ ،‬وال ينبني عليها شيء من األحكام الشرعية أخذًا‪ ،‬أو استنبا ً‬
‫طا‪.‬‬
‫فال بأس بذكر مثل هذه القصص في معرض الترغيب والترهيب‪ ،‬لكن دون القطع‬
‫بصحتها‪ ،‬ما دامت لم تثبت من طريق صحيح‪ ،‬وينبغي ذكرها حينئذ بصيغة من‬
‫صيغ التمريض كـ (يحكى)‪ ،‬أو (يروى)‪ ،‬ونحو هذه األلفاظ‪ ،‬أو تنسب إلى من‬
‫ذكرها‪.‬‬
‫وأما عن شخصية أبي قدامة الشامي‪ ،‬فلم نقف على أحد معروف بهذه الكنية‪ ،‬وهذا‬
‫اللقب إال ما كان في هذه القصة‪.‬‬
‫وهللا أعلم‬

‫التلميذ رجب ابن عيسى كصغال‬

‫‪15 Jumada Al-Awwal, 1439 / February 01, 2018.‬‬

‫‪3‬‬
‫القصة‬
‫كان بمدينة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رجل يقال له أبو قدامة الشامي‪ ،‬وكان قد‬
‫حبب هللا إليه الجهاد في سبيل هللا والغزو إلى بالد الروم‪ ،‬فال يسمع بغزوة في سبيل‬
‫هللا وال بقتال بين المسلمين والكفار إال وسارع وقاتل مع المسلمين فيه‪،‬‬
‫فجلس يوما ً في مسجد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يتحدث مع أصحابه‬

‫فسأله سائل فقال‪ :‬يا أبا قدامة أنت رجل قد حبب إليك الجهاد والغزو في سبيل هللا‬
‫فحدثنا بأعجب ما رأيت من أمر الجهاد والغزو‬
‫فقال أبو قدامة‪ :‬إني محدثكم عن ذلك ‪:‬القصة‬

‫خرجت مرة مع أصحاب لي لقتال الصليبيين على بعض الثغور‬


‫)والثغور هي مراكز عسكرية تجعل على حدود البالد اإلسالمية لصد الكفار عنها(‬
‫فمررت في طريقي بمدينة الرقة )مدين ٍة في العراق على نهر الفرات( واشتريت منها‬
‫جمالً أحمل عليه سالحي‪ ،‬ووعظت الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد‬
‫واإلنفاق في سبيل هللا‪ ،‬فلما جن على الليل اكتريت منزالً أبيت فيه‪ ،‬فلما ذهب بعض‬
‫ي‪ ،‬فلما فتحت الباب فإذا بامرأة متحصنة قد تلفعت‬‫الليل فإذا بالباب يطرق عل ّ‬
‫بجلبابها‬

