Professional Documents
Culture Documents
الحمد هلل رب العالمين ،الميم صل وبارك عمى سيدنا محمد عمى الو وصحبو وسمم تسميما
كثي ار ،
أييا اإلخوة األفاضل ،أختي السيدة الرئيسة ،إخواني األساتذة ،إخوتي الطالب ،في ىذا اليوم
المبارك نستجيب لدعوة كريمة من األزىر الشريف ،لنتحدث في موضوعات تتعمق بالعقيدة،
1
بل التفسير الذي يتعمق بدالالت األلفاظ .-وبالتالي فإن أول سؤال يطرح ىو العالقة الثالثية بين:
الوضع واالستعمال والحمل.
بمتعاطى قضية العقيدة ،الوضع واالستعمال والحمل.لت ُوىذه ىي المشكمة األولى التي َنز ْ
الوضع :طرحوا السؤال وقالوا :الوضع ىو من ِقبل اهلل سبحانو وتعالى فيو واضع األلفاظ لممعاني عمى
أن
مذىب األشاعرة- .وىنا أتحدث عن األشعري ال كآراء منقولة ،ولكن كمدرسة كاممة .أنا اعتبر َّ
ألن العمماء انتسبوا إلى
األشعري ال يمكن أن يختصر في كتبو؛ ولكن يمكن أن ينتشر في أتباعو؛ َّ
األشعري وفسروا مقاالتو ،وقدموا مدلوالت ألفاظو .ىذا ىو األشعري ،وليس األشعري ىو ذلك الرجل
الذي انتقل من االعتزال إلى الظاىرية ،ومن الظاىرية إلى الوسطية ،أو من الوسطية إلى الظاىرية؛
حسب الرؤى المختمفة حول مسيرة الرجل.
أن المشكمة
إذن المشكمة األولى التي أريد أن أتطرق إلييا ىي مشكمة لغوية ،أنا أعتقد ْ
األولى التي نزلت ىي مشكمة لغوية ،ىي مسالة الوضع واالستعمال والحمل .الواضع ىو اهلل سبحانو
وتعالى أو االصطالح الطبيعة كما يقول السيمري .االستعمال :ىو استعمال المتكمم فيي جيات ثالث
متقابمة؛ لكنيا قد تكون مختمفة باالعتبار متفقة بالذات .إذا كان االستعمال يصب في مجرى الوضع،
واذا كان الحمل أيضا يوافق الوضع ،ىنا بدأ االختالف بين العمماء؛ ىل المفظ مستعمل في حقيقتو أم
في مجازه؟ مستعمل في حقيقتو الوضعية حقيقتو الشرعية أم في حقيقتو العرفية؟ ىل ىو نص أو
ألن اإلحكام عندىم فوق النص ،أو مدلول عميو بالمزوم ،فيكون
ظاىر أو محكم كما يقول األحناف؟ َّ
إشارةً أو اقتضاءا .ىل ىو مفيوم خارج النطق؟ ىل ىو عمى ظاىره أم ىو تأويل؟ ىل ىو مجمل؟ ىل
ىو متشابو؟
اإلشكاليات التي طرحيا المفظ ،طرحيا استعمال المفظ ،الرؤية ليذا المفظ ،الذي قد نراه بعيدا
فنتمارى في حقيقتو ،وقد نقترب إليو وندنو ونرنو إليو فنراه عمى حقيقتو أو بمنظار المقرب .األلفاظ
أن اإلشكال الذي
ىي ىكذا ،بعضيا غامض ،بعضيا واضح ،بعضيا صريح وبعضيا تمميح .فاعتقد َّ
2
أن يحموه بوضع جممة من األلقاب وجممة من العالمات واألمارات أو الصوى لينبيوا بيا ،أو
حاولوا ْ
خانات ليضعوا فييا ىذه الثالثية :وضع ،استعمال ،حمل.
