You are on page 1of 202

‫الموريسكيـون‬

‫اإلسـبـــــــــــان‬
‫ووقائع طردهم‬
‫لكاتبه األسقف دون باسكوال بورونات إي ﱠبراتشينا‬
‫(بلنسية ‪1901‬م)‬

‫الكتاب األول من الجزء األول‬

‫ترجمة‬
‫الدكتورة كنزة الغالي‬
‫جميع حقوق امللكية األدبية والفنية‬
‫محفوظة ملركز العمودي لرتجمة ونرش‬
‫الرتاث املخطوط‪.‬‬

‫يحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو‬


‫اختصار أو إعادة تنضيد الكتاب كامال أو‬ ‫إشــراف‬
‫الدكتور‬
‫مجزأ أو تسجيله عىل أرشطة كاسيت أو‬
‫إدخاله عىل الكمبيوتر أو برمجته عىل‬
‫أسطوانات إال مبوافقة املركز خطيا‪.‬‬

‫اآلراء الواردة يف الكتاب ال متثل بالرضورة‬


‫‪All rights reserved‬‬
‫رأي املركز‪.‬‬
‫‪Tous droits réservés‬‬

‫مركز‬ ‫"العمودي لترجمة ونشر التراث المخطوط"‬ ‫مركز‬


‫متخصص يف الرتاث العريب املخطوط‪ ،‬وتم تأسيسه باململكة‬
‫املغربية‪ ،‬يقوم عليه جملس إداري يتكون من‪:‬‬
‫الشيخ حممد حسني العمودي ‪ :‬رئيس املركز‬
‫د‪ .‬حممد بن عبد الرمحن البرش ‪ :‬املرشف العام عىل املركز‬
‫‪ :‬رئيس اللجنة العلمية‬ ‫د‪ .‬أمحد شوقي بنبني‬
‫ ‬
‫‪ :‬رئيس اللجنة املالية‬ ‫ذ‪ .‬مجال با عامر‬
‫ ‬
‫‪ :‬عضوة اللجنة العلمية‬ ‫د‪ .‬كنزة الغايل‬
‫ ‬
‫‪ :‬عضو اللجنة العلمية‬ ‫د‪ .‬عبد القادر سعود ‬
‫‪ :‬عضو اللجنة العلمية‬ ‫د‪ .‬عبد املجيد ِخ َّيايل‬
‫ ‬
‫‪ :‬سكرتري املركز‬ ‫س ‬ ‫ذ‪ .‬يونس عبدو ‬

‫‪ :‬املوريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫الكتـــاب‬


‫‪ :‬األسقف دون باسكوال بورونات إي ب ﱠراتشينا‬ ‫الكاتب‬
‫‪ :‬الدكتورة كنزة الغايل‬ ‫الرتجمة‬
‫‪ :‬اللجنة العلمية التابعة للمركز برئاسة الدكتور ‬ ‫املراجعة‬
‫أحمد بنبني‬ ‫ ‬
‫‪ :‬طبع يف مطابع دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‬ ‫الطباعـــة‬
‫اإلخراج الفني ‪ :‬يونس عبدوس‬
‫قياس الصفحات ‪cm 17×24 :‬‬
‫سنة الطباعــة ‪2012 :‬م ‪1433 -‬هـ‬
‫‪ :‬األولــى‬ ‫الطبعــة‬
‫مركز "العمودي لترجمة ونشر التراث المخطوط" مركز متخصص يف‬
‫الرتاث العريب املخطوط‪ ،‬وتم تأسيسه باململكة املغربية‪ ،‬يقوم عليه جملس‬
‫إداري يتكون من‪:‬‬
‫‪ :‬رئيس املركز‬ ‫الشيخ حممد حسني العمودي ‬
‫الدكتور حممد بن عبد الرمحن البرش ‪ :‬املرشف العام عىل املركز‬
‫‪ :‬رئيس اللجنة العلمية‬ ‫ ‬
‫الدكتور أمحد شوقي بنبني‬
‫‪ :‬رئيس اللجنة املالية‬ ‫ ‬
‫األستاذ مجال با عامر‬
‫‪ :‬عضوة اللجنة العلمية‬ ‫ ‬‫الدكتورة كنزة الغايل‬
‫‪ :‬عضو اللجنة العلمية‬ ‫ ‬
‫الدكتور عبد القادر سعود‬
‫‪ :‬عضو اللجنة العلمية‬ ‫الكتور عبد املجيد ِخ َّيايل‬
‫ ‬
‫‪ :‬سكرتري املركز‬ ‫ ‬
‫األستاذ يونس عبدوس‬
‫‪7‬‬ ‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬

‫إهداء‬

‫إىل السيد الفاضل الشيخ حممد حسني العمودي‪..‬‬

‫إىل الدكتور حممد بن عبد الرمحان البرش‪ ،‬سفري فوق العادة للملكة العربية‬
‫السعودية باملغرب‪ ،‬الذي كلام سنحت يل فرصة لقائه وجدت عنده فكرة‪،‬‬
‫أو مرشوعا أو كتابا عن األندلس يبهرين بتنقيبه عن اجلديد واألصيل يف هذه‬
‫احلقبة التارخيية من الوجود اإلسالمي بشبه اجلزيرة اإليبريية ويشجع كل‬
‫بحث وعمل يسرب أغوار ثامنية قرون من احلضارة االسالمية يف األندلس‪..‬‬

‫إىل الدكتور حممد أجديرة )‪ (Cadera‬املهووس بالبحث والتنقيب عن‬


‫جذوره املوريسكية التي ما فتئ حيدثني عنها منذ أول لقائي به يف جنوب‬
‫إفريقيا خالل املنتدى العاملي للشباب‪..‬‬

‫إىل حممد انفييس‪ ،‬أبو يارس‪ ،‬إلياس‪ ،‬مريم وأيوب‪ ،‬رفيق الدرب الذي‬
‫حتملني بكل صرب وأناة وأنا منكبة عىل ترمجة الكتاب‪ ،‬يسعى بكل جهده‬
‫كي يوفر يل ظروف العمل اهلادئة ويصحح أخطائي اللغوية‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬

‫شـكـر‬

‫إىل أساتذيت األجالء يف وحدة البحث والتكوين‪ :‬األندلس‪ ،‬دراسة‬


‫متعددة االختصاصات‪ ،‬بجامعة حممد اخلامس‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬الرباط‪ -‬أكدال‪ ،‬الذين كان هلم الفضل‪ ،‬خالل العرشية السالفة‬
‫من القرن املنرصم‪ ،‬يف حتريك الفضول بداخيل وتشجيعي عىل النهل من‬
‫معني أمهات الكتب واملصادر حول األندلس‪.‬‬

‫إىل أمامة عواد‪ ،‬عبد الواحد أكمري‪ ،‬حممد يعىل‪ ،‬فتيحة بلباح وأمحد‬
‫الطاهري‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫مقدمة المترجمة‬

‫مقدمة المترجمة‬

‫قبل الرشوع يف ترمجة هذا الكتاب املكون من جزأين‪ ،‬بكل واحد منهام أزيد من‬
‫ستامئة صفحة‪ ،‬قررت أن أجعل هذا العمل أهم مرشوع أكاديمي علمي يف مرحلة‬
‫مساري اآلنية واملستقبلية إن يرس يل اهلل عز وجل ذلك‪ .‬مل يكن سهال اختيار الكتاب‬
‫أو الوثيقة التي جيب أن أنكب عليها بالرتمجة بعد االجتامع األول كعضو ضمن اللجنة‬
‫العلمية بمركز العمودي للرتمجة ونرش الرتاث املخطوط‪ .‬كان من بني الرشوط األساسية‬
‫للعمل أال يكون الكتاب من املؤلفات املعارصة احلديثة وأال يكون قد ترجم من قبل‪ .‬لذا‬
‫عمدت إىل االتصال باإلخوة يف املجلس األعىل للثقافة واملركز القومى للرتمجة ىف مرص‬
‫ومؤسسة التميمي للدراسات املوريسكية يف تونس ألتأكد من عدم وجود ترمجة سابقة‬
‫للكتاب‪ ،‬فثبت يل أن املؤلف الذي استطعت احلصول عليه من طرف رئيس «الكاسا‬
‫سيفاراد بقرطبة» (البيت السفردي) السيد سيباستيان دي ال أبرا مل يرتجم من قبل وأنه‬
‫قد تم تأليفه سنة ‪ 1901‬من طرف رجل كنيسة اطلع عن كثب عىل الوثائق املتعلقة‬
‫باملوريسكيني ومعاناهتم يف إحدى القلع اهلامة التي سجلت مصريهم املؤمل‪ :‬مملكة بلنسية‬
‫وعرب مراحل خمتلفة‪.‬‬
‫يف العرشية األخرية من القرن املنرصم وبالضبط سنة ‪ 1992‬للميالد بمناسبة‬
‫مرورمخسة قرون عىل طرد اليهود من األندلس‪ ،‬أقدم ملك إسبانيا خوان كارلوس عىل‬
‫االعتذار هلم‪ ،‬وسنة ‪ 2009‬خالل ذكرى مرور أربعة قرون عىل طرد املوريسكيني من‬
‫شبه اجلزيرة اإليبريية رصح ملك إسبانيا يف قوله بأن االسالم يشكل جزءا من اهلوية‬
‫الثقافية إلسبانيا و هذا بدوره يمكن اعتباره ذا داللة كبرية ألن مسامهة إسبانيا يف‬
‫النهضة األوروبية‪ ،‬إنام متت من خالل احلضارة األندلسية االسالمية‪ .‬وخالل الذكرى‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪12‬‬

‫املائوية الرابعة لطرد املوريسكيني سنة ‪ 2010‬أصدر الربملان االسباين بيانا يعتذر فيه‬
‫لكل املوريسكيني عن التعسفات التي عانوها جراء طردهم وترحيلهم القرسي من‬
‫األندلس‪ ،‬وهم يف الواقع اليسمون أنفسهم باملوريسكيني وإنام يتشبثون بلقب أهل‬
‫األندلس أو أهل غرناطة‪ .‬ويعترب هذا األمر يف الواقع إعادة اعتبار للذاكرة التارخيية‬
‫االسبانية‪ ،‬ولكن األهم من كل هذا‪ ،‬ليست التعويضات املادية التي يطالب هبا بعض‬
‫أحفاد املوريسكيني‪ ،‬وال احلصول عىل اجلنسية االسبانية واستعادة دورهم التي مازال‬
‫بعضهم حيتفظ بمفاحتها‪ ،‬فاألهم هو االعرتاف باالسالم كمكون أسايس ليس للثقافة‬
‫اإلسبانية فحسب بل للبالد ككل يف مجيع جتلياهتا من ممارسات إدارية واجتامعية‬
‫ومعامالت جتارية وعالقات أرسية نظرا للتامزج العميق والتام الذي تم بني تزاوج‬
‫اجلنسني‪ ،‬املسلم واملسيحي باألندلس‪ .‬ومازالت وثائق هامة تزخر باملعلومات عن‬
‫تلك الفرتة التارخيية من تواجد الرببر والعرب واملسلمني يف شبه اجلزيرة اإليبريية بقرص‬
‫االسكوريال واألرشيف العام بسيمنكاس‪ ،‬وبعض الكنائس‪ .‬البد من التنقيب عنها‬
‫ودراستها وإعادة االعتبار التارخيي ألولئك الذين قال عنهم مؤلف الكتاب الذي نحن‬
‫بصدد ترمجته‪« :‬ولد املوريسكيون داخل املجتمع املسيحي اإلسباين إال أهنم مل يفقدوا ومل‬
‫ينسوا يوما قط انتامءهم ملحمد وال حادوا عن ممارسة شعائر دينهم وعاداهتم‪...‬أصدر‬
‫دو بوربون مرسوما ملكيا يف شتنرب ‪ 1712‬يأمر بالطرد الكامل للموريسكيني‪ ،‬وأكد أن‬
‫بذورهم ونواهتم قد زرعت اإلسالم إىل األبد وتعمقت جذورها يف بالدنا»‪.‬‬
‫أسأله تعاىل العون وما توفيقي إىل باهلل‪.‬‬

‫كـنـزة الـغـالـي‬
‫فاس يف ‪ 21‬دجنرب ‪2011‬‬
‫‪13‬‬ ‫تقديم الترجمة‬

‫تقديم الترجمة‬

‫بعد سقوط غرناطة اإلسالمية عام ‪ ،1492‬ظلت غالبية مسلمى األندلس تقيم‬
‫ىف بالدها ومتارس شعائر دينها‪ ،‬بمقتىض معاهدة((( مل يدرس مؤرخونا بنودها دراسة‬
‫متأنية حتى اآلن‪ ،‬بل اكتفوا بإدانة أبى عبد اهلل الصغري‪ ،‬وهكذا أصبح الرجل ىف كتبنا‬
‫هو املسؤول عن ضياع األندلس كلها‪ ،‬مع أن من يتأمل نصوص املعاهدة يدرك أن‬
‫املفاوض املسلم كان صلبا‪ ،‬وأنه مل يفرط أبدا ىف حقوق املسلمني اإلسبان‪ ،‬بل ومل يفته‬
‫كذلك أن يدافع عن حقوق رعايا الدولة اإلسالمية من اليهود‪ ،‬وأنه أجرب فريناندو عىل‬
‫تعب أبدا عن تفاوت القوى واإلمكانيات بني الطرفني(((‪ .‬أريد‬
‫توقيع معاهدة أراها ال رّ‬
‫أن أسجل هنا أن املؤرخ اإلسبانى كان أكثر إنصافا ألبى عبد اهلل الذى وضعه القدر ىف‬
‫موضع ال حيسد عليه‪ ،‬فقد توىل امللك ىف فرتة كان األندلس فيها قد اهنار بالفعل‪ ،‬ومل يكن‬
‫ينتظر سوى إعالن الوفاة بشكل رسمي‪.‬‬
‫بعد عرش سنوا ت من توقيع املعاهدة‪ ،‬أي ىف عام ‪ ،1502‬تنكّر فريناندو الكاثوليكي‬
‫لوعوده‪ ،‬وقرر أن إسبانيا مل تعد تتسع لغري الكاثوليك‪ ،‬وأن عىل املسلمني أن يتحولوا‬
‫إىل الكاثوليكية أو أن يغادروا وطنهم إىل العدوة األخرى‪ .‬مل يكن من السهل أن يغادر‬
‫((( ترجمنا نص المعاهدة عن اإلسبانية‪ ،‬انظر«الموريسكيون األندلسيون» تأليف غارثيا أرينال‪ ،‬ترجمة وتقديم‬
‫جمال عبد الرحمن‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2003 ،‬‬
‫((( أشرنا إلى هذه النقطة فى مقدمة كتاب «الموريسكيون األندلسيون» المذكور‪ .‬هناك كتاب آخر –«المنظرى الغرناطى مؤسس‬
‫تطوان»‪ ،‬تأليف غوثالبيس بوستو‪ ،‬ترجمة ممدوح البستاوى‪ ،‬مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪ -2005 ،‬يثير قضية مهمة إلى أقصى حد‪ .‬إن أصحاب النفوذ فى المغرب العربى –طبقا لرواية المؤلف‪ -‬قد تعاونوا‬
‫مع الملك فيرناندو‪ ،‬مما أسهم فى التعجيل بسقوط غرناطة‪ ،‬واألمر هنا شديد الوطأة على النفس‪ ،‬ويبقى أن يتسلح مؤرخونا‬
‫بالوثائق لدحض هذا الرأى أو االعتراف بصحته وإعادة كتابة تاريخ سقوط غرناطة‪( .‬إن صدق ما يرويه المؤلف فسيكون لدى‬
‫مؤرخينا سبب آخر لكيال يتحدثوا عن خيانة أبى عبد الله الصغير‪ .‬يحضرنى هنا أن صديقنا الراحل غوثالبيس بوستو كان يرى‬
‫حملته مسئولية ضياع غرناطة‪ ،‬فى حين أن سقوط‬ ‫أن الكتابات التأريخية العربية ظلمت آخر ملوك غرناطة ظلما واضحا‪ ،‬فقد ّ‬
‫المملكة اإلسالمية لم يكن سوى محصلة لعقود طويلة من الضعف والتهاون من جانب أسالفه‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪14‬‬

‫املسلمون وطنهم الذى ولدوا وعاشوا فيه‪ ،‬ومل يكونوا يريدون كذلك ترك دين مل يقتنعوا‬
‫بغريه‪ .‬إزاء هذه املعضلة توجهوا إىل علامء املغرب اإلسالمى يطلبون منهم الفتوى‪،‬‬
‫وكان أن وجه إليهم أمحد بو مجعة الوهرانى الفتوى الشهرية التى تبيح هلم قبول املسيحية‬
‫ظاهرا‪ ،‬وممارسة شعائر اإلسالم ىف اخلفاء‪ .‬اعتبارا من ذلك العام بدأ ما يمكن أن‬
‫نطلق عليه «التاريخ املوريسكى»‪ ،‬أي تاريخ األندلسيني الذين فضلوا البقاء ىف بلدهم‪،‬‬
‫ومارسوا شعائر اإلسالم رسا بعد أن تظاهروا باتباع املسيحية‪ .‬تعرض املوريسكيون‬
‫للتنكيل من قبل حماكم التفتيش‪ ،‬ثم انتهى هبم املطاف إىل طردهم يف الفرتة بني عامي‬
‫‪.1614 - 1609‬‬
‫جممل القول إن الفرتة املوريسكية‪ ،‬التى متثل امتدادا حضاريا لألندلس‪ ،‬قد حظيت‬
‫باهتامم العديد من مراكز البحث األوروبية‪ ،‬أما ىف عاملنا العربى فلم ينل هذا املوضع‬
‫–عىل أمهيته‪ -‬اهتامما يذكر إال ىف السنوات األخرية‪ .‬صحيح أن الدكتور عبد اجلليل‬
‫التميمى أنشأ مركزا للدراسات املوريسكية ىف تونس‪ ،‬لكن مركزا بحثيا واحدا ال يكفى‬
‫لدراسة قضية عربية إسالمية معقدة مثل القضية املوريسكية‪ .‬أسباب غياب هذا النوع‬
‫من الدراسات ال ختفى عىل أحد‪ :‬إن من يتصدى لدراسة قضية املوريسكيني عليه أن‬
‫يكون ملام باللغة اإلسبانية ‪-‬التى حررت هبا معظم الوثائق‪ -‬وعليه أن يكون عىل دراية‬
‫بأدوات البحث التأرخيى ىف آن واحد‪ .‬لذلك ابتعد مؤرخونا عامة عن خوض غامر هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬واكتفى غري املتخصصني باإلشارة إىل املوضوع بغري علم‪ ،‬وأطلقوا أحكاما ال‬
‫تثبت أمام املنهج العلمى السليم‪.‬‬
‫يف حماولة لسد الفجوة التى حتدثت عنها جيئ مرشوع املكتبة املوريسكية الذى متكنا‬
‫من خالله من نرش ما يربو عىل عرشين كتابا حتى اآلن ضمن إصدارات املجلس األعىل‬
‫للثقافة واملركز القومى للرتمجة ىف مرص‪ ،‬تتناول جوانب خمتلفة من جوانب القضية‬
‫املوريسكية‪ .‬من الطبيعى أن يتكامل دور الباحثني يف العامل العربى‪ ،‬فالتنسيق بني مراكز‬
‫البحث والعمل الثقايف يف العامل العريب يعود بالفائدة عىل اجلميع‪ .‬هلذا سعدت كثريا عندما‬
‫‪15‬‬ ‫تقديم الترجمة‬

‫حدثتني الزميلة الكريمة الدكتورة كنزة الغايل عن اعتزامها ترمجة بعض كتب التاريخ‬
‫املوريسكى‪ ،‬وأهنا ال ترغب ىف ترمجة كتب متت ترمجتها من قبل‪ .‬أعتقد أن الدكتورة كنزة‬
‫الغايل قد وفقت يف اختيار هذا الكتاب الذي حيتل مكانا مهام يف كتب التاريخ املوريسكي‪،‬‬
‫وال غنى عنه ملن يريد تسجيل تطور البحث التأرخيي اإلسباين للقضية املوريسكية‪.‬‬
‫لكي تتبني أمهية هذا الكتاب علينا أن نضعه داخل إطار البحث التأرخيي للقضية ىف‬
‫إسبانيا‪ .‬مل تتوقف حماوالت املوريسكيني للتمسك باإلسالم‪ ،‬ووصل األمر إىل أن أعلنوا‬
‫الثورة الشاملة‪ ،‬وخاضوا حربا رضوسا استمرت ألكثر من عامني‪ ،‬وكانت السلطات‬
‫اإلسبانية حريصة عىل أن تكون الدولة كاثوليكية ال تتسع ألصحاب الديانات األخرى‪،‬‬
‫بل ال تتسع للمسيحيني من أصحاب املذاهب األخرى‪ .‬كان أصحاب السلطة يفضلون‬
‫أن تكون إسبانيا كاثوليكية خالصة‪ ،‬لكن النبالء كانوا يؤيدون بقاء املوريسكيني يف‬
‫إسبانيا ألهنم صناع مهرة وزراع متميزون‪ .‬تم حسم الرصاع واختذ امللك فيليبي الثالث‬
‫ىف النهاية قرارا بطرد املوريسكيني‪ ،‬مما أدى إىل عواقب وخيمة عىل االقتصاد‪ .‬عندما‬
‫بدأ املؤلفون يتناولون موضوع الطرد كانت إسبانيا ال تزال ختوض حروبا بحرية ضد‬
‫العثامنيني‪ ،‬وبالتايل فقد أدى اجلو العام املناهض للموريسكيني إىل أن نستمع إىل صوت‬
‫واحد فقط‪ ،‬هو صوت املتعصبني‪ ،‬أما الصوت املتعاطف مع املوريسكيني فقد لزم‬
‫الصمت طوعا أو كرها‪ ،‬وهكذا كانت املؤلفات كلها تسري ىف طريق تربير القرار الذي‬
‫اختذه فيليبي الثالث‪ .‬استمر هذا اجلو املشحون حتى هناية القرن الثامن عرش‪.‬‬
‫أما يف القرن التاسع عرش فقد انقسم املؤرخون اإلسبان الذين عاجلوا القضية إىل‬
‫فريقني‪:‬‬
‫‪ -‬فريق يؤيد عملية الطرد بشكل واضح ويسوق هلا املربرات‪ ،‬ويعتمد ىف ذلك عىل‬
‫دراسات سابقة ال تتضمن وثائق‪.‬‬
‫‪ -‬فريق اعتمد عىل وثائق‪ ،‬مثل ليا‪ ،‬ودانفيال‪ ،‬وبرونات إي باتراتشينا‪ ،‬وخانري‪ ،‬وقد‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪16‬‬

‫تراوحت مواقف هذا الفريق بني التأييد واملعارضة لقرار الطرد‪.‬‬


‫من حيث االجتاه الفكري للمؤلفني يمكن أن نقسم هؤالء إىل‪ :‬حمافظني يدافعون عن‬
‫الوحدة الدينية ‪ ،‬ومن ثم جيدون مربرات لطرد املوريسكيني (دانفيال ‪ ،‬برونات‪ ،‬منينديث‬
‫باليو)‪ ،‬ومتحررين يتعاطفون مع املوريسكيني ويوجهون االنتقادات للسلطة (خانري ‪،‬‬
‫أمادور دى لوس ريوس ‪ ،‬ليا‪ ،‬موديستو الفوينتى)‪.‬‬
‫من املهم هنا أن نشري إىل أن االجتاه التحررى قد عززته حركة االستعراب التى قادت‬
‫إىل دراسة املوريسكيني باعتبارهم آخر من يمثل مسلمي إسبانيا‪ .‬نضيف كذلك أن‬
‫احلملة اإلسبانية ضد املغرب كانت جتعل من الرضوري دراسة الشخصية املغربية‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعى أن يؤدي ذلك إىل مقارنة املواطن املغربى باملوريسكي‪.‬‬
‫لألسف الشديد أدى هوس بورونات بمعاداة املوريسكيني إىل االنتقاص من قيمة‬
‫العمل‪ .‬فالركنان األساسيان للكتاب –كام يؤكد بونيس إيبارا(((‪ -‬مها التربير املستميت‬
‫للطرد والدفاع عن البطريرك ريبريا‪ .‬يرى املؤلف املوريسكيني عىل أهنم مجاعة كثرية‬
‫العدد من امللحدين واملارقني‪ ،‬ويصورهم كخونة غرضهم النهائي هو زعزعة استقرار‬
‫امللكية اإلسبانية‪ .‬من ناحية أخرى يوجه املؤلف انتقادا حادا إىل النبالء الفالنسيني‪ ،‬فهم‬
‫املسؤولون عن بقاء «العنرص املسلم» يف أرض الوطن‪ .‬حتى اجلوانب اإلجيابية عند‬
‫املوريسكيني يصورها برونات إى باراتشينا عىل أهنا سلبية‪ ،‬لكي يبدو قرار طردهم‬
‫ىف النهاية قرارا صائبا متاما‪ .‬أريد أن أشري هنا إىل أن كتابا وضعه ماركيث بيانويبا يرى‬
‫األمور من منظور آخر(((‪.‬‬
‫إذن فالكتاب الذي نقدم له يتضمن العديد من الوثائق املهمة‪ ،‬ويتخذ موقفا معاديا‬

‫((( انظر كتابه «الموريسكيون فى الفكر التاريخى»‪ ،‬ترجمة وسام محمد جزر‪ ،‬مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن‪،‬‬
‫المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫((( انظر «القضية الموريسكية من وجهة نظر أخرى»‪ ،‬ترجمة عائشة سويلم‪ ،‬مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن‪،‬‬
‫المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫تقديم الترجمة‬

‫ملسلمي األندلس‪ ،‬وهذا ما يؤكد أمهية ترمجته إىل اللغة العربية‪ ،‬فللمؤلف تالميذ يسريون‬
‫عىل هنجه حتى اآلن‪ ،‬وإن كانوا قالئل‪ ،‬ومن ثم فإن ترمجة الكتاب من شأهنا أن تضع‬
‫أمام الباحث العريب الذى ال جييد اللغة اإلسبانية‪ .‬قاعدة بيانات ومادة ثرية متكنه من‬
‫املشاركة ىف احلوار احلضاري بني الرشق والغرب خالل انعقاد املؤمترات حول القضية‬
‫املوريسكية‪.‬‬
‫نضع بني يدي القارئ اآلن هذا الكتاب املهم‪ ،‬ونأمل ىف أن يلقي مزيدا من الضوء‬
‫عىل قضية مسلمي األندلس‪ ،‬واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪.‬‬

‫جـمـال عبد الـرمحــن‬


‫القاهرة ىف ‪ 5‬صفر ‪1433‬‬
‫املوافـق ‪ 30‬ديسمرب ‪2011‬‬
‫‪19‬‬ ‫إهداء المؤلف‬

‫إهداء المؤلف‬

‫إىل أعضاء اهليئة العليا باملعهد الكنيس كربوس كريستي‪..‬‬

‫مرت عيل سنوات طويلة وأنا أعمل جادا لكي أضع بني يديكم منوغرافية موثقة عن‬
‫تاريخ وأحداث طرد املورسكيني‪ .‬عملت جادا عىل اتباع املوضوعية ونسيان مشاعري‬
‫ومعتقدايت التي زرعها والدي يف كياين‪ .‬لقد جترأت كذلك عىل مناقشة ورسد آراء بعض‬
‫املؤرخني الذين خيلطون بني مواقف الكنيسة الكاثوليكية ومؤسسات أخرى‪ ،‬يربئون‬
‫طرفا ويدينون آخر ألهنم وضعوا عىل املقصلة أعناقا سامهت يف حل مشكلة املوريسكيني‬
‫بإسبانيا‪ .‬كان هديف بعيدا عن التنميق يف التعبري والسجع يف الكالم وصببت جم انشغايل‬
‫عىل اإلتيان بالرباهني واحلجج الدالة عىل احلقائق الواقعية والروايات املوضوعية حلرب‬
‫طاحنة ضد غالب ومغلوب‪ ،‬ضد املوريسكيني الذين أثبتت كل احلقائق التارخيية‬
‫استحالة انصهار ومتازج شعبني متنافسني ومتناحرين‪.‬‬
‫عرفت املسألة املوريسكية حدهتا خالل حكم امللكني كارلوس األول وفيليبي الثاين‬
‫مما استوجب حال عاجال وقاطعا‪ .‬اختلف التعامل معهم حسب املواقف‪ ،‬تأرجحت بني‬
‫اهلدنة واملرونة وإصدار مراسيم وقوانني‪ .‬ويف حمطات أخرى كانت الرصامة والقسوة‬
‫هي احلل أمام استحالة أية استجابة من طرفهم لدجمهم وانصهارهم يف املجتمع‪ .‬استنفذ‬
‫املجلس األعىل للدولة‪ ،‬امللوك املتعاقبون والغيورون عىل الوطن كل السبل حلل املسألة‬
‫املوريسكية‪ ،‬فلم يبق من مناص إال طرد ذلك اجلنس الذي تنرص يف الظاهر ومل حيد قلبه‬
‫وباطنه أبدا عن اإلسالم‪ .‬حتمل مسؤولية تنفيذ ذلك القرار كل من امللك فيليب الثالث‪،‬‬
‫وإىل جانبه الدوق دي لريما والبطريرك ريبريا‪ .‬تعرضوا لعدة اهتامات نظرا ملناصبهم‬
‫احلساسة التي كانوا يشغلوهنا‪ .‬عملت عىل إثبات حقائق ومواقف متعددة انطالقا من‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪20‬‬

‫مصادر و وثائق تارخيية دون حتامل أو تقصري‪.‬‬


‫أتوجه بالشكر اخلالص لدون مانويل دانفيال الذي مكنني من النهل بنهم من معني‬
‫وثائق ومصادر مل تنرش قط من قبل ذات صلة وطيدة بموضوع كتابنا هذا‪ ،‬وشكري‬
‫موصول لكل الذين ساندوين إلخراج هذه احلقائق التارخيية إىل الوجود‪ .‬وإليكم مجيعا‬
‫أهدي هذا العمل‪.‬‬

‫خادمكم الويف الذي يقبل يديكم‬


‫األسقف باسكوال بورونات إي ﱠبراتشينا‬
‫بلنسية ‪ 6‬يونيو ‪1901‬‬
‫‪21‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫تـقـديـم‬

‫لقد أحسست بعجز ومشقة كبريين وأنا أدون بعض األحرف حول هذا الكتاب‬
‫الذي ألفه القسيس دون باسكوال بورنات حول املوريسكيني االسبان وطردهم‪ .‬اعتمد‬
‫عىل وثائق ومصادر بالغة األمهية مل تتأت لكثري من قبله‪ ،‬تطرق إىل أحداث حركت‬
‫الكتاب واملؤرخني ودوخت السياسيني وهزت أركان حماكم التفتيش‪ .‬املوضوع نفسه‬
‫تطرقت إليه بدوري يف خطاب استقبال باألكاديمية امللكية للتاريخ سنة ‪ ،1884‬وقلت‬
‫بأن املوريسكيني قاتلوا يف صفوف جيوش امللوك‪ ،‬واستخدموا ضد العصابات وتطرقت‬
‫إىل كيفية تنصريهم معتمدا يف ذلك عىل وثائق ملحاكم التفتيش ببلنسية التي الزال حيتفظ‬
‫هبا يف األرشيف التارخيي الوطني‪ .‬أدى تنرص مورو بلنسية إىل إبراز عداء شديد بني‬
‫جنسني يتصارعان حول املسألة الدينية‪ ،‬التي تعترب مقدسة يف دولة كاثوليكية‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدى إىل عدة مواقف وتأرجح رأي حول هذه املسألة من جهات متعددة‪ .‬وعن‬
‫أمر طرد املوريسكيني قلت باحلرف‪« :‬لقد كان الطرد حتميا ورضوريا وعن حيثياهتا‬
‫وحدها املؤسسة الدينية ببلنسية يمكنها توضيح األسباب التارخيية لذلك‪ .‬ابتدأت‬
‫بالتنصري القرصي للموريسكيني‪ ،‬األمر الذي تسبب يف مترد إسباذان وبرنية يف البادية‬
‫ثم الثورات التي تلتها وأدت إىل قرار طردهم النهائي سنة ‪ ،1609‬مل يكن األمر يف‬
‫الواقع إال تفعيال لقراري ‪ 1525‬و‪ 1545‬من أجل استقرار البالد واستتباب األمن هبا»‪.‬‬
‫للقيام هبذا البحث كان البد من الرجوع إىل بيوت النبالء واألعيان ببلنسية واخرتاق‬
‫أرشيف مكتباهتم اخلاصة التي كانت تزخر بوثائق هامة عن هذه احلقبة‪ ،‬نذكر منها كنيسة‬
‫كربوس كريسيتي التي أنشأها واهتم هبا البطريرك خوان دي ريبريا والذي كانت له صلة‬
‫مبارشة بطرد املوريسكيني اإلسبان‪ .‬أتيحت يل الفرصة أن أطلع أيضا عىل وثائق أرشيف‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪22‬‬

‫املكتبة الوطنية بباريس واملتحف الربيطاين‪.‬‬


‫رغم صغر سنه‪ ،‬استطاع هذا الكاتب املرموق أن يكتب عن مرحلة حرجة يف تاريخ‬
‫وطنه‪ ،‬سعيا منه خلدمة الرب ودينه والكنيسة الكاثوليكية التي ال يمكنها إال أن تفتخر‬
‫بخصاله واجتهاده‪.‬‬
‫يتكون اجلزء األول من أربعة عرش فصال‪ ،‬حتدث فيها صاحبها عن حالة ووضع‬
‫تارخيي مل يعشه موريسكيو بلنسية فحسب بل يكمن اعتباره فصال يف مرسح أحداث‬
‫صاغ فصول مالمحها املوريسكيون األسبان الذين مكثوا هبا يف رعاية قوانينها ومحايتها‬
‫اإلنسانية‪ .‬تتبع اثر تلك النعرات ونقب يف أسباب التمرد الدائم املتكرر لقرون عاش‬
‫خالهلا جنسان خمتلفان يف الدين والعادات والتقاليد‪ ،‬جنس قوطي اسباين ويف املقابل‬
‫جنس عرب إفريقية‪ .‬تطرق الكاتب يف الفصلني األولني إىل اخلطوط العريضة لدخول‬
‫العرب إىل إسبانيا معتمدا يف ذلك عىل املصادر العربية ووثائق فرنانديث‪-‬غريا‪ ،‬اإلخوة‬
‫أوليفريا‪ ،‬فرنانديث وغونثاليث دي ساآبيدرا التي خلصها دون ليون ثيو سيد يف كتابه‬
‫بعنوان «احتالل إسبانيا من طرف العرب ‪ .»1894‬تعرض كذلك إىل هروب القوط‬
‫واحتامئهم بجبال أشرتيش‪ ،‬للحروب والرصاعات التي تأججت عىل امتداد سبعة‬
‫قرون روت دماؤها تربة إسبانيا لتحقق هذه األخرية انتصارا يف النهاية بوقعة العقاب‪،‬‬
‫وتسرتجع إشبيلية يف أواسط القرن الثالث عرش‪ .‬استنتج يف هناية بحثه أن الغالب‬
‫واملغلوب مل يتوصلوا قط إىل التكتل واالنصهار ألن لكل واحد منهم معتقداته ودينه‪.‬‬
‫لقد اكتسى الرصاع منذ البداية صبغة دينية‪ ،‬وحاول كل خصم القضاء عىل اآلخر خلدمة‬
‫مصالح خاصة‪.‬‬
‫وبينام كان فرناندو الثالث يقوم باسرتداد أقاليم يف األندلس ظهر يف أراغون دون‬
‫خايمي األول املسمى بالفاتح و الذي استطاع اسرتجاع مايوركا‪ ،‬بلنسية ومرسية معتربا‬
‫ذلك نرصا وعالمة رىض من عند الرب‪ .‬تم فتح بلنسية يف ‪ 28‬شتنرب من ‪ 1238‬ودخلها‬
‫اجليش املسيحي يف ‪ 9‬أكتوبر املوايل فكان ذلك بداية الفتوحات املتتالية أمام الفاتح دون‬
‫‪23‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫خايمي‪ .‬منحت مهلة عرشين يوما للموريسكيني الذين فضلوا اخلروج من املدينة‬
‫حمملني بأمتعتهم رفقة ذوهيم بينام بقي من اختار املكوث يف أمان باملدينة يف محاية أسياد‬
‫هلم واستمرت اهلدنة ملدة سبع سنني‪ .‬بالنسبة لليهود فقد تم جتميعهم بحي يف اخلارج بينام‬
‫قطن املوريسكيون الذين فضلوا البقاء يف حي شاسع تقع عليه اآلن الكنيسة املقدسة سان‬
‫ميغيل‪ .‬وجد حي املسلمني هذا سنة ‪ 1370‬دون أن ينفر املسيحيون من معارشة املورو أو‬
‫التعايش معهم إىل حدود بداية يونيو ‪ 1455‬إىل أن هامجوها وحارصوها حسب األوامر‬
‫التي أصدرهتا هيئة التحكيم العليا وعمل عىل تنفيذها موسني بيدرو مريكادير‪ ،‬مستشار‬
‫وخازن امللك‪ ،‬والزال أرشيف بلدية بلنسية حيتفظ بتلك املراسالت املكثفة‪.‬‬
‫مكث خايمي األول يف بلنسية إىل غاية مايو ‪ 1239‬ويف فرباير ‪ 1240‬استأنف محلته‬
‫من جديد ليبدأ يف فتح مرسية ويبسط نفوذه عىل جزيرة شقر ويريس نموذجا للتعامل‬
‫ملسلمي إسليدا وأهني سنة ‪ 1242‬وإلعامر مدينة مقفرة شاسعة بحشود مسلمة وهيودية‬
‫كان يتطلب منه األمر إرساء سياسة تسامح وتعايش‪ ،‬وقد كان ذلك من أعظم منجزات‬
‫خايمي الفاتح‪ .‬احتفظ املدجنون الذين مكثوا يف بلنسية بكل ممتلكاهتم واستفادوا من‬
‫امتيازات أخرى‪ ،‬سمح هلم بمامرسة عاداهتم وحفالهتم وطقوسهم وتم إصدار أوامر‬
‫بعدم إزعاجهم أو التعرض هلم وقد منحهم استقالال تاما بموجب رسالة مؤرخة يف‬
‫يونيو ‪ ،1242‬األمر نفسه تم مع ساكنة جزيرة شقر‪ .‬وسيتم التطرق الحقا إىل هذه‬
‫الوقائع يف الفصل الثالث الذي وردت فيه هذه الكلامت‪« :‬احلقيقة تسمح بارتكاب اخلطإ‬
‫ولكن ال تتساهل معه‪ ،‬قد يستطيع املورو التعايش والتأقلم واالنصهار وسط املسيحيني‬
‫لكنهم لن يستطيعوا أبدا أن يكونوا شعبا واحدا»‪ ،‬عمل هذا الكتاب عىل توضيح هذه‬
‫احلقيقة خالل قرنني مرت بني موت الفاتح وامللوك الكاثوليكيني‪ .‬وبكل إعجاب‬
‫وتبجيل حتدث املؤلف يف الفصل الرابع عن إنجازات هؤالء امللوك وإرسائهم لنظام‬
‫حكم جديد يف إسبانيا وإذكائهم للروح الوطنية‪ ،‬فبعد نافرا اسرتجعوا غرناطة‪ .‬ومن‬
‫أجل استئصال املشعوذين والسحرة واخلارجني عن القانون بإشبيلية تم إرساء حماكم‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪24‬‬

‫التحقيق سنة ‪ 1479‬ليس من أجل إرضاء طمع وشجع فرناندو اخلامس‪ ،‬كام يذهب‬
‫إىل ذلك بعض املؤرخني‪ ،‬ولكن لغاية إرساء مبدإ السلطة الذي عرف تراخيا كبريا يف‬
‫الفرتات السابقة وتسبب يف تسيب اليهود واملسلمني وسامهوا يف عدم استقرار املنطقة‪.‬‬
‫ويف عقود الزواج لثربريا يف ‪ 7‬يونيو ‪ 1469‬تم تقرير احلرب وال شيئ غري احلرب ضد‬
‫املورو الستئصال املسلمني‪ .‬تم تعميم القرار بعد ذلك يف بالط مادريغال سنة ‪1576‬‬
‫ويف طليطلة سنة ‪ ،1480‬كان موقفا ساذجا للجانب املسيحي اجتاه سياسة التسامح التي‬
‫انتهجها خايمي والفاتح والتي مل تطبق كام كان مفروضا أن تكون‪ .‬بقي اهلدف من القضاء‬
‫عليهم واستئصاهلم هو تطهري األرض منهم حتى ال يمتزجوا باملسيحيني ويف ‪ 1482‬تم‬
‫خلق املجلس األعىل ملحاكم التفتيش وبذلك تكون قد متت مهمة امللوك الكاثوليكيني‪،‬‬
‫الذين رفعوا لتوهم راية احلرب ضد املورو واحتلوا احلمراء والزهراء وصوال إىل غرناطة‬
‫سنة ‪ 1492‬مكملني بذلك الوحدة الوطنية‪ .‬تم طرد املسلمني واليهود وحمارصهتم‬
‫وتعاقبت أحداث البيازين الدامية‪ ،‬هوخيار والنخارون وتم استبدال سياسة التسامح‬
‫بنهج االستئصال و الطرد وعممت بكل مدن البرشات «البوخاراس»‪ ،‬آخر ملجا‬
‫للموريسكيني الثوار‪ .‬تم إصدار قرار ملكي لطردهم وذلك يف ‪ 14‬من فرباير ‪.1502‬‬
‫اتبع امللوك الكاثوليكيون الوحدة الرتابية بالوحدة الدينية بدء بطرد اليهود من كل‬
‫جماالت احلياة بإسبانيا‪ ،‬كام يفرض ذلك الرأي العام لكل طبقات املجتمع متبوعني‬
‫باملورو‪ .‬لقد كان هذا القرار حكيام ومعقوال نظرا للطاقة التي بذهلا وأهدرها القسيس‬
‫تالبريا وثسنريوس يف تنصري املدجنني لكن دون جدوى‪ .‬عىل العكس‪ ،‬كان وراء أحداث‬
‫البيازين الدامية نعرات املسلمني الذين تظاهروا بالتنرص‪ .‬وحينام اشتد اخلناق عليهم‪،‬‬
‫هاجر بعضهم نحو إفريقية بينام مل جيد الباقي مناصا من اعتناق سلم وسالم املسيح‪ .‬ويف‬
‫رأي القسيس بورونات‪ ،‬يمكن أن نتكلم يف هذه الفرتة عن املسالة املوريسكية‪ ،‬إذ يف‬
‫‪ 20‬يوليوز سنة ‪ 1501‬صدر األمر بطرد املورو الذين مل يعتنقوا املسيحية ورفضوا أن‬
‫يتنرصوا ومتم بموجب قرار آخر سنة ‪ .1502‬يمكن للملوك أن يصدروا أوامر ويسنوا‬
‫‪25‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫قوانني بشأن طرد املوريسكيني ولكن ال يمكنهم أن يفعلوا ذلك من أجل إجبارهم‬
‫عىل اعتناق الدين املسيحي‪ ،‬لكن ذلك ال يمنع من أن مدجنني وموريسكيني اعتنقوا‬
‫املسيحية وانخرطوا يف اخلدمة الكنسية و َّبرزوا يف جمال التأليف الديني ولقبوا باملسيحيني‬
‫اجلدد‪ .‬قبل موت امللوك الكاثوليكيني أوصوا باالستئصال النهائي للجنس املسلم من‬
‫فوق تراب وطنهم‪ .‬لقد تأخر املسؤولون قرنا كامال من أجل تطبيقها ونتصور أنه كان‬
‫جيب التعجيل هبذه الوصية مبارشة بعد اسرتجاع غرناطة وفتحها‪ .‬عىل فراش موهتا‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،1504‬استحلفت امللكة دونيا إسابيل األمري واألمرية‪ ،‬نظرا إليامهنام القوي بدينهم‪ ،‬أن‬
‫حيفظوا الرب يف الرس والعلن وأن يدافعوا عن الكنيسة املقدسة ويسحقوا أتباع حممد أينام‬
‫حلوا وارحتلوا ويمسحوا أثرهم من فوق تراب مملكتهم‪ .‬بدوره امللك الكاثوليكي قبل‬
‫وفاته سنة ‪ ،1516‬مجع أوالده حول فراشه وهو حيترض وقال هلم‪« :‬جيب عليكم سحق‬
‫اجلنس املحمدي (املسلمني)»‪ .‬لقد كانت القرارات كلها تصب يف طرد واستئصال‬
‫املسلمني إال أن امللك دون فرناندو خالل فرتة حكمه رشع يف تعديل بعض البنود يف‬
‫القانون الذي وجه إىل حماكم التفتيش‪ ،‬وأعطى ليون العارش لألمر نفسه دفعة هامة حينام‬
‫طلب من املحقق العام ملحاكم التفتيش التعامل بمرونة مع املتنرصين اجلدد وعدم الشدة‬
‫عليهم ومعاملتهم بلطف لعل ذلك ينفع يف تليني قلوهبم واستاملة أهوائهم وتطييب‬
‫خاطرهم من أجل االعتناق الصحيح للدين الكاثوليكي‪ .‬ولقد توصل بالط برشلونة‬
‫سنة ‪ 1503‬بأوامر امللك التي تقتيض عدم مضايقة املورو أو طردهم‪ ،‬ويف مونثون صدر‬
‫أمر سنة ‪ 1510‬بعدم تنصري املورو قرسا‪ .‬دونت كل هذه األحداث يف السجل األصيل‬
‫للقرص ببلنسية‪ ،‬وقد ورد يف البند الثاين والعرشين ما ييل‪« :‬جيب عىل املورو أن يعتنقوا‬
‫املسيحية برضاهم وال يكرهوا عىل ذلك»(((‪ ،‬وال يطردوا وال يرغموا عىل اخلروج من‬
‫بلنسية أو املناطق التابعة لنفوذها‪ ،‬ويمكنهم االختالط باملسيحيني والتعامل معهم‪ .‬وإذا‬
‫كان امللوك الكاثوليكيون يف قشتالة قد انتهجوا سياسة التقتيل والتنكيل والرصامة‬

‫((( قامت المترجمة بنقل هذه الجملة من الالتينية‪ ،‬كما بدت في النص األصلي‪ ،‬إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪26‬‬

‫ضد املوريسكيني فقد انتهج تابعوهم تعامال خمالفا خصوصا يف قتلونية‪ ،‬مملكة بلنسية‬
‫و أراغون التي كانت تعرف أكرب جتمع هلم‪ .‬انترصت من جديد سياسة التسامح عىل‬
‫صليل السيوف والقوانني الصارمة ملحاكم التفتيش‪ .‬يف هذا الكتاب القيم وضع الكاتب‬
‫يده عىل وثائق مهمة عن القرن الثامن عرش‪ ،‬كانت ممنوعة عىل الباحثني وتعترب ذات صبغة‬
‫سياسية ال جيب أن يطلع عليها العموم‪ .‬ويف بلنسية اقرتح بعض النبالء أن يتم تنصري‬
‫املوريسكيني بالرصامة حتى ينخرطوا يف أسالك جيش امللك‪ .‬إال أن هذا يف الواقع كان‬
‫من بني األسباب التي عقدت املسألة املوريسكية ودفعت هبا إىل النفق املسدود وجعلت‬
‫املورو يعودون إىل مناوراهتم القديمة ويقابلون العنف بالعنف‪ .‬وقد كان موقف الكنيسة‬
‫يف القرن السادس عرش واضحا من هذا الترصف‪ ،‬ومن اإلجبار عىل التنصري‪.‬‬
‫وحينام طرد كارلوس األول املوريسكيني من اململكة‪ ،‬خلف احلدث استياء داخل‬
‫أوساط األعيان والنبالء ألهنم كانوا هلم خداما يف السلم واحلرب‪ .‬وبدأ التساؤل عن‬
‫وضع أولئك الذين تنرصوا يف املحاكم الدينية ببلنسية‪ :‬هل هم مسيحيون حقا وإذا‬
‫عادوا إىل ممارسة شعائر دينهم اإلسالمي هل يعتربون مرتدين؟ بصدد هذا املوضوع‬
‫كان رأي أسقف كنيسة سيغوريب‪ ،‬دون خوان بواتيستا برييث كالتايل‪« :‬لندع جانبا‬
‫األمر الديني ولنكن واقعيني‪ ،‬إذا أخذنا بعني االعتبار الظروف التي دخل فيها هؤالء‬
‫املسلمون إىل املسيحية‪ ،‬سنكتشف أهنا مل تكن طواعية وال عن طيب خاطر ومن الطبيعي‬
‫أن يعودوا إىل دينهم ودين آبائهم أو سيلجؤون إىل مساعدة القراصنة األتراك واألفارقة‪،‬‬
‫األمر الذي دفع باإلمرباطور إىل اختاذ مواقف وأحكام أكثر رصامة ورضاوة»‪ .‬اشتعل‬
‫فتيل حماكم التفتيش من جديد ليميز بني امللحدين‪ ،‬واملشعوذين السحرة املهرطقني‬
‫واملرتدين‪ .‬وقد أمر اإلمرباطور بتشكيل جلنة خمتصة يف طقوس التنصري َّ‬
‫لتبث يف أمر‬
‫هؤالء‪ ،‬ويف ‪ 28‬ابريل من سنة ‪ 1524‬بعث مطران إشبيلية رسالة وجهها إىل كل حماكم‬
‫التفتيش يطلب منها استعامل العفو والرمحة اجتاه املتنرصين اجلدد‪ .‬نصح البابا كليمينتي‬
‫السابع يف عقد الرباءة املؤرخ ب ‪ 15‬مايو من السنة نفسها بوضع سقف حمدد من الزمن‬
‫‪27‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫العتناق املسيحية لكل من يرغب يف ذلك‪ ،‬ويف حالة رفضهم يطردون ويتابعون ويتحلل‬
‫امللك من قسم أو عهد قطعه عىل نفسه يف هذا املوقف‪ .‬يف الثالث من نونرب املوايل كتب‬
‫كارلوس األول إىل حمقق التفتيش رسالة يقول فيها بتطبيق قرار البابا‪ .‬اجتمع جملس‬
‫احلكامء بمدريد وأصدر قرار الوثيقة امللكية يوم ‪ 4‬أبريل ‪ 1525‬بأن املورو الذين تم‬
‫تنصريهم بتلك الطريقة يعتربون مسيحيني‪ ،‬ألهنم خالل تلك العملية مل يكونوا فاقدين‬
‫للوعي وال محقى وتم األمر برضاهم وهم يف كامل قواهم العقلية‪ .‬وقد لعب النبالء‬
‫دورا كبريا يف هذه العملية ضمن جمالس املحاكم يف بلنسية‪ « :‬لقد تبني أن الرأي السائد‬
‫والشعبي يتعامل بمرونة وتفهم جتاه سلوك جنس املدجنني الذين يتحاشون يف إسبانيا‬
‫االمتثال لقوانينها ويتذرعون بالتمسك باتباع عاداهتم وممارساهتم وشعائرهم ولغتهم‬
‫وطقوس أفراحهم وأحزاهنم‪ ،‬وهم هبذا يكرهون كل ما هو مسيحي واألمر يعني‬
‫بالنسبة لنا يف شبه اجلزيرة اإليبريية كل ما هو إسباين»‪ .‬لكن الظروف أثبتت أن نعرة‬
‫املوريسكيني ال هتدأ‪ ،‬وبعد أن تم إمخاد مترد البيازين بدأت تنبعث روائح الثورة والفتن‬
‫من أماكن أخرى كانوا يتحصنون بداخلها‪ .‬مل حيرتموا القوانني امللكية وفر كل من‬
‫رفض التنصري متجهني نحو جبال برينيا وهم يضمرون التمرد‪ .‬من أجل احتواء هذه‬
‫الثورات‪ ،‬تم عام ‪ 1525‬تطبيق عمليات تنصري سلمية‪ .‬استعان امللك بالوجهاء والنبالء‬
‫وقرر أال يسود يف الوطن إال دين واحد أال وهو الدين الكاثوليكي‪ .‬وبام أن املورو مل‬
‫هيتموا باألمر وال ألقوا باال للتعليامت امللكية‪ ،‬بعثت اجلهات العليا بالقسيس أنطونيو‬
‫دي غيفارا إىل بلنسية يف الثامن من أكتوبر ليستعطف ويطلب من املوريسكيني اعتناق‬
‫الدين الكاثوليكي بكل تسامح ورضا ممهال إياهم ثامنية أيام من أجل القيام بذلك‪ ،‬ويف‬
‫حالة عدم االمتثال سيطبق األمر الذي محله إياه امللك‪ .‬يف اليوم املوايل صدر حكم عدم‬
‫خروج املوريسكيني من مساكنهم ويف حالة االعرتاض يصبحون عبيدا ملن يلقي عليهم‬
‫ٌ‬
‫مكمل للسابق هيدد الذين‬ ‫القبض باخلارج‪ .‬يف ‪ 16‬من شهر نونرب صدر قرار ملكي آخر‬
‫مل يعتنقوا املسيحية بأنه يف يوم الثامن من دجنرب سيتعرض لغضب امللك كل من رفض‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪28‬‬

‫الدخول يف النرصانية‪ ،‬والذي سيقرر بنفسه تاريخ الطرد واجلالء‪ .‬باتفاق مع الكنيسة‬
‫املقدسة حدد تاريخ خروج موريسكيي بلنسية يوم ‪ 31‬دجنرب وباقي بقاع اململكة يف ‪31‬‬
‫يناير من سنة ‪ .1526‬كرشت ثورة املوريسكيني عن أنياهبا يف بني الوزير ومن مل حيتم يف‬
‫جبال إسبادان ‪ ،‬اجته نحو كورونيا وآخرون ذهبوا يف اجتاه فرنسا انطالقا من بثكايا‪ .‬وبقي‬
‫خيار العفو واردا يف حق املختبئني يف اسبادان وبرينية إن هم عدلوا عن موقفهم‪ .‬قد‬
‫توصل املورسكيون البلنسيون والسلطة امللكية إىل اتفاق بموافقة مؤقتة من طرف حماكم‬
‫التفتيش يف السابع عرش من سنة ‪( 1528‬الوثيقة رقم ‪ 5‬من املجموعة الدبلوماسية) عىل‬
‫أال تتم متابعتهم من طرف هذه املحاكم ملدة أربعني يوما ويمكنهم عدم ارتداء املالبس‬
‫املسيحية ملدة عرشة سنوات ويف الفرتة نفسها ال جيربون عىل تكلم اللغة القشتالية أو‬
‫البلنسية بل يمكنهم التحدث بالعربية و اختاذ مقابر خاصة قرب مساجدهم التي حولت‬
‫إىل كنائس‪ ،‬وال تتم التفرقة بينهم وبني املسيحيني يف حاالت الزواج التي سبقت لذلك‬
‫التاريخ‪ ،‬كام يمكن للكنيسة أن حتتفظ بكل املمتلكات ويعطى القليل منها للفقهاء الذين‬
‫دخلوا يف الدين اجلديد وتنرصوا‪ ،‬ويمكنهم أيضا محل السالح‪ ،‬واملساواة يف الرضيبة‬
‫مع املسيحيني‪ ،‬وتغيري مسكنهم والترصف بكل حرية يف أحيائهم اخلاصة هبم يف بلنسة‪،‬‬
‫شاطبة‪ ،‬اجلزيرة‪ ،‬كاستليون دي البالنا و أماكن أخرى‪ .‬ويمكن القول إن الذين دافعوا‬
‫عن املوريسكيني سنة ‪ 1528‬استفادوا من والئهم وخدماهتم‪ ،‬إال أن الكنيسة مل تستطع‬
‫إثناءهم عن ممارسة عاداهتم وال قدرت عىل أن تنزع منهم وعدا بذلك‪ .‬مل يدم هذا‬
‫االتفاق طويال وذلك بسبب التعديالت التي أدخلتها إسبانيا عىل قوانينها وظهور التيار‬
‫الربوتستانتي‪ ،‬مما دفع بامللوك الكاثوليكيني والكاردينال ثسنريوس إىل إلغاء ورضورة‬
‫مراجعة قوانني الكنسية التي أصبحت هشة‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬خالل فرتات التمرد والرصاعات‬
‫الداخلية‪ .‬لكن ذلك مل يمنع مرة أخرى من اختاذ تدابري إضافية تدعو للرتغيب والرمحة‬
‫تالفيا لكل رعب وترهيب‪ ،‬وقد جسد هذه الرغبة تعيني الراهب برطلومي دي لوس‬
‫آنخيليس ليتصل باملوريسكيني ويعلمهم الدين اجلديد‪ ،‬إال أن احلل مل ينفع واستمر‬
‫‪29‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫تصعيدهم وأصبحت عمليات القراصنة أكثر دموية ورشاسة‪ ،‬فطلب البابا كليمينتي‬
‫السابع من اإلمرباطور بأال يسمح قطعيا بتواجد املورو فوق ترابه ومملكته‪ ،‬إال ملن تنرص‬
‫منهم‪ .‬و خالل سنة ‪ ،1525‬حينام كان يتم التجهيز حلملة القضاء عىل عمليات القراصنة‬
‫يف باربا روخا صدر قانون آخر يقيض بعقد دورات تكوينية وتربوية لفائدة املوريسكيني‬
‫الذين اعتنقوا الدين اجلديد‪ ،‬وتزامن ذلك مع سياسة الرعب والعنف وباءت بالفشل‬
‫كل املحاوالت السلمية الستاملتهم والقوانني التي سنت لصاحلهم‪ .‬إال أن مؤرخني‬
‫عديدين مثل دون دييغو اثنار دي كاردونا الذي قال بأن بلنسية ازدهرت بفضل عادات‬
‫وممارسات املوريسكيني‪ ،‬اعرتفوا بأن هلم كذلك خصاال هامة لكن أوضاع اململكة يف‬
‫العقد الثاين من القرن السادس عرش كانت سيئة للغاية ورغم تنرصهم استمر املورو عىل‬
‫دينهم ربام أكثر مما كانوا عليه يف السابق‪.‬‬
‫ويف سنة ‪ 1551‬طلبت الكنيسة من امللك جتريدهم من سالحهم‪ ،‬األمر الذي حتقق‬
‫سنوات بعد ذلك‪ ،‬وسارت وترية التنصري ببطء السلحفاة دون نتائج هامة تذكر‪ .‬ويف‬
‫غرناطة اجتمع جملس ترأسه مطران إشبيلية واملحقق العام ملحاكم التفتيش وأصدروا‬
‫قرارا بمنعهم من مزاولة عاداهتم أو بعض مظاهر حياهتم اليومية إال أنه تم إلغاؤها‬
‫فيام بعد‪ ،‬حتى قبل تفعيلها‪ .‬وبعد وفاة الراهب توماس فيال نويبا سنة ‪ 1555‬خلفه‬
‫فرانسيسكو دي نابارا‪ ،‬ورغم عمله عىل تطبيق أوامر دون خورخي بأشرتيش كان يطغى‬
‫وغض الطرف وعدم استعامل العنف للحفاظ عىل االستقرار‬
‫عىل الوضع السائد املهادنة ّ‬
‫العام يف ظل األوضاع السائدة‪ .‬كان من املفروض عىل عهد ملك كفيليب الثاين بقوته‬
‫وصالبته املعروف بتعصبه لدينه أن يسجل التاريخ هناية املوريسكيني وطي صفحتهم إال‬
‫أن األمر كان غري ذلك وكلام أصدر ملك قرارا بطردهم ترك املجال ملن يليه لتطبيقه أو‬
‫تعديله أو إلغائه إن اقتضت ذلك ظروف ما لفرتة معينة‪.‬‬
‫سيدي املوقف وقد طالب األب پيو اخلامس بتطبيق عقاب‬
‫ْ‬ ‫كان الرتقب واحليطة‬
‫صارم ضد امللحدين‪ ،‬املشعوذين واملرتدين‪ ،‬وطلب امللك فيليبي الثاين من أخته حاكمة‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪30‬‬