‫فقلت‪ :‬ما تريدين؟‬

‫قالت‪ :‬أنت أبو قدامة؟‬


‫قلت ‪:‬نعم‬

‫‪4‬‬
‫قالت‪ :‬أنت الذي جمعت المال اليوم للثغور ؟‬
‫قلت‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫شعر ما لم‬‫قالت‪ :‬سمعتك وأنت تحدث عن الجهاد وتحث عليه وقد ُرزقتُ من ال َّ‬
‫يُرزقه غيري من النساء‪ ،‬وقد قصصته وأصلحت منه شكاال للفرس وعفرته بالتراب‬
‫صرت في بالد الكفار وجالت‬ ‫َ‬ ‫كي ال ينظر إليه أحد‪ ،‬وقد أحببت أن تأخذه معك فإذا‬
‫شرعت األسنّة‪ ،‬فإن احتجت إليه وإال‬ ‫ورميت النبال و ُجردت السيوف و ُ‬
‫األبطال ُ‬
‫فادفعه إلى من يحتاج إليه ليحضر شعري ويصيبه الغبار في سبيل هللا‪ ،‬فأنا امرأة‬
‫ي جهاد لجاهدت‪.‬‬ ‫أرملة كان لي زوج وعصبة كلهم قُتلوا في سبيل هللا ولو كان عل ّ‬
‫وناولتني الشكال‪.‬‬
‫وقالت‪ :‬اعلم يا أبا قدامة أن زوجي لما قُتل خلف لي غالما ً من أحسن الشباب وقد‬
‫تعلم القرآن والفروسية والرمي على القوس وهو قوام بالليل صوام بالنهار وله من‬
‫العمر خمس عشرة سنة‪ /‬سبع عشرة سنة ‪.‬وهو غائب في ضيعة خلفها له أبوه فلعله‬
‫يقدم قبل مسيرك فأوجهه معك هدية إلى هللا عز وجل وأنا أسألك بحرمة اإلسالم‪ ،‬ال‬
‫تحرمني ما طلبت من الثواب‪ .‬فأخذت الشكال منها فإذا هو مضفور من شعرها‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬ألقه في بعض رحالك وأنا أنظر إليه ليطمئن قلبي‪.‬‬
‫قال أبو قدامة‪ :‬فعجبت وهللا من حرصها وبذلها‪ ،‬وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة‪.‬‬
‫فلما أصبحنا خرجت أنا وأصحابي من الرقة‪ ،‬فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد الملك‬
‫ي يرحمك‬ ‫فإذا بفارس يصيح وراءنا وينادي يقول‪ :‬يا أبا قدامة يا أبا قدامة‪ ،‬قف عل َّ‬
‫هللا‪،‬‬
‫قال أبو قدامة‪ :‬فقلت ألصحابي ‪:‬تقدموا عني وأنا أنظر خبر هذا الفارس‪ ،‬فلما رجعت‬
‫إليه‪ ،‬بدأني بالكالم وقال‪ :‬الحمد هلل الذي لم يحرمني صحبتك ولم يردني خائبا ً ‪.‬‬
‫فقلت له ما تريد ‪:‬قال أريد الخروج معكم للقتال ‪.‬‬
‫فقلت له ‪:‬أسفر عن وجهك أنظر إليك فإن كنت كبيرا ً يلزمك القتال قبلتك ‪ ،‬وإن كنت‬
‫صغيرا ً ال يلزمك الجهاد رددتك ‪.‬‬
‫فقال ‪:‬فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه مثل القمر وإذا هو غالم عمره سبع عشرة‬
‫سنة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فقلت له ‪:‬يا بني ؟ عندك والد؟‬
‫قال‪ :‬أبي قد قتله الصليبيون وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬أعندك والدة ؟‬
‫قال ‪:‬نعم‬
‫قلت ‪:‬ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإن الجنة تحت قدمها‬
‫فقال ‪:‬أما تعرف أمي ؟‬
‫قلت ‪:‬ال‬
‫قال ‪ :‬أمي هي صاحبة الوديعة‬
‫قلت ‪:‬أي وديعة ؟‬
‫قال ‪:‬هي صاحبة الشكال‬
‫قلت ‪:‬أي شكال ؟‬
‫قال ‪:‬سبحان هللا ما أسرع ما نسيت !! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة وأعطتك‬
‫الكيس والشكال ؟؟‬
‫قلت ‪:‬بلى‬
‫ي أن ال أرجع وإنها‬ ‫قال ‪:‬هي أمي ‪ ،‬أمرتني أن أخرج إلى الجهاد ‪ ،‬وأقسمت عل َّ‬
‫قالت لي ‪ :‬يا بني إذا لقيت الكفار فال تولهم الدبر ‪ ،‬وهَب نفسك هلل واطلب مجاورة‬
‫ي‪ ..‬ثم‬
‫هللا‪ ،‬ومساكنة أبيك وأخوالك في الجنة ‪ ،‬فإذا رزقك هللا الشهادة فاشفع ف َّ‬
‫ضمتني إلى صدرها‪ ،‬ورفعت بصرها إلى السماء‪ ،‬وقالت‪ :‬إلهي وسيدي وموالي‪،‬‬
‫هذا ولدي‪ ،‬وريحانةُ قلبي‪ ،‬وثمرة ُ فؤادي‪ ،‬سلمته إليك فقربه من أبيه وأخواله‪..‬‬

