You are on page 1of 210

‫االنطالقة‬

‫االغتسال يف املطر واالنتصار‬


‫االنطالقة‬
‫االغتسال يف املطر واالنتصار‬
‫بكر أبو بكر‪ /‬مؤلف من فلسطني‬

‫الطبعة األوىل‪2018 :‬‬

‫دار األمني للنرش والتوزيع‬

‫رام الله فلسطني‬


‫وطنية ‪970568549769+‬‬
‫جوال ‪970599649769+‬‬
‫‪e: mail: daralamin2010@gmail. com‬‬

‫تصميم الغالف‪ :‬رامي قبج‬

‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced in‬‬


‫‪any form or by any means without the prior permission of the‬‬
‫‪publisher.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يسمح باعادة اصدار هذا الكتاب أو أي جزء‬
‫منه‪ ،‬بأي شكل من األشكال‪ ،‬اال باذن خطي مسبق من النارش‪.‬‬
‫االنطالقة‬
‫االغتسال يف املطر واالنتصار‬

‫بكر أبوبكر‬

‫منشورات‬

‫حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح‬


‫مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية‬
‫احملتويات‬

‫‪1 .1‬املقدمة ‪7 ..................................................................................‬‬


‫‪2 .2‬يف ذكرى انطالقة حركة فتح‬
‫ انتصار الفكرة وصعود التنظيم الجامهريي‪( .‬للعام ‪9................)2008‬‬
‫‪3 .3‬كالم االنطالقة الجديدة‪:‬‬
‫ حركة فتح واستثامر الذات (للعام ‪33 ................................ )2009‬‬
‫‪4 .4‬حتام سنجد حالً مل تكتشفه بعد (للعام ‪43.......>..................... )2010‬‬
‫‪5 .5‬يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‪:‬‬
‫ فتح تنترص بالعمل والجامهري (للعام ‪49 ............................ )2011‬‬
‫‪6 .6‬حركة فتح ودور يتجاوز الجغرافيا (للعام ‪75............................ )2012‬‬
‫‪7 .7‬الفكر الصاعد والتنظيم املنهك‪ ،‬ومياه التجدد‪،‬‬
‫ يف كالم ما بعد االنطالقة (للعام ‪85 ................................... )2013‬‬
‫‪8 .8‬مبناسبة الذكرى الخمسني النطالقة الثورة‪،‬‬
‫ نظرات يف ثقافة الحركة (للعام ‪123 ................................... )2014‬‬
‫‪9 .9‬الخطاب مبناسبة اليوبيل الذهبي االنطالقة‬
‫ ال‪ 50‬للثورة الفلسطينية العمالقة وحركة «فتح» ‪147.....................‬‬
‫‪1010‬مبناسبة االنطالقة ‪51‬‬
‫ حركة فتح والبحث عن الغيامت املاطرة (للعام ‪171 .......... )2016‬‬

‫‪5‬‬
‫‪1111‬حركة «فتح» الوطنية‪ ،‬وقضايانا القومية (العام ‪193 ............ )2017‬‬
‫‪1212‬فتح» التنظيم الطائر‪ُ :‬هنا خالدون (‪203 ............................ )2018‬‬

‫‪6‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫يف إطار املراجعات الفكرية والتأمالت والكتابة إع��دادا لخطاب‬


‫أو محارضة أو ندوة أو دورة سطّرنا مجموعة من الدراسات واملقاالت‬
‫والتحليالت السياسية نرشناها‪ ،‬أو ألقيناها يف حينها‪.‬‬
‫كتبنا يف املواضيع التي متعن النظر يف األداء التنظيمي والسيايس من‬
‫حيث رضورة استمطار األفكار واالغتسال الذهني التجديدي‪ ،‬ومن حيث‬
‫املعب عنها‬
‫تقابل األداء مع الفكرة والهدف‪ ،‬ومن حيث صالحية الفكرة رَّ‬
‫باألداء الفعال‪ ،‬وأيضا من حيث اتساق األداء بناء عىل آليات البناء املرتبط‬
‫باإلدارة (اإلنسانية) التنظيمية التي تُعيل من قيمة (االتصاالت) الفعالة مع‬
‫األعضاء‪ ،‬فنترشف بأن تكون (القيادة) محفّزة ومحرضة ومحركة لكوامن‬
‫اإلبداع يف اآلخرين‪.‬‬
‫يف ذات الوقت افرتضنا فيام نكتب أن يأخذ كل عضو من األعضاء‬
‫(دوره) ضمن (الفريق) الذي يشتمل عىل أدوار متكاملة يف آلية (الخدمة)‬
‫للقضية وفلسطني‪ ،‬واألعضاء ضمن اإلطار‪.‬‬
‫يشتمل هذا الكتاب عىل عدد من املواضيع املرتبطة بانطالقة الثورة‬
‫الفلسطينية انطالقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح التي ارتأينا‬
‫أن ت ُنرش معا‪ ،‬ما ميكّن االستفادة القصوى منها يف آليات فتح آفاق مشرتكة‬
‫‪7‬‬
‫للتفكري‪ ،‬ويف نطاق التعبئة االيجابية داخل التنظيم أو أي جامعة‪ ،‬ويف‬
‫حركة «فتح» تحديدا‪ ،‬ويف تنظيم وعمل الدورات والندوات عىل طريق‬
‫التثقيف الذايت والجامعي‪.‬‬
‫وإنها لثورة حتى النرص‬
‫بكر أبو بكر‬
‫عضو قيادة مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية‬
‫رئيس لجنة التعبئة الفكرية يف حركة فتح‬

‫‪8‬‬
‫يف ذكرى انطالقة حركة فتح‬
‫انتصار الفكرة وصعود التنظيم اجلماهريي‪.‬‬

‫تستقبل حركة فتح العام ‪ 2008‬وهي قوية ثابتة دميقراطية‪ ،‬حيث‬


‫األرض ممهدة الستمرار انخراط األعضاء يف املشاركة وصنع القرار عرب‬
‫العملية الدميقراطية الداخلية املتصلة حتى انعقاد املؤمتر العام السادس‬
‫هذا العام‪ .‬وحيث السياسة بني أيدي قادة فتح أثبتت أنها تسري وفق‬
‫وصايا الراحل الخالد يارس عرفات الذي وضع بني نظر الجميع القدس‬
‫والدولة والالجئني والسيادة والشهادة معا‪ ،‬كام وضع بني يديها وديعة‬
‫الوحدة الداخلية والوحدة الوطنية ألنه بفتح املوحدة وفتح الوطنية‬
‫الدميقراطية وفتح الشفافية وفتح الصعود التنظيمي والجامهريي تكسب‬
‫فلسطني البوصلة وفلسطني الدولة‪ ،‬وألنه بدون فتح تضعف اإلشارات‬
‫وتتناقص الروابط وتنهار عوامل الجمع وتبدأ القسمة تنخر يف عظام األمة‪.‬‬
‫قال الرجل الثاين يف حركة فتح صالح خلف (أبو إياد) يف أحد مهرجاناته‬
‫الصاخبة (إن قوتنا يف وحدتنا‪ ،‬كونوا جميعا وإن تضايقتم‪ ،‬وال تكونوا آحادا‬
‫وإن شعرتم بالراحة) وقال رحمه الله (دعني أدافع عنك لتقول رأيك‪،‬‬
‫واجتهد يف مخالفتك) ما مل تقبله القيادات الفلسطينية ما قبل االنطالقة‪،‬‬
‫وخاصة قيادات اإلخوان املسلمني (يراجع كتاب د‪ .‬عبد الله أبوعزة مسؤول‬

‫‪9‬‬
‫اإلخوان املسلمني تلك الحقبة)((( والقوميني يف فلسطني وخارجها‪.‬‬
‫إن فتح انتصار الفكرة ال تجعل من مواقف الهزال واالندحار لرجال‬
‫صغار فيها أو من خارجها عنوانا‪ ،‬وإمنا فتح االنتصار للفكرة أعمدة خمسة‬
‫للعمل الوطني‪ ،‬وفلسفة عقل ناقد ومبدع‪ ،‬وعمل مرتبط بالحضارة العربية‬
‫اإلسالمية‪ .‬وفتح االنتصار بصعود التنظيم الجامهريي مساحة دميقراطية‬
‫واسعة داخلها‪ ،‬ويف الوطن لكافة تياراته‪ ،‬خالفا لحركات االستئصال‬
‫واالنقالب والفكر املنغلق يف تيارات حركة حامس أو غريها التي أصبح‬
‫مثقب األرجل والرصاصة يف الرأس شعارها ملطخا بالتكبرية‪.‬‬
‫إن فتح املعادلة املركبة من اإلميان بالله والوطن وااللتزام باملسرية‬
‫بكافة السبل عرب (الثوابت الفلسطينية) التي تعد من أبرز منجزات فتح‬
‫الواقعية العقالنية والتي أجمع عليها الكافة وراء فتح‪ ،‬وانجاز التمسك‬
‫بالوحدة الوطنية التي أدماها اآلخرون‪ ،‬وبحركة دءوبة داخلية هي فتح‬
‫االنتصار والتقدم‪ .‬وهي فتح االنتصار لفكرها الرثي الذي عربت عنه‬
‫الجامهري املليونية الغفرية يف غزة الجريحة بااللتفاف الواسع حول ذكرى‬
‫وفاة قائد األمة والوطن الخالد يارس عرفات طيب الله ثراه‪.‬‬
‫سنتعرض يف هذه الورقة مبناسبة ذكرى انطالقة فتح‪ ،‬انطالقة الثورة‬
‫الفلسطينية الحديثة‪ ،‬لستة مواضيع نرى أولويتها يف مقالنا هذا العام‪ ،‬عىل‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الله أبوعزة‪ ،‬يف كتابه مع الحركة اإلسالمية يف الدول العربية يذكر أنهم‪-‬اإلخوان‬
‫املسلمني يف فلسطني‪ -‬رفضوا عرض األخ خليل الوزير للثورة والكفاح املسلح بوضوح‬
‫وألسباب واهية ما يدلل عىل الجمود ورفض أي رأي‪ .‬ويشري د‪ .‬فهد النفييس إىل أن عقلية‬
‫املتحزب (اإلسالموي) ال تقبل الرأي اآلخر وهي ذات اتجاه واحد فقط‪ ،‬وتجعله يعيش‬
‫معزوال عن الناس بحاجز نفيس فيحرم االبداع والتفكري‪ ،‬مضيفا التداخل الخطري بني‬
‫الدين وأوامره ونواهيه وبني التنظيم كإدارة برشية ما أضفى اللبوس الديني عىل أي رأي‬
‫برشي داخل الحركة اإلسالمية بحيث يجعل العضو يشعر باإلثم لو خالف أمرا تنظيميا‬
‫أو اعرتض عليه (من ص‪ )31-24‬من كتابه أوراق يف النقد الذايت للحركة اإلسالمية‪ ،‬مكتبة‬
‫مدبويل‪ ،‬مرص‪.1989 ،‬‬
‫‪10‬‬
‫أهمية مواضيع أخرى قد تجد النور يف أوراق قادمة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أعمدة الفكر الفتحوي‬
‫أول ما يواجهك من الناس الذين ال يفهمون الحركة أو يتعمدون‬
‫اإلساءة إليها لخلل أصابهم يف املسرية فتجاوزتهم‪ ،‬أو لرغبة مل تتحقق‬
‫فمألت القلب غيظا والنفس حقدا ‪ -‬أول ما يواجهك من أمثال هؤالء‬
‫الناس هو قولهم خاصة لكوادرنا الصغار‪ :‬إنك تنتمي لتنظيم بال فكر‪ ،‬فهل‬
‫حركة فتح كذلك؟‬
‫أن التنظيم أي تنظيم هو مجموعة من األفكار تتجىل يف األشخاص‬
‫واألعامل‪ ،‬فال تنظيم سيايس أو اجتامعي أو اقتصادي ينشأ بال أهداف أو‬
‫أفكار عدا عن أن الله سبحانه وتعإىل م ّن عىل اإلنسان باالستخالف لعامرة‬
‫األرض مبا أودعه فيه من عقل ليس زينة وإمنا لينجز جهدا يعرب عنه بالفكر‪،‬‬
‫وعليه فكل إنسان أو جامعة أو تنظيم بالرضورة متتلك فكرا‪ ،‬وفتح بكل‬
‫بساطة هي صاحبة العالمة املسجلة يف الفكر الوطني الذي يعطى األولوية‬
‫للقضية الوطنية دون أن ينزع عنها عمقها العريب واإلسالمي والعاملي‪ ،‬ويف‬
‫إطار األولوية يدفع األعضاء للرتكيز لتحقيق األهداف وجمع الطاقات يف‬
‫اتجاه فلسطني ضمن مراحل شكلت العقل الواقعي السيايس لهذه الحركة‪.‬‬
‫‪1 313‬فتح الهوية الوطنية‬
‫أن الوطنية مبعنى التخصص واألولوية والرتكيز كانت من مميزات حركة‬
‫فتح التي مل يستطع أي تنظيم أن يباريها فيها‪ ،‬بل أن فتح التي جوبهت‬
‫باتهامات رشسة باإلقليمية والكفر بعد أكرث من أربعني عاما تجد أن كل‬
‫املتهمني لها أخذوا يتهافتون عىل تبنى فكر الوطنية الفتحوي متخلني عن‬
‫اتهاماتهم لها بالرجعية أو اإلقليمية أو الكفر‪.‬‬
‫أن الوطنية متثل العمود األول من أعمدة فكر فتح الخمسة وهي‬

‫‪11‬‬
‫االستقاللية والكيانية والوسطية والتشاركية‪ .‬أن حركة فتح باتخاذها‬
‫فلسطني بوصلتها ألقت بأثواب الحزبية جانبا ملا تجذبه عىل الناس من‬
‫تعصب مقيت نرى نتائجه يوميا فيام يحدث يف غزة الصمود واألبطال‪،‬‬
‫حيث التعصب الحزيب أدى لسلسلة خداعة من الفتوى والتكفري والقتل‪.‬‬
‫إن فتح الهوية الوطنية (ال القومية الشوفينية وال اإلسالموية الحزبية‬
‫وال الشيوعية العاملية) انجاز االنطالقة الحديثة للثورة الفلسطينية الباسلة‬
‫التي مل يسبقها أحد‪ ،‬ولحقها اآلخرون كبّاً عىل وجوههم حينا والهثني حينا‪،‬‬
‫إىل الدرجة التي يأيت فيها كاتب محدث مؤخرا بال هوية أو اسم رصيح‬
‫لينكر عىل فتح إطالقها رشارة الثورة الفلسطينية املعارصة لؤما وحسدا بل‬
‫(((‬
‫وتجنيا مقصودا عىل التاريخ‪.‬‬
‫وإذا جاز لنا أن نقتبس رأي الفتحويني بفتح الوجه الوطني فإننا ننقل‬
‫رأي أحد األخوة يف امللتقى الفتحاوي ما ميثل ثراء هذا الفكر حيث يقول‬
‫يف رسالة وجهها يل((( (أن فكر التحرر الوطني الذي رفعت فتح رايته‬
‫له قسمني رئيسيني‪ :‬أحدهام سيايس وهو محدد يف مجموعة املبادئ‬
‫واألهداف واألسلوب يف الباب األول من نظامنا األسايس‪ (((،‬وفيه تحديد‬
‫‪ -2‬يذكر من ال اسم له‪ ،‬فيام أسامه (مركز دراسات الوحدة الفلسطينية) يف ورقة مسمومة‬
‫وزعت للبعض عرب الشبكة أن (فتح أدعت ان انطالقتها هي انطالقة الثورة الفلسطينية‬
‫املعارصة‪ ...‬الخ) ص ‪ ،3‬من تخرصات مشابهة ليست ذات سند وتنبع عن حقد واستهتار‬
‫بالتاريخ الفلسطيني‪ ،‬تهيئة العتبار ظهور حامس عىل املرسح فقط هو بداية ظهور الثورة‬
‫كام يفهم من سياق الحق للكاتب يتهم فتح بالعلامنية وعدم التفكري وتقديم كافة‬
‫التنازالت ومحاربة حامس)؟؟‬
‫‪ -3‬يراجع امللتقى الفتحاوي ‪www. fateh. tv‬‬
‫‪ -4‬ونقول أن فكر فتح متطور غري جامد خاصة يف شقه السيايس حيث الواقعية وفهم‬
‫عوامل القوى لذا كان لفتح اسرتاتيجيات ثالث كانت أولها رساطية (=اسرتاتيجية) الكفاح‬
‫املسلح وحده ثم أعقبها اسرتاتيجية العمل السيايس والعمل العسكري وثالثها اسرتاتيجية‬
‫النضال بكافة األشكال التي أمثرت ما أصبح يطلق عليه الثوابت الوطنية الفلسطينية‬
‫انجاز فهم فتح الواقعي العميل السيايس‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫واضح وجيل‪ ،‬لكيفية بناء وتحديد معسكرات الخريطة السياسية بني‬
‫معسكر صديق ومعادي ومحايد نسعى الستاملته‪ ...‬واآلخر تنظيمي‪ :‬وهو‬
‫محدد يف النظرية التنظيمية التي تحدد وترسم األطر والصالحيات والرقابة‬
‫والنقد‪ ...‬وتوضح بدقة كيفية بناء التنظيم وتسيري أعامله مبا يخدم تحقيق‬
‫األهداف النضالية من خالل عمل تراكمي جامعي يصهر الفرد يف بوتقة‬
‫الجامعة دون أن ينزع عنه خصوصيته وإنسانيته‪ ،‬وهي (النظرية الثورية)‬
‫التي تحتاج للتجديد‪).‬‬
‫‪1414‬فتح القرار الوطني الفلسطيني املستقل‬
‫باالستقاللية حافظت فتح عىل الحرية يف التفكري‪ ،‬وأعلت من شأن‬
‫العقل‪ ،‬وشجعت الخيارات واإلبداع‪ ،‬وحافظت عىل القرار الوطني املستقل‬
‫منذ محاوالت التخريب العريب يف جسدها عام ‪ 1966‬والحقا عام ‪ 1968‬ثم‬
‫باالنشقاق عام ‪ 1983‬وما تبعة‪ ،‬ومنذ االنقالب التابع لألجنبي عام ‪2007‬‬
‫يف غزة‪.‬‬
‫لقد رسمت االستقاللية خيارات الثورة بتعدد أشكال النضال وتعدد‬
‫أشكال املقاومة العسكرية والجامهريية والسياسية حيث الشعار الذي‬
‫ما فتأ يردده هاين الحسن بأن (العمل العسكري يزرع والعمل السيايس‬
‫يحصد ومن يزرع يحصد ومجنون من يزرع وال يحصد)‪.‬‬
‫‪1515‬فتح وبناء الكيانية الفلسطينية‬
‫أما بالكيانية فقد كرست فتح منظمة التحرير الفلسطينية (م‪ .‬ت‪.‬‬
‫ف) ممثلة للشعب الفلسطيني ووطنا معنويا‪ ،‬بعد أن أعادت للشعب‬
‫هويته وعزته وكرامته وشخصيته الثورية التي سعت أنظمة السقوط‬
‫العريب ‪-‬وتنظيامت الشعارات الخيالية أو الدجل عىل الجامهري‪ -‬لطمسها‬
‫وتكريسها كهوية الجئني مرشدين بال وطن أو دولة‪ ،‬يحتاجون إلغاثة ال‬

‫‪13‬‬
‫لوطن حر مستقل‪ .‬كام أمثرت فتح إنجازها الساطع عرب السلطة الوطنية‬
‫الفلسطينية التي أصبحت املدخل الرشعي للدولة القادمة مبقاومة‬
‫االحتالل الصهيوين الجاثم عىل أرض اإلرساء واملعراج‪.‬‬
‫والكيان أو الشخصية إذ تصنع تتشكل كثقافة هي معرب الناس وسبلها‬
‫للتعبري عن حياتها وحاجاتها‪ ،‬وفتح يف هذا اإلطار صنعت ثقافة الثورة‬
‫والثوار ما مل يسبقها اليه سابق‪ ،‬فأحيت الكوفية رمز الثورة ورفعت العلم‬
‫الفلسطيني عاليا فوق كل الرايات‪ ،‬وكرست طقوسا محددة للجلسات‬
‫واملهرجانات حيث الوقوف حدادا والرتحم عىل الشهداء‪ ،‬وفتح بالثقافة‬
‫أدخلت إىل قاموس اللغة العربية اسمها الجميل كام أدخلت الكادر‬
‫واملناضل والفدايئ ولفظة (أخ وأخت) التي ساوت باستخدامها بني الكبري‬
‫والصغري يف الحقوق والواجبات‪ ،‬ما جعل من الزمة الكبري خليل الوزير‬
‫أبوجهاد (بسيطة يا أخ) تكرارا يعرب فيه عن قانون املحبة يف فتح مشفوعا‬
‫بابتسامته الغامرة يغدقها عىل كل أخ متضايق أو حزين أو بائس أو‬
‫غاضب أو يائس أو يجهد نفسه بالنقد سعيا لألفضل‪.‬‬
‫‪1616‬فتح الوسطية حيث حرية العقل‬
‫أن الوسطية يف فتح واقعية سياسية ال تفريط وال تطرف ال أحكام‬
‫مقدسة وال فتاوى وال تكفري بل احرتام ومحبة للشعب الفلسطيني كافة‬
‫مبسيحييه ومسلميه‪ ،‬ووسطية فتح السياسية ليست توافقية تلفيقية‬
‫كام يظن البعض وإمنا موقف بل مواقف حفاظ عىل املبادئ واألهداف‬
‫والتوازن املجتمعي ألن فتح كانت األوىل وما زالت باحرتام الرأي والرأي‬
‫األخر فهي بكوادرها متثل فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫وفتح كام يقول أحد زمالئنا وأخوتنا األحبة من امللتقى الفتحاوي‬
‫(فلسفه حياة كاملة متكاملة‪ ،‬تنعكس كليا عىل املؤمن بها وتؤثر بشكل‬

‫‪14‬‬
‫مبارش عىل كامل مامرساته‪ ،‬إن كانت تلك املامرسات آنية تتعلق بأمور‬
‫الحياة اليومية‪ ،‬أو دامئة تتعلق بالهدف األسمى والبعيد لإلنسان نفسه‪،‬‬
‫وهي فلسفة قامئة عىل تحكيم العقل واملنطق يف كل القضايا الوطنية‬
‫والشخصية‪ ،‬ووضع ما ميليه العقل واملنطق تحت مجهر الفحص النقدي‬
‫الدائم واملستمر الستكشاف فجواته ونواقصه‪ ،‬وبالتايل تصحيح املامرسة‬
‫وعدم التواين عن نقد الذات‪ ،‬واستخالص الدروس والعرب وإعادة ’’القطار’’‬
‫إىل سكته الطبيعية التي تصل به إىل محطته النهائية املرجوة)‪.‬‬
‫(((‬
‫مضيفا أن (فتح كام فهمتها هي اإلميان بالعقل كثمرة قابله للتطور‬
‫املستمر الستيعاب املعطيات الثابتة واملتغرية التي تؤثر يف املسرية‪ ،‬والقادر‬
‫بالتايل عىل التأقلم معها والتأثري بها لتحقيق الهدف‪ .‬إن فتح ‪-‬كام آمنت‬
‫بها ‪ -‬هي دعوة مفتوحة ودامئة للنهل من كل ما هو متوفر لنا من علم‬
‫ومعرفه وثقافة‪ ،‬واستغاللها لتوسيع مقدراتنا عىل التفوق ب’’السباحة ’’‬
‫يف «محيطنا العاصف والهائج» ‪-‬باملعنى الحيايت الذايت والوطني العام‪-‬‬
‫فتح التي أحاول مامرستها‪ :‬هي التحيل بالشجاعة الالزمة لنقد الذات ليس‬

‫‪ -5‬يف نقده للخطاب السيايس (اإلسالموي) غري العقالين يقول الكاتب اإلسالمي د‪.‬‬
‫فهد النفييس يف كتابة أوراق يف النقد الذايت ص ‪ 29‬أن التوجيه الفكري يجب أن يركز‬
‫عىل البناء العقيل بينام التوجيه الخطايب (لإلسالمويني) يركز عىل البناء العاطفي حيث‬
‫الخطيب يتعامل مع الروايات والتاريخ يف إطار العاطفة املشبوبة منتقدا ذلك بشدة‬
‫ومعتربا أن بذرة التوجيه الفكري أدوم حيث ينقص الحركة اإلسالمية كام يقول صف من‬
‫املوجهني الفكريني‪.‬‬
‫ويقول د‪ .‬محمد عامرة أن هذه الحركات بالغت يف ترويض أعضائها عىل الطاعة أكرث‬
‫مام دربتهم عىل املحاسبة والنقد والتقويم‪ ،‬ما يؤدي لعدم منو شجاعة االعرتاض ونقص‬
‫الحريات العقلية‪ ،‬حيث وحدانية الرأي رأي املرشد واألمري واإلمام فقط‪ ،‬والذي يؤدي‬
‫للتفكك والقصور والترشذم ويقتل يف األعضاء ملكات الحرية والنقد واالبداع والقيادة‪.‬‬
‫ويضيف النتقاداته أنه يف هذه األحزاب يتحكم األموات باألحياء حيث املايض يحكم‬
‫الحارض‪ ،‬وحيث ال نظرة ايجابية لآلخر يف املجتمع ألن الحزب وحده عند بعض هذه‬
‫الجامعات ميثل املسلمني فقط دون اآلخرين (ص‪.)335‬‬

‫‪15‬‬
‫بهدف جلد النفس‪ ،‬بل من أجل معالجه األمراض قبل استفحالها‪ ،‬وفتح‬
‫هذه وبهذا املعنى هي فلسفه حياة باستطاعتنا غرسها بسهوله يف عقول‬
‫وقلوب أطفالنا‪ ،‬كام غرسها السابقون منا فينا‪ ،‬وهم ونحن بذلك نستطيع‬
‫النوم قريري العني عىل أن أجيالنا الحالية والالحقة‪ ،‬أنها متتلك البوصلة‬
‫الحقيقية والصحيحة ملواجهة تحديات الحياة‪ ،‬والصمود عىل طريق‬
‫(((‬
‫الهدف النهايئ)‪.‬‬
‫‪1717‬فتح الدميقراطية والعدالة االجتامعية‬
‫فتح التشاركية‪ :‬دميقراطية وعدالة اجتامعية وحقوق إنسان وشفافية‬
‫وتداول عىل السلطة‪ ،‬ما أثبتته أمام أعني العامل أجمع حينام سلمت السلطة‬
‫لخصم مل يستطيع الحفاظ عىل السلطة فانقلب عليها بالقوة املسلحة‪.‬‬
‫أعب عنه كام قال الفيلسوف زيك نجيب محمود يف‬ ‫أن موقف وفكر فتح رّ‬
‫كتابه تجديد الفكر العريب صفحة ‪ 199‬هو املوقف الذي (أن بقيت ظروفه‬
‫عىل حالها تبقى مبادئه مثال عليا للحارض كام كانت للاميض‪ ،‬وما تغريت‬
‫ظروفه تتغري مبادئه‪ ،‬فاملوروث عن األسالف هو لنا مبثابة نقطة ابتداء أي‬
‫–مبدأ‪ -‬ينقي بعضها وتحذف بعضها بحسب ما تقتضيه حياتنا العرصية)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬صورة حركة فتح‬
‫استطاعت فتح أن ترسم صورة مرشقة استقرت يف أذهان الناس سواء‬
‫يف الوطن أو خارجه فهي مفجر الثورة وهي الكوفية وهي االنطالقة وهي‬
‫منجزات األمة‪ ،‬وهي االعرتاف العاملي بالقضية وهي منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية وهي يارس عرفات وهي الدميقراطية وهي يدا مروان الربغويث‬
‫املرسبلة بالحديد يرفعهام يف وجه جالديه‪ ،‬وهي فارس عودة يف مواجهة‬
‫‪ -6‬مساهمة فعالة ورائعة من أحد األخوة الكرام أعضاء امللتقى الفتحاوي ‪www.‬‬
‫‪fatehforums. com‬‬

‫‪16‬‬
‫الدبابات‪ ،‬وهي آيات األخرس أول شهيدة يف االنتفاضة الثانية‪ .‬لكنها يف‬
‫املقابل ولسلسلة من أالزمات التي سبقت ولحقت وفاة الرئيس الخالد‬
‫قد شوشت هذه الصورة‪ ،‬ورسمتها بشكل سوداوي يف بعض جوانبها ما‬
‫جعل الخصم والعدو يستغل ذلك يف محاولة لتكريس فتح وكأنها الفساد‬
‫والنزاع وما ذلك إال ظلم مقصود وتجني مرصود يؤخذ به الكافة بجرائر‬
‫القلة الذين ندينهم ونعريهم دون أن نحتاج لتخ ّرصات ومفاسد أحد بيننا‪،‬‬
‫((( وإنها فوىض وخالفات وإنها كفر وزندقة أو خالفه من املفاهيم التي‬
‫مل تدخل يف رأس الناس‪ ،‬وظلمت الصورة الحقيقة التي متثل الصورة األوىل‬
‫والراسخة‪.‬‬
‫يقول املثل العريب الشهري (إياك والسآمة يف طلب األمور‪ ،‬فتقذفك‬
‫الرجال خلف أعقابها) وفتح مل تسأم من بذل الجهد أبدا ومل تفرط يف‬
‫الكفاح‪ ،‬بل كانت ومازالت حركة متواصلة دءوبة تجاه األعضاء والجامهري‬
‫وتجاه األصدقاء والعامل‪.‬‬
‫فتح الصدر الحاني‬
‫رغم مناورات الخصوم وحقد بعضهم الغريب‪ ،‬إىل درجة تزوير التاريخ‬
‫واقتالع الجذور‪ ،‬ورغم أراجيف األعداء املحتلني الذين يتنفسون الصعداء‬
‫مع كل لطمة لحركة فتح‪ ،‬ظلت فتح األوىل يف كل ايجابية فلم يستطع‬
‫أحد تجاوزها ألن (دونها خرط النقاد)‪ .‬ففتح أن مل تكن األوىل بني الثورات‬
‫العاملية فإنها املتميزة‪ ،‬صنعت مساحة حركتها وجذبت املوافق واملخالف‬
‫لها فحققت صورة التنظيم العنيف ضد االحتالل‪ ،‬الثوري‪ ،‬واسع الصدر‬
‫عىل األعضاء والجامهري‪ ،‬الحاين‪ ،‬املحافظ أبدا عىل الوحدة الوطنية‪ ،‬املهتم‬
‫بأمور الناس والذي مل تتلطخ يداه بدماء الفلسطينيني أبدا‪.‬‬
‫‪ -7‬يراجع كتابنا عن سلبيات وأزمات فتح وعن الفاسدين فيها املعنون‪ :‬حركة فتح‬
‫والتنظيم الذي نريد الصادر يف رام الله عن دار عناة للنرش عام ‪.2003‬‬
‫‪17‬‬
‫إذا مل تكن األول فكن متميزا‪ ،‬وإذا مل تكن السبّاق فكن األفضل‪ .‬فام‬
‫بالك وحركة فتح حازت األسبقية بالنضال كام حازت التم ّيز‪ ،‬وبشهادة‬
‫الثائر الكبري ماوتيس تونغ‪ ،‬ورغم التشوشات الكثرية‪ ،‬بل واألزمات‪ ،‬وأيضا‬
‫مخططات التشويه ومحاوالت الهدم واإلبادة املستمرة يف مسريتها من‬
‫عديد األنظمة العربية واإلقليمية((( ومن العدو املحتل ال أحد يشري لغريها‬
‫حينام يذكر النضال الفلسطيني أو الجهد الوطني‪ ،‬وال أحد يستطيع أن‬
‫يتخطى رقاب الفتحاويني يف أي صالة أكانت يف املسجد أم يف العراء‪.‬‬
‫إن من أوجب واجباتنا أن نحافظ عىل هذه الصورة يف أذهان الناس‬
‫بأن نطور من قدراتنا وذواتنا وأن نقرتب أكرث من هموم الناس وان نتمسك‬
‫مبسلكياتنا االيجابية ونتخلص من السلبية‪ ،‬ونكون قدوة يف القول والفعل كام‬
‫كان الرسول األعظم قدوتنا‪ ،‬وكام كان قادة النضال مناذج لنا نحتذي بها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬فتح واإلسالم‬
‫مل يتحدث أحد عن فتح واملسيحيني‪ ،‬ألنهم يعلمون أن الرتبية الوطنية‬
‫السياسية((( الفتحوية تعتمد املواطنة واالنتامء الوطني ال الطائفة أو‬
‫كل الحديث الذي يواجه كوادر فتح خاصة من الطالب يدور‬ ‫الدين‪ ،‬وإمنا ّ‬
‫عىل فتح والدين اإلسالمي وكأمنا مطلوب من كل مسلم يوميا أن يقدم‬
‫‪ -8‬األزمة مع األردن عام ‪ ،1071-1970‬واألزمة واالقتتال مع السوريني خاصة منذ العام‬
‫‪ ،1975‬واألزمة مع حزب البعث العراقي من خالل أبونضال‪ ،‬واألزمة مع النظام الليبي‬
‫الحقا‪ ،‬وأزمة االنشقاق املدعوم سوريا‪ ،‬وأزمات املخيامت مع السوريني وحلفاؤهم‪،‬‬
‫وأزمات طرد القيادة الفلسطينية من أكرث من بلد‪( .‬يراجع كتاب يزيد صايغ‪ ،‬الكفاح‬
‫املسلح والبحث عن الدولة‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بريوت ‪ ،)2002‬وكتاب طالل‬
‫أبوعفيفة‪ ،‬اإلسرتاتيجية والدبلوماسية يف السياسة الفلسطينية ‪ ،1997-1897‬فلسطني‪،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫‪ -9‬يقول د‪ .‬محمد عامرة أن الحركات اإلسالمية تعاين قصورا يف الرتبية السياسية لفقرها‬
‫فكريا وقلة بضاعتها من صناعته وص ّناعه مضيفا وإمنا النغالق هذه الحركات عن الفكر‬
‫السيايس ونظرياته يف مقال مظاهر الخلل ص‪.344‬‬
‫‪18‬‬
‫فاتورة دينية أمام مدعي النيابة عن الله يف األرض‪ ،‬يف خلط عجيب بني‬
‫البناء الروحي والرتبية السياسية‪ ،‬أو كأمنا مطلوب من كل مسلم فتحوي أن‬
‫يقدم كشف حساب ألصحاب الفتوى من الجهلة املعممني وغري املعممني‬
‫الذين يطلقون األحكام واالتهامات جزافا فهذا مسلم وهذا مرتد وذالك‬
‫كافر لتشتعل آلة الحقد املجنون رصاصا وإلقاء من أعايل البنايات وأرجل‬
‫مثقوبة ورؤوس مهشمة وصلت ألكرث من ‪ 450‬جرمية ضد اإلنسانية يف‬
‫قطاع غزة‪ ،‬والقامئون عليها من مدعي اإلسالم الذين ال يفقهون للحظة‬
‫مدى حرمة الدم عند الله سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪1.1‬فتح والعقل‬
‫فتح ال تحتاج للدفاع عن نفسها أبدا أمام الذين يخلطون الزيت بالخل‬
‫فيجعلون من الدين وقود السياسة‪ ،‬ويجعلون من الحرام والحالل طعام‬
‫السياسيني وال مييزون بني العقل واإلميان وال يستطيعون أن يروا الدين‬
‫هاديا ومرشدا للفكرة ال متحكام ومتسلطا عىل العقل‪ ،‬فالله سبحانه‬
‫وتعإىل الذين خلق الخلق ترك لهم حرية الخيار يفعلون ما يشاؤون مبنحة‬
‫العقل‪ ،‬وأنزل لهم القران هاديا ومرشدا ‪-‬ملن شاء‪ -‬واعد لهم جنة ونارا‪ ،‬ومل‬
‫يوكل عنه أحدا ليكون هاديا ومرشدا نيابة عنه فينزع املنحة من الناس‪،‬‬
‫وهذا ما تدركه فتح وتعمل به‪.‬‬
‫أو كام يقول الكاتب املغريب قاسم شعيب (قاسم شعيب‪ ،‬تحرير العقل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب ‪ ،2007‬ص‪ :)8‬أن الحقيقة التي‬
‫يغفلها النص ّيون(‪ ((1‬هي أن القران مل يأت بديال عن العقل بقدر ما جاء‬
‫‪ -10‬يقول د‪ .‬محمد عامرة الكاتب اإلسالمي املعروف يف مقال له بعنوان مظاهر الخلل يف‬
‫الحركات اإلسالمية املعارصة من كتاب الحركة اإلسالمية رؤية مستقبلية ص ‪( 341‬نلحظ‬
‫ضمن مظاهر الخلل تزايد جمود النصوصيني‪ ،‬وتدين جرعة العقالنية لدى العقالنيني)‬
‫مضيفا أن العقالنية يف االخوان املسلمني (هبطت لتتناسب مع مستوى العامة) ما أدى‬
‫إىل (تجنب التفكري العقالين الذي يثري بجرأته الكثري من املشكالت) ويف ص ‪( 343‬وزاد‬
‫‪19‬‬
‫هاديا له ومرشد ا‪ ،‬فمثل العقل والقرآن كمثل البرص والضياء فال العني‬
‫ميكنها أن تبرص دون ضياء‪ ،‬وال الضياء قادر عىل أن يجعل األعمى بصريا‪،‬‬
‫وهذا يعنى أن العقل والنص يتكامالن من أجل خدمة اإلنسان والتخيل‬
‫عن أحدهام هو تخيل عنهام معا‪.‬‬
‫أن رجال ونساء فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫وأصحاب الرتبية السياسية التعددية الدميقراطية ال يقيمون وزنا‬
‫التهامات الرجعية والزندقة والردة والعلامنية الن األفواه ذاتها التي تكيل‬
‫الشتائم واالتهامات هي ذاتها التي كانت تشتم (الوطنية) و(القومية)‬
‫و(الدميقراطية) ثم عندما ملع يف رأسها نور الفهم تبنتها وقبلتها ‪-‬رمبا ليس‬
‫كليا‪ ،‬ورمبا تكتيكيا ريثام تنقلب عىل هذه املفاهيم‪ -‬فلم تعد فتح كافرة‬
‫بعد ذلك (يراجع‪ :‬د‪ .‬محمد عابد الجابري‪ ،‬وجهة نظر نحو إعادة بناء‬
‫الفكر العريب املعارص‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت ‪.)1988‬‬
‫‪2.2‬فتح وعلامنية اإلسالم‬
‫أن كانت حركة فتح حركة علامنية فهي علامنية الدين اإلسالمي كام قال‬
‫املفكر العريب الفتحوي الكبري خالد الحسن‪ ،‬مبعنى التي رفضت الظالمية‬
‫والتقديس لألشخاص والتكفري كام رفضت انتزاع السلطة بالدماء بدعوى‬
‫الحق املطلق يتفجر من عيون من عبدوا األشخاص والحزب أو أ ّجروا‬
‫عقولهم ألصحاب أعراس املثاقب تنخر عظام األبرياء من أبناء غزة األبطال‪.‬‬
‫مل تقل فتح يوما إنها ذات فكرانية (=أيديولوجية) مطلقا‪ ،‬ومل تقل أنها‬
‫تشكل حزبا سلطويا‪ ،‬يعشق الكرايس ويتغنى باأللقاب‪ ،‬كام مل تتبنى طرحا‬
‫مجتمعيا علامنيا رغم الكثري مام يقال بهذا الشأن‪ ،‬وإمنا قالت بالثورية‬
‫وضوح هذا الخلل وضاعف من تأثرياته عجز الكثري من هذه الحركات حتى اآلن عن‬
‫إقامة العالئق والخيوط التي تصنع وتقنن التاميز بني مؤسسات الفكر وأعالمه وبني‬
‫تنظيامت الحركة وجمهورها)‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫كام قالت بالدميقراطية –وكفى‪ -‬الدميقراطية التي خشيها اإلسالمويون‬
‫(املتحزبون) وكفروها ثم تبنوها‪ ،‬وقالت باملجتمع املدين الذي خشية‬
‫اإلسالمويون وكفروه ثم تبنوه‪ ،‬وقالت بحقوق اإلنسان وحقوق املرأة التي‬
‫رفضها اإلسالمويون باعتبارها نتاج الغرب الكافر ثم تبناها بعضهم إىل‬
‫الدرجة التي طالبوا فيها بقيام دولة علامنية يف فلسطني كام قال عضو‬
‫قيادة اإلخوان املسلمني يف مرص عبد املنعم أبو الفتوح‪.‬‬
‫‪3.3‬فتح وطالب السلطة‬
‫قال يل صديق خرج من املعتقل حديثا أن بعض قيادات حركة حامس‬
‫يتجنبون التعاون مع حركة فتح يف املعتقل ويتقربون من اليسار‪-‬وكام هو‬
‫الحال يف الجامعات أيضا‪ ،-‬فلام سأله صديقنا وهو من أحد أحزاب اليسار‬
‫مل تفعلون ذلك وأنتم أقرب إليهم‪-‬أي إىل فتح‪ -‬فكريا منا‪ .‬قال له‪ :‬أنتم ال‬
‫تنازعوننا السلطة وهم من ينازعنا ألنهم قريبون من الدين؟!‬
‫لذلك نرى سالسة التفاوض بني اإلرسائيليني وحركة حامس تلك التي‬
‫تجري خفية عىل قدم وساق‪ ،‬ومن خالل اإلعالن العلني املتكرر املتمثل‬
‫بالغزل املمزوج باالستجداء اليومي لوقف إطالق النار من قبلهم مربوطا‬
‫بهدنة مجانية لعرشات السنني‪ ،‬دون أي تحرك مقابل إلنهاء االنقالب‬
‫الدموي يف غزة كمنطلق ملصالحة األخوة الذي ما فتأت فتح تطالب به‪.‬‬
‫أن حركة فتح حركة الشعب الفلسطيني العريب املسلم واملسيحي‪،‬‬
‫وهي نتاج تاريخ وتراث هذه األمة العربية اإلسالمية باسهاماتها املسيحية‬
‫الرشقية‪ ،‬وهي بذلك تبث الرعب دوما يف قلوب مدعي احتكار اإلسالم‬
‫ألنها ترضب مثال ال يستطيعون مجاراته يف التسامح واملحبة والوحدة‬
‫الوطنية‪ ،‬والعدالة االجتامعية التي هي حقيقة الدين الحنيف الذي ال‬
‫يقبل انكامشه يف حزب أو شخص‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫رابعا‪ :‬حركة فتح و«حماس»‬
‫حركة فتح التي حملت مشعل الثورة يف زمن انحطاط األمة وبعد‬
‫انكساراتها املتكررة يف األعوام (‪ )1967 ،1956 ،1948‬أعادت األمل للشعب‬
‫الفلسطيني وبعثت شخصيته وشكلت كيانه ورفعت اسمه عاليا من خالل‬
‫كوفية الختيار التي زنّرت الكرة األرضية حتى اليوم‪ ،‬ليس لعظمة يف قادتها‬
‫وعىل رأسهم النجم العاملي يارس عرفات أو يف حركتها فقط‪ ،‬وإمنا لعظمة‬
‫هذا الشعب الذي رأى فيها السبيل للخالص فأسلس لها القيادة‪ ،‬وهفا‬
‫لها قلبه‪ ،‬وال يعني ذلك تفاخرا أو تبخرتا أبدا فال عصمة وال قداسة وال‬
‫مطلقية والصواب دائم يف العمل السيايس‪ ،‬ألن أي انحراف يف فتح سيواجه‬
‫بقوة من هذا الشعب –رمبا قبل أعضاء فتح‪ -‬الذي وثق بها وجعلها عنوان‬
‫فلسطني‪ ،‬إلن الشعب الفلسطيني كام ظل يردد املرحوم أبوعامر يسبق‬
‫قياداته دوما‪.‬‬
‫‪1.1‬فتح أخطأت لكنها أنجزت‬
‫حركة فتح التي عملت وأخطأت وهي تجهد نفسها يف مراكمة‬
‫االنتصارات منذ العام ‪ 1957‬حيث النشأة ومنذ العام ‪ 1965‬حيث‬
‫الرصاصة األوىل التي أرعبت املنطقة الساكنة‪ ،‬ألقت بانطالقة الثورة‬
‫الفلسطينية حجرا يف مستنقع األحزاب امليتة مثل البعث والقوميني‬
‫والشيوعيني واالخوان املسلمني وحزب التحرير ذات الشعارات الطبلية‬
‫الطنانة والزمرية الرنانة‪ ،‬التي ال تغني وال تسمن من جوع‪ ،‬فكانت فتح‬
‫أفضل من غريها الذي قعد عن القتال أو حتى مجرد التفكري به‪ ،‬مستبدلني‬
‫ذلك باتهامات للحركة مازالت متواصلة‪ ،‬كام هو شأن اإلخوان املسلمني‬
‫يف فلسطني (الذين أصبحوا حركة حامس منذ العام ‪ ،)1987‬وكام يقول‬
‫مسؤول اإلخوان املسلمني يف قطاع غزة سابقا د‪ .‬عبد الله أبو عزة يف كتابه‬
‫(مع الحركة اإلسالمية يف الدول العربية ص ‪( :)163‬إن فتح أخطأت وهي‬
‫‪22‬‬
‫تبادر وتعمل‪ ،‬وإذا كانت أخفقت يف الوصول إىل الهدف ‪-‬تحرير كامل‬
‫فلسطني‪ -‬فقد حققت عددا من اإلنجازات تحسب لها بالتقدير والثناء‬
‫وذلك من حيث القدرة عىل التنظيم‪ ،‬والقدرة عىل التحرك وسط الظروف‬
‫املعقدة‪ ،‬كذلك يحتسب لفتح متكنها من تعبئة قوى الشعب الفلسطيني‬
‫وإنشاء عديد من املؤسسات التي أعادت للشعب الفلسطيني إحساسه‬
‫بذاته‪ ،‬وفرضت قدرا من إحساس اآلخرين بهذه الذاتية الفلسطينية)‪.‬‬
‫‪2.2‬فتح أفسحت املجلس‬
‫فتح الدميقراطية مل تضيق املجلس بل أفسحته لغريها رغم أنه ظن‬
‫نفسه بديال عنها وعن منظمة التحرير الفلسطينية فترصف بعد االنتخابات‬
‫وفق ذلك‪ ،‬فجاء ليكرس عقلية اإلقصاء واالنقالب واالتهام لآلخرين وتنزيه‬
‫الذات يف خطابات احتفالية ألناس غري مؤهلني سياسيا‪ ،‬بال مضمون سيايس‬
‫وبتحريض عىل اآلخر وتحشيد األحقاد ضده‪.‬‬
‫وكام أثبتت األحداث أمام كل من ألقي السمع وهو شهيد‪ ،‬ونستعري‬
‫من نقد إسالمي للحركات اإلسالموية الحزبية ما ينطبق عىل حركة حامس‬
‫ما يقوله أحد الكتاب اإلسالميني الكبار غري املتحزبني‪ ،‬حيث يقول الكاتب‬
‫اإلسالمي عمر حسنه يف كتابه مراجعات يف الفكر والدعوة والحركة الصادر‬
‫عن املعهد العاملي للفكر اإلسالمي عام ‪ ،1991‬ص ‪( :43 24-‬فقد ال نجايف‬
‫الحقيقة كثريا إذا قلنا أن الكثري من مواقعنا –يقصد مواقع اإلسالمويني‪ -‬يف‬
‫مجال اإلعالم وغريه يحتلها أصحاب الوالء واالنتامء والتحزب ويف أحسن‬
‫األحوال أهل الحامس‪ ،‬ويفتقد فيها أهل االختصاص واألهلية‪ ...‬يكرث فيها‬
‫الخطباء ويغيب عنها الفقهاء‪.)...‬‬
‫‪3.3‬االعالم اإلسالموي‬
‫يضيف عمر حسنة أن (الكثري من املؤسسات اإلعالمية التي ترفع‬

‫‪23‬‬
‫الشعار اإلسالمي ال تزال تفتقد الكوادر البرشية املسلمة املتخصصة‬
‫املدربة‪ ...‬كام أن خطابها يف معظمه ال يزال داخليا مل تستطع أن تصل‬
‫به إىل مرحلة الخطاب العام والعاملي) ولكم أن تقارنوا ذلك مع إعالم‬
‫وخطاب حركة حامس كمثال صاخب؟!‬
‫ويضيف أيضا أنها مل تستطع أن (تحمل هموم الجامهري‪ ،‬وتقدم لهم‬
‫الرؤية اإلسالمية لحل مشكالتهم‪ ،‬حيث استغرقت يف املايض ومشكالته)‪،‬‬
‫وقال ص ‪ 46‬أنهم ميسكون عن (النقد والتقويم واملراجعة ألسباب واهية‬
‫موهومة) ويقول ص ‪ 62‬منتقدا عقلية (التبعيض) اإلسالمية‪-‬كام يسميها‬
‫هو‪ -‬التي (متثل األحادية الضيقة التي تتوهم إنها اكتشفت الحقيقة‬
‫املطلقة كلها‪ ...‬فتتحزب لها وتنغلق عليها وتلغي حق غريها يف النظر‪،‬‬
‫كام تحول دون االستفادة من جهود اآلخرين) ما (يورث الفشل واإلحباط‬
‫ثم التخاذل الفكري والشلل الرتبوي واالنتحار الروحي والهروب إىل عوامل‬
‫الوهم والخرافة‪ )...‬هذا ما يتحفنا به منصف من املفكرين اإلسالميني‬
‫ما يرثي رأينا الذي نعرضه لكم حول الخطاب السيايس لحامس اللهاث‬
‫وراء السلطة وتدمري إرث فتح‪ ،‬إرث فلسطني (دراسة بكر أبوبكر‪ ،‬سامت‬
‫الخطاب السيايس لحركة حامس‪ )2006 ،‬فيامييل‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬خطاب املأزق‬
‫ملاذا نكرس التعرض لحركة حامس الحزب السيايس املغلق فكريا –لنقل‬
‫يف تيار متنفذ فيها‪ -‬يف حديثنا مبناسبة ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‬
‫وفتح؟ نقول ألن فتح صعود الفكرة وانتصار التنظيم الجامهريي تجلت‬
‫من خالل الجامهري التي أظهرت التفافها حول الرشعية واألصل باالستنهاض‬
‫املليوين يف ذكرى وفاة الخالد يارس عرفات بعد أن أزالت الخوف من‬
‫عصابات البغض والقتل والتنويم املغناطييس من قلوبها‪ ،‬فتكرست الحركة‬
‫منهج حياة وفلسفة لكل الناس لذا وجب علينا ملحو أي تأثري سلبي‬
‫‪24‬‬
‫مستمر أن نبسط لهذه الجامهري ‪-‬وخاصة الكتلة الحائرة فيها‪ -‬أزموية‬
‫حامس وتنظيمها وقادتها وخطابها يف تعبري دائم عن احرتامنا لهذه‬
‫الجامهري من جهة‪ ،‬ومن خالل إظهار توضيح أدوار اآلخرين التخريبية‬
‫حيث تتكالب القوى العدوة واالقليمية واملحلية عىل فتح كام تتكالب‬
‫األكلة عىل قصعتها‪.‬‬
‫‪1 .1‬حركة «حامس» باغتها الفوز فجاءها عىل حني غرة جعلها تقف‬
‫فرحة ثم مشدوهة ثم عاجزة عن استيعاب ما حصل ومن ثم‬
‫عن استيعاب رضورة التغيري للخطاب وفقا لتكاليف السلطة‬
‫(‪((1‬‬
‫واستحقاقاتها‪.‬‬
‫‪2 .2‬ومل تستطع أن ترسم خطاً واضحاً بني موقفها كمعارضة يف السابق‬
‫وبني تسلمها لزمام السلطة كحكومة فوقعت يف مجموعة من املآزق‬
‫واألزمات استهانت بها يف البداية وقللت من أمرها يف إطار نشوة‬
‫النرص والعنفوان املرافق لها‪ ،‬ويف إطار اإلميان بأن الله معهم‪.‬‬
‫‪3 .3‬وحاولت التغطية عىل عجزها هذا بإلقاء املسؤولية عىل اآلخرين‬
‫يف الداخل والخارج من خالل عقلية غيبية تستمطر اللعنات عىل‬
‫املخالفني‪ ،‬وتعد األنصار بالنرص‪ ،‬وتطالب بدعم الحكومة واال‬
‫فالتهديد والوعيد‪ ،‬ألن الثابتني عىل دينهم ينرصهم الله‪ ،‬والخونة أو‬
‫الكفار هم الذين يحلمون أو يعملون عىل إسقاط الحكومة‪.‬‬
‫‪4 .4‬مل تستطع حركة حامس أن تخرج من نطاق الخطاب الحزيب الضيق‬
‫إىل الخطاب الوطني إال ما ندر‪ ،‬فألقت بضعفها يف حل املشاكل‬
‫عىل الناس‪ ،‬حني طالبتهم بالجوع وعدم الركوع وبدأت تجمع منهم‬
‫‪ -11‬من النقطة ‪ 1‬إىل ‪ 17‬وردت يف خالصة دراسة مطولة للكاتب تحت عنوان سامت‬
‫الخطاب السيايس لحركة حامس‪ ،‬وصدرت الدراسة قبل االنقالب الدموي لحامس يف غزة‬
‫عام ‪.2007‬‬
‫‪25‬‬
‫األموال وملا سيرّ ت القوافل لتجمع من خزائن األمة وجدت مفاتيحها‬
‫صدئة تفتح بصعوبة شديدة‪.‬‬
‫‪5‬بدا خطاب حامس حزبياً صميام يدافع عن متاسك الحركة التي‬ ‫‪.5‬‬
‫أغوتها السلطة وبهرتها إىل درجة التمسك بها باألسنان والنواجذ‪،‬‬
‫ورغبت من خاللها أن تحقق الرشعية الدستورية والسياسية بعد أن‬
‫اعتقدت أنها حققت الرشعية القتالية وامليدانية عرب تصويرها للرأي‬
‫العام أنها قامت بتحريرغزة‪.‬‬
‫‪6‬وسعت بالتايل للسيطرة عىل القرار ومحاولة تلقف منظمة التحرير‬ ‫‪.6‬‬
‫الفلسطينية وترؤسها بقوة الدفع الناتجة عن حجم الفوز لها‪ ،‬وحجم‬
‫الكبوة التي وقعت بها فتح‪.‬‬
‫‪7‬لقد ظهر خطاب حامس قلقاً متوترا ً يف البداية‪ ،‬لذلك لجأ لألوهام‬ ‫‪.7‬‬
‫ولجأ للغيبيات‪ ،‬ولجأت حامس إلنكار الواقع وابتعدت عن الرؤية‬
‫السياسية التي تقدم الخبز للناس وتقدم الحل للمشكل االقتصادي‬
‫واملايل‪.‬‬
‫‪8‬لقد حاولت حامس جاهدة –وهو ما يحسب لها إيجابا – الخروج‬ ‫‪.8‬‬
‫من املآزق املتعددة التي وقعت فيها حيناً من خالل التحرك‬
‫الخارجي املحموم‪ ،‬وحيناً آخر من خالل محاولة تجنيد الشارع‬
‫واملساجد فنجحت يف أمور وفشلت يف أخرى‪.‬‬
‫‪9‬ففي حني فشلت مسريات الفرح بالجوع ورفض الركوع فإنها‬ ‫‪.9‬‬
‫حصلت يف املقابل عىل التفاف شعبي رغم سوء الحال إىل أن‬
‫تصاعدت أصوات الجوعى بعد ‪ 4‬شهور حالكة لتغطي عىل أصوات‬
‫االتهامات لهم بالغوغاء وتقر حقهم بالتظاهر‪ ،‬وكام جاء يف وثيقة‬
‫الوفاق الوطني املعدلة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪1010‬يف إطار محاولة حركة حامس البحث عن مخرج‪ ،‬تخبطت كثريا ً‬
‫ووقعت يف تناقض الصيحات العالية واملواقف والخطابات املغالية‬
‫واملتناقضة ما كان بامتياز من حقوق حركة فتح فقط لتظهر حركة‬
‫جديدة تتخطفها األضواء وتلعب بها الفضائيات فتقع يف املستنقع‬
‫الذي وقع به سلفها التنظيم الذي اعترب نفسه العمود الفقري للثورة‪.‬‬
‫‪1111‬مل يفد حامس االستهانة بالرشعيات الثالثة‪ :‬الوطنية عرب منظمة‬
‫التحرير الفلسطينية والعربية عرب قرارات اإلجامع العريب والدولية‬
‫عرب قرارات األمم املتحدة بل أساءت كثريا ً للعمل الوطني وعزلت‬
‫نفسها والقضية والسلطة والشعب عن العامل الذي بدأ يتشدد يف‬
‫التعامل مع الحكومة الفلسطينية التي مل تفدها جولة وزير الشؤون‬
‫الخارجية يف فكفكة الحصار الخارجي‪.‬‬
‫‪1212‬إىل أن نجحت الحركة يف تجاوز أزمتها الداخلية التي تأججت مع‬
‫صدور وثيقة األرسى وثيقة الوفاق الوطني باالعرتاف بالرشعيات‬
‫الثالث يف املعدل من الوثيقة ما يحسب إيجابا لحركة حامس‪.‬‬
‫‪1313‬إن سوء إدارة األزمات كان من أهم األسباب التي جعلت حامس‬
‫تعيش يف حرية وتخبط أدى بها الستخدام لغة الرتغيب والرتهيب‬
‫لفظاً وعمالً‪ ،‬لفظاً عرب الخطاب الناري وعمالً عرب القوة التنفيذية‪.‬‬
‫‪ 1414‬لقد فشل خطاب حامس يف استقطاب الجامهري غري املنظمة‪ ،‬ونجح‬
‫يف تحديد شكل املعسكرات من حولها‪ ،‬ومن حول فتح‪ ،‬ومن حول‬
‫التنظيامت األخرى‪ ،‬حتى تلك التي كان صوتها خافتاً مثل (حزب‬
‫التحرير) و(السلفيني)‪ ،‬ألن تصاعد حدة الخطاب الديني قد حفز‬
‫التنظيامت الدينية األخرى الستغالل املساجد والدفاع عن وجودها‬
‫كام فعلت حركة حامس يف استغالل املساجد‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪1515‬يف محاولة إلظهار نفسها كقوة متصاعدة سعت حامس إلضعاف‬
‫القوى األخرى وخاصة حركة فتح عرب الشكوى من الفساد وخلو‬
‫الخزينة بأرقام متناقضة ‪-‬رد عليها وزير املالية السابق(‪ ((1‬مفندا‬
‫كافة االدعاءات‪ -‬وعرب االتهام بالفوىض‪ ،‬ولكن مقدرة حركة فتح عىل‬
‫مللمة بيتها قد حد من هذه املحاولة ووضعها يف سياق الخالف‬
‫الذي يجب أن يتعامل مع الحجوم عىل حقيقتها يف اإلطار الوطني‬
‫واإلقليمي والدويل‪.‬‬
‫‪1616‬ما يسجل نجاحاً لحركة حامس أيضاً أنها جذبت قطاعاً واسعاً من‬
‫الشارع الفلسطيني والعريب خاصة وتزنّرت بدعم حركة األخوان‬
‫املسلمني لها –باعتبارها إطار حركة اإلخوان املسلمني الفلسطينية –‬
‫ما كان مؤثرا ً‪ ،‬هذا النجاح الذي تساوق مع اإلميان بنظرية املؤامرة‬
‫عىل (اإلسالميني) التي ما زالت تشكل أحد أشكال االستقطاب‬
‫والتحليل السيايس يف الوعي العريب واإلسالمي وخاصة عند منارصي‬
‫االخوان املسلمني ‪-‬منذ عهد الرئيس املرصي الراحل جامل عبد‬
‫النارص‪ -‬الذين ال يفهمون سبب النكبات واألزمات إال مبنطق‬
‫املؤامرة‪ ،‬وكيف ال ونحن خري أمة (حزب) أخرجت للناس؟!‪.‬‬
‫‪1717‬يف الختام نقول أنه خريا ً فعلت حركة حامس حينام وافقت عىل‬
‫وثيقة الوفاق الوطني املعدلة رغم ما قد تثريه بعض البنود فيها‬
‫لدى فئة متشددة فيها ال ترى السياسة إال يف لون واحد هو لونها‬
‫فقط ما قد ميزق النسيج الذي يبدو مرتابطا يف الحركة التي تقف‪...‬‬
‫عىل مفرتق طرق صعب وبحاجة التخاذ قرارات حاسمة تجنبها‬
‫االضمحالل أو التفتت‪.).‬‬

‫‪ -12‬هو ورئيس الوزراء السابق د‪ .‬سالم فياض‪.‬‬


‫‪28‬‬
‫* االنقالب كحل للمأزق‬
‫أن الصورة بااليجابيات والسلبيات املذكورة يف دراستنا ‪-‬املشار إىل‬
‫نتائجها أعاله‪ -‬عام ‪ ،2006‬رسعان ما تنقلب للون األحمر فقط بعد االنقالب‬
‫الدموي العنيف لحركة حامس يف غزة ضد السلطة (شهريونيو‪)2007‬‬
‫الذي مل يسبق له مثيل يف تاريخ الثورات الفلسطينية منذ بداية القرن‬
‫العرشين‪ ،‬والذي جاء حال لالضمحالل أو التفتت وحال ملأزقها القيمي‬
‫والفكري ورصاع السلطة فيها الداخيل والخارجي‪ ،‬والذي جعل من كل‬
‫ما تخوفنا من حدوثه وتوقعناه حقيقة واقعة غطت عىل عيون منفذيها‬
‫فأدمت القلوب‪ ،‬وغطت عىل عيون الحكامء فجعلوا من املتعصبني القتلة‬
‫يقودونهم كاألنعام يف طريق رمبا ال يريدونه ولكن ال حول وال قوة لهم‪.‬‬
‫ونجمل القول بأن‪:‬‬
‫ •حامس السياسة تخبط وزلل‪ ،‬وفتح السياسة ثبات بال وجل‪.‬‬
‫ • فتح السياسة قمر منري‪ :‬فكرة واضحة‪ ،‬وثبات عىل املبادئ‪ ،‬وحامس‬
‫السياسة خيل بال رجلني‪ :‬تخبط واستجداء للعدو وحرب عىل‬
‫الشقيق‪.‬‬
‫ •حامس السياسة فوىض سالح وعدوان مستمر‪ ،‬وفتح السياسة‬
‫استقرار نسبي ورفض لرشوط العدو‪.‬‬
‫ •فتح السياسة رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ‪ ،‬وحامس السياسة‬
‫قول مقدس ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه كام يدعون‪.‬‬
‫ •فتح السياسة قادة إنسانيون من هذا الشعب املؤمن الصابر يصيبون‬
‫ويخطئون‪ ،‬وحامس السياسة قادة مالئكة ربانيون‪-‬يف كثري منهم‪-‬‬
‫وأحيانا أنصاف أنبياء وصحابة‪-‬كام يدعون‪ -‬ال يقولون إال حقا‪ ،‬وما‬
‫هو بالحق حيث يفتون مبا ال يفقهون ويدمرون ويجهلون‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ •حامس التنظيم تكالب عىل الدنيا والسلطة والجاه ومتييز لألتباع‪،‬‬
‫وفتح تنظيم صاعد شبعان ريان من الدنيا والسلطة‪ ،‬وسعي حثيث‬
‫إلرضاء الله‪ ،‬ولتحقيق الثوابت‪ ،‬ولخدمة الناس جميعا‪ ...‬جميعا‪ ،‬نعم‬
‫جميعا دون متييز ودون استثناء‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬األجيال يف حركة فتح‪:‬‬
‫لو مر عىل تنظيم غري فتح من املشاكل واألزمات واملؤامرات التي‬
‫مرت بها فتح النشطر إىل ألف قطعة أو لخبت ناره‪ ،‬واندثر‪ ،‬ولكن شعلة‬
‫حركة فتح ذات الضياء ال تنطفئ واآلالف ينضمون يوميا ليعلنوا الوالء لله‬
‫ولفلسطني عرب الوالء لفتح‪.‬‬
‫ولو كان يف نيتنا التعرض ألزمات حركة فتح ومشاكلها ونقدها يف ذكرى‬
‫االنطالقة العمالقة لفعلنا‪ ،‬ألننا ال نخىش يف الحق لومة الئم وال نخىش النقد‬
‫والنقد الذايت يف فتح‪ ،‬كام ال نخاف املراجعة للمسرية‪ ،‬واالعرتاف باألخطاء‪،‬‬
‫تلك التي عندما تصدر عن اآلخرين تعد منهم مقدسات وأحاديث نبوية‬
‫(‪((1‬‬
‫أو مسلكيات رشيفة ال يجوز املساس بها‪.‬‬
‫‪1.1‬املسرية املليونية الغزاوية‬
‫لو كانت فتح حركة العقول املغلقة أو األيادي امللطخة بدم األخوة‬
‫ملا كان لألجيال جميعا أن تشكل مسرية مليونية مل تشهد لها فلسطني‬
‫واملنطقة مثيال يف غزة يف ذكرى وفاة الرمز والثائر والبطل والزعيم الخالد‬
‫يارس عرفات‪.‬‬
‫أن فتح األجيال تعنى التقدم براية واحدة‪ ،‬وسبل متعددة يف داخل‬
‫البناء‪ ،‬وكام قال سبحانه وتعإىل يف سورة العنكبوت (والذين جاهدوا فينا‬

