You are on page 1of 9

‫نظرات في منيج اإلمام األشعري*‬

‫العالمة عبد اهلل بن الشيخ المحفوظ بن بيو‬

‫بسن اهلل الرحون الرحين‬


‫الحود هلل والصالة والسالم على سيدنا هحود وآله وصحبه‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪،‬الميم صل وبارك عمى سيدنا محمد عمى الو وصحبو وسمم تسميما‬
‫كثي ار ‪،‬‬

‫أييا اإلخوة األفاضل‪ ،‬أختي السيدة الرئيسة‪ ،‬إخواني األساتذة‪ ،‬إخوتي الطالب‪ ،‬في ىذا اليوم‬
‫المبارك نستجيب لدعوة كريمة من األزىر الشريف‪ ،‬لنتحدث في موضوعات تتعمق بالعقيدة‪،‬‬

‫أن اشكر شيخ األزىر اإلمام‬


‫أن ابدأ في الحديث عن جممة من األفكار والتداعيات‪ ،‬أود ْ‬
‫قبل ْ‬
‫أن اشكر د‪.‬محمد عبد الفضيل فضمو اهلل تعالى عمى‬
‫األكبر د‪.‬احمد الطيب طيب اهلل إمامتو‪ ،‬وأود ْ‬
‫فضمو في تنظيم ىذا المقاء‪ ،‬لقاء ليس كغيره من المقاءات؛ نتحدث فيو عن ‪ -‬موضوع ال تَ ْع ُدو عميو‬
‫عوادي الزمان‪ ،‬وال تُطاولو أحداث المكان‪ -،‬موضوع العقيدة مقارنة مع الفقو‪ ،‬الفقو ثم العقيدة عندما‬
‫نتحدث عن الشريعة فإننا نتحدث عن ضرورات الحياة عن اإلنسان في الزمان والمكان في الحال‬
‫والمآل؛ لكن عندما نتحدث عن العقيدة فإننا ال نتحدث بيذه المغة‪ .‬ىذا فرق جوىري بين مقاصد‬
‫الشريعة ومقاصد العقيدة‪ .‬عندما نتحدث في مقاصد الشريعة نتحدث عن "لِ َم"‪ ،‬وعندما نتحدث عن‬
‫ألن تفسير ( َما َذا قَا َل َرُّبب ُك ْم) ىو تفسير وليس تعميالً‪ ،‬كما‬
‫العقيدة نتحدث عن "ماذا"‪َ ( :‬ما َذا قَا َل َرُّبب ُك ْم )؛ َّ‬
‫قال اإلمام أبو حامد الغزالي‪ ،‬إن التعميل يأتي بعد معرفة التفسير‪ ،‬ومعرفة الحكم ثم يبحث عن العمة‬
‫كما يقول في "شفاء الغميل"‪ ،‬في مقاصد الشريعة نتحدث عن التعميل والتنزيل‪ ،‬وفي العقيدة عن‬
‫التفسير وعن الدليل‪- ،‬عن الدليل مفسرا‪ ،‬بالمعنى الواسع لكممة التفسير‪ ،‬ليس التفسير مقابل التأويل؛‬

‫‪1‬‬
‫بل التفسير الذي يتعمق بدالالت األلفاظ‪ .-‬وبالتالي فإن أول سؤال يطرح ىو العالقة الثالثية بين‪:‬‬
‫الوضع واالستعمال والحمل‪.‬‬

‫بمتعاطى قضية العقيدة‪ ،‬الوضع واالستعمال والحمل‪.‬‬‫لت ُ‬‫وىذه ىي المشكمة األولى التي َنز ْ‬
‫الوضع‪ :‬طرحوا السؤال وقالوا‪ :‬الوضع ىو من ِقبل اهلل سبحانو وتعالى فيو واضع األلفاظ لممعاني عمى‬
‫أن‬
‫مذىب األشاعرة‪- .‬وىنا أتحدث عن األشعري ال كآراء منقولة‪ ،‬ولكن كمدرسة كاممة‪ .‬أنا اعتبر َّ‬
‫ألن العمماء انتسبوا إلى‬
‫األشعري ال يمكن أن يختصر في كتبو؛ ولكن يمكن أن ينتشر في أتباعو؛ َّ‬
‫األشعري وفسروا مقاالتو‪ ،‬وقدموا مدلوالت ألفاظو‪ .‬ىذا ىو األشعري‪ ،‬وليس األشعري ىو ذلك الرجل‬
‫الذي انتقل من االعتزال إلى الظاىرية‪ ،‬ومن الظاىرية إلى الوسطية‪ ،‬أو من الوسطية إلى الظاىرية؛‬
‫حسب الرؤى المختمفة حول مسيرة الرجل‪.‬‬