‫ثم قال ‪:‬سألتك باهلل أال تحرمني الغزو معك في سبيل هللا ‪ ،‬أنا إن شاء هللا الشهيد ابن‬
‫تحقر ِّنّي لصغر‬
‫َ‬ ‫الشهيد ‪ ،‬فإني حافظ لكتاب هللا ‪ ،‬عارف بالفروسية والرمي ‪ ،‬فال‬
‫سني ‪..‬‬
‫قال أبو قدامة ‪:‬فلما سمعت ذلك منه أخذته معنا ‪ ،‬فوهللا ما رأينا أنشط منه‪ ،‬إن ركبنا‬
‫فهو أسرعنا ‪ ،‬وإن نزلنا فهو أنشطنا ‪ ،‬وهو في كل أحواله ال يفتر لسانه عن ذكر هللا‬
‫تعالى أبدا ً ‪.‬‬
‫فنزلنا منزالً‪..‬وكنا صائمين وأردنا أن نصنع فطورنا‪..‬فأقسم الغالم أن ال يصنع‬

‫‪6‬‬
‫الفطور إال هو‪..‬فأبينا وأبى‪..‬فذهب يصنع الفطور‪..‬وأبطأ علينا‪..‬فإذا أحد أصحابي‬
‫يقول لي يا أبا قدامة اذهب وانظر ما أمر صاحبك‪..‬فلما ذهبت فإذا الغالم قد أشعل‬
‫النار بالحطب ووضع من فوقها القدر‪..‬ثم غلبه التعب والنوم ووضع رأسه على‬
‫حجر ثم نام ‪..‬‬
‫فكرهت أن أوقظه من منامه‪..‬وكرهت أن أرجع الى أصحابي خالي اليدين‪..‬فقمت‬
‫بصنع الفطور بنفسي وكان الغالم على مرأى مني‪..‬فبينما هو نائم الحظته بدأ يتبسم‬
‫‪ ..‬ثم اشتد تبسمه فتعجبت ثم بدأ يضحك ثم اشتد ضحكة ثم استيقظ‪ ..‬فلما رآني فزع‬
‫الغالم وقال‪ :‬ياعمي أبطأت عليكم دعني أصنع الطعام عنك‪..‬أنا خادمكم في الجهاد ‪.‬‬
‫فقال أبو قدامة ‪:‬ال وهللا لست بصانع لنا شيء حتى تخبرني ما رأيت في منامك‬
‫وجعلك تضحك وتتبسم ‪.‬‬
‫فقال ‪:‬يا عمي هذه رؤيا رأيتها ‪..‬‬
‫فقلت ‪:‬أقسمت عليك أن تخبرني بها ‪.‬‬
‫فقال ‪:‬دعها‪ ..‬بيني وبين هللا تعالى‬
‫فقلت ‪:‬أقسمت عليك أن تخبرني بها‬
‫قال ‪:‬رأيت ياعمي في منامي أني دخلت إلى الجنة فهي بحسنها وجمالها كما أخبر هللا‬
‫في كتابه‪..‬فبينما أنا أمشي فيها وأنا بعجب شديد من حسنها وجمالها‪..‬إذ رأيت قصرا ً‬
‫الدر والياقوت‬
‫شرفاته من ّ‬ ‫يتألأل أنوارا ً ‪ ,‬لبنة من ذهب ولبنة من فضة ‪ ،‬وإذا ُ‬
‫والجوهر ‪ ،‬وأبوابه من ذهب ‪ ،‬وإذا ستور مرخية على شرفاته ‪ ،‬وإذا بجواري‬
‫يرفعن الستور ‪ ،‬وجوههن كاألقمار ‪..‬فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب‬
‫من حسنهن فإذا بجارية كأحسن ما أنت رائي من الجواري وإذ بها تشير إلي وتحدث‬
‫صاحبتها وتقول هذا زوج المرضية هذا زوج المرضية‪..‬فقلت لها أنتئ‬
‫المرضية؟؟؟‬
‫فقالت ‪:‬أنا خادمة من خدم المرضية‪..‬تريد المرضية؟؟ ادخل إلى القصر‪..‬تقدم‬
‫يرحمك هللا فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب األحمر عليها سرير من الزبرجد‬
‫األخضر‪ ،‬قوائمه من الفضة البيضاء‪ ،‬عليه جارية وجهها كأنه الشمس‪ ،‬لوال أن هللا‬
‫ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية ‪..‬‬
‫فلما رأتني الجارية قالت ‪ :‬مرحبا ً بولي هللا وحبيبه ‪ ..‬أنا لك وأنت لي ‪ ..‬فلما سمعت‬
‫كالمها اقتربت منها وكدت ان أضع يدي عليها قالت‪ :‬يا خليلي يا حبيبي أبعد هللا‬