‫‪ -13‬يراجع كتابنا املعنون حركة فتح والتنظيم الذي نريد‪ ،‬دار عناة للطباعة والنرش‪ ،‬رام‬
‫الله‪-‬فلسطني‪ ،‬ط‪.2003 ،1‬‬
‫‪30‬‬
‫لنهدينهم سبلنا‪ ،‬وأن الله ملع املحسنني) صدق الله العظيم‪.‬‬
‫وفتح األجيال بذلك مساحة اتسعت وتتسع لآلراء فال تحارب وال‬
‫قتال‪ ،‬وال اتهام وال نصال‪ ،‬ورغم مراحل الغيبوبة التي اصطدم فيها أبناء‬
‫فتح داخل فتح وأحيانا عىل الفضائيات تحت ادعاءات أرادها اآلخرون‬
‫لنا مبسمى رصاع األجيال‪ .‬إال أن فتح استطاعت مللمة نفسها وتوحيد‬
‫صوتها اآلن‪ ،‬وبعث قوتها الكامنة يف شبابها مستفيدة من حكمة شيوخها‬
‫وبنت أسس العمل التنظيمي عرب تداول السلطة بالدميقراطية التنظيمية‬
‫يف كل الشعب واملناطق واألقاليم واملكاتب الحركية ومنظامت فتح‪ ،‬وما‬
‫انتخابات إقليم يطا والخليل وجنني وغزة‪ ،‬واألقاليم املختلفة الجارية اآلن‪،‬‬
‫إال البداية لالنتصار الدميقراطي يف الطريق إىل املؤمتر العام السادس‪.‬‬
‫‪2.2‬فتح والقدوة‬
‫وقف املفكر الفتحوي العنيد عضو اللجنة املركزية يف حركتنا خالد‬
‫الحسن يف يوم من عام ‪ 1975‬ليخطب يف مؤمتر نقايب عقد يف تونس‪،‬‬
‫فتحدث وأجاد وقال وأعجز حتى ضجت القاعة بالتصفيق ليقف الرئيس‬
‫التونيس الحبيب بورقيبة عىل ِق رَصه ويحتضن خالد الحسن (أبو السعيد)‬
‫فارع الطول محاوال حمله قائال‪ :‬لو كان عندي عرشة مثلك لوزنتهم‬
‫بالذهب‪.‬‬
‫ويف نفس السياق يقف املناضل مروان الربغويث رافعا يديه املكبلة‬
‫بالحديد يف قاعة املحكمة صارخا مبلء الفم بعدم عدالة املحكمة وعدم‬
‫أحقيتها يف محاكمته يف موقف صمود مشاركا فيه كل األرسى واملعتقلني‬
‫الذين بغالبهم من حركة فتح‪.‬‬
‫وهكذا تنتقل الراية من شهيد إىل أسري إىل كادر‪ ،‬فتعرف فتح برجالها‬
‫الصناديد وهم النامذج والقدوة للتنظيم والجامهري‪ ،‬وكل منهم عىل العدو‬

‫‪31‬‬
‫(أعز من أنف األسد)‪ ،‬وكل منهم يختلج قلبه بحب الوطن وعقله بالحرية‬
‫وروحه باالنطالق الذي سريسم فلسطني لوحة لألجيال‪.‬‬
‫‪3.3‬يف كل خري‬
‫ال الكبار ماتوا وال الصغار نسوا كام أراد (جون فوسرت داالس) وزير‬
‫الخارجية األمرييك يف الخمسينات‪ ،‬وأضحت بيضة الشعب الفلسطيني‬
‫بفضل حركة فتح عصية عىل الكرس والتي تغنى بكرسها موشيه ديان وزير‬
‫الحرب اإلرسائييل األسبق أثناء معركة الكرامة املجيدة‪.‬‬
‫أن الجيل القديم ُمش ِعل الرشارة‪ ،‬والجيل الجديد حامل املشاعل ويف‬
‫كل خري‪ ،‬ويف كل منا جديد وقديم‪ ،‬وما الهنات واإلشكاالت يف جسد فتح‬
‫إال رصاع يقوي الحوار أو هكذا نراه يكون دون إغفال للنقد الحثيث‬
‫والحريات‪ ،‬فتصطبغ الحركة بلون التعددية والدميقراطية الداخلية‪،‬‬
‫فتنترص الفكرة ويصعد التنظيم الجامهريي‪ ،‬ولكن مع التزام يجب أن‬
‫نتعلمه ونتقنه يف التعبري خارج اإلطار فال حرية بال التزام‪ ،‬وال التزام أعمى‪،‬‬
‫وال دميقراطية للقلة‪ ،‬وإمنا التشاركية بني األجيال تلك التي ال تعرتف بالسن‬
‫وإمنا بالقدرة عىل بذل الجهد والتجدد‪ ،‬عىل العطاء واإلبداع إرضاء لله‬
‫تعاىل‪ ،‬ويف خدمة القضية والشعب‪.‬‬
‫(انتهى)‬

‫‪32‬‬
‫كالم االنطالقة اجلديدة‪ :‬حركة فتح‬
‫(‪((1‬‬
‫واستثمار الذات‬

‫مل يكن الخيار الذي اتخذته حركة فتح خيارا عبثيا‪ ،‬ومل يكن خيارا‬
‫للتميز يف سياق امتالء األنفاس بالشعارات الحارقة يف محيط محطم‪ ،‬بل‬
‫كان خيار فتح الفكري والعميل مرتبطا برؤية متيز بها املؤسسون‪ ،‬ومرتبطا‬
‫بتجربة مرة لهم أجمعني مع التنظيامت اإليديولوجية العقدية‪.‬‬
‫أن القرار الفتحوي املستقل كان خيارا ارتبط منذ البداية بإميان‬
‫املؤسسني بالحركية ورفضهم االنقياد للقوالب الجاهزة واألفكار املعلبة‬
‫والنصوص «اإلنسانية املقدسة»‪ ،‬وكان رغبة يف التعبري عن التمرد عىل‬
‫الواقع القائم الذي كانت فيه رائحة السلبية والرتاجع والهزمية والنقد‬
‫والردح رائحة تزكم األنوف‪.‬‬
‫كان الخيار الفتحوي وعيا حقيقيا بالرابط النضايل القابل لشد كافة‬
‫أجزاء الجسد بعضها ببعض‪ ،‬وبذلك رفضوا الفكرنة (=األدلجة) ورفضوا أن‬
‫يثقلوا ظهورهم بنظريات قد تبدو جملية عىل الورق إال أنها رسعان ما‬
‫متزقها رياح الواقع وطني األرض‪.‬‬
‫سادت يف األرض ماملك فكرية مغلقة هي مملكة الشيوعية الفكرية أو‬
‫‪ -14‬كتبت وألقيت مبناسبة االنطالقة للعام ‪.2009‬‬
‫‪33‬‬
‫(االشرتاكية العلمية) ومملكة القومية «الشوفينية»‪ ،‬ومملكة (اإلسالمويني)‬
‫وكلها ذات سياق مغلق إقصاىئ لآلخر‪ ،‬طوباوي وخيايل الحلم ال تؤمن‬
‫بوجود التقاطعات مع اآلخر بل تجرمه وتتهمه وال تراه يستحق الوجود‪.‬‬
‫وان وجدت مساحات ضئيلة للتفاعل مع األفكار املخالفة يف بعض‬
‫كتابات مفكري أي من هذه املاملك الفكرية العقدية فإنها تضع ذاتها‬
‫مقدمة عىل اآلخر أو مهيمنة عليه‪ ،‬وال شك لديها بصدقية نظريتها‬
‫املطلقة‪ ،‬وقدرتها عىل تحقيق األهداف وكل ما عداها يليها أو يتبعها أو‬
‫يجب أن تذوب يف إطارها وإال فالسجن واالعتقال أو االتهام بالكفر أو‬
‫الرجعية أو املعاداة للقومية وأمال وطموحات األمة ويف التجارب الثالث‬
‫علقت املشانق ومات واستشهد اآلالف يف وطننا العريب‪ ،‬بل املاليني عىل‬
‫مساحة العامل‪.‬‬
‫الوعي‪ :‬إدراك وحرية وتمرد‬
‫لقد شكلت املاملك الفكرية الثالث يف الوعي العريب عقلية التعصب‬
‫ال الحرية‪ ،‬وعقلية االنقياد ال التمرد‪ ،‬وعقلية االنفكاك عن اآلخر املخالف‬
‫بالوعي أو الرؤية أو الفكرة‪ ،‬لتأيت فتح وتكرس ثالثية (الحرية والتمرد‬
‫والوعي النضايل) التي أمثرت فكر الوطنية الدميقراطي املرتبط باألداة‬
‫النضالية وباالستقاللية وبالوحدة الوطنية‪.‬‬
‫وها نحن أوالء اليوم نعود ثانية لذات الرصاع املحتدم بني مملكة‬
‫(اإلسالمويني) عىل اختالف مشاربهم وعدم توحد كلمتهم وتباعد آرائهم‬
‫من اليمن إىل اليسار أو من االعتدال (ومنه االعتدال املدعى) إىل التطرف‬
‫(ومنه التطرف املفرتض) واحتكارهم لله والحقيقة معا‪ ،‬ومملكة العلامنيني‬
‫أيضا بتعدديتهم ومحاولتهم سحب البساط من تحت أرجل مخالفيهم‬
‫بادعاء امتالكهم للحقيقة وقدرتهم عىل بناء املجتمع املدين لوحدهم‬

‫‪34‬‬
‫ليصطدموا بالليرباليني كام يقول املفكر د‪ .‬فهمي جدعان يف كتابه الهام‬
‫الخالص النهايئ‪.‬‬
‫وما بني هؤالء وأولئك تربز فتح ثانية كفكرة ثاقبة قابلة للتقدم‬
‫والتطور وهي إذ اختارت االبتعاد عن األدلجة فألنها تؤمن بحركية التاريخ‬
‫واختالف حوادث الزمن وتغري املكونات العقلية للبرش لذلك كان من‬
‫السهل عىل حركة فتح أن تتبنى الدميقراطية وتقلص من حجم املركزية‬
‫فيها‪ ،‬كام كان من السهل عليها ان تعترب الدميقراطية تكنولوجيا سياسية‬
‫وفق مصطلح (د‪ .‬فهمي جدعان) أو أداة فرز يف ذات الوقت الذي اعتربت‬
‫فيه الدميقراطية ثقافة أيضا يجب أن ترتسخ كقيمة مجتمعية‪ ،‬إذ ال يكفي‬
‫أن يحكم الصندوق واألوراق وإمنا يجب أن تسود املجتمع ثقافة التنوع‬
‫والتعدد وعدم اإلقصاء واالستبعاد ورجم اآلخرين بالغيب والشق عن‬
‫قلوبهم وإميانهم وأفكارهم‪ ،‬وتدمريهم ملجرد املخالفة بالرأي أو الفكرة‬
‫أو الدين أو الطائفة ما هو مالزم ألصحاب املاملك الفكرية اإليديولوجية‬
‫بطابعها االقصايئ والخيايل والرتايث أيضا ذاك الذي يفرتض امتالك الجنة يف‬
‫اآلخرة والحقيقة يف الدنيا‪ ،‬أو االثنتني معا يف الدنيا‪.‬‬
‫الديمقراطية سلوك وثقافة‪:‬‬
‫أن فتح التي آمنت بالدميقراطية سلوكاً وثقافة يف الثورة ويف التنظيم‬
‫ويف املجتمع الفلسطيني تواجه اليوم تنظيامت ال تقر مثل هذا اإلميان يف‬
‫عنارصها وأعضائها فهي تدعي االنقياد للدميقراطية وتعترب يف أدبياتها ويف‬
‫تعبئتها لعنارصها أن الدميقراطية دين جديد لذا فهي ضد اإلسالم وبالتايل‬
‫مرفوضة‪ ،‬أو هي فقط للعلامنيني أو ال ينقع لها إال الليرباليني‪ ،‬وكل هؤالء‬
‫يف ضالل مبني‪ ،‬فكام كانت الدميقراطية العربية أو اإلسالمية نتاج تاريخ‬
‫عريب اإلسالمي شوروي فهي تطور من ثقافة القتل والصواب األوحد إىل‬
‫ثقافة عمر بن الخطاب ذو الرأي املتغري املتطور واملتنور املرتبط بحاجات‬
‫‪35‬‬
‫الناس واملستند لثقافته العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫أن فكرة (الوطنية) الفتحوية ليست – ومل تكن– انقطاعا عن املحيط‬
‫الذي تعيش فيه‪ ،‬فالوطنية كتخصيص هي جزء من السياق العرويب‪،‬‬
‫والوطنية كمفهوم هي جزء من الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬والوطنية‬
‫كرتكيز هي حرص مجال الرصاع والنضال وتحديد أولويته بالقضية مثار‬
‫السجال إال وهي قضيتنا الفلسطينية‪.‬‬
‫الوطنية كمفهوم وتخصيص وتركيز‪:‬‬
‫إذن الوطنية تخصيص ومفهوم وتركيز يف سياق أدوات نضال متعددة‬
‫ومراحل متغريه‪ .‬لذلك اختارت فتح الكفاح املسلح طريقا نضاليا ثم ألحقت‬
‫به آليات وأدوات نضالية أخرى إعالمية وسياسية واجتامعية لتخلص يف‬
‫إطار تحديد املراحل إىل استخدام التنوع النضايل وفق ما أبدعته االنتفاضة‬
‫الجبارة واالنتفاضات الالحقة ثم املواجهات الشعبية الحالية‪:‬‬
‫أن الوطنية من حيث هي مفهوم فإنها تشكل الغراء الذي يربط‬
‫املناضلني ويركز فعلهم‪ ،‬ويخصص أدوارهم ضمن دائرة الرصاع العربية‪-‬‬
‫الصهيونية فال تعلو هامة قضية أخرى عىل هذه‪ ،‬فهي ليست تخصصنا‬
‫وليست أولويتنا فنحن ال نتحدث عن كل العرب وال نريد‪.‬‬
‫ونحن كفتح ال نتحدث عن كل املسلمني أو املسيحيني وال نريد‪،‬‬
‫فهذا ليس جزء من شخصيتنا أو فكرنا الوطني‪ ،‬بينام تجد اآلخرين وهم‬
‫غارقني يف املآيس يدعون متثيلهم لإلسالم أو املسلمني عامة‪ ،‬ويتعاملون‬
‫مع اآلخرين عىل ضعف عدتهم كإسالم وغرب كام فعل عىل سبيل املثال‬
‫محمود الزهار يف اللقاء األمرييك يف زيورخ هذا العام (‪.)2009‬‬
‫إن التنظيامت اإليديولوجية ال تعرتف بالحدود كام الحال مع حزب‬
‫البعث وحزب التحرير وحزب االخوان املسلمني والشيوعيني وغريهم‪،‬‬

‫‪36‬‬
‫وهي بذلك تحاول أن تلتقط حجرا كبريا فال تصيب وتبقى تراوح مكانها‬
‫أو ترتاجع خاصة متى ما ركبت سيارة الحكم الذي ال تستطيع أن تستمر‬
‫فيه إال بالدم واإلرهاب والتسلط القرسي دون ان تدرك أن لكل زمان دولة‬
‫ورجال‪ ،‬واأليام دول‪ ،‬وان دول التجرب واالستبداد بالرضورة إىل بوار‪.‬‬
‫شيخوخة مركز العالم‬
‫يقول الكاتب عياد البطنيجي (أن الفكر صياغات عقلية نفسرّ من‬
‫خالله الواقع ونحاول فهمة حيث أن الواقع يتغري ويتبدل) وعليه فان‬
‫التنظيم أو القائد الذي ال يدرك التغيري يجمد عن حدود شعاراته وأفكاره‬
‫املطلقة فيجد نفسه بعد سنوات خارج سياق التاريخ والناس لذلك فان‬
‫(اإلسالمويني) والعلامنيني والشوفينني من القوميني أصحاب العقائد‬
‫املطلقة االقصائية ال يدركون جدلية الزمان واملكان والحقيقة والتاريخ‬
‫واملطلق والنسبي لذلك تفشل حينام تحكم أو تتحكم يف مفاصل األمور‪.‬‬
‫أن مثل هذه التنظيامت (تنظر للاميض بأنه يجسد ما تدعيه من‬
‫أطروحات وان املستقبل لهم هكذا بشكل اعتباطي وأن أهدافهم سوف‬
‫تتحقق وان عىل إتباعهم الصرب‪ ،‬وهكذا يتحولون إىل مركز العامل (؟؟!!) وان‬
‫العامل يدور من حولهم) كام يقول البطنيجي فيكون مآلهم الفشل والزوال‬
‫ألنهم يدخلون يف حقيقة األمر (طور الشيخوخة)‪.‬‬
‫ان املرشوع الوطني الفلسطيني الذي أسسته فتح مرشوع يرتبط‬
‫بأحالم وآمال وحاجات الشعب‪ ،‬كام يرتبط باألمة من حيث أن القضية‬
‫الفلسطينية فعل جامع وإطار رافع ولغة توحيد ومدخل يشد أجزاء األمة‬
‫ويحقق يف مرحلة ما شكل من أشكال الوحدة املنتظرة‪.‬‬
‫إن الوطنية مرشوع فكرة وفعل تجسده عىل الواقع يعني اإلعالء من‬
‫شان األمة بتجسيد طموحاتها عىل األرض فال تبقى محلقة يف السامء أو‬

‫‪37‬‬
‫تظهر فقط عرب ألسنة ال قلوب املصلني حينام يؤ ّمنون عىل كل ما يقوله‬
‫خطيب الجمعة فقط‪.‬‬
‫عالمات طيبة‬
‫بعد املؤمتر السادس للحركة الذي أكد عىل الفهم والوعي الوطني وعىل‬
‫الثوابت والتجدد‪ ،‬ض ّخت يف النهر مياه جديدة‪ ،‬وبرزت عالمات طيبة من‬
‫التغيري يف داخل األطر من مثل اعتامد لغة الحوار أساسا لالتفاق‪ ،‬والتخيل‬
‫عن التحاور الذايت والرتاشق عرب الفضائيات‪ ،‬واالستناد للنظام ومقررات‬
‫املؤمتر والقرارات املتخذة أصوال ما تبدي يف مجموعة من الفعاليات‬
‫الفتحوية التي نرغب يف املزيد منها مثل‪:‬‬
‫ •بناء جرس متني من التواصل عرب اللقاءات مع قيادات وكادرات األطر‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫ •اللقاءات مع قيادات وكوادر املنظامت الشعبية واملكاتب الحركية‬
‫والتي منها من مل يعقد اجتامعا من سنوات طوال‪.‬‬
‫ •عقد ورشات إعالمية هامة ستؤسس لخطة علمية إعالمية خالل‬
‫ستة شهور‪.‬‬
‫ •رعاية النقد الفتحوي داخل األطر‪ ،‬ورفض األساليب السابقة يف النقد‬
‫املفيض لإلساءة ألنفسنا عرب اإلعالم‪.‬‬
‫ •وحدة الخطاب واللغة التي ظهرت يف كثري من الندوات واملهرجانات‬
‫الحاشدة‪.‬‬
‫ •تنظيم سلسلة من النشاطات واملهرجانات خاصة تلك التي حصلت‬
‫بذكرى استشهاد الرئيس الخالد يارس عرفات رحمه الله‪ ،‬والتي أكدت عىل‬
‫االلتفاف حول فتح كام أظهرت قدرة الحركة عىل التفاعل مع الجامهري‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ •القرار الحريك بالبدء فورا بتنظيم املجالس الحركية‪ ،‬وغربلة العضوية‪،‬‬
‫ووضع نظام لالشرتاكات املالية‪ ،‬وإعادة ترتيب الصفوف يف املنظامت‬
‫الشعبية ويف شبيبة فتح يف إطار وحدوي ميكنها أن تكون خالقة‬
‫مبدعة تطري بجناحني‪ :‬جناح اإلدارة الشبابية الفاعلة املرتكزة عىل‬
‫البعد التحرري الفتحوي‪ ،‬وعىل جناح الفكر الوطني الوحدوي غري‬
‫االقصايئ املرتبط باملجتمع التعددي الدميقراطي الذي ينهل من نبع‬
‫حضارتنا العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫مسارات الكادر‪:‬‬
‫أن حركة فتح تنظيم ثوري سيايس يسعى للحرية واالستقالل والدولة‬
‫كام يسعى لتكريس العدالة والتنمية والوحدة والتعددية يف إطار املجتمع‬
‫املدين‪ ،‬إنها تنظيم التكنولوجيا الدميقراطية والثقافة الدميقراطية الذي‬
‫يرحب باآلخر وال يبتئس من املخالفني يف ظل تحريم التكفري واالتهام‬
‫والتشهري واالنقالب ورائحة الدم التي أزكمت األنوف يف غزة عىل سبيل‬
‫املثال‪.‬‬
‫أن هذا التنظيم يحتاج منا أن نكون من اليوم فصاعدا فضاء حركته‬
‫ووقود عمله ومياه نهره ومفاتيح التغيريفيه‪ ،‬واقصد بنحن أنا وأنت أي‬
‫الكادر أو العضو عموما صاحب الرغبة يف العمل والتغيري الذي يحتفظ‬
‫بعقليته االيجابية‪ ،‬وهذه العقلية ال تظهر بوضوح إال حيث امللامت تحيط‬
‫بنا‪ ،‬لذا فالكادر مدعو لعبور املسارات الخمسة التالية كام ييل‪:‬‬
‫ •أحب وطني‪ :‬مسار املحبة للبيئة والعائلة واألصدقاء‪ ،‬فلن اسمح‬
‫ألحد أن يخطف مني قلبي ألي سبب‪.‬‬
‫ •أنا أفكر وأتامل‪ :‬وكذلك أبحث وأقدر‪ ،‬لذلك أنا حر فلن اسمح‬
‫ألحد أن مينعني من التفكري والحوار بأن يحتل عقيل باسم القومية‬

‫‪39‬‬
‫الشوفينية أو الدين أو العشرية أو مطلق الصواب‪.‬‬
‫ •أنا مؤمن بالله‪ :‬فلن اسمح ألحد أن يحتل روحي أبدا‪ ،‬الن عالقتي‬
‫مع الله ال تحتاج لوسيط (ونحن قرب إليه من حبل الوريد – ق‪،)16‬‬
‫وال يحق ألحد أن يحكم عىل حجم إمياين‪.‬‬
‫ •أنا واثق من نفيس‪ :‬وأنا عامل ومنجز‪ ،‬فلن اسمح ألحد أن ينتقص‬
‫من شخصيتي‪ ،‬أو يسئ يل‪ ،‬فرغبتي‪-‬واراديت وعميل‪ -‬يف خدمة بلدي‬
‫وحركتي (فتح) وأهيل مام أترشف به طواعية بال مقابل‪.‬‬
‫ •أنا استطيع ألنني قادر‪ :‬فلن اسمح ألحد أن يحد من قدرايت أو‬
‫يح ّجمها‪ ،‬فأنا قادر وأنا ايجايب وأنا متفاعل‪ ،‬وأنا من يستطيع أن‬
‫يبدع ويستكشف‪ ،‬وان يج ّدد ويغيرّ يف ذاته ويف اآلخرين‪.‬‬
‫املهمات الخمس الرئيسة لحركة «فتح»‬
‫أن حركة فتح تحتاج يف سياق بنائها الداخيل إىل مهامت عدة منها‬
‫خمسة مهامت نراها رئيسية تؤديها دون إهامل النقد وتواصله يف سياق‬
‫اإلبداع والعمل وضمن األطر التنظيمية ال الفضائيات وامللتقيات واملواقع‬
‫أبدا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫املهمة األوىل‪ :‬رسم مساحات أوسع للخطاب املوحد وتضييق مساحات‬
‫التباعد الداخلية‪ ،‬وإعادة رص الصفوف يف نطاق الخطة الفتحوية العامة‪،‬‬
‫ويف اإلطار السيايس الذي عرب عنه األخ الرئيس أبو مازن يف نقاطه الثامين‪،‬‬
‫وتحركاته الدبلوماسية لرسم حدود الدولة القادمة‪ ،‬وتحركه العاملي لحشد‬
‫الدعم والتأييد‪.‬‬
‫املهمة الثانية‪ :‬لزوم توثيق االرتباط بالجامهري يف سياق خطة ال تستثني‬
‫فئة وال تعلق العمل مع فئة‪ ،‬بل تجعل حركة فتح يف امليدان ‪-‬عرب كوادرنا‬
‫يف األقاليم فام دون من األطر‪ -‬قلوبا مفتوحة وأطرا داعمة واتصاالت ال‬
‫‪40‬‬
‫تنقطع مع هموم الناس اليومية أو الوطنية العامة‪.‬‬
‫املهمة الثالثة‪ :‬تحديد العالقات ورسم املسؤوليات وتوزيع األدوار‬
‫داخل األطر عامة (اإلقليم‪ /‬املنطقة‪ /‬الشعبة بل والخلية‪ ،‬ويف نطاق‬
‫املكاتب الحركية‪ )...‬ووفق النظام الداخيل أو ما يتسق معه‪ ،‬حيث يلزم أن‬
‫يكون لكل عضو مهمة أو تكليف أو دور‪ ،‬وحيث يلزم أن يعرف كل عضو‬
‫مسؤوله ليقدم له رؤيته وتقاريره‪.‬‬
‫ويف مثل هذا التوزيع الهيكيل النظامي يكون لإلدارة الواعية املرتبطة‬
‫بالخطة وباملتابعة شأنا أساسيا‪ ،‬فاالنقطاع هو املرض اإلداري القاتل حيث‬
‫تبقى املهامت دون متابعة أو ال تصل ملنتهاها من خالل معرفة ما تم‬
‫انجازه عرب التقرير واملحاسبة واملساءلة التي تستدعي عنرص (االنتباه) من‬
‫العضو والكادر والقائد يف عالقة تبادلية صاعدة ونازلة ليست يف اتجاه‬
‫واحد فقط‪.‬‬
‫املهمة الرابعة‪ :‬رضورة استثامر الكوادر خارج األطر الحركية النظامية‪،‬‬
‫عىل اعتبار أن كل عمل يقوم به العضو الحريك مبا فيه العمل الوظيفي هو‬
‫عملية تنظيمية أو تكليف تنظيمي ميارس فيه فتحويته بالتنظري للحركة ال‬
‫بالشتم أو النقد الخارجي لها وباالستقطاب وجذب الجامهري من حولها‪،‬‬
‫وبوضع نفسه أمام املسؤولني خادما للحركة والشعب‪.‬‬
‫واملهمة الخامسة‪ :‬جني املحصول‪ ،‬فالقدرة عىل تحويل املبادرات أو‬
‫االنتصارات الفردية الجامعية الصغرية إىل مثرات ت ُجمع لتصب يف معرصة‬
‫الحركة هي قدرة كبرية وليست سهلة‪ ،‬فحيث خبا نجم أي فعل أو مبادرة‬
‫أو انتصار تخرس الحركة‪ ،‬وحيثام تم مراكمة كل ذلك تظهر الحركة قوية‬
‫عمالقة بكافة هذه الجهود‪ ،‬وأحسبنا يف حركة فتح نحتاج ألن نتعلم كيف‬
‫نوزع األدوار دون االستئثار‪ ،‬وألن نتعلم كيف نستثمر الكوادر دون إقصاء‬

‫‪41‬‬
‫أو اكتفاء مبا لدينا‪ ،‬ونحتاج للمراكمة وجني املحصول وإبراز ذلك يف اإلعالم‬
‫كمقدمة لصنع الصورة املرشقة والحقيقية للحركة‪( .‬سطرت للعام ‪)2009‬‬
‫وانها لثورة حتى النرص‬

‫‪42‬‬
‫(‪((1‬‬ ‫حتما سنجد ً‬
‫حال مل تكتشفه بعد!‬

‫ها هناك عالقة بني التفاحة والدميقراطية وعمر بن الخطاب؟‬


‫هكذا افتتحت كلمتي يف املجلس الثوري لحركة التحرير الوطني‬
‫الفلسطيني‪-‬فتح ردا ً عىل تقرير اللجنة املركزية للحركة وتابعت أن من‬
‫يقول ال جوابا عىل السؤال فهو يفكر بعقل منطقي الن العلوم تتعامل‬
‫مع املعادالت والتجارب والنتائج املبدئية عىل فرضيات أو مسلامت تخترب‬
‫وتضع حلوال‪ ،‬وأما من يجيب عن السؤال نعم هناك عالقة فهو يفكر بعقل‬
‫إبداعي وكل هذه املكرمة قدمتها تعليقا عىل عبارة جميلة جاءت يف سياق‬
‫التقرير تقول (وحتام سنجد حال مل نكتشفه بعد)!‬
‫إن التنظيم الذي يغلق باب اإلبداع واألمل واالكتشاف واملستقبل‬
‫والخيال والصور هو تنظيم ذو منحنى هابط رمبا بعد صعود‪ ،‬والتنظيم‬
‫الذي ال يثق بقدرات أبنائه وك��وادره هو تنظيم عاجز ويعاين من‬
‫الشيخوخة‪ ،‬والتنظيم الذي يظن فيه قادته إنهم األهم واألوعى واألكمل‬
‫وكل صيغ املبالغة للنعوت هو تنظيم عاجز وفاشل يف آن واحد‪ ،‬وهكذا‬
‫هي حركة فتح‪.‬‬
‫تغريت صورة الحركة وتزحزحت عن تلك السلبية والقامئة التي سبقت‬
‫‪ -15‬يف تحليل باملناسبة وضمن جلسات املجلس الثوري لحركة فتح عام ‪2010‬‬
‫‪43‬‬
‫مؤمتر فتح السادس ويعود الفضل يف ذلك إلرادة الفتحويني كافة ما أثبتوه‬
‫من نزاهة وشفافية ورقابة عىل األداء أدت لتوحيد الخطاب الفتحوي كام‬
‫أدت النتظام اجتامعات األطر بدءا من اللجنة املركزية حتى األقاليم عىل‬
‫طريق املؤسسة ولكن هذا اليكفي‪.‬‬
‫لقد تزحزحت الصورة قليال أي صورة فتح يف نظر الناس‪ ،‬وما تزال‬
‫بحاجة إىل غسيل وحسن إبراز‪ ،‬وما تزال بحاجة لجهد منظم وإرادة فاعلة‬
‫وعمل ملتزم ومتصل‪.‬‬
‫كيف ينظر الناس للتنظيم السيايس؟ سؤال هام والتعاطي معه يعني‬
‫بداية وضع األقدام عىل طريق تغيري الصورة بتحقيق األهداف‪ .‬يقول‬
‫العامل (اينشتاين) إن الصورة والخيال أقوى من املعرفة وهو العامل املنطقي‬
‫واملبدع‪ ،‬ونقول إن الجامهري ال يهمها الكالم املنمق أو التنظري أو (الحيك)‬
‫العقالين بال روح الن الجامهري تعيش باالنتصارات وباالنجازات وتعيش‬
‫أحيانا مبا متثله لها أهداف الحركة من قدرات عىل الحلم والخيال وإنعاش‬
‫اآلمال‪ ،‬تعيش الجامهري والكوادر بالقدوة والنموذج واألسوة كام تحرتم‬
‫من يحرتمها ويتواصل معها وال يغلط لها القول (يقول الله تعإىل يف محكم‬
‫التنزيل‪ :‬فبام رحمة من الله لنت لهم‪ ،‬ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا‬
‫من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم يف األمر‪ ،‬فإذا عزمت‬
‫فتوكل عىل الله‪ ،‬إن الله يحب املتوكلني‪ .‬آل عمران ‪ )159‬وتقوى العالقة‬
‫مع الجامهري وتتأثر بالقائد متى المس فيها القلوب واألرواح واملشاعر‬
‫واألحاسيس ومل يتعفف أو يتكرب عن تلبية احتياجاتها ومطالبها اليومية‪،‬‬
‫لذلك فإننا يف حركة فتح ومع عظم القضية التي نتوىل زمامها ومع صعوبة‬
‫(االستخالف) الذي نحمل عبئه ليس لنا أن ننفض أو نبتعد عن الجامهري‬
‫وليس لنا أن نتربم أو ننزعج من الناس أبدأ فهم مادة الثورة ومادة الفعل‬
‫ووقود النرص يف معركة التحرير‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫إن حركة فتح تستطيع أن تستجمع قواها املرتكزة يف ذاتها واإلنسان‬
‫والكادر وها هي تقرر استنهاض وبعث الفعل الحريك عرب إعادة النظر يف‬
‫كافة الهياكل القامئة وفق قاعدة املتابعة واملحاسبة وها هي تضع خطاً‬
‫فاصالً ومفهومها واضحا بني العضو املنتمي املنضبط امللتزم املوايل وبني‬
‫العضو النصري وما قرار االشرتاكات املالية وضبط املهامت (النشاطات) يف‬
‫األطر إال يف سياق بعث الدفء يف الجسد وتركيز الطاقة وتوجيهها يف مسار‬
‫تحقيق األهداف الوطنية والتنظيمية‪.‬‬
‫تقع التنظيامت يف كثري من املشاكل‪ ،‬وترتكب الكادرات اآلثام واألخطاء‬
‫ورمبا تنتهج نهجا مضلال وقد تقع يف ثغرات صغرية أو كبرية أثناء مسريتها‬
‫مايجب أن نتلمسه ونحس به ونراه وال نسكت عليه‪ ،‬قد ترتكب القيادات‪-‬‬
‫وإمثها أعظم‪ -‬والكوادر‪ -‬واألعضاء األخطاء‪ ،‬وقد ترسم عىل خد القمر قوسا‬
‫معوجا يعطي النظرة السلبية لذات القمر فمن ثغرات األداء التنظيمي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬سوء اإلدارة من حيث افتقاد التامسك الجامعي وانحدار العقلية‬
‫الجمعية‪ ،‬فتتعاظم األنا عىل حساب املجموع‪ ،‬ويظهر القائد فوق مستوى‬
‫الناس بل والكادر الذي يعمل معه وقد يظن بذاته االكتفاء أو إن الحياة‬
‫أو الفعل ابتدأ معه فال ينصاع ألدبيات الحركة يف قواعد املسلكية التي‬
‫تحث عىل التامسك والتوحد والعمل الجامعي إذ رسعان ما يجد نفسه‬
‫يتعرث ويعادي زمالئه وال يحقق نتيجة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العمل العشوايئ املزاجي غري املستمر أو املتواصل أي العمل‬
‫املوسمي أو املرتبط بهوى طارئ أو فكرة عجولة أو رغبة رسيعة أو نزوة‬
‫إلثبات الذات ماال ينفع وال تثري انتباهاً وال يؤثر يف اآلخرين حتى لو حقق‬
‫هذا العمل نتائج آنية فان توقفه أو اختالطه أو تبدالته الرسيعة ستحقق‬
‫تراجعا بعد تقدم طفيف ماميس صورة وهيبة الحركة وسمعتها‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن آفة التنظيامت السياسية عامة ويف العامل الثالث خاصة هو‬
‫(اإلرادة) من افتقار التخطيط كعقلية وسلوك وافتقاد الخطة من ورق‬
‫مكتوب ومتابعة تنفيذ‪ ،‬فتجد من تخليط املراحل فال تدرك هل أنت يف‬
‫(منطقة األمان) حيث ارتكاب األخطاء مسموح ولكن عىل الورق أي يف‬
‫مرحلة التخطيط أم انك يف مرحلة التجهيز واإلعداد مبلء الفراغات يف‬
‫الخطة باملكلفني وتوصيفات أعاملهم وتوقيتاتها أم انك يف مرحلة العد‬
‫التنازيل حيث تتكاثف االتصاالت والرتتيبات أم انك يف مرحلة التنفيذ‬
‫والتطبيق‪.‬‬
‫إن افتقاد الخطة والتخطيط كمنهج تفكري‪ ،‬أو خلطها باملراحل حرق‬
‫للورق وبعرثة للجهد ما يعكس صورة سلبية ويجعل من الحركة تنجرف‬
‫يف وحل الفشل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن تجد شخصا عاديا ال يدري ما يفعل أو عندما تسأله ما هي‬
‫أهدافه يف الحياة ال يستطيع اإلجابة أو يتفاجأ بالسؤال فال تخرج من‬
‫فمه الجمل والحروف ال يشكل ذلك مصيبة وإمنا املصيبة أن تجد قائدا‬
‫ال يعرف ماذا يفعل ومسرية اإلحداث فال يرى موضع إقدامه وال يدرك‬
‫حجم الجهد املطلوب ليحقق األهداف التي يجب أن يفكر بها ويضعها‬
‫أمام عينه يوميا ليصبح واقعا ينعكس عىل التنظيم وعىل الصورة العامة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إن تضارب املصالح بني أقطاب القيادة يف أي تنظيم سيايس‬
‫تعني أن يويل القائد جل اهتاممه للسيارات واملرافقني واألبهة وصورته‬
‫اإلعالمية ما رأينا ال جليا اثر النقالب يف غزة حيث الجوع للسلطة افرز‬
‫قيادات تويل املظاهر أهمية عظمى فام بالك وهي مرتبطة بالقداسة‬
‫والتشابكات املجدولة بني األشخاص والدين والطاعة التي تشد الناس من‬
‫رقابهم قرسا ليقولوا ألمثال هؤالء سمعا وطاعة وكان األول أن يقال لهم‪،‬‬
‫ولغريهم يف التنظيامت األخرى ومنها يف فتح السمعا وال طاعة فمحددات‬
‫‪46‬‬
‫االلتزام واالنضباط هي النظام والقدوة وقواعد السلكية واالنجاز‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬قلام تجد قائدا بأخطائه رغم أن (خري الخطائني التوابون) وان‬
‫اعرتف‪ -‬وهؤالء قلة‪ -‬فانك ال ترى تغيريا يف سلوكه‪ -‬أقواله وأفعاله‪ -‬وال ترى‬
‫سعيا لتطوير الذات وتغيريا األساليب‪.‬‬
‫إن تحميل املسؤولية للمستوى األدىن هو سمة القائد الذي ال يعرتف‬
‫بأخطائه‪ ،‬وال يرغب بان يغري يف ذاته وأساليبه وهو القائد (املتذايك) الذي‬
‫يظن يف ذاته الكامل أو السمو عىل ما دونه‪.‬‬
‫إن إلقاء اللوم عىل اآلخرين أو تحميلهم مسؤوليات الفشل أو العجز‬
‫أو التكاسل أو الرتاجع هو عجز بحد ذاته وتخىل عن حقيقة املسؤولية‬
‫التي يتحمل عباها القائد الذي يجب أن يكون قادرا عىل صنع الرؤية‬
‫والخط السيايس الن هذه هي سمة قادة الرأي ومحريك الجامهري‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬إن الوحدة الداخلية والتالؤم والتوافق عىل السياسات ودعم‬
‫الخط السيايس العام سمة من سامت التنظيم الفاعل‪ ،‬ونحن يف حركة فتح‬
‫إذ نؤكد عىل سياسات الرئيس أبو مازن ونقدرها ونراها املعرب عن قرارات‬
‫املؤمتر واللجنة املركزية واملجلس الثوري فإننا ال نقبل ما يعارضها من‬
‫أطر الحركة أو قياداتها لكل يف إطاره فقط‪ ،‬حيث إن التوحد حول الخط‬
‫العام والسياسات الحركية مرعاه للتقدم وإعطاء صورة ايجابيه عن الحركة‬
‫(وحتام سنجد حال مل نكتشفه بعد)‪.‬‬
‫إن السقوط املروع أو الفشل يدفن االنجازات مام ال تقبله حركة‬
‫فتح‪ ،‬وكام قال الرئيس أبو مازن يف اجتامع املجلس الثوري لذا فان (درهم‬
‫وقاية خري من قنطار عالج) كام يقولون ما ميكن أن تتجنبه بالنظر يف‬
‫الثغرات السبعة التي أوردناها والتي تحتاج يف كل تنظيم كام تحتاج‬
‫يف حركة فتح إىل ورشة تخطيط اسرتاتيجي تضم أعضاء اللجنة املركزية‬

‫‪47‬‬
‫واملجلس الثوري وكوادر متقدمه حتى تستطيع أن تحقق مشاركه يف رسم‬
‫السياسات للحركة والسلطة والقضية وتحقق التزاما أوسع يف العالقة بني‬
‫القيادة والكوادر والجامهري‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‪:‬‬
‫(‪((1‬‬
‫فتح تنتصر بالعمل واجلماهري‬

‫عندما كان يارس عرفات يضع رأسه بني يديه كان يستقبل يف رأسه‬
‫هموم فلسطني واألمة جمعاء‪ ،‬فلم يكن ليفصل بني القضية الفلسطينية‬
‫‪-‬وان أعطاها األولوية دوما‪ -‬وبني األمة العربية واإلسالمية وجامهريها‪.‬‬
‫ولطاملا ردد القائد العرويب اإلسالمي الفتحوي خالد الحسن أن القاطرة‬
‫الفلسطينية ال تسري بدون القطار العريب مكرسا العمق الحضاري للثورة‬
‫الفلسطينية وحركة فتح‪.‬‬
‫أما الشهيد الصارم والكلمة املدفع صالح خلف فانه ومن أعامق قلبه‬
‫كان ينشد لألمة ويسابق الريح لتسمع كلامته من الشام لبغداد ومن مين‬
‫لتطوان حيث تتموضع فلسطني دامئا يف قلوب الجامهري‪ ،‬وهذا هو ديدن‬
‫حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح‪.‬‬
‫فتح «الحركة»‬
‫انطلقت فتح (حركة) حيث يجتمع بني جنباتها التيار العام للشعب‬
‫بكافة فئاته‪ ،‬الذي ينزع كل أرديه التحزب البغيضة واإليديولوجية‬
‫الحرصية ليتكرس لخدمة الشعب وقضيته‪ ،‬ليتكرس لفلسطني ال لخدمة‬
‫‪ -16‬يف ذكرى انطالقة للثورة الفلسطينية للعام ‪.2011‬‬
‫‪49‬‬
‫الفكرة الواسعة املمتدة والخيالية يف آن (دكتاتورية الربوليتاريا‪ ،‬انتصار‬
‫الطبقة العاملة‪ ،‬قيام الخالفة اإلسالمية‪ ،‬تحقيق الوحدة العربية الفورية‪)...‬‬
‫وهي حركة وليست حزبا (ايديولوجيا) كام هو حالة منظمة «حامس»‬
‫أو منظامت اليسار‪ ،‬وان مل تكن الحزبية يوما عيبا فان التعصب نشأ يف‬
‫العرص الحديث يف اإلطار الحزيب (غري الدميقراطي) حيث تصارعت األفكار‬
‫الثالثة الكربى يف بداية القرن العرشين وهي االشرتاكية والقومية والدينية‬
‫ففشلت جميعها ألنها تعارضت دون رغبة بااللتقاء‪ ،‬وتصارعت يف ظن‬
‫شبه أكيد أنها مكتملة بذاتها فقط‪ ،‬ما بدا ومع الصعود العريب الحديث‬
‫انها أخطأت من حيث ظنت (الحرصية) و(الحصانة) واالكتفاء الذايت‬
‫و(الشمولية)‬
‫وها هي هذه األفكار تعود اليوم يف عباءة جديدة حيث فارقت جميعها‬
‫الظنون وتدثرت بعباءة الدميقراطية والتعددية واملدنية التي رفضتها تلك‬
‫األحزاب جميعا فيام سبق تحت نظريات دكتاتورية الربوليتاريا أو املستبد‬
‫العادل أو الخالفة أو الحزب القائد أو حزب القائد‪.‬‬
‫وتكشف لألمة وللمتنورين يف هذه األحزاب مدى محدودية الفكر‬
‫عامة مهام كان منبعه‪ ،‬كام ظهر لها الحاجة امللحاحة لكل فكر اوفكرانية‬
‫(=إيديولوجية) أن تأخذ من األخرى يف إطار منفتح وسياق متصل ورغبة‬
‫يف التطور واإلثراء‪.‬‬
‫فلسطني جامعة النقائض‬
‫منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح ال تجمد وال تتحيز وال تقيص وال‬
‫تغتاظ من نجاحات اآلخرين‪ ،‬بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث‬
‫أنها احتملت يف داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة‪،‬‬
‫متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطني‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فحيثام اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أو‬
‫تيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطني‪ ،‬وليس كأولئك الذين وضعوا‬
‫فلسطني عىل هامش مرشوعهم األكرب أو الشمويل فأصبحت ثانوية ال‬
‫أساسية وفرع ال أصل‪.‬‬
‫فتح الحركة حيوية ودميومة‪ ،‬أصالة وتغري دائم‪ ،‬وفتح الفكرة والخلق‬
‫والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغرتاف املعاين الصاعدة من نهر‬
‫الحضارة العربية اإلسالمية وباإلسهامات املسيحية الرشقية‪ ،‬وباالنفتاح‬
‫عىل الفكر والحضارة والثقافة اإلنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم‬
‫(الوطنية) يف السياق املحيط‪.‬‬
‫تختص وتر ّكز وتك ّرس‬
‫إن فتح حركة (وطنية) من حيث أنها (تختص) ومن حيث أنها (تركّز)‬
‫ومن حيث أنها (تضع األولوية)‪ ،‬انها ليست حركة اقليمية وامنا قطرية‬
‫وطنية يف الفضاء العريب كام استلهمت ذلك اليوم كل الثورات العربية‪،‬‬
‫ففي حني عمم اآلخرون فكرهم ورشقوه أو غربوه‪ ،‬وحملوه ما ال يحتمل‬
‫أو انقصوه‪ ،‬فان حركة فتح اختصت بفلسطني حيث هي الهدف أوال وما‬
‫سواها من القضايا عىل أهميته يليها ويغذيها‪.‬‬
‫فال قضية أفغانستان أو البوسنة أو العراق أو‪ ...‬من القضايا تتقدم عىل‬
‫فلسطني وان كانت التهمل يف اإلطار الفتحوي العرويب والثوري العاملي‬
‫حينام يضع يارس عرفات رأسه بني يديه‪ ،‬ولكنها قضايا عىل أهميتها تأيت‬
‫يف سياق خدمة (الوطنية الفلسطينية) ذات األولوية من جهة ومجال‬
‫االختصاص الفلسطيني من جهة ثانية‪.‬‬
‫كانت حركة فتح حركة وطنية ألنها (كرست) و(ركّزت) و(أضاءت)‬
‫بشكل أساس عىل فلسطني من كافة الجوانب‪ ،‬وهل كان املطلوب من أي‬

‫‪51‬‬
‫تنظيم فلسطيني أن يرصخ قائال غري فلسطني؟ وهو (الفلسطيني)؟ وهل‬
‫كان عىل الفلسطيني أن يحمل أعباء الثوار يف العامل يف نفس امليزان مع‬
‫فلسطني؟! ومبعنى آخر أمل يكن األجدر بكل صاحب قضية ان يكرس ويركز‬
‫ويضئ عىل قضيته أوال قبل ان يضع يف جعبته قضايا العامل معا؟! وهذا ما‬
‫فعلته حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح‪.‬‬
‫ويف سياق وطنية الحركة دافعت طويال عن استقالليتها وحاربتها‬
‫أنظمة وجهات عدة خرست تلك األنظمة وفازت فتح االستقاللية يف عمقها‬
‫الوطني وامتدادها يف محيطها الشاسع‪.‬‬
‫تحرير فلسطني محور الفكرة‬
‫فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر مبعنى أن‬
‫شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير‪ ،‬وتحديدا‬
‫تحرير فلسطني من االحتالل الصهيوين ويف ذلك فليتنافس املتنافسون‪،‬‬
‫دولة مستقلة ثم دولة دميقراطية مدنية عىل كامل الرتاب الفلسطيني‪.‬‬
‫إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية‬
‫للمستعمر واحتالل األرض واإلنسان‪ ،‬ويف هذا السياق اقتدت الثورة‬
‫الفلسطينية وحركة فتح بتجارب الشعوب حتى اكتشفت طريقها الخاص‪.‬‬
‫فمن حيث هي اقتدت بالثورة الجزائرية والصينية والفيتنامية‬
‫والروسية والكورية والكوبية يف حرب الشعب طويلة األمد أو النفس‬
‫وجدت يف مراحل متقدمة واثر نضاالت بطولية تحسب ملصلحة فلسطني‬
‫وفتح‪ ،‬وجدت أن املسار النضايل التونيس قابل للتأيس‪ ،‬كام وجدت يف‬
‫تجارب الثورات األخرى مثل تجربة جنوب افريقيا إمكانية لالستفادة منها‬
‫واالحتذاء ببعض جوانبها إىل أن اكتشفت متيز تجربتها ونضالها وقدرتها‬
‫الذاتية عىل االبداع التجدد‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫أصلت الكيانية للشعب الفلسطيني تلك التي‬ ‫ان حركة فتح التحرير ّ‬
‫حاول الكثريون اسقاطها أو هدمها ابتداء من العدو الصهيوين الذي ما‬
‫زال ينكر هذه الكيانية والشعب وقيام الدولة‪ ،‬إىل هذا النظام أو ذاك‪،‬‬
‫اال ان فتح أركبتها مركب الصعود يف عربة منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬
‫التي قامت ونامت وقويت وضعفت‪ ،‬ولكنها حتى يف ظل السلطة الوطنية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ويف ظل نزاعات عكست نفسها علينا ومن خالل التنظيامت‬
‫بقيت هي الدار وهي الحامي وهي مقر الكيانية للفلسطينيني يف الداخل‬
‫والخارج‪.‬‬
‫الفتحاويون أبناء عمر‬
‫إن فتح كحركة تحرر وطني‪ ،‬فعل نضايل متصل ومخالطة وتواصل‬
‫وتفاعل مع الناس‪ ،‬وقدرة عىل العطاء ال تنضب‪ ،‬وسعي للعمل كقيمة‬
‫وصدق مرصود بحيث أن أبناء حركة فتح يعدون بحق أحفاد عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬حيث انه يؤثر عن عمر ابن الخطاب ريض الله عنه أنه شهد‬
‫عنده أحدهم شهادة يف شخص فرفضها عمر ألنه اعترب الرجل ال يعرفه‬
‫استنادا لقواعد املعرفة املمثلة بالصدق واملخالطة واملعاملة حيث قال‬
‫عمر (فهل كانت بينك وبينه معاملة‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬فهل ائتمنته عىل يشء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬فأنت الذي ال علم لك به‪ ،‬أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه يف املسجد‪)...‬‬
‫وقال يف موضع آخر (ال تنظروا إىل صيام أحد وال صالته‪ ،‬ولكن انظروا إىل‬
‫صدق حديثه إذا ح ّدث وأمانته إذا أئتمن‪ ،‬وورعه إذا أشفى)(‪.((1‬‬
‫ثالثية صعود الحركة‬
‫فتح حركة الوطنية الفلسطينية الصادقة صعدت بعوامل ثالثة أولها‪:‬‬
‫أنها جاءت من آالم وآمال الشعب‪ ،‬وتواصلت بذلك فجعلت من التحامها‬
‫‪ -17‬أشفى أي أرشف عىل يشء‪ ،‬وظهر‪ ،‬وال يكون ظهور الورع اال باملعاملة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫واعتامدها والتصاقها وتعليمها وتعلمها من الجامهري أحد أهم أسس‬
‫انطالقتها ودميومتها‪ ،‬فال تكاد ترى فواصل أو فروقات أو أبواب موصددة‬
‫بني قياداتها السياسية والتنظيمية وامليدانية والناس‪ ،‬فهم منهم وبهم‪.‬‬
‫وثانيها أنها رفعت شعارات الجامهري بالتحرر والعودة والكفاح الوطني‬
‫ومارست ذلك قيادة للجامهري أمامها ومعها فقدمت آالف الشهداء يف‬
‫سبيل الله ويف سبيل فلسطني بال حساب‪ ،‬يف الوقت الذي اعتربت فيه‬
‫بعض تنظيامت االستكانة والهزمية والنكوص أن شهداء الثورة الفلسطينية‬
‫وحركة فتح (فطيس)‪.‬‬
‫أو أنهم ميوتون كفارا أو غري ذلك من التهم القبيحة والتي ما زالت‬
‫ينصبون أنفسهم أوصياء‬‫تعشعش يف رؤوس أمثال هؤالء حتى اليوم ممن ّ‬
‫عىل دين الله أو عىل القومية أو عىل الوطنية أو عىل املقاومة يف عملية‬
‫تباعد عن الناس وتالقي مع أحالمهم وعجزهم وفتاواهم التي ستلقى بهم‬
‫يف نار جهنم بعد أن يكشفهم الناس وينبذوهم يف العراء‪.‬‬
‫القيادة يف املقدمة‬
‫وثالثها أنها تنظيم الصدق‪ ،‬فلم يكن لكوادرها أو قياداتها أن تراوغ أو‬
‫تداور مع الناس‪ ،‬فحيث أشعلت نار الكفاح املسلح كانت قيادة وكوادر‬
‫يف املقدمة‬
‫وحيث اختارت طريق االنتفاضة حملت معها كل الفئات وشاركت‬
‫فيها كل األطر‪ ،‬وحيث اعتمدت الكفاح الشعبي واملقاومة الجامهريية‬
‫مارستها بأشكالها السياسية واالعالمية وامليدانية‪ ،‬فلم تلتبس عليها الوسيلة‬
‫بل اختارتها بقدرة التحليل للمحيط ورصد املتغريات وبقدرة الفرز‬
‫للمعسكرات املعادية واملراوغة والصديقة‪ ،‬وبوعي القادم وسارت خلفها‬
‫الركبان من كافة التنظيامت وآخرها حامس التي رمبا استوعبت مصداقية‬

‫‪54‬‬
‫فتح يف خياراتها وتعاملها مع جامهريها‪ ،‬وقدرة أهدافها عىل عكس نفسها‬
‫من اآلخرين وعليهم‪.‬‬
‫ما شئت ال ما شاءت األقدار؟!‬
‫اعتاد البعض أن يكون الكالم عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬‬
‫فتح مبنطق السلب‪ ،‬حيث اعتادوا سعة صدر القيادة الفتحوية إىل حد‬
‫التسيب‪ ،‬وتعلموا الدميقراطية عىل ظهر حركة فتح الذي ألهبوه بالسياط‪،‬‬
‫وتنسموا نسائم الحرية يف أروقة مكاتب الحركة‪ ،‬وبساتينها‪ ،‬وحاوروا‬
‫وناوروا وجادلوا وعارضوا وصارعوا يف مواجهة فتح‪ ،‬إال أنهم جلسوا مقيدي‬
‫األيدي والفكر حينام يتعلق األمر بأحزاب شمولية أو أنظمة شمولية‬
‫(األفكار الشيوعية واإلسالموية الحرصية‪ ،‬والقومية‪ -‬الشوفينية)‬
‫وكأن الدميقراطية والحرية والتعددية وإمكانية النقد تقف فقط عند‬
‫عتبة باب اللجنة املركزية لحركة فتح‪ ،‬وتنأى عن تلك النظم واألحزاب‬
‫االستبدادية حيث تستبدل النغمة العالية مبدائح تشبه مديح ذاك الشاعر‬
‫املتزلّف ابن هانئ األندليس الذي وقف يقول للمعز لدين الله الفاطمي‪:‬‬
‫فاحكم فأنت الواحد القهار‬ ‫ما شئت ال ما شاءت األقدار‬
‫وكأمنا أن��ص��ارك األنصار‬ ‫وكأمنا أن��ت النبي محمد‬
‫يف كتبها األحبار واألخبار‬ ‫أنت الذي كانت تبرشنا به‬
‫أو قول أبو الحسن بن جبلة الشاعر‪:‬‬
‫وتنقل الدهر من حال إىل حال‬ ‫أنت الذي تنزل األيام منزلها‬
‫أال قضيت ب���أرزاق وآج��ال‬ ‫وما مددت مدى طرف إىل أحد‬
‫وهذا هو الحال هذه األيام بني منتقد لطبائع الحرية والدميقراطية‬
‫والتعددية ومتوقف عند حد املديح لرذائل حزبه أو فكره االقصايئ أو‬
‫نظام االستبداد الذي يتعلق به‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫فتح تهزم التفكك وتزعج املنافسني‬
‫اعتادوا تعداد سلبيات فتح‪ ،‬إما طعنا أو حسدا أو رغبة يف التدمري‬
‫الرغبة يف اإلصالح والتطوير لتنظيم تكالبت عليه األكلة (كام تتكالب عىل‬
‫قصعتها)‪ ،‬ولكنه ظل عفيّا يناطح السحاب قوة‪ ،‬مل يستطيعوا حتى اآلن أن‬
‫يفكوا رموز قوته حتى باستخدام الرياضيات الحديثة أو معادلة (أنيشتني)‬
‫يف النظرية النسبية‪.‬‬
‫استطاعت حركتنا حركة فتح أن تهزم التفكك والرصاعات‪ ،‬كام‬
‫هزمت الشدائد والرزايا‪ ،‬وخاضت املعركة تلو املعركة تلك العسكرية‬
‫منها أو السياسية أو اإلعالمية أو الجامهريية فتخطت أزماتها‪ ،‬ومنها‬
‫أزمة االنشقاق الكبري عام ‪ ،1983‬وأزمة االنقالب الدموي يف غزة عام‬
‫‪ 2007‬وأزمات العالقات العدائية التي نصبت فيها األنظمة االستبدادية‬
‫املدفعيات والراجامت والبنادق لتدق عنق الثورة أو تشوه جسدها كام‬
‫فعل نظام القذايف أو نظام حافظ األسد طوال أكرث من ‪ 30‬عاما‪ ،‬ولكنها‬
‫عفت وسامحت وتجاوزت وتخطت وخرجت من كل مآسيها يف حروب‬
‫املخيامت يف لبنان ومن االنتفاضات أكرث قوة وقدرة ومحبة أزعجت‬
‫املنافسني وأ ّرقتهم وجعلتهم و َمن وراءهم يداومون عىل رضبها وتشويهها‬
‫بال جدوى ومن حيث فشلوا فشل معهم االحتالل الصهيوين‪.‬‬
‫فتح الرحابة والدولة املدنية‬
‫وألنها حركة فتح أي الرحابة والسعة والفضاء الواسع مل تضق يوما‬
‫ذرعا مبعارض‪ ،‬ومل توجه له سكينا أو بندقية كام فعل متطرفو حامس‬
‫يف انقالب غزة عام ‪ ،2007‬وكام فعل قبلهم أتباع (ابن هانئ االندليس)‬
‫مداحي نظام االستبداد والجور والظلم الذين دكوا حجارة طرابلس عام‬
‫‪ 1993‬عىل رؤوس الفلسطينيني‪ ،‬واكملوا كشف عوراتهم عرب حروب‬

‫‪56‬‬
‫املخيامت الطويلة يف لبنان‪.‬‬
‫ان فتح الرحابة والسعة والفضاء الواسع تتغاىض وتسامح وتفتح‬
‫الصدر مبودة ومحبة متاما كام فعلت مع االنقالبيني يف غزة‪ ،‬حيث يجب‬
‫أن تقف بصالبة ضد القتلة ورضورة محاسبتهم‪ ،‬وضد االنفراد واالنتخابات‬
‫ملرة واحدة عرب تكريس الدميقراطية والتعددية برصامة‪ ،‬وان تقف ضد‬
‫من يتوهمون ويحلمون أو تخنقهم روائح األدخنة يف الغرف املغلقة‬
‫حينام يحلّقون فكريا دون وعي أو فهم أو تجربة أو تفاعل مع الناس‪ ،‬فال‬
‫يحاربون من اجل حريتهم وكرامتهم وحقهم يف الحياة والتفكري والتعبري‬
‫يف ظل الدولة املدينة التي قد تحتاج منا لعرشات السنني ليستطيع الناس‬
‫جميعا أن يدركوا أنها مستقبلهم يف ظل االحتالل أو حني زوال االحتالل فال‬
‫نستبدل احتالل األرض والهواء باحتالل العقل والرئتني‪.‬‬
‫ثغرات يف املسرية‬
‫آن لنا أن نفرد صفحات لبعض الثغرات يف مسرية حركة فتح املتجددة‬
‫بعد انطالقتها الجديدة مع املؤمتر السادس عام ‪ 2009‬والتي منها‪.‬‬
‫بطء التغري‪ :‬وحيث أن التغيري قد حدث يف األفكار والسياسات والربامج‬
‫والشخوص‪ ،‬فلم يكن لفتح إال أن تضع كل ذلك يف مسار الفعل‪ ،‬وهي وان‬
‫أحدثت تغيريا «محدودا» يف األطر‪ ،‬وعميقا يف الفكرة وامليدان (اعتربت‬
‫العمل معيار االنتامء‪ ،‬وفرضت االشرتاك املايل‪ ،‬وقامت باالنخراط الشعبي‬
‫والتواصل التنظيمي‪ ،)...‬إال أن هذا التغيري سار وما زال ببطء مل يطبع‬
‫بصامته عىل جسد الكادر ويف قلبه‪.‬‬
‫ومل يكن للتثقيف أو التعبئة الداخلية أو التدريب أو املتابعة أو‬
‫التخطيط حد مقبول يف اإلطار الصاعد والنازل رأسيا وكذلك أفقيا‪ ،‬وهو وان‬
‫بدا واضحا يف بعض خاليا التفكري ولجان املساندة وعدد من املفوضيات‬