‫أن المشكمة‬
‫إذن المشكمة األولى التي أريد أن أتطرق إلييا ىي مشكمة لغوية‪ ،‬أنا أعتقد ْ‬
‫األولى التي نزلت ىي مشكمة لغوية‪ ،‬ىي مسالة الوضع واالستعمال والحمل‪ .‬الواضع ىو اهلل سبحانو‬
‫وتعالى أو االصطالح الطبيعة كما يقول السيمري‪ .‬االستعمال‪ :‬ىو استعمال المتكمم فيي جيات ثالث‬
‫متقابمة؛ لكنيا قد تكون مختمفة باالعتبار متفقة بالذات‪ .‬إذا كان االستعمال يصب في مجرى الوضع‪،‬‬
‫واذا كان الحمل أيضا يوافق الوضع‪ ،‬ىنا بدأ االختالف بين العمماء؛ ىل المفظ مستعمل في حقيقتو أم‬
‫في مجازه؟ مستعمل في حقيقتو الوضعية حقيقتو الشرعية أم في حقيقتو العرفية؟ ىل ىو نص أو‬
‫ألن اإلحكام عندىم فوق النص‪ ،‬أو مدلول عميو بالمزوم‪ ،‬فيكون‬
‫ظاىر أو محكم كما يقول األحناف؟ َّ‬
‫إشارةً أو اقتضاءا‪ .‬ىل ىو مفيوم خارج النطق؟ ىل ىو عمى ظاىره أم ىو تأويل؟ ىل ىو مجمل؟ ىل‬
‫ىو متشابو؟‬

‫اإلشكاليات التي طرحيا المفظ‪ ،‬طرحيا استعمال المفظ‪ ،‬الرؤية ليذا المفظ‪ ،‬الذي قد نراه بعيدا‬
‫فنتمارى في حقيقتو‪ ،‬وقد نقترب إليو وندنو ونرنو إليو فنراه عمى حقيقتو أو بمنظار المقرب‪ .‬األلفاظ‬
‫أن اإلشكال الذي‬
‫ىي ىكذا‪ ،‬بعضيا غامض‪ ،‬بعضيا واضح‪ ،‬بعضيا صريح وبعضيا تمميح‪ .‬فاعتقد َّ‬

‫‪2‬‬
‫أن يحموه بوضع جممة من األلقاب وجممة من العالمات واألمارات أو الصوى لينبيوا بيا‪ ،‬أو‬
‫حاولوا ْ‬
‫خانات ليضعوا فييا ىذه الثالثية‪ :‬وضع‪ ،‬استعمال‪ ،‬حمل‪.‬‬

‫فاالستعمال بأنواعو من صفة المتكمم‪ ،‬والحمل من صفة المتمقي والسامع‪ .‬ىنا بدأت الجدلية‪،‬‬
‫ىذا الحامل ‪-‬عندنا في أصول الفقو نقول الحامل ىو المجتيد‪:‬‬

‫‪،،،،،،‬‬ ‫والحامل المطمق والمقيد‬

‫كما قالوا في أصول الفقو‪ .‬لكن الحامل ىنا ىو مجتيد العقيدة‪ ،‬ىو اإلمام‪ ،‬ىو المتكمم‪ ،‬ىو‬
‫الذي يحمل المغة‪ .‬فحمل المغة ىذا أدى إلى إشكال كبير‪ ،‬بين من تجاوز األلفاظ تجاو ازً واضحاً ‪-‬وىنا‬
‫أتحدث عن المعتزلة ومن لف لفيم‪ -‬ولم يعتبرىا أوعية لممعاني‪ ،‬بل اعتبر المعاني خارج األلفاظ؛ بناء‬