‫‪7‬‬
‫عنك الخناء قد بقي لك في الحياة شيء وموعدنا معك غدًا بعد صالة الظهر‪..‬‬
‫فتبسمت من ذلك وفرحت منه يا عم ‪.‬‬
‫خيرا إن شاء هللا ‪.‬‬ ‫فقلت له ‪:‬رأيت ً‬
‫ثم إننا أكلنا فطورنا ومضينا الى أصحابنا المرابطين في الثغور ثم حضر‬
‫عدونا‪..‬وصف الجيوش قائدنا ‪..‬‬
‫وبينما أنا أتأمل في الناس‪..‬فإذ كل منهم يجمع حوله أقاربه وإخوانه‪..‬إال‬
‫الغالم‪..‬فبحثت عنه ووجدته في مقدمة الصفوف‪..‬فذهبت إليه وقلت‪ :‬يا بني هل أنت‬
‫خبير بأمور الجهاد؟؟ قال ال يا عم هذه وهللا أول معركة لي مع الكفار ‪.‬‬
‫فقلت يا بني إن األمر خالف على ما في بالك ‪ ،‬إن األمر قتال ودماء‪..‬فيا بني كن في‬
‫آخر الجيش فان انتصرنا فأنت معنا من المنتصرين وإن ُهزمنا لم تكن أول القتلى ‪..‬‬
‫فقال متعجبا ‪:‬أنت تقول لي ذلك؟؟‬
‫قلت ‪:‬نعم أنا أقول ذلك ‪.‬‬
‫قال ‪:‬يا عم أتود أن أكون من أهل النار؟‬
‫قلت أعوذ باهلل‪ ..‬ال وهللا ‪ ..‬وهللا ما جئنا إلى الجهاد إال خوفًا منها ‪..‬‬
‫فقال الغالم ‪:‬فان هللا تعالى يقول ‪) :‬يَا أَيُّ َها الَّذِّينَ آ َمنُوا إِّ َذا لَ ِّقيت ُ ُم الَّذِّينَ َكفَ ُروا زَ ْحفًا فَ َال‬
‫ب‬
‫ض ٍ‬ ‫ت ُ َولُّو ُه ُم َو َم ْن يُ َو ِّلّ ِّه ْم يَ ْو َمئِّ ٍذ ُدبُ َرهُ ِّإ َّال ُمت َ َح ِّ ّرفًا ِّل ِّقتَا ٍل أ َ ْو ُمت َ َح ِّيّ ًزا ِّإلَى فِّئ َ ٍة فَقَ ْد بَا َء بِّغَ َ‬
‫صير (‬ ‫س ْال َم ِّ‬ ‫َّللا َو َمأ ْ َواهُ َج َهنَّ ُم َوبِّئْ َ‬ ‫ِّمنَ َّ ِّ‬
‫هل تريدني أوليهم األدبار فأكون من أهل النار؟‬
‫فعجبت وهللا من حرصه وتمسكه باآليات فقلت له يا بني إن اآلية مخرجها على غير‬
‫كالمك‪..‬فأبى يرجع فأخذت بيده أُرجعه إلى آخر الصفوف وأخذ يسحب يده عني‬
‫فبدأت الحرب وحالت بيني وبينه ‪..‬‬
‫ورميت النبال ‪ ،‬و ُج ِّ ّردت السيوف ‪ ،‬وتكسرت الجماجم ‪ ،‬وتطايرت‬ ‫فجالت األبطال ‪ُ ،‬‬
‫األيدي واألرجل ‪ ..‬واشتد علينا القتال حتى اشتغل ك ٌل بنفسه‪ ،‬وقال كل خليل كنت‬
‫آمله ‪..‬ال ألهينك إني عنك مشغول‪ ..‬حتى دخل وقت صالة الظهر فهزم هللا جل وعال‬
‫الصليبين‪...‬فلما انتصرنا جمعت أصحابي وصلينا الظهر وبعد ذلك ذهب كل منا‬
‫يبحث عن أهله وأصحابه‪..‬إال الغالم فليس هنالك من يسأل عنه فذهبت أبحث‬
‫عنه‪..‬فبينما أنا اتفقده وإذا بصوت يقول‪ :‬أيها الناس ابعثوا إلى عمي أبا قُدامة ابعثوا‬
‫إلى عمي أبا قدامة‪ ..‬فالتفت إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغالم‪ .‬وإذا الرماح‬