‫‪57‬‬
‫ومجموعة من األقاليم التي نعتز بتطورها‪ ،‬إال أن هذه التغيرّ ات مل تصبح‬
‫حتى اآلن سمة أو طابع أو لغة مشرتكة أو بصمة أو عالمة مسجلة لحركة‬
‫فتح حتى اآلن‪.‬‬
‫خوف من املستقبل‪ :‬يتل ّبس بعض الكوادر يف الحركة رداء التشيك‬
‫الدائم ضمن قلة الحيلة والسلبية ويتلبس اآلخرون خوف من املجهول‬
‫ومن القادم ومن املستقبل‪ ،‬وهم إذ يرون متغريات داخلية ولدى االحتالل‪،‬‬
‫ويف املحيط العريب تصطك ركبهم كام ركب أولئك يف حامس من القادم‪،‬‬
‫فهؤالء يخشون التاليش كام يخشاه أولئك‪ ،‬والطرفان ميثالن شخصيات‬
‫مليئة بالثغرات أو الحذر املبالغ‪ ،‬وعدم الرغبة يف التقدم‪.‬‬
‫إن كان الخوف رضورة فانه يجب أن يكون حافزا ودافعا ومحرضا‬
‫عىل الفعل ال عىل القعود ونكران الفعل‪ ،‬وإلقاء كل يشء يف وجه القدر‪.‬‬
‫إن اآللة تدور برتوسها جميعا‪ ،‬و(االوركسرتا) ال تصدر اللحن الشجي إال‬
‫بتناغم كامل عنارصها‪ ،‬فلكل فرد أو عضو دوره يف مسار الفعل الجامعي‬
‫ولكل موقعه ولكل عمله الذي يعرف به حيث يقول عيل بن أيب طالب‬
‫ريض الله عنه (وقيمة املرء ما قد كان يحسنه‪ ،‬والجاهلون ألهل العلم‬
‫أعداء)‪.‬‬
‫التشاؤم والسوداوية‪ :‬إن من ابرز عيوب (القلة) يف جسد فتح هي‬
‫نظرة التشاؤم الدامئة والسواد الحالك الذي يحيط عيونهم وعقولهم‪،‬‬
‫فاملايض جميل والحارض يسء واملستقبل مخيف‪ ،‬ومبثل هؤالء تتقهقر‬
‫الحركة ومبثل هؤالء ينطفيء لظاها وتخبو نار مشعلها‪ ،‬امليضء حتى‬
‫تحرير فلسطني وعودة الالجئني وتحقيق الدولة الدميقراطية املدينة‪.‬‬
‫إن فكر (النعي) والتذمر الدائم والشكوى هو سم قاتل يف جسد أي‬
‫تنظيم خاصة إن ارتبط بالقعود والتثبيط للذات واآلخرين‪ ،‬حينها يتحول‬

‫‪58‬‬
‫النشاط إىل تخريب مقصود ومتعمد‪.‬‬
‫إن الفكر االيجايب ال يربز إال يف املحيط السلبي‪ ،‬وإال فان االيجابية يف‬
‫املحيط االيجايب ال تعد فضيلة‪ ،‬بل الفضيلة بالتفكري االيجايب الذي ينتزع‬
‫ذاته من بني أنياب السواد والجو املحبط‪ ،‬وهنا يظهر الشجعان حيث‬
‫يقول الشاعر جرير‪ :‬قل للجبان إذا تأخر رسجه‪ /‬هل أنت من رشك املنية‬
‫ناجي؟‬
‫النقد الفضائحي‬
‫يف حركة فتح تعلمنا أن ننظر بالعينني االثنتني فتعلمنا النقد‪ ،‬ولكننا‬
‫معه تعلمنا أن نأخذ بيدنا اليمنى زمام أمرنا فنعمل ثم نعمل ثم نعمل‪ ،‬ألن‬
‫العمل يف فتح لخدمة القضية والناس والتنظيم ما ميثل فضيلة حركة فتح‪،‬‬
‫وهي‪-‬أي الحركة‪ -‬إذ تضع الله سبحانه وتعإىل نصب العينني‪ ،‬فانها ترى يف‬
‫الناس مفتاح الحل ومربر الوجود وهدف الفعل ألن تحرير فلسطني تحرر‬
‫للجامهري‪ ،‬ودحر االحتالل ملصلحة الناس‪ ،‬وإعالء قيمة الفرد وخدمته يف‬
‫شؤونه الصحية واالقتصادية واالجتامعية الصغرية والكبرية واجب‪.‬‬
‫يف فتح تعلمنا النقد ومل نرتك العمل‪ ،‬فلم يكن النقد ملجرد تعداد‬
‫السلبيات أو التنفيس أو التشفي أو داللة الكراهية‪ ،‬وإمنا بغرض تصفية‬
‫النفوس وبطرح أفكار اإلصالح وبالقيام بأعامل تنايف ما تم النقد عليه‪،‬‬
‫وحافزا للتقويم ودافعا للعمل‪ ،‬ال كام نرى اليوم أشباه مثقفني أو بضعة‬
‫أشخاص يعتلون املنابر فقط للذم املرذول والشتم غري املقبول أو الشكوى‬
‫املذلة أو الشتم امللفوظ أو االتهام غري املغفور‪ ،‬أو تلقط سقطات اآلخرين‬
‫فقط كمربر للنكوص أو الرتاجع أو السكون أو التدمري وعدم العمل‪،‬‬
‫وأظنني أجد مثل هذه النوعيات قلّت أو كرثت عىل امتداد الهرم القيادي‬
‫من أسفل إىل أعىل أو العكس ويف كافة التنظيامت‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ •ضعف التواصل‪ :‬ميكننا القول أن الثورة التونسية أو املرصية الحديثة‬
‫انترصت بإرادة الشباب وتصميمهم ويف ذلك الكثري من الحقيقة‪،‬‬
‫وان وضعنا عامل القدرة والتخطيط ووضوح الهدف نكون اقرتابنا‬
‫من الواقع‪ ،‬وان قلنا أن االلتزام كان محركا‪ ،‬والفعل والجهد املبذول‬
‫بدأب كان ميثل العامل الرابع فأننا ال ميكن ان نغفل ابدا ان العامل‬
‫الخامس هنا هو حسن التواصل أو حسن استخدام الوسيلة‪.‬‬
‫إن التواصل يف حركة فتح عىل إقراري بوجوده فهو ضعيف نسبيا‪،‬‬
‫وعىل أهميته فهو يحتاج لجهد فكري وإداري رفيع يلزم املسؤول األول‬
‫أن يكون راعيا لرعيته كام يقول الرسول األعظم صىل الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ويكون يف نهاره كام ليله ال يشغل فكره إال خدمة شعبه ووطنه وحسن‬
‫استخدام الوسيلة من متابعة واجتامعات دورية واتصاالت هاتفية وشابكة‬
‫(االنرتنت) وعرب مواقع التواصل االجتامعي‪ ،‬وعرب التقرير الدوري ومن‬
‫خالل االلتحام اليومي الذي يستشعر فيه الفرد واملواطن العادي أن ابن‬
‫فتح يف موقعه القيادي امليداين أو موقعه الوسيط أو املتقدم هو جزء ال‬
‫يتجزأ من جسده وروحه ودمه‪.‬‬
‫ان حركة فتح بحاجة أكرب للنظر يف عيون الكوادر والتفاعل مع ما‬
‫يشغل فكرها‪ ،‬وتصوير ما يعتمل يف قلبها وتجنيد أرواحها لنتقدم وننترص‪.‬‬
‫ •نقص الثقافة والتثقيف‪ :‬قلت يف أكرث من محفل أن املثقف يحتاج‬
‫ليكون كذلك ألن يعرب عن بيئته‪ ،‬ولكل بيئة وفئة ومجتمع ثقافتها‪،‬‬
‫وليك يتميز الكادر يف فتح فال مناص من الصعود ملنصة الثقافة عرب‬
‫مركب القراءة‪ ،‬فمن ال يقرأ ال يتجدد كمن ال يستحم اذ ترتاكم عىل‬
‫املقل أو املفارق للكتاب الورقي أو االلكرتوين‬
‫جسده األوساخ‪ ،‬كذلك ّ‬
‫حديثا حيث يرتاكم عىل فكرة الصدأ من كل جانب ما ال يجلوه إال‬
‫القراءة ومن ال يقرأ ال يكتب‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫إن التثقيف يف الحركة حصانة والتثقيف يف الحركة قوة للشخصية‬
‫والتثقيف يف الحركة ثقة مبا نقول ونعمل فان مل اس َع للتحصني واكتساب‬
‫القوة والثقة من خالل التفاعل مع ثقافة الجمهور‪ ،‬وعرب الكتاب ومن‬
‫خالل املامرسة فمن أين سأكون قيمة يف التنظيم؟! ومن اين سأختط‬
‫لنفيس مسلكا مميزا وكيف سأمتاثل مع أقراين يف آلية العمل بروح الفريق؟‬
‫ان التعبئة والتثقيف الداخيل يف الحركة ليست مهمة لجنة التدريب‬
‫فقط وإمنا هي مهمة كل عضو نحو ذاته أوال‪ ،‬فالنهر موجود والرشبة ال‬
‫تحتاج إال ملن يغرتفها‪ ،‬وهي مهمة اإلطار (خلية‪ ،‬شعبة‪ ،‬منطقة‪ ،‬إقليم)‬
‫وكذلك يف املكاتب الحركية‪ ،‬فحيث نهمل الفكرة وقيمتها واألخالق‬
‫وانعكاسها يف سلوكنا وحيث نهمل االحتكاك باآلخرين واالستفادة منهم‬
‫تجتاحنا نوازع األنانية وحب الذات والتقوقع والظن اليسء‪.‬‬
‫ •الفردية وفقدان اإلدارة املحكمة‪ :‬إن مرض الفردية أو الشخصانية‬
‫قد يصيب الكثريين خاصة ممن يعشقون صورتهم‪ ،‬وبدلك يصبح‬
‫سعيهم األساس نحو تكريس هذه الصورة بحيث ال يرغبون أن‬
‫يروا إىل جانبهم إال من يكيلون املديح لهم بحق ودون وجه حق‬
‫ويتزلفون‪.‬‬
‫قد يربع أمثال هؤالء يف أعاملهم ولكنها وان حققت نتائج إال ان محركها‬
‫الرئيس صورة الفرد ومكانته بحيث ال يرغب يف رؤية اآلخر املخالف أو‬
‫حتى املتفق معه‪ ،‬فظهوره أىل جواره يصبح مجال مقارنة ال يرغب بها‬
‫(الرنجيس) الفرداين الشخصاين‪.‬‬
‫ان العمل الفردي قد ينجز‪ ،‬وقطعا يحتاج التنظيم ملبادرات أفراده‪،‬‬
‫ولكن العمل املثمرواألكرب تحقيقا لألهداف‪ ،‬وبزمن مرتبط بالخطة هو‬
‫العمل الجامعي أو العمل بروح الفريق من حيث أنه‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫ •يخلق التقارب‬
‫ •ويحقق الرتابط والتناغم‬
‫ •ويزيد الثقة املتبادلة‬
‫ •ويكرس االنتامء‬
‫ •ويحقق االنجازات‬
‫ •ويوفر الجهد والوقت واملال‬
‫وان كان هؤالء الشخصانيني يف حركة فتح ويف التنظيامت األخرى قطعا‬
‫يستبسلون إلبراز ذاتهم‪ ،‬ويخشون العمل الجامعي فان مهمة الكوادر يف‬
‫األطر هو مزيد من العمل الجامعي واملنظم ومزيد من روح الفريق الذي‬
‫يجعل مثل هؤالء محارصين وأسلوب ‘دارتهم منبوذ‪.‬‬
‫أما اإلدارة املحكمة من حيث تطبيق عنارص اإلدارة الستة املعروفة‬
‫من تخطيط وتنظيم للجهود وتوجيه (قيادة واتصاالت وتحفيز) وتشغيل‬
‫ورقابة (ومحاسبة) وتنسيق فإنها ويف ظل تعدد مدارس اإلدارة التنظيمية‬
‫نجدها يف حركة فتح ونحس بها وهذا متغري جيد‪ ،‬ولكنها صفة تحبو‬
‫وفكرة تشق لها طريقا صعب للتطبيق يف مختلف األطر‪ ،‬وسبيل تتنازعه‬
‫رغبات الرجال واالرتجال واالتجاه نحو العشوائية وردود الفعل كبديل عن‬
‫التخطيط والتوجيه واملتابعة‪.‬‬
‫إن االتجاه نحو اإلدارة التنظيمية بعنارصها يستدعي تغريا فكريا أداريا‪،‬‬
‫وتغيريا يف الثقافة السائدة حيث ال يعقل وكل وسائل االتصال الحديثة بني‬
‫يدينا أن ال نقدر عىل بناء جسور التواصل والثقة واملحبة واملخالطة بيننا‬
‫وبني أعضاء التنظيم؟ وال يعقل أن نهمل الكادر ليبحث عن متنفس آخر‬
‫يجده يف مساحات افرتاضية متاحة عرب وسائط التواصل االجتامعي وقد‬

‫‪62‬‬
‫يجهد نفسه مبا هوبال طائل‪ ،‬وكان األدعى أن نجذبه بنشاطات املناطق‬
‫واألقاليم والنقابات واملؤسسات واملركز‪.‬‬
‫إن اإلدارة الفتحوية يجب أن تكون هي اإلدارة بالقدوة‪ ،‬وهي اإلدارة‬
‫بالعمل واالنجاز‪ ،‬وهي اإلدارة بالتعاون وهي االدارة بااللتزام‪ ،‬وهي‬
‫االدارة بالجامهري‪ ،‬وبدون ذلك فاننا سنظل نعاين ونعاين ونرتاجع ونتقهقر‬
‫ونتساءل ملاذا؟ ونحن نعرف الجواب‪.‬‬
‫ان كان عىل حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح كقيادة وكوادر‬
‫متقدمة مآخذ فان آليات الحوار يف الحركة مفتوحة ضمن كافة األطر‪،‬‬
‫وهي مكان االستيعاب األكرب لكل نقد هو رضوري‪ ،‬ولكل اقرتاح هو واجب‬
‫ولكل صاحب رأي يعتقد أن لديه ما يقوله وعليه ما يفعله‪.‬‬
‫فتح الفكر السيايس‬
‫استطاع الرئيس أبو مازن وحركة فتح أن يرسموا اسرتاتيجية نضالية‬
‫ارتكزت وفق ما عرب عنه املؤمتر السادس للحركة عام ‪ 2009‬ومسار‬
‫األحداث السياسية وقرارات اللجنة املركزية واملجلس الثوري يف اعتقادي‬
‫عىل األمور التالية‪- :‬‬
‫‪1.1‬التمسك بالثوابت الفلسطينية‪:‬‬
‫وذل��ك وفق ما استقر عليه اإلج�ماع الفلسطيني ممثال بالدولة‬
‫الفلسطينية املستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني‪،‬‬
‫ولحقت جميع الفصائل بحركة فتح بهذا املجال داللة عىل قدرة الفكر‬
‫الفتحوي الواقعي أن يفرض نفسه ويحقق إجامعا وتوحدا هو من شيمة‬
‫الفتحويني‪.‬‬
‫‪2.2‬الكفاح الجامهريي‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫شددت الحركة عىل حقها مبامرسة كافة أشكال النضال وفق ما أقرته‬
‫الرشائع الدولية ومبا غيها الكفاح املسلح‪ ،‬واختارت يف املرحلة الراهنة‬
‫الكفاح الجامهريي أو النضال الشعبي أو املقاومة السلمية كخط نضايل‪،‬‬
‫يجب أن يتصاعد ليس فقط يف نقاط املواجهة حيث يتواجد الجدار‪ ،‬ويف‬
‫بعض القرى وإمنا ان يتحول بفعل نضايل يومي متصاعد ال يقر لالحتالل‬
‫بتواصل بغية وعدوانيته‪ ،‬ويشكل من الجامهري جدار حامية وطاقات‬
‫نضالية‪ ،‬ويف هذا البعد فان حركة فتح مقرصة ومطلوب منها ومنا جميعا‬
‫حجم ومساحة اكرب لهذا الفعل‪.‬‬
‫‪3.3‬تعزيز املواطنة واالنتامء لفلسطني‬
‫ما بني االنتامءات التنظيمية لهذا الفصيل أو ذاك أقدم الرئيس أبو‬
‫مازن والسلطة الوطنية الفلسطينية عىل الفصل بني االنتامء التنظيمي‬
‫وبني الوظائف يف السلطة الوطنية الفلسطينية بشقيها املدين والعسكري‪،‬‬
‫وعليه أضحت التعبئة والرسالة الداخلية يف مختلف املؤسسات والوزارات‬
‫واألجهزة رسالة وطنية فلسطينية ال متيز بني املنتمي لهذا الفصيل أو ذاك‪.‬‬
‫ورغم أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي حركة الشعب‬
‫اال أنها مل تدعي يوما أنها متثل حرصيا الشعب الفلسطيني‪ ،‬أو متثل حرصيا‬
‫اإلسالم (كام يدعي اآلخرون) أو متثل حرصيا العمق العرويب اإلسالمي‬
‫الحضاري لذلك كان مسارها مرتبط باإلطار الجبهوي التآلفي التوافقي‬
‫ممثال مبنظمة التحرير الفلسطينية والحقا ما حصل يف ‘طار السلطة‬
‫الوطنية الفلسطينية‪.‬‬
‫تتميز حركة (فتح) يف أن أول حرف من اختصار اسمها هو حرف الفاء‬
‫املأخوذ من كلمة فلسطني‪ ،‬وقسمها ليس قسم اإلخالص لحركة فتح وإمنا‬
‫قسم اإلخالص لفلسطني‪ ،‬ويتوسط شعار العاصفة فيها خريطة فلسطني‬

‫‪64‬‬
‫الكاملة‪ ،‬وهي مل تشعر يف يوم من األيام أنها متاميزة عن جامهريها فلم‬
‫تفرق بينهم يف الرعاية والدعم واملساعدات واالحرتام‪.‬‬
‫‪4.4‬الدميقراطية والوحدة الوطنية والرشاكة‬
‫الدميقراطية متثل حياة يف حركة فتح‪ ،‬عكستها يف املجتمع اذ يشعر‬
‫الفلسطيني بحريته يف ظل وجود حركة فتح الضامن الستقرار وحرية الفرد‬
‫واملجتمع كام أفادىن أكرث من أخ مستقل مشبها حركة فتح بعود الخيمة أو‬
‫أساس البناء أو العمود الفقري للثورة الفلسطينية‪...‬‬
‫والن الدميقراطية ليست صندوق انتخابات فقط بل فكرة وثقافة‬
‫ومامرسة تنعكس يف البيت والحزب والبلد ارتفع صوت الفتحويني عاليا‬
‫بالنقد الصادق والحوار وتعزيز املسار‪ ،‬فلم يرتكوا مثلبه أو إساءة أو فسادا‬
‫عاما أو خاصا إال فضحوه بادئني بأنفسهم وملحقني اآلخرين بهم‪ ،‬فاملؤمن‬
‫ال يكون كذابا أبدا كام قال الرسول صىل الله عليه وسلم وال طعانا وال لعانا‬
‫وال شتاما وإمنا ناقدا باحرتام وضمن القوانني‪.‬‬
‫وإذا كانت آية املنافق تتمثل يف أنه‪ :‬إذا ح ّدث كذب وإذا وعد اخلف‬
‫وإذ اؤمتن خان وإذا خاصم فجر كام يروى يف الحديث الرشيف فان‬
‫الحركة العمالقة مل يؤثر عنها يف تاريخها إال تطبيقها األمني لهذا الحديث‬
‫الرشيف‪ ،‬لذا كانت مساحة الدميقراطية تتعزز‪ ،‬ألنها تعري وتفضح من‬
‫يكذب ويخون ويخلف ويفجر‪.‬‬
‫وإذ استطاعت الحركة أن تعكس الدميقراطية يف عالقاتها الداخلية‬
‫والخارجية وفق مقولة الرئيس الشهيد الخالد يارس عرفات أنها (دميقراطية‬
‫غابة البنادق) فان حامس كمثال مل تلتزم بهذا املبدأ ونقضته علنا عرب‬
‫حربها عىل الشعب الفلسطيني يف غزة من خالل االنقالب األسود عام‬
‫‪ 2007‬حبا بالسلطة وسعيا لها‪ ،‬الذي أودى بأكرث من ألف شهيد‪ ،‬مل يسبقها‬

‫‪65‬‬
‫ملثل هذا الفعل اال نظام االستبداد والظلامت عام ‪.1993‬‬
‫ومع ذلك فان فكر الوحدة الوطنية هو فكر فتح التي قادت والفصائل‬
‫الوطنية عامة ويف االنتفاضة األوىل ثم االنتفاضة الثانية وصربت عىل تفرد‬
‫حامس بفعالياتها ونشاطاتها وانشقاقها عىل القيادة الوطنية املوحدة إىل‬
‫إن جاء اليوم الذي يجلس فيه خالد مشعل إىل جانب الرئيس أبو مازن‬
‫مق ّرا بالخط الواقعي لحركة فتح وملنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وإىل أن‬
‫جاء اليوم الذي يعرتف به موىس أبو مرزق علنا أنهم يف حامس كانوا‬
‫ينظرون للمنظمة أنها األخر‪ ،‬رغم وجود الكثري مام يوحد عىل حد تعبريه‪.‬‬
‫إن الوحدة الوطنية لدى حركة فتح مفتاح رفض القداسة أو العصمة‬
‫التي يدعيها بعض التنظيامت اليوم سواء العصمة الوطنية أو الدينية‪،‬‬
‫وهي مفتاح قبول اآلخر ال استبعاده أو النظر له كنقيض إن مل يكن كعدو‬
‫يجب إقصاؤه كام املح أبو مرزوق مؤخرا‪.‬‬
‫إن الرشاكة يف صلب فكر فتح املستنري والرحب الذي يتقبل ويتفهم‬
‫ويتجاور ويتحاور مع اآلخر بكل محبة وكل تقدير وكل احرتام‪ ،‬وهاجسه‬
‫ميل من‬
‫األساس كام كان يردد الشهيد القائد صالح خلف (أبو اياد) ومل ّ‬
‫التكرار (أنني أخالفك بالرأي ولكنني أقاتل دفاعا عن حقك بإبداء الرأي)‪.‬‬
‫وما مآل األمور مؤخرا عرب املصالحة الوطنية إال تكريسا حقيقيا لفكر‬
‫حركة فتح السيايس يف الدميقراطية والتعددية والوحدة الوطنية والرشاكة‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪5.5‬العمق الحضاري العرويب اإلسالمي‪:‬‬
‫جهد املخالفون بأن يضللوا الشعب الفلسطيني ويصموا حركة فتح‬
‫بأنها حركة كافرة أو علامنية (مبفهوم أن العلامنية كفر)‪ ،‬وما زال هناك‬
‫فئة غري قليلة تحمل هذه الفكرة امللغومة‪ ،‬والتي هي امتداد التهامات‬

‫‪66‬‬
‫تشويهية تربز عند كل مفصل أو يف االنتخابات حاليا‪ ،‬وما هي اتهامات‬
‫باعتقادي صادرة عن عقالء أو مؤمنني وإمنا عن حاقدين اقصائيني ال يرون‬
‫إال أنفسهم‪ ،‬إذ يفجرون بالخصومة ويتطاولون عىل اآلخرين وعىل فتح‬
‫ويستعلون عليها يف سياق فهم مضطرب يدعي قداسة (الوالء والرباء‬
‫واالستعالء)‪.‬‬
‫إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي التيار العام الذي يضم‬
‫كل مكونات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني من أولئك الذين خلعوا‬
‫رداء الحزبية املتعصبة وانضموا لقافلة التحرير‪ ،‬لذا فحركة فتح هي حركة‬
‫هذا الشعب املنتمي قطعا لبيئته وملحيطه ولحضارته‪ ،‬وأىن له أن يخرج‬
‫من عباءته هذه؟ وكيف له أن يتناقض مع مكوناته الذاتية؟ وهي تلك‬
‫املنفتحة عىل الحضارات دون تعصب أو تأزيم أو تحيز‪.‬‬
‫إن الحضارة العربية اإلسالمية املنفتحة‪ ،‬وباالمتدادات املسحية الرشقية‬
‫هي حضارة هذه املنطقة وهي تشكل أبرز مكونات ثقافة هذا الشعب‬
‫وهي خيار حركة فتح منذ البداية حتى اليوم‪ ،‬وما كان اسم (فتح) إال‬
‫استلها ما للفتح املبني ال الحتف واالنتحار والدمار‪.‬‬
‫إن قدرة حركة فتح عىل احتواء التيارات الفكرية الثالثة يف حضنها يف‬
‫مرحلة سابقة إمنا كان داللة الرحابة والتكرس لفلسطني كام هي الداللة‬
‫عىل العمق الحضاري امللتزم باألصالة واملنفتح عىل الحداثة‪.‬‬
‫ان حركة فتح فكر الوسطية وفكر االعتدال املجتمعي فلم تكن يوما‬
‫تنظيم متهاونني يف القيم أو األخالق أو الدين‪ ،‬كام مل تكن تنظيم متشددين‬
‫مذعورين من رائحة الورد القادمة من اآلخر‪ ،‬انها تنظيم الحداثة واألصالة‬
‫حيث التجاور والتحاور واالغناء‪.‬‬
‫مل يكن اإلسالم يف يوم من األيام مشكلة أو عائق أو ميثل فجوة يف‬

‫‪67‬‬
‫الحركة‪ ،‬وإمنا كان واستمر وسيظل دينا حنيفا ال يستطيع أي احد أن ميسه‬
‫بسوء أو يقصيه عن التأثري يف الجامهري‪ ،‬وذلك الن لإلسالم الدور الفاعل يف‬
‫رسم الشخوص وتشكيل الثقافات وبناء الحضارة العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫إن محاولة إيجاد تناقض لإلسالم مع حركة فتح إمنا هو لعب بالنار‬
‫وشق للشعب‪ ،‬ويأيت يف سياق ادعاء بعض التنظيامت أنها هي وكيل الله‬
‫عىل األرض‪ ،‬أو أنها والقداسة صنوان‪ ،‬أوان فكرها فقط هو املعرب عن الله‬
‫واإلسالم والدين‪ ،‬أو أنها حيث تلتف فإنها تحتكر (اإلسالمية) ما ال يجوز‬
‫قبوله ويف ذلك يقول الشيخ عبد الرحامن الكواكبي (ال يوجد يف اإلسالمية‬
‫نفوذ ديني مطلقا يف غري مسالة إقامة شعائر الدين‪ ،‬ومنها القواعد العامة‬
‫الترشيعية‪.)...‬‬
‫فالرأي عامة هو فكر أنساين سواء أكان هذا الفكر سيايس أم اقتصادي‬
‫أم مجتمعي أو غريه‪ ،‬ولذا فهو قابل للخطأ والصواب‪ ،‬واإلسالم (أو األديان‬
‫عامة) غري قابل للخطأ والصواب‪ ،‬لذلك قالوا إن مصطلح (اإلسالم السيايس)‬
‫مصطلح خاطئ فاإلسالم ثابت ومطلق والسيايس نسبي‪ ،‬واإلسالم ال يخطئ‬
‫والسيايس يخطئ ويصيب‪ ،‬ومن هنا وقع التحديد إن (األمور) اإلنسانية‬
‫عامة والشؤون البرشية هي يف موقع النظر الفكري اإلنساين املرتبط ثقافة‬
‫وحضارة بفكرنا الوسطي املعتدل الفكر العرويب اإلسالمي قطعا وهو‬
‫الفكراملنفتح عىل الحضارات األخرى دون استغالل للدين أو متسحا به‪.‬‬
‫إن (التدين) وحجم (اإلميان) ونطاق (إسالمية) (أو مسيحية) الشخص‬
‫أو ما يحمله من أفكار ال يصح الحكم عليه برشيا‪ ،‬فالله سبحانه وتعإىل‬
‫هو الحكم فحيث ال يقاس إميان املرء وتدينه باملقياس الدنيوي الن الله‬
‫هو الحكم يوم القيامة لذا ال يجوز أن يدعي أي كان وكالته عن الله‬
‫سبحانه وتعإىل والذي هو اقرب ألي منا من حبل الوريد كام يأيت يف القران‬
‫الكريم‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫إن الرأي السيايس واملجتمعي واالقتصادي أو أي رأي يف شؤون الناس ال‬
‫يحق ألحد أن يدعي انه ميثله أو ينطق به نيابة عن الله‪ ،‬وإمنا عن نفسه‬
‫أو تنظيمه يك ال نقع يف منطقة القداسة أو الكهنوت التي توهم الناس‬
‫أن هذا الشخص (أو الفصيل) أو ذاك هو وحده الذي يعرب عن الحق ألنه‬
‫يطلق لحيته أو يصيل يف املسجد أو عىل جينه زبيبة الصالة‪.‬‬
‫إن الفكر الفتحوي فكر الشعب الفلسطيني فكر الثورة الفلسطينية‪،‬‬
‫هو املستمد واملستلهم من بيئتنا وتفاعالتها أي من حضارة الشعب واألمة‪،‬‬
‫الحضارة العربية اإلسالمية وتجارب الشعوب‪ ،‬لذا فلتحبط دعوات أو‬
‫تخرصات من يحاولون اتهام الحركة باالتهامات الباطلة وكأنها أو غريها‬
‫من الفصائل عىل طريف نقيض من الله سبحانه وتعإىل أو اإلسالم أو التدين‪.‬‬
‫‪6.6‬املؤسساتية والدولة املدينة‪.‬‬
‫إن املؤسساتية عقل إداري منفتح وفكرة تستمد قبولها من أن الكل‬
‫هو القادر عىل البناء‪ ،‬وان الفرد جزء من الكل‪ ،‬ولذلك فان النظام أو‬
‫املؤسسة ال تبني عىل عقل االستبداد (الديكتاتورية) املرتبطة بشخص‬
‫لوحده‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبد الرحامن الكواكبي (االستبداد أعظم بالء النه جدب‬
‫مستمر بتعطيل األعامل‪ ،‬وحريق متواصل بالسلب والغصب‪ ،‬وسيل جارف‬
‫للعمران وخوف يقطع القلوب وظالم يعمي األبصار)‬
‫وان كان حديث الكواكبي عن االستبداد الديني والسيايس فهو يصح يف‬
‫أي مجال ويف أي حزب أو مؤسسة ما نرفضه فتحويا ونسجل انتصارنا عليه‬
‫من خالل عقلية املؤسسة والعمل الجامعي أو العمل بروح الفريق‪ ،‬ولذلك‬
‫صيغت الهياكل التنظيمية ليستطيع من خاللها ووفق النظام الداخيل أن‬
‫يعرب كل كادر أو فرد عن ذاته وفكرته ضمن فكر الحركة‪ ،‬وعن مقرتحاته‬

‫‪69‬‬
‫ونشاطاته وأعامله كل يف إطاره وكل يف منظمته الحركية التنظيمية أو‬
‫النقابية‪.‬‬
‫إن عقلية املؤسسة يف الحكم ويف التنظيم ويف البيت ويف الدولة هي‬
‫نقيض االستبداد أو الذي يقول عنه أيضا الشيخ الكواكبي انه (ما من‬
‫مستبد سيايس إىل اآلن إال ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه‬
‫مقام ذي عالقة مع الله‪.)...‬‬
‫حركة فتح والفكر التنظيمي‬
‫إن الفكر التنظيمي لحركة فتح ينعقد له اللواء بالتعانق ما بني فكرة‬
‫التحرير والهياكل التنظيمية ومقومات األداء‪ ،‬حيث يتحقق الرابط الوثيق‬
‫بني اإلميان بالفكرة واملسارب أو املسارات التي عربها يتم متثيل وتكريس‬
‫يعب عنه بالهياكل التنظيمية من القاعدة إىل‬ ‫وتحقيق االنتامء وااللتزام ما رّ‬
‫القمة التي متارس العمل أو القيام باملهمة أو األداء‪.‬‬
‫إن مهمة الكادر وواجبه يحدده النظام الداخيل بوضوح لكل إطار‪ ،‬وبال‬
‫عمل ال يوجد تنظيم إذ أن العمل هو مكمل خاميس التعريف للمنظمة‬
‫أو التنظيم (الفكرة‪ ،‬أعضاء‪ ،‬هياكل‪ ،‬نظام‪ ،‬عمل مشرتك)‪ ،‬وكام أوضحنا أن‬
‫فتح تنظيم العمل الدائم املرتبط بالفكرة والقضية والناس‪.‬‬
‫إن آليات العمل ضمن الهيكل هي محقق الفكرة وقناة األداء وسبيل‬
‫التواصل عرب االجتامعات والتقارير واملؤمترات‪.‬‬
‫لذلك فإنه يصح أن نقول أن الفكر التنظيمي يستند للمفاهيم التالية‪:‬‬
‫‪1.1‬اإلميان العميق بفلسطني جامع لنا‪ ،‬وبفكرة التحرير‪ ،‬ورضورة‬
‫النضال بكافة األشكال ابتداء من الكفاح املسلح وحرب الشعب إىل‬
‫إبداعات الفلسطينيني باالنتفاضات والكفاح أو املقاومة الشعبية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪2 .2‬وكام ينص النظام الداخيل فإن االنتامء وااللتزام بالفكرة واألهداف‬
‫واملنطلقات وتواصل العمل‪ ،‬والرسية فيام هو محظور ومرتبط‬
‫بالوقت واملهمة والشخوص‪ ،‬إىل جانب علنية األفكار والسياسات‬
‫والرؤى ثم النقد والنقد الذايت تشكل ركنا رئيسا يف الفكر التنظيمي‬
‫للحركة‪.‬‬
‫‪3.3‬الخطاب الحضاري املستمد من بيئتنا ومحيطنا وكياننا وامتدادنا‬
‫العرويب اإلسالمي‪ ،‬فحركة فتح بكادر تنظيميها املسلم أو املسيحي‬
‫املؤمن بالله وبقدرته عىل العطاء هو من صلب هذه الحضارة وهذه‬
‫الثقافة مهام تعدد عنده الرأي ألن الرأي مكون شخيص إنساين قابل‬
‫لألخذ والرد وللخطأ والصواب ما ينزع أي مفاهيم ظالمية بقداسة‬
‫أو مطلقية الرأي الذي يجب أن ينضبط للفكرة واألطر‪.‬‬
‫‪4 .4‬إن حركة فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية بعطاء‬
‫دائم وحضاري ومنفتح عىل كل تجارب الشعوب‪ ،‬وباحرتام شديد‬
‫لكل اإلسهامات املسيحية واإلسالمية يف أتون هذه الحضارة‪ ،‬وكذلك‬
‫بالنهل من الحضارات األخرى ضمن االنفتاح والوسطية واالعتدال‬
‫الذي متثله حركة الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫ إن اإلبداع يف صلب التنظيم يرفض ورقة النعي أو السوداوية أو‬
‫البكاء واللطم‪ ،‬وإن كان اإلبداع يرحب بالنقد وفق أرضية اإلصالح‬
‫والتطوير والتقدم‪ ،‬ويف ذلك دوما تكون البداية من عندي (عندك)‪،‬‬
‫حيث ال يقبل الفكر التنظيمي الفتحوي مفهوم عالقة املالبس‬
‫(الشامعة) سواء كانت متمثلة بالقيادة أو بالنظر أحادي الزاوية‬
‫للسلبيات واإلخفاقات‪.‬‬
‫ إن كل إخفاق أو سلبية يجب أن تنقد وتقابل بفعل إيجايب‪ ،‬وكل‬

‫‪71‬‬
‫تراجع أو أزمة يجب أن تكون دافعا وحافزا للمراجعة واالستفادة‬
‫لتشكيل دفعة لألمام وليس إىل حافة الهاوية‪.‬‬
‫ إن اإلبداع سياق فعل متصل‪ ،‬وأفكار وخطط ال تنضب فإن تكون‬
‫فتحاويا فأنت صاحب اإللهام لآلخرين‪ ،‬ومدرسة اإلقدام والشجاعة‪،‬‬
‫ورمز االنجاز قبل أن تتصدى لآلخرين بشجاعة أيضا مشريا إىل‬
‫سلبياتهم أو مساوئهم‪.‬‬
‫‪5.5‬التواصل التنظيمي‪ :‬مل تعد الفكرة وحدها واإلميان بها والتعبئة‬
‫باتجاهها هي عامل االستقطاب أو الحفاظ عىل العضو‪ ،‬ومل تعد‬
‫النشاطات هي املحفز الوحيد لألداء حيث أن االتصاالت بأشكالها‬
‫املختلفة يف السياق الرأيس واألفقي‪ ،‬والشفوي منها والكتايب‪ ،‬الفردي‬
‫منها والجامعي والجامهريي كلها تشكل حقيقة التعاون والتنسيق‬
‫والتساند‪.‬‬
‫ إن دخول العامل يف عرص الفضاء والشابكة (االنرتنت) ولغة التواصل‬
‫االجتامعي أصبح يوجب عىل كادر الحركة أن يقود هذه الوسائل مبا‬
‫ترسمه الحركة من سياسات ورؤى وخطط‪ ،‬ولكن ذلك عىل أهميته‬
‫ما ثبت بالثورات العربية الحديثة فانه ال غنى أبدا عن االجتامع‬
‫التنظيمي واللقاءات التنظيمية املهرجانات الجامهريية واملؤمترات‪،‬‬
‫يف آليات متابعة يومية ودورية تجعل من التواصل قنطرة توحيد‬
‫األفكار ومكان التنفيس كام طلب البعض‪ ،‬ومساحة تصارع أو تقابل‬
‫اآلراء واتخاذ القرارات أو التوصيات وتحقيق املحاسبة‪ ،‬وحيث يجب‬
‫أن يكون عامل التوافق هو محركنا يف ذلك‪.‬‬
‫ إن اإلدارة الحكيمة أو الرشيدة يف التنظيم تجعل من التواصل‬
‫التنظيمي مدخال لتحقيق الخطط والربامج عرب تنظيم الجهود‬

‫‪72‬‬
‫وتوجيهها وقيادتها واملحاسبة عليها‪.‬‬
‫‪6.6‬االرتباط مع الناس‪ :‬إن فتح مل تقبل أن تكون حركة الطليعة أو النخبة‬
‫املنفصلة‪ ،‬أو الصفوة املنقطعة عن الناس أبدا فمزجت بني طليعية‬
‫كوادرها‪ ،‬وجامهريية تطلعاتها وعالقاتها مع الناس باملحبة واالعتامد‬
‫والتعلم من الجامهري وتحسس شؤونها وحاجاتها ودوام االقرتاب‬
‫والتواصل معها‪ ،‬فحركتنا كالسمكة التي تعيش بني الجامهري‪ ،‬متى‬
‫ما انقطعت عن العوم يف هذا البحر تالشت وانتهت‪.‬‬
‫ إن حركة فتح الجامهري محبة غامرة‪ ،‬وفعل خدمة ال تنضب‬
‫ملصلحة الناس‪ ،‬مادة الثورة‪ ،‬ومعينها‪ ،‬فال يجوز يف الحركة أن نرتفع‬
‫عن الجامهري وندعي العلم أو القداسة أو املعرفة أو النزاهة أو‬
‫االستعالء كام هو شأن تنظيامت أخرى تضع بينها والجامهري حاجزا‬
‫نفسيا أو دينيا بادعاء عصمتها أو فوقيتها ما هو يف حقيقته سقوط‬
‫للفكرة والقائد التنظيمي معا‪.‬‬
‫ إن الجامهري هي مقياس النجاح أو الفشل‪ ،‬ومهام كانت األفكار‬
‫عظيمة فإنها تظل حبيسة العقل أو األدراج أو األوراق أو الشابكة‬
‫(االنرتنت) إن مل تعتنقها الجامهري وتجعل منها كائنا حيا يرزق‪.‬‬
‫‪7.7‬اإليجابية واملؤسسية‪ :‬إن حركة فتح مل تكن يوما من أولئك الذين‬
‫يردحون أو يدعون املظلومية التاريخية أو البكائني عىل أمجاد عابرة‪،‬‬
‫أو من مستدعيي التاريخ لينقذهم‪ ،‬ألن فكر العمل واالنجاز يعيش‬
‫بالعقلية اإليجابية‪ ،‬والعقلية اإليجابية تظهر باملنعطفات الصعبة‪،‬‬
‫يف املآيس ويف الضائقة واألزمات فتتغلب عليها بآليات حل األزمات‬
‫وباالستفادة من التجارب وبدفع العربة إىل األمام‪.‬‬
‫إن قاعدة البكاء واللطم والسلبية ليست من شيم الرجال أو النساء يف‬

‫‪73‬‬
‫حركتنا‪ ،‬ألن مشعل االنتصار يسري يف فضاء عقلية اإلنجاز والتطور والتدفق‬
‫الحر إىل األمام‪.‬‬
‫إن االيجابية واإلبداع وااللتزام واالرتباط مع الناس والتواصل التنظيمي‬
‫مع فكر التحررالوطني كلها من مقومات املؤسسة التي تشكل فيها اإلدارة‬
‫الحكيمة فرضا الزما وليس سنة‪ ،‬ومن هنا فان القائد الحقيقي هو الذي‬
‫يشيع املناخ االيجايب الحافز تحت إدارته أو قيادته‪ ،‬وهو القادر عىل دفع‬
‫لآلخرين للتحرق شوقا لتنفيذ واجباته‪ ،‬وحيث أن البداية دوما من عندي‬
‫(عندك) عند أي عضو أو كادر فإن املسؤولية تكرب بكرب املوقع حيث ال‬
‫يجوز أن نلقي اللوم عىل األعضاء أو الكوادر يف ظل تقاعس أو خذالن أو‬
‫ضعف القائد‪.‬‬
‫إن عقلية املؤسسة وإيجابية التفكري واملناخ الحافز هام من أركان‬
‫البعث التنظيمي‪ ،‬والنهضوية يف حركة فتح حيث ال يصح أبدا االستناد‬
‫إىل حوائط غري ثابتة‪ ،‬وإمنا إىل الفريق الذي يسند بعضه بعضا من خالل‬
‫توزيع األدوار واملهامت والواجبات‪.‬‬
‫إن حركة فتح هي حركة املستقبل وهي ضامنة الثورة واملجتمع‬
‫وهي حركة الجهود املجدولة باتجاه فلسطني وهي حركة تكريس األسس‬
‫التنظيمية واإلدارية والسياسية يف سياق أركان معادلة التقدم الثالثة حيث‬
‫العمل مرتكز وحيث العمل عمود الخيمة وسارية السفينة‪ ،‬وهو العمل‬
‫املرتبط باإلميان بالله والفكرة والقدرة عىل تحقيق األهداف ثانيا‪ ،‬وليكون‬
‫التناغم والتناسق العمود الثالث أو الركن الثالث لتنظيم مقدام‪ ،‬لن يهزم‪،‬‬
‫قادر عىل التطوير واإلبداع والتغيري ما هو يف حقيقته قدرة عىل الحياة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫حركة فتح ودور يتجاوز اجلغرافيا‬
‫(‪((1‬‬

‫تقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح اليوم أمام منعطف أو‬
‫مفرتق طرق إجباري فإما تستطيع أن تتقدم وإما يكون مآلها الرتاجع يف‬
‫مسار من التخبط والتضارب والتدهور‪.‬‬
‫إن القادم مبتغرياته التي صعدت إىل السطح يف أواخر العام ‪2010‬‬
‫قد برز منه مجموعة من التفاعالت التي ستقلب املعادالت وتعيد رسم‬
‫املنطقة جغرافيا وسياسيا‪ ،‬وعليه فإن األدوار واملواقع لكل «مادة تغيري»‬
‫سواء كانت دول أو منظامت أو أشخاص ستكون مرتبطة ومتساوقة مع‬
‫مجمل املتغريات‪.‬‬
‫أن املنطقة العربية التي تدخل يف العام ‪ 2012‬مرحلة (التشكل‬
‫الجديد) لن تعدم عوامل الفوىض والقالقل واألزمات حيث أن كل جديد‬
‫يحتاج لفرتة من الزمن ليستطيع أن يرسم مرحلته وشكل النظام املنبثق‬
‫عنها‪ ،‬فكيف إذا كان هذا (التشكل) يتقاطع يف عملية رسمه أو اعادة‬
‫رسمه عوامل دولية وإقليمية و(انبعاثات) داخلية جديدة‪.‬‬
‫إن املنطقة العربية مرت بثالثة مراحل منذ القرن العرشين كان أولها‬
‫الرصاع مع االستعامر يف ظل تنافس شديد بني التيارات الفكرية الكربى‬
‫‪ -18‬من املقاالت املتعلقة بالحركة يف االنطالقة للعام ‪.2012‬‬
‫‪75‬‬
‫حينها عىل تحقيق االستقالل والحرية والعدالة االجتامعية والوحدة‬
‫العربية‪ ،‬وإذ استطاعت الدول العربية أن تحقق استقاللها يف املرحلة‬
‫األوىل‪ ،‬فإنها يف املرحلة الثانية انشغلت كليا يف بناء دولها لتدخل يف‬
‫مرحلة الرصاع الداخيل بني مختلف التيارات التي ساهمت بشكل أو بآخر‬
‫باالستقالل عرب ثورات أو مفاوضات أو اقتباسات غربية أو سلفية‪.‬‬
‫لقد كانت الدعوات االيديولوجية وأحزابها عامة يف معظم الدول‬
‫العربية ولسبب ارتباطها باالستقالل واعتقاد جامهرييتها وحرصية‬
‫انبعاثاتها‪ ،‬مبعنى أن من يؤمن بها ميثل الشعب ومن ال يؤمن بها فهو‬
‫اآلخر املرفوض تحت أي صيغة دينية أو قومية أو اشرتاكية‪.‬‬
‫وهذا السياق االيديولوجي يف غالب الدول العربية جعل من األنظمة‬
‫تتجه ملامرسات استبدادية أو أحادية أو قرسية ال دميقراطية أو لتلك‬
‫األفعال التي تشوش الناس بصيحات الحرب أو الحفاظ عىل األمن أو‬
‫االستقالل أو وحدة الوطن أو الدين يف مقابل استمرار عذابات الناس‬
‫وظلمها‪.‬‬
‫يف هذه املرحلة التي طالت حتى دخلنا القرن ‪ 21‬التفت الناس إىل‬
‫أن الشعارات الكبرية كلها مل تحقق لهم شيئا مام قالته‪ -‬أو عىل األقل‬
‫ذابت شعاراتها بالحرية والعدالة والكرامة والوحدة واالشرتاكية لتخص وال‬
‫تعم‪ -‬يف ظل انفتاح عاملي واتصاالت فاقت التصور ونظرات فكرية وثقافية‬
‫وجامهريية واسعة تعدت البحار واملحيطات‬
‫إذ أصبحت يف املرحلة الثالثة من الزمن العريب رصخة الشارع املسامل‬
‫هي صاحبة القرار يف التغيري ما بدأ مع معجزة الثورة التونسية عام ‪2011‬‬
‫وما لحقها بالثورة املرصية وغريها‪.‬‬
‫يف التمهيد لهذه املرحلة ومنذ الثامنينات تحديدا كان للفعل النضايل‬

‫‪76‬‬
‫الكفاحي املتواصل الذي شقت طريقه حركة فتح والثورة الفلسطينية منذ‬
‫العام ‪ 1965‬الدور األكرب يف اعادة بناء الوعي العريب وتعظيم احساسه‬
‫بكرامته وانجذابه للتحررالذايت والدميقراطية‪ ،‬ورغبته يف ردع الظامل والنهد‬
‫نحو العدالة ال سيام وما قامت به حركة فتح وباقي التنظيامت من‬
‫استقبال آلالف املنضمني للصفوف من كافة أبناء الدول العربية الذين‬
‫ترشبوا الثورة فعافوا الظلم يف بالدهم‪.‬‬
‫وأيضا فقا ملا انعكس يف الجامهري العربية من تأثريات الصمود أسطوري‬
‫ألبطال الفتح والثورة الفلسطينية يف مختلف املعارك ومنها يف معركة‬
‫بريوت ‪ 1982‬ووفقا ملا تعلمته من حروب (م‪ .‬ت‪ .‬ف) التي فرضت عليها‬
‫لتكريس استقاللية قرارها‪ ،‬ثم تعلام من تجربة االنتفاضات الفلسطينية‬
‫الثالث كام قال الرئيس التونيس املنصف املرزوقي مؤخرا‪.‬‬
‫يحق للثورة الفلسطينية أن تفخر بأنها كانت ومازالت مشعل النضال‬
‫يف العامل العريب والعامل أجمع‪ ،‬كام فخر بها التوانسة واملرصيني مام قالوه‬
‫مؤخرا‪ ،‬ويحق لها أن ترسم شارة النرص التي ظلت مالزمة للختيار وكوفيته‬
‫حتى لقي ربه راضيا مرضيا باذن الله‬
‫إن متغريات الوعي العريب والثقافة الشعبية يف املرحلة الثالثة الحالية‬
‫اتخذت منحيني األول هو تركيز فكرة رفض االستبداد واألداء السلطوي‬
‫من جهة حركت الجامهري للثورة‪ ،‬وطلبا للعدالة االجتامعية‪ ،‬واملنحى‬
‫الثاين متثل بخلو الساحة للتنظيامت العريقة التي كان من املتوقع حلولها‬
‫مكان األحزاب السلطوية التي ذابت‪ ،‬نظرا لتجربتها الطويلة يف املعارضة‬
‫وصفوف الجامهري‪ ،‬وحيث مل تجد هذه الجامهري من تركن اليه اال من‬
‫تعتقد امكانية أن تضعه أمام شعاراته تلك ذات الطابع الشعبي ‪-‬اإلسالمي‬
‫فيحقق لها ما مل يتحقق يف العهود السابقة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫عىل الرغم من أن الحراك الشعبي بدأ شبابيا وليرباليا دميقراطيا‬
‫مستندا عىل عمق الشعور باألذى والظلم والرغبة يف التغيري يف ظل إرادة‬
‫التحدي‪ ،‬فإن الحصاد مل يأيت يف مظ ّنة أحالم الشباب وإمنا تلقفته األحزاب‬
‫اإليديولوجية العريقة وخاصة (اإلخوان املسلمني) لعدة أسباب منها‬
‫امتالك القدرة التنظيمية التشابكية والتواصل مع الناس واستغالل حاجاتها‬
‫من جهة‪ ،‬وتوفر املقدرات املالية للرصف عليها من جهة ثانية ونضيف‬
‫ثالثا الخطاب اإلسالمي الديني الشعبوي الذي جيرّ قطعا ملصلحة الحزب‬
‫وليس العكس‪ ،‬والذي استعل الدين الستقطاب الناس للحزب وأهدافه‬
‫التي تصور يف وعي الناس عىل أنها متطابقة مع أهداف اإلسالم‪ ،‬فال يكون‬
‫هناك أي فواصل بينها‪ ،‬مام أدى لربط نفيس تلقايئ يف املخيال الشعبي بني‬
‫الدين والحزب وشخوصه ما ستنكره األيام القادمة فيعود كل ما هو برشي‬
‫إىل طبيعته حتام‪.‬‬
‫ال شك أن املنطقة العربية أو ما باتت تعرف دوليا (مبنطقة الرشق‬
‫األوسط) تعاين من احتقانات كام تعاين من ضغوط وتعاين من رصاعات‬
‫وأزمات‪ ،‬وما األحزاب الصاعدة حديثا واملتمثلة باإلخوان املسلمني وأحزاب‬
‫أخرى يف سياق ما سبق إال ستواجه حتام بكل هذه املتغريات الداهمة‬
‫وامامها الفرصة إلثبات نفسها للجامهري أو العكس حيث تنزل الشعارات‬
‫لتسعى مع الناس‪ ،‬خاصة وخيار الدميقراطية والتعددية والرقابة الشعبية‬
‫أصبح أكرث فعالية عند الناس التي باتت تأىب حياة القطيع وترفع عقريتها‬
‫بالرصاخ متى قرصت لتحقق مطالبها وهي باألساس تأيت من السعي للقمة‬
‫العيش والحرية والحياة الكرمية أوال ويف ذلك حياة أو مقتل أي حزب‪.‬‬
‫إن كانت االنتخابات يف عدد من الدول العربية قد قدمت السلطة‬
‫عىل طبق من ذهب للتنظيامت األيديولوجية فإن الناس لن ترحم ولن‬
‫تدع مجاال ألي حزب أن يتفلت من التزاماته التي يجب أن تحقق مطالب‬

‫‪78‬‬
‫وحاجات الناس أوال‪ ،‬ويف ظل الرصاعات واالحتقانات واألزمات التي تسود‬
‫املنطقة والتي تسعى لها الدول الكربى وخاصة أمريكا عرب إعادة ترتيب‬
‫املنطقة عىل أساس مذهبي طائفي من جهة وعرب إضعاف األزمة العربية‬
‫وتهميش القضية الفلسطينية‪ ،‬فإن األحزاب الصاعدة ستواجه بالعواصف‬
‫إن تساوقت مع (التفتيت) الطائفي املذهبي‪ ،‬أو مع معاول الهدم يف جسد‬
‫األمة العربية بحيث يقتطع جزء من هنا وجزء من هناك‪ ،‬وهي تتفرج‪ ،‬أو‬
‫حني تهمش يف برامجها (كام هو حاصل حتى اليوم) دعم وإبراز وتقوية‬
‫القضية الفلسطينية دون انجازات أيديولوجية كام كان شأن األنظمة‬
‫العربية السابقة‪ .‬كام ستواجه األحزاب الصاعدة أيضا بالرفض الشعبي إذا‬
‫ما تعمقت األزمة االقتصادية يف أي من بلدان التغيري‪.‬‬
‫إن الرصاعات اإلقليمية إىل جانب تلك العاملية قد تأخذ باألمة العربية‬
‫إىل إبعاد ال يعلم اال الله مداها فثاليث السيطرة (إرسائيل‪ ،‬إيران‪ ،‬تركيا) ال‬
‫تحكمه القيم أو املبادئ أو رفعة األمة العربية أو وحدة شعوبها أو تقوية‬
‫اقتصادها أو تحريرها لفلسطني وإمنا تهمها وتحكمها املصالح وهو سمة‬
‫السياسة ومفاعيلها‪.‬‬
‫إن (إرسائيل) يف طل ما بات يعرف (الربيع العريب) يف حالة هيجان‬
‫وانفالت ما يؤهلها الفتعال أزمات كبرية سواء عىل الصعيد الفلسطيني أو‬
‫اإلقليمي‪ ،‬وما تغ ّول املستوطنني واملتدينني اليهود‪ ،‬وسد اآلذان يف حكومة‬
‫نتنياهو وتهربها من استحقاقات السالم اال مظاهر أولية ألزمة أو أزمات‬
‫تسعى هذه الحكومة الفتعالها عىل الصعيد الفلسطيني رغبة يف تعميق‬
‫رشخ االنقالب واالنقسام الفلسطيني ورمبا منعها ألي انتخابات فلسطينية‬
‫قد تؤدي لوحدة الجسد‪.‬‬
‫ويف املقابل فإن الهاجس اإلرسائييل األكرب املتمثل بالقنبلة النووية‬
‫اإليرانية قد يؤسس لرضبات استباقية عسكرية محدودة أو واسعة‪ ،‬أو عرب‬
‫‪79‬‬
‫تعظيم العقوبات االقتصادية كام أشار عدد من الساسة اإلرسائيليني‪ ،‬عدا‬
‫عن الدور الذي تلعبه القيادة اإلرسائيلية يف هدم مقدرات األمة العربية‬
‫ومحاولة اخرتاقها سياسيا واقتصاديا بل وتهديدها أمنيا وعسكريا وكام‬
‫يحصل يف السودان‪.‬‬
‫إن لكل من إيران وتركيا مصالحها السياسة واالقتصادية التي ال ميكن‬
‫أن تضحي بها من أجل عيون األمة‪ ،‬فكام حل اردوغان مع مائتني من رجال‬
‫األعامل يف القاهرة وغريها يف سعي الكتساب أسواق جديدة وموطيء قدم‬
‫ثابتة فإن نفس الهدف هو ما تسعى له مع الدول العربية األخرى حيث‬
‫يطغى مسعى تحقيق النفوذ السيايس واالقتصادي عىل أحالم املتظاهرين‬
‫املرصيني الذين خرجوا منبهرين الستقبال رئيس الوزراء الرتيك ظانني أنه‬
‫جاءهم معتمرا عاممة الخالفة فخيب أردوغان فيهم الرجاء مؤكدا عىل‬
‫مصالح الدولة الرتكية ودميقراطيتها وعلامنيتها‪.‬‬
‫إن الدور اإليراين يف املنطقة يراد له أمريكيا أن يكون (ف ّزاعة) دول‬
‫الخليج العريب‪ ،‬فكام ال ينكر أحد أن التيار الفاريس يف الحكم اإليراين يضع‬
‫املذهب عىل جناح السياسة ويخرتق جسد األمة‪ ،‬فإن يف إيران تيارات‬
‫متنورة ال ترى إال الرضر والخراب من التمدد اإليراين السيايس املذهبي‬
‫القرسي يف الجوار‪ ،‬ومع ذلك ويف سياق تضخيم الخطر النووي اإليراين‬
‫ومحاوالت الهيمنة االقليمية والتمذهب فإن عملية االستدراج الدويل التي‬
‫تتقاطع معها القيادة اإليرانية الحالية قد تلقى باملنطقة يف غياهب املجهول‬
‫وتجعل من العرب يتخذون إيران وليس (إرسائيل) العدو رقم واحد‪.‬‬
‫يف خضم هذه املتغريات اإلقليمية يربز الحدث الفلسطيني متأخرا‪،‬‬
‫إذ أن الجمود يلف الوضع فحيث تتقدم أولويات إعادة ترتيب املنطقة‬
‫تتوقف اإلحداثيات عن استيعاب التخطيط يف القضية الفلسطينية‪ ،‬التي‬
‫ألقت الواليات املتحدة األمريكية مرساها يف بحر اإلرسائيليني فعني عىل‬
‫‪80‬‬
‫أمن (إرسائيل) وعني عىل النفط خاصة يف ظل االنتخابات األمريكية‪.‬‬
‫إن جمود الوضع السيايس الفلسطيني ينذر ببدائل ما بني الحراك‬
‫السيايس عىل صعيد ويف اتجاهات عدة‪ ،‬كام ينذر بتململ شعبي فلسطيني‬
‫قد يجد له متسعا ليبدع آليات مقاومة جديدة تعرب عن تواصل إحباطه‬
‫وأمله من ظلم العدوان واالحتالل املتواصل فينفجر كالربكان‪.‬‬
‫إن الحراك السيايس الذي قاده الرئيس أبو مازن وحركة التحرير‬
‫الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح والقيادة الفلسطينية أخذ باالعتبار متغريات‬
‫املنطقة وإفشال اإلرسائيليني املستمر ألي تقدم سيايس وانحسار الدور‬
‫األمرييك الفعال فانطلق عىل قواعد راسخة من‪:‬‬
‫‪1 .1‬التمسك بالثوابت الفلسطينية املتمثلة بالدولة الفلسطينية ذات‬
‫السيادة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني‪.‬‬
‫‪2 .2‬إن ال مفاوضات دون تجميد االستيطان واالعرتاف بالحدود‪.‬‬
‫‪3 .3‬إن البيت العريب هو الحاضنة الحقيقية ألي حراك فلسطيني‪.‬‬
‫‪4 .4‬االستمرار يف التحركات األممية (تقديم طلب عضوية دولة فلسطني‬
‫يف مجلس األمن‪ ،‬وانتصار بالحصول عىل العضوية يف اليونسكو‪،‬‬
‫والقرارات الجديدة املؤيدة لفلسطني يف الجمعية العامة‪.)...‬‬
‫‪ 5 .5‬فتح قنوات العالقات مع األحزاب الجديدة عىل الحكم يف الدول‬
‫العربية وحثها عىل متتني مواقفها من القضية الفلسطينية ودعمها‪،‬‬
‫دون انحياز لطرف ضد آخر كام كان شأن األنظمة السابقة؟‪.‬‬
‫‪6 .6‬ال بديل عن الوحدة الوطنية يف إطار منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫ذات الطابع الجبهوي االئتاليف التي يجب إعادة تفعيلها وفق‬
‫إسرتاتيجية وخطة وبرامج جديدة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪7 .7‬املصالحة وإنهاء االنقالب وما نتج عنه من دماء وأطر متناحرة‬
‫وانقسام تظل أولوية وطنية ذات قيمة عالية يف فكر وتطبيق حركة‬
‫فتح الوحدوي‪ ،‬إذ ال بد من إنهاء انفصال شطري الوطن وعىل قواعد‬
‫قانونية ووفق ما تم االتفاق عليه‪.‬‬
‫إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مدعوة اليوم أكرث من أي‬
‫وقت مىض لرسم خطة عمل مستمدة من إسرتاتيجيتها التي قررتها يف‬
‫املؤمتر السادس للحركة تأخذ باالعتبار (االنقالب) الحاصل يف املنطقة من‬
‫حيث األدوار والتوازنات ومن حيث األولويات الجديدة‪ ،‬ومدعوة لتكريس‬
‫النهج الوطني النضايل املتمثل لوجه ورؤية حركة فتح املرتبطة بالدائرة‬
‫الحضارية العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫إن حركتنا أمام مفرتق طرق سيايس وتنظيمي ومجتمعي وإعالمي‬
‫ومن املمكن القول أن ذلك يف مختلف املجاالت فهي أمام تحديات وطنية‬
‫داخلية تتمثل بالتايل‪:‬‬
‫‪1 .1‬اإلعداد الجيد لالنتخابات الرئاسية والترشيعية يف ظل عدم رغبة‬
‫الرئيس أبو مازن عىل االستمرار والتي ما زلنا نتمنى أن نستطيع‬
‫تغيريها‪.‬‬
‫‪2 .2‬إعادة تجديد الجسد الفتحوي من خالل انتخابات يف الوطن نظامية‬
‫تستطيع أن تفرز قيادات فاعلة وقادرة عىل البناء‪.‬‬
‫‪3 .3‬التصدي ملفاسد الحكومة الفلسطينية وما قامت به من إرضار‬
‫بالجامهري عرب الرضائب وارتفاع األسعار‪ ،‬وما تقوم به ضد املوظفني‬
‫من مثل قانون التقاعد املبكر املجحف إضافة للفساد الذي ما زال‬
‫واقعا وإن يف دوائر محدودة يف الوزارات‪.‬‬
‫‪4 .4‬حل مشكلة قطاع غزة املستعصية والتي فرضها اآلمر الواقع عرب‬