‫إسبانيا أن تعدل حماكم التفتيش عن العقاب ملجرد الشك وأن يعمم ذلك يف كل مدن‬
‫اململكة‪ .‬ويف الثامن من أكتوبر ‪ 1559‬خالل مراسيم حرق امللحدين واملرتدين تم إطالع‬
‫احلارضين عىل ممارسات املوريسكيني لعاداهتم ومعتقداهتم بكل من غرناطة‪ ،‬أراغون‪،‬‬
‫قتلونية‪ ،‬بلنسية‪ ،‬وأهنم يشكلون هتديدا مستمرا للوحدة الدينية للبالد‪ .‬وبموجب قرار‬
‫صدر سنة ‪ 1561‬تم منع تداول اللغة العربية كام تم جتهيز أربع وعرشين وحدة يف‬
‫برشلونة ملنع عمليات القراصنة األفارقة‪ ،‬و أعطيت أوامر بتجريد املوريسكيني البلنسيني‬
‫من السالح‪ ،‬ودخل حيز التنفيذ يف الثامن من فرباير ‪ 1563‬إذ بموجبه تم نزع مخس‬
‫وعرشين ألف قطعة سالح منهم وأحرق العديد لكي يعترب الباقي‪.‬‬
‫وقد قرر جملس حمكمة التفتيش ببلنسية أن حيرض ويستمع املتنرصون اجلدد وذوهيم‬
‫إىل مراسيم القداس وحيفظوا الرتانيم الدينية ويرددوهنا‪ .‬وقد خصت قوانني مانثون هذا‬
‫املوضوع بأن أفردت له ستة عرش فصال كلها متعلقة باملسألة املوريسكية‪ .‬ومنذ جتريدهم‬
‫من سالحهم غادر موريسكيو غرناطة إىل مدن البشارات وتم اختاذ قرار بتشديد اخلناق‬
‫عليهم خاصة أكثر من غريهم بعد اجتامع املجلس بمدريد سنة ‪ .1566‬يف السادس‬
‫والعرشين من شهر أبريل ‪ 1568‬دق ناقوس خطر التمرد يف احلمراء لينتقل يف هناية‬
‫دجنرب إىل أكثر من ‪ 182‬موقعا بالبشارات‪.‬‬
‫استطاع دون خوان بأشرتيش أن خيمد حريق هذه الثورة لكن املوريسكيني مل يتنرصوا‬
‫ومل يندموا وال عدلوا عام يفعلون‪ .‬بعد حمارصهتم وإجالئهم انترش موريسكيو غرناطة‬
‫يف مجيع أنحاء اململكة وزرعوا معهم بذور الفتنة ومقاومة السلطة امللكية أينام حلوا‬
‫وارحتلوا‪ ،‬وال أدل عىل ذلك من أن موريسكيي بلنسية وباقي إسبانيا الزالت الثورة‬
‫حتركهم والتمرد يسكنهم بصفة دائمة‪ .‬عمد امللك فيليب الثاين إىل سياسة التدرج معهم‬
‫رغم قناعته الراسخة بأن احلل الناجع والنهائي واجلذري هو طرد جنس املورو كام تم‬
‫طرد اليهود من قبلهم‪ .‬وقع اتفاق الصلح سنة ‪ 1571‬لصالح املورسكيني وغلبت سياسة‬
‫اللني والتسامح عىل العنف واالستدراج العتناق الدين اجلديد‪ ،‬وقد التزم املوريسكيون‬
‫‪31‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫بإعطاء ‪ 50‬ألف نقد بلنيس من أجل املسامهة يف مصاريف حماكم التفتيش‪ ،‬إال أن هذا‬
‫ال يعني أهنم طيبون و ذاكرهتم تنسى اإلساءة برسعة‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬استمرت‬
‫محالت القراصنة وأصدروا منشورات ووثائق تنتقد األساقفة وتشتمهم‪ ،‬األمر الذي‬
‫استدعى نزع السالح منهم مرة أخرى بقرار صدر يف ‪ 28‬يونيو سنة ‪.1575‬‬
‫اكتشفت حماكم التفتيش مؤامرة ضدها تقودها فرنسا واألتراك مما جعلها ختفف من‬
‫وترية التصعيد ألجل احلفاظ عىل استقرار املجتمع‪ .‬كام أنعقد جملس الدولة يف السادس‬
‫من مارس ‪ 1577‬وقرر وضع البالد يف حالة تأهب للحرب واجتمع املجلس الكهنويت‬
‫لتدارس سبل تنصري املوريسكيني لكنه مل يفلح يف ذلك‪ .‬فتقرر ترحيل موريسكيي بلنسية‬
‫نحو قشتالة لرميهم يف عرض البحر وطردهم جتاهه يف أقرب فرصة تتاح‪ .‬اجتمع جملس‬
‫الدولة يف التاسع من يونيو بشأن طردهم وتتبع تنفيذ القرار الذي تم تعديله يف اجتامع‬
‫آخر يوم ‪ 13‬شتنرب‪ .‬وبني ‪ 19‬و ‪ 23‬من الشهر نفسه سنة ‪ 1582‬وتم التوصل إىل حل‪ ،‬مل‬
‫يعمر‪ ،‬حول إيقاف محلة طردهم‪.‬‬
‫تكمن قيمة الكتاب يف عرضه وثائق وملفات مل تنرش من قبل تتعلق باتفاقيات ومواثيق‬
‫اعتمدهتا الدولة سنة ‪ .1582‬اضطر فيليبي الثاين لنقض عهود اهلدنة وانتهاج مواقف‬
‫الرصامة والعقاب‪ ،‬كانت عفوية ورضورية‪ ،‬خصوصا ملواجهة نفوذ القوة اخلارجية التي‬
‫كانت حتميهم وتشجعهم‪ .‬مل تفلح معهم نداءات البطريرك الدينية ودعوهتم للدخول يف‬
‫الدين املسيحي السمح‪ .‬سنة ‪ 1583‬تم السامح من جديد ملوريسكيي غرناطة بالعودة‬
‫إىل مساكنهم ليتم نزع سالحهم سنة ‪ .1584‬ورغم نداءات التسامح املتكررة التي‬
‫كانت تصدرها الكنيسة والسلطات مل تكن لترتاجع مشاعر احلقد و أعامل الشغب‬
‫التي كان يثريها املوريسكيون بدعم من سلطات اجلزائر‪ .‬ويف سنة ‪ 1585‬تم االنتقام‬
‫من مورو غرناطة حتى يكونوا عربة لكل من يعترب ويرتاجع اآلخرون عن هنج نفس‬
‫املسلك واملنحى‪ .‬برحاب مانثون تم إقامة قداس تنصري للذين استجابوا لدعوات‬
‫الدين املسيحي السمح‪ ،‬حرضه امللك فيليبي الثاين كام أقيم آخر بدعوة منه بمدريد يف‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪32‬‬

‫‪ 17‬يونيو ‪ 1587‬ترأسه أسقف طليطلة‪ ،‬العنرص الرئييس يف حماكم التفتيش‪ ،‬بعدما تقرر‬
‫تكوينهم وختصيص محالت مكثفة لتلقينهم تعاليم دينهم اجلديد‪ ،‬وذلك بتدبري وتوجيه‬
‫من القسيس ريبريا يف ‪ 12‬من نفس الشهر‪ ،‬الذي رفع مذكرة مللك إسبانيا يرشح له فيها‬
‫الوضع ويطلعه عىل جمريات األمور‪ ،‬مبتغيا بذلك وجه الرب وشفاعته‪ .‬بارك امللك تلك‬
‫املبادرة ودعاه لعقد القداس نفسه ببلنسية يف ‪ 28‬من يونيو واملواظبة عىل ذلك‪ :‬مرتان‬
‫يف األسبوع عىل األقل‪ ،‬كام تم االتفاق عىل عقد اجتامع لتدارس املستجدات وحتديد‬
‫أوىل جلساته بتاريخ ‪ 13‬أكتوبر‪ .‬لكن يف احلقيقة مل يكن األمر باهلني وال باملمكن اليسري‬
‫كام تصوره امللك وخططت له الكنيسة‪ ،‬لعبت االتصاالت اخلارجية للموريسكيني‬
‫باجلزائر دورا هاما يف إفشال مهمة الكنيسة وتعسري تنفيذ براجمها جتاههم‪ ،‬األمر الذي‬
‫أدى إىل صدور قرار سنة ‪ 1589‬يمنع ويلغي كل تعامل جتاري مع اجلزائر‪ ،‬خصوصا‬
‫بعد اكتشاف مؤامرة جديدة أدت إىل قيام مترد يف ش َيا سنة ‪.1590‬‬
‫بعد مراجعة امللك ألسقف سيغوريب دون مارتني دي سالباتيريا صدر قرار طرد‬
‫املوريسكيني يف ‪ 30‬يوليوز من سنة ‪ ،1587‬تبعه قرار آخر يف السياق نفسه يوم ‪ 30‬نونرب‬
‫يدعو الجتثاثهم ومطاردهتم بعد طردهم‪ ،‬كام طلب دون برناردينو دابيال من امللك يف‬
‫‪ 29‬دجنرب أن يتخذ أقسى التدابري يف حقهم ويلحق هبم أشد العقوبات‪ .‬تعالت أصوات‬
‫الشعب تنادي بتطبيق تلك القرارات وانتهج املجلس األعىل للدولة تدابري صارمة‬
‫وحاسمة يف شأن الذين مل يعتنقوا املسيحية‪ .‬ومن األوجه البارزة التي اقرتحت خططا‬
‫وطرقا للقضاء عليهم نجد الكاتب اخلاص للملك فيليبي الثاين‪ .‬يف ‪ 25‬من شهر فرباير‬
‫‪1595‬عقد امللك جملسا آخر ملواصلة تطبيق سياسة استئصال املوريسكيني والقضاء‬
‫عليهم يف بلنسية أراغون‪ .‬سامهت أحداث هذه األخرية يف تسهيل مأمورية امللك حيث تم‬
‫تشكيل جلنة أخرى يف ‪ 12‬مارس ‪ 1595‬والتي قدمت تقريرها األويل يف ‪ 5‬يناير ‪. 1600‬‬
‫وقد شكل ذلك املوقف احلل احلقيقي الذي كان جيب أن يتخذ ضد املوريسكيني‪ ،‬حسب‬
‫ترصحيات الباطريرك ريبريا يف الثامن من أبريل‪ .‬وبني ‪ 12‬شتنرب و ‪ 4‬نونرب صدر قرار‬
‫‪33‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫بشأن تعليم املورو املتنرصين تعاليم دينهم اجلديد وترسيخ مفاهيمه ملحاربة الشعوذة‬
‫الراسخة لدهيم من جراء ممارسة دينهم القديم‪ .‬إال أنه ال يمكننا أن نغفل موقف امللك‬
‫فيليبي الثاين‪ ،‬الذي رغم قساوته ومواقفه كان يتحاشى إصدار قرارات الطرد واملتابعة‬
‫وكان يرغب أكثر يف احلل السلمي وتنصريهم وتلقينهم مبادئ الدين املسيحي والروح‬
‫الكاثوليكية‪ ،‬وقد طلب من البابا أن يصدر قرار عفو يف حق املوريسكيني الذين الزالوا‬
‫عىل دين حممد ولكنهم يرغبون يف اعتناق الدين اجلديد‪ .‬كان نفسه طويال ورغبته حثيثة‬
‫حلل املسالة املوريسكية بطريقة سلمية عن طريق الدعوة املستمرة للكاثوليكية والتي‬
‫ال تكل وال متل‪ ،‬وقد كتبت وثائق كثرية ومتعددة وتعالت دعوات تشجع عىل طرق‬
‫سلمية جتعلهم يدخلون يف املسيحية عن طيب خاطر دون إكراه والتجاوز عن بعض‬
‫أخطائهم‪ .‬مل ينفع الرتغيب و ال الرتهيب مع املوريسكيني وباءت كل حماوالت امللك‬
‫والكنيسة بالفشل جتاه جنس املورو اجلاحد املتنكر الذي ال يؤمتن‪ .‬توىل احلكم فيليبي‬
‫الثالث بعد وفاة والده الذي مل جيد مناصا من تصعيد وترية االنتقام والعنف اجتاه القضية‬
‫املوريسكية والتي مل ترس عىل بر وال قبلت بأي حل سلمي تم اقرتاحه وانتهاجه‪ .‬أسباب‬
‫متعددة أدت إىل مثل هذه احللول‪ ،‬التمرد الدائم للموريسكيني واملكائد التي حييكوهنا‬
‫ضد النظام‪ ،‬مل هيدأ هلم بال وال استقروا عىل حال وتتالت مشاهد مشاهبة ملا حصل يف‬
‫البشارات سنة ‪ .1568‬منذ حرب االسرتداد سنة ‪ 1238‬وبلنسية تتخبط يف نعرات‬
‫وثورات يومية رغم املوقف املسامل والسلمي الذي انتهجه الفاتح األول دون خايمي‬
‫اجتاه اجلنس املغلوب املهزوم‪ .‬السياسة نفسها اتبعها ملوك أراغون أوال وكل ملوك‬
‫إسبانيا بعدهم خالل ‪ 362‬سنة دون أن يتمكنوا قط من حتقيق السلم املنشود واالندماج‬
‫الفعىل واحلقيقي للجنسني كام حصل بني القوط والروم‪ .‬كان املانع األول والرئييس هو‬
‫الدين واحلقد الدفني الذي يفرزه أتباع حممد ويعميهم عن إتباع تعاليم اإلنجيل‪ .‬قرار‬
‫استئصاهلم دعت به رضورة حتقيق الوحدة السياسية والدينية‪ ،‬األمر الذي عمل عىل‬
‫تفعيله امللوك الكاثوليكيون‪ .‬ألزيد من ثالثة قرون حاول امللوك و احلكام تغليب السلم‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪34‬‬

‫عىل احلرب لكن مل ينفعهم إال السيف و القوة لتحقيق ذلك‪ .‬ولد املوريسكيون داخل‬
‫املجتمع املسيحي اإلسباين إال أهنم مل يفقدوا ومل ينسوا يوما قط انتامءهم ملحمد وال حادوا‬
‫عن ممارسة شعائر دينهم وعاداهتم‪ .‬كان شعارهم الدائم هو املكيدة والكيد ضد السلطة‬
‫امللكية وتفكيك الوحدة الوطنية ودحض التعاليم الكنسية‪ .‬وكانوا يواجهون اإلحسان‬
‫واليد املمدودة إليهم باخليانة والكيد والكراهية وعدم االعرتاف باجلميل‪ .‬رغم حماولة‬
‫عدد من الوجهاء البلنسيني محايتهم دقت ساعة احلسم وتم اختاذ قرار الطرد النهائي يف‬
‫حق الذين مل يعتنقوا النرصانية دينا وعقيدة‪.‬‬
‫ساهم هذا الكتاب القيم يف ترسيخ حقيقة تارخيية‪ ،‬تسليط الضوء عىل أجماد أسقف‬
‫األساقفة ببلنسية الذي عمل بكل تفان وإخالص لتطبيق التعاليم الكنسية ونرشها‪،‬‬
‫يتعلق األمر باملتعبد رجل الدين املؤمن املتواضع الفعال‪ ،‬خوان ريبريا الذي حاول‬
‫‪-‬بكل الطرق‪ -‬تنصري املوريسكيني لكنهم برفضهم وتعنتهم جعلوا أمر طردهم قرارا‬
‫ال رجعة فيه وال يستوجب أي لوم أو عتاب أو إدانة‪.‬‬
‫رغم صدور ذلك األمر خالل فرتة حكم فيليبي الثاين مل حيصل البنه‪ ،‬الذي خلفه‪،‬‬
‫رشف تطبيقه وإنجازه وإشباع رغبة الشعب االسباين املتعطش ملعاينة عملية طرد‬
‫املوريسكيني وهي تتحقق حتت أنظارهم وبمباركتهم‪ ،‬من أجل استكامل وحدهتم‬
‫الوطنية والدينية وهنج نموذج السياسة املتبعة يف غرناطة‪.‬‬
‫وردت يف الكتاب وقائع هامة عن السياسة اإلسبانية‪ ،‬عن استحالة خلق جمتمع‬
‫متامزج بني جنس املورو واملسيحيني من أجل محاية الشعب اإلسباين واحلفاظ عىل أمنه‬
‫وسالمته‪.‬‬
‫عاشت إسبانيا ظروفا قاهرة ويف أوج مشاكلها ومتاعبها االقتصادية واالجتامعية‪،‬‬
‫كانت رشذمة من األرشار تسري غالبية من الناس الطيبني لكن ال حول وال قوة هلم‪،‬‬
‫جمموعة تتفرد باحلكم والسلطة وتستغل الطهر الديني للملك‪ .‬عادت للظهورمن‬
‫‪35‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫جديد يف تلك احلقبة مسألة املوريسكيني وقد جرى حتديدها كأولوية مرة أخرى بتاريخ‬
‫‪ .1582‬ومتت العودة إىل قرارات جملس الدولة لسنة ‪ 1599‬والذي قال يف ‪ 30‬من يناير‬
‫بأنه سيحكم عىل املوريسكيني الذين ترتاوح سنهم بني ‪ 15‬و ‪ 60‬سنة بالرتحيل وحجز‬
‫ممتلكاهتم‪ ،‬أما الذين تفوق أعامرهم الستني إىل جانب النساء سريسلون إىل األرايض‬
‫الرببرية وحيتفظ باألطفال يف اجلزيرة اإليبريية لتعليمهم وتلقينهم‪ .‬األمر نفسه اختذه‬
‫ماركيز دانية يف دورة الثاين من فرباير‪ ،‬إال أن اجلهاز األعىل للكنيسة مل يشاطرهم الرأي‬
‫خالل جملسهم اإلقليمي التابع لنفوذ البطريرك ريبريا‪.‬‬
‫كان الرجل يويل اهتامما أكرب لعملية تنصري املورو بطريقة إنسانية من أجل تقوية الدين‬
‫املسيحي‪ .‬وقد أصدر املفتش العام يف ‪ 6‬من غشت قرار عفو جديد يف حق املوريسكيني‬
‫الذين قبلوا باعتناق الدين اجلديد ودخلوا يف الكاثوليكية‪ ،‬والصفح عن أخطائهم السالفة‬
‫ونرش ذلك فيام اصطلح عليه بقرار أيالة ضمن دورية ‪ 1599‬من طرف أسقف بلنسية‪.‬‬
‫ويف السياق نفسه رشح صاحب الكتاب أسباب سفر امللك إىل دانية ‪،‬ودخوله بلنسية‪،‬‬
‫وزواجه من دونيا مارغاريتا‪ ،‬ابنة دوقة أوسرتية‪ ،‬واالنطباع الذي تركه عنده املشكل‬
‫املوريسكي‪ .‬قرر اختاذ مجيع احللول والتدابري التي تسهل حله قبل االضطرار لتطبيق‬
‫قرار جملس الدولة‪ .‬بعث بدوره البطريرك رسائل إىل املؤسسات الدينية التابعة لنفوذه‬
‫واملتواجدة يف قرى املوريسكيني ختربهم بالزيارة الشخصية للملك لتلك املواقع‪ .‬وقع‬
‫أسقف بلنسية عىل رسالة جاء فيها‪« :‬يف حالة عدم جتاوب املوريسكيني مع هذا األمر‬
‫بالشكل الالئق سنقطع دابرهم من كل تراب اململكة‪ .‬لقد اعتمدنا يف البداية عىل اللني‬
‫والتسامح ولكن إذا مل جتد تلك الطرق والسبل سنعمد إىل الشدة والغلظة»‪.‬‬
‫ومن أجل تدارس كل تلك األوضاع اجتمع جملس الدولة يف ‪ 19‬من فرباير ‪،1600‬‬
‫وقد خلص الكاردينال غيفارا كل تلك اآلراء فيام ييل‪:‬‬
‫« لقد انرصمت سنة التسامح والتساهل نظرا للظروف املعلن عنها وشملت مجيع‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪36‬‬

‫مراحل احلياة وأشطر السن واشرتط أال يتم تنصري األطفال إىل أن يبلغوا السن القانوين‬
‫الذي يسمح هلم بذلك»‪ .‬لكن األب خويس غريسويلو كان يعارضه الرأي ويرى برضورة‬
‫تنصري اجلميع كانوا أطفاال أو شبابا أو كهوال‪ .‬وقد كتب دون خوان بويل دي أريناس‬
‫رسالة إىل امللك يذكر فيها باخلطر الذي يرتصده جراء مسألة املوريسكيني‪ ،‬ويقول بتطبيق‬
‫رأي الراهب إسكودير الذي كان يويص برميهم مجاعة بالبحر يف سفن كثرية الثقوب‪،‬‬
‫وبدون جماذف‪ ،‬وال دفات وال أرشعة‪ ،‬وتوجيههم نحو إفريقية‪ .‬األمر نفسه دعا إليه‬
‫يف لشبونة سنة ‪ .1582‬كل هذه العوامل أدت بحكومة امللك فيليبي الثالث إىل تنظيم‬
‫رحلة إىل سنة ‪ 1601‬بقيادة خوان أدريس دوريا لكن دون حتقيق أي ثامر تذكر وال‬
‫بلوغ األهداف املتوخاة منها‪ .‬ساهم كل هذا يف الشعور باخليبة اجتاه كل التدابري املتخذة‬
‫ورضورة إجياد حل جذري للمشكلة‪ ،‬كام جاء عىل لسان بينابنتي‪ ،‬نائب ملك بلنسية يف‬
‫‪ 12‬نونرب من السنة نفسها وأضاف تدابري أخرى متكن من استتباب السلم والطمأنينة‬
‫والتسيري اإلداري اجليد والعادل‪ .‬ولن يتأتى ذلك إال بالقضاء النهائي عىل جنس املورو‬
‫الذي ما فتئ هيدد شعبنا وبلدنا‪.‬‬
‫وجه البطريرك ريبريا هناية سنة ‪ 1601‬تقريرا إىل فيليبي الثالث حول املوريسكيني‬
‫وحول مقاومتهم وعدم استغالهلم لفرصة العفو عنهم باعتناقهم للدين اجلديد وبتامدهيم‬
‫يف ممارسة طقوسهم ومعتقداهتم‪ ،‬وأهنى خطابه يطلب منه تدابري مناسبة للوضع‪ .‬أمر‬
‫امللك البطريرك أن يوضح رأيه ويستفيض يف حتليله وتعليقة‪ ،‬ويف سنة ‪ 1602‬صدر قرار‬
‫الطرد من إسبانيا‪ .‬إال أنه أمر أن يتم قبل ذلك اختبار سلوكهم وترصد كل ممارسة املروق‬
‫الديني والشعوذة والردة لدهيم‪ ،‬ويف حالة ثبوهتا يطرد كل من يامرسها هنائيا من تراب‬
‫الوطن يف أجل قصري وعاجل‪ .‬وقد ورد يف وثيقتة أصدرها ووجهها مطران بلنسية يف‬
‫‪ 9‬من فرباير ‪1602‬إىل امللك‪ ،‬الزالت حمفوظة حلد اآلن يف املجمع الكنيس‪ ،‬ما ييل‪« :‬لقد‬
‫فتح امللك عينيه بوضوح ملشاهدة عام جيري حوله طالبا من اهلل أن يلهمه هذه املرة أيضا‬
‫الصواب كي يطبق احلل املناسب اجتاه هذا اجلنس ويطردهم دون رجعة»‪ .‬فأجاب امللك‪:‬‬
‫‪37‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫«لقد أعطينا أوامرنا لتطبيق ذلك بالنسبة ململكة بلنسية فيام يتعلق بالشأن املوريسكي»‪.‬‬
‫تويف الكونت بينافنتي و خلفه دون خوان دي ريبريا الذي أدى القسم يف منصبه اجلديد‬
‫يوم ‪ 3‬دجنرب ‪ ،1602‬والذي مجع بني مهمتني‪ :‬بدأ يف استتباب أمن وسالم اململكة‪ ،‬إال‬
‫أنه واجهته مقاومة النبالء واألسياد ومل يتمكن من تنفيذ خمططه مما اضطره لالستقالة يف‬
‫يناير ‪ .1604‬وعمل البالط يف بلنسية يف تلك اآلونة عىل اتباع طرق مرنة وسلمية من‬
‫أجل القيام وإمتام عملية التنصري إال أنه سنة ‪ 1605‬قاد املوريسكيون مؤامرة بدعم من‬
‫فرنسا وأنجلرتا؛ األمر الذي استدعى اختاذ تدابري أكثر رصامة طبقها املركيز فلياميثار يوم‬
‫‪ 23‬يونيو من العام نفسه‪.‬‬
‫باإلضافة إىل إعفاء املجلس‪ ،‬كان بجانب امللك جمموعة تتكون من ثالثة أفراد‪ :‬األب‬
‫املجاهر باإليامن ورئيس أديرة ليون و الكونت مرياندا‪ ،‬وكان يستشريهم يف الشؤون‬
‫اهلامة واخلطرية للبالد‪ .‬كانوا يسمون بمجموعة الثالثة‪ ،‬اجتمعوا يف ‪ 29‬أكتوبر من أجل‬
‫مراجعة األوامر الصادرة بشأن املوريسكيني وإثبات عدم نجاعة تلك املتعلقة بمبدإ‬
‫التسامح معهم‪ ،‬الصادرة منذ ‪ 4‬دجنرب ‪ 1581‬و ألح امللقن املجاهر باأليامن عىل تطبيق‬
‫قرار البطريرك الذي يدعو إىل طردهم وهتجريهم‪ .‬ويف ‪ 30‬من يناير ‪ 1608‬صدر عن‬
‫جملس الدولة تذكري بقرار طردهم النهائي من إسبانيا‪ ،‬ومن أجل اكتساب دعم وثقة‬
‫النبالء واألسياد متت الدعوة إىل متكينهم من ممتلكات عبيدهم وخدمهم املوريسكيني‬
‫الذين تم وسيتم طردهم لكي ال يعرتضوا عىل األمر‪ .‬ومل ينثنوا عن ممارساهتم وال‬
‫طأطؤوا رؤسهم‪ ،‬بل متادوا يف تعنتهم وعنادهم‪ .‬وقبل تفعيل قرار طردهم دعا امللك‬
‫فيليبي الثالث أساقفة بلنسية لالطالع عن وضعهم احلايل فوجدوا أهنم مل يرتكوا‬
‫عقيدهتم ال من بعيد وال من قريب‪ ،‬األمر الذي أدى به إىل إصدار أوامره النهائية بطرد‬
‫املوريسكيني‪ .‬إال أن طرد وترحيل أطفاهلم القى متاعب ومصاعب كثرية وموقفا خاصا‬
‫من طرف دوق لريما‪ .‬بقي امللك يف سيغوبيا من ‪ 2‬يوليوز إىل ‪ 3‬شتنرب وكان قلقا جدا‬
‫اجتاه مآل الرضع واألطفال املوريسكيني وقد عرب عن ذلك يف رسالة بتاريخ ‪ 4‬غشت مل‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪38‬‬

‫تنرش حلد اآلن‪ ،‬وكلف البابا بإجياد احلل الناجع لذلك املشكل‪.‬‬
‫فرح املسيحييون بانتصارعقيدهتم ودينهم وطرد املوريسكيني من فوق تراهبم‪ ،‬بينام‬
‫واجه هذا األمر بالرفض بعض النبالء واألسياد ومل يقبلوا بتخليهم عن خدمهم وتابعيهم‪.‬‬
‫أول محلة طرد وترحيل للموريسكيني كانت يف ‪ 28‬شتنرب ‪ 1609‬وتعقبتها بعد ذلك‬
‫الرحالت واحلمالت املعروفة‪ .‬لقد حصلت بعض التجاوزات خالل عمليات الطرد‬
‫هذه إال أنه رسعان ما كان يتم قمعها وعقاب أصحاهبا‪ ،‬لكن مل يكن ممكنا تفادهيا لتفاقم‬
‫اليأس وسيطرته عىل املوريسكيني الذين قاموا ورفضوا اإلبحار وأسلحتهم يف أيدهيم‪.‬‬
‫ويتجىل من خالل االتفاق املربم بني مركيز كراثينا والبطريرك ريبريا بأن موريسكيي‬
‫الربكة قد حاولوا التمرد وشجعوا عىل ذلك أيضا جرياهنم يف اخلمييس‪ ،‬واجتمع آخرون‬
‫يف وادي أيورة يوم ‪ 20‬أكتوبر وقرروا تقوية صفوفهم والتحصن يف مويال دي كورطيس‬
‫وتوجهوا مصحوبني بنسائهم و قطعان مواشيهم وأمتعتهم وألبستهم‪ ،‬وبقيادة بابلييو‬
‫أوبيكار‪ ،‬حاملني معهم أيضا ‪ 6‬صناديق ولواءيني ‪ .‬انضم املسيحييون إىل ساكنة دي‬
‫ال مويال وولوا الفقيه عامر ملكا عليهم وآخر بعده‪ ،‬واجهته القوات امللكية وقضت‬
‫عليه‪ .‬تزامن وهذه الثورة مترد آخر يف أغواي ووادي القرص حيث جرت أحداث دامية‬
‫ومواجهات رشسة وقاتلة‪ ،‬استطاع إمخادها والسيطرة عليها أغوستني ميخيليا‪ ،‬الذي‬
‫هنأه امللك وعينه قائدا عاما للرهبانية العسكرية‪ .‬استسلم املتمردون يف كورطيس دي ال‬
‫مويال يوم ‪ 20‬نونرب؛ تم القبض عىل قائدهم داخل كهف وترحيل ثالث مائة منهم عىل‬
‫متن باخرة غراو دي بلنسية‪ .‬أصدر ماركيز كراثينا قرارين اثنني يف ‪ 5‬دجنرب‪ ،‬أحدهم أال‬
‫يتم اختاذ املوريسكيني عبيدا ومتكينهم من محل السالح يف رحلتهم واآلخر يقيض بمنع‬
‫بيعهم‪ ،‬خصوصا الذين اختبؤوا يف اجلبال بعد صدور قرار طردهم‪.‬‬
‫رحل وطرد أزيد من ‪ 150‬ألف موريسكيا من مملكة بلنسية وقد محلوا معهم نقودهم‬
‫وأمتعتهم تاركني وراءهم فراغا ومساكن وحقوال شاغرة‪ ،‬مل يعرف البارونات والسادة‬
‫النبالء سبيال الستخدامها ورفع مردوديتها‪ .‬كان لعملية طردهم هذه نتائج سلبية‬
‫‪39‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫عىل النسيج االقتصادي باململكة ‪.‬واصلت حماكم التفتيش عملها بحثا بني األسياد‬
‫والبارونات عن اختباء حمتمل لبعض املوريسكيني‪ ،‬وقبلوا اتفاق ‪ 1614‬الذي حيدد‬
‫اخلسائر املادية التي تكبدها األسياد النبالء من جراء ترحيل خدمهم وتابعيهم يف بلد أو‬
‫منطقة فالحية مثل بلنسية‪.‬‬
‫خلف ترحيل ‪ 150‬ألف موريسكي كارثة اقتصادية وطبيعية‪ ،‬رغم أن بعضهم مكث‬
‫فيها خمتبئا‪ ،‬حمميا أو يدعي التنصري يف الظاهر‪ .‬قامت السلطات العمومية ببحثها وتتبعها‬
‫من أجل استتباب السلم يف املجتمع اإلسباين املسيحي‪ .‬إال أن مصري الرضع واألطفال‬
‫املوريسكيني كان يقض مضجع البطريرك واملؤسسة امللكية وطرحت مشاكل ومتاعب‬
‫جمهول سببها حلد اآلن ومل تلق حال آنذاك‪ .‬تم رسق بعضهم‪ ،‬إذ مجع حوايل ‪ 900‬أو‬
‫‪ 1000‬وبقي عدد قليل منهم حتت محاية ماركيزة كاراثينا‪ ،‬زوجة نائب امللك‪ .‬تأسف‬
‫رجال الدين عىل مصري هؤالء األبرياء إال أنه أمام التعليامت الصارمة ملجلس الدولة‬
‫وجد البطريرك نفسه جمربا عىل إصدار قرار آخر يف الثالث من غشت ‪ ،1610‬يقول‬
‫بإعادة عملية النتصري من أجل التأكد من الصحة الروحية ألولئك األشقياء‪.‬‬
‫تم إحصاء األطفال املوريسكيني إذ وجد يف نواحي بلنسية حوايل ألفي طفل‪ ،‬وأربعامئة‬
‫يف اململكة نفسها وثامنامئة وثامنية عرش يف العاصمة ‪ ،‬إال أن دون خوان دي ريبريا مات يف‬
‫‪ 6‬يناير ‪ 1611‬دون أن يتمكن من حتقيق أحد أحالمه امللحة ورغبته املتقدة‪.‬‬
‫تدهورت األوضاع االقتصادية يف اململكة وشحت العملة السليمة وتدوولت أخرى‬
‫مزورة حتى بني املسيحني القدامى أنفسهم‪ .‬ويف ‪ 6‬من يناير ‪ 1610‬تم ترحيل السكان من‬
‫الربانس ألجل إعادة إعامر القرى الفارغة يف بلنسية‪ .‬طالب بعض البارونات يف اململكة‬
‫بجلب املدجنني لتعويض املوريسكيني املطرودين إىل وادي ريكوطي؛ إال أنه رغم كل‬
‫التدابري استمر تواجد املوريسكيني‪ ،‬فتم فرض رضيبية عليهم أحياء أو أمواتا حتى بعد‬
‫موت البطريرك‪ .‬وهبذا تم القضاء النهائي عىل التمرد املوريسكي يف مملكة بلنسية‪ .‬املصري‬
‫نفسه عرفه موريسكيو أندلسيا‪ ،‬مرسية و وادي أرناتشوس عىل يد دون خوان دي مندوثا‪،‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪40‬‬

‫ماركيز سان خرمان‪ ،‬الذي نرش قرار الطرد يف ‪ 12‬يناير ‪. 1610‬تم إبعاد أزيد من عرشين‬
‫ألف موريسكي مع استتناء النساء املتزوجات من املسيحيني القدامى الذين بلغ عددهم‬
‫يف املدينة وحدها حوايل ‪ 978‬بيتا‪ .‬طرد القشتاليون كذلك يف ‪ 28‬من دجنرب ‪ ،1609‬كام‬
‫عرف املصري نفسه موريسكييو أراغون بقيادة مركيز أيطونا الذي بعث بخطاب يف ‪29‬‬
‫مايو ‪ 1610‬دعا فيه إىل إخراجهم ومرافقتهم إىل املوانئ لرتحيلهم؛ حيث طرد أزيد من‬
‫مخسامئة ألف من قشتالة وحدها‪ .‬وعرفت سنوات ‪1623 - 1615 - 1614 - 1612‬‬
‫‪ 1625 -‬أحداثا دامية تعرض هلا املوريسكييون الذين بقوا يف اململكة عىل دين حممد‪،‬‬
‫يامرسون عقائدهم وشعائرهم اإلسالمية‪ .‬ويف أوسرتيا انتهج السلوك نفسه ضدهم حيث‬
‫أصدر دي بوربون مرسوما ملكيا يف شتنرب ‪ 1712‬يأمر بالطرد الكامل للموريسكيني‪.‬‬
‫وأكد عىل أن بذورهم ونواهتم قد زرعت اإلسالم إىل األبد وتعمقت جذورها يف بالدنا‪،‬‬
‫إال أن بعض املؤرخني املستعربني قللوا من التأثري املوريسكي يف إسبانيا وقالوا بأهنم‬
‫تركوا يف الواقع فقط بصامت يف حضارة املدجنني‪ ،‬ولوال املسيحيون والسكان األصليون‬
‫ماكانوا ليطوروا احلضارة والثقافة العربية يف إسبانيا‪ ،‬ألن واقعهم كمغلوبني كان حيتم‬
‫عليهم مزاولة املهن التي عزف عنها املسيحييون القدامى الذين رحلوا إىل إيطاليا وفنلندا‬
‫وأمريكا ودول املحيط‪ ،‬بحثا عن املجد والشهرة‪ .‬لذا وجد املوريسكييون أنفسهم جمربين‬
‫عىل مزاولة الزراعة والفالحة وبعض الفنون والتجارة‪ .‬خالل هناية حكم امللك كارلوس‬
‫اخلامس استمرت احتجاجات النبالء واألسياد والبارونات ضد الوضع االقتصادي‬
‫واخلسارة التي تسببها ترحيل املوريسكيني إىل غاية ‪ ،1645‬حيث صدر مقطع منها يف‬
‫اجلريدة الرسمية لألكاديمية امللكية للتاريخ‪.‬‬
‫وحول وضع الغزاة الذين دخلوا إىل إسبانيا تم طرح التساؤل اآليت‪ :‬ماذا محل معهم‬
‫إىل إسبانيا هؤالء القادمون من إفريقية؟ وماذا رجعوا به من جديد وما هو التأثري الذي‬
‫مارسوه هناك؟ بالتأكيد مل حيملوا معهم شيئا ألن االزدهار الذي عرف يف مملكتنا إنام كان‬
‫باحتكاك مع شعبنا الذي طور وتفاعل مع القادمني اجلدد وعاداهتم‪ ،‬ويف الكتاب نفسه‬
‫‪41‬‬ ‫تـقـديـم‬

‫تعرض املؤرخ ملعطى مهم هو «اخلميادو» وعدم شهرته لضعف أصحابه‪.‬‬


‫استمر الرصاع بني اخلري والرش‪ ،‬بني احلقيقة والكذب‪ ،‬واهلداية والضالل وتعرضت‬
‫الكنيسة للنقد والتأييد‪ ،‬وقد ساهم وعمل دون خوان ريبريا عىل توحيد روح إسبانيا‬
‫املسيحية وقدم كل خدماته للكنيسة من أجل حتقيق ذلك‪ .‬رغم كل املحاوالت شكل‬
‫املورو دائام مصدر قلق وعدم استقرار بالنسبة لبالدنا وحتى سنة ‪ 1492‬تعالت األصوات‬
‫بطردهم والقضاء عليهم‪ .‬إال أن املسؤولني اإلسبان كانوا حياولون دائام حتقيق الوحدة‬
‫الدينية والرتابية للبالد خالل فرتات ملك فيليبي الثاين وكارلوس اخلامس‪ ،‬وحينام توىل‬
‫خوان دي ريبريا مسؤولية تسيري الكنيسة يف مملكة بلنسية كان قد صدر قرار سابق يقيض‬
‫بطرد املوريسكيني‪ ،‬أما هو فلم يفعل إال عىل تطبيقه‪ .‬وقد أحق احلق كاتب املؤلف الذي‬
‫بني أيدينا وأظهر الدور الفاعل واإلجيايب الذي عملت عىل حتقيقه مؤسستنا الدينية‬
‫وكنيستنا املقدسة يف إسبانيا وبلنسية والتي جيب أن تكون يف احلقيقة انطالقة ازدهار يف‬
‫تارخينا‪.‬‬
‫يف بداية تقديمي هلذا الكتاب‪ ،‬محدت الرب الذي يرس يل االحتكاك املبارش‬
‫باألكاديمية امللكية للتاريخ منذ ‪ 1884‬حيث متكنت من االطالع املبارش بدوري عىل‬
‫الكنوز التي خلفها املوريسكييون اإلسبان والتي مازالت حمفوظة يف أرشيف شانت‬
‫مانكش‪ ،‬األرشيف العام املركزي يف القلعة (ألكاال) واألرشيف الوطني وقد سامهت‪،‬‬
‫يف تنوير فكري وروحي‪ ،‬القرارات الصادرة عن املجلس األعىل للدولة بخصوص حماكم‬
‫التفتيش و املحققني‪ .‬ونعرتف بأن املؤرخ‪ ،‬مؤلف هذا الكتاب العظيم والفخم الزاخر‬
‫بالوثائق واحلقائق التارخيية الفريدة‪ ،‬قد ترك بني أيدينا وأيدي القارئ فصوال هامة عن‬
‫تاريخ بالدنا من صفحات بلنسية ينجيل فيها بوضوح الدور الريادي الذي لعبته الكنيسة‬
‫والذي كان فيه األثر البالغ واهلام ملطران وبطريرك بلنسية دون خوان دي ريبريا‪.‬‬

‫مـانـويـل دانـبـيـال‬
‫الفصل األول‬

‫اكتساح العرب لتراب إسبانيا ‪ /‬بياليو ‪ /‬مفهوم االسترداد ‪/‬‬

‫المستعربون والمدجنون ‪ /‬طباع الغزاة ‪ /‬استحالة التمازج بين‬

‫الغالب والمغلوب ‪ /‬العرب والمسيحيون إلى غاية القرن العاشر‪.‬‬


‫‪45‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫جتد األرواح واألجساد واألشخاص والشعوب نفسها حمكومة‪ ،‬خاضعة لقوانني‬


‫ثابتة وهذا يؤكد لنا أن الثبوت يف قانون وناموس اخللق أمر ال وجود له وال يستطيع‬
‫ذلك إال خالق الكون ورب العباد‪ .‬كل العلوم تؤمن بالتغيري النسبي أو املطلق الكيل‪.‬‬
‫املؤرخ بدوره جيد نفسه أمام حتديات اقتفاء أثر األمم والشعوب واألشخاص يف‬
‫سكوهنم وحركتهم لرسد وقائعهم‪ ،‬قد يعايش بعضها وقد يلتقط بالسامع رواية بعض‬
‫فصوهلا إىل أن يصل املشهد إىل مثواه األخري‪ :‬القارئ‪ .‬ترى‪ ،‬كم كان املؤرخ صادقا ودقيقا‬
‫فيام حكاه‪ ،‬رواه ووصفه؟ ال يمكن اجلزم بأي جواب وتبقى العناية الربانية هي التي‬
‫حتيط بكل هذا وحتميه من التلف واالندثار‪ .‬ال يسلم أي مؤرخ من هذا األمر‪ ،‬وقد‬
‫عمل مؤرخونا يف إسبانيا عىل احرتام الدقة واملنهج العلمي يف وصف وحتليل األحداث‬
‫ما استطاعوا بموضوعية يف حاالت كثرية وذاتية يف بعضها أو القليل منها‪ .‬وما يمكننا‬
‫تأكيده والوقوف عنده هو أنه إذا كان مؤرخو بلدنا قد أغفلوا أو جهلوا أمورا مل يدققوا‬
‫فيها‪ ،‬عن مرحلة ما قبل التاريخ بالنسبة ملسار إسبانيا‪ ،‬فام يمكننا تأكيده هو أن فرتة تواجد‬
‫العرب بإسبانيا قد حيض باهتامم بالغ ودقة ال متناهية ورسد حمكم لوقائع تلك احلقبة‬
‫التارخيية من حياة البالد‪.‬‬

‫يف السنة السبعني من مرحلتنا التارخيية أراد اإلمرباطور أوطون أن يلحق بمدينة بتيكا‬
‫أقاليم موريتانية أخرى أو بلدان بحوزة املورو بينام أغدق عىل افريقية امتيازات هامة‪.‬‬
‫رغم كل ذلك مل تكن العالقة جيدة بني القطرين‪ .‬ويف سنة ‪ 166‬انطلقت رشارة احلملة‬
‫التي كلفت البالد ثامنية قرون من احلروب الطاحنة الساحقة‪ .‬خرج أبناء هؤالء األقوام‬
‫واجتازوا مضيق جبل طارق‪ .‬دخلوا بالنار واحلديد وسفكوا الدماء مرورا بجبال مالقة‬
‫ومنخفضات استجة وقرمونة ‪ .‬استولوا عىل القلع واحتلوا املساكن والقصور‪ ،‬ولوال‬
‫قوة قبطان شجاع باسل كان يف سلك خدمة اإلمرباطورين ماركو أوريليو ولوسيو فريو‪،‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪46‬‬

‫هللكت البالد‪ .‬تبعهم إىل غاية القضاء عليهم وذبح الباقني فوق تراب اشبيلية(((‪.‬‬
‫حينام تويف غيطشة مل تكن إسبانيا عىل أحسن حال‪ .‬نصب أصغر أبنائه وهو طريح‬
‫الفراش مما أثار حفيظة الكبار واألعيان‪ .‬كام أن الناس مل يعودوا يطيقون وجود أبناء‬
‫إرسائيل‪ ،‬بدورها الكنيسة مل تكن راضية عن ذلك الوضع‪ .‬ارتفعت أصوات الرأي العام‬
‫بطرد اليهود ال ألسباب دينية كام كان عليه الوضع يف القرن اخلامس عرش ولكن ألسباب‬
‫سياسية(((‪.‬‬
‫تعالت أصوات رفض امللك الصبي ومعارضته‪ ،‬عمت الفوىض وكثر اللغط‪ ،‬األمر‬
‫الذي اعترب مؤرشا قويا عىل سقوط ملكهم وانتهائهم‪ .‬انتقاما للوضع ومن سلطة أتباع‬
‫غيطشة‪ ،‬تسلم دون ردريغو مقاليد السلطة سنة ‪ 710‬وفر أتباع وأنصار امللك القارص‬
‫املرفوض إىل صحراء اليمن‪ .‬يف الفرتة نفسها كان الكونت دون خوليان حاكام عىل سبتة‬
‫التي كانت تقاوم اهلجوم ضدها وحتفظ حدودها بفضل اإلمدادات التي كانت تصلها‬
‫من إسبانيا‪« :‬لكن الكونت خوليان بعد رصد كل حساباته فكر يف بيع ما سيسلب منه‬
‫الحقا ال حمالة‪ ،‬فعمد إىل تسليم القلع والقصور للعرب مقابل امتيازات لصاحله وألفراد‬
‫عائلته وذويه‪ .‬قرر تنفيذ خمططاته فبعث إىل موسى يعرض عليه اقرتاحه‪ .‬طلب طارق‬
‫من الكونت ابنتيه كرهينتني وأن يعلن مترده وانقالبه عىل سيده الطبيعي‪ .‬قبل العرض‪،‬‬
‫ويف خريف ‪ 709‬عرب املضيق ليعود الحقا الجتياز البحر حممال بالغنائم واألرسى»(((‪.‬‬
‫كان أبناء غيطشة يعرفون جشع الكونت خوليان ورغبته يف االستيالء عىل احلكم‬
‫بعد موت أبيهم‪ .‬ويف سنة ‪ 710‬عاود العرب كرة العبور إىل إسبانيا مستغلني خيانة‬
‫الكونت دون خوليان‪ .‬يف ‪ 28‬من يوليوز سنة ‪ 711‬دخلوها فاحتني ليمكثوا هبا ثامنية‬

‫((( فرنانديث غيرا‪ ،‬سقوط واضمحالل اإلمبراطورية القوطية اإلسبانية‪ ،‬مدريد‪ ،‬طبع الكتاب مانويل هرنانديث‪،‬‬
‫‪ ،1883‬ص‪.63 .‬‬
‫((( دون إدواردو سآبيدرا‪ ،‬دراسة حول الغزو العربي إلسبانيا‪ .‬مدريد‪ ،‬ط‪ .‬إلبرغريسو إديتوريال‪ ،1892 ،‬الفصل‬
‫الثاني‪ .‬كتب األب سان بيدرو دي ألقنطرة إلى مايانس حول األمر نفسه‪ ،‬رسائل قشتالية‪ ،‬مج‪.56.‬‬
‫((( فرنانديث غيرا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.72 .‬‬
‫‪47‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫قرون متتالية((( ‪« .‬حينام علم موسى بانتصارات طارق قاد قواته لريسو باخلزيرات يف‬
‫أواخر يونيو وبداية يوليوز سنة ‪ .712‬كان دون خوليان دليلهم ومرشدهم وصديقهم‬
‫يف الرساء والرضاء ونصحهم عند الشدائد ومواقف العقاب(((‪ .‬سهل هلم االنتصار تلو‬
‫اآلخر يف مدن متعددة مثل قرمونة‪ ،‬إشبيلية والردة‪ .‬قادوا كذلك محلة رشسة يف تاالبريا‬
‫دي ال رينا وذبحوا إخوة غيطشة ومسؤولني يف البالط موالني لدون ردريغو‪ .‬مل ينس‬
‫الكونت األحداث الدامية التي حصلت يف رسقسطة وال أحداث احلرائق والتخريب‬
‫التي طالت املدن األخرى‪ ،‬وتقتيل الشيوخ واألطفال وهم ينزعون من صدور وأثداء‬
‫أمهاهتم(((‪ .‬وأمام اكتساح كتائب طارق وموسى وتراجع قوات ردريغو إىل حدود ليون‪،‬‬
‫صوب املسلمون الرضبة القاضية للجيوش القوطية التي تراجعت إىل احلدود البحرية‬
‫وجبال أشرتيش‪ .‬اقتفى العدو أثر جنوده إىل غاية حدود نافارا((( حيث اختفى مع‬
‫الباقني من قواده‪ ،‬بينام عزز طارق قواته عىل امتداد ميناء اخلزيرات لتقوية جبهته البحرية‬
‫حتسبا ألي هجوم‪ .‬توجهه ردريغو نحو األرايض األندلسة التي كانت تشكل يف الواقع‬
‫خطرا كبريا عليه((( نظرا ألعداد املسلمني اهلائلة املرابطة هبا‪ .‬دخل قرطبة حيث اتصلت‬
‫به جمموعة مشبوهة من الرجال‪ ،‬قد تكون تابعة لسيسبريتو‪ ،‬أخ غيطشة‪ ،‬حسب بعض‬
‫املؤرخني‪ ،‬وفضل اإلقامة بربض الشقندة‪ .‬تفاجأ الفاتح فطلب الدعم من موسى الذي‬
‫أمده ب ‪ 5000‬رجال فوصل عدد أفراد جيشه إىل ‪ 25‬ألف مقاتال ومكثوا يف اخلزيرات‬
‫مرتبصني بقوات ردريغو‪ .‬انطلقت رشارة املواجهات بني املعسكرين يف ‪ 19‬يوليوز‬
‫‪ .711‬حينام شعر ردريغو بخطورة املواجهة يف تلك املنطقة حاول جرهم إىل سهول‬
‫بربايت اجلافة‪ ،‬حيث يمكنه توجيه خيالته القوطية التي كانت تتفوق عىل فرقة املورو‪.‬‬

‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( فرنانديث غيرا‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬
‫((( دون لوكاس دي توي‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬ص‪.70 .‬‬
‫((( إدواردو سآبيدرا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.65 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪48‬‬

‫وحينام محي وطيس املعركة انترصت اخليانة عىل الثورة(((‪.‬‬


‫كان عىل ميمنة اجليش القوطي الفارس سيسبريتو الذين كان يؤكد وسط جيشه‬
‫رشعية دون ردريغو‪ ،‬األمر الذي أثار عليه غضب امللك وجعل أتباعه يتسللون ليال‬
‫ملعسكر األعداء(((‪ .‬يف اآلن نفسه عمل القائد القوطي عىل ملء الفراغ برجال من اجليش‬
‫االحتياطي((( الذين تكبدوا بدورهم خسائر بسبب اخلونة الفارين(((‪ .‬وجد بني القتىل‬
‫جثة سيسبريتو بينام انخفض جيش طارق إىل تسعة آالف مقاتل فقط(((‪ .‬استغل هذا‬
‫األخري تشتت جيش القوط وخالفهم وفرار اجلناح األيمن منه فحاول التنسيق مع‬
‫اجلنود اخلارجني عن طاعتهم(((‪ ،‬وبذلك متكن من العبور عرب حوض برباطي إىل وادي‬
‫متبول(((‪ .‬يف يوم مشهود انترص جيش املورو عىل القوطي بموقعة اتفق املؤرخون عىل‬
‫تسميتها بـ «هزيمة وادي القرص»((( واختبأ ردريغو‪ ،‬فارا من ساحة املعركة‪ ،‬ليصل إىل‬
‫مدن بعيدة حيث سكن بمنازهلا وقصورها رفقة من بقي معه(((‪.‬‬
‫استطاع الغزاة اجلدد أن يرفعوا هالهلم عاليا بدل الصليب‪ ،‬تقريبا يف جممل تراب شبه‬
‫اجلزيرة األيبريية وكافؤوا أبناء غيطشة الثالثة بمنحهم ألف فدان لكل واحد منهم‪ .‬عرب‬
‫دون خوليان إىل الضفة األخرى حممال باملال واالمتيازات متمتعا بسمعة الفارس املغوار‬
‫الذي آزر املورو يف فتوحاهتم وأطلق عليه لقب «ملك» وعىل حفيده اسم عبد اهلل‪ ،‬أول‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.66 .‬‬


‫((( سبق ذكره‪ ،‬اعتمد سآبيدرا على مؤلفين تعرضوا لوصف أحداث تلك المواجهة‪.‬‬
‫((( ابن القوطية‪ ،‬تاريخ األندلس‪ ،‬ج‪ ،2.‬الفصل ‪.3‬‬
‫((( سلينسي‪ ،‬عدد ‪.16‬‬
‫((( مجهول قرطبة و يلقبه المسيحيون القدامى إسيدرو باثينسي‪ ،‬عدد ‪. 34‬‬
‫((( فتح األندلس‪ ،‬ص‪ 7 .‬من النص العربي‪.‬‬
‫((( المقري‪ ،‬نفح الطيب‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.179 .‬‬
‫((( فرنانديث غيرا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.49 .‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،69 .‬دون خوسي ودون مانويل أليفير إي هورتادو‪ :‬معركة بيخير أو بركة خاندا»‪ ،‬غرناطة‪،‬‬
‫‪.1869‬‬
‫‪49‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫مارق عن دين أجداده من تلك األرسة وترك املسيحية وتبع رشيعة حممد اخلاطئة(((‪.‬‬
‫ويف أواسط سنة ‪ 718‬فقدت إسبانيا استقالهلا وخضعت لنفوذ املورو الذين حطموا‬
‫الصليب يف طليطلة‪ .‬يف بداية محلتهم مل يتصور قط طارق وموسى وال حلام بالسيطرة‬
‫عىل الشعب اإلسباين‪ ،‬إال أن أسباب الغدر واخليانة فتحت أمامهام أبواب حكم إسبانيا‬
‫واإلسبان‪ ،‬لكن بفضل عناية الرب عاد الصليب لينتصب من جديد فوق الكنائس‬
‫واملداخل ولو بعد عدة قرون من اهلزيمة واالستسالم‪ .‬فرت جمموعة من اجليش القوطي‬
‫واختبأت بجبال أشرتيش بعدما علموا بمصري ردريغو ومآله(((‪.‬‬
‫وصلت موسى أوامر اخلليفة الوليد بعدما طرقت أسامعه أصداء الشكايات جراء‬
‫معاملته السيئة لباقي اجلنود واألتباع وطلب منه مده بحصيلة األحداث والوقائع‪ .‬ظن‬
‫موسى أن األمر سيوافق رأي اخلليفة‪ ،‬إال أنه حينام صعد املنرب يف املسجد الكبري ورشع يف‬
‫رسد انجازاته وانتصاراته أحس برشارة التهديد تنطلق صوبه و أجرب عىل إيداع الكنوز‬
‫والذخائر التي غنمها(((‪ .‬توجه موسى إىل دمشق موليا ابنه عبد العزيز شؤون احلكم يف‬
‫إسبانيا‪ ،‬إال أن زواجه من إخييلونا‪ ،‬أرملة ردريغو امللقبة بأم عاصم‪ ،‬جعل السخط يعم‬
‫حميطه ويتهمونه بتفضيل املسيحيني‪ ،‬خصوصا إذا حاولت تلك السيدة املسكينة التوسط‬
‫ألحد أبناء دينها وجلدهتا‪ ،‬الذين سقطوا بدورهم مثلها يف األرس(((‪.‬‬
‫عرفت سياسة التسامح هنايتها بموت عبد العزيز وخلفه احلر الذي قاد محلة شعواء‬
‫ضد املسيحيني وضد بياليو‪ .‬جرت معركة كابادونجا أو مغارة دونجا بني املورو‬
‫واملسيحيني بقيادة بياليو‪ ،‬انترص فيها هذا األخري واعتربها املؤرخون بذرة أو نواة‬
‫حلروب االسرتداد‪.‬‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.80 .‬‬


‫((( سآبيردا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.138 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.124 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.134 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪50‬‬

‫هزمت جيوش املسلمني‪ ،‬قتل علقمة وانترص بياليو بمساعدة رشذمة من جيوشه‬
‫عاهدوه عىل نرصة الدين والوطن ويرجع بعض املؤرخني نرصه‪ ،‬باإلضافة إىل الظروف‬
‫الطبيعية واجلغرافية‪ ،‬إىل يقينه واعتامده عىل الرب ومحله لصورة العذراء القديسة إىل‬
‫املغارة(((‪.‬‬
‫استطاعت رشذمة قليلة من الرجال بقيادة بياليو أن حتيي من داخل مغارة وسط‬
‫اجلبال ملكا كان عىل وشك االندثار إىل األبد‪ .‬كانت جتري يف عروقه دماء إسبانية‬
‫وقوطية‪ ،‬ذلك اجلنس الذي هزم أكثر من مائة شعب وأخضع كذلك اإلسبان وأفريقيا‬
‫وغريهم‪ .‬استطاع أن يبذر نواة دولة عظيمة سيكون هلا شأن بعد ذلك‪ :‬إسبانيا‪ .‬كان يف‬
‫وضعه مثل ذلك اجلذع اهلائل الذي قصمته حديدة احلطاب‪ ،‬لكن قلبه النابض ونبتته‬
‫بقيت حية بداخله فاستطاعت أن تنمو من جديد وترتعرع لتصبح شجرة عميقة اجلذور‪،‬‬
‫باسقة األغصان ووافرة الظل تنعش العامل(((‪.‬‬
‫مل يستطع العرب القضاء عىل مملكته‪ ،‬كانت حتميها قوة خارقة ومعجزة من السامء‪،‬‬
‫كان بياليو بدوره حيتاج إىل وقت وأمن وأمان ليتمكن من تنظيم وتقوية مملكته الصغرية‬
‫من جديد(((‪.‬‬
‫عزز ذلك االنتصار الثقة يف نفوس أتباع بياليو الذين بدؤوا ينزلون تدرجييا من اجلبال‬
‫ويستقرون يف السهول حلرثها وتوفري القوت الرضوري لضامن عيش املقاتلني من أجل‬
‫الدفاع عن مبادئ مقدسة‪ .‬رفعوا أديرة ليتوسلوا فيها إىل القديسة ويطلبوا عوهنا يف‬
‫املعارك‪ .‬شيدوا املساكن والقلع ليخبئوا األسلحة التي سيمدون هبا الحقا املجاهدين‬
‫واملقاتلني ضد املورو‪ .‬خالل ‪ 19‬سنة استطاع بياليو أن يريس ركائز مملكته الفتية ويرفع‬
‫الصليب فوق عاصمته فيال كانغاس حيث دفنت الحقا رفاته ورفاة زوجته غاوديوسا‬

‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.67 .‬‬


‫((( ص‪.67-66 .‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.69 .‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫بكنيسة سانتا إيوالليا عىل بعد فرسخ من مغارة دونجا(((‪ .‬دافع أتباعه عن مملكتهم ضد‬
‫املورو وحصنوها ضد خصومهم وضد املدجنني الحقا‪ ،‬الذين كانت أوضاعهم متشاهبة‬
‫إىل حد ما(((‪.‬‬
‫ال توجد يف احلقيقة وثائق كثرية عن احلروب بني املسلمني واملسيحيني إال أن التي‬
‫تناولتها بالوصف والدراسة تؤكد عىل أن املورو اتبعوا الطريقة نفسها لفتح بلدان‬
‫املرشق((( يف إسبانيا(((‪ .‬استغرقت عملية دخوهلا وإخضاع مناطقها فرتات خمتلفة تبعا‬
‫لدرجة املقاومة التي كان يلقاها جيش املورو‪ .‬لو تبع طارق وموسى هنج عبد العزيز بن‬
‫موسى بن نصري يف «تدمر» ما كانا ليالقيا مشاكسة ومعارضة قوية من طرف املسيحيني‪.‬‬
‫لقد قال هلم ابن موسى بن نصري ما ييل‪« :‬باسم اإلله نعدكم أننا لن نجرب أحدا من النبالء‬
‫أو القواد عىل التخيل عن منصبه وامتيازه‪ ،‬لن نجرده من ممتلكاته ونفوذه‪ .‬لن نقتل أو‬
‫نأرس أحدا‪ ،‬لن نفرق بينكم وبني أبنائكم وزوجاتكم‪ ،‬لن نضايق أحدا يف دينه ومعتقداته‪،‬‬
‫لن نحرق أو هندم كنيسة ولن نجتث نبتة زرع حرثها عبد من عبيدكم‪ ،‬ونتعهد بتطبيق‬
‫هذا القانون والترشيع يف املدن السبعة التابعة لنفوذنا‪ :‬أريولة‪ ،‬فلنتيال‪ ،‬ألكانتي‪ ،‬موال‪،‬‬
‫بيغاسرتو‪ ،‬أنايا و لورقة رشيطة أال تتم محاية الفارين من معسكرنا أو خصومنا‪ ،‬وال يتم‬
‫إخفاء املعلومات الرائجة يف معسكر أعدائنا والتي ترض بمصلحتنا»(((‪.‬‬
‫تعترب هذه الوثيقة والتي سنها موسى كذلك من أقدم الوثائق التي نتوفر عليها‬
‫فيام يتعلق باملستعربني بإسبانيا يف تلك الفرتة‪ .‬وقد متتع املسيحيون ببعض االمتيازات‬
‫واخلصوصيات يف مالقة‪ ،‬وادي آش‪ ،‬إلبرية‪ ،‬قلمرية‪ ،‬ألفوينس‪ ،‬طليطلة‪ ،‬رسقسطة‪،‬‬