‫‪8‬‬
‫قد تسابقت إليه‪ ،‬والخي ُل قد وطئت عليه فمزقت اللحمان‪ ،‬وأدمت اللسان وفرقت‬
‫األعضاء‪ ،‬وكسرت العظام ‪ ..‬وإذا هو يتيم ُملقى في الصحراء ‪.‬‬
‫قال أبو قدامة‪ :‬فأقبلت إليه‪ ،‬وانطرحت بين يديه‪ ،‬وصرخت‪ :‬ها أنا أبو قدامة ‪ ..‬ها أنا‬
‫أبو قدامة ‪..‬‬
‫فقال ‪:‬الحمد هلل الذي أحياني إلى أن أوصي إليك ‪ ،‬فاسمع وصيتي‪ .‬قال أبو قدامة ‪:‬‬
‫فبكيت وهللا على محاسنه وجماله ‪ ،‬ورحمةً بأمه التي فجعت عام أول بأبيه وأخواله‬
‫وتفجع‬
‫اآلن به‪ ،‬أخذت طرف ثوبي أمسح الدم عن وجهه ‪.‬‬
‫فقال ‪:‬تمسح الدم عن وجهي بثوبك !! بل امسح الدم بثوبي ال بثوبك‪ ،‬فثوبي أحق‬
‫بالوسخ من ثوبك ‪..‬‬
‫قال أبو قدامة‪ :‬فبكيت وهللا ولم أحر جوابا ً ‪..‬‬
‫فقال ‪:‬يا عم ‪ ،‬أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة ‪ ،‬ثم تبشر أمي بأن هللا قد‬
‫تقبل هديتها إليه ‪ ،‬وأن ولدها قد قُتل في سبيل هللا مقبالً غير مدبر ‪ ،‬وأن هللا إن‬
‫كتبني في الشهداء فإني سأوصل سالمها إلى أبي وأخوالي في الجنة ‪ .. ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫عم إني أخاف أال تصدق أمي كالمك فخذ معك بعض ثيابي التي فيها الدم‪ ،‬فإن أمي‬
‫إذا رأتها صدقت أني مقتول‪ ،‬وقل لها إن الموعد الجنة إن شاء هللا‪.‬‬
‫يا عم‪ :‬إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختا ً لي صغيرة عمرها تسع سنوات ‪ ..‬ما دخلتُ‬
‫وحزنت‪ ،‬وقد فجعت بمقتل أبي‬‫ْ‬ ‫وفرحت‪ ،‬وال خرجتُ إال ْ‬
‫بكت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫استبشرت‬ ‫المنزل إال‬
‫عام أول وتفجع بمقتلي اليوم‪ ،‬وإنها قالت لي عندما رأت على ثياب السفر‪ :‬يا أخي ال‬
‫تبطئ علينا وعجل الرجوع إلينا‪ ،‬فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات ‪..‬وقل لها يقول‬
‫أخوك هللا خليفتي عليك‪ .‬ثم تحامل الغالم على نفسه وقال ‪ :‬يا ع ّم صدقت الرؤيا‬ ‫ِّ‬ ‫لك‬
‫ورب الكعبة ‪ ،‬وهللا إني ألرى المرضية اآلن عند رأسي وأشم ريحها ‪..‬ثم انتفض‬
‫وتصبب العرق وشهق شهقات ‪ ،‬ثم مات ‪.‬‬
‫قال أبو قدامة ‪ :‬فأخذت بعض ثيابه فلما دفناه لم يكن عندي هم أعظم من أن أرج َع‬
‫إلى الرقة وأبل َغ رسالته ألمه ‪..‬‬
‫فرجعت إلى الرقة وأنا ال أدري ما اسم أمه وأين تسكن‪..‬فبينما أنا أمشي وقفت عند‬
‫منزل تقف على بابه فتاة صغيرة ما يمر أحد من عند بابهم وعليه أثر السفر إال‬