‫‪82‬‬
‫االنقالب الذي أثقل الرضائب واالتاوات عىل كاهل املواطن‪ ،‬واستنزفه‬
‫عرب اإلرهاب األمني وسيطرة الفكر الواحد وقمع الحريات‪.‬‬
‫‪ 5 .5‬تعميق الفكر الفتحوي النضايل والوطني ذو العمق املرتبط‬
‫حتام بالحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬ما هو شأن كل الفلسطينيني‪،‬‬
‫فال يتكسب هذا الحزب أو ذاك عىل ظهر اإلسالم بادعاء امتالكه‬
‫الحرصي له أو امتالكه ملفاتيح الجنة يف محاولة لجر املجتمع لتصادم‬
‫ديني عىل حساب الفعل النضايل الذي هو كان وما زال أولوية الثورة‬
‫والوطن‪.‬‬
‫ان حركة فتح تعي جيدا حجم االنقالب الحاصل يف املنطقة كام تفهم‬
‫املتغريات وواقع (التشكل الجديد) وحجم تأثرياته وانبعاثاته وزهو اللحظة‬
‫التي قد تعمي األبصار عن الرؤية العميقة‪ ،‬فامزلنا يف مرحلة يجب أن‬
‫نكرس فيها كل طاقتنا وقدراتنا إلنهاء االحتالل الصهيوين يف أولوية يجب‬
‫أال يسبقها يشء آخر‪ ،‬كام يجب أال تضعفنا أو تردنا الشعارات الكبرية‬
‫واملنفصلة عن الواقع التي قد ترفع كغطاء قد تؤدي لشق الشعب‬
‫الفلسطيني عرب تصنيفه إىل «فسطاطني» أي مسلم وكافر أو وطني وخائن‬
‫أو رشيف وغري رشيف سعيا وراء الكسب الحزيب الضيق وخدمة ألهداف‬
‫االحتالل وتدمريا ملقدرات الشعب والوطن‪.‬‬
‫ان حركة فتح بقيادتها وكل أعضائها يف كل مكان مدعوة هذا الوقت‬
‫أكرث من أي وقت مىض للتآلف والتعاون والتفكري االيجايب والسعي املوحد‬
‫والعمل الجاد لتكون كام قال الرسول صىل الله عليه وسلم كالجسد الواحد‬
‫فتضيع الفرصة بذلك عىل أدعياء الفرقة واالنقسام‪ ،‬وتضع يف أولوياتها‬
‫كأطر وأعضاء أهمية السعي الحثيث للعمل والعطاء وخدمة الجامهري يف‬
‫مطالبها اليومية املحقة ويف توجيهها نحو غاية النضال الكربى غاية حركة‬
‫فتح والثورة الفلسطينية فال تتوه البوصلة التي هي أبدا باتجاه فلسطني‬
‫‪83‬‬
‫والقدس‪ ،‬وال تطغى الفئوية واالنتهازية والشخصانية عىل مستقبل هو‬
‫حتام أفضل لفلسطني ولشعبنا وحركتنا العمالقة بشعبها وأعضائها وفكرها‬
‫املستنري‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الفكر الصاعد والتنظيم املنهك‪ ،‬ومياه التجدد‬
‫(‪((1‬‬
‫يف كالم ما بعد االنطالقة‬

‫راقب السلطان اململويك املنهك بالفكرانية (االيديولوجية) والنزاعات‬


‫الداخلية قنصوه الغوري بفزع جيشه ينهار من حوله‪.‬‬
‫كان غبار املعركة كثيفا لدرجة جعلت الجيشني ال يكاد أحدهام يرى‬
‫اآلخر‪ .‬لجأ «قنصوه» إىل مستشاريه الدينيني (كان ممثيل املذاهب األربعة‬
‫والخليفة العبايس الصوري يحفّون به) وحثهم عىل الدعاء لتحقيق نرص مل‬
‫يعد يؤمن أن جنده (املنتكس) يستطيعون تحقيقه‪.‬‬
‫وحني أدرك أحد قادة املامليك أن املوقف ميئوس منه‪ ،‬أنزل راية‬
‫السلطان وطواها وتوجه اليه قائال‪ :‬يا موالنا السلطان‪ ،‬إن عسكر ابن‬
‫فأنج بنفسك واهرب‬‫عثامن «وهي الدولة الصاعدة حينها» قد أدركنا‪ُ ،‬‬
‫إىل حلب‪.‬‬
‫وحني أدرك السلطان املنهك صدق كلامت الضابط أصابته سكتة‬
‫دماغية جعلته شبه مشلول‪ ،‬وعندما حاول أن ميتطي صهوة جواده سقط‬
‫ميتا يف الحال‪.‬‬
‫‪ -19‬يف إطار الكثري مام قيل يف جلسات املجلس الثوري لحركة فتح‪ ،‬وعدد من الندوات‬
‫واملحارضات التي ألقيناها للعام ‪2013‬‬
‫‪85‬‬
‫تركت الحاشية املشغولة بالفرار جثة امللك ‪ -‬وكان ذلك يف معركة مرج‬
‫دابق الشهرية مع السلطان الصاعد بدولته العثامين سليم االول عام ‪1516‬‬
‫م– فلم يعرث لها عىل أثر قط‪ ،‬وكأن األرض انشقت وبلعتها‬
‫الدول املنهكة والصاعدة‬
‫وماذا يهمنا نحن بعد أكرث من ‪ 500‬عام تقريبا من هذه الواقعة أو‬
‫الوقفة التاريخية؟ لقد وقف أحمد داوود أوغلو(‪ ((2‬وزير خارجية تركيا يف‬
‫‪ 2012 /11 /29‬بشكل مغاير من وقفة الغوري‪ ،‬إىل جانب الرئيس أبو مازن‬
‫يف قاعة األمم املتحدة يف نيويورك ليتلقى التهاين مبيالد دولة فلسطني ملقيا‬
‫من عىل كتفيه اإلرث الفكراين (االيديولوجي) وصانعا دولة إقليمية عمالقة‬
‫بسياستها العلامنية املعتدلة‪ ،‬وباقتصادها الرثي فرضب مثال‪ ،‬وأرسل رسائل‬
‫للعامل أن دولة فلسطني الفتية والصاعدة تلتقي مع دولة تركيا الجديدة‬
‫غري املنهكة‪ ،‬وترسم خطا فكريا وسياسيا واقتصاديا صاعدا لذلك وضع يده‬
‫بيد حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح وأبو مازن‪ ،‬ليسقط الوقفة‬
‫الثالثة أو الصورة الثالثة يف عرصنا الحديث حيث تحالفت اإلمرباطورية‬
‫املنهكة اقتصاديا أمريكا مع الحزب املنهك أيديولوجيا (اإلخوان املسلمني)‬
‫يف القاهرة لتعلن وزيرة الخارجية االمريكية ووزير الخارجية املرصي وقف‬
‫اطالق النار بني حامس و(إرسائيل) أو بني االمربيالية العاملية واإلسالمويني‬
‫فيتوقف الصعود ويبدأ االنهاك‪.‬‬
‫إن االنهاك السيايس أو الفكراين (=االيديولوجي) أو التنظيمي قد‬
‫يصيب أشجع الرجال (أو النساء) أو التنظيامت أو الجيوش ويصيب الدول‬
‫وله أسباب عدة‪ ،‬ولكن الصمود يف محطات األزمات‪ ،‬والصعود يف مواضع‬
‫األمل والقفز عن الحواجز وتخطي املشكالت‪ ،‬وبث روح الفخر والحامسة‬
‫‪ -20‬أصبح رئيسا للوزراء الحقا لفرتة معينة يف عهد رئاسة رجب طيب أردوغان‪ ،‬وهو من‬
‫صناع السياسة الرتكية الحديثة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫واالنجاز واألمل املقرون بالعمل الدائب يح ّول مثل هذا اإلنهاك إن توفرت‬
‫اإلرادة إىل منصة انتقال إىل املستقبل‪ ،‬وان استسلم التنظيم‪ /‬الحزب أو‬
‫صاحب الفكرة أو الدولة ملكونات سلبية الواقع فان العجز نصيبه‪ ،‬ومن‬
‫إنهاك إىل انهيار إىل موات‪.‬‬
‫رساج التجدد والفكرانية (= االيديولوجية)‬
‫دوما ما تكون انطالقة الثورة الفلسطينية مناسبة عظيمة للمراجعة‪،‬‬
‫خاصة ومليونية فتح يف غزة قد أزعجت األع��داء والحاقدين معا إىل‬
‫الدرجة التي أطاحت فيها بالتوازن للكثريين‪ ،‬وما تتضمنه هذه املراجعة‬
‫من استعراض وإشارات تشتمل عىل مواضع التقدم أو االضاءات‪ ،‬وعىل‬
‫مواضيع الخلل أو الزلل أو بقع الضوء‪.‬‬
‫لقد شكلت انطالقة الثورة الفلسطينية إضاءة بحجم نجم يف سامء‬
‫معتمة باليأس ومل ّبدة بالقهر واالنتكاس والهزائم حيث كانت األمة‬
‫العربية قد نفضت عن كتفيها للت ّو عرصين من عصور الظلامت كانت‬
‫فيها القناديل تنطفئ وال تجد فتيال لالستعامل‪ ،‬أو تفتقد فيها الزيت‪.‬‬
‫عندما أطل العام ‪ 1948‬عىل األمة العربية كانت شعوب األمة تحبو‬
‫نحو الدولة الحديثة بعد أن تخلصت من إرث الدولة الرتكية الظامل‬
‫والفاسد واالستبدادي لتقع بني براثن االستعامر الجائر واالحتاليل والذي‬
‫يسعى الستغالل ثروات األمة وشعوبها عرب االقتسام للنفوذ واالحتالل بني‬
‫فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا‪.‬‬
‫فلم تكن األمة حينها قد رسمت مالمح الفكرة أو الطريق أو املسار‬
‫املح ّدد ال سيام وأن دولها املتحررة من االستعامر حديثا كانت قليلة‪،‬‬
‫فكانت دول املغرب العريب والخليج العريب محتلة ودول املرشق العريب‬
‫وباألخص سوريا ومرص تعاين وتناضل للتحرر من ذيول االستعامر وتخوض‬

‫‪87‬‬
‫رصاعات ذات بعاد ثالثة‪ :‬أولها رصاع تحرري من االحتالالت االستعامرية‪.‬‬
‫وثانيها رصاع مع التاريخ يف محاولة للتخلص من إرث الجمود العقالين‬
‫وانطفاء رساج التجدد الذي كان للحكم الرتيك الفضل يف ذلك خاصة يف‬
‫مرحلته األخرية واإلمرباطورية العجوز تحترض‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬رصاع داخيل بني تيارات األمة التي ظهرت تتصارع عىل‬
‫املستقبل ما بني الجامعة العربية أو الجامعة اإلسالمية‪ ،‬ثم مل ّا أصبحت‬
‫األحزاب واقعا قامئا ظهرت التيارات الفكرانية (االيديولوجية) التي توزعت‬
‫عليها جامهري األمة العربية‪.‬‬
‫نكبة العرب يف نكبة ‪1948‬‬
‫ظل الحنني للرعاية «العل ّية‪-‬من العلو» العثامنية عند فئة من العرب‬
‫واملسلمني الذين مل يروا يف االمرباطورية العثامنية ذات اإلرث املثقل‬
‫بالفساد واالستبداد والقمع إال فضيلة «الخالفة» عن كل املسلمني املشبعة‬
‫بأوهام العدل املنسوجة من خيط الخلفاء األربعة ريض الله عنهم أجمعني‪،‬‬
‫وسعت تيارات أخرى لبناء «خالفة» جديدة عربية الشكل أو إسالمية (منذ‬
‫بداية القرن العرشين تحديدا) مل يكتب لها نجاح حيث كان منهج الج ّراح‬
‫االستعامري قد جعل من األمة الصاعدة من انهاكني فُتاتا وأقساما‪ ،‬فلم‬
‫يعد ممكنا معها جمع املجزأ أو املقسم بسهولة فكان ال بد من بروز أفكار‬
‫ملهمة ونهضوية سياسية وعملية واجتامعية وثقافية ارتبطت مبشاريع‬
‫كان من نتيجتها يف عاملنا اليوم ظهور «الدولة الوطنية»‪.‬‬
‫كان العام ‪ 1948‬ليس عاما لنكبة الفلسطيني فقط‪ ،‬وإمنا نكبة للعرب‬
‫ألنه وضعهم أمام أنفسهم وحقيقة أحالمهم وقدراتهم‪ ،‬يتأملون وينظرون‬
‫ويفكّرون يف (األولويات) و(األفكار)‪ ،‬ورمبا فكروا يف (املصالح) بعد أن‬
‫أدركوا أن القيم واملباديء واألخالق ال تحكم عامل السياسة‪ ،‬رغم أن األفكار‬

‫‪88‬‬
‫الكربى تضع لها أهدافا فوق محلية‪ ،‬قومية أو عاملية‪.‬‬
‫فانخرطت األم��ة تخوض رصاعاتها الثالثة (ال�صراع التحرري من‬
‫االستعامر‪ ،‬والرصاع التحرري من األفكار الجامدة املثبطة‪ ،‬ورصاع عىل‬
‫شكل بناء املستقبل)‪ ،‬ورمبا تأخروا باالكتشاف زمنا أطول أنهم يخرسون‬
‫وحدتهم الجغرافية واالقتصادية والسياسية واألمنية والثقافية‪.‬‬
‫سنابك الخيل واالنعطافة‬
‫لقد خرس العرب بخسارة فلسطني القلب النابض‪ ،‬والجرس الجامع‬
‫بني الجناحني‪ ،‬ونقطة االنعطاف من مايض داسته سنابك خيل سالطني‬
‫العثامنيني‪ ،‬ثم دبابات االستعامر إىل مستقبل قادر أن ينفض عن ذاته‬
‫الرتاب‪ ،‬ورغم أن سياسة الترتيك العثامنية قد ألهبت املشاعر القومية‬
‫العربية وكوامن الرفض للطغيان واالستبداد والتخلف النسبي إال ان‬
‫دعوات تحرر العرب وبناء مملكتهم مل تلقى قبوال استعامريا مع انهيار‬
‫االمرباطورية العثامنية عام ‪ 1918‬إذ قام العامل الجديد حينها عىل القواعد‬
‫األوروبية ال عىل قواعد الرئيس االمرييك (وودرو ويلسون) الذي طرح‬
‫رضورة وحق االوطان بتقرير مصريها وفق نقاطه ال‪ 14‬الشهرية‪.‬‬
‫أدى االستعامر الغريب إىل صدام بني الدول العربية الناشئة (العراق‪/‬‬
‫سوريا‪ /‬مرص) والفكرانيات (=االيديولوجيات) الناشئة ذات العمق القومي‪.‬‬
‫وملا مل تستطع االستجابة للتحديات (القومية) ويف ظل ضعف تلك التي‬
‫ارتبطت مبفهوم الجامعة اإلسالمية‪ ،‬وعىل رأسها االخوان املسلمني منذ‬
‫العام ‪ 1928‬فلقد شكلت الدول الوطنية النموذج الذي خيب آمال العرب‬
‫حينها أولئك الذين كانوا يسعون ململكة أو دولة أو وحدة عربية من‬
‫املحيط إىل الخليج‪.‬‬
‫كان العام ‪ 1948‬بابا آخر هبت من خالله رياح قوية اطفأت قنديال‬

‫‪89‬‬
‫من قناديل (ظاهر العمر الزيداين – ملك الجليل) إذ سقطت فلسطني بيد‬
‫الحركة الصهيونية وأصبح العرب ما بني مرشوع تحرير جديد ومرشوع‬
‫الوحدة العربية والقومية وأولويات أي منها يف سياق االستقالالت لهذه‬
‫الدول (من االربعينيات إىل السبعينيات من القرن العرشين)‪.‬‬
‫نور الفكرانيات والكريس‬
‫تنازعت األحزاب الالمعة النجم حينها (القوميني والشيوعيني والبعثيني)‬
‫جامهري األمة وطرحت كام طرح االخوان املسلمني املنطفئني أفكارا شمولية‬
‫جامعة‪ ،‬وأفكارا َ وحدوية تسلّطية وأفكار هيمنة اقتصادية‪ .‬وأصبح الرصاع‬
‫بني الفكرانيات (االيديولوجيات) الثالثة (القومية الشوفينية) والشيوعية‬
‫واالخوانية رصاع حياة أو موت‪ ،‬رصاع وجود واقصاء‪ ،‬فكل ال يرى النور أو‬
‫الجنة أو التقدمية أو املستقبل وإال وهو الوحيد املمسك بالشمعة املضيئة‬
‫والجالس عىل كريس الحكم واملسيطر عىل رقاب الناس‪.‬‬
‫وها نحن بعد ‪ 60‬عاما سقطت فيه الشيوعية وتهاوت فيها القومية‬
‫الشوفينية‪ ،‬وكانت أثناءها الفكرة االخوانية تعاين املوت الرسيري‪ ،‬ها نحن‬
‫نعود لنخوض رصاع أولوية بناء الدولة والوطن أم تكريس املفهوم الواحد‬
‫والفكرة الواحدة والرأي الواحد وما يتل ّبسها من عمليات اقصاء وطرد‬
‫لآلخر‪.‬‬
‫رغم التغيري الهائل الذي حصل يف العامل الذي انتقل يف مفهومه‬
‫للدميقراطية من املركزية الدميقراطية (املرتبطة باالشرتاكية العلمية) إىل‬
‫(الدميقراطية) التي تحرتم ليس رأي االغلبية فقط وإمنا حاجات األقلية‬
‫أيضا‪ ،‬وانتقل مبفهومه (للوحدة) من املفهوم القرسي الجربي االستبدادي‬
‫إىل املفهوم التشاريك (الوحدة االوروبية)‪ ،‬وانتقل من املفهوم الفكراين‬
‫(= االيديولوجي) الذي يقدس الحزب والشخص والنظام الداخيل وأفكار‬

‫‪90‬‬
‫الحزب املقدسة التي ال يأتيها الباطل من بني يديها أو خلفها إىل الفكر‬
‫التحريري (=الليربايل) والفكر الواقعي (=الرباغاميت) والفكر املدين الذي‬
‫يقر بالتعددية ويتفهم االجتهادات يف سياق إعالء شأن الشعب واهتامماته‬
‫والجامهري ومقتضيات العرص‪ ،‬اال أننا وبعد «الربيع العريب» نعود إىل‬
‫املربع األول‪.‬‬
‫إطاللة واستفادة وأثوابنا‬
‫كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح إطاللة عن كثب‬
‫عىل املتغريات‪ ،‬فلم نتقطع عن سياق الحضارة العربية اإلسالمية (عربية‬
‫اللسان وإسالمية الحضارة املسلمة واملسيحية‪ ،‬وثقافة االنفتاح والتجدد)‪،‬‬
‫واستفادت من إرثها الثقايف كام استفادت من األهداف والهياكل وأساليب‬
‫العمل التي استقتها من تجارب الشعوب الثورية يف كل من كوبا وكوريا‬
‫وروسيا والصني دون أن تتبنى فكرها الشيوعي وإن ضمنت يف جنباتها من‬
‫اليساريني أولئك املستقلني واملبدعني‪ ،‬كام استفادت من األفكار املنفتحة‬
‫والتعددية من الدول الغربية دون أن تتبنى ايقاع الحياة الرأساملية التي‬
‫تفتقد االتصال مع الجامهري الكادحة وفئات الشعب الفقرية‪.‬‬
‫استفادت حركة فتح من الثورة املرصية عام ‪ 1952‬والثورة الجزائرية‬
‫عام ‪ 1956‬والثورات العربية األخرى يف عرص انتهاء االستعامر (تونس‬
‫كمثال آخر) فصنعت نسيجا فكريا متامسكا ربط ما بني الثورية بصيغة‬
‫عملية‪ ،‬حيث صحة الفكرة النضالية وتعددية الوسيلة‪.‬‬
‫لقد جعلت حركة فتح من التوحد نحو الهدف االكرب (تحرير فلسطني)‬
‫هو الضابط إليقاع األفكار املتنوعة‪ ،‬وجعلت من (األولوية) و(البوصلة) ال‬
‫تشري إال لفلسطني ال ملوسكو وال لواشنطن‪ ،‬وال ايل فكرانية (=أيديولوجية)‬
‫ما‪ ،‬ومنها كان (الرتكيز) و(التكرس) للفكرة الجامعة وهي فكرة تحرير‬

‫‪91‬‬
‫فلسطني أن أصبحت بعيدا عن كل (الثانويات) إطارا جامعا حتى ألصحاب‬
‫الفكرانيات (= االيديولوجيات) املتصارعة‪.‬‬
‫لقد قبل أصحاب الفكرانيات (االيديولوجيات) وان بعد زمن طويل‪،‬‬
‫قبلوا أن يلبسوا ثوب حركة فتح وهو ثوب (الوطنية والثورية واالستقاللية‬
‫والكيانية الجامعة والوحدة والتشاركية والوسطية) ما هو يف حقيقته فكر‬
‫حركة فتح الجامع الذي استطاع أن يصهر كثري من التناقضات الثانوية يف‬
‫الهدف األكرب‪ ،‬والذي استطاع والبوصلة ذات اتجاه محدد أن يجعل من‬
‫مكونات الشعب الفلسطيني كله تسري وراءها نشطة ومحبة وواثقة غري‬
‫جافلة أوخائفة أو متوترة‪.‬‬
‫الخوف والجفلة الفلسطينية‬
‫إن الخوف والجفلة والتوتر‪ ،‬والقبول املغلف بالرفض الداخيل عند‬
‫الشعب الفلسطيني (والشعوب العربية) كان يأيت من محاوالت إلباس‬
‫هذا الشعب (أو االمة) أفكارا أو مسلكيات ال تتفق مع حضارته العربية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬إذ كانت تأيت من املساومات الفكرية ملستوردي األفكار من‬
‫يقدسون الفكر اإلنساين‬
‫خارج نطاق حضارتنا‪ ،‬وأيضا مل ّدعي الدين الذين ّ‬
‫عىل إ ّدعاء أنه من الخالق ماداموا هم ممثليه حرصيا‪ ،‬ومتناسني سامحة‬
‫وقدرة الدين اإلسالمي الحنيف عىل التجدد يف مصالح الناس ما أفرز يف‬
‫الفكر الديني مدارس ومجتهدين وآراء‪ ،‬مل تفرز أحزابا أو فرق أو طوائف‬
‫يف التاريخ العريب اإلسالمي إال كان مآلها االنهيار (‪ 800‬فرقة عرب التاريخ‬
‫اإلسالمي انتهت)‪ ،‬أو التقوقع واالنفضاض عنها من عامة الجامهري‪ ،‬أوتحولها‬
‫لطوائف أو فرق (أو أحزاب حديثا) خاصة مبعتنقي فكر و(عقيدة) هذه‬
‫األحزاب‪.‬‬
‫(ملاذا خرجت غزة عن بكرة أبيها يف ‪ 2013 /1 /4‬لتحتفل بانطالقة‬

‫‪92‬‬
‫الثورة الفلسطينية ‪48‬؟ أمل يكن يف ذلك سيل من الرسائل ضد االستبداد‬
‫وضد الخوف وضد الكبت وضد مدعي القداسة ووو‪)...‬‬
‫إن الخوف والجفلة والتوتر كانت تأيت من تبادل أنظمة االستبداد‬
‫حكمها علينا فمن سيف الرضائب الباهظة املسلطة عىل رقاب الفلسطينيني‬
‫والعرب يف ظل جور العثامنيني الذي تصدى له ملك الجليل الثائر واملناضل‬
‫الفلسطيني ظاهر العمر الزيداين يف القرن ‪ 18‬إىل انتفاضات وه ّبات التحرير‬
‫الوطني من االستعامر االنجليزي الذي رضب بالدنا والعباد قتال وارهابا‪،‬‬
‫وصوال للخوف من أفكار خائبة متخلفة تضع مصالح الناس وحاجاتهم‬
‫وسعادتهم يف سلة الزبالة‪ ،‬أو يف الصفحة الخلفية من قامئة األولويات‪.‬‬
‫(اجتاحت القوات العثامنية مدينة يافا يف مايو ‪ 1775‬وأعملت‬
‫السيف يف أهلها‪ ،‬واجتاح الذعر املدن األخرى‪ )...‬ومل يكن ذلك غريبا يف‬
‫عرف السالطني املستبدين عامة إذ (اجتاح الجيش العثامين الظافر مدينة‬
‫القاهرة – بعد هزميته للمامليك – عام ‪ 1517‬وظل يعمل فيها السلب‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬ترك السكان تحت رحمة الجيش الغازي وهم ال حول لهم وال‬
‫قوة‪ ..‬كام بقول املؤرخ املسلم ابن إياس)‪.‬‬
‫ومام ال جدال فيه ما قامت به قوات االستعامر الفرنيس واالنجليزي‬
‫(وااليطايل واالسباين) من مذابح يف فلسطني والدول العربية ما تحفل فيه‬
‫كتب التاريخ‪.‬‬
‫انتفض العرب واملسلمني عىل الظلم واالستبداد حتى ذاك املتربنس‬
‫ِبدثار الدين‪ ،‬والدين من االستبداد براء‪ ،‬ثم ضد االستعامر‪ ،‬وكان ذلك‬
‫ما دعى الشيخ عبد الرحامن الكواكبي ليكتب كتابه الثمني يف (طبائع‬
‫االستبداد ومصارع االستعباد) لتلحق به الدولة العثامنية يف مرص وتقيض‬
‫عليه‪ ،‬وليشكل الشيخ رفاعة الطهطاوي قبله حالة نهوض عارمة لحقها‬

‫‪93‬‬
‫رفض أحمد عرايب يف مرص ملنطق االستبداد الرشكيس وتحكم القناصل‬
‫األجانب يف مرص‪.‬‬
‫فال اختالف حول رفض االستبداد واالستعباد من أي سلطة أو نظام أو‬
‫شخص جاء‪ ،‬لذلك كان مفهوم التحرر الوطني من االستعامر واالحتالل‪،‬‬
‫ثم الثورات العربية الحالية بعد العام ‪ 2011‬يف أحد أهم تجلياتها طلب‬
‫الكرامة والعدالة والعيش املشرتك ورفض االستبداد‪.‬‬
‫(الله يرحم أبوك السبع!) والفلسطيني‬
‫قص علينا الرئيس أبو مازن يف ‪ 2012 /12 /28‬يف دورة املجلس‬
‫الثوري العارشة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح قصة املثل العريب‬
‫الفلسطيني (الله يرحم أبوك السبع) حيث أنه كان أيام العثامنيني تأيت‬
‫فوات (الجندرمة) لتأخذ املكوس أو الرضائب الباهظة من الفالحني‪ ،‬ومن‬
‫ال يدفع يرضب رضبا مربحا ويتم الغداء عىل حسابه حتى يدفع‪ ،‬وكان ذلك‬
‫يحدث ألحد الفالحني يف قصتنا كلام جاءت قوات األمن إىل بيته‪ ،‬إىل أن‬
‫تويف وتعلق بعنق ولده دفع املبالغ‪ ،‬فكان ولده هذا قبل أن تصل قوات‬
‫القمع يخرج لهم بكيس الفلوس وحينها قالت له أمه (الله يرحم أبوك‬
‫السبع) كان ال يرىض يعطيهم املال إال بعد ان يشبعوه رضبا لخمس أو‬
‫ست أو سبع مرات‪.‬‬
‫يف هذه الحكاية الشعبية غضب كامن عىل الظلم واالستبداد ثم عىل‬
‫االحتالل واالستعامر‪ ،‬ورفض فلسطيني وعريب عتيق لالستبداد عرب عنه‬
‫الغ ّزيون بوضوح يف ‪ ،2013 /1 /4‬فأصبح الفلسطيني رمز النضال العاملي‬
‫ألنه ذاق من خالل مو ّرثاته (= جيناته) معنى االضطهاد بأبعاده املتعددة‬
‫يف االتجاهات املختلفة‪ ،‬ومن ذلك تشكلت شخصية املناضل امل ّر يف بعدها‬
‫الورايث‪ ،‬واملناضل الحر يف بعدها االنساين واملناضل صاحب الرؤيا والهدف‬

‫‪94‬‬
‫يف بعدها الفكري والعمليايت‪.‬‬
‫يف اجتامعات املجلس الثوري للحركة بدورته العارشة دار حوار طويل‬
‫وعميق حول ماذا حققنا أو أنجزنا وأين أخفقنا‪ ،‬وما املتوجب علينا‪ ،‬وللحق‬
‫فلقد كانت دورة ثرية جاءت مع االنطالقة ‪ 48‬للثورة الفلسطينية أو‬
‫قبيلها بيومني (‪ )2012 /12 /28-26‬ولحقت اإلنجاز الفلسطيني املشهود‬
‫يف األمم املتحدة حيث والدة دولة فلسطني مع ما تقاطع من صمود‬
‫متكرر للشعب الفلسطيني يف مقاومته لالحتالل يف الضفة الغربية ويف‬
‫غزة‪ ،‬وأقرت دورة املجلس مجموعة من التوجهات لإلرساع بعقد املؤمترات‬
‫الحركية يف املناطق واألقاليم تجهيزا لعقد املؤمتر السابع يف موعده يف‬
‫صيف ‪.2014‬‬
‫كلمة الرس والشبيبة‬
‫لقد اشتملت تقارير ‪ 4‬لجان (مفوضية األقاليم الشاملية‪ ،‬وتقرير‬
‫املجلس الثوري‪ ،‬وتقرير الرقابة الحركية‪ ،‬وتقرير وفد املجلس الثوري إىل‬
‫غزة بعد العدوان) عىل كلمة رس واحدة‪ ،‬ولكنها هامة مدلولها الرغبة يف‬
‫التجدد ورسم مالمح مرحلة حديثة يف ظل املتغريات السياسية الواسعة‬
‫وامليدانية عىل الصعيد الوطني وعىل الصعيد العريب واإلقليمي والعاملي‪.‬‬
‫قال املفكر االقتصادي واإلداري الكبري «بيرت دراكر»‪ :‬إن الشبيبة دوما‬
‫عىل حق‪ ،‬ألن الزمن معها‪ ،‬لذا فمن املتوجب علينا أن نتغري‪.‬‬
‫منذ ‪ 2010‬وانطالق الربيع العريب وما أنتجه من بروز قوى جديدة‪،‬‬
‫وانطفاء قوى أخرى ومتدد القوى االقليمية عىل حساب األمة العربية‪،‬‬
‫وفعل القوة العظمى الوحيدة‪ ،‬ومحاوالت تشتيت قوى األمة وإضعاف‬
‫دولها‪ ،..‬واتجاه املجتمع اإلرسائييل نحو اليمني‪ ،‬ومتسكه برفض الدولة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وظهور أوروبا ال ِقلقة من املتغيرّ ات‪ ،‬واتجاهها أكرث ولو نسبيا‬

‫‪95‬‬
‫نحو الحق الفلسطيني‪ ،‬وبدايات صعود قوى عاملية عىل رأسها الصني ورمبا‬
‫الهند والربازيل‪ ...‬منذاك حتى اآلن واملنطقة بشعوبها ودولها وأحزابها‬
‫تعيش مخاض التغيري فإما حسن االستجابة والفهم‪ ،‬والشبيبة دوما عىل‬
‫حق وإما السقوط الذي ال يرحم‪..‬‬
‫إن املتغريات الوطنية واإلقليمية والعاملية وانعكاساتها كانت كبرية‬
‫الحجم بحيث عكست نفسها عىل األبعاد الوطنية ما يحتاج منا لبناء‬
‫رساطية (=اسرتاتيجية) جديدة عرب عنها أعضاء املجلس الثوري كام عرب‬
‫عنها مختلف الكوادر يف األقاليم (واالخوة واالخوات الذين استرشناهم‬
‫عىل مواقع التواصل االجتامعي عند كتابة هذه الورقة) برضورة إعادة‬
‫صياغة البناء والخطط واألهداف وآليات العمل والعنوان الكبري هو قدما‬
‫نحو التجدد ونحو عقد املؤمتر السابع لحركة فتح‪.‬‬
‫عمى العينني أم عمى القلوب؟‬
‫بال شك أن العمى ليس عمى العينني ولكنه عمى القلوب التي يف‬
‫الصدور‪ ،‬يقول الله تعاىل‪:‬‬
‫ُوب يَ ْع ِقلُونَ ِب َها أَ ْو آ َذانٌ‬
‫﴿أَ َفل َْم يَ ِسريُوا فيِ الأْ َ ْر ِض َف َتكُونَ لَ ُه ْم ُقل ٌ‬
‫الصدُ ورِ﴾‬ ‫َي ْس َم ُعونَ ِب َها َفإِنَّ َها لاَ تَ ْع َمى الأْ َ ْب َصا ُر َولَ ِكن تَ ْع َمى الْ ُقل ُ‬
‫ُوب الَّ ِتي فيِ ُّ‬
‫(الحج‪ ،)46 :‬مبعنى أن اإلنسان قد يرى الكثري مام حوله بعينيه‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يدرك كُنه وحقيقة ما يرى‪ ،‬وال يعرف أنه إن مل يستخدم بصريته أو رؤيته‬
‫أو قدرته عىل استكشاف املتغريات ما املتوجب عليه عمله‪ ،‬أو ما املتوجب‬
‫عليه تج ّنبه‪.‬‬
‫ويف املرحلة منذ العام ‪ 2010‬ومع املتغريات العربية الساحقة انطفأت‬
‫قناديل دول‪ ،‬وأض��اءت قناديل دول اخرى‪ ،‬فسقطت دول االستبداد‬
‫واإلهانة والظلم‪ ،‬وسعى الحاملون والثوار والدميقراطيون واملدنيون لبناء‬

‫‪96‬‬
‫دول العيش املشرتك والكرامة والعدالة والحرية (يف مرص وتونس واليمن‬
‫واملغرب وليبيا وسوريا)‪ ،‬وجهدوا بإخالص لتحقيق ذلك‪ ،‬وإن كان الثوار‬
‫يثورون‪ ،‬واالنتهازيون يقطفون الثامر‪ ،‬فإن الرصاع يف هذه الدول يتفجر‬
‫اآلن يف أبعاد ثالثة من الجدير النظر اليها ملا لها من تأثري عىل الحصان‬
‫رسج ليختال بني الخيول‪ ،‬ويندفع إىل‬ ‫العريب الذي وحده من املمكن أن يُ َ‬
‫القدس‪.‬‬
‫أوال‪ :‬دخلت دول الربيع العريب يف ذات املشكلة التي برزت بداية‬
‫القرن العرشين وإن بلباس جديد سالحه اليوم اإلعالم الطاغي وميدان‬
‫األفكار املتصارعة برشاسة وتجليات املجتزأ من التاريخ‪ ،‬مشكلة رصاع‬
‫متجدد عىل السلطة والناس يف معركة القديم والجديد‪ ،‬الديني واملدين‪،‬‬
‫والتدين والتمدن‪ ،‬والبدع والرشك‪ ،‬واألصالة والحداثة‪ ،‬والدعوي والسيايس‪،‬‬
‫ومفهوم الرشعية‪ ،‬ودور رجال الدين يف الحكم‪ ،‬والتعامل مع املعاهدات‬
‫واالتفاقات الدولية الخاصة بحقوق االنسان واملرأة‪.‬‬
‫مل تكن هذه املواضيع جديدة عىل اإلمام محمد عبده أو عىل جامل‬
‫الدين االفغاين أواخر القرن ‪ 19‬وأوائل القرن العرشين‪ ،‬وتصدى لحلها‬
‫مفكرو العرب واملسلمني ومنهم ميشيل عفلق وحسن البنا وأكرم الحوراين‬
‫ومالك بن نبي‪ ،‬وعبد الحميد بن باديس قبلهم وخري الدين التونيس يف‬
‫أزمنة أخرى وعرشات املفكرين واملصلحني والثوار والسياسيني‪ ،‬إال انها‬
‫تعود اليوم مع ضمور معسكر اليسار (الشيوعي واالشرتاكيني) والقوميني‬
‫(البعث‪ ،‬القوميني‪ ،‬النارصيني‪ ،)...‬وصعود معسكرات جديدة هي معسكر‬
‫اإلسالمويني (االخوان املسلمني والتنظيامت املنشقة عنهم‪ ،‬وتنظيامت‬
‫السلفيني املتنافرة وحيث يشار لوجود أكرث من ‪ 300‬تنظيم سلفي عرب‬
‫العامل اليوم كام يقول الكاتب الجزائري محمد بن بريكة) والحرياتيني‬
‫(الليرباليني) أو املدنيني (ويطلق عليهم العلامنيني أحيانا)‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫إن الرصاع الجديد تختلط فيه الفكرة والقيم بالسلطة‪ ،‬فان كانت‬
‫معركة َص ّد الظلم واالستبداد قد بدأت مشرتكة بني كافة املكونات السياسية‬
‫واملجتمعية والفكرية بغض النظر عمن سبق اآلخر أو حجم مشاركته‪ ،‬اال‬
‫أن السلطة والكريس والنفوذ فرقتهم‪ ،‬وشيئا فشيئا بدأت تظهر محاوالت‬
‫االستئثار من جهة واإلقصاء من جهة اخرى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كانت القضية الفلسطينية أحدى العوامل التي شكلت تدريبا‬
‫للثورة‪ /‬االنتفاضة ضد االنظمة االستبدادية القمعية‪ ،‬وكان تحدي‬
‫الجامهري للسلطة يف االنتفاضات‪ ،‬ودعمها لغزة والضفة بصمود أهاليها‬
‫وما خالط ذلك من تظاهرات عبارة عن رواسب صلبة استقرت يف الدماغ‬
‫العريب‪ ،‬حيث استطاع هذا العقل الجمعي العريب عندما تهيأت البيئة‬
‫وحان القطاف أن يستدعيها من مخزون ذاكرته‪ ،‬وينفض من عىل كتفيه‬
‫الوجع والخوف والوجل وينطلق رافضا ثائرا ليسقط عروشا ظنت أنها‬
‫مخلدة‪.‬‬
‫إن القضية الفلسطينية بتأثرياتها الجامهريية العربية كانت عامل‬
‫إلهام أوال (وكام قال الرئيس التونيس املنصف املرزوقي)‪ ،‬وكانت عامل‬
‫تحفيز ثانيا‪ ،‬وعامل اقتداء ثالثا‪ ،‬كام كانت مشعل ضوء ووقود للمعركة‬
‫ضد الظلم‪ ،‬وهي كانت بأهدافها وأساليبها ووسائلها قدوة خامسا‬
‫للمتظاهرين الذين حطموا االغالل‪ ،‬ورسموا لبالدهم شمسا جديدة‪.‬‬
‫عىل الرغم من تأثريات القضية الفلسطينية املرتاكمة منذ االنطالقة عام‬
‫‪ 1965‬يف الجامهري العربية‪ ،‬وما كان لرتسبها يف الدماغ العريب من تشكيل‬
‫كوامن الغضب ثم شحذ االرادة للتغيري فتحقيق النرص‪ ،‬اال أن املفارقة يف‬
‫الحراك (الربيع العريب) أن العمق العريب أو القومي قد تراجع بوضوح‬
‫(وان إىل حني) مقابل االنخراط الكيل يف الشأن الوطني‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫إن (الوطنية) كمفهوم أو كفكرة ملهمة للعطاء والثورة والنضال‬
‫الجامهريي كانت فكرة ‪ -1‬تكريس‪ ،‬و‪ -2‬فكرة تركيز‪ ،‬و‪ -3‬مسار تخصص‬
‫و‪ -4‬منطق أولوية‪ ،‬و‪ -5‬سياق فعل يجتهد الجميع لتحقيقه‪.‬‬
‫كانت فكرة الوطنية أحدى ابداعات حركة فتح التي منذ انطالقتها‬
‫رفضت الركود والسلبية كام رفضت الشعارات الكبرية املطاطة بال رجلني‬
‫من مثل (أمة عربية واحدة) أو (يا عامل العامل اتحدوا) أو (دولة إسالمية‬
‫أو الخالفة قادمة‪ )...‬قبل التحرير‪ ،‬بحيث أن مثل تلك الشعارات كانت‬
‫تطرح كأولوية ذات أسبقية عىل مرشوع التحرير ما أثبت التاريخ فشلها‬
‫حتى اآلن‪ ،‬فأعادت حركة فتح الحصان أمام العربة بعد أن كان خلفها‪.‬‬
‫إن (الوطنية) كفكرة لحركة فتح رفضت (ديكتاتورية الربوليتاريا)‬
‫حرصيا‪ ،‬و(تحالف الشعوب الكادحة) أيضا يف سياق شعارات سقطت‪ ،‬بل‬
‫أرصت عىل ابراز القضية الفلسطينية والنضال بكافة األشكال (القطرية)‬
‫متل من تكرار أن القاطرة‬ ‫مع الحرص املتني عىل السياق (العرويب)‪ ،‬فلم ُّ‬
‫الفلسطينية تسري ضمن القطار العريب‪ ،‬إمنا بإرادتها الحرة واالستقاللية‬
‫التي خاضت الحركة فيها حروبا ضد أنظمة القمع العربية واالستبداد مثل‬
‫النظام السوري اآليل للسقوط‪ ،‬والنظام الليبي الهزيل‪.‬‬
‫إن فكرة (الوطنية) مبعنى االهتامم بالشأن الوطني الداخيل املحيل‬
‫وبقدر ما هي فكرة صحيحة يف إطار خامسية التك ّرس وااللتزام والرتكيز‬
‫واألولوية والتخصص يف النضال فإنها ضعيفة لو سارت لوحدها دون‬
‫القطار الكبري (قطارنا العريب)‪.‬‬
‫إن ما يحصل حاليا يف دول التغيري العريب هو الرتكيز املفرط عىل‬
‫الشؤون الداخلية والوطنية مبا ذكرناها يف البند األول ما يعني ورمبا لفرتة‬
‫قد تطول أن تصبح القضية الفلسطينية ليست يف متناول الجامهري العربية‬

‫‪99‬‬
‫أو األنظمة العربية األخرى التي تعاين إما من رعب التغيري يف الجوار أو‬
‫رعب الخطر اإليراين‪ ،‬وتلك املشغولة مبتغرياتها الداخلية فلم تستطيع حتى‬
‫اآلن أن تكشف معادلة االستقرار تلك التي تربط بني الحفاظ عىل أمن‬
‫الوطن واقتصاده وحرية أو مشاركة أفراده يف تقرير املصري‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لقد ظهرت أجيال جديدة شابة «مامنعة» للجمود‪ ،‬رافضة‬
‫ملفاهيم التسلط والقرس والجرب‪ ،‬تؤمن باالختيار والتعددية‪ ،‬وتستطيع أن‬
‫تسري يف أي بستان لتقطف زهرة من أي نوع أو مكان شاءت‪.‬‬
‫لقد شكّل العامل (املعلواتصايل) املفتوح تحديّا حقيقيا ليس ألنظمة‬
‫االستبداد والتسلط والظلم والقمع فقط‪ ،‬وإمنا لألحزاب والتنظيامت‬
‫الفكرانية (= األيديولوجية) يف دول الربيع العريب‪ ،‬ويف فلسطني‪.‬‬
‫لقد سقطت مفاهيم عديدة‪ ،‬ونبتت مكانها مفاهيم كثرية جديدة فام‬
‫كان (سمعا وطاعة يف املنشظ واملكره) كام يقول ق ََسم «االخوان املسلمني»‬
‫أصبح و ْهام لدى الكثريين‪ ،‬وما تقوله التنظيامت القومية والوطنية من‬
‫(التزام وانضباط كامل) أو (التزام حديدي) أصبح التزاما تنكيا أو رسابا‬
‫كلام ضعفت نسبة املشاركة وااللتفات لحاجات الجامهري واألعضاء‪ ،‬كام‬
‫تراجعت املركزية (صنو االستبداد ولكنه املق ّنن) لصالح الشوروية (=‬
‫الدميقراطية) يف مختلف األحزاب‪ /‬التنظيامت‪ ،‬ومن ال يرى املتغريات فإنها‬
‫ال تعمى العيون ولكن القلوب (العقول)‪.‬‬
‫إن ثورة املعلواتصاالت عصفت بالعقل‪ ،‬باملستقر منه‪ ،‬بالثابت‪ ،‬فأصبح‬
‫الثابت متحوال‪ ،‬واملتغري أكرث تغريا‪ ،‬فلم يكن باليد حيلة أن يخرج شخص‬
‫عىل طاعة األمري أو الزعيم امللهم يف تنظيم ديني إسالموي أو مسيحاين‬
‫أو بوذي‪ ،‬ألن أي شخص اآلن ميكنه ببساطة دون أن يشعر بذنب خرق‬
‫القداسة أو االلهام للقائد املعلم أن يؤسس حزبا جديدا أو فكرة جديدة‬

‫‪100‬‬
‫أو منتدى أو مجموعة تستقطب العرشات أو اآلالف ورمبا املاليني‪ ،‬ولنا‬
‫بعرشات األحزاب اإلسالموية أو املدنية يف مرص وتونس وليبيا النموذج‪،‬‬
‫كام لنا مبئات املجموعات واملنتديات عىل العامل االفرتايض وقفة للتأمل‪.‬‬
‫إن فكر االنطالق والتجدد والقدرة عىل اإلبداع (وهو أس فكر حركة‬
‫فتح)‪ ،‬أسقط فكرة التلقي السلبي التي عكسها قادة األحزاب والحركات‬
‫الثورية واالجتامعية والدينية السابقني (ومثلهم من الحاليني) عىل‬
‫(أتباعهم) ليظلوا مهيمنني عىل عقولهم وعىل عقول الناس (كان الحسن‬
‫الصباح منوذج مقدس يف عملية غسيل الدماغ لألتباع يشابهه العديد من‬
‫قادة األحزاب اليوم وان مل يكن الخنجر إىل جانبهم)‪ ،‬إنهم يط ّوحون بهم‬
‫يف أي اتجاه شاءوا‪ ،‬وما عىل العجزة السلبيني إال ترقب تحقق األوهام التي‬
‫يتشبعون بها بال طائل‪.‬‬
‫املحمديون‬
‫جاء األنبياء عامة ومنهم الرسول عيىس عليه السالم ثم النبي محمد‬
‫صىل الله عليه وسلم بالدين اإلسالمي السمح من الله تعإىل ليس ليج ّمد‬
‫العقول‪ ،‬وليس ليم ّجد األشخاص‪ ،‬وإمنا ليم ّجد الله وحده‪ ،‬ويطلق العقول‬
‫تتفكر بحرية‪ ،‬وتبدع وتنشط وتعمل وتنجز‪ ،‬وهو جل وعال القائل‪:‬‬
‫﴿ ُه َو الَّ ِذي َج َع َل لَك ُُم الأْ َ ْر َض َذلُوالً فَا ْمشُ وا فيِ َم َنا ِك ِب َها َوكُلُوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه‬
‫ات‬‫َوإِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر ﴾ (امللك ‪ ،)15‬والقائل‪﴿ :‬كَ َذلِكَ ُي َب نِّ ُي اللَّهُ لَك ُُم اآل َي ِ‬
‫لَ َعلَّك ُْم تَ َت َفكَّ ُرونَ ﴾ (البقرة‪.)219 :‬‬
‫ركب الشباب العريب يف دول الربيع العريب دابة (الرباق) التي ركبها‬
‫نبينا الكريم‪ ،‬وانطلقوا بفكرهم وروحهم وأدائهم نحو الغيوم‪ ،‬فلم يعودوا‬
‫يركنون ألكاذيب الغرف املغلقة‪ ،‬ومظاهر التوقري للمحنطني من أدعياء‬
‫الحقيقة املطلقة‪ ،‬بل اختاروا أن يكونوا عيسويني ومحمديّني بسلوكهم‬
‫وتفكريهم وعطائهم وأدائهم‪ ،‬فام أن تنفض الصالة حتى يسعون يف‬
‫‪101‬‬
‫مناكبها‪ ،‬والله يظلّلهم‪ ،‬لقد اختاروا الحرية والكرامة واملحبة واالنسانية‪.‬‬
‫إن ثورة الفكر املتحرر من أرس القوالب الجامدة والرتاكيب الثابتة‪،‬‬
‫واملعاين التي ال تتغري‪ ،‬والسياقات السجعية قد انترصت‪ ،‬وهي لن تقبل‬
‫ر ّدة‪ ،‬فمسيلمة الكذاب وسجاح التميمية واألسود العنيس لن يتكرروا أبدا‬
‫فيفتنون األمة‪.‬‬
‫لقد أصبح بإمكان أي كان أن يتمثّل حكمة أكثم بن صيفي أو شجاعة‬
‫خالد بن الوليد أو عدل عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز‪ ،‬أو‬
‫أن يستفيد من انفتاح عىل رشيعتي أو مبادرات يارس عرفات أو العالمة‬
‫محمد حسني فضل الله أو الشيخ محمد الغزايل أو مالك بن نبي‪ ،‬أو أي‬
‫من (تجمع) املفكرين والساسة والعلامء واملثقفني‪ ،‬فيقتطف أو يقتطفون‬
‫من كل يف مجاله‪ ،‬مع الحفاظ عىل صفاء العقيدة والوحدانية لرب العزة‪.‬‬
‫باختصار فإن العوامل الرئيسية الثالثة وهي‪ :‬انخراط دول التغيري أو‬
‫الحراك العريب بعملية رصاع وتنازع الرؤى واألفكار واملفاهيم‪ ،‬وإغراقها‬
‫يف الشأن الوطني املحليّ ‪ ،‬وتحرر الجامهري وخاصة الشباب من أرس‬
‫القوالب الجامدة وانعكاسات ثورة االتصاالت‪ ،‬كلها عوامل تعكس نفسها‬
‫عىل وجوب التفكري من باب جديد أو من منصة انطالق تخرجنا عربيا‬
‫وفلسطينيا من جمودنا السيايس والفكري وأيضا ذاك التنظيمي‪.‬‬
‫لقد انتهى عهد التنظيامت الحديدية الواهمة‪ ،‬وبدأ عرص أحزاب‬
‫وتنظيامت (املشاركة) الحقيقية فكلام اتسعت املساحات كلام زاد عدد‬
‫الركاب‪ ،‬وكلام قلت املقاعد يف الحافلة اما تزاحم الركاب أو انفضوا عن‬
‫الركوب‪.‬‬
‫إن تنظيامت‪ /‬منظامت املساحات القادرة عىل استيعاب االبداعات‬
‫واألفكار والخطط املتنوعة قد بزغ نجمها‪ ،‬وملن ال يرى ال تنفع معه ال‬

‫‪102‬‬
‫النظارات وال املكربات‪ ،‬فالعامل يخلق من جديد‪ ،‬ونحن عىل أعتاب ثورة‬
‫كونية فإما أن نتجدد وإما أن منسك بذيل األمم أو نندثر‪.‬‬
‫من مظاهر اإلنهاك التنظيمي‬
‫إن من مظاهر اإلنهاك والتقهقر يف أي تنظيم سيايس‪ ،‬ما نعاين منه يف‬
‫التنظيامت الفلسطينية عامة ويف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح‬
‫له خمسة مظاهر أساسية باعتقادي‪ ،‬أجملها بالتايل‪:‬‬
‫‪1 .1‬ضعف أو انعدام التواصل‪ :‬فهو تواصل ضعيف أحياناً ويف بعض‬
‫املستويات إىل درجة االنعدام‪ ،‬بحيث أن القائد‪ /‬أمني الرس املعني‬
‫يف موقعه مكتفي بذاته‪ ،‬ال يجد بنفسه حاجة للتواصل واملشاركة‬
‫مع زمالئه فام بالك مبن هم ضمن مسؤوليته‪.‬‬
‫ كام أن التواصل قد يأخذ شكالً موسميا أو مرتبطا بحدث (مهرجان‪/‬‬
‫انتخابات‪ /‬حشد‪ )...‬مام يفقد القاعدة التنظيمية كام يفقد الجامهري‬
‫ثقتها‪ ،‬وتنظر لهذه األطر‪ /‬املستويات نظرة انتهازية‪.‬‬
‫ أضف إىل ذلك ضعف الوعي الدميقراطي الذي يؤدي لتعطيل الحياة‬
‫الدميقراطية املتوجب استمرارها عرب االجتامع والتقرير والندوة‬
‫واملؤمترات‪ ،‬والتي حني فقدانها وماهو حاصل فعالُ فإن تراكم الفشل‬
‫يصبح موهبة أو مهنة‪.‬‬
‫‪2 .2‬جمود العقليات‪ :‬وتربز يف شكلني رئيسيني األول التمسك أو النضال‬
‫للتمسك مبسميات بال مضمون من جهة‪ ،‬وعدم تقبل التجدد أو‬
‫التغيري يف الفكرة أو املوقع باعتباره نسف للواقع القائم املريح‪،‬‬
‫وبالتايل هو طريق سالك للتخلص من أصحاب العقول املتكلسة أو‬
‫الجامدة ما ترفضه مثل هذه العقول بإباء فتعطل وتدمر وتخ ّرب‪.‬‬
‫إن التغيري عدو الجبناء وعدو الفاشلني وعدو جامدي التفكري ناقيص‬
‫‪103‬‬
‫الفعل يقاومونه دفاعاً عن مركب الفشل فيهم‪ ،‬وحامية ملواقعهم‬
‫التي قد تكون يف كثري من األحيان شكلية‪.‬‬
‫ إن التجدد باالغتسال مبياه جديدة كل يوم هو سمة املبتكرين‬
‫املبدعني والطموحني وااليجابيني الراغبني برقي ذواتهم ومحيطهم‪،‬‬
‫ال يخشون وال يجبنون واليجفلون‪.‬‬
‫‪3 .3‬انعدام الهياكل‪ /‬األطر‪ :‬إذا كان الرتابط التنظيمي يف أي مؤسسة‬
‫وسيلة لنقل املعلومات يف الجسد من أسفل إىل أعىل‪ ،‬ونقل‬
‫التوجيهات والقرارات والتعاميم من أعىل إىل أسفل‪ ،‬ووسيلة‬
‫إلحداث التفاعل املطلوب‪ ،‬وتحديد صالحيات ومهامت عمل كل‬
‫مرتبة فإننا نجد هذه الهياكل أو الرتاتبية مفقودة عامة‪ ،‬وإن وجدت‬
‫يف بعض املفاصل فوهمية أو شكلية‪.‬‬
‫ إن العطاء والعمل والتفاعل واملحاسبة والتواصل كلها يف الهيكل‬
‫التنظيمي كالدماء التي ترسي يف الجسد والهيكل هو متاماً كالهيكل‬
‫العظمي باإلنسان يربز الجسد ويعطيه متانته‪ ،‬فال جسد صحيح‬
‫حي ال ترسي فيه الدماء‪.‬‬
‫والعظام متكرسة‪ ،‬وال جسد ّ‬
‫‪4 .4‬السوداوية‪ :‬لطاملا تحدثنا عن حالة السوداوية أو السلبية‪ ،‬أو النقد‬
‫املفرط إىل حد جلد الذات أو التغني بأمجاد املايض أو أننا تنظيم‬
‫األول ّيات يف حركة فتح‪ ،‬ولطاملا برز من بني الجموع يف امليدان وعىل‬
‫مواقع التواصل االجتامعي من يلبس نظارة سوداء يأىب أن ينزعها‬
‫عن عينيه‪.‬‬
‫ إن ورقة النعي التي طاملا تحدث عنها املفكر هاين الحسن مشريا ً‬
‫ألمثال هؤالء السلبيني تدلل عىل وجود فئة منقبضة‪ ،‬مبتعدة‪،‬‬
‫متهربة من املسؤولية أو لفئة راكمت السلبيات فلم ترى من بني‬

‫‪104‬‬
‫كومتها أي بارقة أمل‪ ،‬أو هي فئة من التطهريينّ الذين يسقطون يف‬
‫أول امتحان‪.‬‬
‫ إن كان النقد رضورياً وهو حتام كذلك‪ ،‬فهو شائن للكادر التنظيمي‬
‫أن كان لذاته وانفصل عن العمل‪ ،‬وهو ضار بالجسد التنظيمي إن مل‬
‫يقرتن بالعمل‪ ،‬وهو مام اليستمع أحد له أن جاء من شخص سلبي‪.‬‬
‫ إن السوداوية أو السلبية عىل سوئها‪ ،‬إال أن هناك عوامل حقيقية‬
‫تدفع بالبعض من العنارص والكوادر لهذه الزاوية وأهمها إغفالها‬
‫أو إبعادها أو عدم مشاورتها أو عدم التواصل معها وعدم االعرتاف‬
‫بدورها أو مكانتها ما هو خلل قيادي‪.‬‬
‫‪5 .5‬عدم التطور يف األفكار‪ :‬ان الفكر كائن حي ينمو ويتطور فال يجمد‬
‫عند فكرة ملهمة ويتوقف‪ ،‬وال يرى املتغريات الداهمة فيقف‬
‫متفرجاً بل متفاعالً‪ ،‬وأزعم أن التطور يف الفكر السيايس لحركة فتح‬
‫سمة من سامتها‪ ،‬ولكن‪.‬‬
‫إن الفكر إن مل يرتبط مبركز أبحاث أو لجان تخطيط رساطي (=‬
‫اسرتاتيجي) ومراكز دراسات ولجان عمل أو خاليا تفكري يصبح مجموعة‬
‫اجتهادات هامة ولكنها متناثرة وال ترقى لتصبح برنامج عمل تنظيمي‪.‬‬
‫إن اإلبداعات واالضاءات واإلرشاقات يف حركة فتح كثرية تلطم خدود‬
‫السوداويني فيها والحاقدين من خارجها‪ ،‬ولكن التطور والتغيري املمنهج‬
‫والجامعي يف األطر واألفكار والشخوص رضورة ال محيد عنها‪ ،‬تتكامل‬
‫حكام مع تفعيل الحياة الدميقراطية مبا تجلبه من حراك وتواصل ومشاركة‬
‫دورية ال موسمية تفجر الطاقات وتق ّدر اإلبداعات وتشد عىل يد أصحاب‬
‫االنجازات حيث الطريق مفتوح واملساحة متاحة للجميع أو يجب أن‬
‫تكون كذلك‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫محطات الراغب للتفكري‬
‫مبناسبة انطالقة حركة فتح الـ ‪ ،48‬انطالقة الثورة الفلسطينية املعارصة‪،‬‬
‫رص حركة فتح وفصائل (م‪ .‬ت‪ .‬ف) عىل اعتبارها انطالقة الثورة‬ ‫حيث ت ّ‬
‫الفلسطينية الحديثة يف سياق وعي وحدوي‪ ،‬بهذه املناسبة واستتباعا‬
‫للتحليل السابق ذو الطابع السيايس والفكري سأضع محطات للتفكري‬
‫والتأمل بني يدي الراغب والحريص عىل االستفادة والنهوض بذاته‬
‫ومجتمعه وتنظيمه وبلده‪.‬‬
‫أوال‪ :‬استثمار الفرصة‬
‫عندما وضع رفاعة الطهطاوي قدميه عىل سلّم السفينة التي أقلته إىل‬
‫فرنسا كان شابا يف ال ‪ 27‬من عمره‪ ،‬مل يرى (أو ما درسه باتجاه أحادي‬
‫لريى) إال مجد األمة اإلسالمية والدين‪ ،‬وتطورها الذي ال ميكن «للكفار» أن‬
‫يصلوه‪ ،‬ولكنه منذ الخطوة األوىل التي وطأت فيها قدميه ثرى فرنسا حتى‬
‫اكتامل السنة الخامسة هناك وهو يعيش (أزمة) بني املستقر الثابت وبني‬
‫الجديد املختلف‪ ،‬بني عمق إميانه بدينه ووطنه وعروبته وبني املتناقض‬
‫من عظمة ما رآه هناك من انجازات سياسية واقتصادية وعلمية أبهرته‬
‫حتى الحد األقىص‪.‬‬
‫عىل درج السفينة وهو عائد إىل مرص –عام ‪1831‬م يف القرن التاسع‬
‫عرش‪ -‬من فرنسا كان قد أدرك جازما أن العامل أصبح غري العامل الذي اطأمن‬
‫له وخربه‪ ،‬فخرج بخطوة واسعة انتقل فيها من املريح املستقر ولكنه‬
‫الضيق إىل الفسيح الواسع لكنه املقلِق‪.‬‬
‫يف باريز (باريس) استثمر وقته الثمني يف الدرس واملطالعة والقراءة‬
‫والرتجمة حتى أرض بعينيه‪ ،‬لقد رأى الفرصة السانحة فلم يرتك لحظة‬
‫اال واستثمرها‪ ،‬وكان قد ترجم ‪ 12‬كتابا‪ ،‬وكتب كتابه الهام يف اإلصالح‬

‫‪106‬‬
‫والنهوض املعنون (تخليص األبريز ىف تلخيص باريز)‪ ،‬وهو الكتاب الذي‬
‫ارتبط إسمه به‪ ،‬ووصف فيه الحياة يف باريس وعادات أهلها وأخالقهم‪،‬‬
‫وهو ليس وصفًا لرحلة أو تعريفًا ألمة بقدر ما هو دعوة لالرتقاء‪ ،‬ورصخة‬
‫للبعث والنهوض‪.‬‬
‫ويف العرص الحديث وتحديدا عام ‪ 1954‬عندما وضع يارس عرفات وهو‬
‫يف الـ ‪ 25‬من عمره قدمه عىل سطح السفينة التي أقلته إىل أوروبا‪ ،‬منتقال‬
‫إىل مهرجان الشباب العاملي يف وارسو كان مع صحبه يسابق الزمن‪ ،‬ويقفز‬
‫مراحل عدة‪ .‬فالشاب الذي انخرط عضوا يف الوفد املرصي بقوة شخصيته‬
‫(مل تكن فلسطني موجودة ال عىل الخريطة وال عىل أي صعيد) مع زمالئه‬
‫كانت الدقائق والثواين تعني له الكثري فهو مل يقيض وقته يف املهرجان‬
‫حيث الثقافة والرياضة والفن والرتفيه وإمنا كان يف عقله استثامر الفرصة‪.‬‬
‫قام يارس عرفات بثالثة أمور رئيسة‪ :‬أولها أنه م ّيز وفده (وفد الطلبة‬
‫الفلسطينيني) عن الوفد املرصي بعد أن جعل بينهام فاصال يوم العرض‬
‫للوفود‪ ،‬وثانيا قىض ليلته فيام أفصح عنه صباح العرض العلني للدول يف‬
‫وسط امللعب الحاشد‪ ،‬ففي الوقت الذي رفعت فيه الدول أعالمها والفتات‬
‫مكتوب عيل كل منها اسم الدولة كان ليل يارس عرفات مكرسا لعمل نفس‬
‫الالفتة كبقية الوفود (رغم أنهم جزء من الوفد املرصي) ولكنه كتب عليها‬
‫كلمة واحدة هي‪( :‬فلسطني) ورفعها يف صف (طابور) العرض أمام مئات‬
‫اآلالف املحتشدين يتفرجون‪.‬‬
‫يكل وال ميل وال يهدأ أبدا ‪ -‬إذ أن حياته كام‬
‫أما ثالثا فألنه رجل عميل ال ّ‬
‫خربنا حافلة بالنشاطات واالنجازات‪ -‬فلقد رتب جدول مواعيده ليلتقي‬
‫بالوفود التي فاقت املئة الحارضة للمهرجان‪ ،‬ونسج معها عالقات صاحبته‬
‫عندما أطلق والرواد األوائل الرصاصة األوىل يف ‪.1965 /1 /1‬‬