‫((( استغربنا من موقف السيد سيركوت في الجزء األول‪ ،‬ص‪ 17 .‬من كتابه ‪« :‬المورو‪ ،‬المدجنون والموريسكسون»‬
‫حينما تكلم عن بياليو وعن سلطته المطلقة‪.‬‬
‫((( دون فرناندو إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،13 .‬موديستو لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ 70 .‬وما يليها‪.‬‬
‫((( بالدوري‪ ،‬حمالت ضد بالدنا‪.‬‬
‫((( دوزي‪ ،‬تاريخ المسلمين بإسبانيا ‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ 38 .‬و ما يليها‪.‬‬
‫((( صدرت تلك الوثيقة في شهر أبريل من سنة ‪ 713‬موافق رجب ‪ 94‬للهجرة‪ .‬ذكره سآبيدرا‪ ،‬ص‪،30 - 28 .‬‬
‫سبق ذكره‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪52‬‬

‫برشلونة‪ ،‬بلنسية ودانية‪ .‬إال أن ذلك مل يكن انتهاجا لسياسة تسامح وإنام اضطرار حتى ال‬
‫تتحرك سيوف املسيحيني ضدهم متردا‪ .‬األمر نفسه تبعته اجليوش املسيحية خالل عملية‬
‫االسرتداد مع املهزومني امللقبني باملدجنني‪ .‬كان التعامل باملثل والتغايض عن املهزوم‪،‬‬
‫من األمور التي أدت إىل ظهور املستعربني واملدجنني بإسبانيا‪.‬‬
‫استمر هذا النوع من التعامل خالل ثامنية قرون‪ ،‬إال أن بعض األمراء واخللفاء استغلوا‬
‫نفوذهم خصوصا يف قرطبة‪ .‬وكانوا يضطهدون اآلخر مرة باسم فتاوى الفقهاء و أخرى‬
‫بحجة رضورة القضاء عىل العامة وإمخادهم ومرات باسم مقاومة الكنيسة وفكرها(((‪.‬‬
‫لقد أعطى املستعربون األسبان نموذجا من الثبات والدفاع عن عقيدهتم ودينهم‬
‫وثقافتهم وعلومهم‪ .‬كان سلوكهم خمتلفا متاما عن مواقف املدجنني‪ .‬والناقد املتتبع‬
‫لظهور وتتبع مراحل حياة هذين اجلنسني املختلفني يقتنع باستحالة متازج االسبان‬
‫والعرب سواء كانوا غالبني أو مغلوبني‪ ،‬مستعربني أو متمسحني بمحض إرادهتم‪.‬‬
‫كان البعد الديني قائام عند الطرفني يف حروهبام‪ ،‬فتوحاهتام واسرتدادمها‪ ،‬وال أظن‬
‫أننا نحتاج إىل إثبات سامحة الدين املسيحي واخلري الذي حيمله للبرشية‪ .‬إنه بمثابة‬
‫طريق احلقيقة واخلالص‪ .‬لقد تدخلت الكنيسة لتثبته بطرق متعددة‪ ،‬اضطرت يف بعض‬
‫األحيان الستعامل القوة ولكن من أجل إرساء احلقيقة والعدل‪ .‬يعترب املسيح رمحة‬
‫لتابعيه وألعدائه‪ ،‬إنه سبيل اخلالص يف مسار احلياة وطريق احلقيقة التي يمكن نقضها‬
‫ومعارضتها‪.‬‬
‫تعترب يف الواقع شتيمة مقارنة العقيدة السمحة ألتباع بياليو بعبارات وآيات القرآن‪.‬‬
‫عرب كل مراحل تواجدهم يف إسبانيا أثبت الواقع عدم انصهارهم واندماجهم مع‬
‫األسبان‪ ،‬األمر الذي جعل حظهم يعرف مسارا خمتلفا وحتوال جذريا ليس يف القرن‬
‫اخلامس عرش فحسب‪ ،‬ولكن كذلك خالل الثلث األول من القرن السايع عرش‪ .‬كان‬

‫((( الوضع االجتماعي والسياسي للمدجنين في قشتالة‪ ،‬ص‪. 19 .‬‬


‫‪53‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫االنتقام بندا خاصا ومقدسا لدى العرب‪ ،‬يستقونه من تعاليم القرآن والسنة ويتوارثونه‬
‫أبا عن جد(((‪ .‬يظنون أهنم وحدهم يعبدون الرب ويؤمنون به وما دوهنم كافر ومارق‬
‫لعدم اتباعهم دين حممد‪ .‬يعترب القرآن كتابا مليئا بالتناقضات‪ ،‬بالظالميات‪ ،‬بالالمعقول‪،‬‬
‫والالمنطق‪ ،‬يقدسه العرب ويتبعون تعاليمه بطريقة عمياء(((‪.‬‬
‫لو اعتمد مرشع مكة عىل تأليف كتاب جيعل من أتباعه شعبا حماربا‪ ،‬غازيا ومقاتال‬
‫لنجح يف مهمته‪ ،‬لكن أن يبلغ درجة اإليامن والقداسة والعناية الربانية والنرص اإلهلي‪ ،‬إنام‬
‫يتجىل حتقيقه يف تعاليم الدين املسيحي ال غري‪ .‬كان يمكن جليوش املعسكرين أن تتعايش‬
‫لكن أن تتامزج فهذا أمر مستحيل قطعا وكلية‪ .‬شعب يقسم باستئصال املسيحيني‬
‫(((‬

‫من فوق تراب ترتفع فيه تراتيل القديسة العذراء‪ ،‬والدة املسيح‪ ،‬ال يمكن أن تنتظر منه‬
‫ذلك‪ ،‬وقد برهن الرب عىل دعمه بنرص أتباع بياليو وهزيمة جيش علقمة‪ .‬عرفت عملية‬
‫التامزج حلظات حاسمة وعرفت شأوا كبريا عىل عهد عبد العزيز بن موسى‪ ،‬أيوب‪ ،‬احلر‪،‬‬
‫حييى‪ ،‬اهليثم وحممد ابن عبد اهلل‪ ،‬الذين تساحموا مع املستعربني ومكنوهم من امتيازات‬
‫خصوصا عندما استقل احلكم يف إسبانيا عن خالفة دمشق‪ ،‬إال أن مذبحة املسيحيني يف‬
‫قرطبة عادت لتؤجج من جديد الرصاع بني اجلنسني‪ .‬رد املسيحيون باحلديد والنار عىل‬
‫كراهية وانتقام املسلمني‪.‬‬
‫ويف سنة ‪ 737‬عرب األمري عقبة املضيق موفدا من طرف وايل إفريقية إلمخاد ثورات‬
‫الرببر‪ .‬مات بياليو فعني النبالء املسيحيون ابنه فابيال خلفا له ملتابعة مسار والده‪ ،‬إال‬
‫أن مملكته كانت حمارصة يف مساحة ضيقة‪ .‬لكن يف حقيقة األمر‪ ،‬اختذ األمراء واحلكام‬

‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.257 .‬‬


‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.239 .‬‬
‫((( هذه فقرة من وثيقة تقول بالحرف‪ « :‬ال يعترف وال يؤمن المسلمون إال بأركان اإلسالم الخمسة‪ -1 ،‬شهادة أن‬
‫ال إله إال الله وأن محمدا رسول الله‪ -2 ،‬إقامة الصالة‪ -3 ،‬إيتاء الزكاة‪ -4 ،‬صوم رمضان‪ -5 ،‬الجهاد ضد النصارى‬
‫وقتالهم حيثنا وجدوا‪( .‬مالحظة المترجمة‪ ،‬أخطأ المؤلف أو أراد أن يتحامل على المسلمين ألن الركن الخامس‬
‫لإلسالم هو حج البيت لمن استطاع إليه سبيال وليس قتل المسيحيين الذي يدعيه كاتب الوثيقة)‪ ،.‬أرشيف شانت‬
‫مانكش‪ ،‬مجلس محاكم التفتيش‪ ،‬الكتاب ‪ ،938‬ص‪.88 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪54‬‬

‫املسلمون جزءʺ كبريا من حرسهم من املسيحيني وقد وصل بعضهم إىل منصب كاتب دولة‬
‫ومراتب أخرى سامية(((‪ .‬مل يكن ذلك لريوق إىل تطلعات وطموح املسيحيني اإلسبان‬
‫لذا مل يستسلموا ومل يطرحوا أسلحتهم رغم حمارصهتم يف جبال أشرتيش‪ .‬بعد وفاة ابنه‬
‫توىل احلكم بعده صهره ألفونسو‪ ،‬ابن بيدرو دوق كالبرياس‪ ،‬كان الرجل املناسب لتلك‬
‫الفرتة بالذات‪ ،‬فارسا مغوارا تتوفر فيه مجيع الصفات والرشوط لقيادة أتباعه ومملكته‬
‫نحو النرص‪ .‬عرف ألفونسو األول‪ ،‬ملك أشرتيش مصاعب متعددة بسبب املسلمني‪،‬‬
‫إىل جانب عقبات أخرى واجهته من ناحية الربانس حيث يوجد كارلوس مارطيل الذي‬
‫كان يعاديه‪.‬‬
‫مكث عقبة يف إفريقية خوفا من مترد جديد ضد حكمه‪ ،‬ويف إسبانيا اشتدت املواجهات‬
‫بني بربر غاليسيا واألمري‪ ،‬الذين انتقلوا بعد ذلك نحو طليطلة وقرطبة حيث حارصوا‬
‫عبد امللك‪ .‬طلب هذا األخري اإلمدادات من دمشق و استطاع إمخاد ثورة املتمردين‬
‫الرببر يف إسبانيا‪ .‬استفاد بدوره ألفونسو األول من هذا التمرد والثورات واالنقالبات‬
‫بني املسلمني العرب والرببر يف إسبانيا‪ .‬اقتسم قيادة اجليش مع أخيه فرويال واجتازا‬
‫اجلبال التي تشطر أشرتيش وغاليسيا(((‪ ،‬وبعد وصوله منترصا إىل حدود لوغو‪ ،‬جترأ عىل‬
‫االجتياز رافعا الصليب إىل أرينيس وتووي يف براغا‪ ،‬فالفيا‪ ،‬فيسيو‪ ،‬وشافيس كذلك يف‬
‫لديسام‪ ،‬شلمنقة‪ ،‬زمورة‪ ،‬شانت مانكش‪ ،‬آبيال‪ ،‬سيغوبيا‪ ،‬سيبولفيدا‪ ،‬أوسام‪ ،‬سلدانيا‪،‬‬
‫أوقا‪ ،‬ويف مناطق أخرى مثل كنتابريا‪ ،‬بشكاية إىل غاية حدود أراغون‪ .‬استطاعت‬
‫مملكة أشرتيش أن تتحكم يف ربع تراب شبه اجلزيرة األيبريية كام متكن ألفونسو من‬
‫أن يبسط نفوذه ويبني قلعا‪ ،‬معابد وكنائس ونال بذلك عن جدارة لقب ألفونسو‬
‫الكاثوليكي‪ .‬تويف يف كانغاس سنة ‪ 756‬ودفنت رفاته بسانتا ماريا كوفادونغا‪ ،‬حيث‬
‫يرقد مؤسس اململكة بياليو‪ .‬واصلت إسبانيا املسلمة حروهبا العاتية إال أن اخلالفات‬

‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.17 .‬‬


‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.80 .‬‬
‫‪55‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫بني املسلمني عرقلت مهمة يوسف ابن عبد الرمحان الفهري‪ ،‬وبعد طول انتظار تدخل‬
‫خليفة دمشق إلمخاد املواجهات الضارية بني العباسيني واألمويني‪ ،‬استقل هؤالء‬
‫باخلالفة يف إسبانيا وعينوا اخلليفة األول عبد الرمحان‪ .‬يف الفرتة نفسها عرف املعسكر‬
‫املسيحي بدوره انقساما ومواجهات‪ ،‬وذلك بسبب رغبة كل منطقة يف قيادة احلرب ضد‬
‫املسلمني بمبادرهتا وحلساهبا اخلاص‪ .‬مل جيد ملوك أشرتيش بدا من التعامل بمرونة مع‬
‫بعض األقاليم‪ ،‬خصوصا الباسك وكنتابريا التي كانت تسعى لالستقالل إما طوعا أو‬
‫كراهية(((‪ .‬استطاع فرويال‪ ،‬خلف ألفونسو أن خيمد مترد الباسكيني الذين كانوا يطالبون‬
‫باستقالهلم‪ ،‬إال أنه قتل عىل يد ذويه انتقاما من قمعه ورصامته‪ ،‬ونصبوا بعده ابن أخيه‬
‫أوريليو‪ .‬حسب بعض املؤرخني‪ ،‬كان ينحدر من أصول عربية نتيجة زواج خمتلط‪ .‬حينام‬
‫تويف كانغاس سنة ‪ 774‬خلفة سيليو‪ ،‬صهر ألفونسو الكاثوليكي‪ .‬مل خيلف امللك اجلديد‬
‫والذين تلوه مثل ماوريغاتو وبرمودو بصامت تذكر يف تاريخ مملكتهم‪ ،‬خصوصا فيام‬
‫يتعلق بعملية االسرتداد‪ .‬مل يعرفوا استغالل الرصاع بني ابن العريب و القاسم بن يوسف‬
‫ضد عبد الرمحان وال استفادوا من هزيمة شارملان يف حتديه خلليفة قرطبة‪ ،‬ومل يستطيعوا‬
‫إيقافه وهو يشيد املسجد األعظم وال اقتفوا أثره وهو يتجه نحو بامبلونة وينترص كام فعل‬
‫يف خريونة وطرطوشة‪.‬‬
‫تويف عبد الرمحان وخلفه ابنه هشام‪ ،‬بينام استمر أتباع بياليو متقوقعني يف أشرتيش إىل‬
‫أن دخلها أتباع حممد باسم اجلهاد املقدس‪ .‬لكن شاءت العناية اإلهلية أن ينترص ألفونسو‬
‫الثاين وبقي جثامن القائد املسلم يوسف ممدا يف يوم احلداد‪ .‬تقوت مملكة أشرتيش من‬
‫جديد‪ ،‬تويف هشام وتوىل مقاليد احلكم بعده ابنه احلكم‪ ،‬الذي نازعه عىل ذلك أبناء‬
‫أعاممه سليامن وعبد اهلل و طلبوا دعم وتدخل لوديفيكو ݒيو‪ .‬استغل هذه املرة ألفونسو‬
‫الثاين تلك األوضاع وقام بخطوة جريئة‪ ،‬فمنح ثمرة جمهوده لكارلو ماغنو مقابل‬
‫صداقته وتعاونه ودعمه البنه مويس دي أكيتانيا‪ .‬لكن النبالء خافوا من تلك العالقة‬

‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.119 .‬‬


‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪56‬‬

‫الوطيدة بني الرجلني‪ ،‬وتصوروا أهنا نذير شؤم عىل استقالهلم فرموا بامللك يف سجن‬
‫بدير أبيالميكا‪ .‬مل يتحرك احلكم لنرصة زيد يف برشلونة ويف طليطلة‪ ،‬مرييدا وقرطبة‪،‬‬
‫تواصلت النزاعات املتقدة بني املسلمني‪ ،‬أزهقت أرواح كثرية وسالت أودية من الدماء‪.‬‬
‫مل يستطع احلكم السيطرة يف غاليسيا عىل املسيحيني الذين استولوا عىل مناطق متتد من‬
‫مينيو إىل هنر دويره(((‪.‬‬
‫استطاع ألفونسو الثاين أن يرجع األمن إىل مملكته بعد ثالث سنوات من الرصاع‪ ،‬سار‬
‫عىل خطى بياليو‪ ،‬ويف مرحلة السلم كان يعمد إىل تقوية الدين املسيحي واحلكم داخل‬
‫اململكة(((‪ .‬خالل فرتته تم اكتشاف رضيح القديس سانتياغو وتم تغيري املحج من إيريا‬
‫إىل كمݒوستيال ( شنت ياقب) كام أرسى القانون القوطي يف قصوره مثلام كان عليه األمر‬
‫يف طليطلة قبل دخول املسلمني‪ .‬وعمد كذلك إىل تدريس الكتب القوطية ونرش قوانني‬
‫قديمة وعاد بالكنيسة إىل رصامتها وسابق جمدها‪ ،‬وكان ذلك بمثابة إعادة ترتيب أوراق‬
‫امللك واملجتمع بالنسبة للشعب املسيحي»(((‪.‬‬
‫سبقت اإلشارة إىل اهلزيمة النكراء التي تكبدهتا جيوش احلكم يف غاليسيا وقد حاول‬
‫ابنه عبد الرمحان الثاين حموها خالل محالته املتكررة ضد ألفونسو‪ ،‬لكن هذا األخري مل‬
‫خيب يف حتقيق انتصار تلو اآلخر إىل أن لقي ربه‪.‬‬
‫خالل فرتة حكمه انتفض أحد القواد العرب يدعى حممد بن عبد اجلبار يف مرييدة‬
‫ضد احلكم املركزي بقرطبة‪ .‬وخوفا من مطاردة األمري جلأ طالبا احلامية يف غاليسيا حيث‬
‫استقبله امللك ألفونسو بحفاوة بالغة وأكرم مثواه ومكنه من اإلقامة يف القصور واملساكن‬
‫الفاخرة قرب لوغو‪ ،‬حيث أقام مع ذويه يف رغد عيش ونعيم مثوى مطمئن البال مرتاح‬

‫((( نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.202 .‬‬


‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.215 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.219 .‬‬
‫‪57‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫اخلاطر(((‪ .‬لكن املسلم اخلائن الذي سبق أن طعن أمريه يف ظهره مل يتوان عن تكرار‬
‫السلوك نفسه مع امللك ألفونسو الذي أحسن وفادته وآواه ومحاه‪ ،‬فعمد بمعونة رشذمة‬
‫من الرجال إىل اهلجوم خلسة عىل قرص سانتا كريستينا‪ ،‬عىل بعد فرسخني من تلك‬
‫املدينة(((‪ .‬وبقفزة الفارس الشاب هرع امللك الشيخ املحنك إىل قلعة اخلائن ليلقنه درسا‬
‫يف الوفاء فاسرتجع القرص وأخرجه منه وأجربه عىل منازلته ومقارعته مقارعة األبطال‪،‬‬
‫فهزمه وقتله وثلة كبرية من أتباعه(((‪.‬‬
‫كان ذلك آخر حدث شارك فيه املغوار ألفونسو قبل موته‪ .‬ختم سجل حياته باالنتصار‬
‫ضد مسلم خائن سنة ‪ 842‬بعدما مكث عىل عرش ملك دام حلوايل ‪ 52‬سنة ثم ووري‬
‫جثامنه الرتاب بكنيسة القديسة مريم‪.‬‬
‫لو مل تكن شجاعة ومواقف هذا امللك الصارمة ضد جشع عبد الرمحان الثاين لتقلصت‬
‫اململكة إىل ما كانت عليه يف عهد بياليو‪ .‬ومن املواقف املخزية هلذا احلاكم املسلم التقتيل‬
‫اجلامعي املتوحش الذي مارسه ضد املستعربني‪ ،‬إذ أفنى ما يزيد عن مائتي قسيس ورجل‬
‫دين يف دير كاردانية و أماكن أخرى مشاهبة((( ‪.‬‬
‫بعد ألفونسو الثاين أصبح عرش أشرتيش حمطة إرث يتداول عليه أفراد العائلة من‬
‫آباء وأبناء وأحفاد وليس كام تنص عليه القوانني القوطية املزدوجة‪.‬‬
‫وحينام توىل زمام امللك رامريو توالت املؤامرات عىل عرشه وحاول سلبه إياه الدوق‬
‫نيبوثيانو الذي استعان بامللك أبييدو‪ .‬وخالل معركة نشبت بينهم‪ ،‬فر رجاله من حوله‪،‬‬
‫فسقط أسريا وسملت عيناه ومكث يف سجنه املؤبد إىل أن مات(((‪ .‬استطاع أن يتغلب‬

‫((( حصل هذا األمر سنة ‪.733‬‬


‫((( وقع ذلك سنة ‪.738‬‬
‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.220 -219 .‬‬
‫((( دون أنطونيو كبانيليس‪ ،‬تاريخ إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.393 .‬‬
‫((( تاريخ إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.395 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪58‬‬

‫عىل مكائد وخصوم آخرين انترص عليهم كذلك وفروا إىل لوشانة وأندلسيا(((‪ .‬وقد قال‬
‫عنه املؤرخون بأنه رجل ذكي وشجاع استطاع أن حيمي مملكته الصغرية من جربوت‬
‫عبد الرمحان الثاين وأتباعه الذين فتحوا أرايض ومدن شاسعة(((‪ .‬انتهى ملك رامريو سنة‬
‫‪ 850‬بينام كان قد أرشك ابنه أردونيو يف تدبريه ليكون سندا ومالذا وسلوى للمسيحيني‬
‫الفارين من بطش عبد الرمحان الثاين‪.‬‬
‫مات اخلليفة املتوحش القايس سنة ‪ 852‬وخلفه ابنه حممد األول الذي هنج سياسة‬
‫أبيه يف قرطبة ضد املسيحيني حيث القى حتفه مئات املستعربني‪ ،‬نذكر من بينهم الوجه‬
‫املرموق والشهيد إيولوخيو من طليطلة‪.‬‬
‫انطلقت من جديد محلة رشسة ضد املسيحيني األسبان‪ ،‬مل يعهدوها من قبل‪ ،‬رغم‬
‫األحداث التي جرت يف فرتة ملك احلكم وال خيانات املسلمني املتكررة‪ .‬لقد تدفقت‬
‫أودية دماء جارية جراء تقتيلهم‪ ،‬جعلت كل تعايش مستحيال استحالة قطعية بني املورو‬
‫واملسيحيني(((‪ .‬انترشت كذلك ممارسات بني اجلند تثبط من عزيمتهم و تشوه عقيدهتم‬
‫وتدعوهم للمعتقدات اإلسالمية‪.‬‬
‫وجد أردونيو نفسه مضطرا ملواجهة املارقني عن دين أجدادهم وردهم جلادة‬
‫الصواب‪ ،‬حاول إمخاد االنتفاضة التي هبت يف أالبا ومواجهة جيوش موسى بن زياد‬
‫إىل غاية سحقها يف كالبيخو وقد كبدها خسائر فادحة يف األرواح بلغ عددها ‪ 10‬آالف‬
‫مسلام‪ ،‬كام حظي أردونيو برشف غرز نبلة يف جسم موسى الذي فر جرحيا إىل معسكر‬
‫أبنائه‪ .‬واصل امللك االسباين محلته تلك واستوىل عىل البلدة وأوقف زحف الغزاة‬
‫وهجومهم‪ ،‬كام أشهر سالحه يف وجه زيد بن القاسم‪ ،‬وايل الفرونتريا‪ ،‬دخل كذلك‬

‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪.291 ،3 .‬‬


‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.292 .‬‬
‫((( منينديث إي بياليو‪ ،‬تاريخ‪....‬اإلسبان‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.309 .‬‬
‫‪59‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫إىل سالمانكا وقورية(((‪ .‬دك أسوارها وعرب هنر الدويره لنجدة املسيحيني يف إفريقية‬
‫وغاليسيا وبدوره مل يتأخر اخلليفة حممد األول يف الدعوة للجهاد املقدس ضد املسيحيني‪.‬‬
‫ويف سنة ‪ 866‬عاد املنذر إىل قرطبة بعدما هزم الثائر ابن حفصون ومات يف أبييدو‬
‫امللك املغوار‪ ،‬أول حاكم حيمل هذا االسم يف سجل ملوك أشرتيش‪.‬‬
‫يف اليوم املوايل توىل ابنه ألفونسو الثالث احلكم لكن مؤامرة الكونت فرويال جعلته‬
‫غر سدة‬
‫يفر ويلجأ إىل قشتالة ينشد محاية حاكم غاليسيا‪« .‬وحينام علم املورو بتويل شاب ﱢ‬
‫احلكم هامجوه إلزاحته لكن ملك ليون هرع لنجدته وهزم املسلمني رش هزيمة وكبدهم‬
‫خسائر كربى»(((‪.‬‬
‫أدت اخلالفات بني ألفونسو الثالث وإخوته إىل تسلل املنذر داخل حظرية اململكة‬
‫املقدسة املسيحية‪ ،‬إال أنه أدى غاليا ثمن هجومه‪ ،‬فقد جمموعة النبالء املسلمني املحيطني‬
‫به يف قرطبة و اشبيلية ومرييدة وطليطلة‪ .‬منذ ذلك احلني أطلق عىل ألفونسو لقب الرجل‬
‫العظيم‪ ،‬كام عزز ذلك مواقف تارخيية شاهدة‪.‬‬
‫أجربت اهلزائم املتكررة جليوش املسلمني يف لوسيتانيا وثمورة أبا خالد عىل طلب‬
‫اهلدنة وكسب ود ألفونسو الذي ضمنها هلم ملدة ثالث سنني‪ .‬عمد هذا األخري كذلك‬
‫إىل تشييد سلسلة قصور عىل امتداد مملكة أشرتيش حلاميتها وحتصينها ضد الدخالء‪ ،‬ثم‬
‫قسم العرش بعد ذلك بني أبنائه بعدما افشل حماوالت عدة للمسلمني وللمعارضني‬
‫املنقلبني ضده‪ .‬وهبذا يتم تقسيم مملكة أشرتيش إذ توىل غارسيا السيطرة عىل أرايض ليون‬
‫التي أصبحت منذ ذلك احلني عاصمة لتلك اململكة وتسمى باسمها‪ .‬توجه اردونيو‬
‫نحو غاليسيا ودخل جزء من لوسيتانيا الذي كان يف حوزة املسيحيني‪ ،‬بقي فريويال يف‬
‫أشرتيش وتوجه غنثالو‪ :‬رجل الدين الزاهد إىل أبييدو بينام بقي بدون مسؤولية االبن‬

‫((( يرجع لفوينتي في كتابه تاريخ إسبانيا‪ ،‬هذا األمر إلى ألفونسو الثالث‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪ ،321 .‬وكذلك إلى أردونيو‪،‬‬
‫ص‪.311 .‬‬
‫((( كابانيليس‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.405 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪60‬‬

‫األصغر رامريو حلداثة سنه لكنه حصل الحقا عىل لقب رشيف كملك(((‪.‬‬
‫احتفظ امللك فقط بمدينة ثمورة‪ ،‬لكن قبل أن يستقر هبا زار رضيح سانتياغو‪ ،‬ويف‬
‫طريق عودته طلب من ابنه غارسيا أن يمكنه من قتال أعداء الدين واملسيح قبل موته‪.‬‬
‫مكنه ابنه من رغبته‪ ،‬كام جاء عىل لسان بعض املؤرخني‪ ،‬وهزم ابن حفصون يف طليطلة‪،‬‬
‫الذي ما فتئ هياجم احلدود املسيحية انطالقا من منابع هنر طاخو‪ .‬اخرتق ألفونسو‬
‫الثالث أرايض املورو كفارس شاب مغوار‪ ،‬أحرق مساكنهم وأرس رجاهلم‪ ،‬عاد منترصا‬
‫إىل قلعته بثمورة حيث اشتد عليه املرض ووافته املنية يف ‪ 19‬من دجنرب سنة ‪ 910‬بعدما‬
‫قىض ‪ 44‬سنة مرتبعا عىل عرش احلكم(((‪.‬‬
‫حينام توىل عبد الرمحان الثالث احلكم أرسى يف قرطبة ما يسمى باخلالفة كام كان‬
‫عليه األمر يف بغداد‪ ،‬ولقب بأمري املؤمنني‪ ،‬ورضبت السكة باسمه‪ ،‬واستعمل لقبه‬
‫لتهدئة األوضاع يف إسبانيا املسلمة‪ .‬عمد يف البداية إىل إخضاع غالب بن حفصون بعد‬
‫مواجهات عاتية يف طليطلة وجبال كوينكا‪ .‬قاد بنفسه محلة يف اجتاه شواطئ ليبانتي‪،‬‬
‫توقف يف بلنسية وأخضع التابعني البن حفصون‪ ،‬استعاد رسقسطة مزهوا بانتصاراته‬
‫وتوجه لكرس سالح املسيحيني‪.‬‬
‫استطاع غارسيا‪ ،‬ملك ليون يف مواجهاته مع العرب حتقيق بعض االنتصارات‪ ،‬وبعد‬
‫وفاته ضم أخوه أردونيو اململكة حلظرية نفوذه فصارت بذلك مملكة ليون‪-‬غاليسيا‬
‫وأثبت هذا امللك أنه جدير بأن ينحدر من ساللة ألفونسو العظيم‪.‬‬
‫استشاط خليفة املسلمني غضبا من انتصارات امللك أردونيو فجهز جيشه ملواجهته‪،‬‬
‫لكن هذا األخري هزم املسلمني رش هزيمة حيث تناثرت‪ ،‬حسب شهادة القسيس‬
‫سامبريو‪ ،‬جثث املسلمني بني أشجار الغابات واخلنادق من شنت إستيبن إىل غاية أنيشة‪،‬‬

‫((( تم ذلك بهبة‪ ،‬حسب لفوينتي‪ ،‬من راميرو نفسه إلى كنيسة أوبييدو سنة ‪.926‬‬
‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.353 .‬‬
‫‪61‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫ومل تنج إال رشذمة قليلة محلت خرب اهلزيمة إىل اخلليفة(((‪ .‬حصل هذا سنة ‪ ،912‬وعامان‬
‫بعد ذلك تكبد املسيحيون رضبة قصمت ظهورهم وجهها هلم املسلمون يف موقعة‬
‫باخلونكريا‪ .‬وبعد وفاة أردونيو الثاين توىل احلكم أخوه فرويال الثاين سنة ‪ 921‬ومجع‬
‫حتت سيطرته مملكة ليون‪-‬غاليسيا وأشرتيش‪ ،‬لكن فرتة حكمه كانت قصرية‪ .‬يف الفرتة‬
‫نفسها توىل مقاليد احلكم يف نافارا غارسيا سانشيس بن سانشو غارسيا أباركا وظهرت‬
‫يف عهده املؤسسة املشهورة بـ «قضاة قشتالة»‪ .‬خلف االبن األكرب ألردونيو فرويال الثاين‬
‫وكان يدعى ألفونسو الرابع‪ ،‬لكنه مل يكن مقاتال كسابقيه بل كان رجل دين أكرب منه‬
‫رجل دولة‪.‬‬
‫واصل عبد الرمحان الثالث محلته ليذلل املصاعب ويوحد مملكة إسبانيا املسلمة‪.‬‬
‫استطاع أن يسحق من جديد مترد سيريا إلبريا وجيان ثم دخل غرناطة حيث استسلم‬
‫الثوار الباقون دون قائد‪ ،‬ووجه اهتاممه اجتاه جعفر وريث ابن حفصون‪ ،‬وهامجه يف‬
‫طليطلة سنة ‪ 927‬بينام فر جعفر ليعلن خضوعه مللك ليون‪.‬‬
‫استطاع رامريو الثاين أن يوحد املسحيني حتت رايته وخيرج لقتال املسلمني‪ .‬توجه رشقا‬
‫وقد تقلد رئاسة اجليش ليون رامريو‪ ،‬اجتاز سلسلة جبال واد الرماد‪ ،‬أي احلد الفاصل‬
‫بني املجالني اإلسالمي واملسيحي من ناحية قشتالة ودخل جمريط‪ ،‬حطم أسوارها‪،‬‬
‫سحق ساكنتها وبقر شعبها بالسيوف‪ ،‬األمر نفسه حصل يف تالبريا ثم عاد حممال إىل‬
‫عاصمته بالغنائم والسبايا و األرسى دون أن يستطيع وايل طليطلة حتريك الساكن(((‪.‬‬
‫هلع عبد الرمحان وقائده املظفر من االنتصارات التي حققتها اجليوش املسيحية وقررا‬
‫عقاهبم وتلقينهم درسا قاسيا‪.‬‬
‫أعلنوا اجلهاد املقدس وكونوا جيشا بلغ عدد رجاله مائة ألف مقاتال مسلام‪ ،‬رابضا يف‬
‫شاطئ طورميس‪ .‬علم عبد الرمحان بخروج رامريو ملواجهته والتقى اجليشان يف شانت‬

‫((( سبق ذكره‪ ،‬ص‪.409 .‬‬


‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.424-423 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪62‬‬

‫مانكش حيث جرت وقائع املعركة‪ .‬وكاد املسيحيون أن حيققوا النرص لوال تدخل القائد‬
‫املسلم أيب حييى الذي ذهل أمام أودية دماء رجاهلم‪ .‬انسحبت جيوش اخلليفة إىل ثمورة‬
‫الستجامع قوهتم حيث توصلوا بإمدادات بلغت ‪ 20‬ألف فارسا وعاود الكرة ثانية‬
‫ملواجهة املسيحيني يف ‪ 5‬من شهر غشت سنة ‪ 939‬ليستطيعوا رفع هالهلم من جديد(((‪.‬‬
‫سنة ‪ 941‬كانت أسوار سنت إشتيبن دي غوميث شاهدة عىل مواجهة أخرى حيث‬
‫هلك عدد كبري من جنود كال املعسكرين‪ ،‬ويف سنة ‪ 944‬قال لنا الكونت‪ »:‬أرسل امللك‬
‫ردمر رسله إىل اخلليفة عبد الرمحان يطلب منه هدنة وأقرها معهم وبعث وزيره أمحد‬
‫بن سعيد مرافقا لرسل غاليسيا ليسلم عىل امللك ردمر باسمه‪ .‬استمرت هذه اهلدنة مدة‬
‫مخس سنوات عاش فيها الشعبان يف وئام وسلم وسالم»(((‪ .‬كانت تلك إذا نتائج موقعة‬
‫سانت مانكش بني املسلمني واملسيحيني بعد هزيمة «بركة القرص األبيض»(((‪ .‬سامهت‬
‫تلك اهلدنة يف إعامر عدة قرى ومدن مسيحية‪ ،‬لكن امللك رامريو اجتاز هنر دويرة من‬
‫جديد ليجرب مورو طلبرية عىل قبول مواجهات ضارية حيث فقدوا املئات من رجاهلم‬
‫وسقط يف األرس منهم أزيد من سبعة ألف رجال‪ .‬مات امللك سنة ‪ 950‬وخلفه ابنه‬
‫أردونيو الثالث الذي خرج ملواجهة املورو يف لشبونة‪ .‬غاب عن ساحة احلياة ومات كل‬
‫من رامريو الثالث‪ ،‬ملك ليون‪ ،‬كونت قشتالة فرنان غنثاليث‪ ،‬غارسيا سانشيس دي‬
‫نافارا‪ ،‬سانشو الغوردو واحلكم الثاين أيضا‪ ،‬آخر خلفاء بني أمية باألندلس وشاءت‬
‫العناية اإلهلية أن تنترص احلقيقة املسيحية عىل تعاليم رسول العرب هذه املرة أيضا(((‪.‬‬
‫خالل حكم هشام الثاين تراجعت القوات املسيحية وتكبدت خسائر فادحة‪ ،‬أقسم‬
‫املنصور اجلبار املتوحش باستئصال حتى اسم املسيح من فوق تراب إسبانيا‪ .‬ارتفع‬

‫((( سميت هذه المعركة بخندق ثمورة وحصلت ‪ 14‬يوما بعد شانت مانكش‪ .‬حسب المؤرخين المسيحيين‪ ،‬بلغ‬
‫عدد القتلى المسلمين ما بين ‪ 40‬ألفا و ‪ 50‬ألف رجال‪ ،‬األمر الذي يوضح جليا مصيبة وخسارة عبد الرحمان في‬
‫جيشه‪.‬‬
‫((( تاريخ الحكم العربي في إسبانيا‪ ،‬فصل‪ ،82 ،‬ج‪ ،4 .‬مدريد‪.1820 ،‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬ص‪.437 .‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬ص‪.250 .‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفـصـل األول‬

‫النواح يف كل األرجاء املسيحية التي حطمت كياهنا اهلزائم الواحدة تلو األخرى‪.‬‬
‫استفاد املنصور من هذه الظروف وغزا الرتاب املسيحي الذي كانت تشطره الرصاعات‬
‫والنزاعات و النعرات بني خمتلف األرس احلاكمة‪ .‬يف رأي قديسة ليون‪ »:‬نال املسيحيون‬
‫جزاءهم جراء ذنوهبم‪ ،‬إذ قتلهم املسلمون وأرسوا من بقي منهم عىل قيد احلياة‪ .‬استباحوا‬
‫املدن‪ ،‬حطموا القالع والقصور واملساكن‪ ،‬تساقطت رؤوس الساكنة كأوراق اخلريف‪،‬‬
‫وتناثرت اجلثث واألشالء يف األزقة مثل أكوام القاممة ومل ختل قرية أو مدينة من غزو‬
‫املسلمني وهجومهم(((‪ .‬لقد استطاع حاجب هشام الثاين التغلب عىل كل حماوالت مترد‬
‫وهجوم املسيحيني الذين خرسوا كثريا من مبادئهم وحسهم الوطني والديني‪ .‬استطاعت‬
‫جيوش املنصور أن تتوغل بعيدا يف األرايض املسيحية‪ ،‬رغم أن جيوش االسبان مل‬
‫ترتاجع وال جبنت أمام زحف املورو‪ .‬احتدت جيوش ألفونسو اخلامس ومحل اللواء‬
‫ميندو غنثاليث‪ ،‬وشكلت فيالق أشرتيش‪ ،‬ليون وغاليسيا جمموعة واحدة‪ ،‬ورابطت يف‬
‫قلعة النسور مرتبصة حلركة املسلمني‪ .‬انطلقت املعركة بينهم فانقض عليهم املسيحيون‬
‫كالذئاب الضارية بني قرع الطبول ومزامري احلرب‪ .‬جرح املنصور لكنه واصل القتال يف‬
‫ساحة الوغى إىل أن تم سحبه إىل خيمته مثخنا و متأملا مما أحلقه املسيحيون بفيالقه من‬
‫أذى‪ .‬تويف بمدينة سامل يف سن تناهز ‪ 63‬عاما بعدما حقق ‪ 25‬انتصارا ضد املسيحيني‪.‬‬
‫مل يرث ابنه عبد امللك بطولته وفروسيته مما شجع املسيحيني عىل النهوض جمددا وحتقيق‬
‫انتصارات أخرى‪ ،‬وبقي املؤرخون حيارى أمام موقف امللوك املسيحيني إذ كان بإمكاهنم‬
‫بعد موت عبد امللك سنة ‪ 1008‬طرد املسلمني من إسبانيا هنائيا لكنهم مل يفعلوا ذلك‬
‫جلأ األمراء العرب للملوك املسيحيني الذين كانوا حياولون الفرار بجلدهم واحلفاظ‬
‫عىل إمارهتم مهام كلف الثمن مقابل القضاء عىل إخواهنم املعارضني والطامعني يف‬
‫حكمهم(((‪.‬‬
‫تقوت اململكة املسيحية حينام انفرطت حبات عقد اخلالفة اإلسالمية بقرطبة‪.‬‬

‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.278-277 .‬‬


‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.125 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪64‬‬

‫استطاعت أن تريس دعائمها خالل فرتة ملوك الطوائف بفضل عمليات امللك فرناندو‬
‫األول الذي وصل فاحتا إىل غاية بلنسية وانتصارات رامريو األول‪ ،‬ملك أراغون‪ ،‬كام‬
‫استطاع ألفونسو الرابع أن يريس بصفة هنائية دعائم مملكة مسيحية قوية ويستأصل‬
‫املسلمني من فوق تراهبا لوال الظهور املفاجئ للمرابطني خالل موقعة الزالقة‪ ،‬الذين‬
‫أزهقوا اآلالف من أرواح املسيحيني وأضعفوا احلكم املسيحي‪.‬‬
‫يرجع الفضل مرة أخرى للعناية اإلهلية لنرصة اجلنود املسيحيني الذين بقيت يف‬
‫أعامقهم روح الدفاع عن احلق والوطن واستطاعوا مواجهة املنصور ويوسف بقيادة‬
‫ألفونسو السادس والسيد القمبيطور‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫سياسة ألفونسو السادس ‪ /‬الفارس السيد القمبيطور ‪ /‬انتصارات‬

‫ألفونسو السابع ضد األفارقة ‪ /‬سياسته من أجل عملية االسترداد‪/‬‬

‫سياسة الملوك اإلسبان لدعم إستراتيجية االسترداد إلى غاية‬

‫أواسط القرن الثالث عشر‪.‬‬


‫‪67‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫نسعى‪ ،‬من خالل هذا الفصل‪ ،‬إىل الرتكيز عىل أهم فصول سياسة ألفونسو السادس‬
‫اجتاه املورو واملدجنني اإلسبان‪ .‬لبس قلنسوة الرهبان يف دير ساهاغون فارا من أخيه‬
‫شنجول متجها نحو قرص املأمون لينزل ضيفا عىل ملك املورو بطليطلة‪ .‬حينام قتل‬
‫أخوه سنة ‪ 1072‬بأيدي بيليدو دولفوس اختاره النبالء ليرتبع عىل عرش قشتالة‪ ،‬ليون‬
‫وغاليسيا‪ .‬حتولت الصداقة بني الرجلني إىل عالقة تعاون قوية ومتينة اتفقا عىل احرتامها‬
‫وتطبيق بنودها واحتادمها ملواجهة أعدائهام‪.‬‬
‫يف بورغش‪ ،‬داخل رحاب كنيسة سانتا غادييا‪ ،‬أدى ألفونسو القسم‪ ،‬حيث واجهه‬
‫الفارس القشتايل دون لذريق دياث دي بيبار‪ .‬تسبب ذلك احلدث‪ ،‬حسب رأي املؤرخني‪،‬‬
‫يف العداوة واحلرب التي شنها امللك عىل بطل برغش وقشتالة‪ .‬مل يتوان ألفونسو يف‬
‫مساعدة ملك طليطلة خالل حربه ضد ملوك قرطبة وإشبيلية‪ ،‬وحدا جيشهام وسقطت‬
‫املدينتان يف أيدي املأمون‪ .‬تويف هذا األخري سنة ‪ 1076‬وعاد ألفونسو إىل جمال ملكه ‪.‬‬
‫اإلتفاق نفسه أبرمه مع هشام القادر إبن ملك طليطلة اهلالك لكنه نقضه عىل عهد األخ‬
‫األصغر حييى القادر باهلل‪ .‬تنكر ألتباعه ولدينه واتفق مع املسيحيني ضد ذويه مما دفعهم‬
‫إىل طلب محاية ألفونسو‪ ،‬الذي استنجد به يف اآلن نفسه ملك إشبيلية املعتمد بن عباد ضد‬
‫حاكم طليطلة ‪ .‬سقطت هذه األخرية يف يده سنة ‪ 1085‬ورجعت إىل عهدها كام كانت‬
‫يف زمن القوط ‪ ،‬يعلو جدراهنا الصليب فأصبحت بذلك عاصمة امللك املسيحي يف‬
‫إسبانيا‪ .‬وخالل عملية االسرتداد اعتمد امللك ألفومسو عىل القسيس برناردو رئيس دير‬
‫ساهاغون إىل أن قطع عالقته بملك املورو يف إشبيلية ‪ .‬استنجد هذا األخري باملرابطني يف‬
‫إفريقية‪ ،‬ذلك اجلنس الرببري الذي أبىل يف معركة الزالقة وأضعف مملكة ألفونسو‪ .‬هل‬
‫كان هذا األمر عقابا من السامء جزاء تساحمه مع ملك املورو بطليطلة ؟ خالل إقامته هبا‬
‫تأقلم ألفونسو السادس مع عادات وتقاليد العرب‪ ،‬األمر الذي ساعده عىل العيش خالل‬
‫منفاه ‪ .‬لقد كان متقنا للغة العربية وأدب املسلمني‪ ،‬األمر الذي جعل منه عنرصا مهام يف‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪68‬‬

‫أوساط املورو‪ .‬كان وفيا لسياسة أبيه التوسعية وعمد إىل إفقار املورو قبل مهامجتهم ‪ .‬كان‬
‫يتمتع بحس ديبلومايس رفيع ويتقن «املناورة والتشاور»((( ‪ .‬ارتكزت سياسة ألفونسو‬
‫السادس يف البداية عىل التحكم مبارشة يف تراب املسلمني ليرتكهم الحقا يتصارعون فيام‬
‫بينهم‪ ،‬األمر نفسه حصل مع حييى بن املأمون‪ .‬استفاد كذلك من وضع النزاع واحلروب‬
‫والرصاعات بني ملوك الطوائف‪ ،‬كام أشار إىل ذلك املؤرخ فرينانديث إي غونثاليث(((‪،‬‬
‫ومل يقهره إال االتفاق الذي تم بني املرابطني وهؤالء امللوك املورو يف إسبانيا وشكلوا‬
‫عليه خطرا‪ .‬سنة ‪ 1092‬استوىل املرابطون عىل بلنسية بعد موت القادر الذي كان يعيش‬
‫يف ظل محاية املسيحيني‪ ،‬ولوال بطولة السيد القامبيطورما كان مللك قشتالة أن يصمد‬
‫أمامهم‪ .‬استطاع ألفونسو أن يؤمن حدود مملكته ويريس هبا االستقرار واألمان إىل درجة‬
‫أنه خالل أواخر أيام حكمه كانت تستطيع العجوز والطفل أن يسريا دون اخلوف عىل‬
‫نفسهام أو ماهلام(((‪.‬‬
‫ما اليمكننا رشحه هو موقف ألفونسو السادس اجتاه املستعربني إذا قارنا معاملته‬
‫ومحايته الرسمية للمدجنني‪ ،‬رغم أنه يف احلقيقة‪ ،‬حسب رأي ساندوبال يف حديثه عن‬
‫سنة ‪ ، 1106‬كان حتت حكم بيدروليون مستعربون يتظاهرون فقط باملسيحية وكانوا‬
‫أسوأ من املورو أنفسهم‪ .‬حينام علم امللك بخيانتهم وعدم وفائهم لدينهم املسيحي رمى‬
‫هبم إىل مالقة وحدود خارجية أخرى ليعربوا من خالهلا إىل إفريقية (((‪ .‬سنرتك املستعربني‬
‫يئنون ويتأملون يف منفاهم يرجون من رب املسيحيني الرمحة واحلرية ولنركز اهتاممنا عىل‬
‫الفارس املغوار القشتايل الذي حيارص أحواز بلنسية وجياهر بعداء القايض ابن جياف‬
‫وأتباعه‪ .‬حسب املؤرخني ساد توتر رهيب إثر غضبة امللك ألفونسو ضد السيد وهو‬
‫يؤدي مراسيم القسم يف كنيسة سانتا غاديا بربغش‪ ،‬األمر الذي أدى إىل هناية ِمؤملة سنة‬

‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.32 .‬‬


‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.38 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.57 .‬‬
‫((( تاريخ ملوك قشتالة وليون‪ ،‬دون فرناندو العظيم‪ ،‬فصل ‪ ،24‬ج‪ ،1 .‬طبعة بامبلونا‪ ،‬كارلوس دي البايين‪.1615 ،‬‬
‫‪69‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫‪ 1080‬قضت بنفي روي دياث((( ‪ .‬انتقل ردريغو إىل برشلونة بعد خالفه مع ألكونت‬
‫بريينغري رامون ثم إىل رسقسطة حيث عقد معاهدة مع ملكها‪ .‬تال ذلك معاهدة أخرى‬
‫مع املستغني حاكم رسقسطة لكي جيرب حاكم دينية عىل االنسحاب كام كان يرجو القادر‪.‬‬
‫وحينام متكن السيد من هدفه رفض أن يزيح ملك بلنسية عن احلكم ألنه كان ملتزما بدفع‬
‫اجلزية مللك قشتالة ألفونسو((( ‪ ،‬وهبذا املوقف عرب دون ردريغو ليس فقط عن وفائه مللكه‬
‫الرشعي ولكن برهن كذلك عن حنكة سياسية عالية‪ .‬لقد لعب دورا دبلوماسيا مهام(((‪،‬‬
‫كان صديقا للقادر وحليفا للمستغني واملنذر وخادما وفيا أللفونسو‪ .‬عمل عىل تشتيت‬
‫جهود املسلمني ليسهل طريق احلرب املقدسة ملعشوقته قشتالة‪ .‬بدوره‪ ،‬مل يتنكر ألفونسو‬
‫للجميل وال لأليادي البيضاء التي قدمها دون لذريق‪ ،‬قبل لقاءه وتلقى بيعته(((‪ .‬بعد‬
‫أن أغدق عليه هذا األخري من نعمه ورضاه‪ ،‬اجته نحو بلنسية عىل رأس جيش مكون‬
‫من ستة آالف رجال مقاتال‪ ،‬كلهم مستعدون للقتال من أجل رفع راية قشتالة عاليا(((‪.‬‬
‫خالل مروره بألرباثني عقد اتفاقا مع حاكم املورو الذي خضع إىل ألفونسو وقام بسلوك‬
‫يندى له اجلبني‪ .‬انسحب بجيوشه من صفوف املستغني وحليفه كونت برشلونة اللذين‬
‫كانا حيارصان القادر‪ .‬التزم هذا األخري بدفع ألف دينار شهريا إىل دون لذريق مقابل‬
‫محايته هلم‪.‬‬
‫واصل السيد القمبيطور مسريته ووقف بجانب امللك ضد حتالف املرابطني والعرب‪.‬‬
‫انسحب املسلمون حينام علموا بأنه يتوجه نحوهم يف جيش عرمرم إىل جانب فيلق امللك‬
‫حلامية لييط‪ .‬استغل دون ردريغو تأخر جيوش امللك فتقدم بنفسه‪ ،‬خصوصا وأن هذا‬

‫((( دوزي‪ ،‬أبحاث حول التاريخ السياسي واألدبي ألسبانيا خالل القرون الوسطى‪ ،‬ليدين ‪ ،1849‬الفصل األول‪،‬‬
‫ص‪ .706-320 .‬دون مانويل مالو دي مولينا‪ ،‬ردريغو القمبيطور‪ ،‬المطبعة الوطنية‪ ،‬مدريد‪ ،1857 ،‬ص‪.32-31 .‬‬
‫((( مالو دي مولينا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .75 .‬أكده دوزي بدوره في كتابه أبحاث‪ ،...‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.484 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪ ،58 .‬لقد سبقت اإلشارة إلى اإلتفاق بين ألفونسو السادس وملك طليطلة المورو‪ ،‬وقد أكذ ذلك أيضا‬
‫دوزي‪ ،‬ص‪.462 .‬‬
‫((( دوزي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .486 .‬مالو دي مولينا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.60 .‬‬
‫((( مالو دي مولينا‪ ،‬سبقذكره‪ ،‬ص‪.61 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪70‬‬

‫األخري عاد ملناوشته والتضييق عىل أفراد عائلته من جديد إذ جردهم من ممتلكاهتم وزج‬
‫بزوجته دونيا خيمينا وبناته يف السجن‪ .‬أحس الفارس باإلهانة وانسحب من مولينا إىل‬
‫إلتيش حيث قىض عيد الفصح‪ ،‬ثم استوىل الحقا عىل بولوب غري بعيد عن ألكانتي‪،‬‬
‫القرص الذي كان املورو خيفون فيه كنوز وممتلكات املنطقة‪ .‬اجته نحو تربينا ثم بلنسية‬
‫وتوجه بعد ذلك نحو طرطوشة حممال باألموال والغنائم‪ .‬استوىل عىل مريابيت حيث‬
‫كان يتحصن املنذر‪ ،‬حاول هذا األخري أن يتحالف مع كونت برشلونة لكن النتيجة‬
‫احلتمية هلذا اإلتفاق انتهت هبزيمة القشتاليني يف موقعة توبار ديل ݒينار‪ ،‬املكان الذي‬
‫كانت ترابط فيه جيوش الفارس املنترصة‪ .‬خاف املنذر من نتائج تلك اهلزيمة وتويف أياما‬
‫قليلة بعد ذلك‪ .‬تسابق أبناؤه نحو السيد لرشاء أمن مملكتهم مقابل مبلغ سنوي وصل‬
‫إىل مخسني ألف دينار‪ « .‬املسلك نفسه انتهجه باقي احلكام وأمراء القصور إذ هرعوا‬
‫نحوه لرشاء أمنهم وأماهنم‪ :‬وافق إبن هذيل عىل آداء عرشة آالف دينار‪ ،‬استخلص من‬
‫ابن القاسم‪ ،‬حاكم ألبوينتي املبلغ نفسه‪ ،‬من حاكم موربييدرو ستة آالف دينار ومن‬
‫سيغوريب كذلك‪ ،‬وعىل أربعة من شرييكا‪ ،‬وثالثة آالف من املنارة‪ ،‬وإثنا عرش ألف من‬
‫القادر حاكم بلنسية‪ ،‬الذي كان يؤدي املبلغ نفسه ألحد القساوسة املوفدين من طرف‬
‫امللك ألفونسو(((‪ .‬وبمبلغ كان يتجاوز املائة ألف دينار استطاع الفارس السيد هنج‬
‫سياسة توازي سياسة امللك ملواجهة املسلمني‪ .‬إال أنه يتعرض مرة أخرى لغضب ملكه‬
‫كام أكد ذلك عدد من املؤرخني وقرر أن ينسحب من جمال احلرب ويعتزل ليستقر يف‬
‫بني قادل(((‪ ،‬وهناك عمل عىل حتصني وتقوية قالع القرص الذي سيشكل الحقا نقطة‬
‫انطالق كل محالته‪ .‬هبذا العمل ارتعدت فرائس كل احلكام املحيطني به متخوفني من‬
‫هجوم مباغت عىل أراضيهم(((‪.‬‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪ ،76 .‬فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،15 .‬قال بأن أبناء المنذر كانوا يؤدون ‪ 40‬ألف مثقاال‪.‬‬
‫((( قصر بينيا كادييال‪ ،‬ذكرته الوثائق التاريخية في قصيدة السيد‪ .‬توجد هذه القرية في مرتفع يفصل بين البيضاء‬
‫وكنثيتانيا على مشارف دانية‪ .‬أرشيف دانية‪ 29 ،‬يوليوز ‪ ،1886‬ذكره خوليان ريبيرا‪.‬‬
‫((( مانويل جوزيف كنتانا‪ ،‬حياة االسبان المشاهير‪ -‬السيد‪ ،‬ص‪ ،22 .‬طبعة ‪.1811‬‬
‫‪71‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫خرج السيد القمبيطورمن قرصه متوجها نحو بلنسية حيث وجد فيها القادر طريح‬
‫الفراش ثم واصل نحو موريال بعدما ترك املدينة حتت إمرة القسيس دون خريونيمو دي‬
‫برييغورد وأتباعه‪ .‬حني وصوله إىل وجهته سلمت له بورخا ودخلها فاحتا حيث استقبل‬
‫مبعوث املستعني الذي يشتكي من مضايقة ملك أراغون ونافارا‪ .‬تنبه إىل أن تسليمه‬
‫بورخا كان فخا فأرسع إىل رسقسطة ملساعدة املستعني‪ ،‬لكن سانشو حاكم نافارا اعرتض‬
‫طريقه ليتفقا الحقا عىل عدم إزعاج حاكم املورو يف رسقسطة‪.‬‬
‫اعتقد امللك ألفونسو السادس بأن ساعة دخول بلنسية قد حانت بمساعدة ساكنة‬
‫بيسا وجينوفا مستغال غياب الفارس السيد‪ ،‬لكن حينام علم هذا األخري باخلرب خرج‬
‫من رسقسطة إىل ناخريا والقلعة احلرة مستوليا عىل بعض املناطق غازيا احلقول وسط‬
‫قوة ضارية أتت عىل األخرض واليابس‪ .‬اجتاح لوغرونيو ‪ ،‬مقر إقامة ألكونت غارسيا‬
‫أوردونييث‪ ،‬الذي كان حيىض برضا ألفونسو و يعتمد عليه يف توجيه رضبات متتالية‬
‫لدون لذريق‪ .‬حينام علم ألفونسو السادس بخطوات السيد مل ينتظر وصول الدعم‬
‫اخلارجي فتوجه نحو قشتالة‪ .‬ويف الظروف نفسها حصل حدث مهم‪ ،‬بداية اسرتجاع‬
‫بلنسية من طرف القوات املسيحية‪.‬‬
‫اتفق ابن جياف مع املرابطني وبعث أحد رجاله الغتيال السلطان القادر دون أن‬
‫يتمكن من االستيالء عىل العرش ألن بلنسية كانت يف قبضة جمموعة من الوجهاء‪.‬‬
‫كتب السيد إىل إبن جياف معاتبا متهمه باخليانة ومطالبا بمحصول أراضيه املخزون يف‬
‫بلنسية‪ ،‬أخربه القايض بأن املخازن قد رسقت عن آخرها إال أن السيد استشاط غضبا‬
‫وهدده باالنتقام ملوت القادر‪ .‬توجه نحو بلنسية ورابط يف سيبويا حيث حصل عىل الزاد‬
‫واملؤونة‪ ،‬مل يستخلص اجلزية التي كان يؤدهيا له املورو فحسب‪ ،‬ولكن حصل أيضا عىل‬
‫دعم قدمه له أمراء القصور‪ .‬خاف ابن جياف من وعده ووعيده فاستنجد بيوسف بن‬
‫تاشفني لكن دون ردريغو وصل قبل ذلك إىل قرص القايض اخلائن فاستوىل عىل ممتلكاته‬
‫وأفراد عائلته‪ ،‬حطم مساكنه وأخضع املناطق املجاورة له و كذلك املسلمني املقيمني يف‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪72‬‬

‫بيالنويبا والكدية‪ .‬قوى السيد أسوار املدينة وقالعها متوجسا من غدر القادر وسلم‬
‫املدينة إىل بني طاهر(((‪ .‬كانت تلك احلارضة غارقة يف احلزن والتوجس و رسعان ما عاد‬
‫بنو جياف يتوسلون دون لذريق ويعدونه بجزية أكرب(((‪ ،‬استمرت حالة الرتقب واهللع‬
‫يف املدينة((( إىل أن دخلها الفارس دون ردريغو فاحتا يوم اخلميس ‪ 15‬يونيو ‪.1094‬‬
‫سلم املورو سكان املدينة القايض إىل السيد القمبيطور مقتنعني بأنه سبب الشؤم عىل‬
‫مدينتهم‪ ،‬وأودع يف غيابات السجن‪ .‬ولكي حيكم قبضته عىل معشوقته بلنسية فرض‬
‫السيد رشوطا قاسية عىل ساكنتها املهزومة‪ ،‬فضل رجاهلا اخلروج منها عىل ترك ديانتهم‬
‫وعقيدهتم و استوىل املسيحيون عىل مساكن املسلمني يف املدينة وقتل السيد القايض رش‬
‫قتلة انتقاما منه ملوت القادر(((‪ ،‬كام أحلق املصري نفسه بأتباعه‪ .‬دخل السيد املدينة اخلصبة‬
‫اجلميلة يف سلم وسالم وعمد يف البداية إىل إرساء وتقوية سياستها الداخلية‪ .‬أقام يف‬
‫البداية كنائس لنرش وتقوية العقيدة النرصانية وشدد عىل املسيحيني باملدينة واألرباض‬
‫املتامخة هلا بالتعامل الالئق مع العرب مناشدا هدنتهم وصداقتهم تفاديا لكل مترد حمتمل‪.‬‬
‫حكمهم بعدل وسمح هلم بمامرسة عاداهتم وشعائرهم ومعتقداهتم كاملة(((‪.‬‬
‫أراد السيد القمبيطور أن يبسط نفوذه عىل املناطق املجاورة فقبل برسور بالغ صداقة‬
‫دون بيدرو األول بأراغون وأتباعه النبالء نظرا لسيطرته عىل موقعني اسرتاتيجيني‬
‫هامني‪ :‬قرص أولوكاو وإقامة سيريا‪ ،‬وذلك كخطة لدخول لرييا وساغونتو بعد ذلك‪.‬‬
‫األمر الذي مكنه من مواجهة املرابطني يف حماولتهم لدخول بلنسية‪ ،‬منطلقني من مرسية‬
‫وهم حياولون مباغتته قرب شاطبة‪ .‬استطاعت قوات السيد و دون بيدرو تأمني قرص‬

