You are on page 1of 16

‫المنهج اإلعالمي النبوي‬

‫"دراسة في الرسائل اإلعالمية النبوية"‬

‫‪ -1‬مقدمة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد لله األكرم‪ ،‬الذي علم بالقلم علم اإلنسان ما‬
‫وزوده بقابليات حمل األمانة‬
‫لم يعلم‪ .‬جعله مخلوقا مكرما‪ ،‬ومنحه اإلرادة واالختيار‪َّ ،‬‬
‫ومنحه طاقات القيام بأعباء االستخالف والعمران‪ .‬والصالة والسالم على من أوتي‬
‫جوامع الكلم فكان في الذروة فصاحة وبالغة وأمانة وتمي از واعالما واتصاال‪ ،‬الذي‬
‫ُج ِع َل البالغُ المتسم بحسن اإلبانة وقوة التأثير ومالئمة مقتضى الحال‪ ،‬غاية مهمته‬
‫ووسيلة دعوته‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين‪.‬‬
‫الرسل في تبليغ الرساالت‬
‫مهمة األنبياء و ّ‬
‫حدد الله سبحانه وتعالى ّ‬
‫وبعد‪ ،‬لقد ّ‬
‫كل أمة‬
‫السماوية‪ ،‬من آدم عليه السالم إلى محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬فبعث في ّ‬
‫رسوال يدعو إلى توحيده سبحانه وتعالى وافراد العبودية له‪ .‬باجتناب عبادة األوثان‬
‫واالبتعاد عن دوائر الطواغيت‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪         ‬‬

‫‪[     ‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ .]53‬فحمل الرسول محمد صلى‬

‫الله عليه وسلم أمانة التبليغ واإلعالم وتوضيح مضمون ّ‬


‫الدعوة للقريب وللبعيد؛ كما‬
‫كل‬
‫الرسل من قبله‪ ،‬لكن بمنهجيات مختلفة فرضتها طبيعة ّ‬
‫فعل إخوته األنبياء و ّ‬
‫رسالة وطبيعة القوم المرسل إليهم‪ .‬قال عز من قائل ( ‪     ‬‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‪            ‬‬

‫‪ [ )        ‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪.] 96‬‬

‫‪ -2‬عناصر المنهج اإلعالمي النبوي في التواصل واإلعالم‬


‫لم تكن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في " أم القرى وما حولها أم ار‬
‫عاديا‪ ،‬أو حادثا عارضا يعفي عليه الدهر بمضي صاحبه إلى بارئه‪ ،‬فيدخل في‬
‫عالم النسيان‪ ،‬وان عرض له قبس من الذكر كان من قصص القدامى‪ ،‬وذكريات‬
‫اآلباء واألجداد‪ ،‬في غابر األيام [‪ ]....‬لم تدخل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫من ذلك الباب لتخرج منه‪ ،‬بل طالعت الكون شمسا مشرقة تبعث فيه الحياة بعد ركود‬
‫طويل‪ ،‬وتنير أرجاءه بعد ظالم دامس‪ ،‬تنشر فيه دفء المحبة واألخوة والسالم‪،‬‬
‫وترسي فيه قواعد األمن والطمأنينة واالستقرار‪ ،‬فتسري في أوعيته روح اإليمان‪ ،‬ليظل‬
‫جميع من تحت رايته ولوائه بوارف ظالل العدالة والمساواة واإلباء‪ ،‬وتهب من كل‬
‫حدب وصوب نسائم اإليثار والتعاون والتضامن‪ ،‬والبذل والعطاء‪ ،‬فيتنسم الكون كله‬
‫عليل النسيم‪ ،‬وينهل أهله من صفاء المعين‪ ،‬فيستعذبون المنهل بعد ظمأ طويل‪،‬‬
‫ويتذوقون حالوة اإليمان بعد م اررة ضياع مديد [‪ ]....‬فينطلقون برسالة السماء‬
‫يحررون الشعوب من قيود العبودية‪ ،‬وأغالل الجاهلية‪ ،‬وتسلط الطغاة الجبارين‪،‬‬
‫فأخرجوا الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن جور الحكام إلى عدل اإلسالم‪،‬‬
‫ومن عبودية العباد إلى عبادة الله الواحد القهار‪ ،‬وبهذا شعر الخلق بالكرامة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬والعزة الحقيقية‪ ،‬وأدركوا رسالة الحياة من خالل رسالة السماء"‪.1‬‬
‫الرسول الكريم‬
‫ُ‬ ‫تحمل في سبيلها‬
‫الهين‪ ،‬بل ّ‬
‫ولم تكن هداية الناس باألمر ّ‬
‫الدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬واعالم‬
‫المشاق والصعاب‪ ،‬وبذل الغالي والنفيس في سبيل ّ‬
‫الداني بالرسالة الخاتمة‪ ،‬فلحقه األذى في بدنه وفي ماله وفي بلده‪ ،‬وأوذي‬
‫القاصي و ّ‬