‫‪107‬‬
‫ويارس عرفات الشاب ذاته ويف نفس املهرجان (مهرجان الطلبة‬
‫والشباب العاملي) ولكن بعد ‪ 20‬عاما استلم علم الثورة العاملية من فيتنام‬
‫وكان قد دق باب األمم املتحدة يف خطابه الشهريعام ‪ ،1974‬ما لحقه به‬
‫أبو مازن يف خطابني هامني‪ ،‬آخرهم كان يف العام ‪2012‬‬
‫ليست درجات السفينة التي صعدها كل من الطهطاوي وعرفات‬
‫هي وجه الشبه بينهام‪ ،‬ولكن القدرة لكل منهام عىل إدراك وفهم الواقع‬
‫واملتغريات والتعلم منه‪ ،‬واالستثامر للفرص ما نحن بحاجة له اليوم يف‬
‫ظل واقع معقّد التغيري سياسيا‪ ،‬ومتقاطع أو متداخل املصالح كل ّيا‪ ،‬ويف‬
‫ظل الرشكات عابرة القارات‪ ،‬واالنفتاح املعلواتصايل‪ ،‬وبعد أن قطع العرب‬
‫عهود الظالم واالستبداد واالنهاك السابق بسيف «الربيع العريب» يف‬
‫انطالقتهم الجديدة نحو مستقبل واعد لكنه ما زال قلِق وتكسوه عالمات‬
‫الرتقب والرتبص والحذر‪.‬‬
‫إننا فلسطينيا بحاجة ل َنفَس جديد ورساطية جديدة وفعل أكيد حيث‬
‫اإلقدام ال يعني التهور‪ ،‬والشجاعة ال تعني فقدان التوازن‪ ،‬وتخيرّ البديل‬
‫النضايل املناسب يف الظرف القائم ال تعني شطب البدائل األخرى‪ ،‬بل أن‬
‫تبقى مشتعلة أو متجلجلة يف النفس‪ ،‬وحيث الصعود ال يعني كرس الدرج‬
‫وامنا تحسني السبيل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فكرة الوطنية والوحدة‬
‫مل تكن الفكرة الوطنية (أو القومية) وليدة القرن العرشين أو القرن‬
‫‪ 19‬بل كانت أقدم من ذلك‪ ،‬وكان الوعي بها فلسطينيا يف ظل هيمنة‬
‫سلطنة استبدادية هي الدولة العثامنية تلك التي أرهقت (رعاياها)‬
‫بالظلم والرضائب والحروب‪ ،‬وكبت الحريات‪ ،‬ووقف االجتهاد والتفكري‪،‬‬
‫وإظالم النفس يف مراحل طويلة بعيدا عن العلم والثقافة وأسباب التقدم‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫يف طربيا برز ظاهر العمر الزيداين (‪1775-1695‬م) مدافعا عن حقوق‬
‫الناس والفالحني وحقوق زراعة القطن ورد املظامل‪ ،‬فلم يهدأ له بال وهو‬
‫الذي رضع حليب الفرس إال بعد أن اقام دولته يف الجليل وحيث النارصة‬
‫وطربيا وعكا ويافا وصوال إىل غزة والقدس‪.‬‬
‫شكلت دولة فلسطني يف عهد ظاهر العمر الزيداين الذي حكم لستني‬
‫عاما مستشهدا يف الـثامنينات من عمره‪ ،‬منوذجا متميزا يف بعث (الفكرة)‬
‫واالفتكاك من أرس قيود وهمية ربطت بني السلطان الظامل واإلسالم‪ ،‬حيث‬
‫نظرت العامة آنذاك للسلطة املهيمنة باعتبارها «خالفة»‪ ،‬وما أحيط بها‬
‫من قداسة موهومة رغم الكرب والبالء والظالم الذي أحاط بالناس‪ ،‬لكن‬
‫خطل الربط بني االستبداد واإلسالم كان كبريا ما حطمه ظاهر العمر‬
‫الزيداين ثم رواد االصالح والتجدد أمثال رفاعة الطهطاوي وخري الدين‬
‫التونيس ومحمد عىل باشا يف مرص‪ ،‬وعىل اعتاب القرن العرشين الشيخ‬
‫عبد الرحمن الكواكبي‪ ،‬ومن تبعهم باحسان‪.‬‬
‫لقد عانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح أم الوطنية‬
‫الفلسطينية كام عاىن ظاهر العمر الزيداين ملك الجليل من اتهامات‬
‫ألعوام طويلة حيث تم النظر إىل أن (الوطنية) ضد القومية‪ ،‬والوطنية‬
‫ضد (االشرتاكية) والوطنية ضد اإلسالم يف مقابالت ظاملة‪ ،‬إىل أن تبنتها‬
‫التنظيامت «الدميقراطية» العربية حديثا ومنها اإلسالموية (الوطنية)‬
‫مهرولة وراء فكرة كان القصد منها ليس رفض الوحدة العربية أبدا أو‬
‫الوحدة اإلسالمية أبدا‪ ،‬ولكن التكريس والرتكيز والتخصص واألولوية‬
‫وااللتزام ما ذكرناه آنفا يف موضع آخر يف سياق بوتقة أو كيان (م‪ .‬ت‪ .‬ف‬
‫ثم السلطة مع بقاء األوىل)‪ ،‬ويف إطارالتجدد الشعبي والوحدة الجامعة‬
‫غري االقصائية أو الرفضوية لآلخر التي ما زالت متثل أساس من أسس فكر‬
‫حركة فتح حتى اليوم‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫إن هذا اآلن هو نهج كل دول «الربيع العريب» التي نأمل ان تتخلص‬
‫من رصاعاتها الداخلية لتوظف «الوطني» يف مصلحة الوحدة‪ ،‬قضية األمة‬
‫العربية واإلسالمية قضية فلسطني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رؤية املتغريات‬
‫عندما وقف أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية الرتيك يف األمم املتحدة‬
‫إىل جانب الرئيس أبو مازن شامخني‪ ،‬كان بذلك يرسم معامل للنظام الجديد‬
‫الذي هو من ص ّناعه الكبار يف املنطقة‪ ،‬فهو إذ يقف وحيدا دون العرب‬
‫ليتلقى التهاين بسطوع شمس دولة فلسطني فإنه كان يرسل ثالثة رسائل‬
‫للعرب وللعامل‪.‬‬
‫الرسالة األوىل هي أن خط العمالنية (الرباغامتية) واالعتدال والوسطية‬
‫يف الفكر والسياسة واملجتمع هو الخط القابل للحياة يف عامل اليوم املفتوح‬
‫عىل الصعيد املكاين والزماين والفضايئ (املعلواتصايل)‪ ،‬ويؤكد يف رسالته‬
‫الثانية أن بناء املؤسسات والتنظيامت واالقتصاد مبا يلبي حاجات الناس‬
‫والبالد مكون رئييس ملن يريد بناء بلده أو دولته‪ ،‬وليس الخطل والختالف‬
‫«الرغايئ‪-‬من رغاء الجمل» يف البناءات الفكرانية (=االيديولوجية) املعيقة‪،‬‬
‫ورسالته الثالثة تقول‪ :‬أن االنسان هو الجوهر وليس البناء التحتي‪ ،‬فهذا‬
‫البناء التحتي عىل أهميته يجيء لخدمة االنسان مبا ال يفعله االنهاك‬
‫املنظم لفكره وإرادته‪.‬‬
‫ومن هنا جاء التالقي بني أيب مازن يف دولته الصاعدة‪ ،‬دولتنا الصاعدة‪،‬‬
‫والدولة الرتكية الصاعدة (استطاعت تركيا يف ‪ 10‬أعوام أن تسدد ديونها‪،‬‬
‫وتقوم بتسليف البنك الدويل ‪ 5‬مليارات) التي تخلصت من االنهاك والحرية‬
‫لزمن طويل‪.‬‬
‫إننا نرسم هذه الصورة مبناسبة انطالقة الثورة الفلسطينية لنقول‬

‫‪110‬‬
‫أن‪ :‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح الفكرة جاءت وهي تحمل‬
‫يف طياتها ‪ 3‬عنارص‪ :‬فهي متغرية‪ ،‬متجددة‪ ،‬منطلقة‪ ،‬إذ جاء التغيري من‬
‫رفض عنيف للواقع االحتاليل‪ ،‬وجاء التجدد بإطالق ثورة بأساليب مختلفة‬
‫اعتمدت الكفاح املسلح ثم االنتفاضات ثم عناق املقاومة الشعبية مع‬
‫النضال السيايس يف مراحل عدة ووفق قواعد رؤية معمقة للواقع املتغري‬
‫وآلليات األصوب أو الخيار األمثل للتعامل معه‪.‬‬
‫وكان االنطالق يف حركة فتح ثالثا مبعنى دميومة الحركة والفعل‬
‫والنشاط‪ ،‬حيث أسقطت الحركة وما زالت الشعارات الكبرية فارغة‬
‫وخصصت نضالها يف البعد الوطني‬ ‫املضمون والفعل‪ ،‬وركزت وك ّرست ّ‬
‫الفلسطيني ما لحقها به كافة ثورات الربيع العريب اليوم‪ ،‬وإن أكدت أن‬
‫القاطرة الفلسطينية ال تصل املحطة األخرية إال يف القطار العريب‪.‬‬
‫إن حركة فتح قد حسمت أمرها يف اجتامع املجلس الثوري األخري‬
‫عىل تكريس الدميقراطية باطالق االنتخابات الداخلية التي سيتلوها‬
‫املؤمتر العام السابع صيف ‪ 2014‬علّه يستجيب ملنطق ملتغريات الداخلية‬
‫واالقليمية واالعاملية الداهمة‪.‬‬
‫إن القدرة عىل التجدد تدركه املقلة الواسعة التي ترى املتغريات‬
‫بعني فاحصة فتقرأ الواقع بنظرة مختلفة متازج بني الداخيل واإلقليمي‬
‫والقدرات والفرص ومكامن التأثري فتلقي بالبايل من الثياب ثم تغتسل‬
‫لتلبس ثوبها الجديد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إعادة قراءة التاريخ والتجدد‬
‫إن التاريخ الفلسطيني كام العريب واإلسالمي طالته يد العبث املقصود‬
‫والتزوير‪ ،‬أو الخلط‪ ،‬وشابه من (اإلرسائيليات) ما ال يحىص تلك التي استقرت‬
‫يف الوعي العريب واإلسالمي مسلّامت أصبحت بقداسة القرآن الكريم أو‬

‫‪111‬‬
‫الكتب الدينية‪ ،‬ما يجب أن نتصدى لها اليوم بفكر ثاقب وعقل مفتوح‪.‬‬
‫لقد أكد علامء اآلثار اإلرسائيليني ومن علامء التاريخ األجانب عدم‬
‫دقة أو صحة‪ ،‬وأشاروا إىل أسطورية أو كذب كثري من أسفار التوراة‪ ،‬وملن‬
‫يريد االستزادة أن يجهد نفسه قليال عىل أي من محركات البحث عىل‬
‫الشابكة (= االنرتنت) ليقرأ عن (إرسائيل فلنكشتاين) أو (زئيف هرتزوغ)‬
‫أو (شلومو ساند) والثالثة أساتذة يف جامعة تل أبيب اليوم‪ ،‬أو يقرأ يف‬
‫موقع جمعية التجديد االجتامعية الثقافية البحرينية‪ ،‬أو يقرأ للباحث‬
‫فاضل الربيعي ليبلع ريقه مرارا‪ ،‬ويبسمل ويحوقل وينكر الكثري مام‬
‫درسه‪ ،‬أو ينكر نفسه‪.‬‬
‫يؤكد علامء اليهود الثالث وغريهم أنه مل يكن ألي من انبياء اليهود‬
‫(موىس وداوود وسليامن عليهم السالم) أي وجود يف هذه البالد – فلسطني‬
‫– ويقر منهم أن من أسفار اليهود ما هو أساطري محضة مختلقة‪ ،‬ليأتيك‬
‫من أمة العرب واملسلمني من يصرّ عىل تكذيب ذلك‪ ،‬والعلامء املذكورين‬
‫خاصة (فلنكشتاين وهرتزوغ) علامء آثار يؤمنون مبا يقول الحجر ال الورق‪،‬‬
‫فأين السبيل وما يف كل ذلك ال تناقض ال مع القرآن العظيم وال أي من‬
‫آياته؟! كام قد يظن النصوصيني‪.‬‬
‫إن إعادة قراءة التاريخ – ما يدخل يف صلب الرصاع العريب الصهيوين‬
‫والرصاع اإلسالمي الصهيوين – يحتاج لفكر منفتح‪ ،‬ويحتاج لجهد العلامء‬
‫كام يفرتض أن تتسع الصدور للحقيقة ليس ألنها تخدمنا كفلسطينيني بل‬
‫ألننا نضاليا ودينيا مأمورون بالنظر والتأمل وإعادة التفكري حيث يصبح‬
‫البحث العلمي أحد مناهجنا يف الثورة الفلسطينية لنكتشف أن جبال‬
‫السرُ اة يف اليمن القديم مدفون فيها ارث اليهود واللخميني (بيت لحم)‬
‫والكُنانيني (الكنعانيني) وجبل القدس وأسوار أورشليم‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫إننا ال ميكن يف محطات النضال أن نكتفي باملستقر املريح أو الثابت‬
‫السعيد‪ ،‬أو القديم أو املصبوب سواء تاريخيا أو سياسيا أو مدنيا ولو‬
‫كان األمر كذلك ملا انطلق الحجر برصخته املدوية عام ‪ 1987‬وملا كانت‬
‫االنتفاضة الثانية عام ‪ 2000‬بإبداعات جديدة‪ ،‬وملا كان لصمود غزة معنى‬
‫أو لفلسطني دولة يف األمم املتحدة أهمية‪ ،‬وقبل كل ذلك ملا كان النطالقة‬
‫الثورة الفلسطينية وحركة فتح مثل هذا الربيق‪.‬‬
‫إن التعلم والتأمل والتجدد والتغيري سمة من سامت الثوار واملناضلني‪،‬‬
‫واملتجددين والشخصيات االبداعية كام كان خالد بن الوليد يف مختلف‬
‫معاركه‪ ،‬وكام كان أبو الطيب املتنبي وحفيده محمود درويش يف شعره‪،‬‬
‫وكام كان كل العظامء يف املناحي املختلفة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ضد الفكرانيات (=االيديولوجيات)‬
‫االقصائية‬
‫تحكمت األفكار اإلنسانية «املقدسة» يف عقول الناس‪ ،‬وط ّوحت بهم‬
‫يف االتجاهات املتعددة‪ ،‬بإميانهم الثابت واملقدس بالفكر اإلنساين‪ ،‬وان‬
‫استند ملعتقدات دينية أو غري دينية فلقد أذهب العقول بعيدا عن جادة‬
‫الصواب‪.‬‬
‫إن الفكرانيات (=االيديولوجيات) قد فعلت فعلها السلبي يف كثري‬
‫من العقول والتنظيامت‪ ،‬فهي وان استطاعت الحفاظ عىل متاسك البناء‬
‫الفكري واعتباره الخط املميز والحاكم الذي ت ُستمد منه السياسات التي‬
‫تخضع لها الرساطيات (=االسرتاتيجيات) والخطط‪ ،‬إال أنها ولعوامل الجمود‬
‫أو الرتهل وعدم التجدد أو االستجابة للمتغريات جمدت عند أقوال وأفكار‬
‫(ما أصبحت مسلامت ومقدسات ومرجعيات ثابتة) املؤسسني أو الرواد أو‬
‫الذين يُنظَر لهم يف حقيقة األمر كقدسيني أو زعامء أو مناذج خالدة يصبح‬

‫‪113‬‬
‫كل ما تقوله مصباحا منريا‪ ،‬وكل إشارة ولو عابرة منها مفتاحا للحلول‬
‫لكافة املسائل‪.‬‬
‫إن آفة الفكرانيات (وان كان لها فضل التجميع وتحقيق الغراء الالصق‬
‫وااللتزام) هي الجمود والتصلب يف الرشايني‪ ،‬وافتقاد التجدد وبالتايل‬
‫غياب القدرة عىل الرؤية وعىل إدراك املستجدات‪ ،‬ومن ثم يصبح الشلل‬
‫الفكري كابحا للتطور والعمل الذي يخدم مصالح الناس‪ ،‬ومتغري حاجاتهم‬
‫وتطلعاتهم‪.‬‬
‫ويصبح التمسك بالثابت رفضا لآلخر عىل اعتبار أن ثوابته ال تأتيها‬
‫الباطالت أبدا فيتعمق االستبداد الفكري واليقني وإقصاء اآلخر‪.‬‬
‫سقطت يف مسرية الثورة الفلسطينية الطويلة ومنذ انطالقتها الحديثة‬
‫كل الفكرانيات (عىل األقل بثوابتها املهرتئة وثوابتها املنهكة وتنظيامتها‬
‫غري املتجددة)‪ ،‬وبقيت حركة فتح ألنها استمدت فكرها وطني الصبغة‪،‬‬
‫وحدوي اللون‪ ،‬ثابت السعي الجامهريي‪ ،‬نضايل األساليب‪ ،‬أصيل التجدد‬
‫من حركتها وتفاعلها العقالين مع املتغريات وإن كان مثن ذلك أن ع ّجت‬
‫الحركة بأصحاب النظرات واألفكار والرؤى املختلفة سواء الوطنية أو‬
‫الفوق وطنية‪ ،‬وسواء جمعية الطابع الغاية أو الشخصانية‪.‬‬
‫‪1 .1‬استطاع منهج التفكري السيايس‪-‬الواقعي يف حركة فتح أن يهزم‬
‫املناهج الثالثة األخرى التي طاملا أشار إليها املفكر العرويب اإلسالمي‬
‫الكبري عضو اللجنة املركزية للحركة خالد الحسن رحمه الله وهي‪:‬‬
‫املنهج التفكريي القضايئ حيث الحكم عىل األشياء واملواقف‬
‫والسياسات بعني الخطأ والصواب دون مستويات أو بعني الكفر‬
‫واإلميان أو بعني الوطنية والخيانة دون دليل يشري للمسافة يف حدي‬
‫الوتر املشدود ميينا ويسارا‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪2.2‬منهج التفكري الفلسفي‪ :‬الذي ينظر من زاوية شمولية تغطي‬
‫مساحة واسعة متكاملة‪ ،‬فال تتعامل مع الجزئيات أو التفاصيل أو‬
‫الفرعيات إال باعتبارها الزمة االرتباط (وان مل تكن) مع الفكرة أو‬
‫النظرة الشمولية‪ ،‬وعليه فلم يكن االعرتاف بالفكرة االستقاللية أو‬
‫الوطنية أو الداعية لشخصية وكيانية فلسطينية إال عبث فلسفي أو‬
‫عقدي عند هؤالء‪.‬‬
‫‪3.3‬منهج التفكري التاريخي املاضوي‪ :‬وهو املنهج الذي يقدس أو يق ّدر‬
‫األمجاد باعتبارها مل تكن (ولن تكون) إال بعصور غابرة‪ ،‬وعليه فانه‬
‫ميجد األموات ونبلهم وكاملهم‪ ،‬كام يقدس أو مي ّجد أو ال يرى نفسه‬
‫إال تبعا مخلصا لنامذجهم كنسخة طبق األصل‪ ،‬رغم بعد املسافات‬
‫واألزمات ومتغريات الحال‪.‬‬
‫لقد أدى الفكر املاضوي إىل البكاء عىل أطالل مدينة طليطلة والحمراء‬
‫كام حصل مؤخرا لركاب موقع التواصل االجتامعي (الفيسبوك) الذي‬
‫سخنت فيه الدموع تذرف مبناسبة سقوط األندلس يف ‪ 1492 /1 /2‬دون‬
‫أن يرف جفن للمدن املحتلة يف املغرب والجزر التي تستوىل عليها اسبانيا‬
‫منذ ذلك الحني إىل اآلن‪.‬‬
‫وبنفس املنطق املعوج يتم تبييض صفحة التاريخ بالجملة دون أخذ‬
‫العربة من االنتكاسات والهزائم والجرائم واالستبداد واالندحار‪ ،‬والتفكري‬
‫املظلم الذي ساد طويال حتى غطي رؤوس العباد وأحوالهم يف فرتات هامة‬
‫بالتاريخ العريب اإلسالمي‪ ،‬ويصبح الناظر للتاريخ بعني الفاحص املمحص‬
‫الناقد كافرا فاسقا فاجرا‪.‬‬
‫لقد هزم فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح املتجدد واملتغري‬
‫واملنطلق هذه املناهج الثالثة يف التفكري‪ ،‬ومن هنا جاء التالقي بني دولة‬

‫‪115‬‬
‫فلسطني ودولة تركيا الحديثة الفتية‪ ،‬وقبل ذلك كان فكر االنطالقة مسلحا‬
‫بالبندقية عندما رسمت الساحة تحت وقع قعقعة السالح الذي رفعته‬
‫الثورات العربية والعاملية يف الخمسينات والستينات من القرن العرشين‪.‬‬
‫إن العقالنية هو اتجاه معاكس للظالمية التي هي العيش يف جاهلية‬
‫الفكر يف تاريخنا وثقافتنا العربية اإلسالمية‪ ،‬وحيث تشكل العقالنية آلية‬
‫تعامل مع ‪ 3‬مساحات متقاطعة هي مساحة القبول ومساحة النقد‬
‫ومساحة التعبري‪ ،‬مبعنى أنني مبقدار ما أنقد اآلخرين وبالتايل أمسك بيدي‬
‫اليمني حق التعبري فأنني يجب أن أتقبل من اآلخرين نفس مساحة النقد‬
‫يف تقاطع مثمر للمساحات الثالث ما متيزت فيه حركة الوطنية واإلبداع‬
‫الفلسطيني حركة فتح حيث (القبول والنقد والتعبري)‪.‬‬
‫وقبل أن ننهي هذه النقطة ال بد أن نختم بهذا النموذج الرائع ويقابله‬
‫منوذج سلبي‪ ،‬فلقد عرض األصحاب عىل اإلمام عيل بن أيب طالب مسألة‬
‫الخوارج عىل أنهم كفار أو فساق فرفض تسميتهم بأي من هاتني الصفتني‬
‫رغم حربهم عليه‪ ،‬قائال أنهم يصلّون ويصومون ويقرأون القرآن فكيف‬
‫يكونوا أي مام سبق؟ فلام حار صحابته يف تصنيفهم‪ ،‬سألوه فام هم؟ فقال‬
‫فيهم قولته املشهورة والرائعة واملتسامحة يف كلامت ثالثة فقط‪ ،‬حيث‬
‫قال‪( :‬إخواننا بغوا علينا)‪.‬‬
‫ويف املَثَل املقابل وبعد انقالب عام ‪ 2007‬يف غزة سألوا خالد مشعل عن‬
‫الرصاع الدموي واالنقالب عىل حركة فتح يف غزة مستشهدين عىل فضائية‬
‫الفجر باآلية الكرمية‪َ ﴿ :‬وإِنْ طَائِ َف َتانِ ِم ْن الْ ُم ْؤ ِم ِن َني ا ْق َت َتلُوا َفأَ ْصلِ ُحوا َب ْي َن ُهماَ‬
‫َت إِ ْحدَ ا ُهماَ َع ىَل األُ ْخ َرى َفقَاتِلُوا الَّ ِتي تَ ْب ِغي َح َّتى تَ ِفي َء إِلىَ أَ ْم ِر اللَّ ِه‬ ‫َفإِنْ بَغ ْ‬
‫َفإِنْ فَا َء ْت َفأَ ْصلِ ُحوا َب ْي َن ُهماَ بِالْ َعدْ لِ َوأَ ْق ِسطُوا إِنَّ اللَّهَ ُي ِح ُّب الْ ُمق ِْس ِط َني﴾‬
‫(سورة الحجرات‪.)9 :‬‬

‫‪116‬‬
‫قال ال فض فوه كلمتني فقط تدلل – حينها عىل األقل – عىل عمق‬
‫الفكرة الفكرانية (االيديولوجية) املستهينة باآلخر والطاردة له‪ ،‬اذ قال‬
‫خالد مشعل (ال تنطبق)‪ ،‬ومل يعقب‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬تفاعلية العالم الالمحدود (الفضاء‬
‫االلكرتوني)‬
‫ال تثقل أكتاف حركة فتح أحامل الفكرانية (االيديولوجية) املانعة‬
‫لإلبداع أحيانا كثرية‪ ،‬واملحطمة للمبادرات‪ ،‬والرافضة لالنطالق‪ .‬لذا كانت‬
‫مساحة الفعل يف الفضاء االلكرتوين للحركيني (وأحسبها اليوم لكافة‬
‫التنظيامت أيضا) مام يع ّوض النقص الحريك الخطري فتحويا يف وسائل‬
‫اإلعالم األخرى من صحافة ورقية أو فضائيات‪.‬‬
‫يف العامل االلكرتوين مواقع وصفحات ومجموعات وملتقيات ومنتديات‬
‫حركية ناشطة ومميزة بإبداعات أبناء الفتح املبني‪ ،‬وعىل صفحات التواصل‬
‫االجتامعي يتواجد أعضاء الحركة وكوادرها وخاصة الشباب وبعض قياداتها‬
‫يف حوار يجب ان يتسع ضمن ضوابط وآداب الحوار والحديث‪.‬‬
‫تفاجأ العامل عندما انترشت الحواسيب وبرنامج النوافذ (ويندوز)‬
‫ثم صعق عندما أصبحت الشابكة (= االنرتنت) يف كل بيت تزاحم الرايئ‬
‫(=التلفزة) واملذياع‪ ،‬وبُهِر عندما وجد نفسه يركض وراء مواقع التواصل‬
‫االجتامعي وخاصة (الفيسبوك) الذي أصبح بسكانه املليار ثالث دولة‬
‫بالعامل‪ ،‬وأكرب تنظيم بالتاريخ‪.‬‬
‫إن املقدرة التفاعلية الحركية الفلسطينية والتي شكلت ارشاقات‬
‫حقيقية يف ظل تنامي الصعود العريب عىل الشابكة تعد عبئا ثقيال عىل‬
‫صانع القرار حيث أصبح تجنب املساحات التفاعلية كمن يرفض القاء ندوة‬
‫يف الجامهري‪ ،‬أو كمن يتعدى املشاركة يف أفراح وأتراح الناس ومناسباتهم‪،‬‬

‫‪117‬‬
‫وأصبح النظر للمشاة من غري ركاب الفيسبوك كالقابعني يف برج عاجي‪ ،‬أو‬
‫كأصحاب السيارات الفارهة ذات النوافذ السوداء‪.‬‬
‫إن األعضاء والكوادر يقولون‪ :‬انزلوا من هذه السيارات الفارهة‪،‬‬
‫واركبوا الحافالت أو سيارات األجرة أو القطارات معنا‪ ،‬وشاركونا منشوراتنا‬
‫عىل (الفيسبوك) وأخواته‪ ،‬وإال لن نسكت لكم‪.‬‬
‫لقد غدت وسائل التواصل االجتامعي صحيفة حائط يف الجامعة‪،‬‬
‫ومذياع للجامهري يف الحافالت‪ ،‬ورايئ (=تلفزة) يف كل بيت‪ ،‬كام أنها‬
‫متاثل منصة خطابة لحكامءالعرب أمثال‪ :‬أكثم بن صيفي وحاجب بن‬
‫زرارة واالقرع بن جابس وعبد املطلب بن هاشم جد الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وهند بنت الخس‪ ،‬من حكامء العرب االقدمني‪.‬‬
‫لقد تشتت الورق وغارت الجرائد‪ ،‬وفقدت الصحف هيبتها (قال لينني‪:‬‬
‫أعطني صحيفة اصنع لك حزبا) وبكت التعاميم والرسائل التنظيمية إن‬
‫مل تكن الشبكة العنكبوتية مستقرها‪ ،‬ويف حركة فتح حركة دؤوبة ال فتة‬
‫ُحتم يف هذا املجال قد تصل لقوة التأثري الذي قدمته وسائل التواصل‬ ‫ت رَ‬
‫االجتامعي وشبابها يف (الربيع العريب)‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬التنظيم والجماهري‬
‫كتبنا سابقا يف حركة فتح وصعودها بالجامهري‪ ،‬وتحفل أدبيات الحركة‬
‫وتاريخها باالرتباط الوثيق بينها والناس‪ ،‬وما زالت الفكرة مل تتغري هنا‬
‫حيث أن (طليعية) حركة فتح مل تتناقض يوما مع (جامهريية) الحركة‪ .‬فلم‬
‫تكن الطليعة لتعني النخبة املنفصلة أو الطبقة املتحكمة مقابل ما كان‬
‫يطلق عليهم بالعامة من الناس ويف صفات أخرى الرعاع‪.‬‬
‫لقد آمنت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح (باالقرتان) ومل تؤمن‬
‫(باالنفصال) بني املفهومني‪ ،‬فكام شجعت الفنانني واملثقفني واملفكرين‬

‫‪118‬‬
‫والكتاب واألدباء عىل احرتام واعتبار تخصصهم بصفتهم (طليعة) فإنها‬
‫أدرجت (الثوار) املبادرين يف نفس الصف أو الفرقة‪.‬‬
‫وارتأت حركة فتح وما زالت أن العناق واالقرتان بني الطليعة والشعب‬
‫ال يعني أن توجد (بني األعضاء‪ ،‬أو بني الكوادر والناس) مسافات فوقية‪،‬‬
‫أو فوارق فئوية أو طبقية أو ثقافية‪ ،‬وإمنا أسست لعالقة تبادلية مل يشعر‬
‫فيها الطليعي أو الكادر بأنه فوق الناس‪ ،‬ومل يشعر فيها الناس أنهم اقل‬
‫من الكادرات أو القيادة‪ ،‬وكل املظاهر املخالفة ما وجدت يف الحركة فهي‬
‫إدانة ألصحابها فقط بصفتهم مناذج منفرة أو ملفوظة حركيا‪.‬‬
‫إن مستوى التفاعل والتواصل بني الطليعة أو القيادة يف حركة فتح‬
‫والجامهري مستوى يرضب به املثل فال حوائط اسمنتية أو حتى زجاجية‬
‫تفصل بني رأي العضو أو شكايته وبني املسؤول‪ ،‬وان حصلت تجاوزات يف‬
‫العالقة فان مستويات التقايض الثالثة يف الحركة غري األطر جاهزة للفصل‬
‫(لجان املجلس الثوري والرقابة الحركية وحامية العضوية واملحكمة‬
‫الحركية)‪.‬‬
‫إن جامهريية حركة فتح تأيت من‪:‬‬
‫‪1.1‬عملية االقرتان بني الطليعة والشعب‪.‬‬
‫‪2.2‬حجم التواصل واملشاركة مع الجامهري‪ ،‬وبني األعضاء معا والتي كلام‬
‫ارتبطت بخامسية التنظيم أمثرت وإال فالفشل يحف بنا (االجتامع‬
‫الدوري‪ /‬التقرير الدوري‪ /‬الواجب أو املهمة املحددة لكل عضو‪/‬‬
‫معرفة املسؤول ومتابعته الدورية‪ /‬القيام بالعمل واالبداع)‪.‬‬
‫‪3.3‬الفكر املتجدد واملتغري واملنطلِق وهو الفكر الذي يلبي تطلعات‬
‫وحاجات الجامهري وحراكها االجتامعي‪ ،‬وتجددها واملتغريات التي‬
‫تحيط بها‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫يف هذه النقطة التي حاولنا أن نسلط الضوء قليال عىل (الجامهريية)‬
‫ولنضعكم بالقصة التالية التي نقلها لنا األخ هاين الحسن املفكر العرويب‬
‫وعضو اللجنة املركزية للحركة حيث نقل لنا‪ :‬أن خالد بكداش رئيس املكتب‬
‫السيايس يف الحزب الشيوعي السوري‪ ،‬وهو حزب صغري زار الرئيس (ماو‬
‫تيس تونغ) رئيس الصني عىل عادة األحزاب الشيوعية‪ .‬وملا علم (ماو)‬
‫بالحجم املتواضع للحزب الشيوعي السوري سأله ماذا تفعل الجامهري‬
‫وكيف هي حياتها اليومية؟! وكيف تتفاعلون معها؟! فذكر له خالد بكداش‬
‫أنهم يعملون ويدرسون ويصلّون ويصومون ألنهم مسلمني‪ ،‬فقال وانتم أال‬
‫تصلون وتصومون معهم؟! وملا حارت اإلجابة عرف الرئيس ماو أن انقطاعا‬
‫وانفصاال حقيقيا بني الحزب والناس فقام بحثهم عىل احرتام الناس وقيمهم‬
‫ودينهم وعاداتهم ال ما يقومون به من عليائية وانفصال‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫مل تكن تباشري عيد امليالد املجيد لوحدها التي أطلقت يف عقيل رشارة‬
‫التجيل‪ ،‬وإمنا عناق السيد املسيح الفلسطيني األبدي مع هذه األرض‪،‬‬
‫وعناق الفلسطينيون األبدي واملتجذر يف أرضهم النابتة بالحب‪.‬‬
‫وكان لرايات فلسطني العالية املتعانقة مع رايات الثورة الفلسطينية‬
‫لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح وكافة الفصائل يف عيد االنطالقة‬
‫يف رام الله ونابلس والخليل ولبنان وأقاليم فتح بالخارج أن اشعلت أوار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫وال أكتم رسا عندما أقول أن فرحة االنجازين الكبريين يف غزة واألمم‬
‫املتحدة املتعانقني مع مهرجان االنطالقة العظيم يف ساحة الشهيد يارس‬
‫عرفات يف غزة كان لها أيضا ذات الفعل املحفز لنقول كالما شفافا بالقلم‬
‫األحمر حيث الفكر الصاعد والتنظيم الصاعد يحتاج ملستوى عا ٍل من‬

‫‪120‬‬
‫اإلدراك والوعي وإحداث التغيري‪ ،‬وحيث أن اإلنهاك التنظيمي قد يشوش‬
‫الرؤيا ويطيح بالهيكل‪.‬‬
‫(كتبت الورقة مبناسبة االنطالقة ‪ 2013‬للثورة الفلسطينية وحركة فتح)‬

‫‪121‬‬
122
‫مبناسبة ذكرى انطالقة الثورة‬
‫(‪((2‬‬
‫نظرات يف ثقافة احلركة‬
‫بكر أبوبكر‬

‫مبناسبة اليوبيل الذهبي للثورة الفلسطينية وانطالقة حركة فتح نضع‬


‫للتفكري املتمهل ورقة لنتداولها حول الفكرو الثقافة والتثقيف يف الحركة‬
‫الوطنية الفلسطينية علنا نكسب األجر أو األجرين‪.‬‬
‫لدى السيايس تصبح الثقافة فعال رضوريا ألنه معني مبخاطبة مساحات‬
‫واسعة ومناذج متنوعة وجامهري ذات اهتاممات وتطلعات متعددة‪ .‬مهام‬
‫كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها ال تشكل عندها أمرا ثانويا‬
‫وإمنا مرتافقا مع نداء الواجب‪.‬‬
‫ولكل شعب أو تنظيم أو جامعة ثقافتها التي من املحقق امتالكها‬
‫لعدد من املقومات هي‪ :‬التعدد والتنوع‪ ،‬االنفتاح واالستفادة من اآلخر‪،‬‬
‫العراقة والتجذر والرتاكم‪ ،‬واألهم من ذلك كام يسرتسل الخويلدي الرباط‬
‫الجامع وتأسيس املشرتك‪ ،‬والتقريب بني وجهات النظر املتباينة‪ ،‬وأيضا‬
‫تحقيق التواصل ومد الجسور بني األجيال‪ ،‬والتجاوز والتسامي عن‬
‫‪ -21‬بناء عىل طلب األخ أمري رس اللجنة املركزية لحركة فتح أبوماهر غنيم عام ‪2014‬‬
‫كانت الورقة تقتفي الثقافة الوطنية والحركية‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫الخالفات واألمور الجانبية‪.‬‬
‫إن اهتامم التنظيم السيايس بالثقافة يأيت من أنها تقوم ببناء الشخصية‬
‫أو الشخصيات‪ ،‬لذا اهتمت كافة الدول والتنظيامت واألحزاب بشأن الرتبية‬
‫والتثقيف أو جهاز الدعوة الذي يعترب يف مقدمة الفعل الحزيب امله ّدف‪.‬‬
‫يقول املفكر العريب مالك بن نبي (القدرة عىل إنتاج الفكرة هي ميزة‬
‫اإلنسان وحده‪ ،‬بحيث أنها متثل الحد الفاصل بينه وبني جميع الكائنات‬
‫األخرى‪ ،‬ويجمع هذه األفكار املنتجة يظهر النسق الفكري عىل هيأة أفكار‬
‫مرتبة‪ ،‬وهذه األخرية عند ضمها بعضها إىل بعض تعطي مذهبا أو فكرانية‬
‫(= إيديولوجية) معينة‪ ،‬وهذا الرتكيب إن هو وجد مساحة له يف الواقع‪،‬‬
‫ليظهر عرب املامرسات املختلفة لألفراد‪ ،‬وبعدما يكون قد شغل حيزا هاما‬
‫بني مقدساتهم املتنوعة‪ ،‬فإنه يطل عليه مصطلح الثقافة‪ ،‬لذلك فالثقافة‬
‫هي‪ ...« :‬ما يبقى عالقا باألذهان عندما ننىس ما تعلمنا عىل مقاعد‬
‫الدراسة والجامعات‪.»...‬‬
‫يقول لينني (أن التثقيف السيايس يعني نتائج عملية‪ ،‬يعني تعليم‬
‫الشعب كيفية بلوغ ذلك‪( )..‬يجب عىل هيئات التثقيف السيايس أن‬
‫توجه عملها كله نحو الهدف‪ ،‬إن مكافحة األمية أمر رضوري ولكن معرفة‬
‫القراءة والكتابة وحدها ال تكفي‪ .‬إذ ال بد من تلك الثقافة التي تعلم‬
‫النضال ضد األمية والغطرسة الشيوعية والرشوة)‪.‬‬
‫إن الثقافة الحركية تعد املكان األول يف بناء الشخصية‪ ،‬وتنمية الفكر‬
‫الفتحوي‪ ،‬ومتثّل حقيقة التعبئة ومضامني املبادئ واألهداف واملنطلقات‬
‫التي يجب أن تكون الهادي واملرشد ملسرية الحركة والشعب‪ ،‬ولطريقة‬
‫عمل األعضاء والكوادر ويف نظرتهم لألمور‪ ،‬ويف استعدادهم للعطاء‬
‫والبذل‪ ،‬وبناء الشخصية يف اتجاهاتها الخمسة‪ :‬الجسد والنفس والروح‬

‫‪124‬‬
‫والعاطفة والعقل‪.‬‬
‫إن تكامل الفكرة الحركية يف «فتح» تتجىل من حيث هي فكرة وطنية‬
‫جامعة‪ ،‬فكرة تحررية للوطن واإلنسان‪ ،‬ومن حيث هي فكرة عقالنية‬
‫تشارك ّية دميقراطية باملجتمع‪ ،‬ومن حيث هي فكرة بناء ال هدم للكيانية‬
‫الوحدوية الجامعة‪ ،‬ما يعني أنها فكرة عميقة وأصيلة متجذّرة‪.‬‬
‫الوطنية والتحرير والثقافة الحركية‬
‫تأخذ «الوطنية» عندنا معنى التخصيص والتكريس واألولوية‬
‫لفلسطني‪ ،‬ال معنى االنعزال أو اإلقليمية واالنكفاء عن املحيط العريب‪،‬‬
‫وهي بذلك مبدأ أو فكرة ال تنطلق من فراغ‪ ،‬وإمنا من واقع االرتباط‬
‫الحضاري العريب اإلسالمي يف األفق الحضاري العاملي‪ ،‬العقالين واملتفتح‬
‫عىل تجارب الشعوب قاطبة‪.‬‬
‫وبذات الوقت فإن فكرة }التحرر{ يف حركة فتح ال تقترص عىل منطق‬
‫تحرير الذات واملجتمع من رواسب الجهل والتفكري السلبي‪ ،‬لسبب النكبة‬
‫والواقع الفاسد وغريها‪ ،‬وال تنطلق فقط من واقع الظروف الصعبة وما‬
‫تحمله من مشاعراليأس والقنوط لدى البعض‪ ،‬وإمنا تبغي إىل ذلك تحرير‬
‫الوعي الحضاري الشمويل‪.‬‬
‫وتسعى فكرة أو مبدأ التحرر للتخلص من واقع االحتالل الجغرايف‬
‫لإلرسائييل لبالدنا عرب املقاومة الشعبية بكافة األشكال وليس هذا فقط‪،‬‬
‫وإمنا التحرر أيضا من ِشباك الغزو الثقايف‪-‬االقتصادي الصهيوين االستعامري‬
‫لعقولنا وأرضنا ومقدراتنا يف فلسطني واملنطقة العربية‪.‬‬
‫إن القدرة الحركية يف «فتح» وفكرتها أيضا تتجىل يف «التشاركية»‬
‫حيث تؤمن بالعقالنية ال باألساطري والخرافات املمزوجة بسياقات فكرية‪،‬‬
‫وتؤمن بالحوار واالختالف والدميقراطية ضمن معادلة الحرية وااللتزام‬

‫‪125‬‬
‫يف داخل التنظيم‪ ،‬وهو ما أسس فيها للفكر «الوحدوي» الذي يجمع‬
‫املؤتلفني واملختلفني معا يف إطار الثورة و(م‪ .‬ت‪ .‬ف) ثم يف إطار السلطة‬
‫والدولة القادمة الذي وهو الفكر أو املبدأ الفتحوي الذي يرفض اإلقصاء‬
‫واالستعالء ورفض اآلخر‪.‬‬
‫إن حركة فتح يف سعيها ألخذ دور «فوق وطني‪-‬إنساين» تسعي ألن‬
‫يكون لها موقع يف النسيج العريب واإلسالمي والعاملي من حيث دعوتها‬
‫الشمولية لتحرر الفكر والثقافة وارتباطها البناء بالحضاري العريب اإلسالمي‬
‫وإسهاماته املسيحية الرشقية‪ ،‬الذي يتقبل اآلخر ويف نطاق تحقيق األهداف‬
‫اإلنسانية الجامعة بالحرية واملساواة والعدالة والتقدم‪.‬‬
‫مكونات التثقيف الحركي والتعبئة‬
‫من املمكن أن نتعرض للثقافة وعملية التثقيف والتعبئة للشعب‬
‫الفلسطيني ويف حركة فتح يف سياق ‪ 7‬أمور‪-:‬‬
‫األول يتمثل يف‪ :‬سعينا الدائب لتحقيق هدف وغاية النضال الفلسطيني‬
‫املرحيل املتمثل بتحقيق مرشوعنا الوطني بالتحرير والعودة والدولة يف‬
‫سياق النضال الثوري السيايس‬
‫ثانيا‪ :‬إن ثقافة الحركة‪ ،‬والثقافة الوطنية الفلسطينية عامة هي ثقافة‬
‫النضال الوطني الفلسطيني وهي ثقافة البناء ملكونات الوطن‪ ،‬وهي‬
‫ثقافة الجامهري بكل رشائحه‪ ،‬ألنها ثقافة مرشوعنا الوطني‪ ،‬وألنها ثقافة‬
‫الكفاح واملقاومة بطابعها الجامهريي الشامل وليس النخبوي أو الضيق‪ ،‬ما‬
‫يستدعي برنامجا وطنيا متكامال إلمضاء ما أطلقنا عليه (الحرب الشعبية‬
‫طويلة النفس) اليوم بصيغة املقاومة الشعبية الشاملة‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬يتمثل يف بناء ونرش الفكرة والرواية التاريخية الحضارية التي‬
‫متثلنا والتي تربز حقيقة التاميز (والتأكيد) بني إمياننا املطلق بأن أرض‬

‫‪126‬‬
‫فلسطني (التاريخية) لنا منذ األزل وإىل األبد‪ ،‬وبني سعينا لحل واقعي‬
‫يأخذ باالعتبار قواعد علم السياسية وفن املمكن ومتغريات اإلقليم‪.‬‬
‫الرابع إن ثقافتنا يجب أن تكون ثقافة وعي وفهم وتصدي ومواجهة‬
‫تواجه طبيعة االحتالل الصهيوين (االحتاليل اإلحاليل اإللغايئ لآلخر) الذي‬
‫يحاول إلغاء وجود الـشعب الفلـسطيني عبـر تزويـر الحقـائق التاريخية‬
‫والسياسية وعرب التكريس للوقائع عىل األرض‪ ،‬وعرب طمس هويته الوطنية‪،‬‬
‫وتشويه صورة نضاله‪ ،‬وسلبه حقوقه املرشوعة‬
‫أما خامسا فإن عىل الثقافة الفلسطينية والحركية خاصة أن تجهد يف‬
‫بناء أو دعم طرائق تفكري علمية عقالنية ايجابية تحفيزية ابداعية يف‬
‫عقول املنتمني للحركة بحيث يتمكنون من رفد الحركة بعطاءاتهم وبرامج‬
‫عملهم اليومية‪ ،‬وال يكونوا كام مهمال أو أرقاما يف سجل العضوية بال نفع‪،‬‬
‫فدرب الثورة طويل وشاق وال يصمد فيه إال الرجال والنساء املؤمنون‬
‫بيقني‪ ،‬ال تخالطه شكوك برضورة التحدي والتضحية والنرص‪.‬‬
‫ويف ذات السياق العقالين يتم دعم االنتامء الوطني فوق االنتامء‬
‫الحزيب العصبوي الضيق ما يؤكد فكر حركة فتح الرحب الذي ينهد للحرية‬
‫والحوار والدميقراطية‪ ،‬وهو الفكر الوحدوي الجامع‪ ،‬الذي يرفض التفرد أو‬
‫الهيمنة أو الحرصية أو اإلقصاء لآلخر‪.‬‬
‫سادسا أن بناء الذات والتعبئة والتثقيف يف حركة فتح يقتيض تكريس‬
‫معنى الحياة التنظيمية الدميقراطية مبا هي التزام وحرية‪ ،‬وتأكيد دور‬
‫التنظيم األسايس بتحقيق االلتحام بالجامهري بكافة فئاتها ورشائحها‪ ،‬وما‬
‫ميتزج مع ذلك من مامرسة بث الوعي وخدمة الشعب‪ ،‬ما يقتيض من‬
‫التنظيم باآلليات املناسبة‪ :‬تكريس مبدأ االجتامعات الدورية والدورات‬
‫واللقاءات والندوات والثقافة الذاتية والجامعية للكوادر وللجامهري‪ ،‬ما‬

‫‪127‬‬
‫يقتيض قيام العضو من تلقاء نفسه ببناء شخصيته بالعلم والعمل عرب‬
‫التجارب والقيام بالنشاطات‪ ،‬أي باملامزجة الفعلية بني النظري والتطبيقي‪،‬‬
‫وبني ما يقوله ويفعله‪ ،‬وبني الحرية املتاحة يف اإلطار ومنطقة االلتزام‪ ،‬وبني‬
‫ما ينتقده ويقابله مببادرة يجتاز بها الطريق النضايل الطويل‪ ،‬كام يتجىل‬
‫دور القناة التنظيمية الواجب بالبناء الكادري والجامهريي‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬كام أن اإلميان بالفكرة ال يظهر إال بإتباعها قوال وعمال‪ ،‬فإن قناة‬
‫التعبري عن الفكرة والثقافة الحركية يجب أن تكون سالكة‪ ،‬ويجب أن‬
‫تكون مهنية‪ ،‬ومتطورة بحيث تصبح هذه القناة أو الوعاء أو اإلطار أداة‬
‫صالحة لالستيعاب و ُحسن االتصال ومامرسة القيادة واإلدارة والتخطيط‬
‫والنقد ودقة املتابعة والرقابة‪.‬‬
‫إن ركائز االهتامم يف الفكر الحريك ال تتمحور حول اإلميان بصحة الفكرة‬
‫أو الغاية أو املبدأ فقط ألن املبادئ بدون أرجل ال تنترش‪ ،‬واألفكار دون‬
‫َح َملَة مشاعل يضيئون بها طريقهم وطريق اآلخرين قد متوت‪ ،‬والفكرة مبا‬
‫هي إنسانية إن مل تخضع للتجدد والتطور والتغيري يف ظل معادلة الثابت‬
‫واملتغري منها فإنها مرشحة ألن يتجاوزها الزمن‪ ،‬وهذا التجدد أو التطور‬
‫من املهم للفكرة وحملتها أن يكون ضمن قنوات سالكة‪.‬‬
‫جامعة الفكر الفتحوي‬
‫الثقافة والتعبئة والرتبية التنظيمية يف حركة التحرير الوطني‬
‫الفلسطيني «فتح» ترتكز حول «ذات الفكر الفتحوي» الذي ميثل النور‬
‫الذي نحمله لفلسطني والعامل منطلقني بحافز النفس الطويل‪ ،‬مبا يشتمل‬
‫عليه من مضامني‪ :‬تاريخية حضارية تعبوية جذرية‪ ،‬ومضامني سياسية‬
‫واقعية متغرية‪ ،‬ووعي ثوري متجدد يأخذ تجارب كل الشعوب يف التحرر‬
‫واالستقالل والثورة باالعتبار‪ ،‬وأدوات فعل ثورية متطورة ما بني الكفاحي‬

‫‪128‬‬
‫واملقاوم والشعبي‪ ،‬وإميان ديني مستنري‪ ،‬وأسس تنفيذ إدارية قيادية‬
‫علمية إنسانية‪ ،‬وسياقات اتصال وتواصل دميقراطي ال ينقطع‪.‬‬
‫كام أنها كفكرة أو ثقافة حركية من املهم أن تُفهم جليا‪ ،‬ويف خانة أنه‬
‫مهام غيرّ نا يف أثواب العرض لها‪ ،‬فإننا من ّيزدوما فيها بني الثابت وبني املتغري‪،‬‬
‫بني املطلق وبني النسبي‪ ،‬يف بوتقة الصهر الفتحوي التي ال تكرتث بطبيعة‬
‫االتجاهات الفكرانية (األيديولوجية) للمنتمني للحركة أو مبقدار اقرتابهم‬
‫أو ابتعادهم عام يحملونه من فكرانيات (أيديولوجيات) ألن الكلمة‬
‫الجامعة والنور املتجيل يف فكرة الثقافة الفتحوية لنا واألمة هي فلسطني‬
‫التحرير واالستقاللية والوحدة‪ ،‬وحركية الوسيلة (الوسائل) وبناء الكيانيّة‬
‫يف إطار دميقراطي تشاريك حر يسعى للتقدم والعدالة‪.‬‬
‫العضو اإلنسان‬
‫َح َمل َة النور هم األعضاء يف الحركة‪ ،‬لذا فإن التمحور يف عمل الحركة‬
‫ينصب ملا فيه خري األعضاء ومطالب الجامهري املتغرية يف‬
‫ّ‬ ‫القادم يجب أن‬
‫سياق العمل النضايل‪.‬‬
‫إن االهتامم بالعضو يجب أن يكون له األولوية عىل االهتامم (بالعضو‬
‫يف اإلطار‪ /‬املوقع‪ /‬املركز) مبعنى التوجه يف بناء العضو الشخص املبدع ال‬
‫العضو القائد فقط‪ ،‬من حيث تنفيذه ملا هو مطلوب منه من الواجبات وما‬
‫يقابله من اكتساب الحقوق التي تعني بحجم مشاركته باإلطار واملبادرة‬
‫والفعل الجامهريي‪ ،‬وما يقابله أيضا مام يحصل عليه من مكافأة أو مردود‬
‫معنوي مح ّبب عىل إنجازاته‪ ،‬تتمثل بالدور واملكانة واالحرتام استنادا ملا‬
‫يقوم به العضو من فعل ضمن مقياس تنظيمي دقيق‪ ،‬ال من منظور تبوئه‬
‫ملوقع قيادي ما‪ ،‬ببساطة فإن اإلنسان العضو هو الهدف وليس موقعه (أو‬
‫منصبه)‪ ،‬وعليه يصبح عبء إيجاد ومتابعة دور وعمل ومهمة ونشاط‬

‫‪129‬‬
‫لكل عضو مسألة ذاتية‪ ،‬ومسألة حركية معا ال غنى عنها‪.‬‬
‫اإلطار أو القناة السالكة‬
‫ال ميكن أن تجري املياه بشكل سلِس إال عرب قنوات مفتوحة‪ ،‬ومن‬
‫هنا تأيت رضورة االهتامم الواجب يف حركة فتح باإلطار التنظيمي‪-‬خاصة‬
‫باألطر واملكونات القاعدية‪ -‬الذي يجمع األعضاء وينسق جهودهم ويتابع‬
‫نشاطاتهم ويعبئهم ويثقفهم ويحفزهم‪ ،‬وقبل كل ذلك يحافظ عىل ِ‬
‫الصلة‬
‫معهم يف ظل مركزية املتابعة والقرار ودميقراطية الرأي واإلبداعات‪.‬‬
‫واإلطار التنظيمي إن مل يكن قادرا عىل حمل األعضاء نتيجة الخلل‬
‫الذي قد يقع بأحد االتجاهني من أعىل إىل أسفل أو العكس يعني إما‬
‫الحراك والفعل الكيل‪ ،‬أو التهرب والتكلس وظهور فكر السلبية‬ ‫تجميد ِ‬
‫واإلحباط والسوداوية‪ ،‬ورمبا االبتعاد العدواين‪ ،‬ومن هنا جاءت األهمية‬
‫للمرتكزات الثالثة يف الثقافة الحركية أال وهي (الفكرة والعضو والقناة)‪.‬‬
‫ومن هنا تأيت رضورة إنشاء قناة موازية ومتقاطعة مع اإلطار التنظيمي‪،‬‬
‫متقاطعة ألن عملها متداخل كليا مع عمل اإلطار التنظيمي‪ ،‬ولكنها موازية‬
‫ألنها تعمل بشكل تخصيص محدد عىل طول اإلطار التنظيمي من أعىل إىل‬
‫أسفل بالتنسيق الثابت مع األطر فيام يتعلق بالرتبية والتثقيف الحريك‬
‫وذلك عرب مركز أو معهد أو مؤسسة متخصصة بالتدريب وإعداد الكادر‬
‫والتثقيف والدراسات الحركية‪.‬‬
‫ويف إطار القنوات يجب أن يتعانق الفكري والسيايس معا‪ ،‬كام‬
‫يندمج الفني والرتبوي والتثقيفي بالقلم والفرشاة ولوحة املفاتيح‪ ،‬مبا‬
‫يشمله ذلك من شعر ونرث وقصة ومنشورات ومقاالت ودراسات وكتابات‬
‫متعددة ورعاية الكُتاب والبحاثة والعلامء والشعراء‪ ،‬وكذلك دعم الفنانني‬
‫الفلسطينيني بكافة املجاالت أكانت نتاجاتهم لوحات فنية أو متثّالت فنية‬

‫‪130‬‬
‫عرب الحاسوب والشابكة (االنرتنت) أو دبكات أو أناشيد أو غناء أو صناعة‬
‫الرشائط (األفالم) أو فرق متثيلية ومرسحية تعيد بعث الرتاث والفلكلور‬
‫الوطني الفلسطيني واالهتامم به وحسن إبرازه ما هو دور وطني وفتحوي‬
‫يف آن واحد ال يغنينا عن عمل فرقة تراثية أو فنية مركزية جنبا إىل جنب‬
‫مع بناء مراكز أو لجان ثقافية يف كل األقاليم‪.‬‬
‫الثقافة والتجارب ووسائل االتصال الحديثة‬
‫إن العامل قد تحول اليوم من خالل وسائل االتصال الحديثة إىل قرية‬
‫كبرية‪ ،‬ال نستطيع من خاللها أن نفرض رأيا أو فكرة أو منهجا أو قرارا‬
‫أن مل تكن مرتكزة عىل‪ :‬مقدار ِصحة وصوابية الفكرة وفائدتها اتعكاسا‬
‫عىل الواقع للفرد واملجتمع‪ ،‬انها الفكرة املرتبطة بالغاية‪ ،‬وبقدرة األعضاء‬
‫عىل التعبري عنها ومتثلها وتطبيقها‪ ،‬وعىل كفاءة اإلطار بآليات التدريب‬
‫واالجتامع والتثقيف والتكوين التنظيمي التي إن أهملت أصبحت‬
‫التجارب الحركية متناثرة وأصبح األعضاء كل يف واد‪.‬‬
‫ومن هنا وجب التأكيد عىل أهمية (اإلطار‪ /‬الوعاء‪ /‬القناة) من حيث‬
‫تحقيقه الحرتام الفرد لذاته ودوره وعمله الجامعي‪ ،‬ومن هنا التأكيد عىل‬
‫أهمية اإلطار من حيث الفرصة املتاحة له فيه للحوار والتعبري والحديث‬
‫والنقد والنقاش بدال من أن يقيض الساعات الطوال ينفّس عن غضبه‬
‫لعدم إعطائه الفرصة للتعبري يف وسائل التواصل االجتامعي عىل الشابكة‬
‫(االنرتنت) مفرتضا أنه بذلك يقوم بدوره الحريك وما هذا إال النسداد أو‬
‫عدم كفاءة أو عدم فاعلية القناة من جهة‪ ،‬ولسبب األسلوب القيادي‬
‫غري الفاعل بافتقاده قدرة االستيعاب واالحتضان أو بعدم تفعيله ألداة‬
‫املحاسبة واملتابعة من جهة أخرى‪ ،‬وأيضا لضعف إميان العضو واستهتاره‬
‫بدوره الحقيقي يف اإلطارمن جهة ثالثة‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫إن ثقافة حركة فتح يجب أن تدمج بني تجاربها األربعة الكربى‪ :‬تجربة‬
‫القواعد الثورية يف الخارج وتجربة املعتقالت يف الوطن‪ ،‬وتجربة التنظيم‬
‫يف الخارج مع النقابات والعمل االجتامعي‪ ،‬مع تجربة التنظيم يف الوطن‬
‫بشقيه الشعبي االجتامعي وشقه الثوري التنظيمي‪.‬‬
‫ولتحقيق دمج التجارب يف آليات العمل التثقيفي يقتيض منا ُحسن‬
‫التواصل امليداين أوال عرب االجتامعات الدورية الالزمة‪ ،‬وعرب اللقاءات‬
‫املتواصلة‪ ،‬ثم بامكانيات استخدام الشابكة والتقانة العالية عرب فتح أسس‬
‫التواصل الحر يف الفضاء االلكرتوين وما يقتضيه ذلك من إنشاء كلية أو‬
‫مدارس أو معهد عرب تكوين سلسلة محارضات حركية (ودراسات وكتيبات‬
‫ونرشات ورسائل‪ ،‬ومنشورات) تجعل من التنوع الحيوي هدفا يدمج بني‬
‫املريئ (استخدام اليوتيوب وأشباهه) والصويت (إنشاء أو دعم اإلذاعات‬
‫عىل الشابكة=االنرتنت) وتسخري الصور والرسومات واملنتديات وامللتقيات‬
‫واملواقع‪ ،‬ووسائل التواصل االجتامعي كلها مبا يحقق مضامني الفكر‬
‫الفتحوي‪ ،‬وتحقيق ُحسن االتصال باالتجاهني‪ ،‬وبناء شخوص حملة النور‪،‬‬
‫خاصة يف قطاع األشبال والطالب يف الوطن والخارج‪.‬‬
‫إن أهمية استثامر وسائل التواصل االجتامعي والشابكة ال تغني‬
‫مطلقا عن رضورة العمل امليداين بل تُكا ِمله وتربِطه وتعرِضه ما دامت‬
‫الجهة املقصودة يف تثقيفنا هي العضو‪ ،‬لذا هو املع ِني فردا وجامعة‬
‫بنرش فكر وثقافة ومواقف وسياسات الحركة للجامهري‪ ،‬بكل فئاتها من‬
‫فالحني وعامل ومناضلني قدماء وموظفني وتجار‪ ،‬وأيضا من حيث السن‬
‫من األشبال والزهرات وصوال للشبيبة‪ ،‬إىل كل فئات املجتمع مبؤسساته‬
‫ونقاباته املختلفة‪.‬‬
‫كام أن للشابكة (شبكة االنرتنت) والعمل الجامهريي الحريك عرب‬
‫الندوات واللقاءات والتنسيقات دور أسايس بتحسني شكل التوجه‬
‫‪132‬‬
‫للمؤسسات واألحزاب والتنظيامت يف املجتمعات خارج فلسطني‪.‬‬
‫القناة أو اإلطار‬
‫يظهر يف العمل التنظيمي يف املنظامت واألحزاب نوعان من األعضاء‪،‬‬
‫عضو يهمل اإلطار فيعطله وعضو يتمسك بالقناة (اإلطار) إىل الحد الذي‬
‫يرفض معه أي فعل من املمكن أن يتجىل خارجه‪ ،‬وبالتايل يقمع فكر‬
‫اإلبداع واإلمكانيات‪ ،‬وهي نظرة حرصية تفرتض (االمتالك) للعضو من‬
‫حيث هو منتمي للتنظيم فال يستطيع فعل يشء إال بأمر أو من خالل‬
‫تكليف أو عرب االجتامع‪.‬‬
‫إن ش ّدة التمسك باإلطار إىل الدرجة التي يصبح فيها العضو أسريا له ال‬
‫يستطيع أن يتنفس خارجه ولو بكلمة شكر أو تعبري عن احرتام أو مبادرة‬
‫أو إبداع خطر يكتنفه تحقق الجمود واالستبداد‪:‬‬
‫‪1 .1‬إن التمسك ذو الطابع االستبدادي باإلطار أو القناة يظهر من خالل‪:‬‬
‫‪2 .2‬التمسك بالقناة باعتبارها األداة الوحيدة لكل من الرأي السيايس‬
‫والثقافة والقرار واملهمة (العمل) والثواب والعقاب‪ ،‬ما قد يؤسس‬
‫لالستبداد إن مل يخالطه ُحسن التواصل‪.‬‬
‫‪3 .3‬عدم االعرتاف بأي فعل وإن كان مثمرا وايجابيا‪ ،‬إن مل يكن اإلطار‬
‫صاحب القرار فيه‪.‬‬
‫‪4 .4‬التشدد يف التعامل مع العضو إىل الدرجة التي من املمكن أن يعاقب‬
‫فيها ألي هفوة فيطرد خارج اإلطار إىل حد التجميد أو الفصل‪.‬‬
‫‪5 .5‬تقدم الجامعات الرافضة (أو األفراد املتذمرون) لإلطار سواء من‬
‫شخص املسوؤل أو طريقة إداراته إىل تشكيل عالقات رسية موازية‪.‬‬
‫‪6 .6‬تقوم الجامعات التي تعترب أن حياتها تبدأ وتنتهي من خالل (القناة)‬

‫‪133‬‬
‫إما إىل انشاء أطر موازية بغرض التحدي أو ينفرط عقد األفراد‬
‫فيبتعدون شيئا فشيئا عن اإلطار إىل درجة اليأس أو اإلنكار ما قد‬
‫يؤدي لالنشقاق والخروج‪.‬‬
‫النظرة الثانية ال ترى يف االطار أهمية وتتعامل معه بشكل هالمي‬
‫مبعني أنها تستخدمه وتستغله فقط يف حالة الحاجة وال تكون الحاجة‬
‫شديدة إال يف ‪ 3‬مواضيع رئيسية األوىل لغرض عقد مؤمتر والثانية لغرض‬
‫عمل تظاهرة ما والثالثة لحل مشكلة مستعصية‪.‬‬
‫إن النظرة االستغاللية لإلطار هي نزعة استبدادية تضيق ذراعا بالحوار‬
‫وال ترى يف اآلخر موازاة أو مساواة تتيح له أن يناظرها‪ ،‬أو ألنها تخاف منه‬
‫فتتجنبه أو تقصيه‪.‬‬
‫يقع االستغالل للقناة (اإلطار) ليس فقط من املسئول األول‪ ،‬وإمنا قد‬
‫يحدث من عدد من املنتمني فيه عرب تعمد إضعافه أو تصويره هزيال‬
‫أو إدخاله بعقلية تخريبية يف قضايا ومشاكل هو يف غنى عنها فتشتت‬
‫جهده‪ ،‬إذ أنه بدل أن يتحول إلطار نقاش مثمر وتخطيط وتوزيع عمل‬
‫وتثقيف ومتابعة وحوار يتحول إىل إطار مخصص فقط لتلقي الرضبات‬
‫وحل املشكالت‪.‬‬
‫قد تجد درجة أكرث تطرفا يف إهامل اإلطار أكرث من جعله هالميا أو‬
‫منسيا أو موسميا وهي الدرجة التي يتم فيها التعامل معه مرة واحدة بني‬
‫مؤمترين أو عمليتني انتخابيتني ورمبا فقط عىل الورق مبعنى إن األسامء‬
‫الواردة أما غري حقيقية أوانها مجرد أسامء بال فعال ال باملايض وال باملستقل‪.‬‬
‫الفكرة مهام كانت جميلة أو صحيحة أو مثمرة ال تنترش إن مل يحملها‬
‫شخص أو أشخاص قادرين عىل نرشها بالتبشري والدعوة واالستقطاب لها‪.‬‬
‫أصل الفكرة أن تُلهم ِ‬
‫املرسل وتح ّركه فتهزه من األعامق‪ ،‬وأصل الفكرة‬