فاالستعمال بأنواعو من صفة المتكمم ،والحمل من صفة المتمقي والسامع .ىنا بدأت الجدلية،
ىذا الحامل -عندنا في أصول الفقو نقول الحامل ىو المجتيد:
كما قالوا في أصول الفقو .لكن الحامل ىنا ىو مجتيد العقيدة ،ىو اإلمام ،ىو المتكمم ،ىو
الذي يحمل المغة .فحمل المغة ىذا أدى إلى إشكال كبير ،بين من تجاوز األلفاظ تجاو ازً واضحاً -وىنا
أتحدث عن المعتزلة ومن لف لفيم -ولم يعتبرىا أوعية لممعاني ،بل اعتبر المعاني خارج األلفاظ؛ بناء
عمى ما يراه من بناء عقمي وفمسفي كان مقبوالً في وقتو ،وبين من تعامل مع األلفاظ تعامال ظاىرياً
–فجاً -وبالتالي :جعميا ال تحتمل إال ىذا المعنى ،وألغى ظالل المفظ ،وسياقاتو ومساقاتو ،التي ىي
3
بالكمى لكنو كمى مستنبط من النصوص .إذاً في معمعة الوضع واالستعمال والحمل نشأت ىذه
المدرسة؛ لكن اإلشكال ىنا أن االستعمال ليس استعماال بشرياً حتى نفرق بين المتكمم والواضع ،وانما
ىو استعمال إليي أي أن األلفاظ ىي ألفاظ من الشارع من اهلل ومن رسولو صمى اهلل عميو وسمم .فال
يمكن أن نتعامل معيا بدالالت العرف ،ولكن قد نتعامل معيا بدالالت الشرع ،وان كان بعض العمماء
كأبي حنيفة يجيز التعامل بالعرف مع كالم رسول اهلل صمى اهلل عميو وسمم :الطعام بالطعام" َّ
بأنو البر.
بالعمم في مكان وبالرعاية والنصر في مكان آخر؛ باعتبار السياق الذي يرتضيو األمر .لكن نجمت
قضايا أخرى فيما يتعمق باال وصاف األخرى التي وردت في القرآن ،فبعضيم وىم األشاعرة أولوا تأويال
منسجما مع كل اآليات التي وردت ،بحيث وضعوا قاعدة تأويل المحمل الواحد ،وتأويل المحامل
المختمفة مع أيضا قبول بل تحبيذ التفويض؛ ألن األشاعرة يقولون أيضا بالتفويض ،وال يقولون
بالتأويل فقط ،وأن التأويل ضرورة إليضاح ذلك لمن انحرف عن الطريق وزل عن الصواب.
فيذا التأويل ىو تأويل في مقابل تأويل .وىذا أمر ميم ،أريد أن أبينو مثال :في مسألة الجية .جاءت
األعمَى) ال يمكن لمؤمن أن يقول إال
اس َم َرِّلب َك ْ
س ِّلب ِح ْ
اىر تفيد السماء ،األعمى جية ،ونحن نؤمن ( َ
ظو ُ
ىكذا .لكن مسالة الجية ىل ىي أمر ثابت بمعنى أنو ال يجوز التأويل في ىذه المسالة ،وال يجوز إال
4
أن تتحدث وتطمب من كل مسمم أن يشير إلى السماء لما في حديث الجارية ،أو أن اآليات األخرى
(فَأ َْي َنما تُولُّبواْ فَثَ َّم و ْج ُو ا ِ
هلل ) و"إن اهلل في قبالة وجو المصمى" ،و"بين المصمى وبين قبمتو"" ،الميم أنت َ َ َ
الصاحب في السفر والخميفة في األىل" اآليات واألحاديث األخرى الكثيرة ،ىل نؤوليا لتتفق مع حديث
الجارية من يقول بيذا وينكر التأويل ىو في الحقيقة يؤول ليقرر معنى معيناً.
فميذا قالوا :ىذا لو محامل ،ونحن نحممو عمى المحمل األولى أو نسكت؛ كما قال الشافعي :نؤمن
بكالم اهلل عمى مراد اهلل و نؤمن بكالم رسول اهلل عمى مراد رسول اهلل.
أن نرى أن ىذا أثري وتمسك باألثر ،بينما نيمل عشرات األحاديث واآليات
فالخمل اآلن في الفيم ْ
األخرى التي تقابل ىذه الرؤية .بمعنى أنو ىو مؤول في جيتو ليس أثرياً خالصاً ،فيو يؤول ليصل
إلى رؤية معينة.