‫((( هكذا يسميهم فرنانديث إي غنثاليث‪.‬‬


‫((( انظر فصول مرجع سبق ذكره‪ ،‬لفرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬ص‪.53 .‬‬
‫((( صالة تقام على الجنازة من طرف أحد المورو من فوق مرتفعات بلنسية حينما حاصرها المسيحيون‪ ،‬مالو دي‬
‫مولينا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.157-150 .‬‬
‫((( انظر تفاصيل أكثر في مولينا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .133 .‬كبانيليس‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،143 .‬سبق ذكره‪ ،‬وقد سبق نشر هذه‬
‫المرثية في عدة مراجع أخرى‪.‬‬
‫((( دي مولينا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.136 .‬‬
‫‪73‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫بني قادل بينام استوىل املسلمون عىل قرص بريين‪ ،‬موقع اسرتاجتي هام‪ .‬توجهت القوات‬
‫املسيحية ملالحقة العدو الذي كاد هيزمها لكنهم تكبدوا خسائر بعد ذلك وفروا حينام‬
‫قوى السيد عزيمتهم مستعينا باملسيح وداعيا أتباعه إىل جهاد مقدس‪ .‬األمر الذي دفع‬
‫باألعداء إىل الرتاجع تاركني وراهم قرص بريين يف قبضة املسيحيني‪ .‬وبعد عودته إىل‬
‫مدينته املفضلة بلنسية حارص السيد املنارة التي دخلها املسيحيون فاحتني ثم ساغونتو‬
‫بعد حماوالت متعددة وذلك يف الرابع والعرشين من يونيو سنة ‪ ، 1098‬وحسب أحد‬
‫املصادر العربية((( مل يعش السيد طويال بعد ذلك وأودع قربه يف بلنسية شهر يوليوز‬
‫‪.1099‬‬
‫أشاد املؤرخون بشخصيته البطولية ومالمحه الباهرة ودوره الرائد يف حماربة املورو‬
‫خالل معارك االسرتداد كام وصفه املؤرخ كابانيليس((( ‪ .‬لقد لعب امللوك الكاثوليكيون‬
‫خالل تلك الفرتة دورا هاما يف محاية األمراء املورو وتأجيج الرصاع بينهم يف اآلن نفسه‪.‬‬
‫ورغم سياسة التحالف والتسامح التي هنجها املسيحيون اجتاه املسلمني‪ ،‬مل يستطيعوا‬
‫خلق التآلف واالنصهار بني الغالب واملغلوب‪ ،‬ويف مواقف متعددة اضطر املسيحيون‬
‫ملهادنتهم حتى يتمكنوا من غلبتهم واستئصاهلم‪ .‬األمر الذي يمكننا من فهم موقف‬
‫السيد الذي كان هيادن بعض ملوك املورو ليس خوفا منهم وال ضعفا وال خيانة لألمانة‬
‫وال تساحما وإنام احتياطا وتقية سياسية‪ .‬كان معتادا عىل التعاون والتحالف مع ملوك‬
‫املورو ليحتفظ هبم حتت نظرته وسيطرته حتى يسهل عليه الحقا تدمريهم دون شفقة‬
‫أو رمحة لتحقيق اهلدف األسمى حلروب االسرتداد اإلسبانية «الريكونكيستا»‪ .‬إال أن‬
‫بعض املصادر تعيب عليه عدم وفائه حللفائه ملوك املورو‪ ،‬قسوته اجتاه املغلوب كان‬
‫عربيا أو مسيحيا‪ ،‬حبه املفرط للامل والثروة‪ ،‬لكن إذا وضعناه يف سياقه التارخيي ليس‬
‫مقارنة مع امللوك املسلمني بل مع ألفونسو السادس نفسه نجده يتطابق معه ويشبهه يف‬

‫((( هكذا ورد في ص‪ ،590 .‬من كتابه « أبحاث‪ ،»...‬ج‪.1 .‬‬


‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 ،‬ص‪.134 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪74‬‬

‫سلوكات متعددة‪ .‬لقد لعب دورا كبريا يف مساعدة ملك برغش البطل إلرساء الدعائم‬
‫األوىل للمملكة اإلسبانية خالل القرن احلادي عرش‪.‬‬
‫كانت بلنسية وضواحيها اخلصبة تشكل طعام شهيا للمرابطني ومل يكن ألفونسو‬
‫السادس رغم جمهوداته اجلبارة وال دون خايمي بدعمه وحلفائه املستعربني ليحررا‬
‫تلك املدينة من قبضة املورو لوال اجلهود املتكررة والدفاع املستميت الذي أبداه السيد‬
‫القمبيطور اجتاهها‪.‬‬
‫منذ دخول دون ردريغو إىل املدينة أصبح الفرسان خيضعون لطقوس دينية خاصة‪،‬‬
‫كام أن استمرار القسيس خريونيمو دي برييغور ساهم يف إقامة الكنيسة الكتدرائية و‬
‫إنشاء عدة كنائس أخرى باملدينة وخارجها‪ .‬بدورها حكمت دونيا خيمينا‪ ،‬زوجة دون‬
‫ردريغو‪ ،‬بأيادي من حديد إىل جانب القسيس املذكور إىل غاية ‪ ، 1101‬وعملت بشكل‬
‫كبري عىل تعزيز و ترسيخ النواة املسيحية التي استمرت رغم املشاكل والقالقل إىل غاية‬
‫الثلث األول من القرن الثالث عرش‪ .‬إال أن الظهور املفاجئ للمرابطني املتوحشني مكنهم‬
‫من احتالهلا يف اخلامس من مايو سنة ‪ 1102‬ومل خيرجوا منها إال بقوة الفارس املغوار‬
‫الذي طردهم سنة ‪ 1238‬وعرض احلامية عىل العدد املحصور من املستعربني الذين‬
‫مكثوا قرب املعبد وبضواحي سان بثينتي دي الروكيطا‪.‬‬
‫استطاعت دونيا خيمينا أن حتفظ رفات زوجها وتنقلها إىل سان بيدرو ديكاردانية قبل‬
‫أن تدخل جيوش يوسف بن تاشفني مدينة بلنسية‪ .‬عمل كذلك ألفونسو السادس عىل‬
‫تقوية صفوف جيشه بعد خسارة موقعة الزالقة إال أنه خالل ‪ 1108‬تكبدت القوات‬
‫اإلسبانية خسائر أخرى يف معركة أوقليش والتي مات خالهلا عدد كبري من اجلنود‬
‫املسيحيني يف عمر الزهور‪ .‬كانت فاجعة ألفونسو الكربى يف موت ولده وفلذة كبده وقد‬
‫حتدث املصادر التارخيية عن حزنه العميق وآساه إذ كان يردد باستمرار‪ « :‬آه ياولدي((( آه‬
‫يا قرة عيني وفلذة كبدي‪ ،‬يا هبة السامء وفرحة قلبي‪ ،‬يا أميل يف احلياة كيف أعيش بعدك‬
‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪.442 ،4 .‬‬
‫‪75‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫وعيناي لن تعودا أبدا لرؤيتك واالستمتاع بطلعتك؟ آه يا وارث العرش الرشعي؟ أهيا‬
‫الفارس املغوار ملاذا تركتني وابتعدت عني؟ بحق السامء أخربوين كيف أستعيد ابني»‪.‬‬
‫توالت املصائب عىل ألفونسو الذي رزئ يف ابنه وفقد إيسابيل وصهره الكونت‬
‫رامون دي غاليسيا‪ .‬رسعت هذه الوقائع املتتالية بوفاة امللك الذي وافته املنية يف الثالثني‬
‫من يونيو سنة ‪.1109‬‬
‫ويف خضم تلك األحداث تقدمت القوات األراغونية بخطى متسارعة يف حرب‬
‫اإلسرتداد واستولت عىل ألكراث وويشقة‪ ،‬املركز الذي كان املورو هيامجون من خالله‬
‫جيوش أراغون‪ .‬استطاعت القوات الكتالنية أن خترج اخلونة من طراغونة إال أن دونيا‬
‫أوراكا‪ ،‬التي اعتلت العرش‪ ،‬مل تنظر بعني الرىض إىل ذلك األمر ألن البطل املقاتل‬
‫ً‬
‫ألفونسو كان قد وضع حتت رعايته مورو وهيود برغش ومحاهم من بطش قساوسة‬
‫(((‬
‫ساهاغون‬
‫أصبح حلم مملكة إسبانيا املوحدة ممكنا يف ظل ملكي قشتالة وأراغون إال أن رجال‬
‫الكنيسة شعروا باالستياء اجتاه محاية ومعاملة ألفونسو السادس ودون رودريغو‪ ،‬اللذين‬
‫بذال كل طاقتهام وقوهتام لتحقيق الوحدة الرتابية إلسبانيا‪ .‬مل تستمر هذه الوحدة التي‬
‫رسعان ما انرصمت بسبب افرتاق الزوجني‪ ،‬حكمت دونيا أوراكا إىل جانب إبنها األمري‬
‫ألفونسو رايموندو مملكة قشتالة وليون بينام وجد الزوج نفسه مضطرا للعودة إىل موطنه‬
‫بعد مواجهاته يف كانديسبينا و بيادانغوس جليوش أوراكا‪ .‬مل يتأخر املسلمون يف حماولة‬
‫استغالل الظروف إال أن العناية اإلهلية كانت حتيط بإسبانيا وحتميها من الدخالء‪ .‬مل‬
‫هيدأ بال الزوج املخلوع واجته ملحاربة اجليوش اإلفريقية املرابطة يف أرايض أراغون‪ ،‬يف‬
‫الفرتة نفسها استطاع كونت برشلونة دون رامون الرابع أن حيارص ويستويل عىل إبيثا‬
‫وباملا دي مايوركا‪ ،‬ويطارد القراصنة األفارقة‪ .‬مل يتجسد نرص امللك يف االستيالء عىل‬
‫إخييا‪ ،‬تاوستي وكاستيال ولكن يف دخول رسقسطة‪ ،‬بعد معاداة مورو لرييدا واملتامخني‬
‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.61 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪76‬‬

‫لبلنسية‪ .‬ويف وقت وجيز التحق بعرش امللك سكان بورخا‪ ،‬طاراغونا‪ ،‬قلعة أيوب‪،‬‬
‫ماليو‪ ،‬ماغالون‪ ،‬غريال‪ ،‬وآخرون‪ .‬وقد تغلب األراغوين يف معركة كوتاندا عىل جيش‬
‫يتكون من عرشين ألف مسلام كانوا حياولون عبور جبال الربانس‪ ،‬توغل بعد ذلك يف‬
‫مناطق حميطة ببلنسية ثم واصل ليستقر بألكراث‪ .‬وبمساعدة املستعربني األندلسيني نقل‬
‫جيوشه إىل باحة غرناطة‪ .‬لوال العوامل اجلغرافية ألصبحت أندلسيا جزءʺ ال يتجزأ من‬
‫مملكة أرغون‪ ،‬أدت مالحقة املورو بامللك إىل اهلروب واالحتامء برتاب مملكتهم سنة‬
‫‪ .1126‬يف السنة نفسها توفيت ملكة قشتالة دونيا أوراكا وخلفها أبنها ألفونسو السابع‬
‫ليحكم عرش ليون‪ ،‬ويف سنة ‪ 1134‬أراد املقاتل أن يستويل عىل مدينة فراغا لكنه سقط‬
‫قتيال عىل يد املرابطني((( وبعض نبالء ووجهاء أرغون‪ .‬تقيد مصري اململكة بالوصية التي‬
‫دونت سنة ‪ 1131‬يف بايونا وتم تعديلها سنة ‪ 1133‬يف حصن سارينييام(((‪ .‬وبموت‬
‫املقاتل ملع نجم إبن دونيا أوراكا الذي مل يقنع بالعرش الذي ورثه عن أمه وال باملواالة‬
‫التي أبداها له ملوك نافاراو أراغون وكونت تولوسا وبرشلونة‪ .‬ويف الثالث من يونيو‬
‫سنة ‪ 1135‬خالل اجتامع دعا إليه قرص ليون وعقد يف كنيسة ساتنا ماريا جمد امللك‬
‫القداس وأطلق عليه أسم حاكم وسيد امللوك‪ .‬حسب أحد املؤرخني‪ « :‬كان امللك يلبس‬
‫يف ذلك اليوم رداءʺ غاليا جدا وتاجا مرصعا باجلواهر الثمينة الغالية‪ ،‬وصوجلانا فاخرا‪،‬‬
‫وقف عن يمينه امللك غارسيا وعن يساره دون أريانو قسيس ليون ووراءه ثلة من‬
‫الرهبان ورجال الدين األشاوس الذين قدموه خالل الطقوس الكهنوتية لسانتا ماريا‬
‫وهم يرددون ‹›ليعش اإلمرباطور»‪.‬‬
‫وسط حشد من التصفيق واإلعجاب حصل عىل رضا الكنيسة والرب ومواالة‬

‫((( رغم أن الوثائق التاريخية العربية تقول بأن الملك ألفونسو المقاتل قد مات في فراغا‪ ،‬يؤكد كبانييس‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.‬‬
‫‪ ،781‬تاريخ إسبانيا‪ ،‬بأنه تمكن من الهرب من مكان الهزيمة فتبعه ‪ 01‬قواد‪ ،‬ومن سرقسطة عبر إلى سان خوان دي ال‬
‫بينيا‪ ،‬حيث توفي ثمانية أيام بعد ذلك»‬
‫((( كابلنيليس‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،188 .‬قال بأن الوصية التي تركها السيد القمبيطور في بايونا‪ ،‬تم التأكيد عليها‬
‫في فراغا‪ ،‬ثالثة أيام قبل الهزيمة‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫وطاعة أتباعه‪ .‬وجتسيدا للحلة التي وشح هبا واللقب الذي تقلده‪ ،‬أصدر اإلمرباطور‬
‫أوامر بإتباع عادات وقوانني كان قد أصدرها قبله ألفونسو البطل إذ أمر بإعامر املدن‬
‫وغرس األشجار واملزارع إلظهار عالمات الرخاء والتقدم يف جماله الرتايب‪ ،‬كام أنه أعطى‬
‫تعليامت لقواده يف طليطلة وسكان احلدود بأن يتوخوا احلذر ويعيشوا عىل أهبة لردع‬
‫املسلمني وقتاهلم عىل طول أيام السنة دون رمحة أو شفقة الستئصاهلم‪ ،‬وأن يستولوا عىل‬
‫مساكنهم ودورهم وكل ممتلكاهتم حتى وإن اضطروا لتحقيق ذلك باحلديد والنار‪ ،‬من‬
‫أجل إرساء الدين والقانون املسيحيني(((‪ .‬كانت هذه هي روح السياسة التي انتهجها‬
‫واتبعها ألفونسو السابع‪ ،‬الويف لدينه وملبدإ أجداده‪ .‬عىل مشارف الوادي الكبري كان‬
‫يتطلع إىل أرايض مملكته املمتدة إىل جيان‪ ،‬بييثا‪ ،‬أوبيدا‪ ،‬أندوجر ومدن أندلسية أخرى‪.‬‬
‫كبد املرابطون اجليش املسيحي خسائر فادحة انتقاما ملا حصل لبني جلدهتم ووصلوا‬
‫إىل حمارصة أسوار طليطلة التي كانت توجد هبا آنذاك اإلمرباطورة دونيا برنگيال‪ ،‬لكنهم‬
‫تراجعوا بسبب سلوكها النبيل‪ .‬استغل ألفونسو السابع الرصاع بني العرب واملرابطني‬
‫فاحتل أملرية‪ ،‬القلب النابض واملركز االسرتاتيجي للعالقات بني أوربا‪ -‬آسيا وإفريقية‬
‫وميناء هام ململكة قشتالة‪ .‬لكن املرابطني استطاعوا أن هيزموا عرب ومسلمي إسبانيا‪،‬‬
‫األمر الذي كان يدفع هبؤالء للتحالف دائام‪ ،‬ليس مع عرب مثلهم ولكن مع امللوك‬
‫اإلسبان ضد الرببر‪ .‬وهكذا اهنزم هؤالء واستسلم العرب وخضعوا للمسيحيني بدل‬
‫أن يتحملوا إهانة جيش إفريقي آخر‪ ،‬ثم حتالفوا الحقا مع املوحدين للتخلص من‬
‫املرابطني(((‪ .‬كانت وقعة هذا التحالف اجلديد بني مسلمي إسبانيا واملوحدين شديدة عىل‬
‫الفونس السابع الذي واجههم دفاعا عن أملرية وسنة ‪ 1157‬هزمهم مستعينا بحلفائه‬
‫وطاردهم يف جيان‪ ،‬قرطبة ومدن أندلسية أخرى‪ .‬لقد كان هلذا اإلمرباطور الفضل يف‬
‫ترسيع القضاء عىل جنس املسلمني وطردهم من إسبانيا بمساعدة حلفائه واملدجنني‬

‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.66 .‬‬


‫((( سبق ذكره في لفوينتي‪ ،‬ج‪ ،5 .‬ص‪ 85 .‬وما بعدها‪ ،‬جذور وتطلعات هؤالء األفارقة في إسبانيا‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪78‬‬

‫الذين كانوا يف خدمتهم واألموال التي كان حيصدها من املورو مقابل محايتهم‪ .‬أرسى‬
‫هذا امللك العظيم إسرتاجتية هامة وفعالة لعملية االسرتداد فكان للوحدة الدينية أثر بالغ‬
‫يف حتقيق الوحدة الرتابية إلسبانيا‪.‬‬
‫حسب املؤرخني لعب ألفونسو السابع دورا بالغا ومهام يف مجع شتات إسبانيا‬
‫وتوحيدها ودخول بورغونيا‪ ،‬ريوخا ووسع جمال الفيودالية ودفع احلدود املسيحية إىل‬
‫غاية الوادي الكبري‪ ،‬واحتل مورا كالرتافا‪ ،‬أورخيا‪ ،‬املرية‪ ،‬وكورية‪ ،‬وهزم املورو يف مواقع‬
‫متعددة‪ ،‬كبدهم خسائر فادحة وجعلهم يعيشون أوقاتا عصيبة (((‪ .‬للسيطرة عىل مملكته‬
‫قسم احلكم بني أبنائه وكانت تلك الفرتة حقبة ازدهار إذ عرفت إسبانيا يف ظله أزهى‬
‫فرتات تارخيها وقبل وفاته سنة ‪ 1157‬نصب ابنه دون سانشو ملكا عىل قشتالة ودون‬
‫فريناندو ليحفظ جمد وسطوع تاج ملك تقلده لسنني طويلة خصوصا وأن العالقة بني‬
‫األخوين كانت جيدة هدفها توحيد مملكتهم ومحايتها من الدخالء وتوسيعها الستقطاب‬
‫أرايض جديدة‪ .‬إال أن موت ألفونسو وانسحاب اجليوش من حدود املدن األندلسية‬
‫مكن املرابطني من احتالل أندوجر و باييثا وحاولوا دخول طليطلة‪ .‬ويف ظل حلفائه‬
‫اجلدد من امللوك املسيحيني‪ ،‬بعث سانشو جيوشه ملواجهة الغزاة إال أن املنية اختطفته‬
‫دون أن يكمل مسريته الالمعة تأسيا بمواقف أبيه البطلة‪ .‬توىل عرش قشتالة بعده ابنه‬
‫ألفونسو الثاين ونظرا حلداثة سنه مل يكن ليوقف الرصاعات التي نشبت بني لوس الراس‬
‫و لوس كاسرتو‪ ،‬واستوىل بعضهم عىل مناطق يف الريوخا‪ .‬حاول عمه دون فريناندو‬
‫الثاين أن يفرض وصايته‪ ،‬إال أن انتصار لوس الرا عىل فرناندو دي كاسرتو وهروب‬
‫هذا األخري إىل محاية املورو أعاد االستقرار من جديد إىل قشتالة‪ .‬كان ذلك بداية ومناسبة‬
‫لربوز وجه امللك الشاب الذي حتالف مع ملك أراغون ألفونسو الثاين وتزوج بدونيا‬
‫ليونور‪ ،‬ابنة إنريكي الثاين‪ ،‬ملك انجلرتا‪.‬‬
‫وصل ملك قشتالة إىل برغش‪ ،‬واستغل عالقته الوطيدة بملك أراغون إلجالء‬

‫((( كابانيليس‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.199 .‬‬


‫‪79‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫ومطاردة الطامعني يف نافارا والريوخا‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬أراد أن يقيس قوة جيشه‪ ،‬فهاجم‬
‫املورو وأخرجهم من أالركون‪ ،‬إنييستا وقلع أخرى‪ ،‬بينام دخل ملك اراغون يف‬
‫مواجهات حادة ضد مسلمي بلنسية ومرسية األشاوس‪ .‬وقرر ملك ليون املسيحية‬
‫أن حيقق النرص يف سانرتين حيث انترص عىل املوحدين وقتل ملكهم يوسف‪ .‬ويف هناية‬
‫القرن الثاين عرش استطاع ألفونسو الثامن بمساعدة جبهة ملوك الربتغال‪ ،‬أراغون‪ ،‬نافارا‬
‫وليون أن يقوي اجليوش املسيحية ويطارد املورو يف أندوجر‪ ،‬أوبدة‪ ،‬جيان وتقدم إىل‬
‫غاية اجلزيرة اخلرضاء‪ ،‬إال أن الوضع استفز املورو وشكل حتديا حقيقيا ليعقوب بن‬
‫يوسف‪ ،‬إمرباطور املوحدين باملغرب(((‪ .‬األمر الذي أدى إىل دخول ابن يوسف تراب‬
‫إسبانيا عىل رأس جيش عرمرم‪ .‬بعد سامعه باخلرب جزع ألفونسو الثامن إىل طلب العون‬
‫من حلفائه إال أن تأخر هؤالء يف االستجابة لطلبه‪ ،‬دفعه بالتوجه عىل راس جيشه ملراقبة‬
‫حتركات هؤالء‪ .‬خرج من طليطلة متوجها نحو أالركوس حيث تواجه اجليشان‪.‬‬
‫ال نعرف فعال كيف نفرس سلوك ملك قشتالة‪ ،‬هل كان حبا للوطن‪ ،‬هل كان محاسا‬
‫زائدا وتقديرا سيئا لقدرة وعدد جيشه‪ ،‬هل كان يقينا بالنرص‪ ،‬هل كان إيامنا قويا‪ ،‬هل‬
‫كان خوفا وهلعا؟ ال ندري فعال ما السبب الذي دفعه ملواجهة ونزال جيوش املوحدين‬
‫الذين مل توقفهم ال بسالة وال بطولة اجليوش املسيحية القشتالية‪ ،‬إذ ترك املوحدون أزيد‬
‫من عرشين ألف جندي مسيحي قتيال يف ساحة املعركة(((‪ .‬دخل ابن يوسف فاحتا تراب‬
‫طليطلة‪ ،‬استوىل عىل خط هنر طاخو مستغال اهللع الذي يسيطر عىل املسيحيني وتعقبهم‬
‫ليقض مضجعهم وهيدد سالمتهم وأمنهم قبل أن يمكنهم من النهوض أو التحالف‪:‬‬
‫«كم كانت قاسية وطويلة سنوات احلرب و عملية االسرتداد(((»‪ .‬وهكذا حصلت‬

‫((( انظر الرسالة المهينة التي بعثها الملك ألفونسو إلى ملك المغرب حسب ما ورد في كتاب تاريخ سيطرة العرب‪،‬‬
‫ج‪ ،3 .‬ص‪.51 .‬‬
‫((( انظر الطريقة التي روى بها األحداث دون ردريغو أمادور دي لوس ريوس‪ ،‬ج‪ ،4 ،‬ص‪ ،208 .‬طبع في مدريد‪،‬‬
‫‪.1893‬‬
‫((( كابانيليس‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،932 .‬سبق ذكره‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪80‬‬

‫املواجهة بني الطرفني يف معركة يوم ‪ 18‬يوليوز ‪. 1195‬‬


‫حني عودته إىل طليطلة وجد ملك قشتالة ملك ليون بدوره فيها مع ذويه وأتباعه‪،‬‬
‫كام يثبت ذلك مؤرخون أفذاذ‪ .‬تصارعا بينهام و كل واحد منهام يتهم اآلخر باخليانة‬
‫واخلذالن‪ ،‬األمر الذي أدى أيضا بملك ليون ونفارا إىل دخول قشتالة((( واستوىل ملك‬
‫املدينة بدوره عىل جمال ابن عمه يف ليون خالل رصاع شديد بينهام‪ .‬سهل ذلك مهمة‬
‫األمري املوحدي القادم من إفريقية يف إخضاع عروش واحتالل أرايض امللوك املسيحيني‪.‬‬
‫كانت خيبة هؤالء كبرية‪ ،‬األمر الذي أدى هبم‪ ،‬انتقاما لكرامتهم‪ ،‬للعبور إىل املغرب‬
‫للتحالف ضد األمري املوحدي مع يعقوب بن يوسف‪ ،‬لكن حظه كان سيئا وخيبته‬
‫شديدة إذ وافته املنية قبل وصوله وخلفه ابنه الذي استطاع أن يؤخر فوق ترابه ملك‬
‫نافارا دون أن يمكنه من غايته‪ .‬مل تكن سياسة التحالف هذه لرتيض ألفونسو السابع‪،‬‬
‫اليشء الذي خلف استياء كبريا داخل األوساط املسيحية اإلسبانية واعتربوا أن الرجل‬
‫ال يستحق لقب ملك مسيحي‪ .‬كانت نية وحوافز ألفونسو الثامن‪ ،‬ملك قشتالة خمتلفة‬
‫فيام يتعلق بموقعة األرك‪ .‬نقض املعاهدة التي فرضها عليه األمري املوحدي وباتفاق مع‬
‫فرسان كالترافا دخل تراب جيان‪ ،‬باييثا وأندوجر معلنا احلرب ضد اإلفريقي الذي مل‬
‫يتوان يف الرد عىل االستفزاز فعرب بجيوشه وحطم قرص سلباتيريا وتراجع لكي يستعد‬
‫جيدا ملواجهتهم ويوجه الرضبة القاضية مللكهم يف معركة األرك‪ .‬خالل استعداده‬
‫للمعركة‪ ،‬رفع امللك من عزيمة ومعنويات جيوشه وأتباعه ودعاهم إىل تقوية إيامهنم‬
‫بدينهم وبعث بالقسيس سيغوبيا إىل روما ليبارك األب إنوثينثيو الثالث تلك احلرب‬
‫املقدسة‪ ،‬كام توجه نحو فرنسا أسقف طليطلة لدعوة األمراء املسيحيني لقتال املورو‪.‬‬
‫بدوره طلب األمري حممد بن يعقوب دعم القبائل العربية وغريها مثل زناتة‪ ،‬مصمودة‪،‬‬

‫((( بينما يؤكد لفوينتي‪ ،‬ج‪ ،5 ،‬ص‪ ،170 .‬في كتابه تاريخ إسبانيا بأن ملك قشتالة تحدث مع ملك ليون في طليطلة‪،‬‬
‫يقول فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ 87 .‬بأن الجيش المسيحي في معركة األرك خرج بقيادة ألفونسو الثالث‬
‫القشتالي‪ ،‬ألفونسو إنريكي البرتغالي‪ ،‬وألفونسو ملك ليون‪ .‬كابانيليس‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،239 -237 .‬األمر نفسه يؤكده‬
‫لفوينتي‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫صنهاجة‪ ،‬غامرة وكل القبائل أن تلتحق به للجهاد املقدس ضد أعداء الدين‪ .‬أيدته تلك‬
‫القبائل وانضمت جليوشه يف إسبانيا‪ .‬كان هتديدهم واضحا للصليب املسيحي رافعني‬
‫شعار اهلالل‪ .‬كان ملك إسبانيا ذكيا‪ ،‬إذ باسم الدين والصليب استطاع أن حيرك مشاعر‬
‫ومهم أمراء مسيحيني آخرين يف اخلارج‪ ،‬قدموا لدعمه ومساندته‪ ،‬جتمعت اجليوش‬
‫املسيحية بطليطلة يف ‪ 21‬من يونيو ‪ 1212‬لتنطلق ملواجهة املسلمني‪ « .‬كانت إرادة جيشنا‬
‫املسيحي قوية ال تقهر»((( ‪.‬‬
‫بعض التعرض ملواجهة بعض املناوشات حقق اجليش املسيحي انتصارا باهرا ويف‬
‫‪ 15‬يوليوز تقدم إىل غاية مورادال‪ ،‬لكنه وجد نفسه حمارصا بني اجلبال ومل يستطع التقدم‬
‫أو احلركة إال أن الرب رزقهم بفجوة للخروج من املأزق‪ ،‬كام حكى ذلك امللك القشتايل‬
‫ألب األساقفة وهو يصف له وقائع أحداث املعركة((( واستطاعوا أن حيتلوا مواقع‬
‫جديدة يف هضاب نافارا‪ .‬وأضاف امللك‪ « :‬يف السادس عرش من يوليوز تقدمنا رافعني‬
‫شعار الصليب مترضعني إىل الرب نسعى ملواجهتهم بالسيف واإليامن الكاثوليكي بينام‬
‫هم يسيطرون عىل مرتفعات وعرة يصعب بل يستحيل تسلقها»(((‪.‬‬
‫قاتل امللك كفارس مغوار وجيوشه من حوله تبيل البالء احلسن‪ ،‬تقدم ملك نافارا‬
‫وحطم اجلدران‪ .‬فر أمري املؤمنني وتفرقت جيوشه مذعورة وتساقط رجاله كالذباب‬
‫حتت سيوفنا‪ ،‬بقرنا بطوهنم وواصلنا قتاهلم إىل ساعة الغروب وسط حقول طليطلة‪.‬‬
‫رفعت أكف الرضاعة تتوسل‪ :‬أنرصنا يا رب‪ ! ‬والدموع ختالط الشكر هلل»(((‪.‬‬
‫وهناك بقي املسلمون مهزومني بإسبانيا وتوالت منذ ذلك احلني االنتصارات‬
‫ضدهم‪ .‬عملت إسبانيا عىل تقوية مملكتها وأظهرت للعامل أنه يمكنها حتقيق حلم إسبانيا‬

‫((( كابانيليس‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،254 .‬سبق ذكره‪.‬‬


‫((( انظر التفاصيل في كابانيليس‪ ،‬ج‪ ،2 ،‬ص‪ ،267-255 .‬الرسالة التي كتبها ألفونسو الثامن إلى البابا‪.‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬في إحالة الصفحة ‪ 34‬من المرجع السالف الذكر‪.‬‬
‫((( كابانيليس‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 ،‬ص‪.255-254 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪82‬‬

‫املسيحية املوحدة‪ .‬انترصت جيوشنا يف موقعة العقاب وهي حتمل الصليب وراية امللك‬
‫ألفونسو الثامن التي جتسد صورة العذراء وابنها‪ (((.‬ولكن السؤال املطروح هو‪« :‬مل مل‬
‫ينته وخيتف ذلك اجلنس هنائيا من فوق تراب إسبانيا بعد تلك اهلزائم املتكررة واملتتالية؟‬
‫البد للمحلل أو املؤرخ أو الناقد أن يعرف يف البداية طموح ونوايا امللك ألفونسو الثامن‬
‫وعالقته بامللوك الذين حييطون بمجال سيطرته يف إسبانيا‪ .‬حتكي بعض املصادر التارخيية‬
‫أن ملك ليون رفض مشاركة ملك قشتالة يف موقعة العقاب‪ ،‬كام أن ملك الربتغال الذي‬
‫كان قد فقد والده مؤخرا اعتذر عن حضوره الشخيص وبعث ببعض جنوده إىل ساحة‬
‫املعركة‪ .‬بعض األجانب الذين ساعدوا ألفونسو النبيل انسحبوا حمتجني بسوء الظروف‬
‫اجلوية واحلرارة املرتفعة‪ .‬لذلك بعد انتصارهم وجد امللك ألفونسو نفسه دون سند‬
‫أصدقائه فاضطر لرتك املورو وعدم تتبع الفارين منهم واملختبئني‪ .‬بعد ذلك النرص مل‬
‫تقم قائمة للمورو وال نبت هلم زرع ال يف حقول الوديان وال عىل ضفاف هنر طاخو‪.‬‬
‫استطاعت إسبانيا خالل السنوات املوالية أن تقوي وتطور قانوهنا وشؤوهنا السياسية‪.‬‬
‫منذ ذلك احلني تقلص عدد املستعربني بينام ارتفعت نسبة املدجنني وامتزجوا باملسيحيني‬
‫إىل درجة عدم التمييز بينهم‪ ،‬ليس يف املامرسات الدينية واللغة والعادات‪ ،‬ولكن يف‬
‫اهلندام والشكل اخلارجي فقط‪ .‬كانت تتدفق يف عروق املدجنني دماء جنسهم املتوحش‪،‬‬
‫حاولوا تقليد املسيحيني يف مظاهرهم اخلارجية وحافظوا عىل معتقداهتم الداخلية دون‬
‫أن حيصل بينهم متازج حقيقي‪ .‬إال أن الكنيسة التي كانت تسهر عىل نقاء العرق والعقيدة‬
‫حذرت املسيحيني من الوقوع يف مصيدهتم و تكرار األخطاء التي كان يقع فيها نبيهم‬
‫حممد وأن يعملوا جاهدين ليحولوا أتباعه إىل مسيحيني يدافعون عن الصليب(((‪.‬‬
‫وقد أعطى إنثينثيو الثالث أوامره سنة ‪ 1199‬إىل القسيس آبيال بأن ال يغلب عملية‬
‫التنصري عىل اخلضوع وتطبيق القانون(((‪ .‬وخالل اجتامع املجلس ‪ 1215‬تم إصدار أمر‬
‫((( انظر اإلحالة‪ ،‬ص‪ ،34 .‬من هذا الفصل‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،4 .‬ص‪ ،32 .‬طبع في روما‪.1612 ،‬‬
‫((( أغيري‪ ،‬ج‪ ،3 ،‬ص‪.425 .‬‬
‫‪83‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫التمييز والتفرقة بني املسيحيني واليهود واملسلمني يف املظهر وامللبس خمافة الوقوع يف‬
‫املشاكل املذكورة(((‪.‬‬
‫أما بالنسبة لقاهر املسلمني يف موقعة العقاب‪ ،‬فقد حلت به محى خبيثة يف مكان قرب‬
‫قشتالة ووافته املنية ليلقى الرب راضيا عنه يف أكتوبر‪ .1214‬فرتة وجيزة بعد ذلك أدى‬
‫القسم ابن ألفونسو‪ ،‬بطل معركة العقاب‪ ،‬إنريكي األول وهو يف احلادية عرش من عمره‪.‬‬
‫رزئ كذلك بموت أمه دونيا ليونور ‪ 25‬يوما بعد ذلك‪ ،‬األمر الذي جعل أخاه األكرب‬
‫يفرض وصايته عليه‪ ،‬لكن «لوس الراس» عادوا ليتحرشوا به من جديد كام كان حاهلم‬
‫خالل حكم ألفونسو الثامن وهو ال يزال قارصا بعد‪ .‬يف الثامنة عرش من عمره‪ ،‬اعتىل‬
‫امللك الشاب عرش قشتالة‪ .‬وبفضل حكمة وحذر دونيا برنغيال‪ ،‬استطاعت أن تعقد‬
‫قران امللك الشاب وتزوجه بدونيا بياتريث ابنة فيليب دي سوابيا يف ‪ 30‬نونرب ‪،1219‬‬
‫واللذين خرج من صلبهام العامل الذي كتب عنه التاريخ‪ :‬امللك العامل‪ ،‬ألفونسو العارش‪.‬‬
‫وضع احلجر األساس لكاتدرائية برغش وعقد العزم عىل مطاردة املسلمني وحماربتهم‬
‫وما أن علم سكان كوينكا‪ ،‬هويتي‪ ،‬ألركون‪ ،‬ومويا بنية ورغبة ملك قشتالة حتى‬
‫توجهوا نحو بلنسية لنهبها ومطاردة املسلمني هبا‪ .‬كان هؤالء منقسمني حول أنفسهم‬
‫جراء طغيان وجربوت أمرائهم‪ ،‬فشكل الوضع بذلك فرصة مكنت امللك القشتايل‬
‫من حتقيق طموحاته وخمططاته‪ .‬عرب بجيوشه وأتباع حلفائه سنة ‪ 1221‬السيريا مرينا‬
‫متوجها لقتاهلم‪ .‬لكن أمري باييثا‪ ،‬اخلائف املذعور عرض عليهم الضيافة واهلدنة‪ .‬عاد‬
‫امللك القشتايل إىل مربضه بعد استيالئه عىل بعض مواقع املورو ومن قوينقة جتهز لغزو‬
‫ودخول بلنسية‪ .‬حني علم باخلرب سارع األمري زيد بن زيد إىل اإلستسالم وتقديم والئه‬
‫وطاعته للملك القشتايل‪ .‬مل يقتنع خايمي األول حاكم أراغون‪ ،‬بخطط فرناندو التاسع‬
‫ألنه كان يتصور دخول واحتالل بلنسية أمرا خيصه وحده‪ ،‬واضطر لسحب قواته نحو‬

‫((( من أجل المساواة في الملبس‪ ،‬انظر كنسيليو‪ ،‬ج‪ ،4 ،‬ص‪.61 .‬‬


‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪84‬‬

‫رسقسطة منتظرا الفرج والفرصة لتحقيق عملية اسرتداد باهرة(((‪.‬‬


‫يف الفرتة نفسها كان فرناندو الثالث يتقدم ويستويل عىل املدن واحدة تلو األخرى‬
‫مثل بييثا‪ ،‬احلمراء‪ ،‬لوشة‪ ،‬برييغو مارطوس‪ ،‬أندوجر ومراكز أندلسية أخرى‪ .‬ضعف‬
‫األمراء املسلمون وساهم نزاعهم فيام بينهم يف جعل مدهنم تتساقط كأوراق اخلريف يف‬
‫يد فرناندو كام كان يتمنى وحيلم‪.‬‬
‫بدوره توجه ألفونسو التاسع‪ ،‬ملك ليون‪ ،‬نحو بادخوث إلخضاع املورو هبا‪ .‬وواصل‬
‫ملك الربتغال التوغل يف إلفيس‪ .‬جهز فرناندو الثالث محلته لدخول إشبيلية إال أنه اكتفى‬
‫باسرتجاع بعض املواقع والساحات وأرجأ دخول تلك املدينة إىل وقت الحق‪.‬‬
‫بعد استيالء ألفونسو التاسع عىل مرييدا وكاسرييس فاجأه املرض وأسلم روحه يوم‬
‫‪ 24‬شتنرب ‪ 1230‬إال أن عرش ليون مل خيضع مللك قشتالة‪ ،‬مما جعل األب ألفونسو‬
‫يكن احلقد والكراهية إلبنه حتى بعد وفاته (((‪ ،‬كام يقول املؤرخون‪ .‬ويف وصيته أوىص‬
‫بأن يؤول امللك إىل ابنتيه دونيا سانشا و دونيا دولثي من زواجه األول بدونيا ترييزا‬
‫الربتغالية‪ ،‬مقصيا ابنه فريناندو‪ ،‬من زواجه بدونيا برنغيال‪ .‬لكن حكمة ودهاء هذه‬
‫أوصال ابنها إىل عرش ليون دون إراقة أية قطرة دم‪.‬‬
‫وبزواجه ثم اجلمع بني مملكتي قشتالة وليون إىل األبد‪ ،‬كام أنه اعرتف بحق أختيه‬
‫األخرتني‪ .‬وبموجب اتفاق بينهام وبني دونيا برنغيال بقي فرناندو ملكا لقشتالة‪-‬ليون‪.‬‬
‫كان ذلك من بني األسباب يف تلميع صورة امللك واسرتجع بعد ذلك بعض املدن التي‬
‫كان قد دخلها املسلمون من جديد‪ .‬واصلت جيوشه التوغل إىل حدود خرييث ودخلت‬
‫يف مواجهات ضد قوات بني هود قرب غواداليتي حيث انترصت جيوش امللك وهزم‬
‫املسلمون‪ .‬مل يتأخر امللك بعد ذلك يف توجيه محالت أخرى السرتداد أوبذة ووصل إىل‬

‫((( حرض دون فرناندو‪ ،‬أحد إخوة لوس الرا السيد مولينا على التمرد ضد الملك‪ ،‬إال أنه اضطر للفرار إلى أرض‬
‫المورو في باييثا‪ .‬هكذا انتهت األحداث بالنسبة لهذه األسرة المتمردة‪.‬‬
‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،5 .‬ص‪.329 .‬‬
‫‪85‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫غاية قرطبة إال أنه عاد أدراجه بعد ذلك((( إثر وفاة امللكة دونيا بياتريث‪ ،‬كام يعتقد بعض‬
‫املؤرخني‪ .‬لكنه أعاد الكرة بعد ذلك واستطاع دخول املدينة بعدما علمت اجليوش‬
‫بموت ابن هود ورفع الصليب عاليا فوق عاصمة اخلالفة اإلسالمية باألندلس يف ‪29‬‬
‫من يونيو ‪.1236‬‬
‫عاد امللك إىل جوار أمه بطليطلة لتزوجه بربغش من الكنديسا دونيا خوانا‪ .‬قاد محلة‬
‫جديدة ضد مدن األندلس وخضع لسيطرته العديد منها مثل كثاال‪ ،‬أوسونا‪ ،‬مونتريو‪،‬‬
‫ثفرا‪ ،‬موراتيال‪ ،‬مرشرييا‪ ،‬أغيالر ومواقع أخرى‪.‬‬
‫رجع بعد ذلك إىل قشتالة‪ ،‬عاصمة ملكه ليصب اهتاممه عىل تنظيم مملكته وحيسن‬
‫أوضاع أتباعه وينقل جامعة بلينثيا إىل سلامنكا‪ .‬فاجأه املرض بربغش فلم يتمكن من‬
‫توجيه محلة ثانية نحو مدن أندلسية أخرى‪ ،‬إال أنه كلف ابنه ألفونسو بذلك ليتغلغل إىل‬
‫غاية أقىص حدود ممالك املسلمني بإسبانيا املسيحية‪ .‬أكسبهم دفاعهم املستميت عن بينيا‬
‫دي مارتوس قوة وسمعة عالية‪ .‬وخالل استعداد امللك للخروج ملدامهة املورو توصل‬
‫برسالة من ملكهم بمرسية يعلن فيها عن والئه وخضوعه‪ ،‬فدخلها ألفونسو فاحتا رفقة‬
‫سنتياغو و دون پياليو(((‪.‬‬
‫وبعد شفائه من مرضه توجه امللك ليستويل عىل أرجونا‪ ،‬مونتيخار‪ ،‬وقرى أخرى‪ ،‬فيام‬
‫سلم ملك غرناطة جيان وهو يرتعد خوفا من أن تسقط كل ممتلكاته يف يد امللك املسيحي‬
‫دون فريناندو‪ .‬وبسبب احرتامه هلذا امللك املسلم تأخر اسرتداد املدينة ملدة قرنني بعد‬
‫ذلك‪ .‬وحينام عزم عىل دخول إشبيلية‪ ،‬دعا اخلليفة ابن األمحر يف غرناطة ملساعدته وهو‬
‫يعلم أنه يكره املوحدين فهب ملنارصته بقيادة فرقة جيش جتاوز عدد أفرادها مخسامئة‬
‫جنديا مقاتال ‪.‬وإلخضاع املدينة باغتهم امللك القشتايل برا وبحرا ومتت حمارصهتا يف ‪20‬‬
‫غشت من سنة ‪ . 1247‬قطعت عنها كل اإلمدادات إال أن املورو مل يستسلموا بعدما‬

‫((( كابانييس‪ ،‬ج‪ ،3.‬ص‪.50 .‬‬


‫((( شروط استسالم ملك المورو بمرسية‪ ،‬فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.91 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪86‬‬

‫تم إخضاع مرسية‪ .‬وجه مورو إشبيلية اقرتاحات عدة للملك القشتايل دون فرناندو‬
‫الذي رفضها خدمة للدين والوطن مقتنعا بأن احلل الوحيد هو سفك دمائهم وإزهاق‬
‫أرواحهم و مطاردة الباقني منهم إىل غاية استئصاهلم والقضاء عليهم‪ .‬ويف ‪ 23‬من نونرب‬
‫‪ 1248‬بعد قهرهم وإذالهلم أعطاهم مهلة شهر ليخرجوا من مساكنهم ويرتكوا كل‬
‫ممتلكاهتم إذ غادرها أكثر من ثالثامئة ألف شخص فارين نحو إفريقية(((‪ .‬ويف ‪ 22‬من‬
‫الشهر املوايل دخل دون فرناندو إشبيلية وحتدث عن تفاصيل احلدث عدة مؤرخني‬
‫عرب((( ومسيحيني‪.‬‬
‫سنكتفي نحن باإلشارة إال أن أسقف طليطلة‪ ،‬دون غتيرييث‪ ،‬كان أول من قرع‬
‫األجراس يف مسجدهم ورفع الصليب املقدس عاليا فوق صومعته‪ .‬وهكذا انتهى حكم‬
‫املوحدين بإسبانيا‪ .‬ومن أجل استكامل الوحدة والنرص توجهت اجليوش املسيحية نحو‬
‫سان خوان‪ ،‬روطة‪ ،‬خرييث‪ ،‬قادس‪ ،‬مدينة‪ ،‬أركوس‪ ،‬لربيغا‪ ،‬ميناء سانتا ماريا وكل‬
‫سواحل البحر املجاورة لتلك األرايض‪ .‬مل تسجل أي مقاومة أو مواجهات يف املدن‬
‫املسرتجعة‪ ،‬حسب بعض املصادر التارخيية‪ ،‬كام لو أن الصمت كان يريد أن يوضح بأن‬
‫عملية االسرتداد متت يف يرس ومباركة من الرب‪ .‬مل يقاوم املورو بعدما شاهدوا ما حصل‬
‫بعد استسالم إشبيلية(((‪ ،‬األمر الذي عجل بنهاية املسلمني وانقضاء عهد املوحدين‬
‫بإسبانيا‪.‬‬
‫أعطى كل من فرناندو‪ ،‬دون خايمي وبونيفار أوامرهم بتقوية أسطوهلام البحري‬
‫ومحاية الشواطئ وحراستها و ترسبت اإلشاعة بأن فاتح إشبيلية سيجتاز البحر نحو‬
‫إفريقية‪ .‬وهكذا دخل حاكم فاس الذي هزمه املرينيون يف مفاوضات أخوية مع دون‬
‫فرناندو إال أنه خالل إعطائه أوامره ألسطوله ليهزم املسلمني فوق تراهبم تلقى نبأ وفاة‬

‫((( لم يغادر كل المورو المدينة وبقوا في إشبيلية كمدجنين‪ ،‬انظر سيطرة العرب‪ ،‬ج‪ .‬الرابع‪ ،‬الفصل السادس‪ ،‬نقله‬
‫فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.95 .‬‬
‫((( دون فرنانسيسكو بونس إي بويغيس‪ ،‬مؤرخون وجغرافيون عرب‪-‬أسبانيون‪ ،‬الفصل الرابع‪ ،‬ص‪ ،519 .‬مدريد‪.‬‬
‫((( ج‪ ،5 .‬ص‪ 377 .‬من كتاب تاريخ إسبانيا‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الفـصـل الــثــانــي‬

‫ملك فرنسا وهزيمة سان لويس باملنصورة‪ ،‬فعدل عن قراره وقرر الثأر لتك اهلزيمة‪.‬‬
‫منعه املرض من حتقيق حلمه وحاول اإلبن إمتام رغبة أبيه بتعاون مع ملك إنجلرتا لكن‬
‫إحساسه بدنو أجله منعه من ذلك استعدادا الستسالم الروح ولقاء ربه‪ .‬يقول املؤرخون‬
‫بأنه تويف بإشبيلية يف ‪ 30‬مايو ‪ .1252‬كان معارصوه يلقبونه بالقديس‪ ،‬والكنيسة‬
‫الكاثوليكية بواسطة اجتهاد مطراهنا وأسقفها جعلت ذكره يف سجل السعداء األبرار‬
‫وذلك بتاريخ ‪ 7‬فرباير ‪.1671‬‬
‫مل يبق لنا ما نضيفه بعد موقف الكنيسة هذا إال أنه ال بأس من التذكري بأن رسالة‬
‫دون فرناندو جاءت مكملة ملا بدأه دون خايمي األول‪ ،‬وتوحدا يف اسرتاتيجية طردمها‬
‫واستئصاهلام للمسلمني واسرتدادمها وتقوية نفوذمها ليس يف أراغون فحسب ولكن يف‬
‫ميورقة‪ ،‬بلنسية‪ ،‬ومرسية((( أيضا‪.‬‬

‫((( نفسه‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫دون خايمي األول في أراغون ‪ /‬استرداد ميورقة ‪ /‬بلنسية ومرسية ‪/‬‬

‫التأثير الفعال والدور الريادي لدون خايمي في توسيع رقعة إسبانيا‬

‫المسيحية‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫مكث املستعربون الكفرة ألزيد من مخسة قرون حتث التأثري اإلسالمي متسرتين قبل‬
‫أن يسطع عليهم نور املرشوع الرائد الذي أرساه سان فرناندو بعد دخول قونقة‪ .‬أراد ان‬
‫يسرتجع بلنسية إال أن ملك املورو زيد بن أيب زيد سارع باإلستسالم وإبداء الوالء له‪.‬‬
‫بعد علمه باخلرب وجه خايمي األول رسالة لفرناندو الثالث يذكره بأن اسرتداد بلنسية‬
‫يعترب مهمة عرش أراغون وليس قشتالة‪ .‬تراجع دون خايمي يف رسقسطة بعد محلته‬
‫ضد الفيكونت بيارين‪ ،‬حيث حبسه أتباعه ورجاله النبالء الذين كانوا يرغبون يف تسيري‬
‫الشأن األرغوين بأنفسهم‪ .‬حسب املؤرخني كان امللك الشاب يتصف باالحرتام‪ ،‬لكنه مل‬
‫يكن يكرتث بام يدور حوله وال هيتم بأشخاص حميطه وحتليل األحداث التي تطرأ عليه‪،‬‬
‫أي أنه مل يكن يتمتع باألهلية الكافية ملزاولة تلك املهمة(((‪ .‬وبعد أن تعثر يف احلصول‬
‫عىل الدعم‪ ،‬قرر شن محلته ضد املورو ‪.‬فعمل عىل إثارة اهلمم بالرتكيز عىل عقيدة الدين‬
‫ضد الصليب وخدمة الوطن وتوحيد البالد‪ ،‬وتوجه باخلصوص إىل األغنياء من النبالء‬
‫والوجهاء ودعاهم إىل تنايس رصاعاهتم من أجل حتقيق اهلدف األسمى‪ ،‬لتحقيق وحدة‬
‫إسبانيا املسيحية وتطهريها من املورو الدخالء‪ ،‬األمر الذي أكسبه قيمة وقوة(((‪ .‬ويف‬
‫ساحة املعركة اسرتجع امللك هيبته وفاء ملبدئه وأفكاره‪ ،‬مثل دون خايمي رفقة ثلة من‬
‫أتباعه الوجهاء املرموقني ودخل إىل ݒنيسكوال يف فاتح أكتوبر ‪ ،1225‬السنة نفسها التي‬
‫خضع فيها أمراء بلنسية و بييثا والتزموا بأداء مستحقات مالية للملك مقابل محايتهم‪،‬‬
‫مما دفع امللك إىل سحب جيوشه املسيحية((( من بنشكله(((‪ .‬مل حيرتم بارونات أراغون‬
‫كلمتهم وال أوفوا بعهدهم ومل يلتحقوا بامللك يف تريويل حيث كان ينتظرهم لقيادة محلته‬

‫((( شارل دو تورتولون‪ ،‬دون خايمي األول‪ ،‬المحقق‪ ،‬ملك أراغون‪...‬ج‪ ،1 .‬ص‪ ،150 .‬الطبعة الثانية‪ ،‬بلنسية‪،‬‬
‫‪.1874‬‬
‫((( تولون‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.151 .‬‬
‫((( بورييل‪ ،‬مذكرات حياة القديس الملك دون فرناندو‪ ،‬ص‪.351 .‬‬
‫((( مذكرات الملك دون خايمي‪ ،‬طبعة بلنسية‪ ،1557 ،‬مطبوع أرملة خوان ماي‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪92‬‬

‫النهائية ضد بلنسية‪ .‬كان دون بيدرو وأهونيس بدورمها يسريان نحو املدينة نفسها حينام‬
‫صادفه دون خايمي يف طريق ترويل ودعاه للمرور إىل بورباغينا ليتفقا عىل خطة تريض‬
‫الطرفني‪ ،‬واستعمل كل إمكانياته الدبلوماسية وسلطته لتهدئة األجواء وإرضاء خمتلف‬
‫األطراف‪ .‬وهكذا قىض العرشين سنة من حكمه‪ ،‬حتث القيادة العليا للمجلس املقدس‬
‫(((‬

‫‪ .‬يف تلك الفرتة ‪ ،‬كان كل املسيحيني يرددون شعارا واحدا «احلرب ضد اإلسالم»‪ ،‬وقد‬
‫قاد دون خايمي محلته بأيادي من حديد ملواجهة القراصنة املسلمني عىل امتداد البحر‬
‫املتوسط وجزر الباليار(((‪ .‬كان اهلدف من وراء هذه احلملة ضد املسلمني إعالء كلمة‬
‫الرب واالنتقام للصليب‪ .‬وقد عرب عن ذلك رصاحة يف برشلونة سنة ‪ 1228‬حينام طلب‬
‫الدعم الستتباب األمن واالستقرار داخل اململكة وخدمة الدين وتطبيق تعاليم اإلله‪،‬‬
‫وطلب بتجسيد ذلك خالل محلة جزر الباليار(((‪ .‬لقد القى امللك إقباال ودعام صادقا‬
‫هناك وعقد اتفاقا مع بارونات ورجال الكنيسة يف كاتالونيا((( شهر مايو من سنة ‪1229‬‬
‫كتاريخ النطالق احلملة؛ إال أن قدوم ابن زيد عىل امللك دون خايمي يطلب محايته ضد‬
‫ابن زيان‪ ،‬جعله يغري خطته إذ كان عىل وشك حماربة مورو بلنسية(((‪.‬‬
‫إال أن القسم الذي قطعه كل من األراغونيني والكتالنيني يف الكنيسة املقدسة من‬
‫أجل إعالء الصليب جعلهم يتبعون أوامر امللك والتوجه خلفه إىل سالو يف اجتاه ميورقة‬
‫يوم أول أربعاء من شهر شتنرب سنة ‪ .1229‬كان السفر قصريا إىل اجلزيرة إال أن الظروف‬
‫اجلوية حالت دون التقدم‪ .‬أخرب البحارة امللك بأن االستيالء عىل تلك األرايض شبه‬

‫((( تورلون‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.181 .‬‬


‫((( دون برناردينو مييديس في مذكرات دون خايمي‪ ،‬ص‪ .87 .‬تتكون من عشرين كتابا‪ ،‬طبعة بلنسية ‪.1582‬‬
‫((( المذكرات الملكية‪ ،‬فصل ‪.37‬‬
‫((( وجدنا المذكرات والوثائق المذكورة ضمن مجموعة وثائق غير منشورة في أرشيف مملكة أراغون‪ ،‬ج‪ ،6 .‬ص‪.‬‬
‫‪ 95‬و ‪ ،98‬و ج‪ ،11 .‬ص‪ ،3 .‬تثبت بأن تلك الحملة كانت قاتالونية وليست أراغونية‪ .‬األمر نفسه أكده تورتولون‪،‬‬
‫سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪ 198 .‬و ‪ ،199‬أكد الكاتب بأن تدخل األراغونيين جرت الحقا وكانت بصفة انفرادية ولم تكن‬
‫لها صبغة ال سياسية وال وطنية‪.‬‬
‫((( ثمانية أيام بعد االتفاق الذي عقده زيد و دون خايمي يوم ‪ 21‬أبريل سنة ‪ 1229‬الذي بموجبه سيتم دخول‬
‫بلنسية‪ ،‬انفصل دون خايمي عن دونيا ليونور ‪ ،‬وبهذا انصرم العهد المبرم بين مملكتي قشتالة وأراغون‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫مستحيل نظرا ألحوال الطقس‪ ،‬لكنه ذكرهم بقسمهم خلوض هذه املعركة باسم الرب‬
‫واالنتصار للدين املسيحي(((‪ .‬األمر الذي أهلب مشاعر اجلنود ومحسهم الستنهاض‬
‫مهمهم واستجامع قوهتم‪ ،‬وبعد تعرفهم عىل أحوال الشاطئ‪ .‬رست بعض فرق جيوش‬
‫امللك يف ساتنا بونثا دون أن يستطيع املسلمون التعرض هلا وكان برينات روي دي مييا‬
‫أول من وطيء ذلك الرتاب ونصب الصليب فوق ربوة قريبة من البحر‪ ،‬إال أن القادة‬
‫مل يلبثوا أن تصارعوا من أجل هذه األرايض املسرتجعة‪ .‬عندما علم املسلمون باألمر‬
‫اقرتبوا من الشاطئ وواجهوهم بقوة‪ ،‬األمر الذي دفع برامون دي مونكادا بالتوغل‬
‫نحوهم مثل األسد اجلريح الذي ينزف ليكبدهم خسائر فادحة ضمن جيوشهم التي‬
‫بلغت ‪1500‬جندي(((‪.‬‬
‫ثم انطلق بعد ذلك كالسهم إلخبار دون خايمي باألحداث الذي فرح كثريا ورصخ‪:‬‬
‫«يا لألسف مل أكن حارضا خالل النرص الباهر ألكون أول الداخلني إىل ميورقة»‬
‫(((‬

‫«وطلب من جيوشه أن يتقدموا لتعقب أثار املورو الفارين‪ .‬لقد كانت الرغبة احلربية‬
‫رشسة لدى امللك‪ ،‬الذي رغم بعض اهللع‪ ،‬كان يرص عىل أن يتقدم الصفوف يف محالته‬
‫العسكرية ضد املسلمني املورو»(((‪ .‬ويف ‪ 2‬من شتنرب مل تفتأ تلك الثلة القليلة من املورو أن‬
‫استسلمت لسلطة دون خايمي‪ ،‬إال أن أمري تونس قرر أن يوجه محلة نحو ميورقة إلنقاذ‬
‫اإلسالم يف إسبانيا ومساعدة مورو مورسية‪ ،‬دانية وبلنسية‪.‬‬
‫فرح امللك بانتصاراته وانطلق نحو بلنسية وقد أقسم بترشيد املسلمني واستئصاهلم‪.‬‬
‫كان يرى بأنه جيب عىل اجليش القشتايل إخضاع مسلمي غرناطة وعىل الفصيل األراغوين‬
‫هزم املورو البلنسيني‪ .‬كان يسعى من وراء ذلك إىل ختليد ذكراه يف تاريخ االسرتداد‬
‫اإلسباين‪« :‬كان يقيم يف خيمته العسكرية التي شكلت قرصه الوحيد‪ ،‬ومهه الشاغل هو‬
‫((( مذكرات دون خايمي‪ ،‬فصل ‪.3‬‬
‫((( تورتولون‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.213 .‬‬
‫((( الوثائق الملكية‪ ،‬الفصل ‪.58‬‬
‫((( مذكرات‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬الفصل ‪.64‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪94‬‬

‫مطاردة املورو وقض مضجعهم وأمنهم يف عقر دارهم‪ ،‬إذ قبل أن ينتهي من معركة يكون‬
‫قد خطط ألخرى الحقة»(((‪.‬‬
‫عاش العرب األسبان ملدة قرون يف أمن وأمان ببلنسية ونواحيها إال أن جاء املوحدون‬
‫فهددوا أمنهم وتواجدهم(((‪ .‬ويف الثلث األول من القرن الثالث عرش وحتت إمارة بني‬
‫هود املنحدرين من ساللة آخر األمراء برسقسطة اشتد الرصاع بينهم وبني القادمني‬
‫اجلدد من إفريقية وبقيت أحداث تارخيية كثرية شاهدة عرص عىل هذا النزاع مثلام وردت‬
‫أحداث اقتتال بني ابن زياد ضد أيب زيد املورو القادم من املغرب‪ .‬بدوره دون خايمي‬
‫مل يرد أن يضيع الفرصة والعرض الذي عرضه عليه بنو زيان ضد زيد‪ ،‬وذلك لتسهيل‬
‫إسرتاتيجيته احلربية املستقبلية ورغبته احلقيقية يف ضم بلنسية إىل حكمه والتي كان‬
‫يعشقها من خالل الوصف الذي قدمه له دون بالسكو بحضور العامل املعلم دون هيغو‬
‫دي فاللكري(((‪.‬‬
‫تقدم دون خايمي عىل رأس جيوشه التي مل تكن تتجاوز ‪ 120‬فارسا مقاتال وبعض‬
‫املرافقني هلم وكله رغبة يف غزو معاقل املسلمني‪ ،‬توجه نحو بريانة وحارصها حيث‬
‫وصلته بعض التعزيزات قادمة من تريويل ووسع نفوذ احلصار استعدادا لشن احلرب‪،‬‬
‫لكن نظرا للحرج الذي أصيب به امللك‪ ،‬قبل عقد اتفاق مع مورو بايسكوال قبل أن يعود‬
‫إىل كاتالونيا ‪.‬‬
‫ويف سنة ‪ 1236‬قاد محالت جديدة فتوجه نحو إنيسا واستوىل عىل قلعة بويغ دي‬
‫سيبويا نظرا ألمهيتها وموقعها اإلسرتاتيجي خصوصا وأنه من خالهلا يمكنه مراقبة‬
‫حتركات بني زيان نظرا لقرهبا من جماهلم الرتايب‪ .‬كان خيطط كذلك لالستيالء هنائيا عىل‬