‫‪134‬‬
‫عمق بحث أو تنوير‪ ،‬أو رسالة تتبلور نتيجة الوعي والظروف املتغرية –‬
‫أصل فكرة الرساالت الساموية مشيئة الخالق لتحقيق االستخالف بالهداية‬
‫والتوحيد والعقل والدين والعمل – وهذا الرسول أو الناقل أو الحامل‬
‫للفكرة إن استطاع بلورتها بشكل جيد ومن ثم إيصالها لغريه عندها فقط‬
‫نستطيع أن نقول أن الفكرة خرجت من البرئ عرب دلو الرسول ماء سلسبيال‬
‫يروي املتعطشني‪.‬‬
‫املستقطب شخصية محورية يف أي تنظيم – وإن‬ ‫ِ‬ ‫الداعية أو املبرش أو‬
‫كانت الدعوة واالستقطاب مهمة الجميع فال تنجح يف الواقع بها إال قلة –‬
‫ألنه شخصية تتمتع مبواصفات جذابة يف البناء والعرض‪.‬‬
‫ويأيت دور الوعاء أو القناة أو اإلطار ليشكل حاضنة أو مدرسة لل ُدعاة‬
‫– إن سلمنا إن كل املنتمني كذلك أو مدرسة لألعضاء إن كان لهم أدوار‬
‫أخرى مطلوبة‪.‬‬
‫دور الوعاء يف اإلعداد يعني الرتبية والتثقيف‪ ،‬إذ أنه يف ظل سيل‬
‫املعلومات من خالل وسائل التواصل االجتامعي الحديثة قد يفقد اإلطار‬
‫بريقه الرتبوي ما يحتاج من الداعية أو املنظر يف كل إطار إىل جهد‬
‫مضاعف ليقدم الفكرة أو النشاط أو املهمة بشكل ابداعي أو متجدد أو‬
‫ملهم يستطيع أن يحقق الجذب لألعضاء‪.‬‬
‫والكن ال يقترص دوره عىل (اإلعداد) والتثقيف عىل أهميته‪ ،‬وإمنا أيضا‬
‫عىل اعتباره مساحة متاحة للحوار والتخطيط والنقاش كام هو لتلقي‬
‫الرسمي من الوضع السيايس وبوابة االطالع عىل حقيقة األخبار التنظيمية‪،‬‬
‫كام أن اإلطار يحتاج لبناء عالقات أخوية تأخذ باالعتبار القيم الخلقية من‬
‫محبة واحرتام وتواصل يشمل أعضاء اإلطار ليمتد إىل األطر األخرى وإىل‬
‫الجامهري‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫من األهم‪ ،‬العضو أو املؤتمر؟‬
‫إن كان املؤمتر ‪-‬أي مؤمتر قيادي‪-‬هدف كل الكوادر (يف املساحة‬
‫الجغرافية أو ضمن معطيات الحضور) مبعنى الحضور جسديا فكأننا‬
‫نحصرُ الفكرة وتجلياتها بإطار محدد يتم تحميله أكرث مام يحتمل يف‬
‫حقيقة الواقع املتطور‬
‫بينام ما يجب أن ندعو له هو تعزيز فكرة الحضور للكادر بالرأي‬
‫واملشاركة والتواصل سواء أكان جسديا حارضا أم ال (جنبا إىل جنب مع‬
‫التثقيف الذايت والجامعي ضمن اإلطار وخارجه دوريا)‬
‫ملاذا نقول ذلك؟‬
‫ألن الفكرة أو الرأي أو الفعل يف ظل وسائل التواصل اليوم قابلة‬
‫للوصول والتبني من عدمه‪ ،‬بقدرتها عىل النفاذ شاء الشخص يف املوقع‬
‫رصح بذلك أم رفض‬ ‫املتقدم أم رفض‪ ،‬وتؤثر فيه أ ّ‬
‫إمنا السؤال اآلخر هو‪ :‬ما إمكانية أن نصل إىل مرحلة نستطيع بها أن‬
‫نحول الفكرة ‪-‬أي فكرة صالحة‪ -‬لدى الكادر لتصبح تسري عىل األرض؟ إن‬
‫مل نكرسها أوال!‬
‫الفكرة تتفاعل مع غريها‪ ،‬فتزيد وتنقص وتتعدل‪ ،‬لكنه يف ظل هيمنة‬
‫فكرة «التقليص» ال «التوسيع» يف عدد الحضور املشارك يف املؤمترات‬
‫القيادية يف التنظيم‪-‬أي تنظيم‪ ،‬فإن علينا أن نجد حال؟‬
‫ألنه تطغى اليوم «الفرضية القدمية» التي تقول أن الحوار والثقافة‬
‫والقرار ال يتخذ إال باإلطار فقط (املؤمتر‪ /‬اللجنة العليا‪ /‬القيادة أو اإلدارة‬
‫العليا‪ /‬اإلطار)؟!‬
‫بينام يف حقيقة األمر أن هذا الشكل القديم التخاذ القرار‪ ،‬أي أنه‬

‫‪136‬‬
‫يتخذ فقط باللجنة (اإلطار) قد تجاوزته ال ِتقانة الحديثة‪ ،‬كام تجاوزته‬
‫قدرات اإلبداع والتغيري‪ ،‬وتأثريات املحيط يف الحركات الشبابية واملبادرات‬
‫الكادرية يف التنظيم السيايس واملجتمعي التي فرضت نفسها عىل طاولة‬
‫صاحب القرار أو فرضت نفسها عىل جدول أعامل أي مؤمتر‬
‫املعنى أننا يجب أن نفكر معا كيف نوصل فكرنا ورأينا عرب العمل‬
‫عىل األرض‪ ،‬ما هو أوىل من أن نغرق يف قصة هل لنا مكان يف مؤمتر اإلقليم‬
‫أو املنطقة أو املؤمتر العام‪.‬‬
‫ألنه دون تكريس عمل عىل األرض‪ :‬مبادرة وعطاء وعمل يومي‪،‬‬
‫وإنجاز‪ ،‬فإن الفكرة املهيمنة ستظل فكرة الحرص للقرار (والنفوذ) يف‬
‫نطاقه الضيق ما هو معاكسة للعرص والتقدم الحاصل‪ ،‬ما يقابله فكرة‬
‫املظلومية واإلنحسار واالبتعاد والسوداوية ملن ال يضُ مه إطار محدد خاصة‬
‫إطار علوي وباألخص يف املؤمترات (أي يف قمة الهرم التنظيمي)‬
‫إن األصل يف الثقافة الحركية يجب أن تكون ممثلة يف‪ :‬بناء العضو من‬
‫حيث هو عضو‪ ،‬إنسان‪ ،‬واالهتامم بأن يقوم بواجباته أوال ليصبح عضوا‬
‫نشطا فاعال وليتحمل مسؤولية مطالبته بحق إسامع رأيه بعد أن يكون‬
‫قد استطاع املرور مبرحلة بناء الذات ‪-‬التي ال تنتهي‪ -‬فبناء الذات مسرية‬
‫متصلة يتعاضد فيها دور العضو مع التنظيم ويتكامل‬
‫إن أهمية العضو ال تأيت من وجوده يف قمة الهرم التنظيمي إطالقا وال‬
‫يجب أن تأيت من حضوره يف مؤمتر أو عدم حضوره له‪ ،‬كام ال يجب أن تأيت‬
‫من مقدار نفوذه داخل اإلطار املعنى مطلقا؟‬
‫فالكثري ممن هم باألطر ومن النافذين ال يزعجون عضوا أو برشا وال‬
‫مبقدار جناح بعوضة ألن ما يفعلونه أو يقولونه هراء‪ ،‬وإن أثر يف جامعة‬
‫وقرار ما‬

‫‪137‬‬
‫إن العمل الباقي يف األرض ويف فلسطني ويف حركة فتح هو العمل‬
‫النافع لفلسطني أوال ما نحتاج منها هي أوال وسام البطولة أو وسام‬
‫التحدي أو وسام املحبة‪.‬‬
‫ثم إننا نحتاج العمل لتسليك القنوات التنظيمية لتصبح مفتوحة‬
‫مبقدار طلب إسامع الرأي ومبقدار رضورة التثقيف ومبقدار الفعل اليومي‬
‫الذي يجب أن نقوم به بال كلل‪ ،‬ومبقدار تواصلنا اليومي واألسبوعي يف‬
‫اجتامع يضمنا ويقرب أفكارنا‪.‬‬
‫إن العضو بأهمية ما يفعل‪ ،‬ويقدم لله ما هو لسعادته يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬والعضو مبقدار ما يقدم لفلسطني وحركة فتح وإرضاء لضمريه‬
‫الحي‪ ،‬ال يهمه فساد الفاسدين‪-‬الذين يقاومهم ويصارعهم حتام‪ -‬ويسري‬
‫واثق الخطوة أبدا‪.‬‬
‫العضو الجندي والعضو امللك‬
‫هل يأيت عىل التنظيم السيايس يوم من الدهر يتعامل فيه مع العضو‬
‫عىل أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس املال) الحقيقي للتنظيم وأنه‬
‫(امل ُك ّرم) و(املستخلف)؟‬
‫وهل يأيت عىل التنظيم يوم من الدهر يتمكن فيه العضو العادي أن‬
‫يفتخر أنه «لصوته» دو ٌر يف تقرير السياسات وأن «لرأيه» اعتبار وأن‬
‫«لنشاطه» «تقدير»‪ ،‬وأنه يستطيع أن يحقق يف إطاره «املكانة» التي‬
‫يبتغيها من خالل قيامه «بالدور» الذي يرتئيه واملتوافق مع ذاك الدور؟‬
‫نكاد نجزم أن الفرتات التي كان يعترب بها التنظيم «وقود» الثورة‬
‫مبعنى «املجاميع» التي يتم تحريكها دون إرادة منها أو مشاركة‪ ،‬قد وىل؟‪.‬‬
‫ونكاد نقرر أن العرص الذي كان يتم النظر فيه إىل العضو أو الفرد يف‬
‫الجمهور باعتباره «مادة» الثورة قد وىل؟ فاملادة واملجاميع والوقود ت ُعامل‬
‫‪138‬‬
‫مع ُجموع كأنها واحد وتعامل مع حشود ال جامهري تفكر ولها مطالب‬
‫وآراء من الرضوري أن توضع يف امليزان‪.‬‬
‫إن العرص الذي كانت فيه الفكرة تلتمع برأس (املفكر) أو (القائد) أو‬
‫(امللهم) أو املدير الجهبذ مل تعد قادرة عىل الصمود لتمثل معنى اإلبداع‬
‫الحرصي‪ ،‬فكل شخص ميتلك االمكانيات والقدرات ويتعب يف بناء ذاته من‬
‫املمكن أن يصبح مفكرا أو مبدعا أو إيجابيا أو منفّذا أمينا أو ُملهام يف‬
‫أعامله وأفكاره لذاته‪ ،‬وملهام لغريه‪ .،‬أي أن اقتصار الفكر واإلبداع واإللهام‬
‫عىل فئة محددة تشري إىل املجاميع‪ /‬الجامهري مبا هم كتلة صامء هو عرص‬
‫قد وىل‪.‬‬
‫إن أهمية املجموع الواعي مبعنى الهيئة العامة للتنظيم أو مبعنى‬
‫الجامهري لحزب أو مؤسسة مفهوم قابل للحياة يف إطار احرتام الحزب‬
‫بقوانينه وتياراته وهياكله ونشاطاته دميقراطيته للعضو‪ ،‬وللشخص‪ ،‬وهي‬
‫أهمية تقتيض إعادة النظر يف التعامل مع أعضاء الحزب من أنهم كتلة‬
‫صامء أو مجاميع أو حشد أو مادة إىل التعامل مع كل منهم كإنسان ذو‬
‫قيمة يشكل رأسامل التنظيم أو الحزب وهو املك ّرم ألنه املستخلف عىل‬
‫أمانة التنظيم بعدنا‪.‬‬
‫أما أهمية العضو التي يجب أن تُصاحب الهيكل‪ /‬اإلطار التنظيمي‬
‫من أسفل إىل أعىل أي من النواة األوىل مبعنى الخلية أو الشعبة فتربز‬
‫من خالل طريقة النظر للعضو ثم طريقة التعامل معه فال يعاين من‬
‫االرتباك أو الخشية أو اإلهامل أو التجاهل كام ال يجب أن يعاين من الظلم‬
‫واالستبداد واإلقصاء‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫آليات تمكني العضو‬
‫إن النظرة الصحيحة للعضو تأيت من خالل متكينه عرب سلسلة من‬
‫الخطوات كالتايل‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن ميتلك املعلومات عن الوضع السيايس بشكل دوري‪ ،‬من إطاره‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن يُن ّمي ذاته ويطور قدراته بنفسه‪ :‬بالتجربة والقراءة والتطبيق‪،‬‬
‫وبالحث واملتابعة لذلك من إطاره‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن ميارس حقه بإبداء الرأي بحرية تامة داخل إطاره‪.‬‬
‫‪4 .4‬أن تُسند له األعامل والنشاطات وامل ُهامت التي تتناسب مع قدراته‬
‫ويقتضيها الحدث‪.‬‬
‫‪5 .5‬أن تتم مساعدته بأن يُقدم من وقته ومن جهده ومن ماله اشرتاكه‬
‫الدوري يف سبيل التنظيم والعمل‪.‬‬
‫‪6 .6‬أن يطرح أفكاره ومشاريع عمله ويشارك يف صنع الخطط والقيام‬
‫بالنشاطات يف إطاره‪-‬خليته‪ /‬شعبته‪ /‬لجنته‪.‬‬
‫‪7 .7‬أن يقدم املقرتحات والتوصيات ومشاريع العمل عرب إطاره لألطر‬
‫األعىل ويتلقى الرد أن سلبا أو إيجابا دون إهامل أو تقصري أو‬
‫استهتار‪.‬‬
‫‪8 .8‬أن يتعلم كيف يفكر مبنهجية التنظيم وأسلوب عمله‪ ،‬بان تصقل‬
‫شخصيته بالندوات والدورات والتدريب والتكليفات‪.‬‬
‫‪9 .9‬أن يحس بأنه مثني‪ ،‬وأنه محرتم وأنه يكافأ إن أحسن‪ ،‬ويجازى‬
‫بالقانون إن أساء‪.‬‬
‫‪1010‬أن الحد األدىن ملامرسة العضو الفاعل التي تستجلب رضاه الذايت‬
‫ورضا التنظيم‪ ،‬ورضا الله سبحانه قبل ذلك‪ ،‬أن يعرب عن فكر‬
‫‪140‬‬
‫التنظيم وقراراته بال مواربة‪ ،‬بل ويفتخر بذلك‪ .‬وان ينتقد يف اإلطار‪،‬‬
‫ويف املقابل أن يُصان رأيه فال يُسفّه‪ ،‬وأن يتم إرشاكه يف القرارات‬
‫املصريية داخل شعبته أو إقليمه أو يف الحركة عامة‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫وحسب النظام بواحد من طرق ثالثة‪ :‬إما عرب صوته يف االنتخابات‬
‫أو عرب تنفيذه للقرارات وقيامه بالنشاطات التي يُثاب عليها‪ ،‬أو‬
‫باالحرتام واالعتبار لرأيه مهام كان مخالفا ما دام ملتزما بآداب‬
‫الحوار والحديث ويف إطاره ال عىل صفحات «الفيسبوك» وغريه من‬
‫وسائل التواصل االجتامعي عرب الشابكة‪ ،‬أو يف الشارع‪.‬‬
‫عدد أم دور ومكانة‬
‫إن قيمة العضو ضمن (املجاميع أو الحشد أو الكتلة الصامء) هي‬
‫احتسابه عددا يُضاف لألعداد األخرى‪ ،‬أما أهميته ضمن التنظيم أو يف‬
‫إطار الجامهري فتتجىل بأن له دور محدد (عمل ومهمة وتكليف‪ )...‬وله‬
‫مكانة وله رأي محرتم والفرق بني منهجي التفكري كبري‪ ،‬كالفرق بني الخادم‬
‫اململوك الذي ليس له من أمره شيئا وبني السيد الحر املالك ألمره فاألول‬
‫عبارة عن منفذ أمني بال عقل وال روح والثاين هو املنفذ األمني ولكن‬
‫بعقل وإميان وروح‪ .‬ولسنا يف هذا الزمان ممن يقبلون ألنفسهم أو لغريهم‬
‫التس ّيد عىل أحد وكام قال الله تعإىل (وجعلناكم ملوكا‪-‬املائدة‪ )20‬مبعنى‬
‫أحرار كام جاء يف اآلية الكرمية‪.‬‬
‫إن الفكرة العظيمة تظل حبيسة العقل إن مل تجد لها قنوات أو دعاة‬
‫مبرشين يستطيعون أن يحملون عبء هذه الفكرة‪ .‬وهنا يأيت دور العضو‬
‫األسايس‪ ،‬فهو إن كان مؤمنا اميانا يقينيا بالفكرة والهداف بذل يف سبيل‬
‫تحقيقها الكثري من عقلة وجهده وإمكانياته ووقته بل ومن ماله‪ ،‬وليك‬
‫تستطيع أن متتلك عقول وقلوب الناس واألعضاء فعلينا أن نحقق معادلة‬
‫الحرية واالحرتام والدور‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫إن الحرية للعضو تتجىل يف إتاحة املساحة الكاملة له يف إطاره‬
‫التنظيمي «الذي يجب أن يكون موجودا وإال أصبح العضو يرصخ خارجه‬
‫وحينها يصبح اللوم موجها ليس له وإمنا للمسئولني» ليقول ويصول ويجول‬
‫يف إطار التزامه الكامل بالفكرة والقانون والقرار‪ ،‬ويف إطار سعيه لخدمة‬
‫الفكرة والقرار والقانون‪.‬‬
‫االحرتام الواجب للدور‬
‫معبا عنه باملهمة (العمل‬
‫أما االحرتام الواجب فهو بان يكون «الدور» رّ‬
‫أو النشاط أو التكليف املوكل به) الذي يتعاطى مع قدراته وإمكانياته‬
‫ورغباته مبا ال يتعارض مع برنامج اإلطار وقرارات الحركة‪ ،‬وكام يكون‬
‫االحرتام للدور بالعمل والنشاط املقياس الحقيقي لاللتزام العضو فإنه أيضا‬
‫يُعرب عنه مبقدار تحليه بالقيم السامية واألخالق الحسنة فكيف استطيع‬
‫أن أطلب من الجامهري أو األعضاء أن يحرتموا عضوا شغوال نشيطا قد ال‬
‫يباريه احد يف نشاطه ولكنه يسء الخلق جايف الطباع شتّام ل ّعان ورمبا‬
‫كذاب (حديث الرسول عليه السالم)‪.‬‬
‫ومن هنا يصبح االحرتام مرتبطا بالعمل نعم وباألخالق ثانيا ال انفصام‬
‫بينهام‪ ،‬اذ أنني ال أتعامل مع جهاز الحاسوب الذي ال ميتلك قيام أو أخالقا‬
‫فهو يقوم بالعمل بدقة وأمانة رمبا أفضل من كثريين ولكنه مادة أو أداة‪،‬‬
‫وما العضو يف التنظيم بأداة أو مادة إنه إنسان يُحرتم إلنسانيته ولعمله‬
‫وألخالقه وملدى التزامه يف قياس واجب الوجود يضعه الشخص لنفسه‬
‫ويضعه التنظيم لكل عضو لديه ليتحقق ماذا فعل يف يومه ويف أسبوعه‬
‫ويف شهره فيحاسب نفسه يوميا عىل العمل الخيرّ وعىل االخالق فال يخرج‬
‫من يومه إال وكفّر عن سيئاته وع ّدل من مسلكه ومساره‪ ،‬وأعاد نفسه‬
‫بثوب جديد‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫قلنا أن معادلة العضو واحتسابه فاعال يف إطار التنظيم تتحقق مبقدار‬
‫الحرية املمنوحة حسب النظام وباالحرتام الذي يجب أن يحظى به‪،‬‬
‫وبالدور الذي يجب أن يسند إليه يف رداء األخالق الثورية الكرمية‪.‬‬
‫حُ سن االتصاالت‬
‫إن االحرتام و ُحسن االتصاالت بني األعضاء يف اإلطار وعرب األطر أفقيا‬
‫وعموديا يف الهرم التنظيمي تجعل العضو يحس أنه محرتم أمام نفسه‬
‫ومحيطه ويف التنظيم‪ ،‬وأن ما يقوم به له التقدير‪ ،‬ومبا يجعله يشعر‬
‫بالثقة واالهتامم فال يضطر ألن يخرق انضباط العمل التنظيمي فيجد‬
‫نفسه يغني خارج الرسب وال يتأىت ذلك إال بأن يصبح التنظيم بحق راعيا‬
‫للمبادرات وحفزا للنشاطات ومشجعا للطاقات‪.‬‬
‫إن الحرية واالحرتام واملكانة للعضو يف التنظيم مع كل ما سبق ال‬
‫تتعارض مع العمل املوحد أو العمل املشرتك أو العمل التعاوين الذي‬
‫يجب أن يكون بني أعضاء الفريق الواحد (يف أي إطار أو لجنة) وألن‬
‫الناس خلقوا مختلفني وتتعدد بيئات نشأتهم لزمت عملية البناء الذايت‬
‫والتنظيمي والسيايس والفكري والقيمي‪-‬االخالقي التي تجعل من األعضاء‬
‫بقناعة تامة صوتا واحدا‪ ،‬ويدا واحدة وجسدا واحدا يف مواجهة العدو‪،‬‬
‫ويف مواجهة األخطار‪ ،‬ويف مواجهة الخصوم مع الفوارق يف توقيت وشدة‬
‫املواجهة فقط‪.‬‬
‫جنديّ وملك‬
‫إن معادلة (أش��داء عىل الكفار رحامء بينهم) تستدعي أن ينىس‬
‫الشخص أمام املخاطر تحفظاته أو انتقاداته أو انتكاساته ويضع يده بيد‬
‫من اختلف معه إلزالة ال ُغ ّمة وتجاوز املشكلة‪ ،‬وهنا يصبح العضو عبارة‬
‫عن جندي يف رسية أو كتيبة من كتائب الحق التي ليس للعضو فيها إال‬

‫‪143‬‬
‫السمع والطاعة واالنضباط وااللتزام‪.‬‬
‫إن تبادل األدوار للعضو بني أنه (ملك‪-‬حر) وأنه (جندي‪-‬ملتزم) يف‬
‫لحس كبري باملسؤولية قد ال يستطيع أن يدركه ويعرفه‬ ‫ذات الوقت يحتاج ّ‬
‫ثم يطبقه إال صاحب اإلميان الساطع والثقة الكربى وحامل األمانة املكرم‬
‫الذي يستشعر أنه وأي كان داخل اإلطار مهام عال أو تساوى أو كان يف‬
‫إطار أدىن منه هو يضع عىل كتفيه ثقال كبريا يجب أن يقوم به وال يقرص‬
‫أطلب منه ذلك أو مل يطلب‪.‬‬
‫نعم إن عىل التنظيم السيايس يف هذا الدهر أن يتعامل مع العضو عىل‬
‫أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس املال) الحقيقي للتنظيم وأنه (امل ُك ّرم)‬
‫و(املستخلف)؟‬
‫وعىل التنظيم يوم يف هذا الدهر أن يتيح فيه للعضو العادي أن يفتخر‬
‫أنه «لصوته» دو ٌر يف تقرير السياسات وأن «لرأيه» اعتبار وأن «لنشاطه»‬
‫«تقدير»‪ ،‬وأنه يستطيع أن يحقق يف إطاره «املكانة» التي يبتغيها من‬
‫خالل قيامه «بالدور» الذي يرتئيه واملتوافق مع ذاك الدور؟‬
‫لدى السيايس تصبح الثقافة فعال رضوريا ألنه معني مبخاطبة مساحات‬
‫واسعة ومناذج متنوعة وجامهري ذات اهتاممات وتطلعات متعددة‪ .‬مهام‬
‫كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها ال تشكل عندها أمرا ثانويا‬
‫وإمنا مرتافقا مع نداء الواجب‪.‬‬
‫ولكل شعب أو تنظيم أو جامعة ثقافتها التي من املحقق امتالكها‬
‫لعدد من املقومات هي‪ :‬التعدد والتنوع‪ ،‬االنفتاح واالستفادة من اآلخر‪،‬‬
‫العراقة والتجذر والرتاكم‪ ،‬واألهم من ذلك كام يسرتسل الخويلدي الرباط‬
‫الجامع وتأسيس املشرتك‪ ،‬والتقريب بني وجهات النظر املتباينة‪ ،‬وأيضا‬
‫تحقيق التواصل ومد الجسور بني األجيال‪ ،‬والتجاوز والتسامي عن‬

‫‪144‬‬
‫الخالفات واألمور الجانبية‪.‬‬
‫وملك‪ ،‬حر ومنضبط‪( .‬وجعلناكم‬ ‫جندي ٌ‬‫ٌ‬ ‫إن ابن التنظيم الحق هو‬
‫ات َواألَ ْر ِض‪-‬‬ ‫ملوكا‪-‬املائدة‪ )20 :‬أي أحرارا‪ ،‬وكونه جنديا ( َولِلَّ ِه ُج ُنو ُد َّ‬
‫الس َم َو ِ‬
‫الفتح‪ )٤‬وجنود األرض هم املؤمنني‪ ،‬أي أن العضو الحق ميتلك الحرية‬
‫(بالحوار والتعبري والنقد) يف إطاره‪ ،‬وهو مؤمن بالفكرة ملتزم بعمله‬
‫ينفذه مبحبة وحامسة‬
‫عندما تمطر االنطالقة بسواعد الشباب‬
‫مبناسبة انطالقة الثورة الفلسطينية‪ ،‬وانطالقة حركة فتح استوقفتني‬
‫‪ 5‬مشاهد ذات مؤرش ايجايب عىل متغريات الفكر الفتحوي‪ ،‬والحالة‬
‫التنظيمية والسياسية تحتاج لقراءة أكرث ولدراسة وتعمق‬
‫األوىل أن هناك عددا من الشباب قد بدؤوا يرتبطون بالقيادة الفتحوية‬
‫بشكل ايجايب عرب التسمي بأسامء الشهداء منهم‪ ،‬وأن عىل مواقع التواصل‬
‫االجتامعي ما يؤسس لرضورة القراءة والبحث واالقتداء بهم باالستدالل‪.‬‬
‫والثانية أن هناك جيل جديد يك ّرس ه ّمه للعمل فقط دون جعجعة‬
‫أو تكاسل أو احباط‪ ،‬ما هو سمة حركة فتح التي قدمت العمل باملبادرة‬
‫والتواصل واإلب��داع‪ ،‬ورأيت من هؤالء مشاريع دعم لفئات عديدة يف‬
‫املجتمع من فقراء ومسنني‪ ،‬عدا عن مشاريع مفرحة حقا موجهة لألطفال‬
‫أو ملقاطعة البضائع من املستوطنات ما قالوه ونفذوه‪.‬‬
‫واملشهد الثالث هو إنشاء عدد من الكوادر الفتحوية وخاصة من‬
‫الشباب والشابات ملؤسسات وجمعيات ولجان وحمالت تطوعية ناجحة‬
‫يف فلسطني تدلل عىل رغبة العطاء ليس داخل الحركة فقط وإمنا لكل‬
‫املجتمع الفلسطيني‪.‬‬
‫أما املشهد الرابع فكان هو بروز عدد من الكتّاب الشباب من الحركة‬
‫‪145‬‬
‫الذين نجحوا بأن يحفروا أسامءهم يف سجل الصحافة واإلعالم والحركة‪،‬‬
‫وهم من ذوي التفكري العلمي والنقدي االيجايب‪ ،‬أو االبداعي التعبوي يف‬
‫كل من قطاع غزة والضفة وأيضا من الخارج‪.‬‬
‫أما املشهد الخامس فكان حجم الفرح امل َع رِّب عن االنتامء الذي الحظته‬
‫لدى قطاع كبري من الكادر ومن الشباب مبسرية الدميقراطية واالستنهاض‬
‫الحريك الداخيل – عىل ما لدينا من انتقادات كثرية عليه – وعىل عقد‬
‫املؤمترات التي رأوها اسرتجاع لدور الحركة والحركيني يف أخذ زمام أمورهم‬
‫بأيديهم بالتواصل واملشاركة الفاعلة‪.‬‬
‫إن اإلمساك بالقلم واملعول كام اتخاذ القدوة والعمل املنظم املثمر‪،‬‬
‫واالنتامء باملشاركة من املشاهد النابضة بالحياة التي سطّرها الشباب اليوم‬
‫الذين يرسمون شكل السحابات املاطرة يف بستان حركة فتح وفلسطني‬
‫اليوم وغدأ‪.‬‬
‫إن االنطالقة مشعل نور لتحرير كل فلسطني‪ ،‬وهي قنديل أمل ييضء‬
‫درب الفدائيني‪ ،‬وهي صفصافة شابة صامدة يف مواجهة عتو الرياح‪ ،‬وهي‬
‫خندق مواجهة للواقع االحتاليل الفاسد‪ ،‬كام هي الخالصة لقوة االستمرار‬
‫الثورية األكيدة التي أنتجت مزيج الثبات عىل املبدأ والوحدة الوطنية‪ ،‬ما‬
‫نحدب عىل تكرسه يف فعل وفكر ونفس الشباب لتظل النار وقادة‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫اخلطاب مبناسبة اليوبيل الذهيب‬
‫(‪((2‬‬

‫االنطالقة ال‪ 50‬للثورة الفلسطينية العمالقة‬


‫وحركة «فتح»‬

‫تنسج من خيوط الليل املسبلة ضياء‬ ‫يف البدء تجلت فلسطني‪ُ ...‬‬
‫الروح‪ ...‬ولهباً وعواصفا و ِعزة‬
‫أنا قد كرست القيد قيد مذلتي‪ /‬وسحقت جالدي وصانع نكبتي‬
‫(‪((2‬‬
‫ونسفت سجني وانطلقت عواصفاً‪ /‬لهباً يدمدم تحت راية ثوريت‬
‫يف الجو املشحون واملأزوم واملضطرب املم ّهد للنكبة الكربى يف تاريخ‬
‫األمة‪ ،‬يف هذا الجو امللئ بحصاد من الرش املحيط باملنطقة العربية عانت‬
‫فلسطني األم ّرين من االستعامر والتهويد معا‪ ،‬مع ما القته من االستهانة‬
‫السابقة من الحكام العثامنيني ثم العرب‪ ،‬إىل ان أوقعت بريطانيا فينا‬

‫‪ -22‬الكلامت يف املهرجان يف مدينة برلني كانت لألخوة عوض حجازي ومحمد بركة‬
‫والسفرية خلود دعيبس‪ ،‬وكلمتنا هذه بني أيديكم (أعيد صياغتها مبا يتناسب مع طبيعة‬
‫كل مهرجان من حيث الطول والقرص)‪ ،‬وكلامت لعدد آخر من األخوة الكرام يف الفصائل‬
‫العربية والفلسطينية واملتضامنني يف برلني‪ ،‬ثم يف املهرجان يف مدينة كريفلد يف الغربـ‪،‬‬
‫ومن ثم عقدت ندوة للكوادر يف فرانكفورت يف اليوم التايل‪.‬‬
‫‪ -23‬من أناشيد الثورة الفلسطينية من تأليف األخ سليم الزعنون‪ ،‬عضو اللجنة املركزية‬
‫لحركة فتح‬
‫‪147‬‬
‫وبالتعاون مع العصابات اليهودية نكبة فلسطني عام ‪ ،1948‬وبذا متكنت‬
‫صهيونية هرتزل أن تحصل عىل األرض والشعب (يف أرض فلسطني)‪ ،‬وأن‬
‫تحصل عيل الحق القانوين (الرباءة) من قبل األمم املتحدة بإنشاء دولة‬
‫لليهود من أجناس وقوميات شتى ألول مرة لهم يف التاريخ يف أرضنا نحن‬
‫أرض فلسطني التي مل تطأها أرجل هؤالء أو أي من أسالفهم أبدا‪.‬‬
‫مناخ الفشل العربي‬
‫يف هذا الخصم املتكالب تنازعت الحركات واألح �زاب الوليدة يف‬
‫املنطقة العربية أمنيات وآمال الوحدة العربية‪ ،‬ورغبات البناء األممي‬
‫االش�ترايك‪ ،‬وأحالم الوحدة اإلسالمية‪ ،‬فقامت تنظيامت وأح�زاب عدة‬
‫انشغلت بشعاراتها وبنائها النظري الفكراين عن حقيقة امليدان وآالم‬
‫الناس وطموحاتهم‪ ،‬فأعاشت األمة والشعب الفلسطيني يف دوامة االختيار‬
‫ما بني مشاريعها املتعددة بعيدا عن فلسطني كأولوية‪ ،‬هذه املشاريع‬
‫التي فشلت جميعها فيام لحق منذ زمن (الشيوعية والقومية العنرصية‬
‫واإلسالموية)‪.‬‬
‫يف مناخ النشأة املمهد لحركة فتح‪ ،‬رفعت األنظمة العربية الضعيفة‬
‫حديثة النشأة املرتبطة باالستعامر ‪-‬رغم التآمرات الغربية والدولية‪-‬رفعت‬
‫راية الفشل مبكرا عرب إشهارها سيف األحالم الوردية (القومية العنرصية‪،‬‬
‫واإلسالموية والشيوعية األممية)‪ ،‬إذ جعلت الهدف كبريا جدا ليك يعيش‬
‫اإلنسان العريب يف بحرها املتالطم‪ ،‬وال يدرك حقيقة أن الشعار العميل‬
‫مبقدار حاجته‪ ،‬ومبقدار قدرته عىل التحقيق‪ .‬وعندما حكم هؤالء دوال يف‬
‫املنطقة يف ظالل سيوف األحالم الوردية أوقعوها يف ظلم الحزب وساديتّه‬
‫واستبداده تحت غطاء شفاف وكاشف اسمه تحرير فلسطني‪.‬‬
‫فشلت األنظمة العربية يف عالقتها القضية الفلسطينية خاصة يف أمرين‪،‬‬

‫‪148‬‬
‫األول‪ :‬فشلت أن تطمس الشخصية الفلسطينية والكيانية املوحدة سواء‬
‫عرب الشعارات الرباقة التي روجت لها‪ ،‬أو عرب االغراءات والتهديدات‪ ،‬كام‬
‫فشلت ثانيا في كسر الإرادة الفلسطينية الوطنية التي عبرت عن ذاتها‬
‫من خارج الأحزاب وخارج الحكومات الرسمية فكانت حركة التحرير‬
‫الوطني الفلسطيني ‪ -‬فتح‪.‬‬
‫يف ظل فشل األنظمة ظهر الثوريون بجالء كجمال عبد الناصر‪،‬‬
‫وهواري بومدين فانترص االثنان للشعب وللقضية ورصخا طويال معلنني‬
‫صعود نجم «الظاهرة النبيلة»‪ ،‬وقال الرئيس الجزائري الراحل هواري‬
‫بومدين معلنا ذلك للحكام العرب يف أحد املؤمترات العربية غاضبا‪ :‬لكم‬
‫أن تنظروا لفلسطني كصاعق التفجري يف املنطقة‪ ،‬أو تعتربونها قبلتكم‪ ،‬وأنا‬
‫أرى أن ليس لكم إال أن تدعموها ألنني مع فلسطني ظاملة أو مظلومة‪.‬‬
‫ورد عليه أمري الشهداء خليل الوزير بالقول‪ :‬أن من يتخذ موقفا مؤيدا‬
‫أو يرمي حجرا تجاه االحتالل الصهيوين فنحن نحبه‪ ،‬فكيف مبن يفعل أكرث‬
‫من ذلك؟‬
‫الشخصية الفلسطينية ثالثية الصفات‬
‫كانت ظروف النشأة لحركة فتح ممتدة لجذر الهيمنة االستعامرية‬
‫االنجليزية عىل فلسطني‪ ،‬فاستفادت الحركة من كافة الثورات منذ العام‬
‫‪ 1919‬فصاعدا وخاصة من ثورة ‪ 1936‬ومن تجربة الشيخ عز الدين‬
‫القسام ومن تاله من كبار القادة املجاهدين‪ ،‬فأنشدت أنا قد كرست القيد‬
‫قيد مذلتي كام أنشدت(‪:((2‬‬
‫ُمرسبالً بك يا جراحي‬ ‫سقطت عىل الرتاب‬
‫ُ‬ ‫أنا إن‬
‫ومال يف جنبي سالحي‬ ‫وتدفقت مني الدما ُء‬

‫‪ -24‬من أناشيد الثورة الفلسطينية وحركة فتح‪ ،‬منذ البدايات‬


‫‪149‬‬
‫الحامئات عىل البطا ِح‬ ‫وتلقفت جسدي الطيو ُر‬
‫فيا أخي أمتم كفاحي‬ ‫هذا طريقي يف الكفاح‬
‫كام كان للهجرة اليهودية ومامرسات العصابات الصهيونية‪ ،‬وما قامت‬
‫به من اقتالع وإرهاب وقتل أن أدى إىل مقاومة شديدة باسلة‪ ،‬بينام‬
‫المسرح كان قد تهيأ والقتلة اقتسموا دماء الفريسة ما أدى إلى طرد‬
‫ولجوء وإحباط وحالات يأس‪ ،‬لكنه مع ذلك حفر في عقل الفلسطيني‬
‫عميقا عقيدة العمل لانتزاع الأمل وليس الأمل بلا عمل‪.‬‬
‫إىل ما سبق كان للهجرة اليهودية‪ ،‬وما قابلها من اقتالع ولجوء وإحباط‬
‫أن ُح ِفر يف عقل الفلسطيني عقيدة العمل النتزاع األمل وليس األمل بال‬
‫عمل‪.‬‬
‫يقول الله تعإىل يف محكم التنزيل ضمن ‪ 550‬آية تحث عىل الفعل‬
‫والعمل ﴿وقل اعملوا فسريى الله عملكم ورسوله واملؤمنون﴾ (التوبة‪:‬‬
‫‪ )105‬ما استقر يف الخلفية الدينية‪-‬الثقافية للمؤسسني والرواد الثوار‪ ،‬ويف‬
‫حركة فتح كمبدأ الحقا‪.‬‬
‫ويقول الفيلسوف االملاين «فيخته»‪( :‬إدراك النفس لذاتها ولقدراتها‬
‫بعد توعيتها ال ميكن أن يتحقق إال من خالل مقارنة بني الذات ونقيض‬
‫الذات أي بني النفس والخارج‪ ،‬كام انه ال ميكن أن يتحقق دون اعتامد‬
‫الذات عىل مقاييسها التي فطرت عليها واإلميان بها والثقة بإمكانية‬
‫استثامرها)‪.‬‬
‫من هذا الواقع األليم‪ ،‬وب ُحسن اإلدراك قرر الفلسطينيون وحركة فتح‬
‫ضمن الطليعة املناضلة‪ ،‬أن تكون الشخصية الفلسطينية متكاملة التكوين‬
‫بعيدة عن اإلحباط والسلبية والشاشة السوداء‪ ،‬وبعيدة عن الشكوى‬
‫والذلّة‪ ،‬فبنيت الشخصية التي تش ّمر عن ساعد الجد‪ ،‬املعتمدة‬ ‫واالندحار ِ‬

‫‪150‬‬
‫عىل ذاتها من خالل البيئة الطاردة يف املخيامت التي جعلت من األهل‬
‫يسعون جاهدين لدفع أوالدهم ليحققوا أحلامهم عبرهم من خلال‬
‫تعليمهم وإن عروا وأفقروا ومنعوا اللقمة من افواههم وظل مفهوم‬
‫التعليم هذا ثابتا في الشخصية الفلسطينية حتى اليوم‪.‬‬
‫أما ثانيا وكثمرة لهذا البناء االبداعي املقاوم لظروف القهر فلقد اعتمد‬
‫أبناء املخيامت عىل ذاتهم بأن انساح كثير منهم في الأرض يبحثون عن‬
‫لقمة العيش الكريم بعيدا عن بطاقة اللجوء‪ ،‬ويبنون ذاتهم ويدعمون‬
‫عائلاتهم في الوطن أو الجوار حيث مخيمات اللجوء‪ ،‬ويف نفس الوقت‬
‫يسهمون بعلمهم وعملهم ببناء دول األمة الناشئة ما كان لهم به أيادي‬
‫بيضاء‪.‬‬
‫أما ثالثا فلقد استطاعت الابداعية الفلسطينية وحركة فتح إن تنقذ‬
‫الشخصيته الفلسطينية من الذوبان في المحيط الأكبر‪ ،‬وتنتشلها من‬
‫محاولات طمسها ببعث القاعدة النضالية الوطنية فيها بالتكرس وأعطاء‬
‫الاولوية والتخصص في الكفاح الموجهة أساسا لفلسطين لا لأي قضية‬
‫(كبرى) أخرى‪.‬‬
‫التجارب الثورية‬
‫احتضنت حركة فتح منذ أواخر الأربعينيات وعلى الفترة العشرية‬
‫الممتدة من ‪ 1957-1947‬تجارب الشعوب العربية الثورية كلها‬
‫(الثورة المصرية‪ /‬الجزائرية‪ /‬التونسية) وتجارب الشعوب الآسيوية‬
‫(الصينية‪ /‬الفيتنامية‪ /‬الكورية) وتجارب الشعوب الامريكية (الثورة‬
‫الكوبية)‪ ،‬وألحقتها حديثا بتجربة جنوب افريقيا‪ ،‬كما استمدت عمقها‬
‫الحضاري العربي الإسلامي من انتمائها الأصيل الممتد في عمق تاريخنا‬
‫القديم والحديث ليس فقط منذ وقع الشيخ عزالدين القسام أوراق‬

‫‪151‬‬
‫اعتماده كأول مفكر تنظيمي وصاحب مدرسة العمل المرتبطة بالتعبئة‬
‫والتحريض على النضال‪ ،‬وإنما منذ ان قام الشريف ظاهر العمر الزيداني‬
‫يف القرن ‪ 18‬بإنشاء أول دولة فلسطينية يف فلسطني وما حولها يف سابقة‬
‫نشؤ دولة متكاملة مل يكن مثيل لها عند ال ُدخالء القادمني من شتى بقاع‬
‫األرض ينهبون ما ال ميلكون وال ميتون له دينيا أو تاريخيا بصلة‪.‬‬
‫لقد استطاع يارس عرفات وخليل الوزير وأبو اياد صالح خلف وخالد‬
‫الحسن وأبو ماهر غنيم وأبو اللطف وسليم الزعنون وكامل عدوان وأبو‬
‫يوسف النجار ومحمود عباس وزمالئهم الكثري من الرواد‪ ،‬ومن تالهم‪ ،‬أن‬
‫يص ّوبوا بدقة فأصابوا الهدف‪ ،‬إذ ربطوا مجموعة من العالقات املؤثرة مع‬
‫كل من الزعامء‪ :‬تيش جيفارا وماوتيس تونغ وامللك فيصل بن عبد العزيز‬
‫وهواري بومدين وجامل عبد النارص و«هويش منه» والجرنال جياب‪.‬‬
‫قال ياسر عرفات لـ«هوشي منه» قائد الثورة الفيتنامية ذات يوم‪ :‬لنا‬
‫الشرف أن نلتقي ونتعلم من قائد أعظم ثورة في العالم‪ .‬فرد هوشي منه‬
‫قائلا‪ :‬بل أنتم أعظم ثورة في الحقيقة لأنكم تديرون الثورة في منطقة‬
‫النفط‪ ،‬وهي الأشد حساسية في العالم‪.‬‬
‫صنع القادة وال��رواد األوائ��ل ثورة‪ ،‬تنقلت عىل بساط الريح‪-‬وإن‬
‫بصعوبة‪ -‬عرب املراحل بوعي عميق للتجارب تداخلت فيها شتى الرصاعات‪،‬‬
‫وتنقلت بني التاريخ والواقع املتغري بذكاء التنقل بني حقول األشواك‬
‫واختيار أدوات الفعل النضايل‪.‬‬
‫املراحل والتجاوز‬
‫يف البدء‪ :‬كانت السامء حدو َدنا الدنيا‪ ،‬إذ كلّمنا الغيامت والقمر‬
‫وخطبنا ود الكواكب فتنقلنا بني املشرتي واملريخ‪.‬‬
‫منل من‬
‫نكل أو ّ‬
‫ويف مرحلة املد الثوري والعنفوان الجامهريي مل ّ‬

‫‪152‬‬
‫استخدام كافة أشكال العمل العسكري ل ُنس ِمع صوتنا للقايص والداين‬
‫وحتى من به صمم‪ ،‬مصداقا لقول شاعرنا العريب الكبري أبو الطيب املتنبي‪:‬‬
‫َـت كلامتـي مَـ ْن بـه َصمَـ ُم‪،‬‬‫وأس َمع ْ‬
‫أنا الـذي نظـَ َراألعمى إىل أدبــي‪ْ ...‬‬
‫والسيـف‬
‫ُ‬ ‫والليـل والبيـدا ُء تعـرفني‪...‬‬
‫ُ‬ ‫فالخيـل‬
‫ُ‬ ‫مسببا هذا األمر بالقول‪:‬‬
‫والقرطاس والقل ُم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والرمـح‬
‫ُ‬
‫ثم تولدت لدينا مرحلة الواقعية السياسية وخط النضال املرحيل‪،‬‬
‫وهي املرحلة التي نعيشها اليوم‪ ،‬بعد طول جدال نظري وميداين بني‬
‫مدارس وتجارب واجتهادات حركة فتح التي شملت اليمني واليسار وما‬
‫بينهام‪.‬‬
‫ويف املراحل الثالث كان االبداع الثوري املرتبط بالتجدد يستخدم عقلية‬
‫(التجاوز) للقديم واملتهالك واملحبط واليائس و(يقفز) نحو املستقبل يف‬
‫رؤية واضحة للواقع واملتغريات‪ ،‬ونحو األفضل ونحو العنفوان (الثورة)‬
‫جسدت عمال وفعال وكفاحا ما زال حتى اليوم من سامت حركة فتح‬ ‫التي ّ‬
‫التي تؤمن بامليدان‪ ،‬والخطوات املتقدمة بدل من أن تكون يف ذيل الحدث‬
‫تالحقه أو تعلق عليه‪ ،‬بل آثرت حتى اليوم أن تصنعه وتراكمه وتبدعه‪،‬‬
‫ولكنها قد تخطيء وتعطب‪.‬‬
‫ويف ذلك العطب الفتحوي قال العلامة هاني فحص(‪( ((2‬أريد لفتح‬
‫ان تعالج أعطابها‪ ...‬لان فلسطين لا تستغني عنها‪ ،‬وأنا لا أحب فتح لأنها‬
‫جميلة أو طويلة أو غنية‪ ،‬أنا أحب فتح لأنها بنت فلسطين التي تشبهها‪...‬‬
‫ولأنها أم فلسطين التي ت ُشبهها ولا أحب أن يتراجع الشبه بين فتح‬
‫وفلسطين لأن في ذلك حراما بيننا وشبهات لا تبعد كثيرا عن الحرام)‪.‬‬

‫‪ -25‬العالمة هاين فحص كاتب ومفكر كبري‪ ،‬وهو رجل دين مسلم شيعي لبناين مستنري‪،‬‬
‫كان من أوائل من ارتبطوا بالثورة الفلسطينية عىل قاعدة النضال املشرتك‪ ،‬وظل كذلك‬
‫حتى وفاته مؤخرا عام ‪2014‬‬
‫‪153‬‬
‫املشهد اليوم‬
‫إن املشهد بعد خمسني عاما من انطالقة الثورة الفلسطينية وحركة‬
‫فتح الباسلة‪ ،‬املشهد اليوم يف العام ‪ 2015‬مشه ٌد مأساوي ممزق‪ ،‬ومشهد‬
‫أسود حيث دخلنا يف النفق املظلم الذي لطاملا حذر منه الخالد يارس‬
‫عرفات‪ ،‬فاإلرسائيليون يسريون بخطى رسيعة نحو التطرف واليمينية‪،‬‬
‫ألنه يف بضع سنوات سيصبح املتطرفون أو املتدينون يف الكيان الصهيوين‬
‫اليهودي العنرصي هم املمثلني لألغلبية حسب آخر االحصائيات‪.‬‬
‫أما املشهد العريب الكئيب فهو مرشح ملزيد من التمزق والتشتت‬
‫والحروب الطائفية‪ ،‬ومزيد من الضعف‪ ،‬أو اإلضعاف‪ ،‬الذي ميثل هدف‬
‫من أهداف العقلية االمريكية االستعامرية الكربى املهيمنة عىل منطقتنا‬
‫مع أدواتها املحلية التابعة‪.‬‬
‫كام أن املشهد الفلسطيني يف ظل عربات الظالم والرش التي تجرها‬
‫خيول االنفصاليني عن الشعب يبدو غري فاتح اللون أبدا‪ ،‬لذا فرصاعنا هذا‬
‫إن أضفنا له البُعد الفكراين التاريخي مع السيايس الدبلومايس القانوين‬
‫رياح كثرية عاتية‪.‬‬
‫سيشتد إىل درجة قد تعصف بنا خالله ٌ‬
‫ومع ذلك فالرش يف نظر املفكر املعروف (هيغل) ليس كله رشا‪.‬‬
‫«فلواله ملا اكتشف (الناس) الذين يصنعون التاريخ معنى الخري‪ .‬وبالتايل‬
‫فهناك وظيفة إيجابية للرش أو للعامل السلبي‪ .‬وال ينبغي أن نستهني بها‪.‬‬
‫فلوال السلبي ملا كان اإليجايب‪ :‬وال بد دون الشهد من إبر النحل»‪ ..‬فام‬
‫يحصل من كوارث وفواجع اليوم يف العراق أو فلسطني أو اليمن أو ليبيا أو‬
‫سوريا أو كل مكان رمبا كان رضوريا ليك نفتح أعيننا عىل خطورة العوامل‬
‫السلبية يف التاريخ‪ ،‬فنحاول إيجاد مضادات حيوية لها‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫اله ّزات يف حركة فتح‬
‫‪1 .1‬مرت حركة فتح بسلسلة من االنتصارات تجلت يف ‪ 5‬نقاط نوجزها‪:‬‬
‫إنها تجلت يف بناء الذات الوطنية التي جعلت الالجيء فدائيا‬
‫مقداما‪ ،‬وبلورة الكيانية الجامعة‪ ،‬وتكريس خط النضال بكافة‬
‫األشكال‪ ،‬وإبراز الفعل الفلسطيني املستقل ضمن القطار العريب‬
‫الواحد املوحد‪ ،‬وتجلت يف قدرتها عىل انتشال اليأس من صدور‬
‫املحبطني‪ ،‬فبنت طريق الكفاح املسلح يف إطار الحرب الشعبية‬
‫طويلة النفس التي تعانقت مع فكر العمليات االستشهادية‪ ،‬ثم‬
‫االنتفاضات الثالث‪ ،‬وصوال للمقاومة الشعبية التي يجب ان تكون‬
‫شاملة عامة مبنهج ووعاء حاضن ودميومة بال هوادة‪ ،‬نعم هي‬
‫سلسلة انتصارات نرفع بها رأسنا عاليا‪ ...‬ولكن!‪.‬‬
‫‪2 .2‬كرثت فينا الطعنات والرضبات واالخرتاقات من القريب والبعيد‬
‫فأثقل الجسد بالدمامل والطفيليات‪ ،‬وخرجت مرص من معادلة‬
‫املعركة الكربى الفاصلة‪ ،‬فاختار الفلسطينيون يف قراءة الواقع‬
‫واالستفادة منه أن يتبنوا طريق القطاف عرب املساعي السياسية منذ‬
‫العام ‪ 1974‬فكان شعار «العمل العسكري يزرع والعمل السيايس‬
‫يحصد»‪ ،‬وما كان لخروج سوريا والعراق قبل سنوات قليلة من هذه‬
‫املعادلة االقليمية إال تأكيدا عىل املسعى االستعامري من جهة لتفرد‬
‫(إرسائيل) وتحقيق هيمنتها‪ ،‬وتأكيدا عىل صحة الرؤية الفلسطينية‬
‫ملآالت ألمور‪.‬‬
‫‪3 .3‬تعرضت الحركة لهزة كبرية إثر االنشقاق عام ‪ 1983‬املدعوم خارجيا‪،‬‬
‫تحد عنه حتى اآلن‪ ،‬وهو استقاللية القرار‬ ‫رغم أنها كرست مبدأ مل ِ‬
‫الوطني ما ثبتته بالدم أوال‪ ،‬ويف يف مؤمترها الرابع بوضوح عام‬
‫‪ ،1980‬وإن كانت االستقاللية عن أي محور عريب أو اقليمي أو‬
‫‪155‬‬
‫عاملي ترتبط لدى حركتنا بعدم التدخل يف شؤون اآلخرين إال أن‬
‫اآلخرين وبأدواتهم الفلسطينية كانوا يجدون يف الجسد مجال طعن‬
‫وموطن متزيق‪.‬‬
‫‪4‬كانت االنتفاضات الثالث (‪ )2000 ،1998 ،1987‬عملية دافقة يف‬ ‫‪.4‬‬
‫نهرالفعل الثوري املتجدد‪ ،‬ورغم سلبيات شابتها خاصة يف الخواتيم‪،‬‬
‫وأثرت علينا‪ ،‬إال أن عقلية االستفادة والتجاوز الفلسطينية الخالقة‬
‫كانت قادرة عىل اإلبداع دوما‪.‬‬
‫‪5‬ومع دخولنا االجباري ‪-‬إثر هزمية األمة يف حروب الخليج املتتالية‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ -‬يف معرتك مفاوضات مدريد ثم (أوسلو) يف العام ‪ ،1993‬وما نتج‬
‫عنه من اتفاقيات وسلطة أعادت اآلالف لوطنهم وك ّرست بناء‬
‫ألسس الدولة‪ ،‬إال أن بعض مضامني االتفاقيات البائسة‪ ،‬ومع عليائية‬
‫العدو وغطرسته ومامطالتة قد أفرغت الكثري من بنود االتفاق من‬
‫مضامنيه فوقعنا يف منتصف الطريق حائرين مشلولني‪.‬‬
‫‪6‬ثم كانت مرحلة االنقالب الدموي عام ‪ 2007‬من فصيل «حامس»‬ ‫‪.6‬‬
‫لتشكّل معركة اخالقية بامتياز وقفت فيها حركتنا ضد االقتتال‬
‫األخوي‪ ،‬رغم كل يشء‪ ،‬ورغم التحريض املمنهج واملتواصل عىل‬
‫الفتنة ضمن فكر الظالمية واإلقصاء ورفض اآلخر القادم الينا من‬
‫غياهب التاريخ‪ ،‬فلم تقابل حركة فتح عمليات القتل والذبح‬
‫والتعذيب والسحل بالشوارع مبثله‪ ،‬فرضبت مثال عرب التاريخ‬
‫لرفض الفكر الحزيب‪-‬الطائفي الضيق ورفض منطق الدم والتصفيات‬
‫الداخلية ما كان شبيها لنفس النموذج الذي قادته الحركة فرتة لبنان‬
‫(‪.)1983 1971-‬‬
‫‪7‬إن املرحلة الحالية عىل ما رافقها وسبقها من أزمات يف السلطة‬ ‫‪.7‬‬