‫‪ -1‬عجاج‪ ،‬الخطيب محمد‪ ،‬اإلعالم في صدر اإلسالم‪ ،‬ص ‪333‬‬

‫‪2‬‬
‫المكون من‬ ‫معه المومنون‪ .‬فصبر جميال غير آبه بما ّ‬
‫يدبره الثالوث المحيط به‪ -‬و َّ‬
‫المشركين والمنافقين واليهود‪ -‬من دسائس ومؤامرات‪ .‬فأقسم الرسول صلى الله عليه‬
‫الدعوة ولو أحاطوه بالشمس والقمر‪.‬‬
‫عمه أبي طالب ّأال يترك أمر ّ‬
‫وسّلم بحضرة ّ‬
‫وهكذا فحين " رأت قريش ثبات المومنين على عقيدتهم‪ ،‬قررت مفاوضة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسّلم على أن تعطيه من المال ما يشاء‪ ،‬أو تمّلِكه عليها‪ ،‬فأبى ذلك‬
‫كّله"‪.2‬‬
‫لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ُمهيئا روحيا لتحمل أعباء الرسالة‪،‬‬
‫فقدم مثاال راقيا في االتصال والتواصل واإلخبار واإلعالم‪ ،‬سواء تعلق هذا التواصل‬
‫ّ‬
‫بأهله في حياته الشخصية أو أثناء تبليغ الوحي ومضامينه‪ .‬أو في عالقته بأقربائه‬
‫وعشيرته وصحابته الذين ال يكادون يفارقونه تشوفا للمزيد من التعّلم واالغتراف من‬
‫المعين الفياض الذي ال ينضب‪ ،‬والنهل من ذلك المحيط الذي ال تنقضي درره‬
‫وآللئه‪ .‬فمباشرة "بعد نزول سورة المدثر قام الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى‬
‫سرا‪ ،‬وكان طبيعيا أن يبدأ بأهل بيته‪ ،‬وأصدقائه وألصق الناس‬
‫الله والى اإلسالم ّ‬
‫به"‪.3‬‬
‫قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم نموذجا مثاليا في التسامح ولين‬
‫كما ّ‬
‫التشكالت‬
‫الجانب مع الحاالت الفردية التي كانت تُعرض عليه‪ ،‬وكذا مع كل القبائل و ّ‬
‫االجتماعية المحيطة به‪ .‬ولم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في إطار عملياته‬
‫االتصالية بمحيطه االجتماعي‪ ،‬بل تجاوزه إلى اإلمبراطوريات والممالك المجاورة‪،‬‬
‫إيمانا منه بعالمية الخطاب القرآني وتنزيال منه لقوله تعالى‪:‬‬

‫‪ -2‬السباعي‪ ،‬مصطفى‪ ،‬السيرة النبوية دروس وعبر‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،5891‬ص ‪.74‬‬
‫‪3‬‬
‫السنة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ -‬أبو شهبة‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬السيرة النبوية في ضوء القرآن و ّ‬
‫السادسة‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.283‬‬
‫الطبعة ّ‬
‫‪3‬‬
‫( ‪[ )    ‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪ ،]109‬وقد اعتمد‬

‫الرسول صلى الله عليه وسلم منهجية محكمة في إعالمه بالرسالة الخاتمة وتبليغه‬
‫متوسال بوسائل اتصال قوية نجملها فيما يأتي‪:‬‬
‫إياها‪ّ ،‬‬
‫وك ّسرت دونها‬
‫أولها القرآن المجيد باعتباره معجزة إلهية دانت لها الرقاب‪ُ ،‬‬
‫ممزق‪.‬‬
‫كل ّ‬‫وم ّزق بها األكاسرة وايوانهم ّ‬
‫األقالم‪ ،‬وتهاوت بسببها عروش الطواغيت ُ‬
‫كل من تذوق حالوة بالغته وطالوة أسلوبه واتساق معانيه‪.‬‬
‫المجيد ُّ‬
‫َ‬ ‫آن‬
‫أحب القر َ‬
‫كما ّ‬
‫ثانيها األحاديث النبوية‪ ،‬فهي وجه ثان للوحي اإللهي‪ ،‬وتبيان لما ُن ّزل إلى‬
‫جل وعال ( ‪     ‬‬
‫الناس مصداقا لقوله ّ‬
‫‪ [ )         ‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،]44‬فلم‬

‫جل شأنه‪ (:‬‬


‫ظا وال غليظ القلب‪ .‬قال ّ‬
‫يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ف ّ‬

‫‪      ‬‬


‫‪       ‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪ [ )    ‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]136‬‬

‫طيب الخلق صبو ار على‬


‫صخابا وال قاسيا‪ّ ،‬إنما كان ّلين الجانب ّ‬
‫ولم يكن ّ‬
‫قوة اإلقناع سواء مع صناديد قريش‬ ‫ما يلحقه من أذى‪ ،‬يجيد الحوار ويملك ّ‬
‫وأساطينها‪ ،‬أو مع أهل الديانات األخرى من يهود ونصارى‪ .‬وانتزع لقب األمين بين‬