‫عمى ما يراه من بناء عقمي وفمسفي كان مقبوالً في وقتو‪ ،‬وبين من تعامل مع األلفاظ تعامال ظاىرياً‬
‫–فجاً‪ -‬وبالتالي‪ :‬جعميا ال تحتمل إال ىذا المعنى‪ ،‬وألغى ظالل المفظ‪ ،‬وسياقاتو ومساقاتو‪ ،‬التي ىي‬

‫أن يكون المخصص ظاى ارً‪ ،‬أو يكون قيداً‬


‫بمنزلة القيود وبمنزلة المخصصات‪ .‬ليس من الشرط َّ‬
‫ش ْي ٍء ) لم‬ ‫مذكو ارً‪ ،‬وانما قد يكون قرينة أو سياقا‪ ،‬فاعتبر السياق في قولو ( قُ ْل َمن ِب َي ِد ِه َممَ ُك ُ‬
‫وت ُك ِّلل َ‬
‫ييتم بالسياق بالسمطان والممك واإلحاطة والقدرة‪ ،‬وانما اىتم فقط بيده‪ .‬فإذا أخذت "يدا" وضعتيا ولم‬
‫تصميا باآلية‪ ،‬فقد أحدثت خمال كبي ار حتى في الفيم العربي‪ ،‬في فيم اإلنسان حتى أي إنسان يمكن أن‬
‫يفيميا كذلك‪ .‬فيذه الظاىرية غمبت في وقت من األوقات قد ال تكون اعتقاداً ولكن سدا لمذريعة‪،‬‬
‫وألجل ذلك أنكر قوم المجاز بناء عمى ىذا الفيم‪ .‬لكن ىؤالء أيضا أولوا كما سنرى‪ ،‬فسنكون في تأويل‬
‫مقابل تأويل‪ ،‬كان من الطبيعي ومن البدييي أن تظير منطقية مدرسة بين المدرستين لتحاول أن‬
‫تقول من جية ىذه الظواىر ليا وزنيا‪ ،‬والمغة ليا مدلوليا‪ ،‬وأيضا العقل وما تقتضي المبادئ العامة‬
‫التي ىي ليست عقال محضاً وانما ىي نقل وعقل أيضا وىذا ميم جدا أال نرى في موقف األشعري عقال‬
‫يقابل نقال‪ ،‬وانما ىو جمع بين العقل والنقل‪ ،‬وانما ىو تغميب لمكمى أحياناً مقابل الجزئي‪ .‬وىذه قاعدة‬
‫أصولية معروفة كما يقول الشاطبي رحمو اهلل تعالى "إن الكمى لو أنخرم ألدى انخرامو إلى انخرام‬
‫النظام ‪-‬نظام العالم حسب عبارتو‪ ،-‬أما الجزئي فان انخرامو ال يؤدى إلى ذلك"‪ .‬فإنيا مدرسة اىتمت‬

‫‪3‬‬
‫بالكمى لكنو كمى مستنبط من النصوص‪ .‬إذاً في معمعة الوضع واالستعمال والحمل نشأت ىذه‬
‫المدرسة؛ لكن اإلشكال ىنا أن االستعمال ليس استعماال بشرياً حتى نفرق بين المتكمم والواضع‪ ،‬وانما‬
‫ىو استعمال إليي أي أن األلفاظ ىي ألفاظ من الشارع من اهلل ومن رسولو صمى اهلل عميو وسمم‪ .‬فال‬
‫يمكن أن نتعامل معيا بدالالت العرف‪ ،‬ولكن قد نتعامل معيا بدالالت الشرع‪ ،‬وان كان بعض العمماء‬
‫كأبي حنيفة يجيز التعامل بالعرف مع كالم رسول اهلل صمى اهلل عميو وسمم‪ :‬الطعام بالطعام" َّ‬
‫بأنو البر‪.‬‬