‫‪156‬‬
‫الوطنية الفلسطينية‪ ،‬ويف تلبية مطالب الوحدة الوطنية‪ ،‬ويف البناء‬
‫السيايس‪ ،‬وطريقة اإلدارة والقيادة التي نختلف يف جوانب فيها‪ ،‬بل‬
‫ويف البناء التنظيمي‪ ،‬وصعوبة الحراك الدويل‪.‬‬
‫إال أن معطيات البناء عىل األرض ما زالت قامئة تستطيع بعقلية‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلبداع و‪ -2‬عقلية التجاوز و‪ -3‬عقلية الثورة معا أن تحقق الثورة‬
‫املتجددة بثوب املقاومة الشعبية الجامهريية الشاملة التي تتعانق مع‬
‫الرصاع الفكراين التاريخي وذاك القانوين الصاعد‪.‬‬
‫حركة فتح واآلخر‬
‫إن ما يحصل مؤخرا من حراك دبلومايس سيايس وقانوين ممثال‬
‫باملقاطعة الفاعلة واملوجعة (إلرسائيل)‪ ،‬وباالنضامم املتالحق واملربمج‬
‫لالتفاقات الدولية أدى ذلك مع كافة تضحيات شعبنا إىل عزل الكيان‬
‫الصهيوين ألول مرة بتاريخه بهذه الكثافة‪.‬‬
‫ومع تواصل املقاومة الشعبية عىل األرض تلك التي تحتاج لشحنات‬
‫أكرب كتلك التي كانت يف صدر رفيقنا الراحل زياد أبوعني‪ ،‬ميكننا القول‬
‫للمجتمع الدويل‪ :‬كفى! كفى صمتا ملن ما يزال كذلك‪ ،‬وكفى خوفا وكفى‬
‫تذبذبا واحسم أمرك مع حقوق الشعوب يف تقرير املصري وبادر وقاطع‬
‫وبادر وكافح وبادر ومزق رداء خوفك‪ ،‬ومعا لعزل الكيان الصهيوين‬
‫العنرصي فالحق أبلج والفجر ال بد آت عىل فلسطني‪.‬‬
‫وزير الخارجية االمرييك «كريي» يف محادثة هاتفية له مع الرئيس‬
‫«أبو مازن» هدده قائال‪« :‬ستخرس سلطتك وستخرس نفسك وستخرس‬
‫حل الدولتني»‪ ،‬وذلك يف محاولة لثنيه عن طرح املرشوع الفلسطيني‬
‫إلنهاء االحتالل‪ ،‬وما انثنى وال الن وال مال‪ ،‬وال انثنينا وال ملنا‪ ...‬ولن منيل‪،‬‬
‫أتعرفون ملاذا؟ ألننا عن حب فلسطني ال نحيد‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫(إن (إرسائيل) تريد معاقبة «أبو مازن»‪ ،‬للتحول الذي نجح به‪ ،‬يف‬
‫اصطفاف املجموعة األوروبية إىل جانب القضية الفلسطينية‪ ،‬ومهاجمة‬
‫هذه املجموعة لالستيطان واملامرسات اإلرسائيلية ضد الفلسطينيني‪،‬‬
‫ومقاطعتها ملنتجات املستوطنات‪ ،‬والتسبب يف عزلة (إرسائيل)‪ ،‬وأدى‬
‫ذلك إىل انحياز دول عديدة لصالح الفلسطينيني‪ ،‬وأن من أهم إنجازات‬
‫الرئيس أبو مازن خالل واليته‪ ،‬تحويل الرأي العام الدويل‪ ،‬ليقف إىل جانب‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬التي كانت حكرا ل (إرسائيل)‪ ،‬وتوظيفها املحارق‬
‫النازية‪ ،‬لصالح مرشوعها الصهيوين‪ ،‬مع أنه ال عالقة ال من قريب وال من‬
‫بعيد للفلسطينيني يف املحارق النازية التي تفعلها هي ضد الفلسطينيني‬
‫(‪((2‬‬
‫وحقوقهم املرشوعة‪).‬‬
‫أما اآلخر الوطني‪ ،‬الشقيق غري الشفوق أو الرفيق بنا‪ ،‬فلقد كان منا‬
‫الصدر الواسع واملِرحاب ما هو سمة الزمة لحركة فتح يف التعامل معه‪،‬‬
‫إذ أن حركة فتح هي التي انضوى تحت لوائها أصحاب مختلف التيارات‬
‫الفكرية لتشكل يف حقيقة األمر مجتمعا فلسطينيا تعدديا وسطيا‪ ،‬جعل‬
‫من وعاء فلسطني وبوصلتها الجامع املانع‪ ،‬فلم تنظر لعرق أو عائلة أو‬
‫طبيعة فكر اجتامعي مادام الغرض املو ِّحد هو االتفاق عىل فلسطني‪،‬‬
‫فدخلها العرب كام الفلسطينيون أفواجا‪.‬‬
‫وك ّرست ذلك يف كل املراحل عرب ‪ 4‬أشكال يف األول منها جعلت من‬
‫ذاتها الحضن الدايفء للجميع من الفلسطينيني والعرب‪ ،‬ثم كرست (م‪ .‬ت‪.‬‬
‫ف) بيتا وكيانية وموئال‪ ،‬اما ملا اشتد الرصاع بني التنظيامت الفلسطينية‬
‫عىل قاعدة الخالفات الفكرانية يف األعوام ‪ 1969-1968‬وما بعدها وقفت‬
‫حركة فتح وقفة الرافض لالقتتال األخوي الداخيل وحمت التنظيامت من‬
‫تصفية بعضها البعض‪.‬‬
‫‪ -26‬من مقال للكاتب غازي السعدي‬
‫‪158‬‬
‫اما ثالثا فإنها مل تبدأ يف قتال املعتدين عليها‪ ،‬أو املنشقني عليها عام‬
‫‪ 1983‬كام رفضت قتال املنقلبني يف «حامس» عىل الرشعية عام ‪2007‬‬
‫الذين حللوا وحرموا وكفّروا وخونوا‪ ،‬وبالتايل كرست مفهوم «أم الولد»‬
‫عرب إتاحة حرية الرأي والفكرة واالختالف فلم تقبل بالرصاصة والسكني‬
‫ُحكام‪ ،‬وكان لنا يف عيل بن أيب طالب ريض الله عنه منوذجا يف عدم االنجرار‬
‫للقتال أو تكفري املخالفني ليعتربهم بغاة أو كام قال ريض الله عنه وأرضاه‬
‫(اخواننا بغوا علينا)‪ ،‬ما فعل عكسه مفتو الفتنة يف «حامس»‪.‬‬
‫ولطاملا كان القائد الفذ‪-‬الرجل الثاين يف حركة فتح‪ -‬صالح خلف‬
‫(أبواياد) يردد دوما ما «قال فولتري لـ جان جاك روسو حني حكمت‬
‫السلطات السويرسية بإعدام كتاب «العقد اإلجتامعي» وكان فولتري ال‬
‫يُقر أراء روسو فيه‪ :‬إننى ال أومن برأيك لكني عىل استعداد ألن أموت‬
‫دفاعاً عن حقك ىف أن تبديه وتعلنه عىل الناس»‪.‬‬
‫وظلت هذه القاعدة الذهبية يف عالقتنا مع املختلِفني داخلنا وخارجنا‬
‫ما حدا بنا للحوار مع املنشقني ثم مع املنقلبني رغم فكرانية (أيديولوجية)‬
‫«االخوان املسلمني» بعمقها القطبي ذات الطابع الحرصي الحق‪ ...‬لها‪،‬‬
‫االقصايئ لآلخر‪ ،‬العليايئ عىل الغري التي ال ترى الحق أو الصواب والقداسة‬
‫اال يف ذاتها دونا عن أمة املسلمني يف ما تسميه عقلية «الفسطاطني»‪،‬‬
‫وصوال التفاقية الشاطيء عام ‪ 2014‬التي أمامها من الضباب الكثيف‬
‫والعوائق ما مينع الرؤية لدى تيار املامنعة للمصالحة يف حركة «حامس»‬
‫املستفيد من الوضع املزري القائم‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫حركة فتح اآلن‬
‫(اقرتبت الساعة وانشق القمر) وال بد لليّل أن ينجيل‪ ،‬والفارس عاجال‬
‫أم آجال سيرتجل‪ ،‬ونحن إذ نعيش يف كل صباح مع تحدي يومي جديد‪،‬‬
‫فإن املطلوب أمامنا كث ٌري لن نحققه بالصف القيادي األول‪ ،‬ولن نحققه‬
‫بالخذالن لبعضنا البعض‪ ،‬ولن نحققه ونحن عىل كرايس املتفرجني يف‬
‫امللعب فعىل الحركة مهامت جسيمة‪ ،‬تجربها أن تنزل دوما إىل امللعب‪ ،‬ما‬
‫يحتاج منا لنقاط مثانية هي‪:‬‬
‫‪1 .1‬يجب إال تعيش حركتنا أبدا عيل أمجاد املايض التليد‪ ،‬وسرية الخالد‬
‫يارسعرفات وصحبه وهي املدد وامل ُلهم نعم‪ ،‬ولكن فعل االقتداء‬
‫واالنحياز لها يكون بالتج ّدد يف ماء النهر يوميا مبا يقربنا من النرص‬
‫األكرب دوما‪( .‬وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح‪-‬األنفال ‪ ،)19‬وع ُد‬
‫من الله كان مفعوال‪.‬‬
‫‪2 .2‬ان تكريس النظام واإلطار املؤسيس الجامعي يف الحركة يجب أن‬
‫يكون ضد عقلية االستبداد والفساد والهوى الشخيص واملكاسب‬
‫املصلحية‪ ،‬ما يعني غسل الثوب كل فرتة وأخرى ونرشه‪ ،‬للتخلص‬
‫مام علق به من أدران‪ ،‬فمن وضع التضحية الفتة عىل باب بيته‬
‫وأمام عينيه‪ ،‬عىل الورق أو يف الحاسوب‪ ،‬وسار عىل الدرب نرحب‬
‫به‪ ،‬ومن جعل من عقيدته هواه ال نهواه وال نجله وال نسري وراءه‪.‬‬
‫‪3 .3‬اننا بحاجة ملراجعات جادة للمسار سواء السيايس بعد ‪ 20‬عاما من‬
‫املفاوضات العقيمة أو بعد تجربة ودميقراطية تنظيمية مل تكتمل‬
‫حتى اليوم‪ ،‬أو بعد بناء سلطة أخذت تنزع نزوعا سلبيا نحو الحفاظ‬
‫عىل ذاتها عىل حساب الوطن واملواطن فتتكتل حولها الحشائش‬
‫الضارة والعفن والصديد‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪4‬إن اعادة البعث أوال ثم البناء ل (م‪ .‬ت‪ .‬ف) وضخ الدماء يف‬ ‫‪.4‬‬
‫هياكلها ومؤسساتها وبوجود كافة القوى الفلسطينية الفاعلة يعني‬
‫انتصارا منا للفكر الوحدوي لحركة فتح ال للعجز الفصائيل‪ ،‬والضيق‬
‫املصلحي واالنتامءات الفوق وطنية اإللهائية‪ ،‬امل ُق ِعدة عن التواصل‪.‬‬
‫‪5‬إن تفعيل البناء الثقايف الفكري يعني إعادة تركيب الرواية التعبوية‬ ‫‪.5‬‬
‫العربية التاريخية الفلسطينية حيث مل يكن لبني إرسائيل القبيلة‬
‫العربية اليمنية املنقرضة وجود عىل أرضنا فلسطني وجغرافيتنا أبدا‪،‬‬
‫وحيث ال يحق ألتباع أي ديانة‪-‬وخاصة اليهودية‪-‬إدعاء انتسابهم‬
‫وكل ظنهم إثم ومخالف‬ ‫ملوطن يظنون أن معتقداتهم تشري إليه‪ّ ،‬‬
‫فعل ثقايف ضخم‬ ‫للعلم والحجر والحقيقة‪ ،‬وما يستدعي منا جميعا ُ‬
‫متواصل ومستمر مع الفعل امليداين والسيايس جنبا إىل جنب‪.‬‬
‫‪6‬إن بناء شكل جديد للكفاح الوطني الفلسطيني يجب ان يكون يف‬ ‫‪.6‬‬
‫ظل (الوعي) واإلدراك لحقيقة املستجدات واملتغريات‪ ،‬حيث تعرث‬
‫أو صعوبة الكفاح املسلح بشكله القديم‪ ،‬وحيث ضعف املقاومة‬
‫الشعبية املوسمية‪ ،‬وحيث فشل أو عقم املسار السيايس لوحده‪ ،‬ما‬
‫يعني أن تحقيق شعار املقاومة الشعبية الشاملة يحتاج منا لهزة‬
‫كبرية يف الفكر والخطط والربامج‪ ،‬كام يحتاج لثالثية االبداع والتجدد‬
‫األصيلة فينا من‪ :‬تجاوز وقفز وثورة‪.‬‬
‫‪7‬ان حركة فتح مل تهمل العامل الخارجي العريب أو الدويل‪ ،‬فهي تؤمن‬ ‫‪.7‬‬
‫بنظرية تهيئة املناخ وتوفري الظروف املناسبة‪ ،‬وبالتحشيد الشعبي‬
‫واالقليمي‪ ،‬وتؤمن بعقلية البدائل والخيارات وبتسديد الرضبات‬
‫يف الوقت املناسب ضمن عقلية استثامر الفرص أو هي يجب‬
‫أن تكون كذلك‪ .‬من هنا كانت العالقات الخارجية ضمن مفاتيح‬
‫العمل القيادي بالحركة منذ كان املفكر العريب خالد الحسن يطوف‬
‫‪161‬‬
‫الربملانات األوربية منظرا للثورة والقضية‪ ،‬ومنذ قام أبوعامر بجعل‬
‫كوفيته املرقطة أيقونة النضال الوطني والعاملي‪.‬‬
‫ولالشارة الهامة هنا كاستطراد نقول أنه‪ :‬يف عام ‪ 1983‬قام «أولوف‬
‫بامله»‪ ،‬بصفته زعيامً للحزب االش�ترايك ورئيساً للحكومة السويدية‪،‬‬
‫بدعوة عرفات لزيارة استكهومل وذلك لالجتامع مع القادة الدميقراطيني‬
‫االشرتاكيني يف الدول اإلسكندنافية‪ .‬وبدأ «بامله» بعد ذلك يحثّ األحزاب‬
‫األوروبية املنضوية تحت لواء االشرتاكية الدولية عىل اإلعرتاف مبنظمة‬
‫التحريرالفلسطينية‪ ،‬جنباً إىل جنب مع املستشار النمساوي «برونو‬
‫كرايسيك» واملستشار األملاين (الغريب) «وييل برانت»‪ ،‬ومن هنا تواصل‬
‫الحراك الديلومايس الذي يتكامل اليوم مع عزل الكيان العنرصي اإلرسائييل‬
‫وجره إىل املحاكم الدولية‪ ،‬والذي يجب استمرار دميومته‪.‬‬
‫‪8 .8‬علينا خلق التوازن بني الواقعية السياسية يف حركة فتح وبني الثورية‬
‫امليدانية عملية فكرانية ثقافية تنتزع وتنتج‪ ،‬وهي عملية يجب أن‬
‫تغرينا نحن اوال‪ ،‬ونغيرّ فيها‪ ،‬فالبداية دوما من عندي‪ :‬يف ذايت وفكري‬
‫ونفيس‪ ،‬وحيث حققت توازين أحقق ذلك يف املصنع واملدرسة‬
‫والحقل‪ ،‬ويف أطر الثورة والدولة القادمة‪.‬‬
‫إن الانسان فينا يجب أن يتحرر من ظلامية الفكرة الآسرة‪ ،‬ومن‬
‫التفاسير والموروث والروايات المخطوفة للسرد التوراتي الخرافي أو‬
‫الظلامي الديني‪ ،‬ويجب أن نقضي وقتا جيدا في ذلك لأن الوعي مفتاحنا‬
‫نحو التقدم والفهم ورؤية الدرب‪.‬‬
‫يجب أن نُنجز واجبنا يف بناء ذاتنا يف الفكر الواقعي املتوازن مع الفعل‬
‫امليداين مهام ثارت العواصف التي ترضب باملحيط‪ ،‬ويف ظل التخيل عنا‬
‫فعليا ويف ظل التغول الصهيوين االمرييك‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫انطلقنا يف مرحلة االنبعاث الثوري والكفاح املسلح وصوال ملرحلة‬
‫ال ُنضج السيايس حيث منو الفكر الثوري الراديكايل مقابل الواقعية‬
‫السياسية‪ ،‬وصوال ملرحلة تكريس التمثيل يف فتح ثم املنظمة‪ ،‬وصوال‬
‫للدولة لنصل ملرحلة نقل الثقل القيادي للوطن‪ ،‬فمرحلة بناء السلطة‬
‫واملؤسسات ومازلنا نجرتح املعجزات ونعقد املقارنات‪ ،‬ونؤسس إلخفاقات‬
‫نعم اخفاقات وانجازات‪ ،‬ما عادالزمن يحتمل منا اخفاقات جديدة‬
‫وتجارب فاشلة وقيادات هزيلة‪ ،‬فإيل أين نحن ذاهبون إن مل تكن فلسطني‬
‫بوصلتنا والشعب مد ُدنا والله نارصنا‪.‬‬
‫(أنا األرض‪ .‬يا أيّها العابرون عىل األرض يف صحوها‬
‫لن مت ّروا)‬
‫إنا هنا باقون)‬
‫(فلترشبوا البحرا‬
‫نحرس ظل التني والزيتون‬
‫ونزرع األفكار‪ ،‬كالخمري يف العجني‬
‫برود ُة الجليد يف أعصابنا‬
‫ويف قلوبنا جهنم حمرا‬
‫إذا عطشنا نعرص الصخرا‬
‫ونأكل الرتاب إن جعنا‪ ..‬وال نرحل)(‪.((2‬‬
‫ُص ّناع التاريخ‬
‫إن فلسطني التاريخ والقضية والجغرافيا ليست وليدة اليوم بل ُص ِنعت‬
‫‪ -27‬للشاعر سميح القاسم‬
‫‪163‬‬
‫من غابر العصور‪ ،‬فالبلد التي أرشقت بنور الحضارة مل تقبل الغزاة أبدا‪،‬‬
‫وعاشت بسالم وتقبلت كل من أعلن الوالء لها‪ ،‬مل تلفظ أحدا إال من‬
‫استكرب وعال‪ ،‬وإال من طغى وتجرب‪ ،‬لذلك تجد جبال فلسطني ووهادها‬
‫تنطق بالحب والصفاء والسالم فتنرشه أريجاً يع ّم أنحاء العامل‪ ،‬هكذا كانت‬
‫فرشفها السيد املسيح عليه السالم برسالة املحبة والسالم العاملي‪ ،‬وهكذا‬
‫سنكون يف فلسطني األرض التي نشأنا وفيها سنموت بعد ان نقيض يف‬
‫حياتنا سعيا إلعامر هذه االرض وتحريرها من البغى والظلم والعدوان‬
‫شعب صلب صام ٌد أ ّيب‪ ،‬كان‬ ‫ٌ‬ ‫واألرهاب واالحتالل‪ ،‬فالشعب الفلسطيني‬
‫مستقرا هنا يف فلسطني منذ األبد‪ ،‬وسيظل إىل أن يرث الله األرض ومن‬
‫عليها‪ ،‬أنها األرض التي مل نعرف غريها ومل تعرف غرينا‪ ...‬فإن كنتم يف ريب‬
‫من ذلك اسألوها بصوت عا ٍل وستسمعون الجواب الحق‪.‬‬
‫ثالثة صنعوا يف التاريخ الفلسطيني الحديث منارات شاهقة وعالمات‬
‫بارزة تطل علينا ب ُعل ّوها كلّام أبحرنا تجاه فلسطني أو مررنا بسامئها أو‬
‫حللنا بني أغصان زيتونها وبرتقالها والنخيل‪.‬‬
‫كان «محمد يارس» عبد ال��رؤوف عرفات القدوة الحسيني أول‬
‫املنارات التي سعت لتسلق الجبال منذ الصغر‪ ،‬فطاردت الرياح وسبقت‬
‫وشوشات الربتقال وعانقت عروق املريمية‪ ،‬وسبحت يف بحر يافا وغزة‬
‫فولد يارسعرفات قامة سامقة ليجعل من ُحلمه واقعا‪ ،‬وهكذا دأب العرب‬
‫الفلسطينيون الثائرون‪.‬‬
‫ٌدسنا نحن العرب‬ ‫يارس عرفات منذ وطأت قدماه مدينة القدس‪-‬ق ُ‬
‫واملسلمني واملسيحيني‪-‬كتب يف كتاب أرساره األحمر املدفون يف جيب‬
‫سرتته الخرضاء كلامت حب وشوق وحنني لفلسطني‪ ،‬كام وضع يف الكتاب‬
‫أحالمه الثالثة‪ ،‬مع وردة جميلة كان قد أهداها له سلفُه‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫وكانت املنارة الثانية يف تاريخ فلسطني الحديث شيخنا الجليل عز‬
‫الدين القسام الذي مل يُرهبه سوط االستعامر الفرنيس‪ ،‬وإن التف عليه‬
‫ليرصخ ويغني يف فلسطني‪ ،‬يغني بصوت أجش ضد االحتالل وضد اإلرهاب‬
‫وضد الظلم‪ ،‬حامال عىل كتفيه الهرِمني مهمة القضاء عليه منذ عانق حيفا‬
‫بلدنا طويال وما جاورها‪ ،‬فكتب عز الدين القسام يف كتابه األحمر الصغري‬
‫يف جيبته ُج َمال هي ما بني الحلم والتنبؤ‪ ،‬ما بني شعلة األمل والحقائق ثم‬
‫أهدى الكتاب ملن أوصلوه لع ِقبِة‪.‬‬
‫أما املنارة الثالثة يف رواية فلسطني الجديدة‪ ،‬فظهرت تأليلء يف القرن‬
‫الثامن عرش حيث تجلىّ ظاهر العمر الزيداين ملك فلسطني والجليل‬
‫ليكرس بعمله ُرعب الظلم واالستبداد وليم ّزق أستار الروايات املكذوبة وما‬
‫يدبر بليلٍ لفلسطني‪ ،‬منذ تلك الفرتة‪ ،‬فأقام دولة فلسطني وأنشأ الكيانية‬
‫الوليدة منطلقا من طربيا إىل النارصة إىل عكا وحيفا ونابلس وغزة‪ ،‬وأرجاء‬
‫أخرى يف فلسطني وجوارها‪ ،‬فأثبت عىل الخريطة وحدة األرض والشعب‬
‫واملستقبل‪ ،‬وكتب ذلك يف دفرته األحمر الصغري الذي دفع به ملن خلَ َف ُه‪.‬‬
‫إن املنارات الثالث تعاقبت لرتسم‪ ،‬كام غريها من املشاعل يف دربنا‪،‬‬
‫طريق الحرية والحرير‪ ،‬طريق العدالة والنور الوفري‪ ،‬طريق الثورة والعبء‬
‫الثقيل فكتبت وتوارثت ِخالفة األرض التي نحبها طائعني مختارين‪.‬‬
‫(‪((2‬‬
‫بيدي أن أصري دبابة‬

‫بيدي أن أصري دبابة‬


‫بيدي ان اطري‬
‫بيدي ان اغري‬
‫‪ -28‬من كتاب للمؤلف بكر أبوبكر حمل نفس العنوان صادر عام ‪2013‬‬
‫‪165‬‬
‫بيدي ان اكون اطول‬
‫استطيع ان امنو اكرث‬
‫بيدي ان اقاوم‬
‫بيدي اال أساوم‬
‫استطيع ان أقفز‬
‫عن النحيب والوجع واليأس الكمني‬
‫أستطيع أن أنجز‬
‫رغم العيص والسالمل والطاقات‬
‫أستطيع أن أقرأ يف ضوء فراشة‬
‫وأقدر أن أرسم يف عني الشمس‬
‫وأميش منتصبا بدون ظالل‬
‫أنا القادم نهرا باردا‬
‫وسقفا عاليا‬
‫وربيعا ضاويا‬
‫وسوسنة جديت‬
‫أنا الناف ُر الزاف ُر الواف ُر‬
‫حس ُن الطلعة غري هيّاب‬
‫ولكنك حدودي والرحيل‬
‫وأنت عشقي النبيل‬
‫ملحتُك تغدقني بال كتاب‬

‫‪166‬‬
‫وتبتسمني للغيامت والعتبات والنفري‬
‫وتأكلني بأطراف أصابعك وتس ّبحني‬
‫التقيتك سيفا بجراب‬
‫وقلام يهوى كتاب‬
‫وبَ ْكرا يرنو الجواب‬
‫انا الصدى لصوت املحرومني‬
‫وأنت قدري‬
‫وأنا ال ِر ْج ُز املنزل عىل الفاسدين‬
‫وأنت ثغري‬ ‫ِ‬
‫وأنا الشهور التسعة‬
‫ِ‬
‫وأنت حميل‬
‫بيدي أن أصري دبابة‬
‫وبيدك ان تلقمي املدفع‬
‫وأستطيع أن أصري حاممة‬
‫وأنت فضاء الرحاب‬
‫«بيدي ال بيد عمرو»‬
‫قد التقى بك وحتفي‬
‫احتفظت بك يف حلقي‬
‫ويف كتبي ودموعي‬
‫وعند انتصار الفجر‬

‫‪167‬‬
‫ويف عيد الصبايا‬
‫وارتجاف ذرة الرتاب شوقا‬
‫أنا العناق وأنت النحر‬
‫وحيث تكونني يتجىل هو‬
‫فاسمحي يل ان اكون أطول‬
‫ودعيني أطري‬
‫(‪((2‬‬
‫وهو ينظر‪ ...‬فأنا غدوت ثورة‬
‫ظن الكثريون أن الكتاب األحمر الصغري الذي توارثه الثالثة واآلالف‬
‫معهم من األحرار واملردة والثوار قد كُتب حديثا‪ ،‬ولكنه كان مع أول‬
‫الزمان حيث ُصنعت األرض وكانت فلسطني‪ ،‬ومنذ ُسطّريف الكتاب أن‬
‫(بسم الله الرحمن الرحيم) وتىل هذه االفتتاحية املقدسة أربعة عبارات‬
‫مام توارثته املنارات الثالث‪.‬‬
‫(أرض فلسطني) لتعلّق يف أعناقنا لألبد‪،‬‬
‫يف السطر األول كُتبت عبارة ُ‬
‫لذلك صنع الرشيف ظاهر العمر الزيداين أول دولة فلسطينية يف التاريخ‬
‫الحديث ليكسرِ من خاللها أكاذيب املسترشقني واملستعمرين والصهاينة‬
‫من مثل‪ :‬أن هذه األرض بال شعب أو بال حضارة أو بال تاريخ سوى ما‬
‫شعب فلسطني طافحا باملحبة والسعي للحرية‬ ‫ُ‬ ‫ابتدعوه وألّفوه‪ ،‬وكان‬
‫والسعادة‪.‬‬
‫ثم كَتب يف الصفحة الثانية عز الدين القسام كلم ًة واحدة لكنها‬
‫عميقة وكبرية وح ْملُها قد تنوء به الجبال‪ ،‬إذ كتب (وجاهدوا) لتصبح‬
‫معوال وبندقية‪ ،‬وحجرا وبندقية‪ ،‬ومنجال وقلام يف يد األمة جمعاء‪.‬‬
‫‪ -29‬من كتاب النصوص األدبية للكاتب واألديب بكر أبوبكر‪ ،‬بامكاين أن أصري دبابة‬
‫‪168‬‬
‫(شعب فلسطني)‬‫ُ‬ ‫أما يف الصفحة الثالثة فكتب يارس عرفات كلمتني هام‬
‫إذ أن به بهذا الشعب العريب طريق التحرير والحرية والخالص األكيد‪.‬‬
‫الصفحات التالية بقيت بيضاء تنتظر العبارة أو األسطر التي تمُ ثل‬
‫رباعية املبادئ الحضارية العربية اإلسالمية كافة‪ ،‬وهي ما ألقى عىل أكتاف‬
‫(كل األمة والشعب) التي عليها أن تفيق من غفوتها وتطرد النعاس أو‬
‫الرتاخي واالستهانة والكسل‪ ،‬فتسعى للعلم والثقافة وللعمل والوحدة‬
‫ورفض الظلم واالستبداد‪ ،‬كام تسعى لإلبداع‪ ...‬فتعود فلسطني اليها إىل‬
‫االمة جمعاء منارة ومشعال وحقيقة خالدة ال تنطفئ مهام دوت الرياح أو‬
‫صفّرت الزوابع‪ ،‬ومهام أغربت األجواء أو غيّمت السامء‪.‬‬
‫التكة الثقيلة ولكنها املقدسة التي نتوارثها اليوم من كتاب الله‬‫هذه رَ ِ‬
‫الكريم‪ ،‬وكتاب منارات نضالنا مع الوردة الجميلة‪ ،‬تشكل لنا أيقونات‬
‫النضال والكفاح واملحبة والعيون املفتوحة أبدا عىل املستقبل‪ ،‬حيث‬
‫فلسطني كل فلسطني تلوح لنا يف األفق‪ ،‬قبلَتُنا النضالية التي نتوجه إليها‬
‫خمسني مرة يف اليوم ولن نستسلم أو نستكني‪.‬‬

‫يستحق الحيا ْة‪:‬‬


‫ّ‬ ‫«عىل هذه األرض ما‬
‫عىل هذه األرض سيد ُة‬
‫األرض‪ ،‬أ ّم البدايات‪ ،‬أ ّم النهايات‬
‫كانت تسمى فلسطني‪.‬‬
‫صارت تسمى فلسطني‪.‬‬
‫سيدتي‪ :‬أستحق ألنك سيدتي‬
‫أستحق الحياة»(‪.((3‬‬
‫‪ -30‬الشاعر محمود درويش‬
‫‪169‬‬
‫والدرب طويل والزاد قليل‪ ،‬ونحن يف منتصف الطريق‪ ،‬وليس لنا إال‬
‫النرص‪.‬‬
‫وإنها لثورة حتى النرص‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫مبناسبة االنطالقة ‪51‬‬
‫حركة فتح والبحث عن الغيمات املاطرة‬

‫بكر أبو بكر‬


‫‪2016‬‬

‫مل يكن يارس عرفات ليتنبأ بالقادم‪ ،‬فلم يكن ع ّرافا أو منجام أو كاهنا‬
‫ومل يكن يحتاج ألن يكون أي من هؤالء عندما ش ّخص صعوبة الدرب‬
‫ومشاق النضال وحجم العقبات والعوائق التي تعرتض وستعرتض العمل‬
‫الفدايئ‪.‬‬
‫منذ الرصاصة األوىل بل وما قبلها‪ ،‬رمبا ملزاياه القيادية وامتالكه للرؤية‬
‫وحسن النظر كان يدرك ِعظَم املسؤولية امللقاة عىل عاتق الرواد األوائل‪،‬‬
‫ف ِعظم التضحيات يجب أن تناظر ِعظم القضية‪ ،‬وعظمة الرجال ال تظهر‬
‫إال باملهام العظيمة‪ ،‬واملهام العظيمة هي دوما صعبة وقد يراها أصحاب‬
‫الهمم النافقة مستحيلة‪ ،‬ومن هنا كان القرار صعبا أن تنطلق حركة‬
‫التحرير الوطني الفلسطيني – فتح بعد النكبة عام ‪.1948‬‬
‫تلك النكبة التي خلفت صدمتها للوهلة األوىل حطاما برشيا ونفسيا‬

‫‪171‬‬
‫واجتامعيا وثقافيا عكس نفسه بالذهول والتشتت وافتقاد السند واالحباط‬
‫الشديد‪ ،‬وعكس نفسه بالبحث عن الذات يف ظل الضياع الذي أصاب األمة‬
‫والشعب الفلسطيني فطفق يبحث عن حقيقة هويته فيغرف من األفكار‬
‫«الصلبة» التي افرتضت بذاتها الكامل أو القداسة‪ ،‬وافرتضت بذاتها املطلق‬
‫والشمولية‪ ،‬وافرتضت بذاتها االنتصار بالشعارات واالمتداد‪.‬‬
‫الفلسطينيون‪-‬بعد تجاوز الصدمة نفسيا‪-‬هم الذين رفضوا اإلبحار‬
‫طويال يف مركب البؤس واليأس واإلحباط فتوزعوا بني تيارات األمة الكربى‬
‫آنذاك وهي التيارات أو األحزاب التي تولدت إثر رصاع عميق داخل األمة‪.‬‬
‫يقول صالح خلف (أبوإياد) الشهري بخطاباته الحامسية التحفيزية املفعمة‬
‫باألمل عن «الحفنة الطيبة من الشباب التي انطلقت» أنهم «جمعوا يأس‬
‫األمة العربية وحولوه إىل آمال»‪.‬‬
‫(يف عام ‪ 1965‬عندما انطلقت حركة فتح مل يكن عددنا كبريا‪ ،‬كان‬
‫العدد بسيطا جدا‪ ،‬وإمنا كانت الفكرة يف نظرنا كبرية جدا‪ ،‬ألننا كنا نعتقد‬
‫أن الرصاصات التي سنطلقها يف األرايض املحتلة‪ ،‬ال ميكن أن تعيد لنا‬
‫فلسطني‪ ،‬إمنا هذه الرصاصة لها مردود عىل نفسية اإلنسان الفلسطيني‪ ،‬ال‬
‫بد أن يشعر اإلنسان أنه موجود أوال) ويضيف صالح خلف (أبوإياد) يف‬
‫موضع آخر (أقول نحن كشعب فلسطيني كان ال بد أن نعود إىل الخارطة‬
‫السياسية‪ ،‬قيمة كل نضال شعبنا يف عام ‪ 1965‬أنه أعاد هذا الشعب‬
‫(‪((3‬‬
‫الفلسطيني إىل الخارطة السياسية)‬

‫‪ -31‬كتاب من إصدار مكتب الشؤون الفكرية والدراسات يف حركة فتح تحت عنوان‬
‫الفكر الوطني الثوري يف املامرسة‪ :‬من خطب الشهيد أبوإياد‪ ،‬الطبعة‪ 2‬عام ‪2008‬‬
‫واالقتباسني من ص ‪ 67‬ومن ص ‪ ،137‬والجملة األوىل اليأس واآلمال ص‪145‬‬
‫‪172‬‬
‫نهوض أمة وتشظي أخرى‬
‫تشظّت األمة العربية واألمة اإلسالمية عىل مدار زمني طويل ارتبط‬
‫بالنهوض األورويب الذي ترافق مع تغلغل عقلية الهيمنة واالستعامر‬
‫واالستبداد االوريب الذي وجد شكله الحقيقي من خالل احتالل أرايض‬
‫الغري تحت ادعاءات النقاء والطُهر والتقدم للرجل األبيض‪ ،‬وتحت مدامك‬
‫الفكر العنرصي الذي أباح النظر لألقوام األخرى من زاوية السيد املطاع‬
‫الذي يحمل الحضارة للوحوش وهو السيد الذي ينبغي من االتباع الطاعة‬
‫له وتقديم القرابني والشكر إلل ِه ِه‪.‬‬
‫كان املطلوب يف ظالم (االستعامر) الغريب أن تقدم الشعوب ثقافتها‬
‫وروحها ودينها وقوميتها وإنسانيتها وخرياتها وأرضها فداء للرجل األبيض‬
‫الذي افرتض امتالكه لكل الحقائق وافرتض امتالكه للحقيقة الدينية‪،‬‬
‫وافرتاض أن هيمنته تشكل قدرا عىل اآلخر أن ينصاع له‪ ،‬فسوغت العقلية‬
‫االستعامرية لنفسها النظرة االستعالئية واالحتقارية لشعوب األرض‬
‫فاستعبدتها يف فرتات الرصع االسباين الربتغايل عىل املستعمرات‪ ،‬وما تالها‬
‫من فرتة الرصع االستعامري الثقايف – االقتصادي االنجليزي الفرنيس‪ ،‬هذا‬
‫الرصاع الذي حط رحاله يف منطقتنا العربية بقوة منذ القرن التاسع عرش‬
‫ثم تألق إثر الحربني االوروبيتني الكربيني (املسميتني الحرب العاملية االوىل‬
‫والثانية)‪ ،‬وما كان للنزاع السلطوي ونزاع النفوذ واملصالح االقتصادية إال‬
‫متوافقا يف هذه العقلية مع نزعات التفوق والتي وجدت ضالتها بعد‬
‫تحطم االمرباطورية العثامنية‪.‬‬
‫فلسطني يف ثالثة وجوه استعمارية‬
‫نالت املنطقة العربية العنت واالضطهاد واالستعامر الال أخالقي سواء يف‬
‫مناطق االحتالل والهيمنة يف الخليج العريب من الربتغاليني (متكن الربتغاليون‬
‫‪173‬‬
‫من الوصول إىل الهند بعد اكتشافهم لطريق‪ ‬رأس الرجاء الصالح‪ ‬ورسعان‬
‫ما أسسوا لهم إمرباطورية يف ال�شرق‪ .‬يف عام ‪1507‬م متكن اسطول‬
‫برتغايل يقوده‪ ‬ألفونسو دي ألبوكريك‪ ‬من احتالل‪ ‬مسقط‪ ‬وصحار‪ ‬وخور‬
‫فكان‪ ‬ثم‪ ‬هرمز‪ ‬التي وقع ملكها اتفاقية الوالء للتاج الربتغايل‪ ،‬يف عام ‪1521‬‬
‫سقطت‪ ‬البحرين‪ ‬بيد الربتغاليني‪ ،).‬ومن االنجليز الحقا‪ ،‬أو يف الجزائر منذ‬
‫احتالل واستعامر الجزائر العام (‪1830‬م)‪ ،‬ثم بلغت ذروتها بعد الحرب‬
‫(االوروبية – العاملية األوىل ‪1918-1914‬م) واالتفاق عىل تقسيم العامل‬
‫العريب يف (سايكس بيكو عام ‪ )1916‬ثم يف (سان رميو) عام ‪ ،1920‬وما كان‬
‫ذلك بغريب عىل العقلية التي ال ترى يف اآلخر إال خادما وعبدا‪ .‬ومن هنا‬
‫وقعت فلسطني يف صلب املخطط االستعامري االوريب عىل ثالثة أوجه‪:‬‬
‫كان الوجه األول منه هو‪ :‬ضامن الهيمنة واالغتصاب والسيطرة األبدية‬
‫عىل مقدرات األمة واملنطقة االقتصادية والجغرافية والثقافية والروحية‬
‫بفصل جزئيها الرشقي والغريب إىل األبد‪ ،‬وبتفتيتها إىل كيانات متحاربة‪.‬‬
‫والوجه الثاين من املخطط االستعامري هو تغلغل عقدة العقل‬
‫االستعامري املتفوق الغريب الذي يري اآلخر مأمورا أو منبوذا أو مس ّخرا‬
‫نتيجة ارتباط هذه العقلية ب ُبعدها االقتصادي التوسعي (تحولت «رشكة‬
‫الهند الرشقية املحرتمة» الربيطانية من مرشوع تجاري تأسس عام ‪1600‬م‬
‫إىل مؤسسة تحكم جميع الواليات الهندية وجميع مستعمرات التاج‬
‫الربيطاين يف املنطقة وذلك بدعم سيايس وعسكري من بريطانيا‪ ).‬وب ُبعدها‬
‫العنرصي الذي يستغل االختالف العقدي يف االقصاء عوضا عن التقبل‪،‬‬
‫وهو ما ناله يهود أوروبا الذين تقرر أن يُستبعدوا من القارة ويف ذات‬
‫الوقت يرشخوا منطقتنا فيتحقق للغرب االستعامري و(للحركة الصهيونية‬
‫الحقا) أن يرضبوا عدة عصافري بحجر واحد‪.‬‬
‫أما الوجه الثالث فكان تحقيق الدول الغربية لتواصل احتكار العلم‬
‫‪174‬‬
‫والزراعة املتطورة والصناعة والتقدم والتقانة (التكنولوجيا)‪ ،‬فوقعت‬
‫فلسطني يف (بؤرة) الحدث االستعامري ولألسباب الكثرية التي ميزت‬
‫جغرافيتها وموقعها وأساطري التناخ (التوراة وملحقاتها) التي أعيد تحريفها‬
‫لتُفهم وكأنها تتحدث عن بالدنا‪.‬‬
‫يقول يارس عرفات (ومن هنا يبدأ جذر املشكلة الفلسطينية‪ ،‬أن هذا‬
‫يعني أن أساس املشكلة ليس خالفاً دينياً أو قومياً بني دينني أو قوميتني‬
‫وليس نزاعاً عىل حدود بني دول متجاورة‪ ،‬انها قضية شعب اغتصب وطنه‬
‫(‪((3‬‬
‫ورشد من أرضه لتعيش أغلبيته يف املنايف والخيام‪).‬‬
‫بريطانيا واالحتالل الصهيوني‬
‫نالت املنطقة العربية من الضغط والقسوة واالستعامر ما جعل من‬
‫الكيانات الناشئة بقوة وإرادة أبطال التحرر واالستقالل العرب يسعون‬
‫لبناء هذه البلدان والسعي لتقدمها‪ ،‬ولكن من موقف ضعيف مرتبط‬
‫بشكل أو بآخر بالدولة التي احتلتها أكانت بريطانيا أو فرنسا (أو إيطاليا‬
‫أو إسبانيا أو الربتغال) إال أن فلسطني كانت قضية مركبة فعل فيها العقل‬
‫الغريب االستعامري أبشع جرمية يف القرن العرشين (والواحد وعرشين)‬
‫وهي جرمية وضع مبقتضاها عدد من أتباع ديانة محددة من قوميات‬
‫متعددة وهم اتباع الديانة اليهودية األوروبيني خاصة مكان سكان فلسطني‬
‫العرب يف آلية تهجري وطرد وإحالل برزت بذورها منذ العام ‪ 1881‬م ثم‬
‫يف مؤمتر (بانر‪ -‬كامبل) ‪ 1907 – 1905‬يف لندن وصوال لتحالف العقل‬
‫الغريب مع الحركة الصهيونية (منذ مؤمتر بازل ‪1897‬م) فتوىل االنجليز منذ‬
‫احتاللهم لفلسطني وعرب ما يسمى (صك االنتداب) عام ‪ 1922‬القيام بهذه‬
‫املهمة الالأخالقية‪.‬‬

‫‪ -32‬من خطاب أبوعامر يف االمم املتحدة عام ‪1974‬‬

‫‪175‬‬
‫وقعت فلسطني يف قبضة عقلية الهيمنة واالستعامرالثقايف واالقتصادي‪،‬‬
‫واإلحالل فسهلت الهجرة اليهودية ويسرّ ت رسقة األرض‪ ،‬ثم عمدت النشاء‬
‫الكيان فوقعت نكبة العام ‪ 1948‬التي دفعت بالشباب الفلسطيني ألن‬
‫يأخذ بزمام املبادرة ضمن فهم عميق لجذور املشكلة‪ ،‬ويف تطور وعي‬
‫استغرق زمنا طويال ليحدد من خالله حجم القوى والتدافع الدويل‪ ،‬ثم لريى‬
‫حجم قوته وامتداداتها فريى بوضوح أين يقف من كل ذلك‪ ،‬ففلسطني قد‬
‫سقطت بني أيدي إحتاللني اجنبيني انجليزي وصهيوين‪ ،‬ثم ترك األمر كله‬
‫للقاعدة املتقدمة للغرب الذي ورث سطوته وهيمنته الواليات املتحدة‬
‫االمريكية‪.‬‬
‫قال الخالد فينا الراحل يارس عرفات من عىل منصة االمم املتحدة يف‬
‫نيويورك عام ‪( :1974‬ترجع جذور املشكلة الفلسطينية إىل أواخر القرن‬
‫التاسع عرش أو بكلامت أُخرى إىل ذلك العهد الذي كان يسمى عرص‬
‫االستعامر واالستيطان وبداية انتقال إىل عرص اإلمربيالية حيث بدأ التخطيط‬
‫الصهيوين_ االستعامري لغزو أرض فلسطني مبهاجرين من يهود أ ُوروبا كام‬
‫كان الحال بالنسبة للغزو االستيطاين إلفريقيا‪ .‬يف تلك الحقبة التي توطدت‬
‫فيها سطوة عتاه االستعامر القادمني من الغرب إىل أفريقيا وآسيا وأمريكا‬
‫الالتينية لالستيطان وإقامة املستعمرات ومامرسة أشد أشكال االستغالل‬
‫واالضطهاد والنهب لشعوب القارات الثالث‪ .‬إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد‬
‫آثارها العنرصية البشعة يف الجنوب اإلفريقي وكذلك يف فلسطني‪.‬‬
‫وكام استخدم االستعامر واملستوطنون أفكار ((التمدن والتحرض))‬
‫لتربير الغزو والنهب والعدوان يف إفريقيا وغريها‪ .‬كذلك استخدمت هذه‬
‫الذرائع لغزو فلسطني مبوجات املهاجرين الصهاينة‪ .‬وكام استخدم االستعامر‬
‫واملستوطنون الدين واللون والعرق والغة لتمرير عملية استغالل الشعوب‬
‫وإخضاعها بالتمييز والتفرقة واإلرهاب يف إفريقيا‪ ،‬كذلك استخدمت هذه‬

‫‪176‬‬
‫األساليب الغتصاب الوطن الفلسطيني واضطهاد شعبه ومن ثم ترشيده‪.‬‬
‫وكام استخدم االستعامر‪ ،‬وقتئذ‪ ،‬املحرومني والفقراء واملستغلني كوقود‬
‫لنار عدوانه‪ ،‬ومرتكزات االستيطان‪ ،‬كذلك استخدم االستعامر العاملي‬
‫والقادة الصهاينة اليهود املحرومني واملضطهدين يف أُوروبا كوقود للعدوان‬
‫ومرتكزات لالستيطان والتمييز العنرصي‪.‬‬
‫إن اإليديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا الستيطان‬
‫فلسطني بالغزاة الوافدين من الغرب استخدمت يف الوقت ذاته القتالع‬
‫اليهود من جذورهم يف أوطانهم املختلفة ولتغريبهم عن األمم‪.‬‬
‫إنها أيديولوجيا استعامرية استيطانية عنرصية متييزية رجعية تلتقي‬
‫مع الال سامية يف منطلقاتها‪ ،‬بل هي الوجه اآلخر للعملة نفسها‪ .‬فعندما‬
‫نقول أن تابعي دين معني هو اليهود‪ ،‬أياً كان وطنهم‪ ،‬ال ينتسبون إىل‬
‫ذلك الوطن وال ميكن أن يعيشوا كمواطنني متساوين مع بقية املواطنني‬
‫من الطوائف األخرى‪ ،‬فإن تلك اللقاء مبارش مع دعاة الالسامية‪ ،‬وعندما‬
‫يقولون أن الحل الوحيد ملشكلتهم هو أن ينفصلوا عن األمم واملجتمعات‬
‫التي هم جزء منها عرب تاريخ طويل‪ ،‬ثم يهاجرون ليستوطنوا أرض شعب‬
‫آخر ويحلوا محله بالقوة واإلرهاب يأخذون من غريهم املوقف نفسه‬
‫(‪((3‬‬
‫الذي أخذه دعاة الالسامية منهم)‪.‬‬
‫سقوط جغرافيا فلسطني وجدل الحل‬
‫يف ظل جدل ال�صراع وأصوله وكيفية مواجهة تحديات التشظي‬
‫والترشذم لألمة يف بلدانها ومقدرتها وحضارتها وثقافتها برزت األفكار‬
‫الكربى الثالثة تلتمس الحل النهايئ وتصبو لإلجابة عىل كل األسئلة ومن‬
‫‪ -33‬ميثل خطاب الرئيس الراحل والفدايئ االول يارس عرفات رحمه الله يف االمم املتحدة‬
‫‪ 1974 /11 /13‬مفتاحا حقيقيا لفهم االستعامر واالحتالل وما يعد بالفعل وثيقة تاريخية‬
‫تستحق أن تدرس يف مدارس فلسطني واألمة جمعاء‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫هنا منى التيار القومي وبرز اإلسالمي وكان لالشرتايك ظهورا ومكانة‪.‬‬
‫سقطت جغرافيا فلسطني بني أيدي الحركة الصهيونية بتسهيالت كان‬
‫ال غنى عنها من (االنتداب الربيطاين)‪ ،‬ومل يكن الشعب العريب الفلسطيني‬
‫إزاء ذلك مستكينا وال مستسلام وال خانعا‪ ،‬وإمنا كان ثائرا شجاعا مقداما‬
‫قدم الهبّات والثورات منذ العام ‪ 1919‬ثم يف العرشينيات‪ ،‬وهبّة الرباق‬
‫عام ‪( 1929‬تعود اليوم القضية يف حائط الرباق واملسجد األقىص املبارك‬
‫ككل لتغلغل العقلية التوراتية الخرافية يف املجتمع اإلرسائييل يف فلسطني)‬
‫فالنشاط التنظيمي للشيخ عزالدين القسام ثم ثورة ‪ 1939 – 1936‬وما‬
‫رافقها من أساليب نضال عدة كان لألخ العريب فيها دورا واضحا بغض‬
‫النظر عن دينه أو مذهبه‪ ،‬ومع سقوط الجغرافيا برز العلم السيايس‬
‫الجديد الذي يعلن والدة دولة (إرسائيل) عىل أشالء فلسطني املمزقة‬
‫جغرافيا فكانت النكبة التي ما زالت ح ّية فينا كفلسطينيني وكماليني من‬
‫الالجئني املتوزعني عىل أصقاع املعمورة الذين سيك ّحلون أعينهم مهام‬
‫طال الزمن بكحل فلسطني وهوائها املعطّر‪.‬‬
‫يف هذا الخضم من التاريخ واألفكار‪ ،‬ويف هذه البيئة الصعبة حيث‬
‫املرواحة بني اليأس واألمل وبني االحباط والعمل وبني السلبية وعقلية‬
‫االبداع االيجابية اختطت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح تاريخا‬
‫جديدا منذ العام ‪ 1957‬حيث تعالت الهمسات لتنشئ كيانا أعلن عن ذاته‬
‫بقوة عام ‪.1965‬‬
‫فلسطني فقدت الجغرافيا بإنشاء الكيان اإلرسائييل‪ ،‬ثم طحنتها دهاليز‬
‫السياسة لتنشئ فوق جسدها كيانا جديدا‪ ،‬كان البد من أن ترفضه هذه‬
‫الجغرافيا (األرض) وأهلها بأشكال عدة ليس أولها الكفاح املسلح أو حرب‬
‫الشعب طويلة األمد (النفس) وليس آلخرها املقاومة الشعبية املنترصة‬
‫اليوم واملحصنة بغضبة القدس أو هبة أو انتفاضة القدس (‪ )2015‬التي‬
‫‪178‬‬
‫ال تحتاج لكثري جهد لتعلن أن هذا الشعب ال ينىس وال ييأس وال تخور‬
‫قواه مهام جهدت (إرسائيل) يف محاوالت احتالل التاريخ عرب وسائط املادة‬
‫بغرس املستوطنات (املستعمرات أو املستدمرات) بني ثنايا الجسد أو شق‬
‫الجسد الذي توافق الفلسطينيون أن يقيموا فيه دولتهم املستقلة دولة‬
‫فلسطني عىل جزء صغري من أرض فلسطني‪.‬‬
‫حركة ضد الشمولية واالقصائية‬
‫إن مسرية حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح مل تكن لتؤمن‬
‫بهيمنة األفكار الشمولية سواء تلك القومية الشوفينية أو اإلسالموية أو‬
‫الشيوعية فخلعت كل العباءات الرباقة‪ ،‬وقررت أن امللعب األول لها هو‬
‫وتخصص نضالها نحو قضية واحدة فقط هي قضية وطن‬ ‫ّ‬ ‫أن تركّز وتك ّرس‬
‫قضية فلسطني ومن هنا فهم الفتحويون طبيعة متيزهم الحقيقي منذ‬
‫اليوم األول والبالغ األول (بالغ قوات العاصفة) ومنذ (هيكل البناء الثوري)‬
‫واستطرادا يف أدبيات الحركة‪ ،‬ومسارها النضايل الذي ارتقى درجات‬
‫النضالية والثورية من درجة الثورية املثالية إىل الثورية الواقعية‪.‬‬
‫رفض رواد حركة فتح فكر جامعة (االخ��وان املسلمني) الحرصي‬
‫االقصايئ الذي يقدس الفكرة وحامليها معا كام يق ّدس الجامعة عىل‬
‫حساب األمة‪ ،‬رفض فكرهم السيايس النظري غري العميل‪ ،‬فكرهم الذي‬
‫يجمد الرصاع لدواعي ادعاء املظلومية والسجن وعدم توفر الظروف‪،‬‬
‫فخرج عدد ممن انتموا للجامعة ‪-‬يف غزة خاصة‪ -‬عىل قاعدة أن فلسطني‬
‫تجمعنا‪ ،‬لينهضوا من أجل فلسطني ال من أجل فكر االخوان املسلمني‬
‫(خليل الوزير وأبويوسف النجار وصالح خلف‪ ،)...‬وتالقوا مع زمالئهم‬
‫الذين مل ينتموا ألي حزب أبدا اال حزب فلسطني كام هو شأن يارس عرفات‬
‫ود‪ .‬عادل عبدالكريم ومحمود عباس وهاين الحسن‪ ،‬وليلتقوا مع أولئك‬
‫ممن خرجوا من حزب البعث العريب االشرتايك (فاروق القدومي كمثال)‪،‬‬
‫‪179‬‬
‫وأولئك الذين طلّقوا الشيوعية والفكر املاركيس‪-‬اللينيني الحزيب (ماجد‬
‫ابورشار‪ )...‬والذين تركوا حزب التحرير (اإلسالمي) (مثل خالد الحسن)‬
‫وغريهم‪ ،‬فكان هذا اللقاء الجامع الذي خلع األردية الحزبية الضيقة لقاء‬
‫بني األنوية املتعددة يف غزة والضفة والخليج العريب وأملانيا والنمسا (بدأت‬
‫التباشري بعد العام ‪ 1948‬وصوال للنشأة عام ‪ 1957‬ثم االنطالقة عام ‪1965‬‬
‫واالنطالقة الثانية عام ‪1968‬م)‪ ،‬ومثّل هذا اللقاء أيضا التقاء أفكار سياسية‬
‫متعددة اتفقت عىل أولوية فلسطني‪ ،‬واتفقت عىل رضورة اشعال جمرة‬
‫النضال‪ ،‬واتفقت عىل تطليق االحزاب الشمولية التي تهمش فلسطني‪،‬‬
‫وتتلهى بأفكار إقصائية لآلخر‪ ،‬أفكار شمولية أفكار ال دميقراطية أفكار‬
‫ال ترى بنفسها اال النهج االوحد التي قتلتنا سابقا وعادت لتدمرنا اليوم‪،‬‬
‫فكانت حركة فتح الحاضنة للكل الفلسطيني بفئاته وتنوعاته‪ ،‬ومازالت‪.‬‬
‫يقول محمود عباس (أبو مازن) ردا عىل سؤال حول الوحدة والتنوع‬
‫داخل حركة فتح بديال للحزبية منذ البدايات (لتبقى األفكار كام هي‪،‬‬
‫لكنه ممنوع االرتباط بأي حزب‪ ،‬فقط يف الحركة‪ ،‬فكان التنظيم يضم‬
‫كل االتجاهات تقريبا‪ ،‬كان هناك إخوان وبعثيون‪ ،‬قوميون عرب‪ ،‬وكان‬
‫الكثري من الشباب يف الحركة قد دخلوا حزب البعث‪ ،‬ومل يقتنعوا‪ ،‬وكذلك‬
‫حركة القوميني العرب‪ ،‬واإلخوان املسلمني‪ ،‬وتركوا‪ ،‬ووجدوا يف حركة فتح‬
‫(‪((3‬‬
‫ضالتهم‪)...‬‬
‫لقد ميزت حركة فتح بوضوح بني حقيقة الفهم‪ ،‬وصدق التحليل‬
‫املشفوع بحقائق الجغرافيا والتاريخ والقانون والسياسة‪ ،‬ولكنه املرتبط‬
‫بالرؤية االسرتاتيجية التي تفهم جيدا رصاع القوى واملعسكرات وطبيعة‬
‫تقاطع املصالح‪ ،‬فرأت أن املحرك يف القضايا العاملية مل يكن هو القيم‬
‫‪ -34‬كتاب ملكتب الشؤون الفكرية والدراسات لحركة فتح‪ ،‬تحت عنوان صفحات مرشقة‬
‫من تاريخ الثورة الفلسطينية‪ ،‬مع الرئيس محمود عباس‪ ،‬الطبعة ‪ 2‬عام ‪ 2010‬ص ‪20‬‬
‫‪180‬‬
‫واألخ�لاق والعدالة‪ ،‬وإمن��ا هذا الكم الهائل من التوحش الألخالقي‬
‫االستعامري سواء يف الفكر الغريب أو الفكر الصهيوين االحاليل الذي بدأ‬
‫(‪((3‬‬
‫استعامريا (قوميا) لينتهي اليوم (عنرصيا) (توراتيا) دينيا خرافيا‪.‬‬
‫مراحل وغيمات عرفات‬
‫إن يارس عرفات الذي أجهد نفسه طوال حياته وهو يبحث عن الغيامت‬
‫املاطرة‪ ،‬ووجد بعضا منها فحقق انتصارات هنا وهناك وأرادها تراكمية‪،‬‬
‫وص ّدر عبقرية الحث هذه ملضمون فعل حركة فتح التي آمنت باملبادرة‬
‫واملبادأة واإلنجاز فلم تقف خلف املصداح «امليكرفون» تنرش وترصخ‬
‫فقط‪ ،‬وإمنا جعلت من (الحركة) فعال ايجابيا‪ ،‬فحيث تكون املقدرة عىل‬
‫تحقيق انجاز (أكان وطنيا شعبيا‪ ،‬أو عسكريا‪ ،‬أو قانونيا‪ ،‬أو سياسيا‪)...‬‬
‫كانت ال تتواىن عن خوض غامر الحرب لتحقيقه وهذا ما كان فكانت‬
‫االنطالقة عام ‪ ،1965‬وكانت الحرب الشعبية طويلة األمد والكفاح املسلح‬
‫بإشكاله املتعددة (‪ )1974 – 1965‬وكان العمل السيايس يحصد زرع العمل‬
‫العسكري (‪ ((3()1987 – 1974‬ثم كانت اإلرادة الشعبية الجامهريية تعرب‬
‫بقوة عن حضورها ودورها املبارش يف أرض الوطن عرب انتفاضة الحجارة‬
‫التي كان فيها خليل الوزير (ابو جهاد) أول الرصاص أول الحجارة مع‬
‫‪ -35‬يقول د‪ .‬عامر عيل حسن‪« :‬اإلسرتاتيجية تتسم بأنها «استباقية توقعية»‪ ،‬إن مل‬
‫تكن «تنبؤية»‪ ،‬وهذا االستباق يرمي إىل رعاية املصالح الوطنية وحاميتها مام يخبئه‬
‫املستقبل‪ ،‬ولذا ال يجب أن يقوم عىل التقديرات الجزافية أو الخياالت األسطورية‪ ،‬إمنا‬
‫دراسة االحتامالت والسيناريوهات‪ ،‬ووضع االفرتاضات واملنطلقات‪ ،‬والتي تكون بدورها‬
‫مرشوطة مبا يجري عىل األرض‪ ،‬وباإلمكانات املتاحة»‪.‬‬
‫‪ -36‬قال يارس عرفات أمام االمم املتحدة يف خطابه التاريخي ‪« :1974 /11 /13‬وإننا‬
‫حني نتكلم من عىل هذا املنرب الدويل فإن ذلك تعبري يف حد ذاته عن إمياننا بالنضال‬
‫السيايس والدبلومايس مكمالً معززا ً لنضالنا املسلح وتعبري عن تقديرنا للدور الذي ميكن‬
‫لألُمم املتحدة أن تقوم به يف حل املشكالت العاملية»‪ ،‬ومثلت عبارة «العمل العسكري‬
‫يزرع والعمل السيايس يحصد‪ ،‬ومجنون من يزرع وال يحصد» واحدة من أشهر مقوالت‬
‫هاين الحسن‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫شبيبة الفتح وفلسطني يف الوطن (‪ ،)1993 – 1987‬وباالنتقال لعناق‬
‫البناء والتكريس للوطن من نافذة اتفاقيات املرحلة االنتقالية (‪1994‬‬
‫– ‪1999‬م) اقتنصت حركة فتح غيمة ماطرة فأعادت مئات اآلالف من‬
‫املناضلني للوطن وكرست آليات التشبث باألرض‪ ،‬ورسخت مفهوم معول‬
‫البناء ومنجل الحصاد وإرادة الثائر يف بناء مداميك الدولة الفلسطينية‬
‫القادمة‪ ،‬فامذا حققنا؟‪.‬‬
‫بال شك أن النجاحات السياسية كانت ذات طبيعة تراكمية يف النضال‬
‫الفلسطيني ويف جهود حركة فتح املضنية منذ اعالن الدولة عام ‪ 1988‬يف‬
‫العاصمة الجزائر عىل وقع انتفاضة الحجارة‪ ،‬ثم انتفاضة األقىص (‪-2000‬‬
‫‪2004‬م) وصوال إىل إعالن العامل اعرتافا أمميا بفلسطني دولة (غري عضو)‬
‫يف األمم املتحدة (قرار الجمعية العامة لألمم املتحدة ‪ 19 /67‬هو قرار‬
‫صوتت عليه الجمعية العامة لألمم املتحدة يف ‪ 29‬نوفمرب ‪ ،2012‬وهو‬
‫تاريخ اليوم العاملي للتضامن مع الشعب الفلسطيني‪ .‬قدم االقرتاح ممثل‬
‫فلسطني يف األمم املتحدة‪ .‬التصويت كان ملنح فلسطني صفة دولة غري‬
‫عضو يف األمم املتحدة‪ .‬يف األساس‪ ،‬يرقي القرار مرتبة فلسطني من كيان‬
‫غري عضو إىل دولة غري عضو‪ .‬مع رفض الحكومة اإلرسائيلية القرار‪ ،‬إال أن‬
‫رئيس الوزراء السابق إيهود أوملرت عرب عن تأييده له‪ .‬أيد القرار ‪138‬‬
‫دولة‪ ،‬وعارضته ‪ 9‬دول‪ ،‬وامتنع عن التصويت ‪ ،41‬وتغيبت خمس‪ ).‬ثم‬
‫النجاحات التي جعلت من مطاردة الكيان اإلرسائييل يف املؤسسات الدولية‬
‫هدفا لنا وهاجسا لإلرسائيليني وتكاتفت هذه النجاحات (أو االنتصارات)‬
‫الهامة مع تواصل الفعل امليداين اليومي من خالل املقاومة الشعبية‬
‫السلمية املتواصلة منذ العام ‪2005‬م‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫بندقية ومفتاح وم ّ‬
‫طارة‬
‫عىل الدرب الطويل سار رجاالت حركة فتح‪ ،‬كانوا يحملون يف جعبتهم‬
‫بندقية ومفتاح ومطرة (زمزمية)‪ ،‬يف األداة األوىل أي البندقية فتحوا‬
‫الطريق نحو بعث القضية من النسيان‪ ،‬فبدون الكفاح املسلح والحرب‬
‫الشعبية طويلة األمد ما كان للفتح أن يكون السيام والنسيان والتجاهل‬
‫واالنكسار كان يرخي بذيوله عىل سامء األمة العربية واإلسالمية خاصة‬
‫فرتة الخمسينيات والستينيات من القرن العرشين‪.‬‬
‫وحمل الفدايئ مفتاح العودة يف جيبه وما زال يحمله ولن يتخىل عنه‬
‫ألن العودة ومهام طالت األيام والسنون متحققة باألجيال‪ ،‬فكام أن األرض‬
‫تعلن يوميا أنها ألصحابها العرب الفلسطينيني فإن أصحابها يف الشتات‬
‫يتشبثون بحزب العودة‪ ،‬فهي العودة التي ال محيد عنها مهام كرثت‬
‫العقبات وتكاثفت األكاذيب وأحدقت بنا املؤامرات‪ .‬وحمل الفدايئ يف‬
‫جعبته مطّارة ليمألها باملاء كلام اشتد به عطش لذلك قىض الفلسطيني‬
‫حياته يبحث عن الغيامت املاطرة‪.‬‬
‫وعن مفتاح العودة الذهبي يقول عضو اللجنة املركزية للحركة‬
‫(آنذاك) خالد الحسن يف املجلس الوطني الفلسطيني بدورته العرشين‬
‫عام ‪( 1991‬أنا خالد الحسن‪ ،‬ابن حيفا‪ ،‬إذا فقدت حق العودة وبالتايل‬
‫أميل بالعودة إىل حيفا‪ ،‬شو بدي فيكم «ما حاجتي بكم»‪ ،‬أنا والله عندي‬
‫(‪((3‬‬
‫حيفا والقدس زي «مثل» بعض‪ ،‬ألن كل فلسطني مقدسة)‪.‬‬
‫ومع مفتاح العودة كانت مفاتيح التحرير والنضال بكافة أشكاله‬
‫مرتافقة مع مفتاح الدميقراطية والتعددية الداخلية (فنحن عودنا أنفسنا‬
‫منذ البداية عىل الدميقراطية‪ ،‬وعىل الحوار الهادف‪ ،‬فلم نرفع يوما سالحا‬
‫‪ -37‬من كلمة األخ خالد الحسن يف املجلس الوطني الفلسطيني الدورة ‪ 20‬دورة القدس‬
‫والشهداء‪1991 /9 /28-23 ،‬‬
‫‪183‬‬
‫فلسطينيا يف وجه فلسطينيني‪ ،‬ومل نقبل أن يسود منطق الغابة هذه‬
‫(‪((3‬‬
‫الساحة الفلسطينية‪)...‬‬
‫يف فلسطني ال نزرع األشجار فقط وال النباتات بل نزرع الفداء يف قلوب‬
‫الرجال وعقول األطفال ألن الوطن والقدر متامهيان‪ ،‬فكام كُتب علينا أن‬
‫نكون من هنا فإن الوطن ال يحيا إال فينا‪ ،‬ومهام كانت التضحيات فيه أو‬
‫من أجله فهي استجابة القدر فينا لنداء األرض‪.‬‬
‫يف فلسطني ال نزرع األرض فقط بل ونزرع النفوس والعقول واألرواح‬
‫بالنداء والعمل واألمل الكبري لذلك فالثورة أو ثورة بساط الربح كام‬
‫كان يسميها يارس عرفات عرفت الجدب والخصب وعرفت االنتكاسات‬
‫واالنتصارات‪ ،‬وتنقلت وتجاوزت وحرثت ويف جميع أطوارها ومراحلها‬
‫كانت تبحث عن الغيامت املاطرة‪ ،‬واألجوبة الشافية والسياسيات الواقعية‬
‫أحيانا واملجنونة حينا كل ذلك فداء لفلسطني‪.‬‬
‫أدوات النضال وحاجاتنا امللحة‬
‫ظهرت األجوبة والغيامت املاطرة يف فهم للمراحل‪ ،‬من النضال‬
‫العسكري‪ ،‬فالعناق بينه وبني السيايس‪ ،‬إىل النضال متعدد األوجه‬
‫(االقتصادي واإلعالمي واالجتامعي مع ما سبق‪ ،)...‬إىل النضال الجامهريي‬
‫عرب االنتفاضات والهبات (انتفاضة الحجارة عام ‪ 1993-1987‬ثم هبة‬
‫النفق عام ‪ 1996‬ثم انتفاضة األقىص عام ‪ 2000‬ثم ‪#‬غضبة_القدس أو‬
‫هبتها الحالية)‪ ،‬واملقاومة الشعبية السلمية املتواصلة اليوم بأشكالها‬
‫املتعددة التي دفع يف سبيلها العديد من الشهداء أرواحهم وكان فيهم‬
‫البطل الشهيد زياد أبوعني عضو املجلس الثوري لحركة فتح علام بارزا‪.‬‬

‫‪ -38‬املصدر السابق‪ ،‬من خطب صالح خلف‪ ،‬كلمة له عام ‪ 1982‬يف الكتاب املشار له‬
‫سابقا ص ‪142‬‬