‫‪)  ‬‬


‫قومه بصدقه وخلقه‪ ،‬وأمانته وأدبه قال عز من قائل ( ‪  ‬‬

‫[سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪ ]4‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ّأدبني ربي فأحسن‬
‫تأديبي"‪.‬‬
‫ثالثها مواسم الحج واألسواق‪ ،‬لم ييأس الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيرته‬
‫اإلعالمية‪ ،‬بل سار صاب ار ومرابطا‪ُ ،‬مقتحما قبائل العرب وبطونها من خالل مواسم‬

‫‪4‬‬
‫الملك‪ ،‬إنما‬
‫حبا للمال و ُ‬
‫الحج واألسواق والمجامع‪ .‬ولم يكن طالبا للجاه والوجاهة وال ُم ّ‬
‫ّ‬
‫قدم شخص أو نفر مكة‬ ‫ظل وفيا لرسالته وهي الدعوة إلى الله تعالى‪ .‬وكّلما ِ‬

‫خصوصا من األشراف‪ّ ،‬إال وعرض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم اإلسالم؛ من‬
‫الصامت واّياس بن معاذ‪.‬‬
‫أمثال ُسويد بن ّ‬
‫لما أراد الله سبحانه إظهار دينه واعزاز نبيه‪ ،‬وانجاز وعده‪ ،‬خرج‬
‫و" ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج‪ ،‬فعرض نفسه على قبائل العرب‬
‫كل موسم‪ ،‬فبينما هو عند العقبة ساق الله نف ار من الخزرج أراد‬
‫كما كان يصنع في ّ‬
‫ليستمر‬
‫ّ‬ ‫النور التي أبى الله إال أن يكون من المدينة"‪.4‬‬
‫الله بهم خيرا‪ ،‬فكانوا طالئع ّ‬
‫القيم "‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في عمليات التبليغ والجهاد بالحجة‪ .‬يقول ابن ّ‬
‫فأما جهاد الحجة‪ ،‬فأمر به الله عز وجل في مكة بقوله ‪    (‬‬

‫‪[ )     ‬الفرقان‪ ،‬اآلية ‪ ]32‬أي جاهدهم بالقران فهذه سورة‬

‫‪5‬‬
‫مكية‪ ،‬والجهاد فيها هو التبليغ‪ ،‬وجهاد الحجة"‬
‫ورابعها الخطب النبوية‪ ،‬تعتبر خطب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم‬
‫تميزت‬
‫توسل بها لتبليغ مضامين الرسالة‪ .‬كما ّ‬ ‫من الوسائل اإلعالمية الناجعة التي ّ‬
‫األحاديث النبوية الشريفة بميزة التعليم والتوجيه‪ ،‬وميزة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة‬
‫والموعظة الحسنة‪.‬‬

‫‪ -5‬رسائل الرسول صلى اهلل عليه وسلم إىل امللوك والعظماء‬


‫شوكة‬
‫صلح الحديبية‪ ،‬وبدأت ْ‬ ‫بعدما عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫ويشتد عود دولتهم الفتية‪ ،‬راسل الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك‬
‫ّ‬ ‫المسلمين تتقوى‬

‫‪ -4‬أبو شهبة‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬الرجع السابق‪ ،‬ص‪.333‬‬


‫‪5‬‬
‫القي م‪ ،‬زاد المعاد في هدي العباد‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬تحقيق شعيب وعبد القادر األرنؤوط‪،‬‬
‫‪ -‬الجوزية‪ ،‬ابن ّ‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪8998 ،‬م‪ ،‬ص‪.33‬‬

‫‪5‬‬
‫والعظماء داعيا ّإياهم إلى اعتناق اإلسالم وعبادة رب العباد بدل عبادة العباد‪،‬‬
‫واالنتقال من ضيق الدنيا إلى سعتها والتحرر من ظلم األديان وجورها إلى عدل‬
‫اإلسالم واحسانه‪ ،‬سالكا في ذلك أسلوبا حضاريا خاليا من الترهيب والتهديد‪ ،‬ومن‬
‫الخيالء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العجرفة والرياء‪ ،‬ومن الكبر و ُ‬
‫ملك الحبشة وهرقال امبراطور الروم وكسرى عظيم فارس‬
‫فراسل النجاشي َ‬
‫والمقوقس حاكم القبط‪ .‬كما راسل ملك الحيرة وملك الغساسنة وغيرهم من العظماء‪.‬‬
‫يقول عباس محمود العقاد مبر از أن الدعوة لم تنتشر بالسيف والترهيب‪ " 6،‬وقصد‬
‫النبي بالدعوة عظماء األمم وملوكها وأمراءها‪ ،‬ألنهم أصحاب السلطة التي تأبى‬
‫تبين بالتجربة بعد التجربة أن السلطة هي التي كانت تحول دون‬
‫العقائد الجديدة‪ ،‬وقد ّ‬
‫َ‬
‫الدعوة المحمدية وليست أفكار مفكرين وال مذاهب حكماء‪ ،‬ألن امتناع المقاومة من‬
‫تصد الدعوة اإلسالمية‪ ،‬فيمتنع‬
‫ّ‬ ‫هؤالء العظماء والملوك‪ ،‬كانت تمنع العوائق التي‬
‫القتال"‪.7‬‬