‫فإن كان ال‬


‫ىنا نشأت مشكمة التأويل وىو صرف المفظ عن ظاىره المتبادر إلى الذىن‪ْ .‬‬
‫يتبادر إلى الذىن إال بإخطار فيذا ليس ظاى ارً‪ ،‬كما يقول بعض المحققين كسيدي أحمد زروق من‬
‫الصوفية‪ :‬إذا كان ال يتبادر إلى الذىن إال بإخطار فيذا ليس ظاى ارً‪ ،‬فالظاىر الذي يتبادر إلى أذىان‬
‫( َو ُى َو َم َع ُك ْم أ َْي َن َما ُك ْنتُ ْم ) فحممت‬ ‫الناس‪ .‬فجاءت مسالة الحمل في زمن الصحابة في قضية المعية‬
‫عمى العمم في الزمن األول واستمر العمل عمى ذلك‪ ،‬وال خالف بين األثريين وبين األشاعرة في ىذا‬
‫الحمل‪:‬‬

‫تعين الحمل عميو وانضبط‬ ‫وما لو من ذاك واحد فقط‬

‫بالعمم والرعي وال تقول‬ ‫كمثل وىو معكم فأول‬

‫بالعمم في مكان وبالرعاية والنصر في مكان آخر؛ باعتبار السياق الذي يرتضيو األمر‪ .‬لكن نجمت‬
‫قضايا أخرى فيما يتعمق باال وصاف األخرى التي وردت في القرآن‪ ،‬فبعضيم وىم األشاعرة أولوا تأويال‬
‫منسجما مع كل اآليات التي وردت‪ ،‬بحيث وضعوا قاعدة تأويل المحمل الواحد‪ ،‬وتأويل المحامل‬
‫المختمفة مع أيضا قبول بل تحبيذ التفويض؛ ألن األشاعرة يقولون أيضا بالتفويض‪ ،‬وال يقولون‬
‫بالتأويل فقط‪ ،‬وأن التأويل ضرورة إليضاح ذلك لمن انحرف عن الطريق وزل عن الصواب‪.‬‬

‫فيذا التأويل ىو تأويل في مقابل تأويل‪ .‬وىذا أمر ميم‪ ،‬أريد أن أبينو مثال‪ :‬في مسألة الجية‪ .‬جاءت‬
‫األعمَى) ال يمكن لمؤمن أن يقول إال‬
‫اس َم َرِّلب َك ْ‬
‫س ِّلب ِح ْ‬
‫اىر تفيد السماء‪ ،‬األعمى جية‪ ،‬ونحن نؤمن ( َ‬
‫ظو ُ‬
‫ىكذا‪ .‬لكن مسالة الجية ىل ىي أمر ثابت بمعنى أنو ال يجوز التأويل في ىذه المسالة‪ ،‬وال يجوز إال‬

‫‪4‬‬
‫أن تتحدث وتطمب من كل مسمم أن يشير إلى السماء لما في حديث الجارية‪ ،‬أو أن اآليات األخرى‬
‫(فَأ َْي َنما تُولُّبواْ فَثَ َّم و ْج ُو ا ِ‬
‫هلل ) و"إن اهلل في قبالة وجو المصمى"‪ ،‬و"بين المصمى وبين قبمتو"‪" ،‬الميم أنت‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الصاحب في السفر والخميفة في األىل" اآليات واألحاديث األخرى الكثيرة‪ ،‬ىل نؤوليا لتتفق مع حديث‬
‫الجارية من يقول بيذا وينكر التأويل ىو في الحقيقة يؤول ليقرر معنى معيناً‪.‬‬

‫فميذا قالوا‪ :‬ىذا لو محامل‪ ،‬ونحن نحممو عمى المحمل األولى أو نسكت؛ كما قال الشافعي‪ :‬نؤمن‬
‫بكالم اهلل عمى مراد اهلل و نؤمن بكالم رسول اهلل عمى مراد رسول اهلل‪.‬‬