‫‪184‬‬
‫سارت حركة (فتح) وأصابت وأخطأت‪ ،‬وأفلحت وعانت كثريا إىل أن‬
‫أصبحنا عىل أبواب العام ‪ 2016‬واالنطالقة تتجاوز األعوام الخمسني التي‬
‫نحتاج فيها للحكمة ولنقد وتأمل وتفكر وتطوير وابداع‪ ،‬والجعبة ما زالت‬
‫كام هي‪ ،‬ونحن بانتظار الغيث فاألرض ال يحرثها إال أبطالها والبحث عن‬
‫األبواب املفتوحة تحتاج ألكرث بكثري من الدعاء فقط‪.‬‬
‫‪1.1‬بني التخيل والتمسك‪ ،‬والشجاعة‬
‫إننا مطلّون عىل مرحلة تحتاج لكثري تفعيل ألدوات النضال السيام‬
‫الحراب وتشتيت‬ ‫والخراب يف الساحة العربية أصبح شديدا‪ ،‬ما بني طعن ِ‬
‫الفكر ورصاع النفوذ‪ ،‬والسيام واألمم تسعى ملصالحها ونحن يف أشد‬
‫حاالت الضيق‪ ،‬والنفق ما زال مظلام‪ ،‬ويف هذه املرحلة فإن أدوات النضال‬
‫واعتصار الغيامت وامتالك مفاتيحها يحتاج منا كفلسطينيني أكرث من أي‬
‫يشء آخر لتبادلية (التخيل) و(التمسك)‪.‬‬
‫إن مل نتخىل‪-‬ويف التخيل شجاعة‪ -‬ال نستطيع أن نتحىل بشجاعة‬
‫التمسك‪ ،‬إذ علينا التخيل عن أنانيتنا السلطوية أو الحزبية كتنظيامت‬‫ّ‬
‫وكأفكار (مكتفية بذاتها) وكآراء ومواقف متباعدة‪ ،‬وأن نتخىل عن أي‬
‫ارتباطات خارجية هي وهمية لنا ألنها – وبالتجربة – ال تسعى إال‬
‫ملصالحها‪ ،‬فلم يكن يوما للعدل والحق والضمري أن تغلب عىل املصالح‬
‫إال يف مراحل أو حاالت تاريخية محدودة‪ ،‬لذا فإن علينا يف حركة التحرير‬
‫الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح أوال ويف الفصائل األخرى أن (نتخىل) عن كل‬
‫ذلك إن وجد فينا (لنتمسك) ويتمسك غرينا بفكر وسجايا «الصدق‬
‫والشجاعة والتناغم» مع الجامهري‪ ،‬فكر فلسطني فكر الوطن‪ ،‬فكر األولوية‬
‫لفلسطني‪ ،‬ال ألي فكرة وأخرى مهام بدت مقدسة أو كبرية أو عظيمة‪ ،‬ألن‬
‫مهمتنا التي ألقاها الله سبحانه وتعإىل علينا أن نكون مرابطني يف هذا‬
‫البلد جميعا وليس كِ رَسا وأجزاء‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫يقول املفكر العريب الفتحوي خالد الحسن إن الشعب (قد اشتاق‬
‫لقيادة الصدق والشجاعة والوضوح واملصارحة والتنظيم والتعبئة والتناغم‬
‫مع نبض الجامهري العربية يف فلسطني‪ ،‬تلك الجامهري التي تسامت عىل‬
‫كل قياداتها منذ العام ‪ 1920‬حتى اآلن بوحدتها الوطنية وبرفضها الوقوع‬
‫(‪((3‬‬
‫يف مصيدة االنشقاقات الحزبية أو التنظيمية أو القيادية‪)...‬‬
‫إن الذهاب لعقلية التمسك بالجوامع الوطنية بديال عن القواسم‪،‬‬
‫واالتكال عىل الله‪ ،‬ووحدتنا هي قصبة النجاة‪ ،‬وهي الغيمة املاطرة‪ ،‬وقد‬
‫يقول قائل أن هذا الفصيل أو ذاك يرى ذاته أو فصيله (تنظيمه) أو فكره‬
‫من ّزها ربانيا مطلقا ال ياتيه الباطل من بني يديه أومن خلفه‪ ،‬وقد يرى ذلك‬
‫نعم‪ ،‬ولكن من واجبنا ‪-‬رغم علمنا هذا‪ -‬أن نفتح األبواب بل ونرشعها‪،‬‬
‫ونتنازل إلخوتنا ونتقدم أكرث من خطوة باتجاههم عرب الحوار املفتوح‬
‫والتقبل والتفاهم والتجاور يف نفس املساحة‪ ،‬ففلسطني والقضية أكرب منا‬
‫جميعا‪.‬‬
‫‪2.2‬بناء القلعة الكربى‬
‫نحن يف مرحلة أحوج ما نكون فيها للخطاب الواحد والصوت الواحد‬
‫والهدف الواحد والذي يستدعي حني استقرار القناعة بناء قلعة‪ ،‬نعم‬
‫بناء قلعة وطنية كربى‪ ،‬ففي ظل تهدم قلعة منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫وتشقق جدرانها وجدران السلطتني سواء يف رام الله أو غزة‪ ،‬ال بد أن‬
‫نبني قلعة جديدة تستلهم تجارب تلك املتداعية وتؤسس لفكر وثقافة‬
‫الدميقراطية (الرشاكة) الحقيقية دون إبطاء سيتجاوزنا به الزمن‪.‬‬
‫من هنا يقع واجب بناء الربنامج والخطة والرساطية (اإلسرتاتيجية)‬
‫الوطنية الشاملة عىل الكل الفلسطيني‪ ،‬ويف إطار منظمة التحرير‬
‫‪ -39‬من مقال لخالد الحسن تحت عنوان «علينا التمسك مبطالبنا الوطنية الفلسطينية‪،‬‬
‫ولو بحدها األدىن»‪ ،‬الرباط يف ‪1993 /8 /9‬‬
‫‪186‬‬
‫الفلسطينية ذات األسس الدميقراطية املدنية الجديدة‪ ،‬بال إسفافات‬
‫األفواه الكبرية عرب الفضائيات ومواقع التواصل االجتامعي املمتلئة بالقبح‬
‫والقذارة من تخوين وتشويه وتكفري‪.‬‬
‫إن البيت الوطني مخرتق ومثقل بالثقوب فال يتحصل عىل قدرة‬
‫تجميع املاء‪ ،‬وما استمرت الثقوب بال إصالح ال نستطيع ان نحرص املاء‬
‫فرنتوي أو نتقدم‪.‬‬
‫‪3.3‬بعيدا عن القمة و«العضو املحرتم»‬
‫أما ثالثا فكام نحتاج للتخيل كمقدمة للتمسك‪ ،‬وكام نحتاج لبناء قلعة‬
‫وطنية حصينة‪ ،‬فإننا عىل الصعيد الحريك الفتحوي الداخيل بال شك أخذتنا‬
‫األحداث اليومية بعيدا عن (طُهر) الفكرة‪ ،‬وبعيدا عن (ثقافة) االنتامء‬
‫وااللتزام واالنضباط‪ ،‬فاستبدلنا الذي هو أدىن بالذي هو خري‪ ،‬لتصبح‬
‫محطة انتامء البعض فينا ذات طابع انتقايئ أو ذرائعي أو مصلحي أو‬
‫شخصاين‪ ،‬وهو ما يتعارض مع تعريف االنتامء الفتحوي أنه لفلسطني‬
‫وترابها وسامئها وحجارتها وزيتونها وقضيتها‪...‬‬
‫ليس االنتامء قطعا لهذا أو ذاك‪ ،‬وكيف لالنتامء والثقافة الوطنية أن‬
‫تنمو والجسد (التنظيمي) منهك والجسد التنظيمي يعاين من األمراض‪،‬‬
‫والنفوس مليئة بالثقوب والسواد واليأس واإلحباط‪ ،‬والهياكل تتآكل فال‬
‫أبواب مفتوحة وال آذان تسمع وال قلوب لذكر الله سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫ولهدف فلسطني تخشع! وكيف لتعاضد وتكاتف وتساند يُبني ومسار‬
‫الحراك داخل التنظيم السيايس يتكالب نحو القمة وليس نحو (العضو)‬
‫من حيث هو الطاقة الجبارة والقيمة واالحرتام بفكره وأدائه وفعله بغض‬
‫النظر عن مكان وجوده يف السلم التنظيمي‪.‬‬
‫يقول خليل الوزير (أبوجهاد) أول الرصاص أول الحجارة عام أسامها‬

‫‪187‬‬
‫القواعد الذهبية األربع لحركة فتح وهي قواعد العمل الخاصة بنا «كأعضاء‬
‫يف الحركة»‪ ،‬أنها تتمثل‪ :‬بتبني (الوحدة الوطنية مع اتساع الصدر ورحابة‬
‫األفق‪ ،‬والثانية هي توظيف كل الطاقات لتحقيق حرب الشعب طويلة‬
‫األمد ما نحتاج معها إىل الصرب والنفس الطويل‪ ،‬والقاعدة الثالثة‪ :‬هي‬
‫بالعمل عىل تفتيت جبهة األعداء‪ ،‬والقاعدة الرابعة‪ :‬هي استقاللية قرارنا‬
‫التي ال تنبع من إقليمية ضيقة مغلقة‪ ،‬بل تنبع من منطلقاتنا ذات األبعاد‬
‫القومية استنادا إىل أن صاحب الجرح هو األكرث إحساسا باألمل واألكرث‬
‫إحساسا بحجم املعاناة‪ ،‬ولذا ال بد أن يكون هو األكرث تفاعال واندفاعا‬
‫(‪((4‬‬
‫ملعالجة جرحه)‬
‫إن إعالء قيمة (العضو) أي الشخص املنضوي تحت لواء التنظيم‬
‫السيايس بقناعة وإميان‪ ،‬يجب أن تكون أساس الثقافة التنظيمية الناهضة‪،‬‬
‫فكام يُطالب هو باالنضباط للقوانني واألوامر والتوجيهات فمن حقه أال‬
‫يُدار له الظهر‪ ،‬وأن يُعطى الدور يف مساحته وإطاره وأن يتم التواصل‬
‫الدوري معه‪.‬‬
‫ما يعنى أن ال حياة تنظيمية داخلية متواصلة بدون ُخامسية (‪-1‬‬
‫االجتامع الدوري لكل إطار ببنوده الكاملة‪ -2 ،‬تقديم التقارير عن األعامل‬
‫والتكليفات‪ -3 ،‬امتالك «التكليف واملهمة أو الدور» الذي ميارسه العضو‬
‫يوميا‪ ،‬ومامرسته التثقيف والبناء الذي ال غنى عنه‪ -4 ،‬عقد اللقاءات‬
‫الدورية وعقد املؤمترات مبواعيدها‪ -5 ،‬تحقيق التواصل االجتامعي‬
‫(‪((4‬‬
‫الداخيل‪ ،‬والجامهريي املبني عىل الحب والتفهم والتقبل والتجاور)‪.‬‬

‫‪ -40‬د‪ .‬محمد حمزة‪ ،‬أبوجهاد‪ :‬أرسار بداياته وأسباب اغتياله‪ ،‬االتحاد العام للكتاب‬
‫واألدباء الفلسطينيني‪ ،‬رام الله‪-‬فلسطني‪ ،‬الطبعة‪ ،8‬عام ‪ 2010‬ص‪180‬‬
‫‪ -41‬مراجعة دراسة بكر أبوبكر حول البناء والتثقيف يف األقاليم عىل موقعه ‪www.‬‬
‫‪bakerabubaker. info‬‬
‫‪188‬‬
‫‪4.4‬استمطار األمة العربية‬
‫نعم نحن نلتفت للداخل فينا كحركة فتح وفينا كمنظمة تحرير‪ ،‬وفينا‬
‫كفكرة وثقافة مشاركة ودور جامعة متجددة‪ ،‬ما نراه أولوية عظمى يف‬
‫ظل الخراب الذي يرضب يف ظهرنا يف عمق أمتنا العربية‪ ،‬أو انكفائها‬
‫وابتعادها (الذي نسعى ألن يكون مؤقتا) عن قضية األمة األوىل قضية‬
‫فلسطني‪.‬‬
‫ويف (سعينا) الستمطار غيامت األمة العربية الشك أن قنواتنا يجب‬
‫أن تظل مفتوحة عىل ذات القاعدة التي ألِفناها فنحن واألمة جسد واحد‬
‫مهام أثقلته الجراح هذه األيام‪( .‬هل نتذكر شعارنا الخالد الذي طاملا أكد‬
‫عليه القائد صالح خلف وخالد الحسن أننا قاطرة ال تسري إال ضمن قطار‬
‫األمة العربية‪ ،‬وأننا رأس الرمح فيها‪)...‬‬
‫ومن هنا يف النقطة الرابعة املطلوبة حاليا تقول أن‪ :‬لنا دور مشرتك‬
‫يجب أن منارسه يف تعظيم قيم التوافق والتعاضد والتقارب بني األمة ومع‬
‫األمة العربية حيث يجمعنا التاريخ والحضارة واملكان واللغة العظيمة‬
‫والثقافة والقضايا املشرتكة‪ ،‬كام تجمعنا الحضارة واإلسالم العظيم مع عدد‬
‫من دول اإلقليم املجاورة (مع ايران وتركيا)‪ ،‬ولنا دور يجب أن منارسه يف‬
‫تعظيم قيم التوافق أيضا مع الدول اإلسالمية‪ ،‬بل ومع أحرار العامل حيث‬
‫قيم العاملية الحضارية‪.‬‬
‫يف حديثنا يف اإلطار الواسع املساحة أي االقليم أو األمة العربية‬
‫وجب علينا أمران األول‪ :‬االستمرار بطرق الخزان العريب سواء الرسمي أو‬
‫الشعبي‪ ،‬فام زال هذا الخ ّزان يضم الكنوز البرشية يف االعالم والصحافة‬
‫والفكر واالقتصاد والثقافة الجامعة والتقانة وغريها من املجاالت التي ال‬
‫غنى عنها لنا كأمة‪ ،‬ويف فلسطني القضية والدولة واملستقبل‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫ويف االمر الثاين يجب تحقيق مساهمتنا يف دعم قيام (كيان) األمة‬
‫الناهضة‪ ،‬ونحو مزيد من التقارب والتآلف وصوال للوحدة بأي شكل‬
‫مقبول من شعوب األمة‪ ،‬وهل أوربا متعددة القوميات أفضل منا لتشكل‬
‫(االتحاد االورويب)؟ ونحن نتفرج عىل أعتاب فكرة خيالية سلطوية‬
‫استبدادية‪ ،‬ليست نهضوية أصبحت بائدة اسمها (أمة عربية واحدة‪،)...‬‬
‫أو اسمها املخادع (الخالفة اإلسالمية)‪ ،‬وهي مهام كان مسماّ ها ما يجب‬
‫أن ننهض بها ثقافيا وفكريا كحركة فتح لدعمها يف نظرية أقرب ما تكون‬
‫ملفهوم «أمة دميقراطية حضارية واحدة منفتحة»‪ ،‬وأن تعددت األنظمة‬
‫السياسية‪ ،‬يجمعها املصلحة الواحدة‪ ،‬لتتبوأ مكانا مرموقا بني األمم بالتحرر‬
‫وبالفكر والثقافة والصناعة والتقانة والوحدة االقتصادية واحرتام حقوق‬
‫اإلنسان والتعددية واملدنية‪ ...‬الخ‪ ،‬بعيدا عن معازل (غيتوات) الجهالة‬
‫والتطرف واالنعزال العنرصي واإلرهاب الذي عصف بأمتنا‪.‬‬
‫لنا أن تحلّق األمة معنا‪ ،‬فال تضيع فلسطني يف ظل البُهتان الصهيوين‬
‫الذي يحاول أن يجعل من الخطر االقليمي (ايران تحديدا) هو الخطر‬
‫األوحد‪ ،‬يف محاولة فاشلة الستقطاب األمة‪ ،‬ولنا أن نزرع مع األمة بذور‬
‫الوحدة الناهضة أيضا‪ ،‬وننتظر اإلمثار‪ ،‬فالغيامت فينا رابية‪.‬‬
‫‪«5.5‬الفهم» والرصاعات‬
‫يف النقطة الخامسة بعد أن تعرضنا للوحدة الداخلية بشقيها الفتحوي‬
‫والوطني العام‪ ،‬وبناء الرساطية (االسرتاتيجية) والربنامج املوحد‪ ،‬ووحدة‬
‫األمة يف اإلطار الحضاري‪ ،‬فإن فهم الرصاع بأبعاده الذي قد ال ينتبه له‬
‫الكثريون يحتاج جهدا مضاعفا‪ ،‬وهذه األيام خاصة يف ظل رصاعات جديدة‬
‫تحيط بنا منها رصاع اإلسالمويني ورصاعات التطرف ورصاع اإلرهاب‪ ،‬ورصاع‬
‫(اإلسالموفوبيا) بالغرب‪ ،‬ورصاع األصالة ورصاع األديان والطوائف‪ ،‬ورصاع‬
‫التقسيم الجديد للمنطقة العربية‪ ،‬ورصاع العلامنية وأبوابها املتعددة‪،‬‬
‫‪190‬‬
‫ورصاعات الحداثة والعوملة والبيئة‪ ،‬ناهيك عن رصاع الرواية التوراتية‬
‫الرائجة هذه األيام يف ظل خرافية وأسطورية فكر اليمني اإلرسائييل الصاعد‪،‬‬
‫وكثري من مرويات الرتاث العريب واإلسالمي التي استجابت لهذه األساطري‬
‫التوراتية‪ ،‬ومل تعد تطيق تقبل الدالئل والرباهني التي تسقطها وترصعها‪.‬‬
‫إن رصاعنا الثقايف الفكري التاريخي النضايل سواء يف املنطقة‪ ،‬أو فيام‬
‫يتعلق بفلسطني هو مام يجب أن نقرنه مع ما استجد من رصاعات نخوضها‬
‫مثل رصاع مقاطعة الكيان اإلرسائييل العنرصي يف كل املحافل ويف الوطن‪،‬‬
‫والرصاع القانوين الذي ذهبنا إليه حديثا مرتافقا مع النجاحات السياسية‪،‬‬
‫ودعام السرتاتيجية تحطيم أسطورة (إرسائيل) كدولة (دميقراطية) ما هي‬
‫يف الحقيقة إال عنرصية تبتغي (اليهودية) اإلقصائية‪ ،‬األكرث بغضا مام كان‬
‫يف جنوب افريقيا‪.‬‬
‫إننا بحاجة كفلسطينيني وكحركة فتح وكتنظيامت عامة للفهم املشرتك‬
‫أوال‪ ،‬ويف إطار تحقيق هذا الفهم المناص من استبعاد أولئك املعوقني‬
‫للوصول لهذا (الفهم املشرتك) وهذا الفهم إن مل يعود لجذره وهو‬
‫(فلسطني) ولجذره الحضاري يف صميم حضارة أمتنا العربية اإلسالمية‬
‫واملسيحية الرشقية نكون يف حالة (تيه) كتلك التي حصلت لقبيلة بني‬
‫إرسائيل العربية اليمنية املنقرضة هناك يف الجغرافيا البعيدة‪.‬‬
‫إن املأساة يف فلسطني اليوم ذات طابع مركب ما بني اختالالت‬
‫الجغرافيا ورصاخ األرض املغروس فيها خنجر االستيطان واالحتالل‪،‬‬
‫وتكرار مآيس اللجوء‪ ،‬وما بني تزويرات السياسيني اإلرسائيليني وشحذ‬
‫سكاكينهم امللونة لقطع رقبة نضالنا‪ ،‬بل ومتزيق تاريخنا وحضارتنا‪ ،‬وما‬
‫يساعدهم يف عملية الذبح اإلرهابية هذه هو عدم القدرة عىل «الفهم»‬
‫وعدم القدرة عىل التوافق عىل التحليل لدينا نحن كتنظيامت فلسطينية‬
‫سياسية أساسا‪ ،‬وعدم القدرة لدى فئة كبرية عىل تقبل اآلخر والتعددية‬
‫‪191‬‬
‫والدميقراطية والرشاكة‪ ،‬وما يساعد العدو يف مذبحته ضدنا هو تفككنا‪،‬‬
‫وله ْو األمة وانرصافها إىل مواضيع تأخذ أنظمتها ومنظامتها بعيدا وتجعل‬
‫من انخراطهم يف محاور متقابلة‪-‬متقاتلة أساس الرصاع والفرز الذي يدمر‬
‫األمة من حيث تدمري فكرة الدول الوطنية‪ ،‬ومن حيث هز االستقرار‪ ،‬ومن‬
‫حيث تلطيخ الثقافة الحضارية املتعددة‪.‬‬
‫إن حاجتنا للفهم املشرتك يف التوافق عىل وحدة فكرتنا الجامعة يعني‬
‫أول ما يعنيه قطع الخيوط مع ما يظنه البعض «أكرب» من «فلسطني‬
‫الفكرة الجامعة»‪ ،‬وهو ذاته الخيط «األكرب» الذي التف نحو رقابنا فجمد‬
‫نضالنا كفلسطينيني يف فرتة تكاثف غيامت االنطالقة ما قبل عام ‪،1965‬‬
‫وها هو يعود اليوم ليلتف حول رقبة القضية بوجه جديد يجعل من‬
‫فلسطني قضية ثانوية‪ ،‬أو إلحاقية أو قابلة لالنتظار ال يرفع من أجلها إال‬
‫الشعارات الفضائية‪ ،‬ومن هنا فواجب حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬‬
‫فتح داخيل وخارجي‪ ،‬وثقايف كام هو ميداين صادق وشجاع وصبور بال كلل‪.‬‬
‫وإنا ملنترصون بإذن الله‪ ،‬وإنها لثورة حتى النرص‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫حركة «فتح» الوطنية‪ ،‬وقضايانا القومية‬
‫(العام ‪)2017‬‬

‫حركة فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر مبعنى أن‬
‫شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير‪ ،‬وتحديدا‬
‫تحرير فلسطني من االحتالل الصهيوين ويف ذلك فليتنافس املتنافسون‪،‬‬
‫دولة مستقلة ثم دولة دميقراطية مدنية عىل كامل الرتاب الفلسطيني‪.‬‬
‫إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية‬
‫للمستعمر‪ ،‬واحتالل األرض واإلنسان‪ ،‬ويف هذا السياق اقتدت الثورة‬
‫الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح بتجارب الشعوب‬
‫حتى اكتشفت طريقها الخاص‪.‬‬
‫منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح ال تجمد وال تتحيز وال تقيص وال‬
‫تغتاظ من نجاحات اآلخرين‪ ،‬بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث‬
‫أنها احتملت يف داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة‪،‬‬
‫متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطني‪.‬‬
‫فحيثام اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أو‬
‫تيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطني‪ ،‬وليس كأولئك الذين وضعوا‬
‫فلسطني عىل هامش مرشوعهم األكرب أو الشمويل فأصبحت ثانوية ال‬
‫‪193‬‬
‫أساسية وفرع ال أصل‪.‬‬
‫فتح الحركة حيوية ودميومة‪ ،‬أصالة وتغري دائم‪ ،‬وفتح الفكرة والخلق‬
‫والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغرتاف املعاين الصاعدة من نهر‬
‫الحضارة العربية اإلسالمية وباإلسهامات املسيحية الرشقية‪ ،‬وباالنفتاح‬
‫عىل الفكر والحضارة والثقافة اإلنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم‬
‫(الوطنية) يف السياق املحيط(‪.((4‬‬
‫شعار «عدم التدخل» والدول «القومية»‬
‫اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية (م‪ .‬ت‪ .‬ف) وحركة «فتح»‬
‫سياسة عدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول العربية‪ ،‬ألنها جعلت‬
‫فلسطني امللتقى والهدف‪ ،‬ومن يأيت لفلسطني أهال وسهال به بيننا ومعا‬
‫يدا بيد وسويا‪ ،‬يف إطار املعركة «القومية»(‪ ((4‬أو النضالية عامة‪ ،‬ورغم‬
‫أن هذا الشعار الذي طبقته فعليا عىل األرض اجترُ ح لغرض كف رشور‬
‫األنظمة العربية عن العبث يف جسد الثورة‪ ،‬السيام فرتة االنقالبات العربية‬
‫والتقلبات السياسية التي صاحبت االنطالقة ‪ ،1965‬ولتكريس الثورة‬
‫باتجاه العدو الرئيس إال أن العكس هو ما حصل من هذه األنظمة‪ ،‬إذ‬
‫كان لعديد األنظمة قصب السبق يف العمل عىل تحطيم وشق املنظمة‬
‫وحركة فتح عند أول فرصة تلوح لها‪.‬‬
‫‪ -42‬من مقال للكاتب بكر أبوبكر تحت عنوان (يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‬
‫‪ 47‬فتح تنترص بالعمل والجامهري) عىل موقع صحيفة الحياة الجديدة‪ ،‬وعىل موقعه‬
‫الشخيص ‪www. bakerabubaker. info‬‬
‫‪ -43‬كان شعار الوحدة العربية وقومية املعركة يطغى عىل املفهوم «الوطني» الذي‬
‫اعتمدته حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح بني أفكار‪ :‬القومية الشوفينية وبني‬
‫االشرتاكية العلمية (الشيوعية) وبني اإلسالموية (خاصة اإلخوان املسلمني وحزب التحرير)‬
‫كلها فكرانيات (أيديولوجيات) ذات األفق العاملي أو الواسع‪ ،‬ويف السياق طرحت الحركة‬
‫فكرا غري مؤدلج يرص عىل أن (فلسطني طريق الوحدة) مخالفة شعار األحزاب والدول‬
‫البعثية القومية آنذاك أن‪ :‬الوحدة طريق التحرير‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫غنى عن الحديث املسهب ما حصل من النظام السوري (يف أقله دعم‬
‫االنشقاق عىل فتح عام ‪ 1983‬ثم حرب طرابلس‪-‬لبنان‪ ،‬وحرب املخيامت‬
‫البشعة يف لبنان (‪ ،)1988-1985‬واملحاوالت املتكررة إلنشاء منظمة‬
‫تحرير بديلة(‪ ((4‬سواء مع بعض تنظيامت اليسار ثم الحقا مع دعم النظام‬
‫السوري لفصيل «حامس» الذي سعى جاهدا إلنشاء املنظمة البديلة(‪)...((4‬‬
‫‪ -44‬أنظر ماذا يقول الكاتب عصام عدوان يف مجلة فلسطني اآلن التابعة لـ«حامس»‬
‫‪ /http:/ / felesteen. ps‬هذا يف ‪ 2015 /9 /8‬بعد أن ينظّر لفشل «حامس» يف دخول‬
‫املنظمة رغم محاوالتها كام يرى (؟!) وحيث اعترب الدخول للمنظمة دخوال إىل «قفص»‬
‫و«عبودية» (؟!) حيث يختم بالقول‪« :‬عىل حركة حامس‪ ،‬ومعها كل فصائل املقاومة‬
‫خارج إطار منظمة التحرير أن ت ُ ِق ّر بفشل سياسة الدخول إىل منظمة التحرير‪ ،‬لرتفع تلك‬
‫الغشاوة عن ناظريها‪ ،‬لتبرص آفاق الخيارات والبدائل األفضل»‪.‬‬
‫‪ -45‬يف شهر فرباير‪ 2009‬ومازالت «حامس» يف دمشق وبعد االنقالب يف غزة بعامني‪:‬‬
‫((تعهد رئيس املكتب السيايس لحركة حامس خالد مشعل بـ«مفاجأة» لبناء مرجعية‬
‫جديدة بديال عن منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬رافضً ا الرشوط اإلرسائيلية لفتح املعابر مع‬
‫قطاع غزة مقابل االفراج عن الجندي اإلرسائييل جلعاد شاليط‪ .‬وكشف مشعل يف خطاب‬
‫خالل حفل اقيم يف الدوحة تحت عنوان «وانترصت غزة»‪« :‬عن تحرك تقوم به الفصائل‬
‫سوف تفاجئ به االطراف االخرى لبناء مرجعية وطنية جديدة متثل فلسطينيي الداخل‬
‫والخارج وتضم جميع القوى الوطنية الفلسطينية وقوى الشعب وتياراته الوطنية»‪ .‬وأكد‬
‫ان «منظمة التحرير الفلسطينية يف حالتها الراهنة مل تعد متثل مرجعية الفلسطينيني‬
‫وتحولت إىل ادارة النقسام البيت الفلسطيني»))‪ .‬أنظر صحيفة الرشق االوسط يف ‪/2 /7‬‬
‫‪ ،2015‬ويقول صالح القالب يف فرباير ‪2009‬حول املوضوع‪(( :‬مل يكن االجتامع الذي عقدته‬
‫مثاين فصائل فلسطينية يف دمشق‪ ،‬ست منها وهمية ومجرد انشقاقات عن انشقاقات‪،‬‬
‫والذي سبقه اجتامع مع الرئيس السوري بشار األسد وتبعته جولة قادت خالد مشعل أوال‬
‫إىل الدوحة ثم إىل طهران‪ ،‬وإمنا ذلك املؤمتر الذي انعقد يف يناير (كانون الثاين) من العام‬
‫املايض ‪ 2008‬تحت «الفتة» حق العودة‪ ،‬وثبت أن هدفه الحقيقي هو شطب املنظمة‬
‫الحالية املعرتف بها من قبل نحو مائة وعرشين دولة من دول العامل والتي اتخذ العرب‬
‫يف قمة الرباط عام ‪ 1974‬قرارا ملزما بأنها املمثل الرشعي والوحيد للشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫قبل هذا املؤمتر‪ ،‬الذي انعقد يف دمشق يف يناير (كانون الثاين) يف العام املايض والذي‬
‫شكل لجنة إلقامة املنظمة البديلة ملنظمة التحرير التي أعلن عنها خالد مشعل بعد‬
‫لقاء مع الرئيس بشار األسد وعشية جولة قادته أوال إىل الدوحة ثم إىل طهران «الثورة»‪،‬‬
‫كانت «حامس» قد قامت بانقالب يونيو (حزيران) الذي قامت به يف غزة‪ ،‬وشطرت‬

‫‪195‬‬
‫والنظام العراقي (ويف أقله استغالل جامعة أبونضال كبندقية لإليجار يف‬
‫(‪((4‬‬
‫تصفية قياداتنا‪ ،‬والتي تنقلت بندقيته الحقا من كتف إىل كتف‪)...‬‬
‫والنظام الليبي يف مراحل عديدة (مثل استغالل جامعة جربيل وبعض‬
‫الفصائل األخرى ضد الثورة‪ ،‬و«نصيحة»‪ :‬موتوا يف ب�يروت‪ )((4(...‬حيث‬
‫عكس الخالف السيايس املفكرن (املؤدلج) نفسه عىل العالقة والناس‪،‬‬
‫ال سيام بني الرئيس الراحل يارس عرفات واملنظمة من جهة وبني هذه‬
‫األنظمة املغرتة بذاتها‪ ،‬وما كان الخالف عىل تحرير فلسطني أبدا‪ ،‬وإمنا‬
‫الوضع الفلسطيني سياسيا وجغرافيا إىل شطرين‪ ،‬إمارة غزة اإلسالمية التي أقيمت وفق‬
‫املواصفات الخمينية يف مواجهة دولة الضفة الغربية والسلطة الوطنية يف رام الله‪)).‬‬
‫‪ -46‬صربي خليل البنا (‪ 16‬مايو ‪ 16 - 1937‬أغسطس ‪ ،)2002‬وشهرته‪ ‬أبو نضال‪،‬‬
‫مؤسس‪ ‬ما أسامه فتح‪-‬املجلس الثوري‪ ،‬وهي جامعة مسلحة فلسطينية منشقة‪ ،‬عرفت‬
‫أيضً ا باسم‪ ‬منظمة‪ ‬أيب نضال‪ ،‬وإبان فرتة السبعينات والثامنينات من القرن العرشين‪ ،‬كان‬
‫البنا يف أوج قوته‪ ،‬وحينها عرف عىل نحو واسع بكونه بندقية لاليجار حيث مارس العديد‬
‫من عمليات اإلرهاب واالغتيال للقيادات الفلسطينية بأوامر عراقية ثم ليبية الحقا مثل‬
‫سعيد حاممي وعزالدين القلق وعيل ياسني ود‪ .‬عصام الرسطاوي‪.‬‬
‫‪ -47‬كتب حافظ الربغويث رئيس تحرير الحياة الجديدة عام ‪ 2000‬يف الصحيفة الفلسطينية‬
‫يقول ‪( 0‬وسألت ابو اياد قبل اجتياح «إرسائيل» للبنان فقال ذهبنا إىل ليبيا نطلب‬
‫صواريخ «لونا» التي يبلغ مداها ‪ 60‬كيلومرتا لردع «إرسائيل» حتى ال تفكر يف غزو لبنان‬
‫فرفض القذايف وقال «انه مبجرد بدء الغزو فان طائرات ليبية ستنطلق لرضب تل ابيب‬
‫وهناك طيارون فلسطينيون يف سالح الجو الليبي سيقومون باألمر فال حاجة للصواريخ»‬
‫فقلت ألبو اياد ولكن اال يعطونكم اسلحة ومدافع؟ فقال «لفتح ال‪ ..‬انهم يعطونها ألحمد‬
‫جربيل‪ ..‬ونحن نأخذها منه بطرقنا» يف البداية لعب‪-‬القذايف‪ -‬دورا داعام للثورة ثم انقلب‬
‫وبدأ يلعب دور االفساد يف الثورة الفلسطينية من حيث بث الفرقة وتبني االنشقاقات‬
‫ودعمها واستخدامها يف االغتياالت الداخلية والخارجية والرتويج بأنه يضع اقتصاد ليبيا‬
‫وأموالها يف خدمة القضية الفلسطينية‪ .‬وهو ما مل يحدث بل سخر االموال لرضب القضية‬
‫الفلسطينية‪ ..‬فالدولة الوحيدة التي ال تسدد اي التزام بالدعم املايل‪ ..‬هي ليبيا سابقا‬
‫والحقا وحتى ما تم االلتزام به يف قمتي رست مل يدفع منه فلس واحد من جانب ليبيا‪.‬‬
‫فدور القذايف كان دوما استاملة فصائل معارضة أليب عامر والحقا أليب مازن‪ ..‬وحياكة‬
‫املؤامرات ودعمها‪ ..‬فهو يلعب ماديا الدور الذي تلعبه قناة الجزيرة اعالميا اي النميمة‬
‫ونرش الفساد والفتنة وآخرها محاولة عقد لقاء بني احد قادة فتح وقادة من حامس يف‬
‫طرابلس لخلق تحالف ضد أبو مازن برعاية ليبية‪)).‬‬
‫‪196‬‬
‫عىل حجم دور هذه األنظمة يف الشأن الفلسطيني الذي كان يرفعها أو‬
‫ينزلها يف عيون جامهريها وبالتايل يثبت أو يعظّم رشعية نُظُمها املهتزة‪،‬‬
‫فكان الطعن يف جسد الثورة ومحاربتها بالنار والبارود وقطع األموال عنها‬
‫وشن حرب إعالمية رشسة عليها وعىل الفلسطينيني هو األسلوب األمثل‬
‫واألسهل (والذي يرونه ذو الجدوى) لها بدال من اللجوء للحوار ومزيد من‬
‫إيجاد الجوامع‪.‬‬
‫حركة فتح واإلجماع العربي‬
‫رغم تأكيدنا أن الدول العربية‪ ،‬وحتى تلك املشار لها كانت يف مراحل‬
‫محددة ذات ثقل حقيقي وداعم للثورة بال جدال(‪ ،((4‬إال أنه يف حاالت‬
‫والشقاق كان الحل لدى أنظمتها أو لدى أجهزتها األمنية خاصة‬ ‫الخالف ِ‬
‫من جنس ما عاملت به شعوبها‪ ،‬وهو إدخال املبضع يف جسد الثورة‬
‫وحركة فتح ما شكل تدخال سافرا وقاتال وخرقا لسياسة الحركة واملنظمة‪.‬‬
‫يف ذات اإلطار اتخذت حركة فتح مواقف واضحة يف دعمها اإلجامع‬
‫العريب عىل صعوبة تحقيقه‪ ،‬وأحيانا عىل تساهله ومسايراته املائعة لألنظمة‬
‫وجنوحها للتنازل‪ ،‬وكانت فتح واملنظمة مع الحل العريب والتنسيق العريب‬
‫دون فقدان روحها االستقاللية (القرار الفلسطيني املستقل شعار حركة‬
‫فتح مل يعني العنرصية أو التقوقع أو العزلة أو االقليمية‪ ،‬وإمنا عنى القرار‬
‫يف إطار التعاون العريب) ورفض انسحاقها تحت أقدام األنظمة ومصالحها‬
‫الخاصة‪ ،‬فكانت مع الحل العريب فيام يتعلق بالقضية الفلسطينية يف ظل‬
‫فقدان الداعم العريب االسرتاتيجي ملعنى الجبهة الثورية ضد االحتالل‬
‫الصهيوين لفلسطني‪( .‬أنظر املوقف من مرشوع قمة فاس الثانية بعد‬
‫حصار بريوت ‪ 1982‬ومبادرة السالم العربية عام ‪ 2002‬أثناء حصار أبوعامر‬
‫‪ -48‬حيث ال ينكر الدور السوري يف الستينيات والسبعينيات من القرن املايض يف الدعم‬
‫الرشيف للثورة كمثال‪ ،‬وخاصة قبل مرحلة حكم آل األسد‪ ،‬ويف بداياتها‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫يف املقاطعة برام الله)‪.‬‬
‫دعمت حركة فتح العمل العريب عرب الجامعة العربية وعرب مختلف‬
‫صيغ التعاون يف كل املفاصل‪ ،‬يف القضايا العربية كلها وأبرزها السياسية‬
‫والوجودية ضد العدو اإلرسائييل باحتالله فلسطني أساسا بالقطع‪،‬‬
‫وباحتالله الجوالن وجزء من االرايض اللبنانية‪ ،‬وسيناء (حتى تحررت)‪،‬‬
‫وأيضا املوقف الواضح من احتالل جزردولة اإلمارات العربية املتحدة من‬
‫قبل النظام اإليراين الشاهنشاهي (‪ ((4‬حني احتاللها فكله احتالل‪.‬‬
‫كان موقف حركتنا دوما موقفا عروبيا صارما‪ ،‬ألنها رأت االعتداء عىل‬
‫أي جزء من األمة العربية ‪-‬بكافة مكوناتها‪ -‬هو اعتداء عىل ثغرة من‬
‫الثغور واعتداء عىل أولوية القضية الفلسطينية ومحاولة لحرف املسار‬
‫العريب عن القضية املركزية قضية أمة العرب واملسلمني وأحرار العامل‪ ،‬كام‬
‫هو حاصل اليوم باالقتتاالت الداخلية الواسعة املدعومة اقليميا‪.‬‬
‫التفتيت القائم اليوم يف جسد األمة العربية من رشقها إىل غربها ‪-‬إن‬
‫عرجنا عليه ب ُعجالة‪ -‬هو بإرادة الفكر االستعامري التمزيقي الذي يحاول‬
‫تسويق إعادة تركيب األمة عىل منطق طائفي‪ /‬مذهبي وإثني واقتصادي‬
‫مهمني لها‪ ،‬ال يجابهه ويقف له باملرصاد ويصمد أمامه إال استعادة مفهوم‬
‫حركة فتح األصيل بتكثيف الفكر الوطني الوحدوي ضمن حيز اإلقليم‪/‬‬
‫الدولة املنفتح عىل البناء الوحدوي العريب‪ /‬اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -49‬أقدمت إيران يف ‪ 30‬نوفمرب عام ‪ 1971‬عىل احتالل الجزر اإلماراتية الثالث‪ :‬طنب‬
‫الكربى وطنب الصغرى اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة‪ ،‬وجزيرة أبو موىس التي تتبع‬
‫إمارة الشارقة‪ .‬قبل أيام من استقالل اإلمارات العربية املتحدة يف ‪ 2‬ديسمرب ‪ ،1971‬ويف‬
‫هذا اليوم أيضا نالت استقاللها من الحامية الربيطانية‪.‬‬
‫‪198‬‬
‫«الفكر الوطني» يف مواجهة «الطائفية والتمزق‬
‫يقف الفكر الوطني الجامع للمكونات حالً ضد ما انترش اليوم من‬
‫دعوات طائفية أو مذهبية أو إثنية من بعض مكونات األمة الالهية أو‬
‫الغاضبة أو املظلومة أو املنخرطة يف اللعبة التفتيتية‪ ،‬بل ويقف هذا‬
‫املفهوم «الوطني الجامع» ضد الدعوات اإلسالموية املتطرفة والخطرية التي‬
‫تُفتت الشعوب وجسد األمة وتنقل الثقل من الكُل الجمعي‪ ،‬ومن العمل‬
‫عىل بناء اإلنسان والبلدان بالعلم عرب التطوير واإلبداع‪ ،‬وباالقتصاد القوي‬
‫والصناعة والزراعة‪ ،‬وبالتغيري بالفكر إىل الرجوع قرونا للخلف واستفراغ‬
‫سواد ليا ٍل حالكة عىل شذوذها كان الوعي فيها خارج عن السياق العلمي‬
‫أو الحضاري اإلنساين بل وخارج عن السياق اإلسالمي السمح‪.‬‬
‫من منطلق عدم التدخل‪ ،‬واحرتام الدول وشؤونها الداخلية‪ ،‬ودعم‬
‫االجامع ودعم الثورات‪ ،‬والشعوب وشؤونها يف أوطانها‪ ،‬وقفت حركة فتح‬
‫مع الثورة اإليرانية (‪ )1979‬فكانت أول املرحبني بها بل ومن الداعمني‬
‫لعديد الرجال يف مساراتها دعام لفلسطني‪ ،‬فكان (يوم القدس)(‪ ((5‬الذي‬
‫أعلنه اإلمام الخميني اقرتابا أصيال من فلسطني وقضايا األمة عامة عرب‬

‫‪ -50‬اإلعالن جاء بعد ‪ 6‬أشهر من عودة اإلمام الخميني إىل إيران وبعد أربعة أشهر‬
‫من قيام «الجمهورية اإلسالمية» أي يف متوز من العام ‪1979‬م إلثبات حضور القضية‬
‫الفلسطينية والقدس يف فكر اإلمام‪ ،‬واليوم مل يكن خاصاً باملسلمني‪ ،‬بل يوماً عاملياً (كام‬
‫يضيف موقع دار الوالية) «ولعل يف ذلك إشارة إىل إعطاء اإلمام للقضية بعدها العاملي‪،‬‬
‫كنموذج للرصاع بني الحق والباطل‪ ،‬وهذا ما عرب عنه اإلمام والذي سيتضح من دالالت‬
‫يوم القدس» ويقول الخميني نصا حول هذا املوضوع‪« :‬يوم القدس يوم عاملي‪ ،‬ليس‬
‫فقط يوماً خاصاً بالقدس‪ ،‬انه يوم مواجهة املستضعفني مع املستكربين»‪ .‬ويقول قدس‬
‫رسه‪« :‬انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغريها للقوى الكربى»‬
‫مضيفا‪« :‬يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل املستضعفني من مخالب املستكربين‪،‬‬
‫يوم يجب أن تعلن كل املجتمعات اإلسالمية عن وجودها وتطلق التحذيرات إىل القوى‬
‫الكربى»‪- .‬أنظر موقع ‪.http:/ / alwelayah. net/ ?p=26807‬‬
‫‪199‬‬
‫القدس‪ ،‬ما مل مينعها من الرتدد يف املوقف من الحرب العراقية اإليرانية‪،‬‬
‫(‪((5‬‬

‫فوقفت حركة فتح بالبداية محايدة إىل أن ظهرت مطامع النظام االيراين‬
‫جلية‪ ،‬هذه املطامع التي ظهرت لدى ال ُحكم املطلق بالهيمنة اإلقليمية‬
‫وتصدير الفكر السيايس السلطوي (دستور الجمهورية اإلسالمية يف إيران‬
‫يلزمها بالتدخل لحامية املستضعفني يف العامل!) الذي تريد حقنه قرسا يف‬
‫جسد األمة ما كان معناه أن نكون مع أمتنا العربية واإلسالمية وإما ضدها‪-‬‬
‫عدا عن تدخالتها الالحقة يف الساحة الفلسطينية حتى اليوم‪ -‬فوقفت‬
‫القيادة الفلسطينية بوضوح ضد التدخالت اإليرانية يف الشأن الفلسطيني‪،‬‬
‫والعريب سواء يف العراق أو سوريا أو اليمن‪ ،‬مع االحرتام لسيادتها الوطنية‬
‫وعضويتها يف األرسة اإلسالمية ويف اإلقليم‪.‬‬
‫ورغم موقف القيادة الفلسطينية من احتالل الكويت عام ‪ 1991‬من‬
‫قبل النظام العراقي الذي شابه تكثيف اإلدانات الظاملة‪ ،‬إال أن حقيقته‬
‫بأجمعه كان ضد مبدأ االحتالل ألي دولة عربية أو جزء منها‪ ،‬واللجوء لحل‬
‫عريب كام رأى عديد القياديني فيها‪ ،‬فيام انربى آخرون لرفض االحتالل دون‬
‫تحديد رشوط الحل‪.‬‬
‫ومن هنا كان منطق حركة فتح يف السعي الدائم للحفاظ عىل اإلجامع‬
‫العريب (يف اإلطار العريب‪ ،‬ال األمرييك أو األجنبي) ضد االعتداءات االقليمية‬
‫التي أساسها من العدو الصهيوين‪ ،‬ويتداخل معها اليوم مصالح سياسية‬
‫‪ -51‬حرب الخليج األوىل أو الحرب العراقية اإليرانية‪ ،‬أطلق عليها من قبل الحكومة‬
‫العراقية آنذاك اسم قادسية صدام بينام عرفت يف إيران باسم الدفاع املقدس (بالفارسية‪:‬‬
‫دفاع مقدس)‪ ،‬هي حرب نشبت بني العراق وإيران من سبتمرب ‪ 1980‬حتى أغسطس‬
‫‪ ،1988‬خلفت الحرب نحو مليون قتيل‪ ،‬وخسائر مالية بلغت ‪ 400‬مليار دوالر أمرييك‪،‬‬
‫دامت الحرب مثاين سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري يف القرن العرشين‪ ،‬وواحدة‬
‫من أكرث الرصاعات العسكرية دموية‪ ،‬أثرت الحرب عىل املعادالت السياسية ملنطقة‬
‫الرشق األوسط وكان لنتائجها بالغ األثر يف العوامل التي أدت إىل حرب الخليج الثانية‬
‫والثالثة (عن املوسوعة الحرة‬
‫‪200‬‬
‫واقتصادية وهيمنة من السلطة‪ /‬الدولة اإليرانية والدولة الرتكية التي ال‬
‫يصدها إال محور عريب وحدوي جامع ذو ثقل له أهداف واضحة وخطة‬
‫طريق‪.‬‬
‫حركة فتح و«املحور العربي»‬
‫وقفت حركة فتح ثابتة يف السياق الوحدوي يف إطار املنظمة (م‪.‬‬
‫ت‪ .‬ف)‪ ،‬عندما انطلقت رشارة ما أسمى «الربيع العريب» وتعاملت مع‬
‫إفرازاته حتى عندما مل تعجبها‪ ،‬فوقفت هنا مع إرادة الشعوب ضد الظلم‬
‫واالستبداد والفُرقة‪ ،‬ألن إرادة الشعوب أهم من بقاء أو زوال األنظمة‬
‫السياسية أو رموزها‪ ،‬ما ال يعني تدمري الدولة وتفتيت الشعب وتقسيم‬
‫األمة‪.‬‬
‫قوة «املحور العريب» هذه األي��ام كأولوية تتجىل حقيقته برأسه‬
‫السعودية ومبرص وسوريا والجزائر‪ ،‬وقلبه النابض بالقضية الفلسطينية‪،‬‬
‫فإن كانت سوريا قد أخرجت من املعادلة كام أُخرجت العراق ودول‬
‫أخرى ألهداف تعظيم القوة اإلرسائيلية يف اإلقليم وألهداف استمرار‬
‫السيطرة االستعامرية عىل أمتنا برأس حربتها الصهيونية إىل األبد‪ ،‬إال أنه‬
‫كان لزاما عىل البقية من أمة العرب يف مثل هذا الظرف الكئيب الحفاظ‬
‫عىل الوحدة أو استعادتها وإن بشكل تدريجي أو جديد‪ ،‬ثم التعبري عنها‬
‫بالتصدي للهجامت يف جسد األمة أوال وقبل كل يشء عرب مسارات العلم‬
‫والتعليم والرتبية والوعي والنور وهو النموذج للبناء الحضاري‪ ،‬وبالكفاح‬
‫واملقاومة ضد العدو املشرتك‪ ،‬وبتوقي محاوالت الهيمنة االقليمية سواء‬
‫اإليرانية أو الرتكية أو غريها‪.‬‬
‫إن العالقات القومية الفلسطينية‪-‬العربية ليست عالقات شوفينية أو‬
‫عنرصية أو انعزالية مطلقا‪ ،‬ترتبط بالجنس أو العرق أو القبيلة‪ ،‬أمنا هي‬

‫‪201‬‬
‫عالقات مكانية تاريخية‪ /‬حضارية ثقافية‪ ،‬مصلحية قومية بصبغة تعاونية‬
‫تشاركية وحدوية اقرتابية للكثري من املشرتكات‪ ،‬وهي عالقات ال تحد من‬
‫رضورة متتني العالقات األخرى مع دول اإلقليم ومع دول املحيط أي تلك‬
‫اإلفريقية أو اآلسيوية‪ ،‬ومع الدول اإلسالمية غري العربية‪ ،‬وكذا املنظامت‬
‫والجامعات‪ ،‬بل إن الفناء العريب السمح ذو العمق العرويب‪-‬اإلسالمي‬
‫يستطيع بجامعية فلسطني أن يستقبل اإلسهامات التي تُق ّرب وال تب ّعد‪،‬‬
‫ويستطيع أن يُص ِعد يف مركبه الواسع كل الثوار يف العامل‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫«فتح» التنظيم الطائر‪ُ :‬هنا خالدون (‪)2018‬‬

‫يف الذكرى الثالثة والخمسني النطالقة ثورتنا الفلسطينية املعارصة‪،‬‬


‫رشد‪ ،‬والضياع واألمل‬ ‫انطالقة املارد الفتحاوي‪ ،‬من جوف اللجوء‪ ،‬والت ُّ‬
‫نقف اليوم وبكل اعتزاز لنؤكّد أ َّن مسرية شعبنا الكفاحية التي‬ ‫واألحزان‪ُ .‬‬
‫بدأت مع الطلقة األوىل‪ ،‬والعملية األوىل‪ ،‬واألسري األول‪ ،‬والشهيد األول‪،‬‬
‫تشق طريقها بقوة اإلميان املطلق بحقوقنا الوطنية‪،‬‬ ‫واالمل األول مازالت ُّ‬
‫ومازالت تواج ُه التحديات‪ ،‬وتتجاوز العقبات‪ ،‬متمسكة باالنجازات‬
‫التاريخية التي كرست لشعبنا ُهويّته العربية الوطنية‪ ،‬وحضو َره السيايس‬
‫والوطني عىل الخارطة الجغرافية‪ ،‬رافض ًة املساومة واملقايضة عىل قرارها‬
‫املستقل هكذا يبتديء الفتحويون خطاباتهم باالنطالقة وذكراها فاقول‬
‫عنها ونحن قد دخلنا العام ‪ 2018‬بصعوبة وكانت ‪ 2017‬متميزة‬
‫أعتق ُد أ َّن العام ‪ 2017‬كان عا ًما فلسطين ًّيا بامتياز‪ ،‬فال تعجبوا أب ًدا‪،‬‬
‫حيثُ استطاع الفلسطينيون‪ ،‬شع ًبا وقياد ًة واع ّيةً‪ ،‬أن يثبتوا رسوخهم‬
‫منهج حياة‪.‬‬
‫باألرض‪ ،‬عرب متكنهم من تكريس الثبات والصمود َ‬
‫لقد أثبت الفلسطينيون قدرتهم عىل الصمود والتحدي وإن بأقل‬
‫اإلمكانيات‪ ،‬رغم تغ ّول االحتالل ومشاريعه االستعامرية واألبارتهايدية‪،‬‬
‫فكانت غضبات وه ّبات القدس واألقىص منذ العام ‪ ،2014‬وحتى العام‬

‫‪203‬‬
‫الفائت‪ ،‬الداللة الكبرية عىل هذا املكون الذي أصبح جز ًءا ال يتج ّزأ من‬
‫شخصية الفلسطيني‪.‬‬
‫لست بوارد نسيان أ ّن الرسوخ والثبات والصمود كمك ّون وطني أصيل‬ ‫ُ‬
‫بدأ يأخذ سياقه املنهجي ليس فقط يف الخارج حيث انطلقت الثورة‪،‬‬
‫وليس يف الضفة والقدس فقط‪ ،‬وإنمَّ ا حيث تص ّدى الفلسطينيون يف غ ّزة‬
‫البطلة بصدورهم و ُح ِّبهم ومقاومتهم لالعتداءات الصهيونية املتك ّررة‪،‬‬
‫فرسموا يف سامء الوطن عالمة الحقيقة‪.‬‬
‫ودعني أقول أن مركَب الشخصية الفلسطينية بعد النكبة عام ‪1948‬‬
‫تشكَّل من عنارص ثالثة هي‪ :‬الشخصية املتعلِّمة التي تك َّونت ض َّد األمية‬
‫والجهل والغفلة واليأس والشعور بالتهميش أوالً‪.‬‬
‫والشخصية الفاعلة العاملة املبادرة التي تخدم نفسها وعائلتها‬
‫رشد واللجوء واملساعدات اإلنسانية‪ ،‬فنحن‬ ‫ومجتمعها رفضً ا لواقع الت ُّ‬
‫ودؤوب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫شعب ُم ِج ٌّد‬
‫ث ُ َّم ثالثًا الشخصية الثورية التي تجلَّت مع بروز وجه الفتح املبني يف‬
‫ظالم واقع األمة العربية بأنظمتها املتخلِّفة وبشعارات املنظّامت الخلاّ بة‬
‫بال فعل‪.‬‬
‫ومع تراكم الثالثية يف الخارج حيثُ مخ ّيامت اللجوء ويف الداخل بدأ‬
‫الصمود والرسوخ يف األرض يأخذ شكالً يوميًّا‪ ،‬أي يتح ّول ملنهج حياة لن‬
‫تستطيع الدبابة أو الجرافة أو الرواية الصهيونية الخرافية أن تقتلعنا ثانية‬
‫من أرضنا‪.‬‬
‫الشك يُحيط بالكثريين ويكاد يطيح بهم مع خفوت صوت‬ ‫كان ُّ‬
‫البندقية سواء يف غزة أو الضفة‪ ،‬وقبله من الخارج‪ ،‬وما كان لشكوكهم‬
‫هذه أن تعطي مثرها يف الشعب الفلسطيني بالخارج أو الداخل أل َّن اختيار‬

‫‪204‬‬
‫اك‬‫وعي وإدر ٍ‬‫ظل ٍ‬ ‫شكل النضال والجهاد والكفاح يُق ِّرره الشعب‪ ،‬ويف ّ‬
‫وفهم للمعطيات واملتغيرّ ات‪ ،‬فال يتوه بني الخيارات‪ ،‬وال ين َج ُّر للمراهقة‬
‫ٍ‬
‫أرض معرك ٍة مفروش ٍة بالراحة ومك َّون ٍة من‬
‫السياسية‪ ،‬وال يعطي العدو َ‬
‫معطيات التفوق للعدو‪.‬‬
‫أدرك الفلسطينيون عامل قوتهم برسوخهم وثباتهم ومقاومتهم‬
‫(ووحدتهم)‪ ،‬وعمقهم العرويب اإلسالمي املسيحي الراسخ‪ ،‬فانترصوا‬
‫بالقدس وفلسطني يف جولة وجوالت‪ ،‬ومازالت الجوالت كثرية‪ ،‬لكن املنهج‬
‫قد أصبح واض ًحا‪.‬‬
‫كل أفكار الكُساح السيايس‬ ‫يف العام ‪ 2017‬انترص الفلسطينيون عىل ّ‬
‫واالنكسار التي تظن أ َّن الفلسطينيني ال ميتلكون شيئًا من السياسة إال رف َع‬
‫العقري ِة بالصياح‪ ،‬وال َمن يستمعون‪.‬‬
‫نحن بالعمل الدؤوب أسمعنا حتى الص ّم يف العامل العريب واإلسالمي‪،‬‬
‫كام أسمعنا العامل الغريب بحراكنا امليداين املقاوم‪ ،‬وبحراكنا السيايس‬
‫والدبلومايس املتقن‪ ،‬والذي فهم أن فلسطني ودولة فلسطني والقدس هي‬
‫الحق بعينه‪ ،‬إذ حني ينظرون بعني القانون والتاريخ والسياسة والقرارات‬
‫واملنظامت الدولية فالحرية والعدالة والحق إىل جوار فلسطني‪.‬‬
‫الصم من يجب أن يسمعوا ويفهموا أ َّن يف فلسطني‬ ‫مازال يف األمة من ُ‬
‫ويف الخارج شع ًبا يتقن معادلة الرسوخ والثبات والبقاء واملقاومة يف وطنه‬
‫املحتلز‬
‫وشعبًا أتقن ف َّن االستمرار‪ ،‬ولن يُك ِّرر خطيئة لوم اآلخرين أو الوثوق‬
‫بالغري الذين مل يُطعمونا ال خب ًزا وال سك ًرا‪ ،‬و ُهم َمن توقَّفوا عن رسج‬
‫الخيول منذ زمن طويل‪.‬‬
‫نحن األَ ْوىل أن نكون طليعة األُ ّمة العربية واإلسالمية ورأس الرمح‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫وبنا ومعنا تتعملَق األمة‪ ،‬وتعتيل أسوار القدس‪ ،‬وتصدح الكنائس‪ ،‬ويقام‬
‫األذان‪ ،‬ونصيل معا بإذن الله تعاىل‪.‬‬
‫أ َّما رسالة حركة «فتح» للعام الجديد وحتى النرص املبني باذن الله‪ ،‬فال‬
‫يستطيع إلاّ أعمى ألاّ يراها وهنا الطامة الكربى يف ُمعاقي األمة‪ ،‬فحركة‬
‫«فتح» ما كانت فاصلة يف التاريخ وال كانت عالمة تعجب‪.‬‬
‫حركة «فتح» كانت ومازالت ِسف ًرا مليئًا باألفكار والربامج وال ِق َيم‬
‫والتوجهات واملواقف وال�صراع��ات والنتائج وال��ح��وارات واملباديء‬
‫الدميقراطية والسهد والسهر والنزف والتضحية والعقل‪ ،‬والنكوص أحيانا‬
‫والعبث والتخلخل والفرقة‪.‬‬
‫«فتح» آمنت أ َّن النرس ال يطري إلاّ بجناحني اثنني‪ُ ،‬هام جناح اإلميان‬
‫بالله وحتمية النرص‪ ،‬وجناح التضحية هي الحركة التي جعلت من الوحدة‬
‫شعا ًرا مل متل من تكراره‪ ،‬وان دخلت يف مراحل من االنتكاسات ستمر‬
‫وتزول ما أن يرفع الغريب يده املبللة بسموم املال واملصالح والشعارات‬
‫الكاذبة‪.‬‬
‫حركة «فتح» الحركة الرسالية شاء من شاء وأىب من أىب‪ ،‬يف رسالتها روح‬
‫لكل مكونات‬ ‫الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬وثقافتها االستيعابية السمحة ّ‬
‫الوطن من مسيحيني ومسلمني‪ ،‬ولكل أبناء األمة العربية بال متييز بالعضوية‬
‫فيها بني العراقي واملرصي واملغريب واألردين أو الفلسطيني‪.‬‬
‫حركة «فتح» التي عانت كث ًريا من الدلف‪ ،‬إذ كث ًريا ما غرقت باملياه‬
‫العادمة التي كانت تُلقى عليها من أصحاب الربامج املشبوهة يف األمة‬
‫العربية واإلقليم‪ ،‬إلاّ أنَّها وكام كان ير ّدد قائد املسرية الختيار يارس عرفات‬
‫كطائر الفينيق تقوم أب ًدا من تحت الرماد‪.‬‬
‫حركة «فتح» التفلُّت والفوىض واالهامل وافتقاد الربنامج والتعارض‬

‫‪206‬‬
‫واملصالح الفردية واالنكامش والهزالة والقبح وقلة الحيلة والسوداوية‬
‫والشكوى واالستبداد والبؤس واللطم والكهرباء الساكنة‪ ،‬والرتدد والضعف‬
‫والغفلة‪ ،‬ومجال الصدمات املفتوح هي حركة «فتح» التي ال نريدها‪ ،‬وإن‬
‫عشنا بشخوص فيها ميتلكون من عنارص التبعرث واألفول والسوداوية ما مل‬
‫(ولن) يستطيعوا معه أن يقلبوها أو يد ِّمروها‪ ،‬ولن يستطيعوا أب ًدا‪.‬‬
‫حركة «فتح» التي يجب ألاّ يتغافل عن رؤيتها َمن يظن بذاته ينشد‬
‫لفلسطني هي املحطة األويل يف رسم عالمة رقم ‪ 7‬أي عالمة النرص التي‬
‫اقرتنت بيارس عرفات ومازالت فيه واضحة‪ ،‬رغم الكثريين الذين رفعوها‬
‫قبله وبعده‪ ،‬ما يؤكد شعار حركة «فتح» الدائم ثورة حتى النرص امللفَّع‬
‫بكوفية األمل‪.‬‬
‫كرست باملقاومة الشعبية واالنتفاضات‬ ‫رسالة حركة «فتح» التي َّ‬
‫والغضبات والهبات وجمعات الغضب ومخيامت الصمود هي أ َّن هذا‬
‫الشعب لهذه األرض‪ ،‬وهذه األرض ما عرفت شع ًبا سواه‪..‬‬
‫هذه األرض هي فلسطيننا منذ ‪ 10‬آالف عام‪ ،‬والعرب الكنعانيون‬
‫والعرب الفلسطينيون القدماء والعرب اليبوسيون وغريهم من القبائل‬
‫العربية‪ ،‬هي التي أقامت الحضارة وزرعت األرض بالشجر والحب والثقافة‬
‫الجامعة‪ .‬ونحن امتدادها‬
‫هي فلسطني التي حرثت فيها األرض طوال وعرضا حتى عندما جاء‬
‫الصهاينة لريكبوا خرافة «أرض بال شعب» اكتشفوا‬
‫مذهولني كام قال أحد مفكريهم الكبار يف القرن ‪- 19‬هوآحاد هاعام‪-‬‬
‫اكتشفوا أنها عىل غري الشعار الكاذب الذي حاولوا إيهام العامل به‪ ،‬فهي أرض‬
‫تنبض بالحياة ومزروعة طوال وعرضا‪ ،‬وهي تتحدث بلغة شعبها العريب‪.‬‬
‫رسالة حركة «فتح» يف مطلع العام ‪ 2018‬أننا من هنا‪ ،‬فنحن املرابطون‬

‫‪207‬‬
‫كام قال عنا الرسول الكريم‪ ،‬وهنا نحن باقون وهنا راسخون وهنا‬
‫مستمرون‪.‬‬
‫الفكر وااليديولوجية العنرصية الصهيونية‪ ،‬أو اليهودية املتطرفة هي‬
‫االيديولوجية الزائلة وهنا يكمن الفرق الجوهري يف رسالة حركة «فتح»‬
‫اإلنسانية الدميقراطية الحضارية للعامل‪ ،‬حيث تحتضن األرض وال تقبل‬
‫هدير الجرافات وال أزيز الطائرات‪ ،‬وترفض العنرصية املتعملقة بالذات‬
‫اليمينية اإلرسائيلية (املدعومة من اليمني الغريب الصهيوين) كام ترفض‬
‫املستعمرات واملستعمرين يف جسدنا ويف عاصمتنا األبدية القدس‪.‬‬
‫حركة «فتح» م َّيزت بوضوح ‪-‬ال يفقهه األغبياء أو األدعياء أو الحاقدون‪-‬‬
‫ميزت بني الوطن واألرض والرواية والتاريخ والجغرافيا حيث تحتضن هذه‬
‫الخامسية فلسطني التي فيها حيفا ويافا والنارصة والقدس وخانيونس‬
‫ورفح ونابلس وبيت لحم سواء بسواء‪ ،‬وحيث نسعى لكيان سيايس أو‬
‫لدولة يف حدود العام ‪ 1967‬وعودة الالجئني والسيادة والقدس‪ ،‬فنحن‬
‫بالسياسة نبني الكيان املستقل‪.‬‬
‫يظل الوطن واألرض والتاريخ والحضارة والجغرافيا ال تفرق أب ًدا‪ ،‬بل‬
‫تجمعنا واألمة‪ ،‬أي بكل وضوح فان التعبئة الفكرية الثقافية والحضارية‬
‫هي باالرتباط الكيل‪ ،‬فنحن يف الداخل والضفة وغزة والخارج شعب واحد‬
‫ألرض واحدة‪.‬‬
‫ومهام كانت الدولة بعيدة أو قريبة فهي املدخل السيايس الصحيح‬
‫للنضال الطويل من بعدها‪ ،‬فال يتوه أحد بني دهاليز السياسة فيخلط يف‬
‫عقله بني الحضاري التعبوي االيديولوجي وبني السيايس‪.‬‬
‫معركتنا ال تكاد تنتهي فامزال مشوارنا طويال‪ ،‬ويحتمل صعود األجيال‪،‬‬
‫جيل يتلوه جيل‪ ،‬فإن مل ننجح بالتوحد حول الهدف والغاية واختيار‬

‫‪208‬‬
‫املسلك والوسيلة بقيم املحبة والثقة والربنامج املشرتك‪ ،‬والرسوخ فكيف‬
‫لنا أن نتوجه لألمة بطلب الدعم واملؤازرة!‬
‫نحن من يجب أن يبدأ بنفسه فنكون كام قال قائد املسرية األخ‬
‫أبو مازن يف إضاءة الشعلة ومستلهام من اآلية الكرمية نحن الصابرون‬
‫املصابرون املرابطون والله معنا‪.‬‬

‫‪209‬‬

You might also like