‫وقد اخترنا من بين رسائله صلى الله عليه وسلم مجموعة من النماذج‪،‬‬
‫المرسل إليهم بين قومهم ومع جيرانهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫لمسوغات منها‪ :‬أهمية هؤالء الملوك والعظماء‬
‫ّ‬
‫ثم سنالحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على مراسلة أهل الكتاب‬
‫من اليهود والنصارى‪ ،‬إنما راسل أيضا ملك المجوس ببالد الفرس‪.‬‬
‫ا ‪ -‬رسالته صلى اهلل عليه وسلم إىل النجاشي ملك احلبشة‬

‫رد على ما ّيدعيه مفكرون غربيون و"مريدوهم" من أبناء هذه األمة‪ ،‬الذين ال ينفكون من‬
‫‪ -‬وفي هذا ّ‬
‫‪6‬‬

‫الدين اإلسالمي‪ .‬فراحوا يشتغلون – عن وعي أو عن غير وعي‪ -‬تماما‬ ‫متوهَّمة" في ّ‬


‫البحث عن "ثغرات َ‬
‫كما فعل المستشرقون من قبلهم‪ ،‬وفي تناغم مع ما تنشره بعض وسائل اإلعالم الغربية من افتراءات على‬
‫الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -7‬العقاد‪ ،‬عباس محمود‪ ،‬المجموعة الكاملة‪ ،‬العبقريات اإلسالمية‪ ،‬م‪ ،8‬عبقرية محمد‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اللبناني‪ ،‬بيروت‪8983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.33-33‬‬

‫‪6‬‬
‫بعث الرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة برسالة‬
‫حملها إليه عمرو بن أمية ُّ‬
‫الضمري‪ ،‬قال الحافظ العراقي في ألفيته‪:‬‬
‫الضمري‬
‫النبـي *** لملـك‪ :‬عمرو هو ُّ‬
‫ُّ‬ ‫وأول مــن أرسـلــه‬
‫‪8‬‬
‫إلى النجاشي‪ ،‬فلمـا قدمـا *** نـزل على فراشـــــــــه فأسلـما‬
‫هذا نص الرسالة‪:‬‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتاب من محمد إلى النجاشي األصحم‬
‫عظيم الحبشة‪ :‬سالم على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله‪ ،‬وشهد أن ال إله إال‬
‫الله وحده ال شريك له‪ ،‬لم يتخذ صاحبة وال ولدا‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ .‬وأدعوك‬
‫بدعاية الله‪ ،‬فإني أنا رسوله فاسلم تسلم‪ ،‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء‬
‫بيننا وبينكم أال نعبد إال الله وال نشرك به شيئا‪ ،‬وأال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من‬
‫دون الله ‪ ،‬فإن توّلوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‪ ،‬فإن أبيت فعليك إثم النصارى من‬
‫قومك‪ .9‬وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي‪:‬‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم‬
‫الحبشة‪ ،‬سالم على من اتبع الهدى‪ .‬أما بعد‪ ،‬فإني أحمد الله الذي ال إله إال هو‬
‫الملك القدوس السالم المومن المهيمن‪ ،‬وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته‬
‫ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى من روحه ونفخه كما خلق‬
‫آدم بيده‪ .‬واني أدعوك إلى الله وحده ال شريك له والمواالة على طاعته وأن تتبعني‬
‫وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله‪ .‬واني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل‪ ،‬وقد‬
‫بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي‪ .‬والسالم على من اتبع الهدى‪.10‬‬

‫‪ -8‬العراقي‪ ،‬زين العابدين عبد الرحيم بن الحسين‪ ،‬ألفية السيرة النبوية‪ ،‬المسماة نظم الدرر‬
‫سنية في السير النبوية‪ ،‬ص ‪.823‬‬
‫ال َّ‬
‫‪ -9‬حميد الله‪ ،‬محمد‪ ،‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخالفة الراشدة‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة السادسة‪8983 ،‬م‪ ،‬ص ‪803-803‬‬
‫‪ -10‬نفسه‪ ،‬ص ‪. 803-802‬‬

‫‪7‬‬
‫نص رسالة النجاشي الجوابية‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم‬
‫إلى محمد رسول الله من النجاشي األصحم بن أبجر‬
‫سالم عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته‪ ،‬من الله الذي ال إله إال هو‬
‫الذي هداني إلى اإلسالم‪ .‬أما بعد‪ :‬فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من‬
‫فورب السماء واألرض أن عيسى ما يزيد على ما ذكرت تُفروقا‪ .‬إنه كما‬‫ّ‬ ‫أمر عيسى‪،‬‬
‫القرى) ابن عمك وأصحابه‪ ،‬فأشهد‬ ‫قلت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا‪ ،‬وقد قرينا (من ِ‬
‫ُْ َ‬
‫أنك رسول الله صادقا‪ ،‬وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأصحابه‪ ،‬وأسلمت لله رب‬
‫العالمين‪ ،‬وقد بعثت إليك بابني أزها بن األصحم بن أبجر‪ ،‬فإني ال أملك إال نفسي‪،‬‬
‫لت يا رسول الله‪ .‬فأشهد أن ما تقول حق‪ .‬والسالم عليك يا‬
‫فع ُ‬
‫آتي َك َ‬
‫وان شئت أن َ‬
‫رسول الله‪.11‬‬