‫أن نرى أن ىذا أثري وتمسك باألثر‪ ،‬بينما نيمل عشرات األحاديث واآليات‬
‫فالخمل اآلن في الفيم ْ‬
‫األخرى التي تقابل ىذه الرؤية‪ .‬بمعنى أنو ىو مؤول في جيتو ليس أثرياً خالصاً‪ ،‬فيو يؤول ليصل‬
‫إلى رؤية معينة‪.‬‬

‫أن نحرر ىذا الموضوع؛ لنقدمو لمناس‪،‬‬


‫أن نتوقف عندىا‪ ،‬و ْ‬
‫فيذه مسالة الحمل‪ ،‬مسالة ميمة‪ ،‬يجب ْ‬
‫حتى نعرف أنو ال يوجد اختالف يرجع إلى اآلثار‪ ،‬وانما ىو اختالف يرجع إلى حمل اآلثار‪ ،‬والى‬

‫التمسك ببعضيا عمى حساب البعض اآلخر‪ .‬فاألشاعرة قالوا‪ :‬نؤوليا كميا تأويال مقارباً‪ ،‬تأويال قريباً‬
‫حتى تنسجم‪ ،‬وال نحمل بعضيا عمى البعض اآلخر‪ :‬وجياً ٍ‬
‫لذات واليدا بقوة وذا اإلمام أيدا‬

‫المسالة الثانية ‪ :‬والتي ال ترجع إلى داللة األلفاظ ىي مسالة التثبت والثبوت‪ ،‬وىذا أىم مقصد اختمف‬
‫فيو األشاعرة مع األثريين ومع الظاىرية؛ ىل لنطمق شيئاً عمى اهلل سبحانو و تعالى يجب أن يكون‬
‫ثابتاً ثبوتاً خالصاً أي قطعياً ليس ظنياً ؟‬

‫وبالتالي ىذا فرق آخر بين الفقو الذي ُيعمل فيو بالظنون قطعاً وبين العقائد التي ال ُيعمل فييا إال‬
‫بالقطع‪ ،‬فوضعوا معيارين‪ :‬معيار العقل الذي شيد لو الشرع ‪-‬إن الشرع أحالنا إلى العقل "أفال‬
‫تعقمون" يعنى ليس العقل معناه أن تستسمم لمعقل دون أن نستشير الشارع ىذا خطا آخر‪ -‬فرجعوا‬
‫إلى معيار العقل فيما يتعمق بانتفاء االستحالة‪ ،‬ومسالة الجواز والوجوب؛ أي‪ :‬أحكام العقل الثالثة‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬يجب انتفاء االستحالة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ورجعوا إلى معيار النقل فيما يتعمق بالثبوت توات ارً‪ ،‬وأنو إذا لم يثبت توات ارً فال يمكن أن يكون في‬
‫مجال العقائد‪ .‬لماذا ىذا المقصد؟ ألن اهلل سبحانو وتعالى يقول‪َ ( :‬و َما َيتَِّب ُع أَ ْكثَُرُى ْم إِال ظَ ًّنا إِ َّن الظَّ َّن ال‬
‫ون )‪ .‬القائل اآلخر يقول‪ :‬ألغيتم الشريعة‬ ‫ون إِال الظَّ َّن َوِا ْن ُى ْم إِال َي ْخُر ُ‬
‫ص َ‬ ‫ش ْي ًئا ) (إِ ْن َيتَِّب ُع َ‬ ‫ُي ْغ ِني ِم َن ا ْل َح ِّل‬
‫ق َ‬
‫ال ىذه ىي آيات كميا في العقائد‪ ،‬وليست في الفقو وال في الظنون‪ .‬أما القضايا الفقيية‪ ،‬فميا حكميا‪،‬‬
‫يعمل بيا في حديث اآلحاد‪ .‬وقالوا‪ :‬إن حديث اآلحاد ىو ظن بالضرورة "دخل النبي الكعبة ودخل معو‬
‫أسامة وبالل‪ ،‬قال بالل صمى ركعتين‪ ،‬وقال أسامة لم يصل وانما دعا في نواحييا‪ .‬الزمان واحد‬
‫والمكان واحد‪ ،‬والرجالن كالىما ثقة‪ ،‬وحديثيما في الصحيح‪ ،‬أسامة قال‪ :‬لم يصل شيئا وانما دعى‪،‬‬
‫أبو بكر رضي اهلل عنو رد‬ ‫بالل قال‪ :‬صمى ركعتين‪ .‬إذاً ىناك غفمة وذىول وقع‪ ،‬وىذا طبيعي؛ وليذا‬
‫حديث المغيرة بن شعبة في مسالة الجد‪ ،‬ورد عمر حديثا ألبي موسى األشعري في مسالة االستئذان‪،‬‬
‫والى أحاديث كثيرة‪ ،‬ورد ابن عباس حديث أبى ىريرة في قضية غسل اليد قبل إدخاليا في اإلناء‬
‫بالعقل‪ ،‬وقال‪ :‬كيف يصنع بالميراس‪.‬‬