‫((( تورتولون‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.267 .‬‬


‫((( دون خوليان دي ريبيرا‪ ،‬القبائل العربية في مملكة بلنسية‪ ،‬ج‪ ،1 .‬عدد ‪ 11‬من مجلة األرشيف‪.‬‬
‫((( كانت هامة وشاعرية تلك األوصاف التي رسمها الفارس دون بالسكو دي أالغون لدون خايمي وهو يحدثه عن‬
‫بلنسية وجمالها‪ .‬انظر الوثائق الملكية‪ ،‬الفصل ‪.2‬‬
‫‪95‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫بلنسية‪ ،‬إال أن بني زيان مل يكونوا ليرتكوا جيوشه تنعم باألمان يف القلعة فأخربه بعض‬
‫رجاله‪ ،‬خصوصا املنسوبني منهم للكنيسة ونصحوه برضورة االنسحاب‪ ،‬فأجاهبم وهو‬
‫يرصخ ‪« :‬كيف يمكننا اخلروج من قرص كهذا بعدما بذلنا كل هذا اجلهد الحتالله(((‪.‬‬
‫أمام إرصار دون خايمي هرع بنو زيان إلعالن والئهم وخدمتهم له خوفا من‬
‫استئصاهلم ومطاردهتم‪ .‬لكن امللك املسيحي رفض اقرتاحهم وقال ملبعوث أمري املورو‪:‬‬
‫«بام أننا قد وصلنا إىل نقطة متقدمة نحو بلنسية لدخوهلا سنستويل عىل الدجاجة احلاضنة»‬
‫ثم نصبح بعد ذلك أسيادا‪ ،‬مالكني طبيعيني لفراخها(((‪.‬‬
‫خرجت ساكنة قرى متعددة الستقبال امللك الفارس الفاتح لتعرض عليه والءها‬
‫واستسالمها‪ ،‬فقبل عرضهم وهو ينظر إليهم نظرة املستسلمني املهزومني‪ .‬وعن ذلك‬
‫قال تورتلون ‪« :‬كان دون خايمي حكيام يف مثل هذه املواقف‪ ،‬مل يكن ليثنيه عن عزمه‬
‫يف دخول بلنسية أي عائق لكنه قبل استسالم وهدنة املورو حقنا وحفظا لدماء جيشه‬
‫املسيحي لكن عزمه عىل دخوهلا قائم ال يتزحزح‪ .‬احرتم عقيدة وعادات وممارسات‬
‫املسلمني الذين أفسحوا له جمال تراهبم للوصول إىل مبتغاه‪ ،‬وبدل أن يفرض عىل أمراء‬
‫هذه املاملك رضائب وأموال يؤدوهنا له قدم هلم خدمات وامتيازات كبرية(((‪.‬‬
‫وباسم الرب نصب خيام موكبه يف غراو أمام بلنسية منتظرا وصول التعزيزات من‬
‫أراغون وكاتالونيا‪ ،‬يف الوقت نفسه تقدم املوحدون واستولوا عىل الرصافة(((‪.‬‬
‫حارص دون خايمي املدينة واستوىل رجاله عىل إحدى القلع اهلامة وبدا استسالم‬
‫املدينة وشيكا‪ .‬انتظر زيان اإلمدادات والعون من املدن األندلسية‪ ،‬لكن القوات القادمة‬
‫من تونس مل تستطع االقرتاب من بلنسية فتوجهت نحو بنييسكوال حيث طردها ورشدها‬

‫((( وثائق تاريخية‪ ،‬احتالل بلنسية‪ ،‬الفصل ‪.68‬‬


‫((( مذكرات ملكية‪ ،‬الفصل ‪ ،60‬ص‪ ،72 .‬دخول بلنسية‪.‬‬
‫((( مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.306-305 .‬‬
‫((( مصدر سابق‪ ،‬الفصل ‪ 139‬من دخول بلنسية‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪96‬‬

‫املسيحيون‪.‬‬
‫عاش املحارصون ظروفا عصيبة وقلت املؤونة والزاد عنهم بينام توفرت بكثرة عند‬
‫حمارصهيم الذين توصلوا بإمدادات جديدية‪ ،‬ألف فارس وستني ألف مقاتال‪ .‬وخالل‬
‫املعركة حينام محى الوطيس‪ ،‬أصيب امللك واخرتقت نبلة جبهته‪ ،‬انتزعها بكل شجاعة‬
‫وهو ينزف ويبتسم ألنه يقوم بدوره وخيدم دينه ويريض ربه من خالل قتال املسلمني‪.‬‬
‫استمر يف حتفيزه للجيوش ملواصلة احلصار وتقاطرت عليهم النبال والسهام من ثقب‬
‫أسوار القلعة وبنو زيان يتفاوضون معه مبارشة من أجل إيقاف نزيف الدم وإقرار‬
‫السالم‪ .‬إال أن امللك أصيب بخيبة أمل وكتم غيظه حينام تفرق أتباعه القتسام الغنائم‬
‫متخلني عن رسالتهم احلربية األساسية‪ ،‬ومل حيض بثقته سوى زوجته دونيا بيولنتي‪.‬‬
‫مل يتأخر ابن زياد يف إيفاد مبعوثني إىل املعسكر املسيحي‪ ،‬ليعرضوا عليه اقرتاح األمري‬
‫فطالت املشاورات واملداوالت بينهام وانتهى هذا اللقاء دون التوصل إىل حل واستمر‬
‫احلصار‪.‬‬
‫بعد ثالثة أيام انطلقت املفاوضات من جديد وفهم امللك أن البارونات املحيطة به‬
‫تعرقل بدورها استسالم املدينة وتتخاذل يف دعمه فنصحته دونيا بيولنتي بالرتيث بعض‬
‫اليشء‪ ،‬ويف ‪ 28‬من شتنرب ‪ 1238‬تم التوقيع عىل اتفاق مبدئي للهدنة بشأن بلنسية(((‪.‬‬
‫غادرها ما يزيد عن مخسني ألف مسلم إال أن املدجنني الذين مكثوا هبا القوا معاملة‬
‫حسنة واحتفظوا ببعض ممتلكاهتم كام يبدو ذلك يف سجل «املمتلكات» املتعلق بتلك‬
‫العاصمة‪ .‬قبل املاكثون يف املدينة باألحكام التي تم االتفاق عليها يف العقد املربم بني‬
‫الطرفني‪ :‬الغالب واملغلوب‪ .‬إال أن احلقائق التارخيية أثبتت أن هؤالء مل حيرتموا ال مواثيق‬
‫دولية وال داخلية نظرا لتكوينهم وجشعهم عىل مجيع املستويات‪ .‬اضطر امللك خايمي‬
‫لقطع معاهدة الصلح واهلدنة معهم وطردهم رش طردة‪.‬‬

‫((( مريانو فلوتاتس و دون أنطونيو بوفارول‪ ،‬تاريخ ملك أراغون‪ ،‬دون خايمي األول‪ ،‬ص‪ 311 .‬و ‪ ،312‬مجموعة‬
‫وثائق غير منشورة من طرف سالبا إي سانث دي بيراندا‪ ،‬ج‪ ،18 .‬ص‪ 86-84 .‬ومراجع أخرى‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫امتطى امللك الفذ صهوة جواده ودخل أبواب مدينة بلنسية فاحتا‪ ،‬دمعت عيناه فرحا‬
‫وهو يتخطى عتباهتا ويرى الصليب املسيحي ورايتهم ترفرف فوق قلعة «عيل بوفات»‬
‫يف هذا اليوم املشهود‪ ،‬التاسع من أكتوبر (((‪.1238‬‬
‫مل يكن دون خايمي مقاتال مغوارا وحمظوظا فحسب‪ ،‬بل سياسيا حمنكا ورجل‬
‫قانون متعقل رزين‪ .‬مل تكن ممارساته الديمقراطية اجتاه البلنسيني متت بصلة ملا كان يراه‬
‫األرغونيون و الكتالونيون؛ حتى اللغة والعبارات التي صيغت هبا القوانني املنظمة‬
‫للعيش يف بلنسية كانت تنم عن حكمة املرشع البالغة(((‪.‬‬
‫وهكذا استوىل دون خايمي عىل الدجاجة احلاضنة وأخضع تباعا الفراخ وكذلك‬
‫الديكة منها التي حاولت املقاومة من أجل حريتها‪ .‬مكث يف املدينة إىل غاية مايو‪1239‬‬
‫إال أن اإلشاعات الواردة من فرنسا جعلته جيتاز جبال الربانس‪ .‬وبقي يف املدينة غيوم دي‬
‫أغيلو الذي استوىل عىل قلع وقصور هامة من بينها قرص ريبوليت ذي املوقع اإلسرتاتيجي‬
‫املتميز الذي رسعان ما آل إىل سيطرة القبطان كروث (((‪.‬‬
‫ونظرا هلذه الرصاعات والنزاعات املتكررة بني املسيحيني و املسلمني الثوار فإن‬
‫التأثري بلغ للذين هلم عهود سالم واتفاقيات وئام ألن احلكمة كانت حتتم أال يرتكوا‬
‫يف أمن وسالم حتى ال تتقوى شوكتهم ويشتد عودهم ومتتد أعناقهم(((‪ .‬رغم أن امللك‬
‫خايمي كان يعاقب من ينقض تلك العهود إال أن كل املسيحيني كانوا يكنون كراهية‬
‫شديدة للمسلمني ومل يعريوا باال ألوامره وتعليامته‪ .‬كان هذا أيضا من بني األسباب التي‬
‫عرقلت ومنعت متازج اجلنسني وانصهارمها‪ .‬وبعد هدوء عاصفة احلزن انتقل امللك دون‬

‫((( مصدر سابق‪ ،‬الفصل ‪ ،30‬دخول بلنسية‪.‬‬


‫((( غييرمو جافير‪ ،‬رجل قانون في القرن الرابع عشر‪ ،‬كتاب حول مملكة بلنسية‪ ،‬ج‪ ،4 .‬طبع في مدريد من طرف‬
‫خوليان دي باريديس‪ ،‬سنة ‪ 1677‬وآخرون‪.‬‬
‫((( نشره دون روكي شاباس ضمن العدد الثاني‪ ،‬ج‪ 2 .‬من مجلة األرشيف‪ ،‬وتوجد نسخة منه في مكتبة الكونت دي‬
‫تريغونا‪.‬‬
‫((( تورتولون‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ 26 .‬من المصدر السابق‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪98‬‬

‫خايمي إىل مدينته املفضلة واملعشوقة‪ ،‬مدينة الورود والزهور وجهز جيوشه لتلك احلملة‬
‫ضد قرص بريين الذي مل ينصع حاكمه لطلب زيان(((‪ .‬اضطر يف النهاية لإلستسالم نظرا‬
‫للظروف املحيطة به وتبع قواد وأمراء قصور أخرى مثل فياللونگا‪ ،‬بورو‪ ،‬فيليال وڤاملا(((‪.‬‬
‫كام دخلت بعض الفيالق األراغونية مملكة مرسية‪ ،‬وكانت تلك أول حماولة هلم باملدينة‪.‬‬
‫حلت أحداث أخرى استدعت حضور دون خايمي يف كاتالونيا وأراغون(((‪ ،‬وحتى‬
‫يواصل غزو بلنسية ترك عىل رأسها دون رودريغو لثانا‪ ،‬إال أنه رسعان ما طلب التوجه‬
‫نحو شاطبة لتخليص دون بيدرو دي ألكال ومخسة فرسان آخرين‪ ،‬كان املورو قد‬
‫أرسوهم يف تلك املدينة‪.‬‬
‫ال يمكننا أن نصف باخليانة موقف دون غارسيا دي روميو الذي أشار عىل امللك‬
‫بإخالء قرص كاستليون شاطبة لصالح املورو مقابل إطالق رساح دون بيدرو دي ألكال‬
‫ورفاقه(((‪.‬‬
‫اضطر امللك أن يرجع ملوطنه مرة ثانية وذلك ملدة سنة تقريبا((( ولكنه ترك عىل رأس‬
‫بلنسية هذه املرة إكسيمن برييث دي تراثونا‪ .‬خالل عودته عرض عليه مورو ألثريا‬
‫مراسيم الوالء والطاعة حينام علموا بانتصارات امللك املتتالية والقوانني اإلجيابية التي‬
‫سنها لصالح املسلمني الذين عاهدوه يف أرتانا‪ ،‬إسليدا‪ ،‬أهني بيو‪ ،‬سنغري‪ ،‬ݒيلميس‪،‬‬
‫زويرا سنة ‪ .((( 1242‬سافر بعد ذلك دون خايمي إىل منݒوليي ليعيد الكرة يف نونرب‬
‫بوغارا و ساكس‪ ،‬إىل أن وقع معاهدة أمليثرا‪ ،‬وواصل دون‬
‫ﱠ‬ ‫‪ 1243‬يف اجتاه شاطبة‪،‬‬
‫خايمي عملية اسرتداده ململكة بلنسية‪ .‬استوىل عىل شاطبة‪ ،‬ثم جاء قائد املورو بعد‬

‫((( وثائق ملكية‪ ،‬الفصول ‪ 18 ،17‬و ‪ 19‬من دخول مرسية وبلنسية‪ ،‬ص‪.334-333 .‬‬
‫((( باإلضافة إلى الفصل ‪ 17‬من الوثائق‪ ،‬انظر مجلة األرشيف‪ ،‬رقم ‪ ،17‬ج‪.1 .‬‬
‫((( زواج الطفلة دونيا بيوالنتي‪ ،‬ابنة دون خايمي بفارس قشتالة دون ألونسو‪ ،‬ابن ووريث سان فرناندو‪.‬‬
‫((( وثائق ملكية‪ ،‬الفصل ‪ 30‬من دخول بلنسية ومرسية‪ ،‬ص‪.337 .‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬الفصل ‪ ،37‬ص‪.137 .‬‬
‫((( وثائق ملكية‪ ،‬الفصل ‪ ،38‬ص‪.138 .‬‬
‫‪99‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫ذلك يعرض عليه القلعة‪ .‬وثق امللك بوعده إال أنه واجهته مقاومة من طرف املسلمني‬
‫فحارصها وأخضعها بعد مخسة أشهر‪ .‬بعد كل تلك احلروب وتلك األقاليم املسرتجعة‬
‫ماذا بقي للمسلمني يف إسبانيا؟ انعزلوا يف ركن بعيد ومنعزل من تراب األندلس ليؤدوا‬
‫الصالة يف ظل الصليب املسيحي‪ ،‬وهكذا بعد ستة قرون من املواجهات واحلروب حتقق‬
‫احللم املسيحي يف األندلس من جديد‪ .‬كل القوانني التي سنها املرشع يف حماولة جلمع‬
‫وتآلف اجلنسني وانصهارمها باءت بالفشل الذر يع؛ أريقت الدماء وأزهقت األرواح‬
‫ومزقت األشالء من أجل حتقيق وحدة الدين والوطن‪ ،‬لكن النتيجة جاءت معكوسة‬
‫يف كل األحوال فلم يتحقق ذلك أبدا قط‪ .‬مل يغفر املسيحيون للجنس املهزوم مناوراهتم‬
‫وفتنهم التي ما فتئوا يشعلون فتيلها يف كل مكان‪ ،‬مل يدعوهم هينؤوا باألمن واألمان‪،‬‬
‫مل تكن لتنطفئ نار الفتنة إال ليشعلوها الحقا يف مكان آخر‪ ،‬كذلك كان شأن املورو‬
‫يف إسبانيا‪ .‬أما الذين قدموا الوالء والطاعة للملك فقد سمح هلم بمزاولة شعائرهم‬
‫وعاداهتم مقابل اإلخالص والوفاء بالعهد له‪ .‬لعب الشعور الديني دورا مهام يف توحيد‬
‫األصوات والرؤى ضد املسلمني يف إسبانيا وكان أمر تتبعهم ومطاردهتم واعتقاهلم‬
‫أمرا حتميا ال مفر منه للحفاظ عىل وحدة البالد وضامن أمنها واستقرارها‪« .‬بقي بيننا‬
‫املدجنون واملستعربون إال أن التجانس بيننا مل يتحقق قط»‪ .‬ولوال الدور الريادي الذي‬
‫قامت به حماكم التفتيش ملا كانت لتصمد حضارتنا وثقافتنا وديننا أمام كل تلك األحداث‬
‫املتتالية((( ‪.‬‬
‫سن دون خايمي لتاروخا قوانني يف فرباير ‪ ((( 1233‬الستتباب األمن يف املنطقة‬
‫وتسيري أمورها‪ .‬ال نتصور أن احدا من النقاد املوضوعيني سيعيب عىل قائد محلته‬
‫اسرتداد بلنسية وإرساءه ملحكمة التفتيش‪ .‬بدوره كان دون فرناندو الثالث صارما اجتاه‬
‫اللصوص‪ ،‬الكفرة‪ ،‬املشاغبني الذين خيلقون الفوىض باستمرار و يبثون الرعب وهيددون‬

‫((( مينينديث بيدال إي بياليو‪ ،‬تاريخ‪ ،...‬ج‪ ،1 .‬الكتاب الثالث‪ ،‬الفصلين ‪ 7 ،2‬والتقديم‪.‬‬
‫((( نشرت هذه القوانين في النموذج االسباني‪ ،‬من طرف مارتيني‪ ،‬ماوري مينينديث وبياليو‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪100‬‬

‫األمن العام‪« .‬كان السبب يف ذلك قسوة الظروف واألوضاع االجتامعية يف إسبانيا كام‬
‫هو الشأن يف باقي مناحي العامل((( ‪.‬‬
‫ال أحد ينكر أنه حينام اسرتجعت طليطلة كانت عملية اإلسرتداد يف صباها‪ ،‬وفرتة‬
‫الشباب مع عودة إشبيلية ومرحلة البلوغ يف اسرتجاع ميورقة والنضج مع دخول بلنسية‬
‫ومرسية‪ ،‬وبذلك حتققت خطوات جريئة نحو الوحدة الدينية للبالد‪ .‬كانت أراغون‬
‫وقشتالة متثالن آنذاك كل شبه اجلزيرة األيبريية باستثناء غرناطة التي كان حيكمها‬
‫املسلمون‪ .‬يف تلك الفرتة ازدهرت احلياة الفكرية إلسبانيا‪ ،‬إذ أقام فرناندو الثالث جامعة‬
‫سالمنكا‪ ،‬وتقرر تدريس لغة الرومانثي القشتالية كلغة رسمية‪ ،‬واعتمد ملك أراغون‬
‫الرومانثي الكتالين كلغة للتداول والكتابة كام كرس جهوده حلامية أدب الرتوبادور‬
‫وكتابة مذكرات حياته بتلك اللغة((( وأقام معهدا لتدريسه يف بلنسية(((‪.‬‬
‫عرفت إسبانيا يف تلك الفرتة قوة ومكانة بني خمتلف أقطار أوربا حتى أهنا كانت تعرف‬
‫بحقبتها احلديدية وهنا ال يمكننا أن ننكر دور دون خايمي يف بناء هذا الرصح العتيد‪ ،‬لقد‬
‫كانت هلزائم ملوك املورو نتائج إجيابية عىل وضعية البالد والعباد وحتقيق وحدة الرتاب‬
‫والدين عىل يديه‪ .‬كان جل املسيحيني ال حيبذون تواجد املولدين أو املدجنني الذين‬
‫خرجوا من صلب مسيحي‪ ،‬ليقينهم بأهنم يتحينون فقط الفرص لالنقالب ضد النظام‬
‫السائد‪ ،‬نظام الغالب‪ .‬كانوا ال يتوانون يف التنسيق مع قراصنة الضفة األخرى لإلغارة‬
‫عىل تراب شبه اجلزيرة األيبريية‪ .‬مل تنفع معهم ال معاهدات السالم وال حد السيوف‬
‫ولكن العناية اإلهلية وبركة الصليب جعلت اإلسبان يتخلصون منهم ويسحقوهنم‪ ،‬كان‬
‫ذلك فعال بفضل معجزة السامء ‪ ،‬حروب ورصاعات دامت ألزيد من ستة قرون‪.‬‬
‫استطاع بيدرو دي نوالسكو أن يؤسس منهجا خاصا لتخليص األرسى‪ ،‬تبعته‬

‫((( تاريخ إسبانيا‪ ،‬ج‪ .‬الخامس‪ ،‬ص‪ 451 .‬وما يليها‪.‬‬


‫((( رسائل تاريخية ونقدية‪ ،‬ج‪ ،4 .‬ص‪ ،228 .‬طبعه في بلنسية بينيطو منفور سنة ‪.1800‬‬
‫((( دراسات قديمة وحديثة‪ ،‬طبع في بلنسية من طرف خوسي دي أرغا‪.1804 ،‬‬
‫‪101‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫يف املنحى نفسه مدن أخرى كقتلونية‪ ،‬بلنسية‪ ،‬أراغون وقشتالة التي أسست األديرة‬
‫وقوت املعاهد الدينية وجاس املسيحيون خالل ديار وقصور املورو ليخلصوا املسيحيني‬
‫األرسى‪ .‬استمر هجوم القراصنة األفارقة عىل شواطئنا مع استمرار تواجد ذلك اجليش‬
‫املندس بيننا‪ .‬كان املسلمون يردون عىل انتصارات وتسامح ملوكنا بالتمرد والعصيان‬
‫والفرار‪.‬‬
‫انفجرت سنة ‪ 1261‬ثورة باألندلس يف مرسية اهنزم خالهلا اجليش القشتايل يف قلعة‬
‫ابن زيد مدعوما ببني األمحر يف غرناطة‪ .‬ويف ‪ 1248‬استطاع بعض املسلمني املتمردين‬
‫اسرتجاع بعض القصور والقلع ببلنسية من يد خايمي الثاين وهم يعلنون حتدهيم مللكه‬
‫وحكمه‪ .‬إال أنه طرد عددا كبريا منهم فخرجوا فارين يف اجتاه مرسية(((‪.‬‬
‫بقي حتت سيطرة دون خايمي من ريض باهلدنة سنة ‪ 1253‬إال أهنم كانوا يف ترقب‬
‫دائم للتمرد من جديد بمساعدة أمراء غرناطة واملغرب وتركيا الذين كانوا يضعون رهن‬
‫إشارهتم جيشا من املسلمني مستعدا للتدخل يف بلنسية متى أشاروا‪ .‬حصل ذلك سنة‬
‫‪ 1276‬حينام كان امللك دون خايمي مريضا يف ألثريا عىل فراش املوت‪ ،‬إال أن إيامنه‬
‫جعله يكلف ابنه دون ݒيدرو باخلروج إليهم ملحاربتهم فرشدهم ورمى هبم خارج مملكة‬
‫بلنسية((( ‪.‬‬
‫مل يكن امللك ليمت ويدع يف مدينته املعشوقة ذلك اجلنس املاكر اخلادع‪ ،‬فرماهم خارج‬
‫أسوارها ليستأصل وجودهم من تراب مملكته‪ .‬كان واجب امللك والدين حيتامن عليه‬
‫ذلك السلوك وحارصهم يف أحياء نائية بجوار اليهود بعد عزهلم عن الساكنة املسيحية‪.‬‬
‫وبعد وفاته خلفه ابنه دون ݒيدرو الذي عمد إىل تنصريهم وأوكل املهمة إىل خوان دي‬
‫بويربينتوس الذي كان يتقن اللغة العربية((( و يعلمها يف املعابد واألديرة ببلنسية ليسهل‬

‫((( وثائق ملكية وتولون‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ 227 .‬وما يليها‪.‬‬
‫((( سبق ذكره‪.‬‬
‫((( القرار الملكي ‪ ،1279‬إسكوالنو مراحل من تاريخ مدينة ومملكة بلنسية‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪102‬‬

‫عملية التنصري والتعريف بالدين الكاثوليكي(((‪ .‬كان يدعوهم للبقاء وإعامر بيا ريال بعد‬
‫اعتناقهم للدين املسيحي اجلديد‪ ،‬ووعدهم بإعطائهم امتيازات خاصة مقابل ذلك(((‪.‬‬
‫تصدى كذلك لفيليبي الذي كان يبسط نفوذه عىل قتلونية(((‪ .‬كانت غاية خايمي الثاين‬
‫تثبيتهم عىل العقيدة املسيحية فأصدر قرارا بذلك يف نونرب ‪ 1297‬وعمل عىل نرش العربية‬
‫والعربية يف الكاتدرائيات واألديرة وخصوصا يف شاطبة لتعليم اليهود واملورو‪ .‬أمر‬
‫امللك بأن خيالف املورو املسيحيني((( يف طريقة ركوهبم للفرس((( ولباسهم((( ويف رسالة‬
‫ملكية مؤرخة ب ‪ 15‬أبريل ‪ ، 1298‬كام أعطى أوامره بمحاكمة املورو الذين خيالفون‬
‫القوانني السائدة وحيدثون األعراف املتداولة بينهم سابقا‪ .‬مل تبق الكنيسة الكاثوليكية‬
‫مكتوفة األيدي وال حمايدة أمام ما جيري يف إسبانيا من حماولة دمج الغالب واملغلوب‪،‬‬
‫فمهدت إىل عملية تنصريهم انطالقا من أوامر البابا كلمينتي اخلامس يف جملس األساقفة‬
‫بفيينا الذي دعا سنة ‪ 1311‬إلنشاء كاتدرائيات هيودية‪ ،‬عربية بمختلف اجلامعات من‬
‫بينها جامعة سالمنكا(((‪ .‬منع املسلمون‪ ،‬الذين بقوا عىل دينهم‪ ،‬من ذكر أسم حممد جهرا‬
‫واآلذان للصالة يف مساجدهم وأرضحتهم(((‪ .‬انطالقا من هذا القانون سن امللك دون‬
‫خايمي الثاين حكام آخر مشاهبا ببلنسية يمنعهم هناك من املناداة جهرا للصالة واألذان‬
‫هبا‪ ،‬وكل من ضبط يصيل يف أماكن عمومية يتعرض ألقىص العقوبة‪ .‬القوانني نفسها‬
‫انتهجها ملك قشتالة وأراغون خالل القرن الرابع عرش(((‪ .‬ولكن مع استمرار هجوم‬

‫((( وثيقة ضمن أرشيف تار يخ أراغون‪ ،‬مج‪ ،42 .‬ص‪ 137 .‬ورقم ‪ ،44‬ص‪.193 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.206 .‬‬
‫((( برنات ديسكلوت‪ ،‬تاريخ كاتالونيا‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬ج‪ ،4 .‬نشره سيباستيان كوملياس‪ ،‬برشلونة‪ ،‬سنة ‪.1616‬‬
‫((( أسكوالنو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬الكتاب العاشر‪ ،‬الفصل ‪ ،1‬ص‪.637 .‬‬
‫((( صدر ذلك التشريع سنة ‪ ،1301‬دياث دوكس‪ ،‬استعمال ومالحظات في أراغون‪ ،‬ص‪.505 .‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( كربوس‪ ،‬خوريس كانونيثي‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.246 .‬‬
‫((( سبق ذكره‪.‬‬
‫((( إسكوالنو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬الكتاب العاشر‪ ،‬الفصل األول‪ ،‬ص‪.638 -637 .‬‬
‫‪103‬‬ ‫الفـصـل الــثالــث‬

‫القراصنة األفارقة عىل شواطئ ليبانتي تم تشديد اخلناق عىل املورو‪ ،‬فخريوا بني الدخول‬
‫يف الدين اجلديد‪ ،‬أن يصبحوا عبيدا أو أحرارا إذا خضعوا لقانون بلنسية املسيحي‪ .‬ويف‬
‫سنة ‪ 1331‬صدر قرار امللك ألفونسو بطرد املدجنني أنفسهم من بلنسية ألنه كان يعرف‬
‫بأن املورو يوفرون احلامية للقراصنة(((‪ .‬وقد طلب البالط من امللك السامح هلم بتجنيد‬
‫الساكنة ملواجهتهم وطردهم نحو الشواطئ حيث حيتمي القراصنة وقد سمح هلم‬
‫بذلك يف هناية ‪ 1386‬بعد عمليات متكررة للقراصنة يف اجتاه شواطئ بلنسية(((‪ ،‬وحول‬
‫استحالة توحيد اجلنسني نذكر نموذجا هاما‪ ،‬رغم القوانني والترشيعات لصاحلهم‬
‫ومحايتهم‪ ،‬كانت النتائج سلبية‪ ،‬إذ مبارشة بعد وفاة القسيس بثينتي ﱠفريرشاهد املسيحيون‬
‫نامذج خمزية صدرت عن النصارى اجلدد‪ ،‬عالمات النفاق والرياء بادية يف كل سلوكهم‪.‬‬
‫مبارشة بعد موت األسقف رأى املسيحيون أن اليهود((( واملسلمني يسارعون بالعودة إىل‬
‫عقيدهتم وعاداهتم ويف سنة ‪ 1455‬تعرض حي املورو إىل حريق مهول‪ .‬مل يكن ذلك‬
‫املشهد غريبا يف املجتمع اإلسباين خالل القرن اخلامس عرش إذ كانت ظروف العيش‬
‫مضطربة نظرا إلهانة املقدسات واستباحتها(((‪ ،‬بسبب الردة((( ووحشية املسلمني(((‪.‬‬
‫عىل الرغم من أن تلك املامرسات قد قلت الحقا فقد عمل امللك عىل سن أحكام صارمة‬
‫ضد املورو الذين حاربوا املسيحية لقرون عدة‪.‬‬
‫تعجب ملك أراغون عند وفاة األسقف سان بثينتي فرير حينام ارتد حوايل سبعة عرش‬
‫ألف من املسلمني واليهود الذين كانوا يتظاهرون بإتباع التعاليم التبشريية البلنسية‪ ،‬األمر‬
‫الذي دفعه إىل التوجه نحو البابا مارتينو اخلامس وطلب منه تنصيب حمكمة التحقيق‬

‫((( ثوريتا‪ ،‬مملكة دون بيدرو دي أراغون‪ ،‬ص‪.136 .‬‬


‫((( إسكوالنو‪ ،‬مراحل تاريخ بلنسية‪ ،‬الكتاب العاشر‪ ،‬ص‪.369 .‬‬
‫((( اتخذت تدابير قمعية ضد اليهود في كل من بلنسية‪ ،‬قرطبة‪ ،‬طليطلة‪ ،‬سرقسطة‪ ،‬برشلونة‪ ،‬الردة ومدن أخرى‪ .‬انظر‬
‫أدولفو دي كاسترو‪ ،‬تاريخ اليهود في إسبانيا‪ ،‬ص‪ 82 .‬وما يليها‪ ،‬طبعة قادس ‪.1847‬‬
‫((( يوميات ألفونسو الخامس‪ ،‬جامعة بلنسية‪ ،‬منشورات أدبية‪ ،‬ص‪.37-34 .‬‬
‫((( اسكوالنو‪ ،‬الكتاب العاشر‪ ،‬الفصل األول‪ ،‬ص‪.638 .‬‬
‫((( أسكوالنو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪.2 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪104‬‬

‫يف بلنسية‪ ،‬التي مل يكن هبا إىل ذلك احلني سوى حمقق وافد من برشلونة(((‪ .‬خالل سنة‬
‫‪ 1420‬تم تعيني أندريس راس حمققا يف بلنسية‪ ،‬وقد شهدت فرتته كثريا من املتاعب إال‬
‫أنه استطاع أن يتغلب عليها بتنصري عدد مهم من املسلمني واليهود خصوصا التابعني‬
‫ملجال نفوذه‪ .‬مل تكن كل تلك التدابري لتحد من ممارستهم لشعائرهم وتعاوهنم مع‬
‫قراصنة إفريقية ضد املسيحيني وملوك أراغون وقشتالة عىل أمل إحياء احلكم اإلسالمي‬
‫من جديد يف إسبانيا‪ .‬رغم القوانني التي سنها دون خايمي ومن تبعه من امللوك من أجل‬
‫توحيد اجلنسني كانت النتيجة سلبية‪ .‬أمام فشل سياستهم يف هذا املجال استعان امللوك‬
‫بالعناية اإلهلية التي كانت كفيلة بنرصهم والتغلب عىل عدوهم‪.‬‬

‫((( إسكوالنو‪ ،‬الكتاب العاشر‪ ،‬الفصل الثاني‪ .‬ص‪.342 .‬‬


‫الفصل الرابع‬

‫الملوك الكاثوليكيون ‪-‬إرساء محاكم التفتيش‪ -‬استرداد‬

‫غرناطة‪ -‬طرد اليهود‪ -‬تمرد المورو في البشارات‪ -‬بوادر المسألة‬

‫الموريسكية‪ -‬بعدها القانوني وطابعها الديني‪.‬‬


‫‪107‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫اختلف املؤرخون يف تقييمهم ملرحلة حكم فرناندو اخلامس وإسابيل األوىل‪ .‬يعتربها‬
‫دون مانويل دانبيال من «أزهى وأرقى مراحل التاريخ الوطني إلسبانيا‪ ،‬ألن وضع البالد‬
‫قبلهم كان سيئا‪ ،‬رديئا ومضطربا خصوصا خالل مرحلة حكم إنريكي الرابع الذي‬
‫لوال العناية اإلهلية آللت كل البالد للهالك‪ .‬يف عهد امللوك الكاثوليكيني عرفت إسبانيا‬
‫أوجها نظرا ملواقفهام احلاسمة التي سعت جلمع شمل املواطنني وحتقيق وحدة البالد»(((‪.‬‬
‫بينام وصف آخرون فرتة حكم فرناندو اخلامس باملخزية وأرجعوا كل أمر مرشف يف‬
‫تلك احلقبة إىل إيسابيالَّ‪« :‬كانت امرأة مقتدرة و المعة‪ ،‬حضيت بتقدير كبري من طرف‬
‫اجلميع‪ ،‬كان هلا الفضل يف القضاء عىل املتوحشني واملنافقني وفرضت قداسة العبادة‬
‫للرب وإعالء الصليب وقهرت أعداء الدين الذين يقضون كذلك مضجع األموات يف‬
‫مثواهم األخري»(((‪.‬‬
‫بفضل توحد عرش ملكي أراغون وقشتالة استطاعت إسبانيا أن تشق طريقها‬
‫القويم نحو وحدهتا الرتابية والدينية وانترص فكر اجلهوية ضد الفيودالية التي كانت هتتم‬
‫بمصاحلها وامتيازاهتا اخلاصة فقط‪.‬‬
‫كانت نافارا وغرناطة تغردان خارج رسب الوحدة الوطنية للبالد‪ ،‬فركز امللوك‬
‫الكاثوليكيون كل اهتاممهم عليهام ومل يلبثوا أن استولوا عىل اململكتني‪ .‬إال أهنم عملوا‬
‫قبل ذلك عىل توحيد العقيدة والدين ألن حرب االسرتداد يف جوهرها إنام هي حرب‬
‫دينية رصفة‪ .‬تم انتقاء ثالثة أساقفة أكفاء للسهر عىل تتبع أحوال النصارى اجلدد ومعاقبة‬
‫املرتدين والسحرة املشعوذين‪.‬‬
‫ويف أكتوبر من السنة نفسها‪ ،‬خالل وجود امللوك الكاثولكيني يف قرطبة وصلهم خرب‬

‫((( محاضرات‪ ،‬ص‪.42-41 .‬‬


‫((( تاريخ اليهود في إسبانيا‪ ،‬ص‪.108 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪108‬‬

‫كونوا خلية رسية خاصة هبم يف إشبيلية‪.‬‬


‫ردة ستة هيود كانوا قد تنرصوا ولكن رسعان ما ﱠ‬
‫كانت الكراهية ضد اليهود سائدة ومنترشة بني الساكنة‪ ،‬كام أن الكاردينال مندوثا وجه‬
‫عدة نصائح للملكة هبذا الشأن‪ .‬ويف سنة ‪ 1479‬تم تشكيل جلنة مكونة من األسقف‬
‫ميغيل ِموريو‪ ،‬خوان دي سان مارتني‪ ،‬الدكتور خوان روي دي ميدينا‪ ،‬قايض خزينة‬
‫اململكة‪ ،‬ودون خوان لويب دي الباركو وكيل اململكة من أجل رصد قضايا الزندقة‬
‫والردة والشعوذة‪ .‬طلب امللوك الكاثولكيون عقد القداس األعظم للبث يف مسألة أعداء‬
‫الدين واملشعوذين ومالحقتهم بالنار واحلديد(((‪.‬‬
‫شعر اليهود باقرتاب العاصفة التي هتددهم‪ ،‬فتم استدعاء هيود إشبيلية وقرمونة‬
‫الذين تنرصوا من طرف أبناء جلدهتم دييغو دي سوسان‪ ،‬مانويل ساويل‪ ،‬بورتلومي دي‬
‫(((‬
‫توراليا للتفاوض بشأن العفو يف حق سبعة عرش ألف رجال‪.‬‬
‫حاولت الكنيسة إصدار عدة مراسيم من أجل تصحيح ذلك الوضع وتعديله‪ ،‬مرة‬
‫برفع عدد املحققني يف حمكمة التفتيش‪ ،‬تارة أخرى بتشديد العقوبة عىل اخلارجني عن‬
‫سيطرهتا‪ ،‬وأخرى بتعيني أسقف إشبيلية دييغو إنريكي‪ ،‬قاضيا وحيدا فيام يتعلق بالقضية‬
‫الدينية‪ ،‬ومرة أخرى إصدار تعليامت للملوك بتطبيق بعض األحكام والقوانني إىل أن‬
‫تم تعيني سنة ‪ 1483‬املحقق العام الناطق باسم القرص وعرش قشتالة القسيس فراي‬
‫توماس دي توركيامدا‪ ،‬الذي بقي رئيسا للمجلس األعىل ملحكمة التفتيش بإسبانيا(((‪.‬‬
‫وملعرفة حقيقة حماكم التفتيش البد للباحثني أن يتناولوا بالدراسة العميقة تلك‬
‫الظاهرة يف تلك احلقبة اهلامة واحلاسمة من تاريخ إسبانيا‪ .‬وعن كل هذه التدابري املتخذة‬
‫يقول أحد املؤرخني‪« :‬بفضل كل هذه القوانني استطاع امللوك الكاثوليكيون ترسيخ مبدإ‬

‫((( دون خوسي أمادور دي لوس رييس‪ ،‬التاريخ االجتماعي‪ ،‬السياسي والديني لليهود في إسبانيا والبرتغال‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،1876‬ج‪ ،3 .‬ص‪.247 .‬‬
‫((( أمادور دي لوس ريوس‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.252 .‬‬
‫((( لورينتي دون خوان أنطونيو‪ ،‬وثائق حول حرب االسترداد في إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،2 .‬مدريد ‪.1813-1812‬‬
‫‪109‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫القوة وتقوية أسس امللك التي يقوم عليها احلكم‪ ،‬حتسيس اإلسبان وحتفيزهم الحرتام‬
‫القانون وحب العدل والعمل ومسح خملفات مراحل احلكم السائدة والنقط السوداء يف‬
‫بعض صفحاهتا‪ .‬كانت هذه املبادئ بمثابة املرتكزات الرئيسية التي قام عليها إيسابيل‬
‫وفرناندو»(((‪ .‬ويف قانون صدر يوم ‪ 7‬يناير ‪ 1469‬ورد اآليت‪« :‬ال يمكننا إال أن نتفق‬
‫عىل حل واحد‪ ،‬القضاء النهائي وإبادة جنس املورو‪ ،‬وقد ورد يف أحد بنود هذا القانون‬
‫أن امللوك الكاثولكيني قد أقسموا عىل تطهري إسبانيا من املسلمني»(((‪ .‬ونظرا للظروف‬
‫السائدة يف غرناطة‪ ،‬بدأ امللكان خيططان لفرض قوانني بشأن املدجنني‪ ،‬مع مراعاة الفكر‬
‫التحرري املتسامح‪ ،‬ألن العقود السابقة كانت تفرض عليهم محاية املورو الذين كانت‬
‫تربطهم وشائج ومعاهدات عىل عهد امللك إنريكي الرابع‪ .‬يف عهده اختذ حراسه من‬
‫املورو فقلدهم يف مظهرهم وطريقة لباسهم وعاداهتم وتغاىض عن احتقارهم ألوامر‬
‫امللوك الذين سبقوه وإساءهتم لصور القديسة والقديسني(((‪.‬‬
‫لقد ترك يف احلقيقة حتديا كبريا وإرثا خطريا أمام امللوك الكاثوليكيني الذين بفضل‬
‫احلزم وقبضة احلديد استطاعوا التغلب عىل األوضاع السائدة‪ .‬لقد كانوا يتصيدون‬
‫الفرصة ويبحثون عن سبب يمكنهم من دخول غرناطة وقد مكنهم من ذلك األمري‬
‫الغرناطي موالي أيب احلسن‪ .‬تقلد عرش بني األمحر منذ سنة ‪ 1465‬إال أنه أراد أن‬
‫حيرر شعبه من اجلزية أو الرضيبة التي يؤدوهنا لعرش قشتالة منذ عهد امللك فرناندو‬
‫الثالث مستغال الوضع الذي توجد عليه اململكة‪ .‬وأمام رفضه ومتاطله بعث له امللكان‬
‫الكاثوليكيان رسوال يطالبه باملال املفروض عىل إمارته فقال خماطبا مبعوث امللكني‪« :‬عد‬
‫وقل مللكيك‪ ،‬لقد مات الغرناطيون الذين كانوا يعطونكم املال ويؤدون للمسيحيني‬
‫عطاياهم وأخربمها بأنه ال يوجد يف غرناطة حاليا إال السيف واحلديد والرماح التي‬

‫((( مانويل دنبيال‪ ،‬سلسلة محاضرات‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.59-58 .‬‬


‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.43 .‬‬
‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.213 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪110‬‬

‫نصوهبا لنحور أعدائنا»(((‪.‬‬


‫استفز ذلك الرد فرناندو وإسابيل وقررا أن خيوضا من جديد غامر ملحمة االسرتداد‪.‬‬
‫حاول األمري مذعورا أن يرشح ويعلل األمر لفرناندو اخلامس بأن السبب كان هو‬
‫االستيالء عىل الزهراء‪ ،‬فردوا عليه ثانية بدخول احلمراء يف سنة ‪ ،((( 1481‬األمر الذي‬
‫زرع اهللع يف وسط املسلمني وتداولت األوساط الشعبية أغاين يف وصف هلعهم‪ ،‬ترجم‬
‫البعض منها وتبتدئ كاآليت‪:‬‬
‫تصيد امللك املورو‬
‫خالل مسالك وأزقة غرناطة‬
‫من أبواب إلبرية‬
‫إىل غاية بريا رامبال‬
‫آه للحمراء!‬
‫وبينام أبو احلسن يستعد السرتجاع احلمراء كان امللوك الكاثوليكيون جيهزون لعملية‬
‫اسرتداد جديدة‪ ،‬ويف ‪ 11‬من يوليوز حصل اشتباك بني املعسكرين تويف خالله دون‬
‫رودريغو خريون ابن دييغو القشتايل‪ ،‬قائد كثاال والذي كان كذلك القائد األعىل لكلرتافا‬
‫وفرسان آخرون‪ .‬هب امللك دون إرناندو إلنقاذ املحارصين وتوجه نحو غرناطة‪ ،‬قلع‬
‫الزرع واجتث الغرس ودخل إقامته وحارص مجيع احلدود ثم عاد منتشيا إىل قرطبة(((‪.‬‬
‫كان هدف املسيحيني املرابطني يف حدود غرناطة هواالستيالء عىل لوشة‪ ،‬فقدوا بعض‬
‫رجاهلم لكن الصدام كان أقل حدة مما وقع يف روطة الرشقية حيث فاجأهم جنود املورو‬
‫بني جبال كوتار‪ ،‬مكان الزال يعرف باسم «عقبة القتىل»‪ .‬هلك خالل تلك املواجهات‬
‫((( األحداث نفسها تطرق إليها كل من واشنطن إرفينك‪ ،‬لفوينتي‪ ،‬أمادور دي لوس ريوس وآخرون‪.‬‬
‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬تاريخ تمرد وعقاب موريسكيي مملكة غرناطة‪ ،‬ج‪ ،1 ،‬ص‪ ،54 .‬طبعة مدريد‪.1797 ،‬‬
‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.56 .‬‬
‫‪111‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫دون دييغو‪ ،‬دون لوپي ودون بلرتان‪ ،‬إخوة مركيز قادس؛ دون لورينثو ودون مانويل‬
‫ابني عمه وكذلك عدد كبري من أفراد عائلته‪« .‬هذه هي املعركة التي جرت أحداثها يوم‬
‫اجلمعة صباحا ‪ 21‬مارس سنة ‪ ،1483‬مات وأرس خالهلا عدد هام من املسيحيني»(((‪.‬‬
‫عرفت الفرتة نفسها خالفات حادة بني أيب احلسن وابنه بوعبديل «الصغري الذي مترد‬
‫ضد أقرباء زوجته عائشة‪ .‬طرد ابن رساج بوعبديل من غرناطة وجهز جيشا بلغ عدده‬
‫ثامنية آالف مقاتال» من أعتا املحاربني األفذاذ الغرناطيني ألجل اجتياز حدود إستجة‬
‫قبل أن يفيق اإلسبان من صدمتهم(((‪.‬‬
‫أرسى نفوذه عىل اجلشانة بينام واصل أبو عبديل طريقه لتفاجئه جنود كونت قربة‬
‫مدعومة برجال قائد لويس دونثيليس ‪ ،‬ويف خندق مرتني غنثاليث تم أرس األمري‬
‫الغرناطي وقتل قائد املورو الذي كان يتوجه نحو لوشة للدفاع عنها‪ .‬عاد بعد ذلك‬
‫املسيحيون حمملني بالغنائم التي سبوها من املسلمني وجردوهم حتى من ألويتهم‬
‫وراياهتم(((‪ .‬انتقموا هلزيمة الرشقية وأرسوا حجر األساس إلهناء عملية االسرتداد‪،‬‬
‫وعن احلدث قال مارمول كارباخال‪« :‬مدة قصرية بعد ذلك تم سجن ملك املورو‬
‫واسرتجعت تلك املدينة نظرا لالضطراب السائد بني ساكنتها‪ .‬يف تلك السنة دخل امللك‬
‫دون إرناندو مع جيوشه إىل باحة غرناطة و مزارعها وخرب احلرث والزرع واجتث‬
‫غوطتها‪ ،‬أشجارها وكرومها‪ ،‬وبعد احتالله لفيال دي لورقة حارص فيال طاخورا التي‬
‫رسعان ما اسرتجعها املورو وحصنوا أسوارها لكنها سلبت منهم جمددا وانترص عليهم‬
‫امللك وعاد ليقيض فصل الشتاء بقرطبة يف هدوء وأمان(((‪.‬‬
‫استسلمت مملكة غرناطة للمسيحيني وتساقطت املدن والقرى الواحدة تلو األخرى‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.37 .‬‬


‫((( لفوينتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ .‬التاسع‪ ،‬ص‪.276 .‬‬
‫((( ردريغو أمادور دي لوس ريوس‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬
‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.59-58 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪112‬‬

‫يف أيدهيم مثل‪ :‬كوين كرطامة روندة ‪ ،‬ماربيا ‪ ،‬مكلني ونقط أخرى‪ .‬وقد سهل هلم تلك‬
‫املسألة أبوعبديل الكبري‪ ،‬الذي خلف أيب احلسن وعم أمري غرناطة املخلوع وقاتل ابن‬
‫عمه‪ ،‬إال أنه وجد نفسه مضطرا للدفاع عن نفسه ضد اجليش الغالب‪ ،‬جيش امللوك‬
‫الكاثوليكيني‪.‬‬
‫استوىل دون فرناندو سنة ‪ 1486‬عىل لوشة بينام كانت األطراف املسلمة تقتتل فيام‬
‫بينها‪ ،‬ثم سقطت يف أيدهيم بيليث‪ ،‬والحقا مالقة و بييثا‪ .‬واستمرت املواجهة بني الطرفني‬
‫إىل غاية ربيع سنة ‪ ،1491‬حينام قرر امللوك الكاثوليكيون االحتفال بعيد الفصح يف‬
‫إشبيلية وفصل الربيع ليتجهوا بعد ذلك نحو غرناطة(((‪.‬‬
‫كانت تلك احلرب حدا فاصال يف العالقة بني املسيحيني واملسلمني الذين انتهى‬
‫حكمهم بعد ثامنية قرون من السيطرة‪ .‬وخالل حمارصة اجليوش املسيحية للمسلمني‬
‫تدخل اليهود لنجدهتم بقيادة السيد أبراهام وإسحاق أباربانيل(((‪ .‬لقد كان حلركته‬
‫وقع مهم عىل اجلنود املسيحيني وعىل امللوك الكاثوليكيني‪ .‬بدورها قامت امللكة إسابيل‬
‫بدعم اجليش ومده خالل حصاره لغرناطة وأغدقت عليه العطايا واملؤونة إىل درجة‬
‫إفراغ خزينة مملكتها‪ ،‬تلك اململكة التي كانت تسيطرعىل عاملني واحد يف إسبانيا وآخر‬
‫يف أمريكا(((‪.‬وبعد حصار استمر ألزيد من ثامنية أشهر‪ ،‬استطاع امللوك الكاثوليكيون أن‬
‫يفرضوا قوانينهم عىل املدينة املحارصة التي تفاوضوا بشأهنا مع أيب القاسم‪ ،‬ويف الثاين‬
‫من يناير ‪ 1492‬دخلوها فاحتني و أقسمواعىل اقتالع معامل كام تقتلع حبات الرمان‪،‬‬
‫واحدة تلو األخرى(((‪.‬‬
‫كانت عدة بنود يف القوانني املتفق عليها ختدم مصلحة املدجنني والغرناطيني‪ ،‬وقد‬

‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬ص‪.80 .‬‬


‫((( رسائل ملكية‪ ،‬ص‪ .308-304 .‬أرشيف بلنسية‪.‬‬
‫((( انظر مارمول كارباخال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.98-83 .‬‬
‫((( أمادور دي لوس ريوس‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.302 .‬‬
‫‪113‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫اضطر امللوك الكاثوليكيون إىل احرتام بعضها حتى خالل أوج حروب االسرتداد‬
‫وحماكم التفتيش‪ ،‬ألن هدفهم األسمى يف النهاية هو احلفاظ عىل االستقرار وحتقيق‬
‫الوحدة الرتابية‪ .‬لكنهم مل يكونوا ليتساحموا مع اليهود املشعوذين والسحرة املرتدين‪ ،‬إذ‬
‫كانت حماكم التحقيق هلم باملرصاد‪.‬‬
‫متيزت فرتة حكمهم باالزدهار واحلذر والنرص‪ .‬لكن رسعان ما تراجعوا عن‬
‫القوانني التي اتفقوا عليها بعد اسرتجاعهم لغرناطة‪ .‬يف ‪ 31‬مارس من السنة نفسها‬
‫عملوا عىل إصدار قانون يقيض بطرد اليهود‪ ،‬إذ ورد يف البند ‪ 38‬ما ييل‪« :‬يمكن لليهود‬
‫املنحدرين من غرناطة والبيازين وأرباضها واألرايض املجاورة هلا أن يستفيدوا من‬
‫تسهيالت هذا القانون‪ ،‬إال أن اليهود الذين سبقوا أن كانوا نصارى وارتدوا يمهلون ملدة‬
‫شهر كي يغادروا األرايض املذكورة»‪.‬‬
‫بينام حيض هيود أملرية بامتيازات هامة تم االتفاق عليها يف ‪ 11‬فرباير لسنة ‪ 1490‬إال‬
‫أهنم رسعان ما تراجعوا عن كل ذلك وحكموا بطرد كل الساميني اإلسبان‪.‬‬
‫رشح امللوك الكاثوليكيون مطوال أسباب ودوافع الطرد يف القانون اجلديد املسطر‪.‬‬
‫كان الرأي العام ثائرا وهائجا ضد املورو واليهود خصوصا بعد اسرتداد غرناطة وشكل‬
‫السيف والصليب أدوات احلرب من أجل إرساء ذلك‪.‬‬
‫حتققت الوحدة السياسية واستمر السعي حثيثا إلنجاز الوحدة الدينية ‪ .‬كان ضغط‬
‫الشعب قويا من اجل إرساء ذلك إذ رآها رضورية وعاجلة‪ .‬فكان ذلك احلراك حاسام إذ‬
‫جعل امللوك الكاثوليكيني يطاردون اليهود دون هوادة‪ .‬إال أن هذا الطرد والتعقب كانت‬
‫له تبعات اقتصادية ومادية‪ .‬رغم رسائل وقوانني التسامح التي صدرت يف حق اليهود‪،‬‬
‫مل يعتربوا قط جزء ال يتجزأ من إسبانيا كام أهنم مل يشكلوا أي متثيلية سياسية يف البالد‪:‬‬
‫«كانوا يعيشون وضع الغرباء والدخالء يف نفارا‪ ،‬أراغون‪ ،‬الربتغال‪ ،‬وقشتالة» مل حيضوا‬
‫قط بثقة املسيحيني الذين كانوا يعتربوهنم «مصاصني للدماء وداعني للفتنة‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪114‬‬

‫كان لطردهم من إسبانيا أثر بالغ عىل األوضاع االقتصادية واملعامالت املالية ألن‬
‫جزء مهام من االقتصاد كان يتمركز بأيدهيم‪ ،‬لكن امللوك الكاثوليكيني‪ ،‬أمام مسؤوليتهم‬
‫التارخيية لتحقيق الوحدة الدينية عملوا جادين عىل إرساء الوحدة السياسية أوال ومحاية‬
‫البالد»(((‪ .‬رغم أن البعض يفرس عملية طرد اليهود بالسلوك العدواين واملتنايف وقواعد‬
‫احلكم العادل(((‪ ،‬إال أهنم حتى خالل وجودهم يف إسبانيا مل يتمتعوا قط بحقوق املواطنة‬
‫كاملة خالل حروب االسرتداد و حماكم التحقيق رغم دخوهلم يف الدين اجلديد لعدم ثقة‬
‫املسيحيني فيهم(((‪ ،‬حوايل ‪ 200‬ألف شخصا خرجوا من إسبانيا بموجب قرار الطرد‬
‫الصادر يف حقهم‪ ،‬إال أنه بقي كذلك عدد هام منهم أعلنوا اعتناقهم للمسيحية ليفروا‬
‫من جحيم الطرد واملطاردة؛ لكن رغم ذلك مل يسلموا من املدامهة واملباغتة يف عقر دارهم‬
‫ليتم التأكد من عقيدهتم اجلديدة أو بقائهم عىل دينهم واعتامدهم عىل مبدإ التقية للنجاة‬
‫بجلدهم‪.‬‬
‫الويل ملن كان يعيش حياة مزدوجة‪ ،‬مسيحي يف اخلارج وهيودي يف الداخل إذ كانت‬
‫حماكم التفتيش أشد رضاوة معهم‪ .‬املوقف نفسه اختذ يف حق املدجنني إال أنه يف بعض‬
‫األحيان كان أقل رضاوة وكان يسمح هلم بالبقاء يف مساكنهم مقابل اعتناقهم الدين‬
‫الكاثوليكي واحلفاظ عىل أمن واستقرار البالد‪ .‬لكن السؤال املطروح هو‪ :‬هل التزم‬
‫املهزومون املغلوبون هبذا الرشط؟‪ .‬سنحاول التعرف عىل هذا اجلواب يف الفصول‬
‫املوالية‪.‬‬
‫وضع امللوك الكاثوليكيون عىل رأس الكنيسة يف إشبيلية العامل العالمة التقى الرحيم‪،‬‬
‫الراهب فرناندو دي تالبريا وعىل رأس اجليش القائد اهلامم الكونت تنديال‪ .‬عمل هذان‬
‫البطالن بكل حرص وحكمة كاثوليكية عىل ترسيخ وتقوية عملية االسرتداد‪ .‬اتصل‬

‫((( أمادور دي لوس ريوس‪ ،‬ص‪.431 .‬‬


‫((( األرشيف العام بسيمنكاس‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،14‬ص‪ 98 .‬وما يليها‪.‬‬
‫((( أمادور دي لوس ريوس‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.394 .‬‬
‫‪115‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫الراهب فرناندو مبارشة باليهود واملسلمني الذين دخلوا الدين اجلديد وغريوا أسامءهم‪.‬‬
‫عمل الرجالن عىل حتقيق اندماج كل هذه األجناس جمتمعة لتشكل يف النهاية اإلسبان‬
‫املسيحيني‪ ،‬تطلبت هذه العملية ما يناهز ثامنية قرون من االقتتال والتطاحن‪.‬‬
‫كانت صورة تاالبريا تشكل وجه رجل الدين السمح املتسامح الذي جيسد القوة‬
‫الدينية للغالب املنترص والذي جيب أن يترصف بكل حكمة جللب مؤمنني جدد بدينه‬
‫وعقيدة أبناء وطنه وملوكه‪ .‬أصدرت امللكة إسابيل تعليامت إىل كل املسؤولني والقواد‬
‫واحلكام أن يعاملوا املورو واملتنرصين معاملة جيدة‪ ،‬وال يفرقوا بينهم وبني إخواهنم‬
‫الذين سبقوهم يف الدين‪ ،‬وأن يعملوا عىل تعليمهم ونرش تعاليم الديانة املسيحية باحلكمة‬
‫واملوعظة احلسنة((( دون إكراه أو عنف»‪ .‬إال أن الواجب الديني والوطني أيضا كان‬
‫يفرضان عليهام أن يسحقا كل ما يمت لإلسالم وملحمد بصلة فوق تراب إسبانيا بأكملها‪.‬‬
‫من يريد من املورو أن يمكث فوق تراهبا البد له أن يدخل يف الدين اجلديد‪ ،‬ومن اختار‬
‫ذلك جيب عليه أن يبيع كل ممتلكاته ويتخىل عنها وال حيتفظ إال بام يسد حاجته الرضورية‬
‫األساسية‪ .‬كان ذلك رشطا أساسيا حلفظ أرواحهم وكذلك الستتباب األمن واألمان يف‬
‫تلك اململكة بغرناطة‪ ،‬بل وإسبانيا بأكملها‪ .‬إال أن املؤكد هو أنه ال يمكن أبدا لذلك‬
‫اجلنس‪ ،‬أي ملسلمي حممد أن حيبوا املسيحيني أو يدعوهم ينعمون باهلدوء وظل السلم أو‬
‫الذين خيلصون للملوك الكاثوليكيني وهم عىل دينه‪ .‬كانوا عتاة‪ ،‬قساة وغالظا أشداءا‬
‫جتاه املسيحيني الذين يعتربوهنم أعداء امللة والدين‪ .‬رغم أن القسوة والقبضة من حديد‬
‫للملوك الكاثوليكيني الذين كانوا يتصورون أن احتكاك املورو بالدين اجلديد سيعلمهم‬
‫مبادئ التسامح ويمأل أركان صدورهم باإليامن حتى يصبحوا مثلهم(((‪ .‬إال أن كل هذه‬
‫السلوكات السياسية والدينية مل تكن فعالة‪ ،‬هل اعتنق املدجنون الدين اجلديد وليس يف‬
‫قلوهبم غل جتاه األقوياء الذين هزموهم وفرضوا عليهم قوهتم وسيطرهتم رغم ختليهم‬

‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.112 .‬‬


‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪.113-112 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪116‬‬

‫الظاهر؟ مل يكن ليثق هبم‬


‫ً‬ ‫عن تالوة القرآن وعن ممارسة شعائر سنتهم عىل األقل يف‬
‫أحد‪ ،‬وكيف يمكن الثقة باملسلمني وهم متشبعون بعقيدهتم وبتعاليم حممد؟ لكن لنسلم‬
‫جدال بأن جهود الفقيه القديس الراهب اإلشبييل قد كللت بالنجاح‪ ،‬وأن املتنرصين قد‬
‫اعتنقوا الدين اجلديد عن قناعة‪ ،‬كيف يمكن القبول بصفح اجلنس املهزوم عن هازمه‬
‫والتجاوز عن سلطته وسلطويته؟ كيف يمكن للمدجنني أن يغفروا ملن مارس حرب‬
‫اإلسرتداد بكل حزم وقوة وجردهم من سكناهم وممتلكاهتم بحد السيف والصليب؟‪.‬‬
‫سلبوا العائلة واألحبة واألرض واملمتلكات ودخلها الغالب املنترص مزهوا‪ ،‬وحاول‬
‫تثبيت مواقفه بإصدار قوانني منظمة وجزرية من بينها الطرد لكل من ال يعتنق ديانة‬
‫الصليب‪ .‬مل تكن األرض وال البالد لتعرف هدوء واستقرارا يف ظل كل هذه املامرسات‬
‫واألجواء‪ .‬مل يكن أبديا وجود الراهب تالبريا رغم أبدية الدين املسيحي وممارساته‪،‬‬
‫فخلفه الراهب املحنك احلكيم فرانسيسكو مخينيث دي ثسنريوس الذي عني عىل رأس‬
‫السلطة الكنسية بطليطلة سنة ‪ (((.1495‬رافق هذا األخري امللكني إىل غرناطة حيث عمل‬
‫عىل تطبيق التعاليم وتنصري املورو»‪ .‬نظم وعقد لقاءات مع الفقهاء وحاول إقناعهم‬
‫باحلجة والدالئل والرباهني واعتنق بعضهم الدين اجلديد ونظرا لألعداد التي دخلت‬
‫يف النرصانية مل يكن ممكنا تتبع كل أحواهلم مما اضطر ثسنريوس إىل صب املاء املقدس‬
‫«حول مسجد البيازين إىل كنيسة ومدرسة تعليمية‬
‫عليهم دفعة واحدة ليطهرهم»(((‪ .‬ﱠ‬
‫حتت رعاية سان سالفادور» إال أن عملية التنصري مل تكن لتمر هبدوء وسالم‪ ،‬وقعت‬
‫اشتباكات عرقلت تلك الوترية وحدت من فعاليتها(((‪ ،‬عارض مورو البيازين بطريقة‬
‫رشسة عملية التنصري ومن أهم املعارضني لتسنريوس رجل إسمه الزغري‪ .‬حرض‬
‫أتباعه ضده وعارض دخول املورو يف الدين الكاثوليكي‪ ،‬إال أنه ووجه بالقمع الشديد‬
‫بعدما فشلوا يف استاملته باللني‪.‬‬

‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( تاريخ إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،10 .‬ص‪.113 .‬‬
‫((( مارمول كارباخال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.114 .‬‬
‫‪117‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫يقول املؤرخون بأن الزغري قد تنرص بعد ذلك ويؤكدون أن تدينه اجلديد كان صادقا‬
‫وقد تبعه يف ذلك عدد ال بأس به من املورو‪ ،‬إال أن الفقهاء وخصوصا املولدين منهم‪،‬‬
‫كانوا خيفون حتت برانيسهم معتقدات رهيبة‪ .‬مل يكونوا لرياقبوا املتنرصين اجلدد يف حياد‪،‬‬
‫خصوصا وأهنم ينتمون إىل دين املغلوب ويرغبون يف تلطيخ أيدهيم بدماء املسيحيني‪،‬‬
‫فأتيحت هلم الفرصة‪ .‬يف أحد األيام بينام خادم ثسنريوس وأحد أعوان الرشطة حياولون‬
‫يف البيازين سحب امرأة‪ ،‬إبنة أحد النصارى الذين اعتنقوا اإلسالم من أجل أخدها‬
‫إىل غرناطة‪ ،‬أطلقت رصاخها عاليا تستنجد‪ ،‬أرسع بعض املورو لنجدهتا من الربض‬
‫املجاور فخلصوها منهم‪ .‬كان ذلك إشارة لالنتقام من املسلمني املتنرصين الذين أرشف‬
‫عىل إدخاهلم يف الدين اجلديد كل من تالبريا وثسنريوس‪.‬‬
‫استنفر املنتقمون ونادوا باسم حممد طالبني النرص واحلرية وحارصوا مسالك ومداخل‬
‫البيازين وحتصنوا ضد مسيحيي املدينة ورشعوا يف مواجهتهم وكان القتال يشتد بينهم‬
‫خصوصا ليال يف جنح الظالم‪ .‬حاولوا اغتيال ثسنريوس((( الذي حتصن يف القصبة إىل أن‬
‫هب إلنقاذه الكونت تندييا‪ .‬عمل عىل هتدئتهم لكنه مل يتمكن إىل غاية قدوم تالبريا من‬
‫مواجهتهم ‪ ،‬فاضطر قائد املسلمني أن يسلمهم أربعة من الرجال الذين تسببوا يف التمرد‬
‫ملحاكمتهم وجعلهم عربة ملن يعترب وأعدموا يف ساحة بريو‪ .‬علم امللوك الكاثوليكيون‬
‫بأسباب االنتفاضة فاستدعوا ثسنريوس‪ ،‬كام أخرب بذلك مارمول(((‪ .‬طلب األسقف‬
‫منهام الرتيث ومواجهة ذلك باحلكمة ومواصلة عملية التنصري وإنزال العقاب عند‬
‫الرضورة « ويف حالة التمرد جيب معاقبة املتسببني يف الفوىض والشغب‪ ،‬والعفو عنهم‬
‫يف حالة عودهتم إىل رشدهم واعتناقهم للدين املسيحي من جديد أو طردهم هنائيا من‬
‫جماهلم الرتايب»(((‪.‬‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.121 .‬‬


‫((( سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫((( كارباخال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.213 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪118‬‬

‫هل كانت تلك النصائح صائبة أم كانت ختدم أهدافا دموية عدوانية؟ مل يكن املورو‬
‫ليستسلموا لألوضاع‪ ،‬وكانت انتفاضتهم متقطعة لكن متكررة حسب املواقف‪ ،‬تارة‬
‫يرهبوهنم بالعقاب الذي سينزل هبم‪ ،‬وأخرى يرفضون مجلة وتفصيال عملية التنصري‪،‬‬
‫ألهنا تتعارض وتعاليم دينهم‪ ،‬وأخرى يشعرون بالدعم خصوصا حينام يبعث هلم‬
‫سلطان مرص إمدادات لنرصهتم وسفراء إىل امللوك الكاثوليكيني يطلبون منهم عدم‬
‫إكراههم عىل اعتناق املسيحية إن هم مل يرغبوا يف ذلك‪ .‬إال أن هؤالء كانوا قد عقدوا‬
‫العزم عىل معاقبة من تسبب يف أحداث البيازين‪ ،‬األمر الذي أفزع املسلمني فعربوا نحو‬
‫إفريقية بينام اعتنق املاكثون دين املسيح لينعموا بالطمأنينة واألمان‪.‬‬
‫ال يمكننا أن نغفل وضع هؤالء الذين دخلوا الدين الكاثوليكي حتت إكراه السيف‬
‫دون تكوين مسبق أو علم بحقيقة هذا الدين‪ ،‬األمر الذي ساهم يف تطور ما سمي‬
‫«باملسألة املوريسكية» يف إسبانيا‪ ،‬التي عرفت أوج حدهتا يف البشارات‪ .‬انترص امللوك‬
‫الكاثوليكيون من جديد وطاردوهم يف هوجيار بسيريا برميخا وأصدروا قرارا يف‬
‫‪ 20‬يوليوز سنة ‪ 1501‬يأمر بطرد املورو الذين عدلوا عن قبول عملية تنصريهم(((‪.‬‬
‫هل عمل امللوك الكاثوليكيون بوصايا ثسنريوس؟ ال نظن ونتصور األمر مستبعدا‪.‬‬
‫لقد خاطبهم بأسلوب العبد املطيع وهو يشكر نعمة الرب عىل اقرتاب حتقيق الوحدة‬
‫السياسية للبالد التي مل يعد ينقصها إال ضم نافارا إىل تراب اململكة‪ .‬كل ما كان هيم‬
‫الرجل هو حتقيق وحدة وأمن البالد وليس وضعية األعداء‪ ،‬إال أن امللوك كان هلم توجه‬
‫آخر وكان حيارصهم نداء الضمري لتحقيق الوحدة دون أن تأخذمها رأفة ورمحة بمن‬
‫تسبب يف زرع الشقاق والنفاق‪.‬‬
‫واصل تالبريا مهمته وكتب للملوك يف ‪ 30‬مارس سنة ‪ 1500‬يقول‪ « :‬من حياول‬
‫مساعديت هنا إنام هو يف الواقع يعرقل مهمتي لكن ربام عن قصد»(((‪ .‬كان يريد من خالل‬

‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.432 .‬‬


‫((( األكاديمية الملكية للتاريخ‪ ،‬مجموعة ساالثار‪ ،‬ج‪ ،11 .‬ص‪.544 .‬‬
‫‪119‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫خطابه اإلشارة إىل األحداث الدامية التي جرت يف البيازين وأزهقت خالهلا أرواح كثرية‬
‫واهتم بتعاطفه مع اليهود حينام توفيت امللكة إيسابيل سنة ‪ (((.1504‬لكن أساليبه اللينة‬
‫مل تأت أكلها‪ ،‬ألن املسلمني يكرهون التخيل عن دينهم وممارسة شعائرهم‪ .‬وقد أبانوا‬
‫عن ذلك بوضوح يف البشارات‪ .‬مل تكن عملية التنصري يسرية وتم التساهل مع من دخل‬
‫يف الدين اجلديد وطرد الرافضون املقاومون وأعطيت التعليامت بذلك إىل حمقق قرطبة‬
‫(((‬
‫يف ‪ 27‬شتنرب سنة (((‪ 1501‬وأصدر قانون آخر يف اشبيلية يوم ‪ 12‬فرباير ‪1502‬‬
‫يقيض بطرد املورو األسبان‪ ،‬إال أن عددا قليال غادر‪ ،‬وفضل اآلخرون الدخول يف الدين‬
‫اجلديد‪ ،‬عىل أن يرتكوا منازهلم وممتلكاهتم‪ .‬عرفت القضية املوريسكية أوجها بني ‪1525‬‬
‫‪ 1526 -‬بسبب أحداث مترد وقع يف ضواحي بلنسية عىل عهد امللك كارلوس األول‬
‫بسبب املراسيم التي أصدرها‪ .‬لتربير ترصفاهتم كان امللوك ووزراؤهم ينطلقون من تعاليم‬
‫وقرارات جملس األساقفة الذي عقد ب لرتان سنة ‪ 1215‬وكذلك من مواقف الراهب‬
‫ݒلينثيا أنوريو الثالث الذي كان يدعو إىل التفرقة وعزل اليهود عن املسلمني‪ .‬لكنه إىل‬
‫جانب ذلك كان يدين كل اعتداء يلحق بالذين مل يتنرصوا ومل يتسببوا يف أي عمل شغب‬
‫أو أحداث ختريب‪ .‬كان الراهب ݒلينثيا يدعو للدخول يف الدين اجلديد عن طواعية ودون‬
‫(((‬
‫إكراه‪ .‬طبق امللوك القوانني السائدة يف طليطلة والتي دخلت حيز التنفيذ منذ ‪1480‬‬
‫وكذلك قوانني غرناطة الصادرة منذ ‪ 20‬يوليوز ‪ 1501‬ويف اشبيلية سنة ‪ ((( 1502‬رغم‬
‫أن بعض املؤرخني فهموا األمر فهام خاطئا وحتاملوا عليهم(((‪ .‬مل يكن امللوك يرغبون يف‬
‫رعايا خائفني من املورو ومل يكونوا يريدون مسيحيني جدد جمربين مضطرين العتناق‬
‫الكاثوليكية‪ .‬رشحوا ذلك بإسهاب يف مدخل القوانني التي أرشنا إليها‪ .‬كان سعيهم‬

‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.374 .‬‬


‫((( نسخة من قرار الملوك الكاثوليكيين إلى أسقف قرطبة‪ ،‬غرناطة ‪ 27‬شتنبر ‪.1501‬‬
‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬
‫((( الفصلين ‪ 13‬و ‪ 19‬من مجموعة « أوامر قصر بيادوليد»‪.‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( قوانين إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،10 .‬طبعة ‪.1850‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪120‬‬

‫حثيثا للتفرقة بني املسيحيني واملدجنني الذين كانوا حيضون بدعم ومحاية بعض النبالء إىل‬
‫غاية ‪ 1609‬حيث حصل بعد ذلك متازج بني اجلنسية وانترصت ثقافة الغالب املنترص‪،‬‬
‫ودخلوا يف الدين اجلديد بنية أو عدمها بغية أن يصبحوا مسيحيني حقيقيني‪ .‬كان ذلك‬
‫املخرج هو الوسيلة الوحيدة ملواصلة حرث أراضيهم والسيطرة عىل االقتصاد والتجارة‬
‫والعيش يف هدوء‪ ،‬يقتفون حترك فقهائهم ويتتبعون مواقفهم منتظرين ساعة استيالئهم‬
‫من جديد عىل احلكم يف إسبانيا‪ .‬شكل الدخول يف الدين اجلديد الطريق املعبد واملسلك‬
‫الصائب للتمتع بحقوق املواطنة والعيش بأمان‪ .‬إال أنه استمرت يف الواقع التفرقة‬
‫بينهم يف األحكام تارة((( وأخرى بحرماهنم من شغل مناصب ووظائف عمومية((( ويف‬
‫أحايني أخرى حرماهنم وعدم السامح هلم بلبس احلرير والذهب واجلواهر واألحجار‬
‫الكريمة((( أو إخضاعهم لقوانني وترشيعات خاصة(((‪ .‬اضطر املدجنون بقبول حفل‬
‫القداس املعظم والتظاهر بالتنرص لعلمهم بأنه قرار األقوياء‪ ،‬رغبة من هزمهم وغاية‬
‫احلكام اجلدد‪ .‬أضحى مفاجئا أن نرى جمموعات كبرية منهم ختيل املكان وترحل خارج‬
‫احلدود حتى حينام مل يفرض عليها التنرص‪ .‬وظهرت املسألة املوريسكية كرد فعل‬
‫طبيعي ضد األوضاع السائدة آنذاك‪ .‬قبل بعض املدجنني بالتنصري حفظا ألرواحهم‬
‫وذوهيم وممتلكاهتم و أطلقت اهليئة الكنسية وجملس األساقفة لقب «النصارى اجلدد»‬
‫أو املوريسكيني عىل الذين دخلوا يف املسيحية((( وللتمييز كذلك بينهم وبني النصارى‬
‫القدامى أو األسبان األصليني‪ .‬كانوا خيضعون للقانون املدين وتعاليم الكنيسة ويتمتعون‬
‫بحقوق سنرسدها الحقا‪.‬‬

‫((( أوامر ملكية من قشتالة‪ ،‬طبعة ‪ ،1850‬القوانين ‪ ،36 ،26 ،20 ،19 ،18 ،15 ،13 ،10 ،4 ،3‬الكتاب الثالث‪،‬‬
‫ص‪.431 .‬‬
‫((( سبق ذكره‪ ،‬الكتاب الثامن‪.‬‬
‫((( القانون رقم ‪.27‬‬
‫((( الكتاب السابع‪ ،‬من التعاليم الملكية المذكورة‪.‬‬
‫((( األمر الملكي رقم ‪ .1510‬أرشيف سيمنكاس‪ ،‬كتابة الدولة‪ ،‬ص‪.209-207 .‬‬
‫‪121‬‬ ‫الفـصـل الــرابــع‬

‫شكل حدث اكتشاف أمريكا واسرتداد نابارا أثرا بالغا عىل الوضع العام يف إسبانيا‬
‫وجمرى حياة الشعب‪ .‬ماتت امللكة إسابيل التي حاربت املارقني عن الدين دون هوادة‬
‫وال تراجع‪ ،‬كام تويف دون فرناندو سنة ‪ 1516‬الذي أوىص أبناءه وهو عىل فراش املوت‬
‫بتعقب أثر املسلمني أتباع حممد بكل تراب إسبانيا لسحقهم وإبادهتم‪ ،‬ألهنم مصدر كل‬
‫بالء وبلية‪ ،‬وأن املوريسكيني إن كانوا نصارى يف مظهرهم فهم مسلمون يف اجلوهر‪،‬‬
‫يامرسون يف خلوهتم عاداهتم وطقوسهم ولغتهم‪ .‬رغب امللوك األسبان ويسعوا إىل‬
‫مسح حتى ذلك اإلسم من كل تراب البالد الذي هدد وحدهتا وفرق بني أهلها لقرون‬
‫طويلة وقض مضجع وحدهتا السياسية والدينية‪ .‬لكن استعىص عليهم حتقيق األمر عىل‬
‫أرض الواقع‪ ،‬وبقيت بذورهم يانعة فوق تلك الرتبة تزهر مرة وتذبل أخرى لتطلع‬
‫من جديد‪ .‬كان الصواب واحلكمة يقضيان بطردهم خصوصا عند دخول غرناطة‪ ،‬أما‬
‫التنصري فلم يكن يف الواقع إال وسيلة حلفظ أرواح مسلمة تتظاهر بالتنرص وتعمد إىل‬
‫مبدإ التقية والتخفي‪ .‬تم أيضا سن قوانني تنظيمية بشأهنم‪ ،‬فعرف القرن السادس عرش‬
‫أعتاها وأشدها‪ ،‬تدعو القوانني هذه إىل طردهم خارج حدود إسبانيا استكامال ملسار‬
‫طبيعي وحتمي وقانوين(((‪.‬‬
‫لقد اخطأ امللك فيليبي الثاين بعدم تطبيقه هذه القوانني‪ ،‬وأعطى املدجنون نموذجا‬
‫سيئا يف التعامل مع األوضاع وأبانوا جليا عىل نذالتهم يف القرن الرابع عرش‪ ،‬ليس فقط‬
‫ألهنم دعموا القراصنة األتراك واألفارقة وسهلوا هلم أمر اإلغارة‪ ،‬ولكنهم أيضا زرعوا‬
‫الشقاق والنفاق والفتن يف البيازين وتظاهروا باعتناق الدين الكاثوليكي بعد حماوالت‬
‫ثسنريوس و تالبريا‪.‬‬
‫وحينام قبل امللوك الكاثوليكيون تطبيق تلك التعاليم وهنج ذلك السلوك اجتاههم‪،‬‬
‫مل يكن بدافع اإلنسانية ولكن كان وسيلة ليدخل أكرب عدد ممكن من املورو يف الدين‬
‫اجلديد‪ .‬مل يقابل تساحمهم إال بالعنف والتمرد وأحداث البيازين والبشارات أحسن دليل‬

‫((( مجلة األرشيف‪ ،‬متاحف ومكتبات‪ ،‬ص‪ ،299 .‬سنة ‪.1899‬‬


‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪122‬‬

‫عىل ذلك‪ .‬كان امللوك الكاثوليكيون عىل وشك تصحيح املسار التارخيي للبالد واالنتقام‬
‫من هذا اجلنس الثائر إال أن املنية وافتهام وحالت دون حتقيق ذلك‪ .‬توىل احلكم بعدمها‬
‫دونيا خوانا و فيليب األول اللذان بالكاد تركا بصامت واهية يف هذا املسار خالل فرتة‬
‫سيطرهتام القصرية ليتسلم من جديد مشعل امللوك الكاثوليكيني كارلوس األول ملك‬
‫إسبانيا وكارلوس اخلامس من أملانيا‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫دون كارلوس األول ‪ /‬الثورات الشعبية بقشتالة ‪ /‬مجموعات‬

‫المتمردين الخرمانوس((( ببلنسية ‪ /‬المتمردون والموريسكيون‪/‬‬

‫تنصيرهم القسري والصبغة الدينية للمسألة ‪ /‬التدابير الملكية‬

‫ضد الجنس الموريسكي‪.‬‬

‫((( المتمردون المنضوون تحت لواء طائفة تدعى «خرمانياس» بدؤوا حملة تنصير قسرية للمسلمين في مملكة‬
‫بلنسية التابعة للتاج اإلسباني على عهد كارلوس األول‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫الفـصـل الــخــامـس‬

‫تويف امللك فرناندو اخلامس يف ‪ 23‬من يناير ‪ 1516‬وتوىل احلكم بعده حفيده كارلوس‬
‫دي غانتي‪ .‬عمل امللك اهلالك بكل قوته عىل تنصري مورو غرناطة ‪ ،‬األمر الذي يكون قد‬
‫أوحى للملوك الكاثوليكيني بسن املرسوم امللكي الذي يدعو إىل طرد الساميني اإلسبان‪.‬‬
‫كام يرجع الفضل لثسنريوس يف طريقة التعامل احلذر يف مثل هذه القضايا احلاسمة يف‬
‫(((‬
‫اململكة‪ ،‬وكيف أنه يف قشتالة كان يدعو إىل‪ :‬امللك‪-‬امللك دون كارلوس سيدنا وملكنا‬
‫وهو حيرض لقدومه‪ .‬عكس كل الذين هرعوا ملقابلة امللك‪ ،‬كانت للرجل نوايا حسنة‬
‫(((‬

‫بعيدا عن كل املعامل الشخصية واخلالفات والوشاية‪ ،‬واستطاع أن يؤثر كذلك عىل أعضاء‬
‫هيئة «جملس قشتالة»((( رغم أن مقرتحاته مل ترق األعضاء كلهم‪.‬‬
‫لسوء حظ امللك كارلوس األول‪ ،‬كان عليه مواجهة وقمع تطلعات سوفاش‬
‫(((‬

‫مستشاره اخلاص ورجل الدولة الكبري إىل جانب الرجل املعروف شفريس‪ .‬كان تواطؤ‬
‫هذين الرجلني سببا يف هالك إسبانيا‪.‬‬
‫أول عمل قام به امللك اجلديد‪ ،‬هو عقد معاهدة سالم مع ملك فرنسا حتى يتمكن‬
‫من عقد قرانه عىل ابنته‪ ،‬أيام قالئل بعد ذلك اجته نحو فيال بثيوسا يف يوم ‪ 19‬شتنرب‬
‫‪ ((( 1517‬مرفوقا بشقيقته األمرية دونيا ليونور وموكب كبري من بينه شخصيات بارزة‬
‫مثل شفريس‪ ،‬سوفاش وغوريلو‪.‬‬
‫يف «روا» يوم ‪ 8‬دجنرب من السنة نفسها ووري جثامن ثسنريوس‪ ،‬ذلك الرجل العظيم‬

‫((( الدكتور لورينثو غالينديث‪ ،‬وثائق مختصرة عن تاريخ الملوك الكاثوليكيين‪ ،‬الفصل العاشر‪ ،‬ص‪.374 .‬‬
‫((( غالنديث‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفصل السابع عشر‪ ،‬ص‪ ،396 .‬ج‪.18 .‬‬
‫((( غالنديث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.167 .‬‬
‫((( كان يسميه غالنديث خوان المتوحش‪.‬‬
‫((( غاريباي‪ ،‬ساندوبال‪ ،‬ثونييغا ومؤرخون آخرون يؤكدون التاريخ المذكور‪ ،‬رغم أن الدكتور غالينديث يحدد تاريخ‬
‫اإلبحار ثمانية أيام بعد ذلك‪ ،‬أي يوم ‪.27‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪126‬‬

‫«الذي مل يكن له قط عدو إال أعداء الدولة املارقون عن تعاليم الصالح العام»(((‪.‬‬
‫مات بسبب جحود امللك «الذي متت مبايعته يف برشلونة قبل أن يؤدي القسم يف‬
‫البالط‪ ،‬كان لذلك السلوك تبعات سياسية كبرية‪ ،‬وقد انتفض يف ذلك احلني الدكتور‬
‫ثوميل مذكرا بأن امللك قد نيس أن يقسم بأهم األشياء‪ ،‬طرد كل الغرباء من البالط وإبعاد‬
‫املقربني منهم عن سدة احلكم»‪ .‬وقد عم غصب عارم كل األوساط‪ ،‬النبالء واملقربني‬
‫من امللك والشعب أيضا‪ ،‬استاء اجلميع من تقريب األجانب خصوصا حينام توىل ابن‬
‫أخ شافيس املسؤولية الدينية الكربى يف طليطيلة‪ .‬عم يف البالط وباقي األوساط حتى‬
‫بالكنيسة سخط عارم ضد األجانب (((‪ .‬وجد رجال الدين أنفسهم حتت سيطرة وتوجيه‬
‫الوزراء الذين حييطون بامللك‪ ،‬األمر الذي أدى إىل مترد صاخب يف بلنسية باإلضافة إىل‬
‫قشتالة ومناطق أخرى‪.‬‬
‫سنشري بعجالة وسطحية إىل هذه احلركة((( إال أننا لن نغفل دور املرتدين يف إشعال‬
‫وكذلك انتفاضة املورسكيني‬ ‫(((‬
‫فتيل هذه األحداث وهذا التمرد العارم يف قشتالة‬
‫ودورهم يف أحداث بلنسية‪ ،‬إذ اشتدت املواجهات بني مكونات عدة ومل ينس البعض‬
‫االنتقام من النبالء الذين كانوا يوفرون احلامية للمورسكيني ومل يساحموا الوزراء الذين‬
‫كانوا يفرضون عليهم رضائب باهظة‪.‬‬
‫قد ال يبدو مربرا طردهم ضد النبالء ألن سلوكهم كان يؤطره قانون اعرتف به البالط‬
‫وامللك((( وتم اعتامده يف قانون حميل(((‪.‬‬
‫كان األسياد يسمحون خلدمهم وتابعيهم من املسلمني بمامرسة شعائرهم الدينية‬

‫((( تاريخ إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،5 .‬ص‪ .145 .‬قلعة غاليانو‪ ،‬ج‪ ،4 .‬ص‪ ،191 .‬طبعة مدريد‪.1844 ،‬‬
‫((( دون مانويل دنبيال‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.84 .‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( انظر رسائل المركيز مونديخار إلى جاللة الملك‪ ،‬تاريخ ‪ 3‬و ‪ 12‬مايو ‪.1521‬‬
‫((( فرنانديث إي غنثاليث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.441 .‬‬
‫((( دييغو دي غومييل‪ ،‬بلنسية‪ ،1515 ،‬يمكن مراجعة الفصل السابع المتعلق بدون خايمي‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫الفـصـل الــخــامـس‬

‫وعاداهتم‪ ،‬األمر الذي أجج مشاعر الكراهية ضدهم لدى املتمردين بضواحي املدن‬
‫الكبرية مثل بلنسية‪ ،‬وقد ازداد سخطهم خصوصا حينام محل هؤالء املارقون السالح‬
‫ملواجهتهم‪ ،‬فأكدوا خطأ محايتهم وإبقاءهم عىل قيد احلياة‪ .‬ومحل املوريسكيون السالح‬
‫ليس من أجل الدفاع عن وحدة البالد‪ ،‬ليس محاية لنظام امللكية الذي كانوا يتمنون‬
‫تصدعه وزواله‪ ،‬وإنام حلامية أسيادهم النبالء الذين كانوا يوفرون هلم احلامية ويمكنوهنم‬
‫من ممارسة رشيعتهم املحمدية وحيمون بقاءهم بإسبانيا مقابل مبالغ مالية ختدم مصاحلهم‪.‬‬
‫مل يكن امللك كارلوس األول هيتم كثريا باألحوال الداخلية للبالد وتوجه نحو أملانيا‪.‬‬
‫كان لغيابه أثر بالغ يف تأجيج أحداث بلنسية‪ ،‬ورغم بعثه للكاردينال أدريانو مل يكن‬
‫هؤالء املتمردون ليلقوا باال ملا يقوله أو يمليه عليهم أو يأمرهم به‪ .‬فلقد كانوا يطرحون‬
‫بحدة مشاكل األوضاع االجتامعية املنفلتة و املزرية‪.‬‬
‫وحينام رأوا احلامية التي حيظى هبا النبالء من طرف أتباعهم املوريسكيني‪ ،‬كرشوا‬
‫عن أنياهبم وانقضوا عليهم كالفرائس‪ .‬لكن النبالء اعتمدوا عىل القوة‪ ،‬عىل العدد الذي‬
‫حيميهم‪ ،‬وأدى الثوار املتمردون الثمن غاليا من دمهم وأرواحهم‪ .‬استطاع سوريا‪،‬‬
‫برييس‪ ،‬وآخرون ستيليس أن يطلعوا عن كثب عىل األعداد اهلائلة من املوريسكيني‪ ،‬من‬
‫اجلنس املسلم الذي يوفر احلامية للنبالء ويدافع عنهم‪ .‬عدد كبري من املورو من بينهم‪ ،‬مل‬
‫يكن قد تنرص وال نزلت عليه قطرة من املاء املقدس وقد عمل الثوار عىل القيام بذلك‬
‫بأنفسهم‪ .‬إال أن العقاب الكبري حل باملدجنني اخلونة الذين وفروا احلامية للنبالء يف‬
‫مواجهتم ضد املتمردين من أبناء الشعب‪ .‬حني أحس هؤالء األغنياء بأهنم املالكون‬
‫الوحيدون لألرايض واملمتلكات وتصوروا أهنم أيضا يملكون سن قوانني وترشيعات‬
‫وعدل يناسبهم‪ .‬لكن ترك املورو اإلسبان عىل دين نبيهم حممد قد تسبب يف كثري من‬
‫الفوىض واألذى وشكلوا بذرة خطرية عىل وحدة البالد واستقرارها‪ ،‬فصدر قرار سنة‬
‫‪ 1521‬يقيض بتنصري كل املورو هناك ويف ربض شاطبة ومناطق أخرى باملجال الرتايب‬
‫لدوق غانديا و كونت أليفيا ومركيز لومباي‪ ،‬إذ يف فرتة وجيزة تنرص عدد كبري من املورو‪،‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪128‬‬

‫وقد أصدرت أوامر بتحويل مساجدهم إىل كنائس وإقامة القداس هبا‪ .‬استكان املورو‬
‫اجلبناء أمام هذه األوامر خوفا من املوت رغم محلهم للسالح وقبلوا وخضعوا لعملية‬
‫التنصري((( ‪.‬‬
‫اقتفى الثوار املتمردون أثر املورو وأسيادهم النبالء الذين كانوا يوفرون هلم احلامية‬
‫ومل يمكن بعضهم من النجاة إال عملية التنصري والتحول إىل الدين اجلديد رغم أن‬
‫بعضهم خضع هلذه العملية قرسا وعنوة وأستمرت هذه العملية يف كل األماكن املذكورة‬
‫باإلضافة إىل مناطق أخرى وصلت إىل بولوس‪.‬‬
‫احتمى بعض املورو يف مرتفعات القلع والقصور لكنهم استسلموا يف النهاية وقبلوا‬
‫بالتنصري‪ ،‬وقد تم ذبح أزيد من ‪ 600‬شخصا منهم دون الوفاء بحاميتهم إن هم دخلوا‬
‫يف الدين اجلديد‪ ،‬وعللوا السلوك بأنه تقديم القرابني للسامء‪ ،‬واملال للجيوب وبذلك‬
‫يكونوا قد حققوا رضا الرب ورضا القائمني عىل الدين والدنيا(((‪ ،‬إال أن عملية التنصري‬
‫هذه مل تتم بنفس الوثرية يف كل األماكن(((‪.‬‬
‫لقد كانت مقاومة التنصري شديدة خصوصا بداخلهم‪ ،‬وأجربوا بقبوهلا عىل مضض‪،‬‬
‫مما أجج حقدهم وجعل املسألة املوريسكية تشكل خطرا كبريا ومنعرجا هاما يف تاريخ‬
‫البالد(((‪ .‬كام أنه ال يمكن إغفال اإلشارة إىل أن هذه العملية يف بعض احلاالت كانت‬
‫غري رشعية‪ .‬كل تلك التدابري مل تكن لتحد من قوهتم وال لتنفي حقدهم وعداءهم‪،‬‬
‫و بإسم األب والروح القدس‪ ،‬وتم تطبيق عملية التنصري‪ .‬تعالت أصوات املعارضة‬
‫قوية يف ‪ 9‬يوليوز ‪ 1391‬يف كنيسة سان كريستوبال حينام رفض اليهود قبول طقوس‬
‫التنصري‪ ،‬وقد حصلت وقائع مهولة تصف عملية الدخول يف الدين اجلديد هلؤالء اليهود‬

‫((( داميان فنسكا‪ ،‬ص‪ 11 .‬من كتاب طرد الموريسكيين من إسبانيا ‪ ،‬مج‪ ،1 .‬ص‪.478 .‬‬
‫((( حقبة من تاريخ بلنسية‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،690 .‬طبعة ‪.1879‬‬
‫((( المتمردون الخرمانوس في بلنسية‪ ،‬ص‪.471 .‬‬
‫((( الكتب القديمة في األرشيف العام ببلنسية‪ ،‬ص‪.366-365 .‬‬
‫‪129‬‬ ‫الفـصـل الــخــامـس‬

‫املارقني املاكرين‪ .‬تطرقت هلا بالرسد والوصف وثائق تارخيية عدة‪ .‬لقد كان أجدادنا‬
‫يؤمنون أكثر باملسائل الغيبية‪ ،‬ويعتربون عمليات مترد املورو ومعارضة اليهود عقابا من‬
‫السامء‪ ،‬للسامح هلم باملكوث فوق تراب اململكة‪ .‬لقد كان اإلسبان القدامى يؤمنون بكل‬
‫تعاليم الكنيسة ويدافعون عنها باستامتة‪ ،‬إال أن التطرف الديني عرف مراحل حرجة‬
‫خالل القرن السادس عرش‪ .‬فال يمكن أن نغفل أيضا أن الثوار املتمردين بأحواز بلنسية‬
‫قد شعروا باإلحباط وخيبة األمل ورسقة ثمرة جمهودهم ومرشوعهم‪ ،‬خصوصا حينام‬
‫أصدر امللك كارلوس األول سنة ‪ 1521‬املرسوم القايض بطرد املورو خارج حدود‬
‫اململكة‪ ،‬دون أن يتم تطبيق ذلك نظرا للحامية التي كان يوفرها هلم النبالء‪ ،‬واكتفى‬
‫الوزراء بقبول اجلزية والرضيبة التي تؤدهيا املساجد مقابل استمرارها‪ .‬لقد كانت‬
‫تراعى املصالح اخلاصة ويرضب عرض احلائط بالصالح العام واملصالح العليا للبالد‬
‫وللمسيحيني القدامى الذين كانوا حيلمون باستئصال املورو ومشاهدة جماهلم الرتايب‬
‫طاهرا من تواجدهم وحركتهم‪.‬‬
‫وإذا كان امللك ينصت لغضب الرأي العام وشكاياته‪ ،‬فإنه مل يكن ليشف غليل‬
‫الغاضبني رغم تدابري صارمة مقنعة ‪ ،‬األمر الذي دعا إىل ارتفاع عدد الغاضبني رغم‬
‫جهود حماكم التفتيش‪ .‬كانت عملية التطهري مهمة صعبة وذلك لتامزج الدم املسيحي‬
‫باملسلم‪ ،‬متازج املامرسات اليومية والعادات وقد ورثنا كثريا عن املسلمني اإلسبان‪.‬‬
‫كراهية املسيحيني اإلسبان كانت قوية وشديدة اجتاه املورو‪ ،‬شأهنم مع اليهود سابقا‪.‬‬
‫كانوا يودون أن يروهم حطبا لنار حمرقة تأيت عىل أخرضهم ويابسهم‪ ،‬وتسحق ومتحي‬
‫تواجدهم من فوق أرض اململكة املقدسة‪ .‬لكن السؤال الذي يطرح بحدة هو‪ :‬هل متكن‬
‫املتمردون البلنسيون خالل عملية التنصري من خلق مسيحيني جدد حقيقيني؟ ويف حالة‬
‫اجلواب باإلجياب‪ ،‬إىل أي حد كان هؤالء املتدينون اجلدد عازفني عن ممارسة الدين‬
‫املحمدي؟ يمكن اجلواب عن هذا السؤال بشقني اثنني‪ :‬حينام كان املورو يتنرصون عن‬
‫طواعية‪ ،‬فقد كان يصدق تنرصهم لكنهم حينام كانوا جيربون عىل ذلك كانت فتيلة التمرد‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪130‬‬

‫وكراهية املسيحية متقدة بداخلهم تتحني أقرب فرصة الستئصال وإحراق من حييط‬
‫هبم‪ .‬كانوا مدجنني بامتياز‪ ،‬لكنه ال يمكننا أن نثبت ذلك بجميع معايري الدقة العلمية‪،‬‬
‫رغم أن حماكم التفتيش قد أثبتت العديد من شكوكنا وتساؤالتنا يف مناطق متعددة مثل‬
‫شاطبة‪ ،‬الوري‪ ،‬الربكة‪ ،‬القرص‪ ،‬أالسكري‪ ،‬منتريا وأماكن أخرى‪ .‬تم حتويل املدجنني‬
‫إىل موريسكيني وبالتايل إىل مسيحيني‪ ،‬وبرفضهم ممارسة شعائر الدين اجلديد‪ ،‬تعرضوا‬
‫ملتابعة وترصد حماكم التفتيش دون شفقة أو رمحة كام حكى ذلك بعض املوريسكيني((( ‪.‬‬
‫وحسب أسقف سيغوريب ‪« :‬كانت انطالقة عملية تنصري املوريسكيني سيئة وسلبية يف‬
‫مملكة بلنسية‪ ،‬ربام أكثر سوء مما حصل يف غرناطة سنة ‪.1521‬‬
‫لقد تم تنصري مورو شاطبة و غانديا بالعنف والسيف وهتديدهم باملوت والقتل‬
‫(((‬

‫يضيف برييث بأنه قد تم قتل أكثر من ‪ 600‬موريسكيا يف أنييس بعد تنصريهم وقد سمح‬
‫البابا أدريانو السادس للذين مل يريدوا التنرص بالبقاء وأال تتم معاقبتهم‪ ،‬لكن رسعان ما‬
‫حكمت حماكم التفتيش بأحكام مناقضة لذلك وتتبعت أثرهم باحلديد والنار(((‪.‬‬
‫لندع جانبا البعد الديني لعملية التنصري لدى املوريسكيني‪ ،‬ولنتابع حياهتم االجتامعية‪،‬‬
‫رغم دخوهلم يف الدين اجلديد‪ ،‬مل يفتؤوا يامرسون شعائر دينهم اإلسالمي يف اخلفاء‪ ،‬كلام‬
‫تصيدوا الفرصة لذلك‪ ،‬واصلوا دعمهم للقراصنة األتراك واألفارقة مسهلني عملية‬
‫رضب مصالح البالد‪ ،‬األمر الذي حرك ضدهم امللك باختاذه تدابري صارمة يف حقهم(((‪.‬‬
‫ويف مراحل متعددة عمدت الدولة إىل جانب الكنيسة وحماكم التفتيش إىل التفريق‬
‫رشوكة والدكتور باالثيو‪،‬‬
‫بني املرتد واملارق والساحر املشعوذ‪« :‬لقد بث حمقق التفتيش ﱠ‬
‫قايض بلنسية وميسري باس واألب مارتني سانشيس‪ ،‬الذين تم تعيينهم من طرف امللكة‬

‫((( األرشيف المركزي‪ ،‬استرداد بلنسية‪ ،‬رقم ‪ ،299‬ص‪.402 .‬‬


‫((( تم طبع هذا الكتاب سنة ‪ 1525‬من طرف شيمينو إي صورلي‪.‬‬
‫((( أرشيف سيغوربي‪ ،‬ج‪ .‬وثائق األسقف بيريث‪ ،‬سنوات ‪.1600 -1592‬‬
‫((( الوثيقة األصلية توجد بالمكتبة الجامعية ببلنسية‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.87 .‬‬
‫‪131‬‬ ‫الفـصـل الــخــامـس‬

‫خرمانا‪ ،‬يف عملية تنصري املورو‪ ،‬والنظر إىل ذلك األمر هل تم طواعية أم قرسا؟ وكيف‬
‫كان تأثري الفعل عىل حياهتم اليومية؟ وهل متردوا بعد ذلك أو انتفضوا؟ لقد تكلفوا‬
‫بإعطاء تقارير مفصلة إىل مؤسسة حمكمة التفتيش(((‪.‬‬
‫وحني توصل املفتش العام باملعلومات الالزمة كان يوجهها إىل امللك((( الذي عمد‬
‫إىل تعيني جلنة تسهر عىل التنرص احلقيقي للموريسكيني واعتناقهم الدين اجلديد بكل‬
‫مقاييس اإلخالص والقناعة‪ .‬كتب إىل والدته دونيا خرمانا يف خطاب بتاريخ ‪ 11‬فرباير‬
‫‪ 1524‬كي يتتبع حمقق التفتيش باملدينة إىل جانب نائب األسقف العام هذه املسألة عن‬
‫كثب‪ ،‬ويف اآلن نفسه رد عىل أسقف إشبيلية يمجد شعوره وإحساسه ويسمح له بتطبيق‬
‫تعاليم خطابه وأوامره حيث وجد ((( ‪.‬‬
‫طلب هذا األخري من حمققي بلنسية مده بالتقارير عن الوضع عندهم ليتم عرضها‬
‫يف اجتامع مدريد (((‪ .‬ويف ‪ 28‬من أبريل السنة نفسها كلف مجيع حمققي حماكم التفتيش‬
‫بتطبيق العفو والرمحة اجتاه املتنرصين اجلدد(((‪.‬‬
‫شغلت املسألة املوريسكية كل األطياف‪ ،‬وقد كان عىل رأس املسؤولني املهتمني البابا‬
‫كلمينتي السابع الذي توىل زمام األمر بنفسه يف ‪ 15‬مايو ‪ ،1524‬وطلب من امللك أال‬
‫يستهني بمراقبة هؤالء‪ ،‬وطلب من حمققي كنائس التفتيش أن حيددوا أجال لتنصري كل‬
‫املورو املتبقيني أو طردهم من إسبانيا‪ ،‬إال أن امللك من بالطه أصدر أوامر بعدم طرد ذلك‬
‫اجلنس‪ ،‬ويف ‪ 3‬نونرب من السنة املوالية‪ ،‬كتب إىل املفتش العام يأمره بتطبيق تعاليم البابا(((‪.‬‬
‫ويف املقابل اجتمع بمدريد املجلس املذكور يف دير سان فرانسيسكو‪ ،‬وذكر بالتدابري املتفق‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬كتابة الدولة‪ ،‬رقم ‪.329‬‬


‫((( الوثيقة رقم ‪ 1‬من مجموعة الوثائق الدبلوماسية ضمن هذا الكتاب‪.‬‬
‫((( األرشيف العام بسيمنكاس‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،6‬ص‪.20 .‬‬
‫((( رسالة وجهها أسقف إشبيلية إلى محققي محاكم التفتيش‪ ،‬برغش ‪ 61‬أبريل لسنة ‪.1524‬‬
‫((( وجهت نسخة من الرسالة إلى كل محاكم التفتيش‪ ،‬المؤرخة ببرغش بتاريخ ‪ 28‬أبريل سنة ‪.1524‬‬
‫((( الوثيقة رقم ‪ 2‬من مجموعة الوثائق الدبلوماسية‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪132‬‬

‫عليها يف حق مورو األحواز الذين دخلوا يف الدين اجلديد‪ (((،‬وبعث امللك الحقا مذكرة‬
‫بتاريخ ‪ 4‬أبريل ‪ 1525‬يذكر بالنقط املتفق عليها أيضا خالل اجتامع اهليئة املذكورة‪،‬‬
‫ويأمر بأن يتم االعرتاف الكيل باملتنرصين اجلدد كمسيحيني كاميل األهلية واحلقوق‬
‫بعدما اعتنقوا الدين اجلديد عن طواعية ورضا(((‪ .‬وهبذه الوثيقة يمكن اعتبار مشكل‬
‫املسألة املوريسكية قد حل واتنهى يف بلنسية واعترب املتنرصون القادمون من الضواحي‬
‫املتمردة مسيحيني حقيقيني حسب القوانني العامة‪ ،‬ووعدوهم باملساواة مع املسيحيني‬
‫القدامى‪ .‬إال أن أحد رجال الدين مثل خايمي بينيت مل ينصح بتنرص املدجنني‪ ،‬لكن‬
‫األمر تم يوم ‪ 10‬مايو للسنة نفسها بقيادة دون غاسبار دي أبالوس‪ ،‬أسقف وادي آىش‪،‬‬
‫ومبعوث املحقق العام ملحاكم التفتيش‪« :‬توجه اجلميع يوم األحد إىل الكنيسة الكربى‬
‫لالستامع إىل األسقف ملعرفة سبب اجتامعهم ودعوهتم‪ .‬وبعد التقديم تال مذكرتني‬
‫ومرسوما وطلب من املورو املسيحيني اجلدد أن خيضعوا لثالث عمليات من أجل تثبيت‬
‫ذلك عىل ثالثة مراحل‪ ،‬عرشة أيام لكل واحدة منها أي ملدة ثالثني يوما واالستفادة من‬
‫تعليامت وقوانني دينية ليخضعوا طواعية وكليا لتعاليم الكنيسة املقدسة ويف حالة ثبوت‬
‫العكس‪ ،‬ستتم متابعتهم القانونية واحلكم عليهم باإلعدام واالستيالء عىل ممتلكاهتم(((‪.‬‬
‫عينت امللكة دونيا خرمانا أعضاء اللجنة الذين يساعدون املكلفني بالسهر عىل تطبيق‬
‫هذه التعليامت‪ ،‬وكان عىل أعضاء بلنسية أن يتوجهوا ملجريط للتدخل خالل أشغال‬
‫اللجنة املذكورة‪ .‬وهبذا أمر كذلك من مقره املفتش العام إىل زمالئه يف بلنسية بتاريخ ‪14‬‬
‫شتنرب (((‪ . 1524‬مرت أشهر عديدة عىل وصول اللجنة إىل بلنسية املكلفة بالسهر عىل‬
‫تطبيق األوامر والتدابري املتخذة يف حق املورو من أجل تنصريهم‪ .‬إال أن النبالء والوجهاء‬

‫((( نفسه‪ ،‬رقم ‪.3‬‬


‫((( ماركوس دي غواداالخارا إي خابيير‪ ،‬الطرد الصائب و الترحيل المبرر للموريسكيين من إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.‬‬
‫‪.164‬‬
‫((( دون خايمي بليدا‪ ،‬تاريخ المورو في إسبانيا‪ ،‬الكتاب الخامس‪ ،‬الفصل ‪ ،29‬ص‪.647 .‬‬
‫((( الرسالة التي وجهت إلى كل محققي التفتيش ببلنسية‪ ،‬المؤرخة ببايادوليد ‪ 14‬شتنبر ‪.1524‬‬
‫‪133‬‬ ‫الفـصـل الــخــامـس‬

‫الذين كانوا حيضون بحامية خاصة رفضوا التخيل عن محاية أتباعهم املوريسكيني أو‬
‫إجبارهم عىل التنرص أو فقدان السيطرة عليهم‪ .‬وقد واعدوا بحفظ األمان وأمن اململكة‬
‫يف تلك البقعة‪ ،‬ومل حيصلوا عىل ذلك إال حينام عملوا عىل محاية مصالح حماكم التحقيق‬
‫باتفاق مع هذه األخرية‪ ،‬وحتقيق رغبات امللك واملفتش العام((( ‪.‬‬
‫كتب دون كارلوس إىل دون غاسبار دي أفالوس يف ‪ 5‬غشت سنة ‪ 1525‬بحثه عىل‬
‫مواصلة املهلة التي بدأ يف تطبيقها((( كام توجه يف التاريخ نفسه بالشكر إىل دوق غانديا‬
‫يشكره عىل االهتامم الذي أبداه من أجل تطهري جماله الرتايب من املورو املرتدين اخلونة‬
‫الذين يرفضون طقوس ومراسيم التنصري((( ‪ .‬كام عاتب الكونت أليفا عىل ختاذله وتقاعسه‬
‫أمام إمتام تلك العملية وتلك املعركة(((‪ ،‬وعرب عن استيائه أيضا ملحلفي بلنسية إليفادهم‬
‫مبعوثني إىل مفتشني يطلبون منهم التوسط للموريسكني‪ ،‬وشدد عىل أن استمرار احلياة‬
‫اآلمنة يف بلنسية إنام يتعلق بتلك املسألة(((‪ .‬كام أبلغ رسميا كل رعاياه بإصدار قانون يمنع‬
‫اجلميع من محاية املورو أو تقديم أي مساعدة هلم يف حالة رفضهم الدخول يف الدين‬
‫اجلديد‪ ،‬ويف حالة قبوهلم يصبحون إسبانيني يتمتعون بجميع حقوقهم(((‪.‬‬
‫لقد بدأ النظام مرصا عىل القضاء عىل ذلك اجلنس‪ ،‬وعدم التسامح مع أي أثر‬
‫للمدجنني الذين كانوا يسعون بكل الطرق ملواصلة ممارستهم لشعائرهم وعاداهتم‬
‫ولغتهم‪ ،‬وكان عداؤهم قويا وشديدا أمام كل ما هو مسيحي‪ ،‬إذ كان بالنسبة لنا يف تلك‬
‫الفرتة مرادفا لكل ما هو إسباين‪ .‬فر العديد منهم إىل مرتفعات برنية وكان ذلك سببا كافيا‬
‫للتأكد من إحساس وسلوك التمرد والعداء البارز لدين وأمن إسبانيا‪ ،‬وقد أدى ذلك‬

‫((( رسالة أسقف إشبيلية إلى قضاة بلنسية‪ ،‬المؤرخة في طليطلة يوم ‪ 12‬يونيو ‪.1525‬‬
‫((( انظر نسخة من القانون الذي أصدره صاحب الجاللة‪ ،‬المؤرخة بطليطلة يوم ‪ 5‬غشت ‪.1525‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( أرشيف سيمنكاس‪ ،‬مجلس محكمة التفتيش‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،6‬ص‪.40 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪134‬‬

‫أيضا إىل مترد البيازين الذي رسعان ما انترش ورسى يف أماكن أخرى متعددة‪.‬‬
‫مل نتأخر يف االنكباب بالدراسة عىل كل السبل والطرق املتبعة للقضاء عليهم‬
‫واستئصاهلم‪ ،‬ويف رأينا البد للمؤرخني من العودة إىل وثائق مل تتم دراستها حلد اآلن فيام‬
‫يتعلق هبذه املسألة ومسؤولية امللك فيليبي الثالث اجتاه هذه القضية‪.‬‬
‫الفصل السادس‬

‫تدابير جديدة من أجل توجيه وتنصير الموريسكيين البلنسيين‪/‬‬

‫طرد المورو الرافضين للتنصير ‪ /‬تمرد وثورة الموريسكيين في‬

‫برنية‪ ،‬بني الوزير‪ ،‬المويال دي كورطيس ‪ /‬االتفاق الذي تم بين‬

‫الموريسكيين والملك ‪ /‬تأمالت في المسألة الموريسكية‪.‬‬


‫‪137‬‬ ‫الفـصـل الــســادـس‬

‫باءت بالفشل كل املحاوالت والتدابري امللكية‪ ،‬كل اخلطوات التي سنتها حماكم‬
‫التفتيش ومل تؤت أكلها اجتاه ذلك اجلنس العجيب‪ ،‬املوريسكي‪ ،‬ألهنم أيضا كانوا‬
‫حيضون بحامية ودعم األسياد والنبالء هلم‪ .‬لكن السؤال املطروح هو‪ :‬هل غلب هؤالء‬
‫املنفعة املادية واالستفادة من املال عىل مصلحة البالد؟ كانوا يتكلمون عن الرمحة اجتاه‬
‫املوريسكيني‪ ،‬التي مل تكن يف احلقيقة إال تربيرا جلمعهم للامل‪ .‬كانوا يرضبون عرض‬
‫احلائط باملصلحة الدينية وبالصالح العام‪ ،‬وبخسوا أنفسهم لتحقيق مكاسب رخيصة‪،‬‬
‫ضيقة وخاصة‪.‬‬
‫هل ختىل امللك عن تطبيق قراراته وأرجأها؟ هل كان وزراء امللك مرتشني؟ لقد كان‬
‫صعبا التعامل مع املسألة املوريسكية‪ ،‬خصوصا عندما تبناها اخلرمانوس يف ضواحي‬
‫بلنسية احتجاجا عىل معاملة امللك كارلوس األول ومحاية النبالء هلم‪.‬‬
‫تم االتفاق يف مدريد عىل جمموعة تدابري‪ ،‬ساهم يف بلورهتا عمالء مسؤولون استسقوها‬
‫من توجهات الرأي العام‪ ،‬وكان من املستحيل أو اخلطري جتاهلها وعدم تطبيق ما خلص‬
‫إليه‪ .‬مل يكن هناك جمال للرتاجع‪ ،‬وصلت إىل أسامع امللك كارلوس األول االحتجاجات‬
‫ووصلته رغبة السجني ابن سانو الذي كان يطالب بسحق املسلمني وحمو أثرهم من‬
‫فوق تراب اململكة املسيحية‪ .‬تعامل امللك باشمئزاز مع الطلب أكثر منه باالستغراب‪.‬‬
‫فر املوريسكيون إىل برنية جتنبا للخضوع ملراسيم التنصري‪ ،‬وهم يرتبصون بأقرب فرصة‬
‫مواتية للتمرد ضد حكم امللك‪ .‬من هنا جاءت رغبته يف تفعيل القرارات واألوامر التي‬
‫كان قد أصدرها سابقا(((‪.‬‬
‫كتب املحقق العام ملحاكم التفتيش إىل القسيس خوان دي سالمانكا بطليطلة يف‬
‫‪ 6‬غشت ‪ ،1525‬موافقا عىل بعض التدابري التي اختذت يف بلنسية من أجل إخضاع‬

‫((( انظر الرسالة التي وجهها الملك إلى الملكة دونيا خرمانا‪ ،‬المؤرخة بمدريد يوم ‪ 10‬أبريل سنة ‪ .1525‬األرشيف‬
‫العام لسيمنكاس‪ ،‬مجلس محكمة التفتيش‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،6‬ص‪.37 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪138‬‬

‫املتمردين يف برنية وتتبع ومراقبة املتنرصين اجلدد(((‪.‬‬


‫يف التاريخ نفسه ذكر السيد ݒويرتا بأوامر وتدابري امللك وعزمه عىل تطبيقها اجتاه‬
‫املوريسكيني(((‪ .‬أيام قالئل بعد ذلك‪ ،‬كلف نائب األسقف العام ببلنسية املكلف بالعمل‬
‫ضمن أسالك حمكمة التفتيش من أجل التتبع الدقيق اليومي لتحركات املتنرصين‬
‫اجلدد(((‪.‬‬
‫مل يكن األمر يسريا‪ ،‬كان املوريسكييون يامرسون عاداهتم ومعتقداهتم املسلمة‪،‬‬
‫ويتجنبون اخلضوع للتنصري وممارسة الشعائر املسيحية‪ .‬رغم حمارصهتم‪ ،‬كانت النتائج‬
‫سلبية وضعيفة إن مل نقل منعدمة‪ .‬مل ترق إىل تطلعات امللك الذي وجه خطابا من‬
‫سيغوريب يف ‪ 13‬شتنرب من تلك السنة إىل دوق املدينة خيربه بقراره‪ ،‬وبعدم السامح ألي‬
‫أحد املكوث فوق تراب اململكة عىل غري الدين املسيحي الكاثوليكي وحثه عىل تنصري‬
‫أتباعه حتى يكون قدوة لكل األسياد ويفعلوا األمر نفسه مع املسلمني الذين يعملون يف‬
‫خدمتهم أو حتت محايتهم(((‪ .‬يف اليوم نفسه وقع عىل مرسوم يدعو فيه املورو إىل التنرص‬
‫مقابل االحتفاظ بحرياهتم وممتلكاهتم كمسيحيني حقيقيني‪ ،‬وأن يامرسوا كل معتقدات‬
‫الدين املسيحي يف البالد‪ ،‬ويكونوا رعايا خملصني وصاحلني(((‪ .‬ووجه كذلك خطابا آخر‬
‫يف املنحى نفسه إىل نبالء بلنسية ودوق سيغوري(((‪ .‬ويف اليوم املوايل كتب رسالة إىل دونيا‬
‫خرمانا يطلب منها التفضل بجمع رجال الدين املعنيني باألمر يف حماكم التفتيش لكي‬

‫((( انظر النسخة األصلية التي وجهها أسقف إشبيلية إلى الراهب خوان دي سالمانكا‪ ،‬المؤرخة في طليطلة يوم ‪6‬‬
‫غشت ‪ .1525‬األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬وثائق حول محاكم التفتيش‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،75‬ص‪.217 .‬‬
‫((( انظر النسخة األصلية من الرسالة التي وجهها أسقف إشبيلية إلى المعلم بويرتا‪ ،‬المؤرخة بطليطلة يوم ‪ 6‬غشت‬
‫‪ .1525‬أرشيف سيمنكاس‪ ،‬وثائق حول محاكم التفتيش‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،75‬ص‪.216 .‬‬
‫((( انظر النسخة األصلية من الرسالة التي وجهها أسقف إشبيلية إلى نائب األسقف العام ببلنسية‪ ،‬المؤرخة بطليطلة‬
‫في ‪ 8‬غشت سنة ‪ .1525‬أرشيف سيمنكاس‪ ،‬وثائق حول محاكم التفتيش‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،15‬ص‪.457 .‬‬
‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬الكتاب ‪ ،15‬ص‪.216 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.456 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.455 .‬‬
‫‪139‬‬ ‫الفـصـل الــســادـس‬

‫ينسقوا مع أسقف النائب العام لبلنسية من أجل تنصري أكرب عدد ممكن من املورو وحتقيق‬
‫األهداف املتوخاة واحلفاظ عىل النتائج التي تم حتقيقها إىل ذلك احلني((( ‪.‬‬
‫مل تساهم كل تلك التدابري إال يف تعقيد مسألة املوريسكيني الذين واصلوا حياهتم‬
‫داخل حميطهم دون أن يعريوا أي اهتامم لكل التدابري املتخذة لصاحلهم‪ ،‬ومن أجل‬
‫تنصريهم‪ .‬وخالل شهري يونيو ويوليوز عمل املسؤولون عىل إحصاء كل الذين تم‬
‫تنصريهم وطالبوهم بالتشبث بعقيدهتم املسيحية اجلديدة((( ‪.‬لكن النتيجة كانت هزيلة‬
‫إن مل نقل منعدمة وخمزية‪.‬‬
‫وصل القسيس أنطونيو غيفارا إىل بلنسية من أجل العمل يف حمكمة التفتيش الكربى‬
‫يوم ‪ 8‬أكتوبر وحث املوريسكيني عىل الدخول يف املسيحية حتقيقا لرغبة امللك‪ .‬أسبوع‬
‫بعد ذلك تم قتل كل املورو الذين قدموا إليهم تطبيقا لتعاليم وأوامر امللك((( ‪.‬‬
‫فزع املوريسكيون حينام وصل اخلرب إىل آذاهنم‪ ،‬ويف اليوم املوايل بعدما حل جون‬
‫خايمي األول باملدينة احتفاال بذكرى دخوهلا‪ ،‬قدم طلبا عرب فيه عن رغبة امللك وأوامره‬
‫بمنع كل املوريسكيني من اخلروج من مساكنهم وأن خمالفة األمر تعرضهم لألرس‬
‫‪.‬‬ ‫والعبودية‬
‫(((‬

‫هل اختذت كل التدابري الالزمة لتطبيق تلك القرارات واألوامر؟ ال نتصور أن‬
‫ذلك تم عىل املستوى املحيل‪ .‬واصل املوريسكييون عنادهم‪ .‬وكان املغلوب يسعى بكل‬
‫الوسائل لتحدي رغبة الغالب عىل مجيع املستويات حتى يف جمال التسلح‪ .‬وأمام هذا‬
‫التعنت أصدر امللك قرارا آخر يف ‪ 21‬من الشهر نفسه يمنع املوريسكيني من بيع الذهب‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬الكتاب ‪ ،15‬ص‪.457 .‬‬


‫((( خايمي بليدا‪ ،‬وثائق تاريخية حول مورو إسبانيا‪ ،‬الكتاب الخامس‪ ،‬الفصل ‪ ،29‬ص‪.647 .‬‬
‫((( إسكوالنو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.720 .‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪140‬‬

‫والفضة واجلواهر واحلرير والبهائم واملوايش ومجيع السلع األخرى((( ‪.‬‬


‫توجس املوريسكييون خيفة من تلك التدابري وتدارسوا فيام بينهم السبل التي متكنهم‬
‫من جتنب نتائج وخيمة ترتصدهم ومسايرة أوامر امللك(((‪ .‬قرروا إيفاد ‪ 12‬قائدا من‬
‫بينهم للتفاوض حول حل يريض الطرفني(((‪.‬‬
‫صدر قرار يف بلنسية يوم ‪ 16‬نونرب يدعو املوريسكيني البلنسيني إىل تتبع تعاليم‬
‫الكنيسة‪ ،‬وأن يعلقوا عىل قباعاهتم هالال من اجلوخ األزرق‪ ،‬وأال حيملوا السالح‪ ،‬وأال‬
‫يعملوا يف أيام املواسم واألعياد‪ ،‬وأن ينحنوا للصليب وحييوا رجال الدين حينام يقابلوهنم‬
‫يف الشارع‪ ،‬وأال يصلوا وال يقيموا أي رشيعة أو حفل له عالقة باإلسالم واملامرسات‬
‫املوريسكية وتعاليم دينهم(((‪ .‬نرشت يومني بعد ذلك‪ ،‬وثيقة وعلقت يف الكاتدرائية ويف‬
‫كل الكنائس واألديرة‪ ،‬وصلت من طليطلة إىل كل البلنسيني تتوعدهم بالعقاب يف حالة‬
‫اإلخالل بعدم تطبيق التعليامت واألوامر‪ .‬ويف ‪ 25‬من الشهر نفسه وجد يف الكنيسة‬
‫مرسوم كليمينتي السابع هيدد كل من يعىص تطبيق أوامر امللك‪ ،‬وأن عىل املوريسكيني‬
‫أن خيضعوا للتنصري والدخول يف الدين الكاثوليكي هناية الشهر‪ ،‬وحدد تاريخ لطرد من‬
‫يعارض ذلك(((‪ .‬كانت تلك إذا أوامر وهتديدات امللك ألشخاص يعيشون فوق تراب‬
‫اململكة وال حيرتمون تعاليمها‪ .‬فهل استكانوا وخضعوا لكل التعاليم ؟‬
‫شكلت طباعهم وعقيدهتم عائقا وحائال ضد كل متازج‪ ،‬كان حسهم الديني قويا‬
‫ومتطرفا‪ ،‬األمر الذي أدى إىل إزهاق أرواح كثرية وإراقة أودية سائلة من الدماء‪ .‬مل تكن‬
‫تنفع معهم ال األوامر والعقاب وال حلول الرمحة والتسامح‪ .‬وعمل النظام عىل حماولة‬

‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( إسكوالنو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.721 .‬‬
‫((( نسخة من رسالة الملك المؤرخة بطليطلة في ‪ 10‬نونبر سنة ‪ .1525‬األرشيف‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،6‬ص‪.‬‬
‫‪.68‬‬
‫((( إسكوالنو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.027 .‬‬
‫((( داميان فنسكا‪ ،‬الطرد الصائب للموريسكيين‪ ،...‬ص‪.16-15 .‬‬
‫‪141‬‬ ‫الفـصـل الــســادـس‬

‫إجهاض حركة التمرد التي بدأت ترسي بني موريسكيي بني الوزير (((‪ .‬لكن كل ذلك‬
‫باء باخليبة والفشل‪ ،‬وكانوا مستعدين للدفاع عن دينهم وعقيدهتم بأسلحتهم يف أيدهيم‪،‬‬
‫رفضوا مراسيم التنصري واخلضوع للكنيسة‪ ،‬عىل أمل إحياء احلكم اإلسالمي يف إسبانيا‬
‫من جديد‪ .‬من خاف عىل نفسه وأراد حفظ روحه دخل مكرها يف املسيحية ومن كان‬
‫يسكن املارد املسلم يف روحه بداخله انسحب إىل البشارات والبيازين حتضريا للتمرد‬
‫وحتقيق النرص‪ .‬مل يكن املسيحيون القدامى يثقون يف تنرصهم وال يف شخصهم وال كانوا‬
‫حيلمون بالقضاء عليهم‪ ،‬مما اضطرهم إىل حتمل نتائج حتدي املوريسكيني هلم‪.‬‬
‫أصدر امللك أوامر بإخراج كل املوريسكيني الذين مل ينرصوا من بلنسية يف ‪ 31‬دجنرب‬
‫من السنة نفسها‪ .‬شعر هؤالء بحنق امللك واسرتجعوا املآل واملصري الذي تعرض له بنو‬
‫جلدهتم يف بالطه((( ‪ .‬وتم ترحيل الذين بقوا عىل عقيدة حممد خارج اململكة‪ ،‬رافقوهم‬
‫إىل غاية مدينة بثكاية يف حدودها مع فرنسا‪ ،‬ليستقلوا مراكب متجهة نحو إفريقيا‪ .‬عدد‬
‫قليل منهم بقي يف بني الوزير‪ ،‬لكن الذين غادروا مل ينسوا من مكث يف اململكة وحاولوا‬
‫مساعدهتم‪ ،‬إال أهنم عانوا قبل ذلك من السلطة والقوة التي هنجها مجاعة من احلكام‬
‫بشأهنم مثل خريونيمو كابانيليس‪ ،‬لويس فرير‪ ،‬خيمينيث برييث دي برتوسا و بالتاثار‬
‫غرانوييس‪ .‬حينام علم امللك بتمرد املوريسكيني مرة أخرى أصدر قرار عفو يوم ‪ 6‬يناير‬
‫‪ 1526‬يف حق الذين استسلموا(((‪ .‬كام أنه تم القضاء عىل متردهم يف بني الوزير يوم ‪17‬‬
‫مارس ‪ ،1526‬إال أن نواهتم يف أسبذان بقيت قائمة إىل غاية ‪ 19‬شتنرب من السنة نفسها‬
‫حسب ما جاء عىل لسان األب بليدا‪.‬‬
‫حصلت بني اجلنسني املوريسكي واملسيحي مواجهات متعددة ربام أمهها التي‬
‫قادها سليم املنصور‪ ،‬تكبد فيها كال الطرفني خسائر هامة‪ ،‬ولوال التعزيزات التي بعثها‬

‫((( نسخة من رسالة الملك إلى الملكة دونيا خرمانا‪ ،‬المؤرخة في طليطلة يوم ‪ 2‬دجنبر ‪.1525‬‬
‫((( نسخة أصلية من الرسالة التي أرسلها أسقف إشبيلية إلى المفتش‪ ،‬مؤرخة بطليطلة في ‪ 6‬يناير ‪ .1526‬األرشيف‬
‫العام لسيمنكاس‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،75‬ص‪.261 .‬‬
‫((( نسخة من قرار العفو الذي اصدره الملك في حق المورو‪ ،‬المؤرخ بطليطلة يوم ‪ 6‬يناير ‪.1526‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪142‬‬

‫امللك واملكونة من ثالثة أالف جنديا أملانيا لكانت النتائج كارثية (((‪ .‬إال أن هزيمتهم مل‬
‫تكن تعني هنايتهم‪ ،‬لقد خلفوا قبل رحيلهم حرائق وهلعا وسط املدن والقرى‪ ،‬تقتيال‬
‫وقرصنة جعلت املسيحيني يعيشون يف فزع مستمر‪ .‬طلب املسؤولون ببلنسية اختاذ تدابري‬
‫أكثر رصامة ضد املتمردين يف برنية وإسباذان)‪ ، (2‬لكن ال يمكننا يف احلقيقة إال أن ننظر‬
‫بكل استغراب للتنسيق الذي كان بني موريسكيي بلنسية‪ ،‬واالتفاق الذي حصل بينهم‬
‫وبني حماكم التفتيش((( يف بعض فصوله ورد بأن هذه املحاكم لن تتابع املوريسكيني ملدة‬
‫‪ 40‬سنة ولن جتربهم عىل ارتداء اللباس املسيحي خالل ‪ 10‬سنوات ويف الفرتة نفسها‬
‫يمكنهم تكلم اللغة العربية بدل البلنسية أو القشتالية‪ ،‬ويمكنهم اختاذ أسواق وحمالت‬
‫للبيع قرب مساجدهم التي حولت إىل كنائس‪ ،‬يمكنهم احلفاظ عىل روابط الزواج‬
‫املختلط التي متت من قبل‪ ،‬وتعود ممتلكات املساجد إىل الكنائس ويعطى جزء منها إىل‬
‫الفقهاء الذين حتولوا إىل الدين اجلديد‪ ،‬ويمكنهم محل األسلحة وتغيري مسكنهم وحيتفظ‬
‫بمراكز وأحياء العرب كجامعات مستقلة يف بلنسية‪ ،‬شاطبة‪ ،‬جزيرة شقر‪ ،‬كاستليون‬
‫دي ال بالنا‪ .‬فهل كان السبب يف كل هذه التنازالت مقاومة وثورة املوريسكيني يف‬
‫بني الوزير‪ ،‬إسباذان ومويال دي الكورطيس؟ هل غري امللك كارلوس األول سياسته‬
‫اجتاه املدجنني املوريسكيني؟ يف احلقيقة تم االتفاق مع الذين مل يعتنقوا الدين اجلديد ومل‬
‫يقبلوا بالتنصري‪ .‬هل كان اهلدف من هذا كله هو جرهم تدرجييا نحو الدخول يف الدين‬
‫الكاثوليكي وتيسري عملية انصهارهم داخل املجتمع املسيحي تدرجييا؟ اجلواب عىل كل‬
‫هذه التساؤالت نجده يف بالغ املحقق العام الذي وجهه لزمالئه يف بلنسية‪ ،‬حيث يوضح‬
‫هلم الروح التي جيب التعامل هبا يف تطبيق االتفاق اآلنف الذكر‪:‬‬
‫«نحن دون ألونسو‪ ،‬املفتش العام املكلف بتنصري املورو وإدخاهلم يف ديننا الكاثوليكي‬
‫بفضل الرب بمملكة أراغون‪ ،‬بلنسية وقاتالونيا نبرشكم بالدور الرائد الذي تقوم به‬
‫((( وثائق دبلوماسية‪.‬‬
‫((( انظر التدابير التي اتخذت في حق المورو خالل اجتماع البالط في مدريد سنة ‪.1528‬‬
‫((( الوثيقة رقم ‪ 5‬من الوثائق الدبلوماسية ضمن فصول هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪143‬‬ ‫الفـصـل الــســادـس‬

‫حماكم التفتيش‪ .‬تنرص بعض املورو بمحض إرادهتم حسب تعاليم الكنيسة لكن بعضهم‬
‫تم استغفاهلم والكذب عليهم من طرف بعض املتالعبني الذين أومهوهم بأن االتفاق‬
‫صدر عن امللك وأنه يمكنهم البقاء عىل دينهم ملدة ‪ 40‬سنة واالحتفال عالنية بطقوسهم‬
‫ومناسباهتم‪ .‬يعترب هذا خرقا وحتد ويعرض كل من ارتكب ذلك اخلطأ للعقاب الشديد‬
‫والصارم‪ ،‬إال أنه يمكن التساهل يف البداية مع املتنرصين اجلدد إىل أن يعتنقوا ويتعلموا‬
‫كلية كل ما يتعلق بديننا الكاثوليكي وينقطعوا عن ممارساهتم املحمدية‪ ،‬وكل من عارض‬
‫ذلك يتعرض لعقاب حماكم التفتيش‪ .‬لقد تم إعالم كل من القضاة والفقهاء هبذه التدابري‬
‫وكل من جاء عندنا للتفاوض بشأن االتفاق أو املتنرصين اجلدد‪ .‬وحتى ال يدعي أي‬
‫أحد منهم اجلهل بالعادات واملامرسات املسيحية أعطى امللك أوامره لتعميم تعليمها‬
‫والتعريف هبا يف مجيع أوساطهم حتى يتم العمل هبا واتباعها يف هذه املدينة ‪ :‬بلنسية‬
‫وباقي املدن واألماكن األخرى‪.‬وننهي هذا اإلعالن بختمنا وتوقيعنا وتوقيع كاتب‬
‫حمكمة التفتيش املقدسة يف بينتو بتاريخ ‪ 22‬من شهر أكتوبر سنة ‪ 1528‬مليالد املسيح‪،‬‬
‫وبحضور كل األساقفة مسؤويل الكنيسة‪ ،‬الدكتور سلدانيا واملفتش العام والكاتب‬
‫خوانيس غرسيا(((‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك كتب القسيس السالف الذكر إىل حمققي حماكم التفتيش يف ‪26‬‬
‫دجنرب من السنة نفسها ‪« :‬أهيا السادة املحققون ‪ ،‬لقد توصلنا برسالة حول املتنرصين‬
‫اجلدد وتم دراستها وتداوهلا داخل أوساطنا ونعاقب من أعلن عنها يف مإل ومل يعرف‬
‫إيصال ماجاء بداخلها إىل الرأي العام؛ ألنه قد تكون متت االستجابة لبعض مطالبهم‬
‫ولكن ذلك مقابل املصلحة العليا ملجتمعنا‪ .‬ال جيب عىل املتنرصين اجلدد أن ينخدعوا‬
‫يف مفهوم بعض العبارات واملصطلحات‪ ،‬جيب عليهم أن يعيشوا كمسيحيني وليس‬
‫كمورو‪ .‬ونسعى كلنا من وراء هذه التدابري إلرضاء الرب وطمأنة وحفظ األرواح‪،‬‬
‫أرواح إخواننا املتنرصين اجلدد الذين اعتنقوا ديننا الكاثوليكي الذي أصبح دينهم أيضا‪.‬‬

‫((( األرشيف العام بسيمنكاس‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،76‬ص‪.101 .‬‬


‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪144‬‬

‫وفقنا الرب مجيعا لرضاه‪ .‬طليطلة ‪ 26‬دجنرب ‪ .1528‬خادمكم‪ ،‬أسقف إشبيلية»(((‪.‬‬


‫رغم أننا ال نستطيع الوقوف عند موقف الوزراء أمام كل هذه اإلعالنات والقرارات‬
‫والرسائل‪ ،‬إال أننا نتوفر عىل بعض املقاطع من وثيقة مراسلة غري مؤرخة لكن وجد هبا‬
‫تاريخ سنة ‪،1524‬األرشيف العام بشانت مانكش جاء فيام ييل‪ « :‬جيب تضمني التقرير‬
‫املوجه إىل امللك االقرتاحات التي أوردها أمني رس الدولة حول ما أورده املتنرصون‬
‫اجلدد يف مملكتي طليطلة ومورسية الذين اقرتحوا تقدير ‪ 100.000‬دوقية عىل غرار‬
‫ماكان يف عهد امللك الكاثوليكي(((‪.‬‬
‫هل كانت هذه العروض املالية وهذه املامرسات تدل عىل عجز ميزانية اململكة يف‬
‫تلك اآلونة؟ هل كانت تلك مطالب الوزراء املحيطني بامللك؟ لقد وصف لنا عدد من‬
‫املؤرخني مثل بيدرو مارتني دي أنغلرييا تفيش الرشوة والفساد يف تلك احلقبة ؛ لكن‬
‫لعدم توفر الوثائق التارخيية يصعب علينا احلسم يف هذه الفرتة وهذه الوقائع‪ ،‬إال أن‬
‫هذا ال يمنعنا من استخالص بعض االستنتاجات من بعض األحداث التي رسدناها‬
‫سابقا وتطرقنا هلا‪ .‬يمكننا أن نقول بأن نية امللك مل تكن يف احلقيقة تسعى إىل التنصري‬
‫املباغت والكيل للموريسكني‪ ،‬ألنه كان يعلم جيدا بأن الزمن كفيل بإقناعهم ومتكينهم‬
‫من اكتساب كل عاداتنا ومعتقداتنا‪ .‬وكان اهلدف من اختاذ تلك التدابري مرة ختويف‬
‫املوريسكيني وهتدديدهم‪ ،‬ومرة تنصريهم‪ ،‬وأخرى الرفع من مستوى خزينة الدولة‪ .‬مل‬
‫يكن طبيعيا وال معقوال أن يترصف امللك كام ورد يف االتفاق‪ ،‬ذلك الرجل الذي كان‬
‫يسعى لسحق كل سلوك إسالمي فوق تراب اململكة ال يمكن أن يسمح للموريسكيني‬
‫بمامرسة معتقداهتم ملدة ‪40‬سنة دون أن تتم متابعتهم والرتبص هبم‪ .‬إال أنه مل يكن يمكن‬
‫املتنرصين اجلدد من التجرؤ عىل الدين أو اللهو واالستخفاف باملقدسات املسيحية‪ .‬كان‬
‫امللك كارلوس األول يعترب يف احلقيقة قيرص زمانه‪ ،‬وقد قال يف حقه الدكتور هيبلري‪:‬‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.126 .‬‬


‫((( كتابة الدولة‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،12‬ص‪.3 .‬‬
‫‪145‬‬ ‫الفـصـل الــســادـس‬

‫«ماكان يتميز به امللك كارلوس األول خالل فرتة حكم هو إخالصه وبره بوعده‬
‫وقسمه(((‪.‬‬
‫كانت وضعية مملكتنا االقتصادية متدهورة بينام املوريسكيون يتوفرون عىل أموال‬
‫طائلة وكانوا يسامهون يف إغناء وإثراء جتارة ومصالح أسيادهم الذين يوفرون هلم احلامية؛‬
‫األمر الذي مل يكن امللك يغفله بمعية مستشاريه خالل تسطريه لذلك «االتفاق الغريب»‬
‫إال أنه مل يسمح قط باالستهزاء باملقدسات والدين من طرف هؤالء املورو أو املتنرصين‬
‫اجلدد‪ .‬تعالت األصوات املنادية بمحاربة اإلسالم وسحقه ‪ ،‬تلك األصوات التي مل تكن‬
‫لتخمدها أو تسكتها األموال أو املصالح أو سلطة النبالء واألسياد أوحتى القرص نفسه‪.‬‬
‫كان الشعب اإلسباين مستعدا ألخد الثأر بنفسه وسحق املوريسكيني وعصيان أوامر‬
‫امللك يف هذا الشأن‪.‬‬
‫قبل بعضهم التنرص حتى ال يواجهوا املصري نفسه الذي واجهه أبناء دينهم وجلدهتم‪،‬‬
‫وهم يرحلون إىل الشواطئ ويضطرون للتخيل عن أطفاهلم ورضعهم‪ ،‬إال أن كل هذه‬
‫األمور سامهت يف تعقيد املسألة املوريسكية‪ ،‬كام وضح القسيس باييث حينام قال عنهم‪:‬‬
‫«خافوا من املوت فقبلوا الدخول يف املسيحية»‪ .‬األمر نفسه أورده أنطونيو دي غيفارا‬
‫«هكذا وضح وهو يفتخر يف رسالة بعثها إىل غارسيا سانشيس دي البيغا بأنه نرص يف‬
‫مملكة بلنسية أكثر من ‪ 27‬ألف حالة» وأضاف الحقا يف الوثيقة املذكورة التي رفعها إىل‬
‫فيليبي الثاين بأن هناك ثالثة أصناف من املتنرصين‪« :‬القسم األول تنرص قرسا وجرى‬
‫ذلك عىل يد جمموعة من الثوار البلنسيني يدعون خرمانوس؛ النوع الثاين ثوار إسباذان‬
‫الذين تم العفو عنهم ودخلوا يف املسيحية‪ ،‬والقسم الثالث هم الذين فضلوا البقاء يف‬
‫إسبانيا وقبلوا بالدين الكاثوليكي‪ .‬ويمكننا أن نتصور أنه قد استعمل عنف شديد يف‬
‫هذه احلاالت ومل يعلم هبا امللك ألن ذلك تم بالعنف أكثر منه بالرضا والطواعية‪ .‬كام تم‬
‫ذلك يف بعض األحيان دون توجيهات الكنيسة إذ مل يكونوا يتلقون أي مبادئ وال يلقنون‬

‫((( الدكتور كونراد هايبلير‪ ،‬الرخاء واألزمة االقتصادية في إسبانيا خالل القرن السادس عشر‪ ،‬ص‪.159 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪146‬‬

‫أي تعاليم ختصهم وتعني أبناؤهم وذوهيم‪.»...‬‬


‫ومن هنا استخلص خوان باوتيستا برييث بأن العنف والقسوة كانا رشطني أساسيني‬
‫وعاملني مهمني يف كل هذه العملية‪ .‬كان الشعب عىل علم هبذه املعطيات ومل يكونوا‬
‫ليسمحوا بام جاء يف االتفاق الذي أسلفنا ذكره‪ ،‬لكن املسيحيني القدامى كانوا يستمدون‬
‫جمدهم من حفظ تعاليم دينهم‪ ،‬وسحق املامرسات املحمدية فوق تراب مملكتهم‪،‬‬
‫وممارسات أولئك الكالب املورو‪.‬‬
‫كان الشعب يعرفهم جيدا ألهنم كانوا يعيشون معهم عن قرب ويطلعون عىل‬
‫ممارساهتم وسلوكهم وحقدهم ومقتهم للدين املسيحي‪ ،‬ولو مل متسك حماكم التفتيش‬
‫بزمام األمر وتنتهج عملياهتا برصامة ملا كان ذلك اجلنس ليقهر فوق تراب إسبانيا‬
‫املسيحية‪ .‬وقد عرب الشعب عن رأيه برصاحة اجتاههم واستعمل كل مايف وسعه لتحقيق‬
‫ما يمليه عليه واجبه الديني والوطني‪.‬‬
‫بقي قسم أخر‪« ،‬قسم رابع من املتنرصين اجلدد قال عنهم برييث سنة ‪ 1597‬بأهنم‬
‫هم الذين كانوا قد تنرصوا يف سن مبكرة وهم أطفال‪ ،‬تعلموا وتشبعوا بمبادئ الدين‬
‫اجلديد‪ ،‬كام أهنم شهدوا التعذيب والعقاب الذي طال الرافضني والكاذبني املرتدين‬
‫منهم‪ ،‬الذين فروا لكي ال يسمعوا تعاليم الكنيسة(((‪.‬‬
‫تستحق هذه الفرتة التارخيية كل اهتامم من طرف الدارسني والناقدين لألوضاع‬
‫االجتامعية هلذا اجلنس البئيس املتشبث بعقيدته حتى النخاع وبتعاليم القرآن‪ .‬عىل‬
‫املؤرخني أن يستحرضوا اخلطر الذي كانوا يشكلونه عىل أمن وأمان البالد‪ .‬لكن قد‬
‫استمر مع ذلك تواجدهم يف إسبانيا وكان ارتفاع عددهم هيدد أكثر املسيحيني اإلسبان‬
‫فوق تراهبم(((‪.‬‬

‫((( األسقف بيريث‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬اإلحالة رقم ‪ 535‬في الفصل الخامس‪.‬‬
‫((( الوثيقة ‪ 6‬من وثائق دبلوماسية‪.‬‬
‫الفصل السابع‬

‫اإلصالح الديني البروتستانتي في إسبانيا والمسألة الموريسكية‪/‬‬

‫المصاعب التي خلقها المتنصرون الجدد للنظام الملكي ‪ /‬تدابير‬

‫لتسهيل عملية تنصرهم واألسباب التي تعرقلها ‪ /‬وضعية‬

‫الموريسكيين‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫الفـصـل الــســابـــع‬

‫بعد ما تم إخضاع اجلنس املسلم والسيطرة عليه وحتقيق الوحدة السياسية إلسبانيا‪،‬‬
‫أضحى من الطبيعي بالنسبة لشعب مسيحي أن يعدل عاداته وقوانينه وطبقاته‬
‫االجتامعية خصوصا فيام يتعلق بالكنيسة ودورها ‪.‬لقد تم التفكري يف استغالل الثروات‬
‫واملواد األولية التي تزخر هبا بالدنا خصوصا فيام يتعلق باخلشب واخلمور واحلديد(((‪.‬‬
‫ساهم اكتشاف القارة األمريكية بدوره يف ازدهار صادراتنا الفالحية واملنتوجات‬
‫احليوانية ‪ .‬لقد كانت كل أوروبا تنظر بإعجاب إىل النظام االقتصادي اإلسباين الذي‬
‫ينتهجه امللوك الكاثوليكيون الذين مل ينسوا كذلك الرتكيز عىل اجلانب الفكري والثقايف‬
‫للملكة‪ .‬أرتفعت أبواق اإلصالح والتعديل تنادي بحدة ‪ ،‬وبقي تاريخ تلك احلقبة شاهد‬
‫عرص عىل العدد املرتفع واملهم للمؤلفني واملبدعني يف مجيع امليادين ‪ ،‬خصوصا يف املجال‬
‫الديني اذ عرفت الكنيسة أوجها وقمة تأثريها ‪.‬‬
‫ماتت إيسابيل وواصل الشعب املطالبة باإلصالح والتعديل خصوصا حينام شاهدوا‬
‫ثمرة جمهودهم يقطفها الكاردينال ثسنريوس‪ .‬دقت ساعة اإلصالح يف أملانيا و ارتفع‬
‫صوت مارتني لوثريو أمام شعب وصل إىل درجة ربط املوت والكراهية برجال الدين‬
‫(الكلريوس) مطالبا باإلصالحات العميقة واجلذرية ‪ ،‬وتعالت األصوات مرتفعة‬
‫برضورة مواجهة ليس ليون العارش فحسب ‪،‬بل أعىل رجل يف سلم الكنيسة‪.‬‬
‫ال أحد جيهل املراحل التي قطعتها أوروبا إلدخال التعديالت الربوتستانتية عىل‬
‫أنظمتها الدينية واملامرسات واملشاهد الدموية التي رافقت ذلك ‪ ،‬مل تقف إسبانيا‬
‫موقف املتفرج من تلك األحداث‪ .‬مل تنخرط فقط يف التعاليم التي من خالهلا أنتفض‬
‫ليون العارش يف ‪15‬يونيو ‪ ،1520‬بل استقبلت بحفاوة بالغة الرسالتني البابويتني التي‬
‫أصدرمها البابا يف ‪ 21‬مارس سنة ‪ 1521‬إىل قائد ورئيس البحرية يأمرهم فيها بمراقبة‬

‫((( الرخاء واألزمة االقتصادية في إسبانيا‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬


‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪150‬‬

‫دخول وتداول كتب األسقف األملاين(((‪ ،‬كام وجه املجلس األعىل ملحاكم التفتيش خطابا‬
‫للملك حيثه فيها عىل معاقبة كل من يتبع أخطاء لوثريو(((‪ .‬لكن مل تفلح ال رسائل هذا‬
‫وال طلب أولئك يف أمخاد صوت املطالبني بالتغيري واإلصالح خصوصا يف صفوف‬
‫املثقفني واملتعلمني(((‪.‬‬
‫أدانت حمكمة التفتيش ببلنسية سنة ‪1524‬األملاين املبجل بالي إستيبي)‪ .(4‬مدة قليلة‬
‫بعد ذلك‪ ،‬بدأت مبادئ لوثريو تنترش يف مجيع تراب إسبانيا ‪ .‬القى ذلك صدى عند‬
‫بعض املوريسكيني‪ ،‬إال أننا ال نؤيد بالفعل ما قاله بعض املؤرخني الذين وجدوا تقاربا‬
‫بني مبادئ دين حممد و لوثريو‪ ،‬لكن املغلوبني كانوا يتحينون الفرصة لالنتقام من الغالب‬
‫والتحالف مع أعدائه وخصومه من أجل إضعافه‪.‬‬
‫كانت املتابعة الدينية ضد املوريسكيني رشسة ودون هوادة إال أن األوضاع السياسية‬
‫كانت مزرية‪ ،‬وكان العرش مند القرن السادس عرش إىل بداية القرن السابع عرش عىل‬
‫وشك االهنيار‪ .‬يف سنة ‪ 1525‬اختذ امللك تدابري لتطبيق قرارات «جملس مدريد» وطلب‬
‫امللك من دوق كلربية مد يد العون لألسقف برطلومي دي لوس آنخيليس يف التعامل‬
‫مع قضية املوريسكيني وإقرار الدين املسيحي وتقويته(((‪ .‬شكل ذلك نقطة أخرى يف‬
‫سجل سياسة الدولة فيام يتعلق بحل هذه املعضلة‪ .‬جاءت يف السياق نفسه رسالة من‬
‫امللك إىل القائمني بالشأن الديني يف بلسنية حتثهم عىل تفعيل اندماج املوريسكيني مع‬
‫املسيحيني القدامى ‪ ،‬لكن ذلك ال يعني أهنا ليست هناك أحياء خاصة بأتباع حممد‪ .‬بدوره‬
‫وجه املفتش العام ببلنسية رسالة إىل باقي املحققني يف املدينة حيثهم عىل حسن تدبري‬

‫((( أدولفو دي كاسترو‪ ،‬تاريخ البروتيستانت اإلسبان ومطاردتهم من طرف فيليبي الثاني‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪ ،460 .‬طبعة‬
‫قادس‪ .‬أرشيف سيمنكاس‪ ،‬كتابة الدولة‪ ،‬الوثيقة رقم ‪ ،9‬ص‪.1 .‬‬
‫((( نسخة من قرار المجلس‪ ،‬مؤرخة ببرقش يوم ‪ 13‬أبريل ‪.1521‬‬
‫((( غنثالو إليسكاس‪ ،‬التاريخ الكنسي‪ ، ،‬ج‪.2 .‬‬
‫((( دنبيال‪ ،‬ص‪ 87 .‬من محاضراته‪.‬‬
‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،6‬ص‪.270 .‬‬
‫‪151‬‬ ‫الفـصـل الــســابـــع‬

‫مسألة املوريسكيني دون إحلاق أرضار باقتصاد البالد(((‪ .‬ومرة أخرى حاولوا اجلمع‬
‫وإدماج الغالب واملغلوب‪ ،‬لكن لألسف مل ترق تلك احللول والتدابري السلمية الهؤالء‬
‫وال أولئك‪ ،‬كانت هناك حلقة مفقودة‪ ،‬وأسس يرتكز عليها الطرفان للتعايش ‪.‬‬
‫لقد بدا جليا فشل تلك الترشيعات والقوانني‪ .‬وصلت أصداء ذلك إىل املفتش العام‬
‫ببلنسية فبعث من طليطلة رسالة يف فاتح فرباير سنة‪ 1529‬يطلب منهم تعيني مصلحني‬
‫جدد كحل ملوقف الراهب برطلومي دي لوس آنخيليس(((‪ .‬اىل جانب كل هذا واصل‬
‫القراصنة األفارقة هجومهم عىل شواطئنا يف ليبانتي‪.‬‬
‫سنة ‪ُ 1528‬أسرِ َ تسعة وأربعون إسبانيا مسيحيا من طرف املورو يف ميورقة(((‪ ،‬كام أن‬
‫القراصنة عملوا عىل ختليص أزيد من مائتي موريسكي كانوا سريحلون انطالقا من أليفا‬
‫إىل اجلزائر‪ ،‬وقتلوا القائد املسيحي املرشف عىل العملية بطعنه يف صدره((( ‪ ،‬تم أيضا متزيق‬
‫جثث األرسى املسيحيني بالسكاكني(((‪ .‬ونظرا للتنسيق بني القراصنة واملوريسكيني‬
‫أصدر دوق كلربية ببلنسة يف‪ 11‬من يناير ‪ 1530‬قانونا يمنع املوريسكيني من مغادرة‬
‫منازهلم أو التنقل داخل بولوب‪ ،‬كليوسا‪ ،‬فنيسرتاط‪ ،‬أرشيطا‪ ،‬سيليا وريليو(((‪ .‬كان‬
‫حاكم اجلزائر يعتمد عىل اجلواسيس من بني املوريسكيني للقيام بحمالته عىل الشواطئ‬
‫اإلسبانية ‪ ،‬لكن نتأسف فعال للتدابري التي كانت تؤخر عقاب بعض اخلونة املتآمرين(((‪.‬‬
‫كانت القرصنة اخلارجية واملؤامرات الداخلية هو السالح الذي يستعمله املورسيكيون‬
‫ضد املسيحيني يف بالدنا ‪ .‬لكن محاية النبالء هلم عرقلت يف مواضع عدة عملية االنتقام‬

‫((( األرشيف المركزي‪ ،‬الوثيقة رقم ‪ ،445‬القرار الصادر بتاريخ ‪ 12‬فبراير ‪.1529‬‬
‫((( نسخة من الرسالة التي بعثها المحقق العام إلى محققي بلنسية‪ ،‬طليطلة فاتح فبراير ‪.1529‬‬
‫((( وثائق تاريخية عن مايورقة‪.‬‬
‫((( الراهب دييغو دي أييدو‪ ،‬تاريخ الجزائر‪ ،...‬ص‪.56 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.56 .‬‬
‫((( دنبيال‪ ،‬سلسلة المحاضرات‪ ،‬ص‪.112 - 109 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬رقم ‪.543‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪152‬‬

‫منهم‪ ،‬ومل يكن امللك مستعدا للدخول يف رصاع معهم نظرا لوضعهم االقتصادي املتميز‬
‫ولسيطرهتم عىل أتباعهم وخدمهم((( ‪ .‬أصدر املجلس املقدس سنة ‪ 1531‬قرارا يدعو‬
‫موريسكيي مملكة أراغون بأداء رضيبة ألسيادهم من املسيحيني القدامى(((‪ .‬ال نلوم يف‬
‫احلقيقية أحدا فيام يتعلق بتواجد املوريسكييني بيننا‪ ،‬إال أن الناقد يعرف كيف يفرق بني‬
‫الفعل واحلق‪.‬‬
‫بعث كلمينتي السابع إىل املحقق العام خطابا بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ 1530‬يطلب منه‬
‫العفو عن املوريسكيني الذين تراجعوا عن موقفهم يف أراغون‪ ،‬بلنسية وقتلونية (((‪.‬‬
‫تكررت مثل تلك املعاملة يف مواقف متعددة‪ ،‬تم نرش مراسم تدعو للتسامح والعفو عن‬
‫املوريسكيني الذين رفضوا عالنية اعتناق الدين املسيحي‪ .‬وهكذا عرفت املسألة تأرجحا‬
‫بني العقاب والعفو‪ .‬لكنهم واصلوا تعنتهم ورفضهم للعقيدة التي تفرض عليهم‪ ،‬أين‬
‫يكمن سبب ذلك؟ هل التطرف األعمى هو الذي يفرض عىل املوريسكيني اعتناق‬
‫الدين الذي يدعو إليه اإلسبان؟ فقد اعتمدوا كذلك عىل محاية األسياد النبالء الذين‬
‫كانوا ِيؤدون هلم قدرا ماليا مقابل حريتهم‪.‬‬
‫أمر كذلك امللك كارلوس األول باختاذ التدابري اآلتية‪ « :‬حتويل كل املساجد إىل كنائس‬
‫مسيحية وأن يعطى إىل جانب العرش الذي يمنح إىل األسياد قسط آخر إىل الكنيسة وأن‬
‫يتم استغالل املراكز االقتصادية املحيطة باملساجد(((‪ .‬تعقدت املسألة املوريسكية مع‬
‫مرور الزمن‪ ،‬أثبت القراصنة تفوقهم عىل قوة بعض الفرسان اإلسبان الشجعان املشهود‬
‫هلم بالبسالة مثل أندريس دوريا الذي حاول مواجهة تلك املعضلة وذلك اخلطر(((‪.‬‬

‫((( انظر وثيقة النبالء ودورهم في حماية الموريسكيين‪ ،‬األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬رقم ‪.72‬‬
‫((( األكاديمية الملكية للتاريخ‪.‬‬
‫((( الحالة االجتماعية للموريسكيين‪ ،‬ص‪ ،51 .‬يؤكد هذه المعلومات السيد خانير في كتاب دون مانويل كلميرو‪،‬‬
‫حول التشريع والحكم في مملكتي قشتالة وليون‪.‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( هلييدو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.57 .‬‬
‫‪153‬‬ ‫الفـصـل الــســابـــع‬

‫تكلف دون أنطونيو رامرييث دي هارو‪ ،‬أسقف سيغوبيا بالتدابري اخلورنية‬


‫للموريسكيني‪ ،‬فأصدر أمرا يقيض باالنتباه واالحتياط من املورو املتنرصين الذين‬
‫يسهلون هجوم وتسلل القراصنة عرب شواطئنا(((‪ .‬وقد أبلغت سلطات مونثون سنة‬
‫‪ 1533‬عن بعض اجلرائم التي ارتكبها املوريسكيون وعن احلامية التي يوفرها هلم النبالء‬
‫وتشبثهم الشديد هبم نظرا للمصالح املادية التي تربطهم بينهم(((‪.‬‬
‫بدوره بعث أنطونيو رامرييث دي هارو‪ ،‬رئيس دير أرباسن خطابا للملك يطلب‬
‫منه عدم السامح بتواجد املورو يف مملكته وأن خييل بلنسية وأراغون من الذين مل يتنرصوا‬
‫إذ يوجد أيضا بني املوريسكيني خونة كثر يتسرتون ليامرسوا شعائرهم الدينية‪ ،‬رغم أننا‬
‫أوضحنا كام جاء عىل لسان السيد دنبيال بأنه أقيمت كنائس عىل أنقاض مساجدهم‪ ،‬إذ‬
‫بلغت مائة وثالث عرشة كنيسة يف بلنسية‪ 14 ،‬يف طرطوشة ‪ 10 ،‬يف سيغوريب و‪ 14‬يف‬
‫أريولة (((‪.‬‬
‫كتب امللك يف ‪ 3‬من مايو ‪ 1540‬إىل دون فرناندو دي أراغون‪ ،‬نائب امللك يف‬
‫بلنسية‪ ،‬يكلفه بالسهر عىل تكوين املوريسكيني املتنرصين يف جمال دينهم اجلديد وتلقينهم‬
‫كل مبادئ الكنيسة‪ .‬لقد عمل عىل تطبيق تلك التعاليم بمعية جمموعة من املحققني‬
‫والقساوسة إىل أن تم طرد املوريسكيني (((‪ .‬استعملوا من أجل تعليمهم وتلقينهم الدين‬
‫اجلديد كل الطرق والسبل من حمارضات‪ ،‬دورات تكوينية ولقاءات فردية ومجاعية‪ ،‬لكن‬
‫هؤالء كانوا دائام يردون عىل كل تلك املجهودات باجلحود واخليانة‪.‬‬
‫ازدهرت عمليات القراصنة يف تلك اآلونة عىل شواطئنا‪ ،‬كبدتنا خسائر فادحة‬
‫وقضت مضجع أمننا‪ ،‬خصوصا بعد حتالف األتراك والفرنسيني ضد بلدنا‪ .‬وقد تم‬

‫((( مملكتي قشتالة وليون‪ ،‬ج‪ ،4 .‬ص‪.78-76 .‬‬


‫((( وثائق بالط منثون‪.1533 ،‬‬
‫((( سلسلة محاضرات‪ ،‬ص‪.116 .‬‬
‫((( األسقف مارتين دي أياال‪ ،‬توجد نسخة من الوثائق في مكتبة جامعة بلنسية‪ ،‬رقم ‪.42-1-53‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪154‬‬

‫اجتامع يف بيادوليد ومنثون سنة ‪ 1537‬إلجياد حلول هلذه الكارثة املحدقة ببالدنا(((‪.‬‬
‫مل يكن املوريسكييون غرباء عن هذه التحركات وال كانوا أبرياء من تسللهم‬
‫وهجومهم‪ ،‬كام أثبت ذلك بعض املؤرخني(((‪ .‬لقد كان ذلك خرقا للتعاليم امللكية‬
‫الصادرة يف هذا الشأن(((‪ .‬لقد أمر امللك بإنزال العقاب باملتآمرين املتعاونني مع القراصنة‬
‫ولكن يبقى السؤال املطروح هو‪:‬هل استطاع امللك تطبيقه؟ ال أظن‪ .‬كانت محاية النبالء‬
‫والوجهاء تقف حائال أمام ذلك رغم صدور أحكام ضدهم مثلام حصل يف ‪1540‬‬
‫ضد دون سانشو دي كاردونا‪ ،‬احلامي واملدافع األكرب عن موريسكيي غواداليطي‬
‫ونواحيها(((‪.‬‬
‫«حينام تتقلد شخصية ما منصبا ساميا داخل أجهزة الدولة‪ ،‬أي ما يقابله حاليا منصب‬
‫القائد العام أو قائد األسطول البحري آنذاك‪ ،‬يتعرض لإلعدام أو السجن املؤبد إن ثبت‬
‫تعامله أو محايته ألحد املوريسكيني يف بلنسية‪ ،‬ويعترب خارجا عن القانون»‪ .‬لكن حينام‬
‫كان حيصل هذا‪ ،‬مل يكن ممكنا تطبيق القانون يف عدة حاالت‪ ،‬نظرا للسلطة والنفوذ الذي‬
‫كان يتمتع به هؤالء األسياد والنبالء الذين كانوا يدافعون عن مبدإ التعامل األخوي‬
‫وسياسة التسامح التي بقيت سائدة‪ ،‬إىل غاية هناية حكم كارلوس اخلامس»(((‪ .‬وبدون‬
‫هذه احلامية فكيف يمكن تفسري سلوك عدد من املوريسكيني الذين ارتكبوا جرائم‬
‫كبرية وفادحة مثل غاسبار الفريكس وآخرين‪ ،‬الذين فروا من أراغون إىل مملكة بلنسية‬
‫حيث كانوا ينعمون باحلرية ويفلتون من العقاب((( ‪ .‬كيف يمكنهم االعتداء عىل بعض‬
‫املحققني يف حماكم التفتيش ويفرون أحيانا من بني أيدهيم لو مل تتوفر تلك احلامية واحلظوة‬

‫((( وثائق مملكة بيادوليد ‪.1537‬‬


‫((( ص‪.125-119 .‬‬
‫((( دون خايمي‪ ،‬وثائق غير منشورة‪ ،‬ج‪ ،18 .‬ص‪.152 .‬‬
‫((( وثائق دبلوماسية‪ ،‬ص‪.126 .‬‬
‫((( مانويل دنبيال‪ ،‬ص‪.127 .‬‬
‫((( النسخة األصلية من سلسلة محاضرات دنبيال‪ 16 ،‬غشت ‪.1538‬‬
‫‪155‬‬ ‫الفـصـل الــســابـــع‬

‫لدى األسياد النبالء؟»(((‪.‬‬


‫ويف هجوم قاده القراصنة عىل شواطئ إسبانيا من جهة املتوسط القى حتفه أزيد من‬
‫أربعني ألف إسباين(((‪ .‬أدى هذا بامللك إىل تصعيد وترية التهديد‪ ‬وتشديد التدابري األمنية‬
‫عىل الشواطئ حتسبا لكل هجوم أو تسلل‪ ،‬وأمر كذلك املوريسكيني بأال حيملوا أي نوع‬
‫من السالح للدفاع عن أنفسهم أو للهجوم(((‪ .‬فلم يأهبوا بكل هاته األوامر وواصلوا‬
‫أنشطتهم مما دفع حماكم التفتيش بتحريك آلياهتا من جديد ولو ضد النبالء الذين يوفرون‬
‫هلم وملصاحلهم احلامية واألمن مثل دون ردريغو بومونت(((‪.‬‬
‫املهم‪ ،‬هوماذا كان سيحصل لومجع كارلوس اخلامس كل قواده ليعاقب قراصنة‬
‫اجلزائر(((‪ ،‬ويطلب جمددا من برطلومي دي لوس آنخيليس بأن يثبت العقيدة عند‬
‫املوريسكيني‪ ،‬إذ كان موقف هؤالء يعارض كال من رغبة امللك البابا وحمققي حماكم‬
‫التفتيش‪ ،‬والرأي العام والتعاليم التي كانت تدعو لتنرص حقيقي لذلك اجلنس؟‬
‫صدر مرسوم ‪ 1543‬الذي يقيض بالعفو عن التائبني من املنترصين اجلدد يف أمليدو‬
‫وأريبوال؛ لكن كل تلك التدابري كانت تتحطم عىل صخور املصلحة املادية التي كان‬
‫يشكلها املوريسكييون بالنسبة ألسيادهم‪ .‬لذا ال يمكننا أن نصف امللك بالبالدة أو‬
‫الغباء حينام عني الراهب برطلومي دي لوس آنخليس والدكتور أنطونيو رامرييث دي‬
‫هارو من أجل تكوين وتقوية وتصحيح العقيدة لدى املوريسكيني البلنسيني(((‪ .‬كان‬

‫((( الحراس الذين كانوا يرافقون ألفريكس إلى بلنسية في ‪ 6‬مايو ‪ ،1538‬تم اغتيالهم في طريق سرقسطة‪ ،‬وهم‬
‫كاآلتي‪ :‬بدرو مليانو‪ ،‬وزير محكمة التفتيش بسرقسطة‪ ،‬و بلتاسار دي طوريس‪ ،‬قاضي المحكمة‪ .‬فر الجناة ورحلوا‬
‫إلى الجزائر‪.‬‬
‫((( هاييدو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.60 .‬‬
‫((( نشر نسخة من هذا القرار دنبيال‪ ،‬سلسلة المحاضرات‪ ،‬ص‪ ،129-127 .‬النسخة الكاملة للنص من وثائق‬
‫تاريخية‪ ،‬رقم ‪.8‬‬
‫((( وثائق دبلوماسية‪ ،‬رقم ‪.9‬‬
‫((( هاييدو‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.62 .‬‬
‫((( فلورينثيو خانير‪ ،‬وقع الملك رسالته يوم ‪ 28‬فبراير ‪.1543‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪156‬‬

‫البد من إسكات احتجاج الرأي العام الذي ينادي بحل للمسألة املوريسكية‪ .‬ومن‬
‫جديد متت املناداة عىل املفتشني املعنيني باألمر للقيام بواجبهم مع اختاذ احلذر واحليطة‬
‫«إذ كان عىل كل واحد منهم أن ينشد ارتياح األسياد الذين حيمون املوريسكيني التابعني‬
‫هلم‪ ،‬وأن ينظروا بعني الرىض إىل التدابري التي ستتخذ(((‪ .‬مل تكن تلك الوسائل لتصل‬
‫إىل النتائج املتوخاة‪ ،‬ووضعت العراقيل أمام برطلومي دي لوس آنخليس لكي يبلغ‬
‫الغاية املنشودة التي كان حيققها يف مواقف وأماكن أخرى(((‪ .‬وبمناسبة تعيينه‪ ،‬وجه‬
‫امللك خطابا إىل موريسكيي بلنسية يطلب منهم اإلصغاء للراهب برطلومي بكل حب‬
‫واستسالم وخضوع(((‪ .‬كام طلب منهم األمر نفسه دون أنطونيو رامرييث دي هارو‬
‫(((‬

‫وقد مكن نائب ملكة بلنسية برطلومي من تتبع مراحل تنصريهم(((‪ .‬لكن كان ينقص‬
‫األهم‪ :‬موافقة األسياد عىل حتركات ومواقف رجال الدين ‪ ،‬فكتب نائب امللك يف بلنسية‬
‫إىل النبالء يف مملكته خماطبا‪« :‬ننتظر من هذه املسألة رضاكم ودعمكم من أجل تثبيت‬
‫روح ديننا املقدس ‪ ،‬لذا جيب علينا أن نسهل مأمورية املكلفني بذلك يف الكنيسة من أجل‬
‫السري العادي واملرن للعملية(((‪.‬‬
‫توصل األسياد بالطلب لكنهم مل ينفذوه‪ ،‬بل جترؤوا عىل أن طلبوا من امللك تربئة‬
‫أتباعهم املوريسكيني من األحكام التي أصدرهتا ضدهم حمكمة التفتيش‪ .‬أحس امللك‬
‫ووزراؤه باحلرج والتلعثم لكنهم مل يلبثوا أن استسلموا وأصدروا أوامر تقتيض املرونة يف‬
‫التعامل معهم أمام تفيش أسياد ال حييدون وال يتنازلون عن رأهيم»(((‪.‬‬

‫((( نشره السيد خانير‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.231 .‬‬


‫((( وثيقة األماكن التي يحدد من خاللها األب برطلومي دي لوس آنخليس مواقع المتنصرين الجدد الذين يجب‬
‫تلقينهم تعاليم دينهم الجديد بمملكة بلنسية‪ ،‬أصدرها السيد خانير‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.432-233 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.235 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.236 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.238 .‬‬
‫((( الوثائق الدبلوماسية‪ ،‬رقم ‪.11‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫الفـصـل الــســابـــع‬

‫أمام هذه األحداث واملواقف دعا امللك إىل عقد دورة للمجلس يف جمريط حرضها‬
‫كل من رامرييث دي هارو ‪ ،‬دون خوان سيليثيو ‪ ،‬أسقف طليطلة و الراهب بيدرو دي‬
‫سوطو وبعض املحققني اآلخرين‪ ،‬الذين أمهلوا املوريسكيني مدة ‪ 26‬سنة لتعلم مبادئ‬
‫الدين اجلديد دون أية مالحقة أو مضايقة من طرف حماكم التفتيش‪ .‬كام نرى‪ ،‬عادت‬
‫سياسة التسامح من جديد لتحل بدل الشدة وذلك لضغط األسياد وقوهتم‪ .‬ومنذ ذلك‬
‫احلني عاد املوريسكييون إىل ممارسة شعائرهم اإلسالمية عىل مرأى ومسمع من اجلميع‬
‫وعادوا حلياة املورو‪ ،‬يصومون رمضان‪ ،‬وال يذهبون للكنيسة ويعملون خالل األعياد‪،‬‬
‫ويتعللون بأنه يمكن العيش عىل هذه احلال كام حيلو هلم ملدة ثالثني سنة(((‪.‬‬
‫تلك السياسة التي حتمتها الظروف مل تتأخر يف أن أصبحت عامة ونشطت عمليات‬
‫القرصنة‪ ،‬وارتفعت أصواهتم بسبب رجال الدين وشن محلة كذلك ضد حمققي حماكم‬
‫التفتيش إىل أن كتب قداسة باولو الثالث إىل أسقف شقوبية يدعوه ملتابعة املجرمني‬
‫املنحرفني(((‪ ،‬كام أن امللك وجد نفسه مضطرا إلصدار مذكرة يف الشأن يوم ‪ 22‬شتنرب‬
‫‪.((( 1545‬‬
‫لقد سامهت التدابري امللكية يف إضعاف دور حماكم التفتيش حينام سمحت للمورو‬
‫املتنرصين بتعلم مبادئ الدين اجلديد بمحض إرادهتم؛ األمر الذي أدى إىل تكثيف‬
‫اللقاءات والتكوينات لصالح أبناء املوريسكيني‪ ،‬لكنهم مل يكونوا ليتحولوا عن‬
‫دينهم‪ ،‬وواصلوا تربية أبنائهم عىل مبادئ دين حممد وانتبهوا بأن طريقة التعليم التي‬
‫تلقن عن طريق التخويف والتهديد مل تكن لتِأثر فيهم أو جتعلهم يتزحزحون قيد أنملة‬
‫عن معتقداهتم اإلسالمية الراسخة‪ .‬تنبه امللك ورجال الكنيسة إىل ان كل التدابري‪ ،‬ال‬
‫العقاب وال الرمحة والتسامح‪ ،‬كان جيدي مع هذا اجلنس وأن التامزج بني اجلنسني كان‬

‫((( سلسلة محاضرات‪ ،‬ص‪.132-131 .‬‬


‫((( وثائق دبلوماسية‪ ،‬رقم ‪.12‬‬
‫((( نسخة كاملة ضمن الوثائق الدبلوماسية‪ ،‬رقم ‪ ،31‬ص‪.133-132 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪158‬‬

‫مستحيال استحالة كلية‪ ،‬كام أن القوانني مل تكن تراعي أي جانب يسهل متازجها‪ .‬كانوا‬
‫يقيمون يف بلد تعتربهم ترشيعاهتم مهزومني مغلوبني‪ ،‬وأن احلل الوحيد واخليار األوحد‬
‫أمامهم إما اخلضوع واالستسالم وإما اهلجرة واجلالء‪ .‬كان هذا الوضع هو السائد ملدة‬
‫طويلة يف حياة اجلنس املوريسكي بمملكة أراغون((( ‪.‬‬
‫مل يكن ممكنا أن خيصص النظام املوريسكني بتعامل خاص مادام الرصاع قائام ضد‬
‫املتمردين‪ ،‬أتباع لوثريو يف أملانيا((( ‪ ،‬األمر الذي كان يضعف موقف امللك الذي حقق‬
‫أزيد من مائة انتصار‪ .‬من هنا جاء قرار حجز كل ممتلكات ذلك اجلنس((( ‪.‬‬
‫كان البد من اختاذ تدابري أكثر رصامة ونجاعة وذلك تطبيقا للسلطة امللكية وإرضاء‬
‫للرأي العام‪ ،‬وطمأنة املسيحيني القدامى الذين كانوا يشعرون باهللع أمام إفالت‬
‫املتمردين من العقاب وعمليات القرصنة املتسارعة‪ .‬يبقى السؤال املطروح هل أتبتت‬
‫كل تلك التدابري نجاعتها يف استئصال العقيدة اإلسالمية من نفوس جنس يعيش وسط‬
‫شعب مسيحي؟‪.‬‬

‫((( محاضرات‪ ،‬ص‪.135-134 .‬‬


‫((( عدد كبير من المؤرخين تطرق ألحداث ذلك النصر في ‪ 24‬أبريل ‪ .1547‬لويس دي ثونييغا‪ :‬تحليل وقائع‬
‫الحرب بين الملك كارلوس الخامس ضد أتباع لوثيرو سنتي ‪ ،1547-1546‬وثيقة ضمن مكتبة المركيزة أرملة‬
‫كرويييس‪ .‬ج‪ ،4 .‬صفحات بدون ترقيم‪ ،‬حصل على هذه الوثيقة دون أغوستين ساليس‪ ،‬مؤرخ بلنسية‪.‬‬
‫((( الوثيقة رقم ‪ ،14‬من الوثائق الدبلوماسية‪.‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫حقيقة طباع الجنس الموريسكـي ‪ /‬القديس طوماس دي فيال‬

‫نويبـا ‪ /‬مجلس بايادوليد سنة ‪ 1548‬من أجل تعديل قانون‬

‫التعامل مع الموريسكيين ‪ /‬مطران بلنسية يؤكد على ضرورة قمع‬

‫جسارة هؤالء ‪ /‬اجتماع مجلس غرناطة ‪ /‬جهود دون فرانسيسكو‬


‫دي نافارا من أجل تنصير موريسكيي نافارا‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫الفـصـل الــثــامـــن‬

‫من أصعب املتاعب التي تواجه املؤرخ‪ ،‬هو حتديد املعامل أو الطباع احلقيقية‬
‫للموريسكيني بإسبانيا‪ .‬هناك من ينظر إليهم بأهنم شعب مثقف‪ ،‬جمتهد‪ ،‬مسلم‪،‬‬
‫ويستحق حظا أحسن وأوفر‪ .‬كام أننا ال نعجب من الصورة التي رسمها هلم بيدرو أثنار‬
‫دي كاردونا(((‪ ،‬كواداالخارا بليدا‪ ،‬إسكوالنو ومؤرخون آخرون‪ ،‬شهدوا عملية طردهم‬
‫وأطلعونا عىل تلك الوقائع خالل بداية القرن ‪.17‬‬
‫لن نقول بأهنا غري صحيحة وغري مضبوطة تلك الوثائق التارخيية التي خلفوها لنا‪،‬‬
‫لكنه جيب أن نأخذ بعني االعتبار اخلوف والرعب اللذين كانا يواجهاهنم من طرف‬
‫الكنيسة والنبالء دون إغفال امللك وحميطه أيضا‪ .‬قد يتعرضون لالهتام بالتعاون مع‬
‫أعداء إسبانيا‪.‬‬
‫عن املورسكيني وصورهتم وطباعهم يقول لنا املؤرخ‪« :‬كانوا أناسا مجييل الوجه‬
‫والطلعة‪ ،‬متقاعسني‪ ،‬أعداء للعلم والتجربة‪ ،‬أخالقهم فاضلة وطيبني بعيدين عن كل‬
‫سلوك مدين أو سيايس عقالين‪ ،‬ال يراعون املبادئ الصحية يف سلوكهم إال التي يضطرون‬
‫إليها» وقال عنهم أيضا‪« :‬كانوا حيبون السخرية‪ ،‬يعشقون الغناء والرقص ويفضلون‬
‫نفخ املزمار والدف‪ ،‬يربون املوايش واحليوانات التي يعتمدون عليها يف عملياهتم احلربية‬
‫ويستمتعون بالسري والتسكع يف الطرقات»‪.‬‬
‫لن نستمر يف األوصاف التي جاء هبا املؤرخ‪ ،‬ولكنه يمكننا أن نجمل‪« :‬بأهنم كانوا‬
‫يتعاطون لألنشطة الفالحية‪ ،‬ويأكلون ليعيشوا ويدخروا املال وينمونه‪ ،‬ينتقمون ممن‬
‫يؤذهيم ويرتصدونه‪ ،‬متطرفني وال يصفحون‪.‬‬
‫لقد تركوا بصامت خالدة وعميقة يف املناطق التي عاشوا فيها ومروا منها‪ ،‬يف طريقة‬
‫عملهم باحلقول‪ ،‬لباسهم و أغانيهم‪ ،‬شكل حرثهم وصناعتهم‪ ،‬عاداهتم وشعوذهتم‪،‬‬

‫((( الطرد المبرر للموريسكيين االسبان‪ ،‬ج‪ ،8 .‬طبع في ويشكة‪ ،‬سنة ‪.1612‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪162‬‬

‫حفالهتم والبذخ الذي ورثوه عن بني جلدهتم يف املرشق و طريقة ركوهبم اخليل‪.‬‬
‫حينام نتذكر هذا نتخيل أن كل هذه األحداث جرت البارحة فقط بكل ماليني‬
‫التفاصيل‪ .‬فإىل غاية أواسط القرن التاسع عرش نجد ممارساهتم وعاداهتم حارضة بإحلاح‬
‫يف املناطق واملدن والقرى التي عمروها وأقاموا هبا‪ .‬والزالت أكواخ ومالبس سكان‬
‫بلنسية حتمل بصامهتم‪ ،‬كام نجد عندهم أيضا صنع احلرير وزراعة السكر والقنب‪.‬‬
‫واستمر هذا اجليل املهجن ألزيد من ثالثة قرون وهو يامرس كل عاداته وسلوكه‪.‬‬
‫ال يمكننا أن نغفل دأهبم عىل العمل واالجتهاد إال أن هذا العمل مل يكن له أثر وتأثري‬
‫يف إصالح‪ ،‬وتقدم عدة قرى ومدن مسيحية قديمة‪ ،‬وهذا يعود أيضا إىل أن الربح املادي‬
‫كان يستفيد منه األسياد‪ .‬مل يواز التقدم املادي عندهم والتقدم الفكري والثقايف‪ .‬وال‬
‫يمكننا أن ننفي بروز شخصيات هامة بني املوريسكيني ولكن دون أن يشكل ذلك‬
‫القاعدة العامة‪.‬‬
‫لكننا نقف مشدوهني أمام إنجازاهتم يف املجال الزراعي والفالحي‪ ،‬كام أنه ال‬
‫يمكننا إال التصفيق لقناعات ذلك اجلنس العنيد الذي مل يتنازل عن دينه وعن معتقداته‬
‫رغم كل التهديد والعقاب‪ .‬ومل يكونوا يتعاطون للفنون امليكانيكية‪ ،‬فالثلة القليلة التي‬
‫مارست ذلك منهم إنام كان فرارا كي ال حتتك باملسيحيني القدامى وليس من أجل‬
‫تطويرها وتنمية حميطها(((‪ .‬لكن طابعهم احلقيقي ومميزاهتم الواضحة يمكن البحث‬
‫فيها يف حياهتم الدينية وممارسة عقائدهم وحفالهتم‪« :‬وكان املوريسكييون مسلمني‬
‫حتى النخاع يف مجيع مناحي عيشهم‪ ،‬عاداهتم ولغتهم‪ ،‬يطبقون تعاليم القرآن يف حياهتم‬
‫اليومية ويقدسون موروث أجدادهم‪ ،‬واملتنرصون منهم مل يرتكوا ممارستها واعتقادها‪،‬‬
‫وكانوا يعتربون أنفسهم اعداء للمسيح حتى داخل الدين اجلديد‪ .‬وقد أثبتت وثائق‬
‫تارخيية هامة ومتعددة تشبثهم بتعاليم حممد وممارستها رغم كل املحن والظروف‪ ،‬فرغم‬
‫اختالطهم باملسيحيني القدامى مل يتأثروا هبم وال بطريقة عيشهم أو دينهم‪ .‬وبقيت آثار‬
‫((( وثائق كربوس كريستي ببلنسية‪.‬‬
‫‪163‬‬ ‫الفـصـل الــثــامـــن‬

‫عديدة شاهدة عىل وجودهم‪ ،‬جتسدت يف الكم اهلائل من املساجد التي شيدوها و الكتب‬
‫العربية التي تركوها وتداولوها يف رسية تامة بني أرسهم(((‪.‬‬
‫اشتهروا كذلك بنقل البضائع‪ ،‬حتى املتنرصين اجلدد منهم(((‪ ،‬وكان ذلك األمر‬
‫يمكنهم من االتصال فيام بينهم‪ ،‬وتناقل أخبار املسيحيني القدامى وكل القضايا التي‬
‫ترتبص هبم‪ .‬كانوا هبذا األمر عىل علم بكل ما جيري يف حميطهم واملناطق املجاورة هلم‪.‬‬
‫جتسد كرههم الشديد للمسيحيني القدامى يف ممارساهتم املحمدية اإلسالمية وطريقة‬
‫ملبسهم وكالمهم((( ‪.‬‬
‫سنمر اآلن لدراسة وضعية مملكة بلنسية خالل أواسط القرن ‪ 16‬ألهنا كانت تشكل‬
‫نواة وموطن الساكنة املوريسكية حيث وقعت أهم األحداث املتعلقة هبذا اجلنس‪.‬‬
‫لألسف نعرتف بأن األصوات املعادية و املعارضة التي انتفضت خالل حكم إسابي َّ‬
‫ال‬
‫وفرناندو كانت عىل صواب إذ كان رجال الكنيسة يتعاطون ألنشطة ال متت ملجاهلم‬
‫واختصاصهم بصلة‪ .‬كانت ممارستهم ال روح فيها ونساؤهم ضحايا البذخ واألسواق‬
‫‪ .‬ويمكننا أن نتصور احلالة احلالكة التي كان عليها املجتمع يف القرن الرابع عرش (((‪.‬‬
‫فكانت بلنسية معروفة بأكرب نسب الرشوة واالرتشاء‪.‬‬
‫عن تلك األوضاع قال لنا الكاتب والشاعر املرموق خوان باوتيستا أنييس يف رسالته‬
‫التي وجهها من كفرينتيس بتاريخ ‪ 15‬يناير ‪ 1533‬إىل نائب األسقف العام ببلنسية‬
‫دون خوان غيس‪ ،‬يتأسف عىل الوضع املزري لتفيش الرشوة والفساد يف مجيع املامرسات‬
‫واملظاهر خصوصا بني املوريسكيني‪ ،‬ويطلب بإرسال معلمني من الكنيسة‪ ،‬عىل وجه‬
‫الرسعة‪ ،‬ليحدثوهم عن اإليامن ويعلموا هؤالء املتنرصين اجلدد تعاليم ديننا حتى‬