التمسك ببعضيا عمى حساب البعض اآلخر .فاألشاعرة قالوا :نؤوليا كميا تأويال مقارباً ،تأويال قريباً
حتى تنسجم ،وال نحمل بعضيا عمى البعض اآلخر :وجياً ٍ
لذات واليدا بقوة وذا اإلمام أيدا
المسالة الثانية :والتي ال ترجع إلى داللة األلفاظ ىي مسالة التثبت والثبوت ،وىذا أىم مقصد اختمف
فيو األشاعرة مع األثريين ومع الظاىرية؛ ىل لنطمق شيئاً عمى اهلل سبحانو و تعالى يجب أن يكون
ثابتاً ثبوتاً خالصاً أي قطعياً ليس ظنياً ؟
وبالتالي ىذا فرق آخر بين الفقو الذي ُيعمل فيو بالظنون قطعاً وبين العقائد التي ال ُيعمل فييا إال
بالقطع ،فوضعوا معيارين :معيار العقل الذي شيد لو الشرع -إن الشرع أحالنا إلى العقل "أفال
تعقمون" يعنى ليس العقل معناه أن تستسمم لمعقل دون أن نستشير الشارع ىذا خطا آخر -فرجعوا
إلى معيار العقل فيما يتعمق بانتفاء االستحالة ،ومسالة الجواز والوجوب؛ أي :أحكام العقل الثالثة.
وقالوا :يجب انتفاء االستحالة.
5
ورجعوا إلى معيار النقل فيما يتعمق بالثبوت توات ارً ،وأنو إذا لم يثبت توات ارً فال يمكن أن يكون في
مجال العقائد .لماذا ىذا المقصد؟ ألن اهلل سبحانو وتعالى يقولَ ( :و َما َيتَِّب ُع أَ ْكثَُرُى ْم إِال ظَ ًّنا إِ َّن الظَّ َّن ال
ون ) .القائل اآلخر يقول :ألغيتم الشريعة ون إِال الظَّ َّن َوِا ْن ُى ْم إِال َي ْخُر ُ
ص َ ش ْي ًئا ) (إِ ْن َيتَِّب ُع َ ُي ْغ ِني ِم َن ا ْل َح ِّل
ق َ
ال ىذه ىي آيات كميا في العقائد ،وليست في الفقو وال في الظنون .أما القضايا الفقيية ،فميا حكميا،
يعمل بيا في حديث اآلحاد .وقالوا :إن حديث اآلحاد ىو ظن بالضرورة "دخل النبي الكعبة ودخل معو
أسامة وبالل ،قال بالل صمى ركعتين ،وقال أسامة لم يصل وانما دعا في نواحييا .الزمان واحد
والمكان واحد ،والرجالن كالىما ثقة ،وحديثيما في الصحيح ،أسامة قال :لم يصل شيئا وانما دعى،
أبو بكر رضي اهلل عنو رد بالل قال :صمى ركعتين .إذاً ىناك غفمة وذىول وقع ،وىذا طبيعي؛ وليذا
حديث المغيرة بن شعبة في مسالة الجد ،ورد عمر حديثا ألبي موسى األشعري في مسالة االستئذان،
والى أحاديث كثيرة ،ورد ابن عباس حديث أبى ىريرة في قضية غسل اليد قبل إدخاليا في اإلناء
بالعقل ،وقال :كيف يصنع بالميراس.
فالموقف ليس ىو جديدا .ىذا فقو الصحابة رضوان اهلل عمييم .إذاً نحن أمام من يقبل التأويل في
آيات الصفات ،وأمام من ال يقبمو .وأمام من يقبل آحاد األحاديث في آيات الصفات وأمام من ال يقبل
ذلك .موقفان متقابالن .التأويل قطعا في كالم اهلل ثابت ،النبي صمى اهلل عميو وسمم يقول عن اهلل
سبحانو وتعالى في الحديث القدسي "يا ابن ادم مرضت فمم تعدني ،فيقول :كيف أعودك وأنت رب
العالمين ،يقول مرض عبدي فالن" .ىم يقولوا نقتصر عمى ىذا ،نقول ال .ىذا كان تنبيياً ونبراساً
أن يؤول؛ ألنو مجاز "أولكن لحاقاً بي أطولكن يدا" ،كن يتطاولن
عمى أن ما ورد من ىذا النوع يمكن ْ
حتى عرفن داللة الحديث.