‫فالموقف ليس ىو جديدا‪ .‬ىذا فقو الصحابة رضوان اهلل عمييم‪ .‬إذاً نحن أمام من يقبل التأويل في‬
‫آيات الصفات‪ ،‬وأمام من ال يقبمو‪ .‬وأمام من يقبل آحاد األحاديث في آيات الصفات وأمام من ال يقبل‬
‫ذلك‪ .‬موقفان متقابالن‪ .‬التأويل قطعا في كالم اهلل ثابت‪ ،‬النبي صمى اهلل عميو وسمم يقول عن اهلل‬
‫سبحانو وتعالى في الحديث القدسي "يا ابن ادم مرضت فمم تعدني‪ ،‬فيقول‪ :‬كيف أعودك وأنت رب‬

‫العالمين‪ ،‬يقول مرض عبدي فالن"‪ .‬ىم يقولوا نقتصر عمى ىذا‪ ،‬نقول ال‪ .‬ىذا كان تنبيياً ونبراساً‬
‫أن يؤول؛ ألنو مجاز "أولكن لحاقاً بي أطولكن يدا"‪ ،‬كن يتطاولن‬
‫عمى أن ما ورد من ىذا النوع يمكن ْ‬
‫حتى عرفن داللة الحديث‪.‬‬

‫فالتأويل ثابت في كالم اهلل‪ ،‬ىل نفرق بين كالمو في العقائد وبين كالمو في الفقو؟ ىل ىناك ضرورة‬
‫ليذا التفريق؟‬

‫‪6‬‬
‫األشاعرة قالوا‪ :‬ال ضرورة‪ ،‬ىو كالم اهلل وكالم رسولو‪ .‬واآلخرون يقولون في ضرورة النطق عمى ذلك‬
‫الظاىر‪ :‬ىي ظواىر عديدة ىي ظواىر تقابل ظواىر‪ .‬وىنا اذكر ما قالو الشيخ محمد المامي ‪ :‬واذا‬
‫غرض األسنة تتخذك نيابيا‬ ‫الظواىر عارضتك فال تكن‬

‫إن كنت تُحسن في الوغى تمعابيا‬


‫ْ‬ ‫واصبر ليا ذا نية وبصيرة‬

‫يحمى الحقائـق واغتنـم أسـالبيا‬ ‫وامنع تسمطيا بصولة قُمَّ ٍب‬

‫فنحن نغتنم أسالب الظواىر بالظواىر‪ ،‬ونعوذ باهلل أن نقول عمى اهلل ما لم يقمو‪.‬‬

‫فمسالة التثبيت ‪-‬وىذا من أكبر المقاصد عند األشاعرة‪ -‬ترجع إلى حكمي العقل والنقل الثابت الذي‬
‫يجب أن يكون تواترا‪ ،‬توات ار مبنيا عمى الحس أي عمى الرؤية أو السمع؛ ألنو ليس توات ار مبنيا عمى‬
‫االعتقاد‪ ،‬ألنو يؤدى إلى تصويب تمك الطوائف التي تواطأت وتواترت عمى الكذب‪ ،‬وىذا رد أيضا آخر‪.‬‬