‫الروم‬
‫ب‪ -‬رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم ّ‬
‫سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفس النهج في رسائله‪ ،‬فبعث‬
‫برسالة مماثلة إلى هرقل عظيم الروم‪ ،‬حملها إليه ِدحية بن خليفة الكلبي‪ .‬يقول‬
‫الحافظ العراقي‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫ودحية أرسلــه لقيصـ ار *** وهو هرقل‪ ،‬فعصى واستكب ار‬
‫هذا نص الرسالة‪:‬‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم‬
‫من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم‪ ،‬سالم على من اتبع‬
‫الهدى‪ .‬أما بعد‪ ،‬فإني أدعوك بدعاية اإلسالم أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك‬

‫‪ -11‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 801 -803‬‬


‫‪ -12‬ألفية السيرة النبوية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.823‬‬

‫‪8‬‬
‫مرتين‪ ،‬فإن توّليت فعليك إثم األريسيين‪ ،13‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء‬
‫بيننا وبينكم أال نعبد إال الله وال نشرك به شيئا‪ ،‬وأال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من‬
‫دون الله ‪ ،‬فإن توّلوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ‪.14‬‬
‫‪ -‬نص رسالة هرقل الجوابية‬
‫إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى‪ ،‬من قيصر ملك الروم إنه‬
‫جاءني كتابك مع رسولك‪ .‬واني أشهد أنك رسول الله‪ .‬نجدك عندنا في اإلنجيل‪،‬‬
‫َّ‬
‫بش َرنا بك عيسى بن مريم‪ ،‬واني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا ولو أطاعوني‬
‫ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك ‪.15‬‬
‫ُ‬ ‫لكان خي ار لهم‪،‬‬
‫ووردت في نفس الكتاب – الوثائق السياسية – عبارات قد تكون صادرة من ملك‬
‫الروم إلى رسول وسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قوله لدحية الكلبي‪ " :‬أتدعونا‬

‫إلى أن َن َد َع النصرانية أو نكون عبيدا ألعرابي جاء من الحجاز؟" ‪.16‬وفي عدم‬


‫إسالم قيصر دليل على أنه قد شح بملكه وطلب الرئاسة وآثرهما على‬
‫اإلسالم‪ ،‬ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي‪ ،‬فإنه لما أسلم ما‬
‫زالت عنه الرياسة‪.17‬‬

‫ويقال إن هرقال أراد أن يعتنق اإلسالم بعدما توافرت لديه صفات‬


‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لكنه خشي على سلطانه لما رأى الروم ال‬
‫توافقه في الرأي‪ ،‬فبقي على نصرانيته‪ .‬ويؤكد الحافظ بن حجر العسقالني‬

‫ِ‬
‫الموحد الذي عارض‬ ‫الفالحون ممن هم تحت سلطة هرقل‪ ،‬وهم أتباع آريوس‬‫‪ -‬األريسيون هم ّ‬
‫‪13‬‬
‫ّ‬
‫تعرض هو وأتباعه لكل أشكال االضطهاد والتعذيب من ِقبل‬
‫القولبألوهية عيسى وال كونه ابنا‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫الرومانية‪.‬‬
‫اإلمبراطورية ّ‬
‫‪ -14‬الخضري‪ ،‬محمد بك‪ ،‬نور اليقين في سيرة سيد المرسلين‪ ،‬شرح وتعليق ابراهيم محمد رمضان‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪8998 ،‬م‪ ،‬ص‪ .812‬يتظر أيضا الوثائق السياسية‪ ،‬ص ‪.809‬‬
‫‪15‬‬
‫‪-‬حميد الله‪ ،‬الوثائق السياسية‪ ،‬ص ‪888‬‬
‫‪ -16‬نفسه‪ ،‬ص ‪.882‬‬
‫‪ -17‬النووي بشرح مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم (‪.)504/51‬‬
‫‪9‬‬
‫استمرار هرقل في طريق الضالل‪ ،‬فقد حارب المسلمين في غزوة مؤته سنة‬
‫ثمان بعد الهجرة‪ .‬لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر اإليمان ويأتي‬
‫المعاصي مراعاة لملكه‪ ،‬وخوفا من أن يقتله قومه‪.‬‬
‫ج‪-‬رسالته صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس‬
‫وفي رسالة إلى كسرى عظيم فارس‪ ،‬حملها إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫السهمي‪ ،‬حيث سّلمها لعظيم البحرين الذي توّلى دفعها‬
‫عبد الله بن حذافة بن قيس ُّ‬
‫إلى كسرى‪ .‬وقد أشار العراقي في منظومته لهذا الحدث‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫وابن حذافة مضى لكسرى *** فمزق الكتاب بغيا ُن ْكرا‬
‫الرسالة ‪:‬‬
‫هذا نص ّ‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم‬
‫من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس‬
‫سالم على من اتبع الهدى‪ ،‬وآمن بالله ورسوله‪ ،‬وش ِهد أن ال إله إال الله‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ .‬وأدعوك بدعاء الله فإني أدعوك بالله‬
‫حيا ويحق القول على الكافرين‪.‬‬
‫فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة‪ .‬ألنذر من كان ّ‬
‫أبيت فإن إثم المجوس عليك‪.‬‬
‫فأسلم تسلم‪ ،‬فإن ْ‬
‫رد فعل كسرى على الرسالة النبوية‬
‫‪ّ -‬‬
‫فمزقه الله كل ممزق هو ومن معه‬
‫مزق الكتاب استكبارا‪ّ ،‬‬
‫يروى أن كسرى ّ‬
‫كما دعا عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -18‬ألفية السيرةالنبوية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.823‬‬