فالتأويل ثابت في كالم اهلل ،ىل نفرق بين كالمو في العقائد وبين كالمو في الفقو؟ ىل ىناك ضرورة
ليذا التفريق؟
6
األشاعرة قالوا :ال ضرورة ،ىو كالم اهلل وكالم رسولو .واآلخرون يقولون في ضرورة النطق عمى ذلك
الظاىر :ىي ظواىر عديدة ىي ظواىر تقابل ظواىر .وىنا اذكر ما قالو الشيخ محمد المامي :واذا
غرض األسنة تتخذك نيابيا الظواىر عارضتك فال تكن
فنحن نغتنم أسالب الظواىر بالظواىر ،ونعوذ باهلل أن نقول عمى اهلل ما لم يقمو.
فمسالة التثبيت -وىذا من أكبر المقاصد عند األشاعرة -ترجع إلى حكمي العقل والنقل الثابت الذي
يجب أن يكون تواترا ،توات ار مبنيا عمى الحس أي عمى الرؤية أو السمع؛ ألنو ليس توات ار مبنيا عمى
االعتقاد ،ألنو يؤدى إلى تصويب تمك الطوائف التي تواطأت وتواترت عمى الكذب ،وىذا رد أيضا آخر.
ثم في ىذا الدليل العقمي يجب أن يكون ىذا الدليل العقمي مبنيا عمى القياس الكمي الشمولي ،وليس
مبنيا عمى القياس التمثيمي واالستقرائي .ىناك نزاع شديد يقول :قياس تمثيمي يمكن أن نحيمو إلي
شمولي ،لكن لو أحمتو إلى شمولي لفقد صورة القياس؛ ألنو في
األصل انتقا ٌل من جزئي إلى جزئي ،فستنتقل من جزئي إلى كمى لترجع وتنتقل بو من كمى إلى جزئي.
وىذا أوضحتو لطمبتي بعد أن راجعت كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية مع كالم أبي حامد الغزالي رحميما
اهلل تعالى .فاشترطوا قياس البرىان الذي يقوم المقدمات المسممة في المجال العقمي؛ لن يقبموا في
العقل إال البرىان ،لن يقبموا إال القياس الكمى ،لن يقبموا في النقل إال المتواتر القطعي.
7
وان كان الحمل عمى الظاىر أحيانا ال يحتمل بال كيف؛ ألنو ىو تفسير خالص انتيى .لكن إذا قالوا:
يد ال كاأليد ،ووجو ال كالوجوه. ،
ٌ
ىنا ىذا المنفذ يمكن أن نستغمو في التقريب بين ىاتين المدرستين المتين تنتميان إلى نفس الشيوخ،
ألن أىل السنة من أثريين كما سماىم السفارينى...األثريون واألشاعرة و
إلى نفس العائمة السنية؛ َّ
الماتريدية كميم أىل سنة.
ىذا الشعار ينبغي أن نرفعو ،وأن نوضح أال ىؤالء خرجوا عن األثر ،وأال ىؤالء أيضا احتقروا األثر؛
بل األثر ىو لمجميع ،والنصوص القرآنية تؤيد جميع ىذه االتجاىات.
أخي ارً فإننا في عصر العمم ،ىذا العمم أفاد اإلنسان ،وكشف الكثير؛ لكنو أظير عجزه أيضا ،عجزه عمى
األرض ،ىذه البركانات يقولون ال نعرف.
8
ممكن أن نستفيد من ىذا العمم في صياغة ،وال أقول في إثبات عقائد ،ولكن في صياغة عمم الكالم
صياغة جديدة.
وليذا أقترح عمى إخواني وعمى د.محمد عبد الفضيل بالذات أن تُكون ىناك مجموعة لمتجديد في ىذا
أن نقدم ُجممة من المفاتيح ليذا
المجال ،لمتجديد في عمم الكالم ،وىذا متاح إن شاء اهلل ويمكن ْ
التجديد.
سامحوني إن كنت قد قمت ىجرا ،أو كنت قد قمت كالما غير صحيح ,وشك ار.
في مؤتمر " ابو الحسن األشعري ..إمام اىل السنة والجماعة"
القاىرة2010 -
9