‫ثم في ىذا الدليل العقمي يجب أن يكون ىذا الدليل العقمي مبنيا عمى القياس الكمي الشمولي‪ ،‬وليس‬
‫مبنيا عمى القياس التمثيمي واالستقرائي‪ .‬ىناك نزاع شديد يقول‪ :‬قياس تمثيمي يمكن أن نحيمو إلي‬
‫شمولي‪ ،‬لكن لو أحمتو إلى شمولي لفقد صورة القياس؛ ألنو في‬

‫األصل انتقا ٌل من جزئي إلى جزئي‪ ،‬فستنتقل من جزئي إلى كمى لترجع وتنتقل بو من كمى إلى جزئي‪.‬‬
‫وىذا أوضحتو لطمبتي بعد أن راجعت كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية مع كالم أبي حامد الغزالي رحميما‬
‫اهلل تعالى‪ .‬فاشترطوا قياس البرىان الذي يقوم المقدمات المسممة في المجال العقمي؛ لن يقبموا في‬
‫العقل إال البرىان‪ ،‬لن يقبموا إال القياس الكمى‪ ،‬لن يقبموا في النقل إال المتواتر القطعي‪.‬‬

‫ىنا يكون الفرق قويا بين ىاتين المدرستين‪.‬‬

‫ضوءا من االتفاق‪ ،‬وىو مسالة‪ :‬بال كيف‪.‬‬


‫ً‬ ‫أن ىناك‬
‫أخي ار أشير إلى َّ‬

‫‪7‬‬
‫وان كان الحمل عمى الظاىر أحيانا ال يحتمل بال كيف؛ ألنو ىو تفسير خالص انتيى‪ .‬لكن إذا قالوا‪:‬‬
‫يد ال كاأليد‪ ،‬ووجو ال كالوجوه‪. ،‬‬
‫ٌ‬

‫ىنا ىذا المنفذ يمكن أن نستغمو في التقريب بين ىاتين المدرستين المتين تنتميان إلى نفس الشيوخ‪،‬‬
‫ألن أىل السنة من أثريين كما سماىم السفارينى‪...‬األثريون واألشاعرة و‬
‫إلى نفس العائمة السنية؛ َّ‬
‫الماتريدية كميم أىل سنة‪.‬‬

‫ىذا الشعار ينبغي أن نرفعو‪ ،‬وأن نوضح أال ىؤالء خرجوا عن األثر‪ ،‬وأال ىؤالء أيضا احتقروا األثر؛‬
‫بل األثر ىو لمجميع‪ ،‬والنصوص القرآنية تؤيد جميع ىذه االتجاىات‪.‬‬

‫أخي ارً فإننا في عصر العمم‪ ،‬ىذا العمم أفاد اإلنسان‪ ،‬وكشف الكثير؛ لكنو أظير عجزه أيضا‪ ،‬عجزه عمى‬
‫األرض‪ ،‬ىذه البركانات يقولون ال نعرف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ممكن أن نستفيد من ىذا العمم في صياغة‪ ،‬وال أقول في إثبات عقائد‪ ،‬ولكن في صياغة عمم الكالم‬
‫صياغة جديدة‪.‬‬

‫وليذا أقترح عمى إخواني وعمى د‪.‬محمد عبد الفضيل بالذات أن تُكون ىناك مجموعة لمتجديد في ىذا‬
‫أن نقدم ُجممة من المفاتيح ليذا‬
‫المجال‪ ،‬لمتجديد في عمم الكالم‪ ،‬وىذا متاح إن شاء اهلل ويمكن ْ‬
‫التجديد‪.‬‬

‫سامحوني إن كنت قد قمت ىجرا‪ ،‬أو كنت قد قمت كالما غير صحيح‪ ,‬وشك ار‪.‬‬

‫والسالم عميكم ورحمة اهلل وبركاتو‬

‫* تفريغ لمحاضرة العالمة عبد اهلل بن بيو‬

‫في مؤتمر " ابو الحسن األشعري ‪..‬إمام اىل السنة والجماعة"‬

‫القاىرة‪2010 -‬‬

‫‪9‬‬

You might also like