‫‪10‬‬
‫د‪ -‬رسالته صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس حاكم القبط‬
‫ووجه صلى الله عليه وسلم رسالة إلى المقوقس حاكم القبط وأمير مصر‬
‫ّ‬
‫من جهة القيصر‪ ،‬وحمل هذه الرسالة حاطب بن أبي بلتعة الّلخمي‪ ،‬جاء في‬
‫المنظومة‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫وحاطبـا أرسـل للمقـوقـس*** فقال خيرا‪ ،‬فدنـا لـم يوئـس‬
‫هذا نص الرسالة‪:‬‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم‬
‫من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط‪ ،‬سالم على من‬
‫اتبع الهدى‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإني أدعوك بدعاية اإلسالم‪ ،‬أسلم تسلم يؤتك الله أجرك‬
‫مرتين‪ ،‬فإن توليت فعليك إثم القبط " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا‬
‫وبينكم أال نعبد إال الله وال نشرك به شيئا‪ ،‬وأال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون‬
‫الله‪ ،‬فإن توّلوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "‪.20‬‬
‫‪ -‬نص رسالة المقوقس الجوابية‬
‫لمحمد بن عبد الله من المقوقس‬
‫سالم‪ ،‬أما بعد فقد قرأت كتابك‪ ،‬وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه‪ ،‬وقد‬
‫علمت أن نبيا قد بقي‪ ،‬وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام‪ ،‬وقد أكرمت رسلك‪ ،‬وبعثت‬
‫إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم‪ ،‬وبكسوة‪ ،‬وأهديت إليك بغلة لتركبها‪،‬‬
‫والسالم ‪.21‬‬

‫‪ -19‬ألفية السيرة النبوية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.823‬‬


‫‪ -20‬حميد الله‪ ،‬الوثائق‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪833-831‬‬
‫‪ -21‬نفسه‪ ،‬ص‪833‬‬

‫‪11‬‬
‫ترى ما هي العناصر األساسية لهذه الرسائل اإلعالمية النبوية ولغيرها مما‬
‫بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والعظماء‪ ،‬وما مميزاتها وما‬
‫أبعادها الحضارية ؟‬
‫‪-4‬تحليل الرسائل اإلعالمية النبوية‬
‫إن تحليل الرسائل التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك‬

‫والعظماء (النجاشي وهرقل وكسرى والمقوقس)‪ ،‬تجعل ّ‬


‫الدارس يقف على أمور مهمة‬
‫تهم المجال اإلعالمي‪ ،‬كما يقف على العناصر األساسية التي‬
‫جدا؛ أخالقية وتقنية ّ‬
‫ّ‬
‫ينبغي أن تتوافر في أية رسالة إعالمية‪.‬‬
‫ِ‬
‫المرسل الذي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد استعمل‬ ‫بخصوص‬
‫المرسل إليهم‪ .‬المرَسل إليهم هم ملوك‬
‫َ‬ ‫عبارات كانت غاية في التأدب بما يليق بمقام‬
‫وعظماء ذوو الشأن العالي والقدر الجلي‪ ،‬وأنهم كلهم عجم‪ ،‬كما اختار الرسول صلى‬
‫الصفات الجليلة كالشجاعة‬
‫الله عليه وسلم أن يحمل رسائله أناس على قدر كبير من ّ‬
‫ورباطة الجأش وفصاحة اللسان وحصافة الرأي وجمال المظهر‪.‬‬
‫وتشك ُل‬
‫ّ‬ ‫وقد افتتح الرسول صلى الله عليه وسلم كل رسائله بالبسملة‬
‫األول الذي ينبغي إن تشتمل عليه كل رسالة‪" .‬باسم الله الرحمان الرحيم " ‪.‬‬
‫َ‬ ‫العنصر‬
‫َ‬
‫لم ال وهو القائل " كل كالم أو أمر ذي بال لم يبدأ فيه بباسم الله فهو أبتر أي‬
‫مقطوع النفع " ‪ .22‬أما العنصر الثاني فهو قوله "سالم على من اتبع الهدى" مما‬
‫الشك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد في رسائله اإلعالمية على اآليات‬
‫القرآنية استهالال واستدالال ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪" :‬‬

‫‪[ "             ‬سورة طه‪ ،‬اآلية‬

‫للمرسل إليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪ ]44‬أما العنصر الثالث فهو صفة "عظيم" وهي تبجيل واحترام وتوقير‬

‫‪-22‬رواه اإلمام أحمد في مسنده‪ ،83/329 ،‬مؤسسة الرسالةز‪...‬‬

‫‪12‬‬
‫وجل‬
‫بقصد حفظ مكانته االعتبارية بين قومه‪ .‬والعنصر الرابع هو توحيد الله عز ّ‬
‫والتأكيد على أنه رسول من عند الله‪ ،‬بقوله " أشهد أن ال إله إال الله وأني عبده‬
‫ورسوله"‪ ،‬فالتوحيد هو المنطلق والغاية وهو الذي من أجله خلق الله الثقلين‪ ،‬وخلق‬
‫الجنة والنار‪ ،‬وبه ينقذ اإلنسان من ظلمات الشك واالرتياب إلى نور التوحيد‬
‫المرسل إليه بدعاية اإلسالم " أسلم تسلم‬
‫َ‬ ‫الصواب‪ .‬والعنصر الخامس هو دعوة‬‫و ّ‬
‫يؤتك الله أجرك مرتين"‪.‬‬
‫أسلم أي أسلم وجهك لله واستسلم له‪ ،‬بما يعنيه لفظ االستسالم‬
‫فأما داللة ْ‬
‫من معاني االنقياد والخضوع للخالق ال للمخلوق‪ .‬وأما معنى "تسلم" فنجده في قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم "يؤتك الله أجرك مرتين" األجر األول في مقابل إسالمه هو‪،‬‬
‫إم َرته‪ .‬وهذا بطبيعة الحال‬
‫ومن هو تحت ْ‬
‫دونه َ‬
‫واألجر الثاني في مقابل إسالم َمن َ‬
‫عكس ما ّيدعي بعض المستشرقين وبعض دعاة انتشار اإلسالم بالسيف في فهمهم‬
‫للفظ "تسلم" أي تسلم من السيف‪ .‬والعنصر السادس هو أن إثم الرعية يكون على‬
‫الرعية مجوسا أو نصارى‪.‬‬
‫الراعي إن هو منع أفرادها من دخول اإلسالم‪ .‬سواء كانت ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫فأصاغر القوم وضعافه عادة ما يتبعون أكابرهم ّ‬
‫إما خوفا من أذاهم وطمعا في‬
‫نعمهم‪ .‬والعنصر السابع هو استشهاده صلى الله عليه وسلم بآية قرآنية‬
‫قل يا أهل الكتاب الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد إال‬
‫الله وال نشرك به شيئا‪ ،‬وأال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله‪ ،‬فإن توّلوا فقولوا‬
‫الموجهة إلى كسرى‪ ،‬ألنه ليس من أهل‬
‫ّ‬ ‫اشهدوا بأنا مسلمون‪ ،‬باستثناء الرسالة‬
‫جدا ويتعلق بحمل كل رسالة لختم نبوي لما له‬
‫الكتاب‪ .‬والعنصر الثامن وهو أساسي ّ‬
‫الموجهة لكسرى خالية‬
‫ّ‬ ‫من أهمية بالغة في المراسالت الرسمية‪ .‬والمالحظ أن الرسالة‬
‫من اآلية القرآنية االتي استشهد بها الرسول صلى الله عليه وسلم في باقي رسائله‪،‬‬
‫ألن عظيم فارس ليس من أهل الكتاب‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪-5‬تحليل أجوبة الملوك والعظماء‬
‫من خالل تحليل أجوبة الملوك والعظماء‪ ،‬يتبين أن ردود كل من‬
‫تضمنت اعترافهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬كما‬
‫ّ‬ ‫النجاشي وهرقل والمقوقس‬
‫تضمنت عبارات المجاملة واكرام رسله صلى الله عليه وسلم وتقديم الهدايا والمبالغة‬
‫ّ‬
‫عبر عن استعداده لخدمة‬
‫في بعض األحيان‪ ،‬كما هو الحال في جواب هرقل الذي ّ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وغسل رجليه! – قدميه‪ -‬رغم أنه ال ذكر في رسالته‬
‫الجوابية للفظ السلم والسالم!‪ .‬والذي يزكي قولنا بعدم صدقية رسالة هرقل الجوابية‬
‫الدولة اإلسالمية الفتية‪،‬‬
‫جديته ولجوئه إلى المراوغة تحاشيا ألي اصطدام مع ّ‬
‫وعدم ّ‬
‫ما يعضد ّادعاءنا هذا هو تجهيزه لجيش عرمرم الستعادة األراضي المفتوحة من ِقبل‬
‫المسامين‪ .‬كان ذلك سنة ‪ 83‬للهجرة‪ ،‬لكن جيشه اندحر في معركة اليرموك امام‬
‫المسلمين بقيادة خالد بن الوليد‪ .‬أما المقوقس فقد دنا من اإلسالم كما في المنظومة‬
‫لكنه لم يوئس‪ ،‬أي أنه لم يسلم‪ .‬وقد اختُلف في أمر إسالمه‪.‬‬
‫النجاشي كان مؤدبا‪ ،‬وفيه استجابة واضحة لدعوة رسول‬
‫والمالحظ أن جواب ّ‬
‫الله وقيل أنه " أسلم وأخفى إيمانه عن قومه؛ لما علم فيهم من الثبات على الباطل‪،‬‬
‫والجمود على العقائد الموروثة وان صادمت العقل والنقل "‪ .23‬أما كسرى عظيم فارس‬
‫فقد مزق الرسالة النبوية تعنتا واستكبارا‪.‬‬
‫‪-4‬خاتمة‬
‫صفوة القول إن هذه الرسائل كنظيراتها من الرسائل األخرى التي بعث بها‬
‫الرسول الكريم إلى زعماء الكيانات غبر المسلمة‪ ،‬وسادات القبائل المنتشرة في ربوع‬
‫الجزيرة العربية‪ ،‬نموذجحي إلعالم إنساني احتُ ِرم فيها االختالف الديني‪ ،‬فكانت غاية‬
‫ّ‬
‫الممل‪،‬هي رسائل‬ ‫المخ ّل‪ ،‬وخالية من اإلسهاب واإلطناب‬ ‫الدقة واإليجاز غير ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫في ّ‬