‫‪9‬‬
‫سألته يا عمي من أين أتيت فيقول من الجهاد فتقول له معكم أخي؟ ‪..‬‬
‫مرارا مع المارة ويتكرر معها نفس‬ ‫ً‬ ‫فيقول ما أدري َمن أخوك ويمضي‪..‬وتكرر ذلك‬
‫أخيرا وقالت‪ :‬مالي أرى الناس يرجعون وأخي ال يرجع ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫الرد‪..‬فبكت‬
‫فلما رأيت حالها أقبلت عليها‪..‬فرأت علي أثر السفر فقالت يا عم من أين أتيت قلت‬
‫من الجهاد فقالت معكم أخي فقلت أين هي أمك؟؟‬
‫قالت ‪:‬في الداخل ودخلت تناديها‪..‬فلما أتت األم وسمعت صوتي عرفتني وقالت‪ :‬يا‬
‫مبشرا؟؟‬
‫ً‬ ‫أبا قدامة أقبلت معزيًا أم‬
‫ومبشرا؟‬
‫ً‬ ‫فقلت ‪:‬كيف أكون معزيًا‬
‫فقالت ‪:‬إن كنت أقبلت تخبرني أن ولدي قُتل في سبيل هللا مقبل غير مدبر فأنت‬
‫تبشرني بأن هللا قد قبل هديتي التي أعدتها من سبعة عشر عا ًما‪ .‬وإن كنت قد أقبلت‬
‫كي تخبرني أن ابني رجع سال ًما معه الغنيمة فإنك تعزيني ألن هللا لم يقبل هديتي‬
‫إليه ‪.‬‬
‫فقلت لها ‪:‬بل أنا وهللا مبشر إن ولدك قد قتل مقبل غير مدبر‪ .‬فقالت ما أظنك صادقًا‬
‫وهي تنظر إلى الكيس ثم فتحت الكيس وإذ بالدماء تغطي المالبس فقلت لها أليست‬
‫هذه ثيابه التي ألبستي إياها بيدك؟‬
‫فقالت هللا أكبر وفرحت‪ ..‬أما الصغيرة شهقت ثم وقعت على األرض ففزعت أمها‬
‫ودخلت تحضر لها ماء تسكبها على وجهها‪ ..‬أما أنا فجلست أقرأ القرآن عند‬
‫رأسها‪..‬ووهللا مازالت تشهق وتنادي باسم أبيها وأخيها ‪.‬‬
‫وما غادرتها إال ميتة ‪..‬‬
‫فأخذتها أمها وأدخلتها وأغلقت الباب وسمعتُها تقول‪ :‬اللهم إني قد قدمت زوجي‬
‫وإخواني وولدي في سبيلك اللهم أسألك أن ترضى عني وتجمعني وإياهم في‬
‫جنتك‪....‬‬
‫قال أبو قدامة‪ :‬فأخذت أطرق الباب لعلها أن تفتح الباب أعطيها شيء من المال ‪ ..‬أو‬
‫ألحدث الناس بخبرها حتى يرتفع شأنها بينهم‪.‬‬
‫فوهللا ما فتحت لي وال ردّت إلى جوابا ً ‪ ..‬فوهللا ما رأيت أعجب منها!‬

‫‪10‬‬
‫اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك‬
‫اللهم بلغنا منازل الشهداء وال تحرمنا أجرهم يأرب العالمين‬

‫منقول للفائدة‬
‫ما هو حال النساء اليوم؟ وهللا ليدمى القلب مما يرى!‬
‫وما هو حال الشباب ال أقول الذين أعمارهم )‪(71‬بل من تجاوزوها بكثير؟‬
‫نسأل هللا العافية وصالح أحوال المسلمين‬

‫رجب عيسى كصغال‬


‫‪RAJAB ISSAH JUMA’A KISWAGALA‬‬
‫‪Kiswagala14@gmail.com‬‬

‫‪11‬‬

You might also like