‫‪ -23‬أبو شهبة‪ ،‬السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.380‬‬

‫‪14‬‬
‫دعوة إلى توحيد الله عز وجل‪ ،‬وهي مفعمة بالصدق واإلخالص في الكلمة وفي‬
‫المعنى‪ .‬وفي الرسائل النبوية تأصيل لما ينبغي أن تكون عليه العالقات الدبلوماسية‬
‫المهمة‪ ،‬واختيار عبارات التأدب‬
‫ّ‬ ‫الدول‪ ،‬من إرسال مبعوث أو سفير مؤهل ألداء‬
‫بين ّ‬
‫الدين‪ ،‬واحترام خصوصياته اللغوية والدينية والعقدية‪ .‬كما أن فيها‬
‫مع المخالف في ّ‬
‫الشكل‪ ،‬واحترام المرسل إليه‬
‫ُ‬ ‫تأصيال لإلعالم اإلسالمي المتميز باالختصار من حيث‬
‫من خالل استعمال عبارات تليق بمقامه‪ .‬ومن حيث الموضوع يمتاز اإلعالم‬
‫اإلسالمي بالوضوح وبالصدق وبرباطة جأش القائمين عليه وباإلخالص وجمال‬
‫المظهر وحصافة الرأي وفصاحة الخطاب‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مصدر المصادر‬
‫القرآن الكريم برواية ورش عن نافع‬
‫المصادر والمراجع‬
‫السنة‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫‪ -8‬أبو شهبة‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬السيرة النبوية في ضوء القرآن و ّ‬
‫السادسة‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة ّ‬
‫القيم‪ ،‬زاد المعاد في هدي العباد‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬تحقيق شعيب‬
‫‪ -2‬الجوزية‪ ،‬ابن ّ‬
‫وعبد القادر األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪8998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬عجاج‪ ،‬الخطيب محمد‪ ،‬اإلعالم في صدر اإلسالم‪ .‬عجاج الخطيب وكيل كلية‬
‫الشريعة ورئيس قسم علوم القرآن والسنة بجامعة دمشق سابقا‪ .‬وبجامعة اإلمارات‬
‫العربية المتحدة‪.‬‬
‫‪-3‬العقاد‪ ،‬عباس محمود‪ ،‬المجموعة الكاملة‪ ،‬العبقريات اإلسالمية‪ ،‬م‪ ،8‬عبقرية‬
‫محمد‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪8983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬العراقي‪ ،‬زين العابدين عبد الرحيم بن الحسين‪ ،‬ألفية السيرة النبوية‪ ،‬المسماة نظم‬
‫السنية في السير النبوية‪.‬‬
‫الدرر َّ‬
‫‪ -3‬حميد الله‪ ،‬محمد‪ ،‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخالفة الراشدة‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة السادسة‪8983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬الخضري‪ ،‬محمد بك‪ ،‬نور اليقين في سيرة سيد المرسلين‪ ،‬شرح وتعليق ابراهيم‬
‫محمد رمضان‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪8998 ،‬م‬
‫‪ -9‬السباعي‪ ،‬مصطفى‪ ،‬السيرة النبوية دروس وعبر‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬بيروت‪5891 ،‬‬
‫‪ -9‬مسند اإلمام أحمد‪ ،83/329 ،‬تحقيق شعيباألرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪8998 ،‬م‪.‬‬
‫‪-80‬النووي بشرح مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪16‬‬

You might also like