‫((( خانير‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.46 .‬‬


‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.47 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬رقم ‪ ،15‬وثائق دبلوماسية‪.‬‬
‫((( قسم سان بيثينتي فرير في كنيسة بلنسي‪ ،‬األرشيف الملكي لكربوس كريستي‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪164‬‬

‫يصلحوا حاهلم وسلوكهم(((‪.‬‬


‫خالل فرتة وجوده القصرية‪ ،‬وعد دون خورخي دي أوسرتيا بتحسني أوضاع‬
‫املوريسكني يف بلنسية‪ ،‬األمر نفسه كان متوقعا يف أراغون؛ إال أن امتناع املتنرصين‬
‫اجلدد ومقاومتهم بلغت إىل درجة أن قال عنهم دون خورخي‪« :‬من ترك هذه املسؤولية‬
‫ألسباب متعددة‪ ،‬من بينها أن املجهود اجلبار الذي بذل ومل يف باألمل املنشود‪ ،‬كانت‬
‫احلصيلة هزيلة جدا‪ ،‬كأننا نحرث كلمة الرب يف أرض ال تنتج‪ ،‬أرض فاسدة عقيمة(((‪.‬‬
‫لقد حاول رجال أكفاء متعلقون بالدين املسيحي وبتطبيق تعاليمه السمحة من أجل‬
‫زرع اإليامن يف قلوب هؤالء املوريسكيني‪ ،‬لكنهم فشلوا يف أكثر من حماولة‪ .‬كام أن رصاع‬
‫يف هذا املجال أدى إىل ضغف املردودية والتأثري يف املوريسكيني‪.‬‬ ‫(((‬
‫رجال الكنيسة‬
‫بدورهم‪ ،‬كان النبالء يتوسطون لدى بعض الشخصيات‪ ،‬مثل دوق قلربية إليقاف‬
‫محلتهم ضد املوريسكيني واملتنرصين اجلدد؛ إذ كان األسقف تورينتو يتصور بأن مهمته‬
‫يف اململكة هي مراقبة املتنرصين اجلدد عن كثب‪ ،‬واإلطالع عىل مسار حياهتم وأمور‬
‫دنياهم ورشائهم وبيعهم وكل ما يتعلق هبم((( ‪.‬‬
‫ويف املقابل نورد رسالة أخرى بعثها إىل امللك يقول فيها‪« :‬سيدي املتعايل القوي‬
‫املبجل‪ ،‬أخربين أسقف ويشقة حيث يوجد تكليفي باملهمة‪ ،‬أنني متهم بالثورة والتمرد‬
‫لعدم حضوري القداس‪ ،‬وأنتم تعلمون جيدا أنني دائام رهن إشارتكم ويف متناول يدكم‪،‬‬
‫وهدفنا األسمى خدمة معاليكم‪ .‬بعد ذهاب أسقف سيغوبيا بقي هؤالء املتنرصون اجلدد‬
‫دون رقيب أو حسيب ويتجارسون يوميا باتباع وهنج شعائرهم ومعتقداهتم املوريسكية‪.‬‬

‫((( الطرد المبرر للموريسكيين‪ ،...‬ص‪.25 .‬‬


‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( خوسي بيثينتي‪ ،‬حياة فضائل ومعجزات ومراسم احتفال سانطو طوماس دي فليانويبا‪ ،‬اسقف بلنسية‪ .‬ج‪ ،1 .‬ص‪.‬‬
‫‪ ،400‬طبعه غنثاليث خوان‪ ،‬بلنسية‪ ،1731 ،‬ص‪.128 .‬‬
‫((( الوضع العسكري بالمملكة‪ ،‬رقم ‪ ،2‬الكتاب يتضمن وثائق عن األوضاع السائدة بين ‪.1560 -1542‬‬
‫‪165‬‬ ‫الفـصـل الــثــامـــن‬

‫نحن نجد أيدينا مقيدة من أجل عقاهبم وتصحيح مسار حياهتم‪ .‬لذا نلتمس من جاللتكم‬
‫بعث من تثقون فيه للقيام هبذه العملية كي تستقيم األمور‪ ،‬وتشفي الغليل‪ ،‬وتقوم املعوج‬
‫ويعتنقون الدين اجلديد يف كل ممارساته وال يعيشون حياهتم كمورو‪ .‬كام أخرب جاللتكم‬
‫أنه خالل الشهر املنرصم قد قدمت ثالث أو أربع فرق قراصنة وفد أفرادها من اجلزائر‬
‫وأرسوا يف هذه الشواطئ أزيد من ‪ 100‬شخصا‪ .‬وهذا يعترب إهانة لبلد مثل وطننا إسبانيا؛‬
‫إال أننا ال نشك يف املوريسكيني الذين يسهلون هلم أمور اهلجوم ويدلوهنم عىل أخبارنا‬
‫وخبايانا‪ .‬إذ يعترب تواجدهم هبذا الشكل إهانة لنا وللرب وللدين‪ .‬أطال الرب عمركم‬
‫يا صاحب اجلاللة‪ .‬بلنسية ‪ 12‬أبريل ‪ .1547‬الراهب طوماس‪ ،‬كنيسة بلنسية(((‪.‬‬
‫من خالل كل ما ذكرناه وأسلفناه نستنتج أن املوريسكيني استمروا يف حياهتم كمورو‪،‬‬
‫مل تنفع معهم قبضة النار واحلديد‪ ،‬وال سياسة التسامح والرمحة‪ .‬لقد شغلت القضية‬
‫املوريسكية أعىل سالليم وهياكل الكنيسة كام ورد وبقي يف مراسالت ووثائق الكنيسة‬
‫التي مازال جلها حمفوظا إىل يومنا هذا يف أرشيف شانت مانكش ((( ‪ .‬فمن خالهلا نعرف‬
‫أن الكنيسة والقائمني بالشأن قد بذلوا كل ما يف وسعهم لكي يصدق إيامن املوريسكيني‬
‫بدينهم اجلديد‪ ،‬لكن دون جدوى‪ .‬هيأوا كتبا ووثائق ألبنائهم‪ ،‬وهلم ليتعلموا مبادئ‬
‫الدين املسيحي وركائزه‪ ،‬وتعددت اللقاءات التعليمية حيث يتم رشح روح الدين‬
‫الكاثوليكي وسامحته‪ ،‬إال أهنم كانوا يواجهون كل ذلك بالتجاهل واالعرتاض‪ .‬وكانوا‬
‫يفضلون إعطاء املال وأداء الرضيبة مهام بلغت عىل أال يدخلوا يف الدين اجلديد‪ .‬كان‬
‫يتم تتبعهم وترصدهم حتى داخل بيوهتم للتطلع عن كثب هل حسن تنصريهم‪،‬‬
‫وكانوا يتعرضون لكل أنواع العذاب لثنيهم عن دينهم‪ .‬مل يكن ممكنا اندماجهم بمفهوم‬
‫انصهارهم ليكونوا جمتمعا متحدا واحدا ومتجانسا‪ .‬كان اجلدار الذي يرضبونه بينهم‬
‫وبني الدين اجلديد واملسيحيني القدامى عميقا وسميكا يصعب بل يستحيل جتاوزه‪ .‬ويف‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬كتابة الدولة‪ ،‬رقم ‪ ،300‬مجموعة وثائق غير منشورة‪ ،‬ج‪ ،5 .‬ص‪.100 .‬‬
‫((( نشر تلك الوثائق أيضا دنبيال‪ ،‬ص‪ 139-136 .‬من محاضراته‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪166‬‬

‫بعض الفرتات طلب منهم التظاهر عىل األقل يف اخلارج بمامرسة شعائر الدين اجلديد‬
‫والعقيدة املسيحية‪.‬‬
‫كان كل رجال الدين املتعاقبني يف بلنسية يتصورون أنه ال يمكنهم ختليص روحهم‬
‫من النار والعذاب إن مل يستطيعوا تنصري املوريسكيني(((‪ .‬كتب بعضهم للملك حيدثه عن‬
‫السلوك القويم لرجال الدين وكيف أهنم يقبلون األموال التي يمدهم هبا املوريسكيون‬
‫حتى يستطيعوا احلفاظ عىل ممتلكات الكنيسة ويساعدوا الفقراء‪ ،‬ويعطوا الصدقات‪،‬‬
‫وكل هذا بفضل ما يأخدونه من أموال املوريسكيني‪ .‬هل كانوا سيقبلون هبذا لو كان‬
‫هدفهم احلقيقي هو إعالء روح ودين املسيح؟(((‪.‬‬
‫أشار القديس طوماس فيليانويبا بكل وضوح إىل العوامل األساسية التي كانت‬
‫تعرقل حل املعضلة املوريسكية وتسهل عصياهنم ومتردهم‪« ،‬عالقتهم بقراصنة اجلزائر‬
‫ومحاية النبالء هلم»‪ .‬جتسد هذا بكل وضوح يف تدخلهم لصالح املوريسكيني ثوار برينية‬
‫وإسباذان(((‪ .‬الزال أرشيف شانت مانكش حيتفظ بوثاق تتعلق باالتفاقيات املتعلقة‬
‫باملسألة املوريسكية يف مملكة بلنسية ونواحيها خالل املجلس املنعقد سنة ‪. ((( 1548‬‬
‫تعرضت شواطئ أليكانتي هلجوم رشس من طرف القراصنة وأرس عدد كبري من‬
‫الرجال‪ ،‬من أجل هتدئة األوضاع واستتباب األمن‪ ،‬وتم السامح للموريسكيني بمامرسة‬
‫شعائرهم الدينية اإلسالمية بكل حرية‪ .‬واتفقت سلطات منثون عىل تدابري أخرى(((‪،‬‬
‫لكن األمن بقي مهددا ليس يف اخلارج فقط بل يف الداخل أيضا‪ .‬وتواصلت عمليات‬
‫القراصنة التي كانت تكلف البالد أمواال كثرية من أجل افتداء أرساها((( ‪ ،‬شكل ذلك‬
‫أيضا عامال من بني األسباب التي أدت إىل ركود اقتصاد إسبانيا وتبادهلا التجاري عرب‬

‫((( فنسكا‪ ،‬الطرد الصائب والعادل للموريسكيين‪ ،...‬ص‪.26 .‬‬


‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( بالط مانثون ‪.1547‬‬
‫((( الوثيقة رقم ‪ ،3‬ضمن الوثائق الدبلوماسية‪.‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( سلسلة المحاضرات‪ ،‬ص‪.140 .‬‬
‫‪167‬‬ ‫الفـصـل الــثــامـــن‬

‫البحر حتى ال تتعرض بواخرها هلجوم األتراك واجلزائريني‪ .‬باإلضافة إىل هذا كان‬
‫املوريسكييون يفلتون بجلدهتم وال يتعرضون للمساءلة أو العقاب‪ ،‬األمر الذي كان‬
‫يشجعهم عىل التامدي يف خيانتهم ومتردهم وعصياهنم‪ ،‬فرغم أن القانون واألوامر‬
‫والتعليامت امللكية كانت جترم التسرت عن القراصنة أو مساعدهتم إىل غاية أن وصل امللك‬
‫فيليبي اخلامس إىل سدة امللك سنة ‪ 1707‬وألغى ذلك القانون القديم من مملكة بلنسية‪.‬‬
‫أهم السبل حلل املشكلة املوريسكية يمكن أن يتجسد يف اآليت‪:‬‬
‫«إغالق األبواب واحلدود أمام قراصنة اجلزائر وفك عالقاهتم باملوريسكيني يف‬
‫بلنسية وأراغون‪ ،‬وجتريدهم من األسلحة‪ ،‬وإجبارهم عىل تطبيق التعاليم والقوانني‬
‫املسيحية عىل األقل يف اخلارج واألوساط العامة‪ ،‬وتلقينهم العقيدة املسيحية وتعليمهم‬
‫أصول الدين وتوفري املدارس واملعاهد هلم من أجل ذلك ومراقبتهم باستمرار‪ .‬كان ذلك‬
‫رأي وبرنامج الراهب طزماس دي فليا نويبا إال أن األمر مل يتم حتقيقه لعدم توفر اإلرادة‬
‫السياسية وذلك لألسباب التي ذكرناها آنفا‪.‬‬
‫يف ‪ 13‬من غشت ‪ 1552‬وصل خطاب مشابه إىل ابن كارلوس األول خيربه باخلطر‬
‫الذي هيدد مملكة بلنسية((( ورضورة بعث تعزيزات من أجل مواجهة القراصنة األتراك‬
‫و ردع املورو ونزع سالحهم(((‪.‬‬
‫ويف ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1553‬صدر من جديد القانون الذي يمنع املوريسكيني من اهلجرة‬
‫إىل اجلزائر((( ‪ ،‬إال أنه كذلك يمكننا أن نعاتب بعض القساوسة الذين مل يقوموا بدورهم‬
‫اجتاه املوريسكيني وتركوهم مثل القطيع دون راع(((‪.‬‬
‫واصل املوريسكيون حياهتم كاملورو يف ملبسهم وكالمهم‪ ،‬مل يكونوا مسيحيني‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬كتابة الدولة‪ ،‬عدد ‪ ،306‬ضمن وثائق غير منشورة‪ ،‬ج‪ ،5 .‬ص‪.107 .‬‬
‫((( نشر الكتاب السيد خانير‪ ،‬ص‪ ،245-244 .‬سبق ذكره‪.‬‬
‫((( وثائق دبلوماسية‪ ،‬رقم ‪.16‬‬
‫((( دوق ماكيدا‪ ،‬نائب ملك بلنسية‪ 27 ،‬أكتوبر ‪ ،1553‬وثيقة غير منشورة‪ ،‬ص‪ ،2 .‬ضمن وثائق خزانة السيد‬
‫غروييس‪ ،‬رقم ‪.74‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪168‬‬

‫صاحلني‪ .‬عملت السلطات واملسؤولون عىل حماربتهم يف طقوسهم‪ ،‬وعاداهتم ويف‬


‫محامتهم‪ ،‬كانوا يرتكون أبواهبم مفتوحة يوم األعياد وأيام اجلمعة‪ ،‬منعوا نساءهم من‬
‫طالء أيدهيم وأرجلهم وشعرهم باحلناء‪ ،‬ومن الزواج عىل طريقة املورو وأال يضع‬
‫أطفاهلم القبعات فوق رؤوسهم((( ‪.‬‬
‫مل هيتم املوريسكييون بكل هذه األوامر امللكية وقد تم الرتاجع عنها الحقا قبل أن‬
‫يغادر امللك غرناطة(((‪ .‬وتويف القديس طوماس دي فيليا نويبا يف ‪ 8‬شتنرب سنة (((‪،1555‬‬
‫وخلفه يف بلنسية فرانسيسكو دي نافارا‪ ،‬إال أن املسيحيني عربوا عن صدمتهم حينام‬
‫رأوا بأن املوريسكيني مازالوا يامرسون كل شعائر دينهم املحمدي من صالة‪ ،‬ووضوء‬
‫وصوم‪ ،‬واحتفال بعيد األضحى‪.‬‬
‫لقد تطرقنا سابقا إىل األسباب التي أدت إىل هذه النتائج الضئيلة‪ ،‬كام أننا نعرتف بفشل‬
‫إسبانيا يف حل املعضلة املوريسكية‪ ،‬ومل تطبق القوانني املتعلقة باملوريسكيني لألسباب‬
‫التي ذكرناها أيضا‪ .‬كم مرة تم منعهم من استعامل اللغة العربية‪ ،‬والذهاب إىل محاماهتم‬
‫العمومية‪ ،‬والعدول عن الزواج بطريقتهم ودفن موتاهم عىل الطريقة املحمدية وطريقة‬
‫حتضريهم ألكلهم وطعامهم‪ .‬بقيت كل هذه املامرسات قائمة وربام أقوى مما كانت عليه‬
‫يف عهد كارلوس األول وبداية القرن السابع عرش‪.‬‬
‫تعالت األصوات يف النهاية بطرد املوريسكيني بعد استنفاذ مجيع الطرق من أجل‬
‫الوحدة الوطنية‪ ،‬ألهنم كانوا يشكلون خطرا حقيقيا عىل كل هذا‪ .‬إال أن العناية اإلهلية‬
‫وقوة عجيبة خارقة عملت عىل دحض خطرهم‪ .‬قد يقبل البعض هبذا التعليل وقد‬
‫يرفضه إال أنه ُمع ًطى ال يمكن قطعا جتاهله‪.‬‬

‫((( تاريخ إسبانيا‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.626 .‬‬


‫((( سبق ذكره‪ ،‬ج‪ .‬ص‪.133 .‬‬
‫((( أسقف بلنسية‪ ،‬الكتاب الثامن‪ ،‬ص‪ ،4 .‬ليس للوثيقة عنوان أو تاريخ نشر وطبع‪.‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫فيليبي الثاني ‪ /‬المسألة الموريسكية في غرناطة وبلنسية ‪/‬‬

‫مناسبات‪ ،‬ممارسات‪ ،‬عادات ولغة الموريسكيين ‪ /‬تقرير دون‬

‫غريغوريو دي ميراندا ‪ /‬تجريد الموريسكيين البلنسيين من السالح‬

‫سنة ‪ / 1563‬اجتماع مجلس مدريد المنعقد سنة ‪ / 1564‬قلق‬


‫واضطراب موريسكيي غرناطة‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫مل يكن للملوك اإلسبان مهتمون بتتبع حياهتم ومدونون لبيوغرافياهتم مثلام حظي‬
‫بذلك فيليبي الثاين‪ ،‬كام أنه ال أحد مثله كثر اجلدل حوله وتم مدحه‪ ،‬بل املبالغة يف‬
‫إطرائه‪ .‬ربام يعود ذلك‪ ،‬كام قال بعض املؤرخني إىل طباعه املرنة اجتاه األحداث التي‬
‫كانت إسبانيا مرسحا هلا خالل فرتة ملكه واإلزدهار الذي عرفته الفنون واآلداب يف‬
‫عهده وحربه الرشسة دون هوادة ضد اإلسالم مدافعا بذلك عن اإلسبان واحلضارة‬
‫األوربية ضد األجناس املنحطة(((‪.‬‬
‫كان يف أنجلرتا الشاب امللك رفقة والدته ملك إنجلرتا حينام طلب منه والده احلضور‬
‫لبلجيكا كي ينصب بعد ذلك ملكا عىل بالد األرايض املنخفضة‪ .‬حصل ذلك األمر يف‬
‫‪ 25‬من أكتوبر سنة ‪ ((( 1555‬ويف ‪ 16‬من يناير من السنة املوالية تنازل امللك كارلوس‬
‫األول البنه عن عرش قشتالة وأراغون(((‪ .‬وأصبحت اململكة بعد ذلك احلني شاسعة‬
‫األطراف ممتدة الرايض يصعب السيطرة عليها خصوصا من طرف ملك ال جتتمع فيه‬
‫خصال وأوصاف فيليبي الثاين‪ .‬كام أن ذلك مل يكن ليساعده عىل حل املشكل املطروح‬
‫يف غرناطة واألحداث الدامية يف بلنسية التي تأزمت جراء التدابري التي اختذها كارلوس‬
‫األول حينام أمر بتطبيق قرارات جملس جمريط‪ ،‬غرناطة و بيادوليد‪.‬‬
‫سامهت العوامل التالية‪ :‬معاهدة السلم ملدة مخس سنوات بني كارلوس األول وإنركي‬
‫الثاين ملك فرنسا‪ ،‬حقد باولو الرابع وكراهيته للنيل من عرش نابويل‪ ،‬وإفراط وشطط‬
‫دون ألبا باستيالئه عىل كل جماالت الكنيسة‪ ،‬واخلدمة التي عرضها ملك فرنسا عىل‬
‫البابا(((‪ ،‬والدعم الذي وفرته انجلرتا إىل فيليبي ضد فرنسا‪ ،‬ومعركة سان كنتني‪ ،‬وموت‬

‫((( فرنيرون‪ ،‬ص‪ ،110 .‬السلسلة األولى من حياة فيليبي الثاني‪ ،‬طبعة برشلونة‪ ،‬حققها مونتانير وسيمون‪،1884 ،‬‬
‫ج‪ ،1.‬ص‪.470 .‬‬
‫((( سلسلة الوثائق غير المنشورة‪ ،‬ج‪ ،7 .‬ص‪.524 .‬‬
‫((( سغوينثا‪ ،‬تاريخ الرهبنة لسان خرونيمو‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ص‪.188 .‬‬
‫((( كتب إنريكي الثاني إلى باولو الرابع بسبب خالفه مع فيليبي الثاني‪ .‬فرنيرون‪ ،‬سبق ذكرهن ص‪ ،29 .‬السلسلة الثانية‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪172‬‬

‫امللك يف دير ياستي‪ ،‬وامللكة ماريا بعد ذلك يف انجلرتا‪ ،‬امتصت كل جمهود وأنشطة‬
‫فيليبي الثاين ومستشاريه يف بداية حكمه‪ .‬إال أن بعض نواب امللك ورجال الدين مثل‬
‫فرانسيسكو دي نافارا اجتهدوا يف تنصري مورو غرناطة وبلنسية وأراغون وتم إصدار يف‬
‫‪ 10‬من أبريل ‪ 1558‬وثيقة ملكية تقيض بالعفو الشامل عن موريسكي سيغوبيا‪ ،‬آبيال‪،‬‬
‫ݒلينثيا‪ ،‬بيادوليد‪ ،‬مدينة دي الكامبو‪ ،‬أريبوال وحجرة احليط ‪ ،‬الذين اعرتفوا بأخطائهم‬
‫وتابوا عنها وطلبوا العفو والصفح((( ‪ .‬كام صدر قرار آخر يف ‪ 20‬من الشهر نفسه والسنة‬
‫نفسها موجه ملوريسكيي غرناطة من أجل تدارس مسائل هلا عالقة وصلة بمواقف‬
‫جاللة امللك وحماكم التفتيش‪ ،‬كام كتبت األمرية رسالة تعتذر فيها باسم حمققي التفتيش‬
‫وذلك ملا وجد يف إسبانيا من جتاوزات وانتشار للشعوذة واملروق عن الدين واملامرسات‬
‫غري الالئقة التي تم اكتشافها يف اململكة‪ ،‬إال أن كل تلك التدابري التي مل تكن لتحل املسألة‬
‫املوريسكية لكنها أخرت انفجارها إىل حني‪ .‬سامهت العالقة املتوترة والعدائية بني فرنسا‬
‫وإسبانيا يف تعقيد حل تلك القضية‪ ،‬وتم اختاذ تدابري من شأهنا أن تلطف اجلو والعالقات‬
‫بني املوريسكيني وبني املسيحيني القدامى‪.‬‬
‫استمر املوريسكييون يف جماهرهتم بالعداء للمسيحية يف احتقارهم للكنيسة وإدانتهم‬
‫ملحاكم التفتيش‪ ،‬ورفضهم التنرص‪ .‬إال أن سياسة احلذر والتسامح والعفو أملتها املصلحة‬
‫العليا للبالد رغم القلق السائد بني أفراد الشعب‪ ،‬إذ كانوا يرون عن كثب عدة جتاوزات‬
‫من طرف امللك الذي كان يمليها عليه الفرنسيون بانتهاج سياسة غض الطرف‪ ،‬وترك‬
‫األمور تسري وعدم التصدي للقراصنة‪.‬‬
‫كانت تدور معارك طاحنة تدور بني جييش فيليبي وإنريكي فوق الرتاب الفرنيس‪،‬‬
‫ومبادئ لوثريو تنرش كاهلشيم يف الربانس خصوصا‪ .‬رجح امللكان العقل واحلكمة‬
‫واحتكام إىل التبرص وقررا إيقاف الرصاع بينهام ومواجهة التحدي واخلطر الذي يواجههام‬
‫معا وعقدا صلحا بينهام يف قرص كمربيريس‪.‬‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬رقم ‪.8‬‬


‫‪173‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫ارتبط فيليبي وإسابيل ابنة إنريكي الثاين‪ .‬كانت ال تفارق أسامع امللك اإلسباين عبارات‬
‫أبيه وهو عىل فراش املوت حيثه عىل االنتقام ومتابعة املرتدين السحرة واملشعوذين(((‪،‬‬
‫لذلك مل يتأخر يف العودة إلسبانيا من أجل إمخاد أنفاس من يعارض الدين الكاثوليكي‪.‬‬
‫«قبل أن يرحل عن األرايض املنخفضة‪ ،‬كتب إىل أخته خوانا لكي تدل حمققي التفتيش‬
‫عىل اإلسبان املشتبه فيهم ومعاقبة املذنبني منهم بكل قسوة ورصامة يف كل املدن((( ‪.‬‬
‫وعىل وجه الرسعة وصل إىل بيادوليد وحرض مراسيم إحراق املرتدين وامللحدين‪،‬‬
‫التي عقدت أمام كنيسة سان مارتني يوم ‪ 8‬أكتوبر ‪ 1559‬حيث قال العبارات التالية‪:‬‬
‫«سأمحل احلطب بنفيس من أجل إحراق ابني إذا كان مرتدا ومشاغبا مثلكم»‪ .‬مراسيم‬
‫إحراق أخرى كانت أقيمت قبل ذلك يف بيادوليد يوم ‪ 20‬مايو‪ ،‬ورسقسطة و إشبيلية‬
‫يف ‪ 24‬شتنرب‪ ،‬ويف مرسية وبلنسية ومدن أخرى‪ .‬كانت هلذه املؤسسة الصالحية املطلقة‬
‫ملتابعة أتباع لوثريو واملهرطقني املشعوذين اآلخرين عىل خمتلف مشارهبم‪ .‬وقد اقرتح‬
‫بعض املسؤولني يف بالط طليطلة اقرتاح أي تعاقد أو ميثاق حلل املشكلة((( ‪.‬‬
‫أصدر امللك عدة أوامر صارمة من أجل قمع وإمخاد املتمردين يف غرناطة‪ ،‬إال أن‬
‫هؤالء جلؤوا لطلب محاية الكونت تنديا ‪ ،‬القائد العام للمملكة‪ ،‬الذي وعدهم «ببذل‬
‫كل جهوده من أجل إجياد حل للمشكل‪ ،‬وهكذا فعل دائام‪ ..‬إال أن بعضهم الحظ عدم‬
‫وفائه بام وعدهم فبدأوا يبحثون عن شخص آخر يلجؤون إليه وعرضوا أداء ألفي دوقية‬
‫لكل قائد عىل الشواطئ حلاميتها وذلك بصفة سنوية منتظمة‪ .‬وبدوره أظهر الكونت‬
‫تنديا استياء((( لعدم تشاورهم معهم‪ ،‬ورأى بأهنم قد أخجلوه بسلوكهم وأقنع امللك‬
‫فيليبي الثاين بإصدار قرار سنة ‪« : 1553‬يمنع بموجبه كل املوريسكيني بمملكة غرناطة‬
‫وغريها من محل السالح‪ ،‬وإن محله بعضهم البد من جلوئه للمصلحة املختصة بذلك‬
‫((( دنبيال‪ ،‬ص‪.145 .‬‬
‫((( فرنيرون‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،59 .‬المجموعة الثانية‪.‬‬
‫((( دنبيال‪ ،‬ص‪.154 .‬‬
‫((( مارمول‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪174‬‬

‫لتسجيلها واحلصول عىل الرخصة من طرف القبطان العام الذي يؤرش‪ ،‬وال يمكنهم بأي‬
‫حال من األحوال محل السالح إال باتباع هذه التعليامت والتدابري»((( ‪.‬‬
‫وورد قرار آخر تضمن ما ييل‪« :‬ال يمكن للمترشدين والصعاليك من املوريسكيني‬
‫دخول أماكن يردها األسياد وال يستفيدون من محاية الكنيسة ألكثر من ثالثة أيام»‪.‬‬
‫وبعد إصدار هذه القرارات يف حق موريسكيي غرناطة وصل إىل امللك تقريردقيق‬
‫ومفصل حول العادات واملامرسات التي كان يتداوهلا املوريسكيون يف أراغون‪ ،‬قتلونية‬
‫وبلنسية عىل وجه التحديد‪ ،‬وهذا نص التقرير‪« :‬أثبت شهود عيان بأن املتنرصين اجلدد‬
‫مازالوا يامرسون عاداهتم وحفالهتم وطقوسهم املحمدية داخل مملكة بلنسية‪ .‬أخربنا‬
‫وثقات‪ ،‬نثق هبم وحزت يف نفوسهم املامرسات‬
‫ٌ‬ ‫بذلك أشخاص غيورون عىل دينهم‪،‬‬
‫املخزية للمورسكيني من أجل تتبعهم‪ ،‬لذا أوصيناهم بتتبعهم حتى ال يغيبواعن أنظارنا‬
‫ساعة من الوقت»‪.‬‬
‫‪ -‬أوال وصلنا عن طريق مسؤويل األديرة واألعوان والقضاة بأن الوريسكيني مازالوا‬
‫خيضعون أطفاهلم للختان وأن املتنرصين اجلدد بدورهم يامرسون هذه العادة اجتاه‬
‫أوالدهم ويتوضأون ويطلقون عليهم أسامء املورو‪.‬‬
‫‪ -‬أخربنا شهود عيان بأن املوريسكيني حييون شعائرهم وحيتفلون بأعيادهم اإلسالمية‬
‫ومناسباهتم املحمدية‪.‬‬
‫‪ -‬علمنا بأن املوريسكيني يتزوجون عىل طريقتهم وال يذهبون إىل الكنيسة وال‬
‫حيرضون مراسيم القداس يف أي وقت من األوقات‪ ،‬وإن اضطروا لذلك يديرون‬
‫رؤوسهم إىل اخللف أو ينظرون إىل األرض وال يرفعوهنا نحو الرب‪.‬‬
‫‪ -‬أطلعنا شهود بعدة أماكن‪ ،‬بأن املوريسكيني يصومون من طلوع الفجر إىل غروب‬
‫الشمس خالل رمضان‪ ،‬يزاولون أعامهلم كاملة خالل أيام أعيادنا وعطلنا وال يعظمون‬

‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.138-137 .‬‬


‫‪175‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫قداستها‪.‬‬
‫‪ -‬علمنا كذلك بأهنم يصلون يف قرى متعددة بطريقة خفية خمافة العقاب‪.‬‬
‫‪ -‬يعاملون أيضا معاملة سيئة الذين صح تنرصهم ومكثوا بينهم وجيربوهنم عىل‬
‫االحتفال بأعيادهم ومناسباهتم‪ ،‬كام حصل يف وادي آبو‪.‬‬
‫‪ -‬إذا علموا بأن أحدا بينهم مل خيضع إبنه للختان‪ ،‬يمسكون به ويبيعونه وقد خلص‬
‫بعضهم أتباعنا‪ ،‬هذا باإلضافة إىل ممارساهتم البشعة التي يتداولوهنا بينهم يوميا‪ ،‬وقد‬
‫وصلتنا تقارير كثرية عن ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أطلعنا خمربونا أيضا بأهنم يذبحون ماشيتهم وطيورهم يف اجتاه القبلة بمجزرة‬
‫بلنسية وأماكن أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬يدفنون موتاهم عىل طريقتهم و يسيئون معاملة امللقن أو الراهب الذي يريد أن‬
‫يسهل موهتم وقت االحتضار ويرفضون أن يدفنوهم عىل الطريقة املسيحية‪.‬‬
‫‪ -‬يؤكد هذا اجلنس امللعون أنه يف دينهم وعقيدهتم يستطيع كل واحد منهم ختليص‬
‫نفسه من النار والعذاب إن اتبع تعاليم دينه وال حيتاجون لتلقني أي راهب أو قسيس‬
‫ساعة احتضارهم‪.‬‬
‫‪ -‬علمنا أيضا أهنم مازالوا يامرسون ويعلمون كل ماكانوا يتداولونه وهو مورو‪.‬‬
‫‪ -‬حيتفلون أيضا بالعقيقة ويقيمون طقوسها عىل طريقتهم‪ ،‬حتى وإن محلوا أبناءهم‬
‫للكنيسة ليغسلوهم الحقا يف بيوهتم من تأثري ذلك ويطلقون عليهم أسامء املورو‪.‬‬
‫‪ -‬أخربنا أشخاص نثق فيهم بأن موريسكيي هذه اململكة ربام يكونوا مسلمني أكثر‬
‫مما كان عليه حممد وأتباعه آنذاك ويسبون ديننا وإهلنا والعذراء القديسة وهيزأون من‬
‫شعائرنا‪.‬‬
‫كام أهنم حاولوا البحث عن سبل متكنهم من العيش مثل املسيحيني لكن الكهول‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪176‬‬

‫والشيوخ منهم قساة وال حيرضون إىل الكنيسة يوم األحد‪ ،‬ينتسبون جلنس يسء ويمنعون‬
‫الشباب والصغار من حضور القداس حتى ال يتنرصوا ويرتكوا دين حممد‪.‬‬
‫‪ -‬ونعرف أيضا بوجود املوريسكيني األحرار يف ‪ 400‬منزال أما الباقي منهم فهم‬
‫خدم ألسياد ونبالء حيموهنم ضد رجال الدين‪ ،‬وتدخل القضاة واملعلمون ليحتفظوا‬
‫هبم يف خدمتهم وال تنتقل ملكيتهم ألسياد آخرين‪.‬‬
‫‪ -‬ونعرف جيدا أن كثريا من األسياد والنبالء ال ُيامنعون يف أن يتنرص املوريسكييون‬
‫اال الذين يعملون يف خدمتهم فهم خيافون من ترحيلهم عند املورو وترك العمل لدهيم‪.‬‬
‫‪ -‬يمتنع هؤالء املوريسكييون عن تعلم مبادئ ديننا وجيهلون لغتنا كلية ألن جلهم‬
‫يسكن يف مناطق وعرة وجبال عالية وخطرية وال يوجد بينهم أي مسيحي إذ خيافون‬
‫من أرسهم وترحيلهم نحو اجلزائر‪ ،‬حتى القضاة واملعلمون يرهبون االقرتاب من تلك‬
‫املناطق اخلطرية التي يقطنها املوريسكييون‪.‬‬
‫‪ -‬لذا نرى أنه من املناسب أن يرسل صاحب اجلاللة إىل أسياد هؤالء املوريسكيني‬
‫اجلبناء أمرا يمنعهم من االحتفال بمناسباهتم وممارسة طقوسهم عىل طريقتهم والتنقل‬
‫من سيد إىل آخر(((‪.‬‬
‫بمامرستهم ملراسيمهم وحفالهتم وطقوسهم كان املوريسكييون يسيئون للمسيحية‬
‫وللوحدة الدينية‪ ،‬قاعدة امللك آنذاك وهيددون استقرار الوشائج الوطنية‪.‬‬
‫رغم املعاهدات املتكررة معهم يف خمتلف أرجاء اململكة مثل غرناطة‪ ،‬بيادوليد‬
‫وبلنسية‪ ،‬فقد استمروا يف تداوهلم للغتهم العربية‪ .‬وقد ورد يف اتفاق بني دون فرانسيسكو‬
‫دي نابارا واملجلس حول عملية تنصري املوريسكيني ماييل‪« :‬يمنع املوريسكييون من‬
‫قراءة وكتابة أي عمل باللغة العربية ويتعلمون قرسا العامية املتداولة يف اململكة»‪ .‬ال‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاسن‪ ،‬رقم ‪ ،640‬وثيقة بدون تاريخ‪ ،‬ضمن أوراق ‪ ،1569‬الوثيقة ‪ 15‬ضمن الوثلئق‬
‫الدبلوماسية‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫تبدو لنا واقعية وجمدية هذه الطريقة‪ ،‬منع شعب من لغته يعني دفعه أمام خيار العنف‬
‫والتمرد ويعترب ذلك رد فعل طبيعي‪ .‬يف نظري املتواضع كان عىل رجال الدين واملحققني‬
‫واملعلمني أن يتعلموا لغتهم ليحببوا إليهم تعاليم ديننا ويظهروا هلم القبيح يف ممارستهم‬
‫ليعدلوا عنها ويدخلوا طواعية يف سامحة الدين الكاثوليكي‪.‬‬
‫فكانوا بذلك سيتغلغلون يف سويداء قلوهبم‪ ،‬وعىل أي حال كان يصعب ان تطلب‬
‫من أي جنس التخيل عن لغة آبائه وأجداده ونحن أنفسنا ما كنا لنقبل أن نرتك لغة أبائنا‬
‫التي نعتربها أعظم لغة يف العامل(((‪.‬‬
‫فحرية اللغة ال تعني استحالة حتقيق التامزج بعد عملية التنصري‪ .‬وإذا نظرنا إىل أدب‬
‫ولغة اخلميادو التي تركها املوريسكييون سنرى بأنه مل يكن يف استطاعتهم تشكيل شعب‬
‫أو جمموعة قوية داخل الشعب املسيحي الكاثوليكي املهيكل ذي االستقاللية اإلدارية‬
‫والسياسية‪ .‬إال أن الدولة ماكانت لتسمح بانتشار واكتساح لغة العدو الذي وفد لزعزعة‬
‫االستقرار والدفاع عن مبادئه ووجوده والسالح بيده ملدة قرون عدة‪.‬‬
‫هكذا فهم الوضع الذين كانوا يقودون سياسة البالد آنذاك وكام ورد يف الوثائق‬
‫الدبلوماسية لتلك احلقبة التارخيية‪.‬‬
‫مل تكن كل تلك التقارير لتؤثر يف قرار امللك وال األخبار الواردة عن قراصنة‬
‫اجلزائر(((‪ ،‬كان كل اهتاممه وحميطه ورجال الدين منكبون عىل اخلطر الربوتيستانتي(((؛‬
‫إال أن جسارة القراصنة أجربت فيليبي عىل إصدار أوامر بتجهيز ‪ 24‬بارجة يف برشلونة‬
‫وطلب نصح ورأي العارفني بخبايا هذا اجلنس وطباعه‪.‬‬
‫وقد بعث املفتش مرياندا ‪ ،‬الذي كان يف السابق من موريسكيي بلنسية تقريرا مفصال‬

‫((( أريغيتا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.298-297 .‬‬


‫((( دنبيال‪ ،‬ص‪.161 -160 .‬‬
‫((( تاريخ المالحدة اإلسبان‪ ،‬ج‪ ،2 .‬حيث ذكر المؤلف معلومات هامة جدا عن المذهب البروتستانتي وتسربه إلى‬
‫إسبانيا خالل القرن‪ .16 .‬انظر كذلك أدولفو كاسترو‪ ،‬تاريخ البروتيستانت اإلسبان‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪178‬‬

‫إىل امللك‪ ،‬ويعترب مرجعا هاما لكل الدارسني والنقاد لتلك الفرتة التارخيية ‪« :‬نطلعكم‬
‫عىل ما يبدو لنا بصفتنا املحقق مرياندا‪ ،‬حول وضع املتنرصين اجلدد يف مملكة بلنسية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬يعيش هذا اجلنس الفاسق مثلام يعيش املورو يف اجلزائر ويامرسون عالنية‬
‫شعائرهم وطقوسهم البئيسة‪.‬‬
‫‪2 .2‬لدهيم يف كل األماكن رباط ومساجد يتخذون منها جمالس لتدارس أوضاعهم‬
‫وقضاياهم‪ ،‬فإىل جانب وظيفتها الدينية يعتربون مثل ما يمكن أن يصطلح عليه‬
‫«بمجلس البلدية»حيث يدبرون هناك كل قضاياهم‪ ،‬وهذا يتناىف وتعاليم ديننا‬
‫وهيبة وسلطة امللك وعدم احرتام مملكتنا‪.‬‬
‫‪3 .3‬إهنم خونة وال يسعون إال لإلذاية‪ ،‬وهلم أفكار وتصورات بئيسة عن املسيحيني‬
‫ويتحينون الفرصة للنيل منهم مقابل أي ثمن‪.‬‬
‫‪4 .4‬يأرسون املسيحيني الذين يسقطون يف أيد املورو وخيبئوهنم يف مساكنهم وخيربون‬
‫األتراك بكل التحركات‪.‬‬
‫جيب إجياد حل هلذا الوضع ألنه يعترب إهانة جلاللتكم وكل شعبكم ‪ .‬لقد تكفلنا نحن‬
‫وراهب بلنسية القديس طوماس‪ ،‬وأسقف طرطوشة الذي يعمل حاليا يف طرغونة‬
‫بحامية بني جلدتنا وإقرار األمن يف جمال ترابنا من أجل إجياد حل هلذه املشكلة‪ .‬وكبديل‬
‫أيضا‪ ،‬نقرتح نزع أسلحتهم رغم صعوبة حتقيق هذا األمر‪ ،‬إذ سيخلف ذلك بالتأكيد‬
‫متردا داخل اململكة وثانيا سيعلمون عىل إخفائها عند أسيادهم الذين يوفرون هلم احلامية‬
‫ألن كل هذه اإلجراءات تتخذ ضد إرادهتم‪..‬‬
‫االقرتاح اآلخر والذي يعترب مرحيا إىل حد ما‪ ،‬هو أن يبعث جاللتكم إىل األسياد‬
‫يمنحهم أجال حمددا لتجريد خدمهم وتابعيهم املوريسكيني من األسلحة وإال‬
‫سيتعرضون لعقوبات صارمة طبقا للقانون الذي أصدرته امللكة خرمانا سنة ‪.1525‬‬
‫يمكن أن يعارض هؤالء األسياد تطبيق القرار إال أنه يمكن إقناعهم وحتفيزهم‬
‫‪179‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫وضامن مصاحلهم عرب طرق متعددة ومتنوعة‪ ،‬وإذا احتجوا بعدم قدرهتم عىل ذلك‪،‬‬
‫يمكنكم اقرتاح من يعمل عىل مساعدهتم لتحقيق تلك الغاية إىل جانب األساقفة‬
‫والرهبان الذين يعملون حتت قيادتكم‪ .‬وهبذا يدر ك جيدا هؤالء األسياد أهنم مل يسامهوا‬
‫بأنفسهم يف جتريد املوريسكيني من السالح ألنكم ستقومون بذلك بأنفسكم يا صاحب‬
‫اجلاللة‪ ،‬وسيعرضون أنفسهم ألقسى العقوبات وأهنم سيؤدون تبعات كل مترد لتابعيهم‬
‫يستعملون فيه األسلحة للهجوم أو الدفاع عن أنفسهم‪ .‬جيب عىل هؤالء األسياد أن‬
‫يدركوا أهنم إذا مل يعملوا عىل حتقيق هذا األمر طواعية سيضطرون للتنفيذ((( مرغمني‬
‫ومكرهني‪.‬‬
‫ويعترب املفتاح األسايس حلل هذا املشكل موقف دوق سيغوريب‪ ،‬القبطان العام‬
‫للمملكة‪ ،‬الذي جيب عليه أن جيرد هو األول املوريسكيني التابعني لنفوذه من سالحهم‬
‫ويكون قدوة لآلخرين‪ .‬وإذا رأى باقي احلكام أن جاللتكم أول من جرد التابعني له‬
‫سيعملون كلهم عىل تطبيق األوامر واتباع التعليامت‪.‬‬
‫ثم يتم جرد كل األسلحة املنزوعة وتسليمها إىل الوالة التابعني لنفوذكم وختزينها يف‬
‫أماكن آمنة حتى ال يستولوا عليها الحقا‪.‬‬
‫وجيب معاقبة املوريسكيني الذين يعرتضون عىل ذلك واألسياد الذين يساعدوهنم‬
‫عىل العصيان أيضا‪ .‬وال يقبل أي تدخل من األسياد إليقاف هذا األمر ‪ .‬جيب أن يتم‬
‫التعجيل هبذا الشأن وأن ينفذ حاال يف فصل الشتاء وأالﱠ يمهلوا إىل الربيع أوالصيف‬
‫حيث يساعد اجلو القراصنة عىل استعادة نشاطهم الكامل الذي قد يعرقل عمليتنا وحتل‬
‫مصيبة بمملكتنا‪.‬‬
‫وسنعمل أيضا عىل دعوهتم لالنخراط الصادق يف ديننا الكاثوليكي وبذلك يصبحون‬
‫مثل باقي رعايانا يتمتعون باحلامية التامة والرعاية الكاملة واحلقوق الثابتة‪ .‬كام سيتم‬

‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬الوثيقة المعنية ال تحمل تاريخا‪ ،‬وجدت بين أوراق أخرى مؤرخة سنة ‪.1561‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪180‬‬

‫العفو عن كل أخطائهم وهفواهتم والتجاوز عن سيئاهتم‪.‬‬


‫ولكي نحافظ عىل أمن وأمان هذه اململكة البد للملك أن يشدد اخلناق ضد القراصنة‬
‫ويطرد املوريسكيني الذين ثبت أهنم ساعدوهم أو مدوا هلم يد العون‪.‬‬
‫هذا تصوري وجتربتي يف التعامل مع هذا اجلنس خالل أزيد من مخس عرشة سنة‬
‫قضيتها بينهم يف هذا املجال الرتايب خالل زياريت هلم ومشاركتي هلم بعض شؤوهنم‪ .‬وقد‬
‫بعثت لكم هبذا التقرير املفصل الذي ضمنته كل مالحظايت‪ ،‬حماولة مني اإلسهام يف حل‬
‫هذه املشكلة بكل تواضع وتلخيص»(((‪.‬‬
‫طلب النواب البلنسيون من فيليبي الثاين مراجعة األمر الذي أصدره أسقف بلنسية‬
‫إذ بدونه لن حيرز أي تقدم بالنسبة لذلك التعديل وتلك اإلصالحات(((‪ .‬صدر يف ‪23‬‬
‫من مايو ‪ 1561‬قرار جديد ينص عىل العفو عن املوريسكيني الذين رفضوا االعرتاف‬
‫بأخطائهم وخطاياهم وذلك بإمهاهلم سنتني للقيام بذلك‪ ،‬كام صدرت عن البابا ݒيو‬
‫الثالث وثيقة موجهة للمحقق العام تقيض باستقطاب املسلمني واملورو الذين خضعوا‬
‫لعملية التنصري وأخطأوا وأذنبوا من جديد‪ ،‬إذ البد من التسامح معهم رغم أهنم ال‬
‫يستحقون كل هذا الكرم وهذا التساهل(((‪ .‬وقد أصدر دوق سيغوريب‪ ،‬نائب مملكة‬
‫بلنسية‪ ،‬بالغا يف ‪ 11‬من مارس ‪ 1562‬بشأن املوريسكيني املنحرفني الذين جيب أن‬
‫يتعرضوا للعقاب جراء ما اقرتفوه‪ .‬وهبذا تكون املسألة املوريسكية قد دخلت منعطفا‬
‫جديدا‪ ،‬منعطف املتابعة والعقاب‪.‬‬
‫هل كان ذلك مربرا لكل تلك املامرسات؟ لقد دفعت األحداث الدامية يف ضواحي‬
‫سيغوريب ووادي القرص واهلجوم املتكرر للقراصنة امللك إىل التفكري يف إجياد حل هلذه‬
‫املامرسات‪.‬‬

‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( نسخة أصلية من الرسالة التي بعثها نواب بلنسية إلى صاحب الجاللة‪ ،‬من ألمينو نفسها بتاريخ ‪ 12‬غشت ‪.1561‬‬
‫((( دنبيال‪ ،‬ص‪.164 .‬‬
‫‪181‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫تم تسطري برنامج جتريد املوريسكيني من األسلحة يف ‪ 8‬فرباير ‪ ((( 1563‬ومجع أكثر‬
‫من ‪ 25‬ألف قطعة سالح‪ ،‬لكن رغم كل ذلك مل تتوقف املؤامرات واملامحكات ضد‬
‫املسيحيني القدامى ومصاحلهم وهجومات القراصنة مما جعل تفعيل آلية حماكم التفتيش‬
‫رضورة حتمية‪ ،‬إذ يف السنة نفسها تم تنظيم عمليتني إلعدام املرتدين باحلرب هلك خالهلا‬
‫تسعة موريسكيني من شيا وبعض األجانب اآلخرين‪ .‬مل جتد كل هذه التدابري إلمخادهم‬
‫والقضاء عليهم إذ بحثوا عن أسلحة جديدة منتظرين ساعة احلسم لبيع أرواحهم مهام‬
‫أريق من دماء‪ .‬أمل تكن هناك وسيلة متنع ترسب األسلحة من اخلارج؟ اجلواب يكمن‬
‫يف صعوبة التغلب عىل عمليات القراصنة‪ .‬ويف الداخل من كان يبيع هلم األسلحة؟ هل‬
‫كان ذلك يتم بدون مباركة ودعم األسياد؟ نستطيع بكل أسف أن نقول بتورط هؤالء‪،‬‬
‫لكن الغريب هو عدم تراجع وتنازل املوريسكيني رغم التدابري القاسية التي انتهجتها‬
‫حماكم التفتيش‪ .‬وقد أصدر املجلس سنة ‪ 1564‬قرارا يقيض بحضور املتنرصين اجلدد يف‬
‫كل مراسيم القداس‪ ،‬والذهاب إىل الكنيسة مرفوقني بذوهيم وأفراد عائالهتم من أجل‬
‫ممارسة شعائر الدين الكاثوليكي((( ‪.‬‬
‫لن نناقش نجاعة هذا القرار ألن العقيدة واإليامن أمر اختياري ال يمكن فرضه‬
‫بالقوة‪ .‬يف احلقيقة مل تبارك الكنيسة قط كل هذه التدابري من أجل إعالء كلمة الرب‬
‫املسيح‪ ،‬لذلك كانت كنيستنا املقدسة تنبه امللوك إىل خطر سيطرة هؤالء و توجيههم‬
‫لشؤوهنا وتسيري أمورها‪ .‬تاريخ الكنيسة الكاثوليكية زاخر بصفحاهتا املرشقة يف نرش‬
‫العقيدة الكاثوليكية فوق ترابنا الطاهرة‪ .‬ال أظن أن أي ناقد عادل وموضوعي يمكنه أن‬
‫يدين بعض التجاوزات التي مارستها حمكمة التفتيش والكنيسة من أجل القيام بمهمتها‪.‬‬
‫قبل بعض املوريسكيني التنرص للحفاظ عىل مصاحلهم وممتلكاهتم‪ .‬مرت أربعون سنة‬
‫عىل ذلك احلال واضطر بالط وسلطات منثون أن تطلب من امللك اختاذ التدابري الالزمة‬

‫((( األرشيف العام لمملكة بلنسية‪.‬‬


‫((( نسخة من الدورية‪ ،‬األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬رقم ‪ ،963‬ص‪.235 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪182‬‬

‫بعد مترد البلنسيني يف أحوازها ضده وضد سياسته((( ‪ .‬عقد املجلس اجتامعا آخريف ‪12‬‬
‫دجنرب ‪ 1564‬بشأن القضية املوريسكية وإجياد حل هنائي كان جيب أن يتخذ من عدة‬
‫سنوات خلت(((‪.‬‬
‫أصدرت السلطات سنة ‪ 1564‬احتجاجات ضد الفقهاء الذين كانوا حيافظون‬
‫ويرعون الفكر املتطرف لدى املوريسكيني وحيفزوهنم عىل الصمود أمام عمليات التنصري‬
‫وسامهوا بسلوكاهتم تلك يف تأجيج مواقف حماكم التفتيش(((‪.‬‬
‫بدوره أصدر فيليبي الثالث قرار طرد املوريسكيني لكي يثبت للمؤرخني بأن سياسة‬
‫اللني والتسامح التي انتهجها ابن كارلوس األول كانت وخيمة وجاءت بنتائج عكسية‪.‬‬
‫بدورها تدابري ‪ 1564‬التي سعت لتطبيق البنود املتفق عليها‪ ،‬ووجهت باملعارضة‬
‫واملقاومة لنفس األسباب السالفة الذكر منذ سنة ‪ .1525‬عقد اجتامع موسع سامهت‬
‫فيه كل األطراف الفاعلة باململكة من أجل تدارس املشكل املوريسكي(((‪ ،‬كام تم بعث‬
‫بعض املعلمني و املؤطرين إىل القرى التي دخلت مؤخرا يف الدين اجلديد من أجل تقوية‬
‫عقيدهتم وسالمة روحهم‪ .‬فشلت مرة أخرى كل املحاوالت وكانت النتائج سلبية‬
‫ومنعدمة اجلدوى‪ ،‬ومل يفلح دون مارتني دي أياال الذي خلف دون فرناندو دي لواثيس‬
‫يف مهمته((( ‪.‬‬
‫عمل عدة مسؤولني وأساقفة إىل جانب لواثيس وحرروا أوامر وتدابري جديدة سنة‬
‫‪ 1568‬أعلنوا عنها هناية اجتامعهم(((‪ .‬يف كل مناسبة‪ ،‬كان املوريسكييون يوجهون صفعة‬

‫((( انظر الفصول ‪ 27-11‬من هذه المجموعة‪ ،‬طبعة بلنسية من طرف األب بوربو‪ ،‬سنة ‪ ،1565‬نقله دنبيال‪ ،‬ص‪.169-167 .‬‬
‫((( الوثائق الدبلوماسية‪ ،‬رقم ‪.18‬‬
‫((( األرشيف العام لسيمنكاس‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،80‬ص‪ ،224 .‬بدون تاريخ‪ ،‬وجدت الوثيقة ضمن أوراق مؤرخة‬
‫سنة ‪.1565‬‬
‫((( الطرد الصائب‪ ،...‬ص‪.29 .‬‬
‫((( األرشيف العام‪ ،...‬الكتاب رقم ‪.6‬‬
‫((( فنيسكا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.32 .‬‬
‫‪183‬‬ ‫الفـصـل الــتــاســع‬

‫قوية لكل الفاعلني واملسؤولني معربين عن رفضهم لكل تلك التدابري‪ ،‬لسياسة التسامح‬
‫اجتاههم وتشبثهم بعقيدهتم وعاداهتم‪.‬‬
‫كانوا دائام يردون عىل تلك التدابري بالتمرد كام ورد يف رسائل بعثها ابن الفرج‬
‫وداوود إىل اللصوص املوريسكببن الغرناطيني(((‪ ،‬األمر الذي استدعى امللك لتوجيه‬
‫اهتامم خاص اجتاه غرناطة التي قال عنها املؤرخون‪« :‬كانت تلك املنطقة األندلسية‬
‫تعج باملوريسكيني؛ يتاجرون يف احلرير ويشرتون التنانري والفساتني الفاخرة واملعاطف‬
‫والعباءات لزوجاهتم‪ .‬كان الفقهاء وقواد اللصوص يقومون بحمالت واسعة لصالح‬
‫قضيتهم‪ ،‬األمر الذي استدعى التدخل العاجل وتطبيق الوسائل الرضورية المتصاص‬
‫ذلك الغضب‪ .‬ومرة أخرى أثبتت التجارب والنتائج فشل سياسة املرونة والتسامح‪.‬‬
‫لكن رغم كل ذلك كان امللك فيليبي الثاين ينتهج سياسة احلذر اجتاه ذلك املشكل وتلك‬
‫القضية(((‪ .‬لقد أثرت كل تلك األحداث بشكل سلبي عىل اقتصاد اململكة كام وضح‬
‫ذلك الدكتور هايبلري يف كتابه الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫((( مارمول‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.231-228 .‬‬


‫((( مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.231 .‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫تمرد الموريسكيين في البشارات ‪ /‬التمرد المستمر لذلك الجنس‬

‫وعدم خضوعه ‪ /‬قلق فيليبي الثاني ‪ /‬تعيين قسيس بداخوث في‬

‫في مركز األسقفية ببلنسية ‪ /‬مالحظات‪.‬‬


‫‪187‬‬ ‫الفـصـل الــعــاشــر‬

‫بدأ موريسكيو غرناطة يشعرون بالقلق حينام علموا بحرماهنم من بعض االمتيازات‬
‫التي كانوا يتمتعون هبا‪ ،‬مثل عدم متابعتهم من طرف الكنيسة‪ ،‬وعدم اعتبارهم كمجرمني‬
‫وصعاليك من طرف وزير العدل‪ ،‬ويف حالة تغيري السيد‪ .‬فر عدد كبري منهم إىل اجلبال‬
‫وانترشت اجلريمة بينهم‪ ،‬وانخرطت جمموعة كبرية منهم يف فرق مسلحة‪ ،‬اختذت‬
‫شعارها القتل والسلب والنهب‪ ،‬ومل يعمل املسؤولون عىل حمارصهتم ومالحقتهم تالفيا‬
‫حلرب أهلية وحقنا للدماء(((‪ .‬كام أن ماركيز موندخيار دون إنييغو لوݒيث دي مندوثا‪،‬‬
‫القبطان العام لغرناطة‪ ،‬مل يكن يتوفر عىل القوات الكافية للحد من بأسهم وردع رشهم‪،‬‬
‫وقد رفع هذه الصعوبات والنقص يف العدة والعتاد واإلمكانيات البرشية للملك‬
‫نفسه(((‪ .‬وقد قال أحد املؤرخني القدامى عن هذه األحداث‪« :‬كانت قلة العدة وعدم‬
‫جتربة وخربة املسؤولني عن تدبري احلرب من بني األسباب األساسية يف نشاط حركة‬
‫اللصوص املوريسكيني وتكاثرهم(((‪ .‬إال أن امللك كان يتحفظ عىل اختاذ أي موقف‬
‫صارم اجتاه القضية‪ ،‬فسافر إىل روما حلضور جملس األساقفة «الرتيدينتيني» وتدارس‬
‫غريرو وكتب إىل فيليبي الثاين‪ ،‬وطلب‬
‫الوضع مع پاولو الثالث‪ .‬استغل حذر وحتفظ ﱢ‬
‫منه أن جيد حال وسطا تالفيا لقتل األرواح وهدر الدماء‪ .‬عقد اجتامع بطلب من البابا‪،‬‬
‫امللك والكاثوليكيني اإلسبان وتم اقرتاح تفعيل الفصول الصادرة عن اجتامع جمريط‪.‬‬
‫بعث امللك التقرير إىل املجلس الذي ترأسه دون دييغو إسبينوسا‪ ،‬املحقق العام وأسقف‬
‫غرناطة وزمالؤه يف باقي أرايض أندلسيا‪ ،‬تم اإلتفاق عىل عقد اجتامع آخر يف جمريط‬
‫سنة ‪ .((( 1566‬وقد أمر امللك بإصدار أوامره العليا يف ‪ 17‬من نونرب ‪ ،((( 1566‬فأحس‬
‫((( مارمول‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.139 .‬‬
‫((( مذكرات ماركيز مونديخار‪ ،‬الملحق رقم ‪ ،1‬وضحه ألفريدو موريل فاتيو في كتابه إسبانيا في القرنين السادس‬
‫عشر والسابع عشر‪ ،‬طبعة ‪.1878‬‬
‫((( دون دييغو هورتادو دي مندوثا‪ ،‬حرب غرناطة بقيادة الملك دون فيليبي الثاني‪ ،‬طبعة بلنسية‪ ،1795 ،‬ص‪.73 .‬‬
‫((( تدخل في هذه الجلسة دون دييغو دي إسبينوسا بصفته رئيسا‪ ،‬دوق آلبه‪ ،‬دون أنطونيو من طليطلة‪ ،‬غريغوريو‬
‫غايو‪ ،‬أسقف أريولة‪ ،‬دون بيدرو دي ديثا‪ ،‬من المجلس العام لمحكمة التفتيش‪ ،‬مارمول‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.‬‬
‫‪ ،142‬كابريرا‪ ،‬فيليبي الثاني‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪ ،470 .‬برموديث دي بيدراثا‪ ،‬التاريخ الكنسي لغرناطة‪ ،‬ص‪.238 .‬‬
‫((( لم تنشر في غرناطة إال في فاتح يناير ‪.1567‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪188‬‬

‫املوريسكيون باخلطر الكبري هيددهم ويتوعد طريقة لباسهم ولغتهم ومحاماهتم العمومية‪،‬‬
‫ويفرض عىل نسائهم اخلروج كاشفات الوجوه وأن يفتحوا أبواب منازهلم ملدة ثالثة أيام‬
‫يف االسبوع(((‪ .‬تم بذلك جتديد بنود اجتامع جمريط لسنة ‪ ،1525‬إال أن تلك الرصامة‬
‫دفعت املوريسكيني للتمرد جمددا(((‪ ،‬ومقاومة احلكم امللكي رغم أهنم مل يوقفوا قط‬
‫تعاوهنم مع القراصنة األتراك والرببر(((‪ .‬مل جتد كل تلك املحاوالت نظرا لدعوة تفعيل‬
‫مقتضيات اجتامع ‪ 1566‬الذي تعهد باستئصاهلم‪ .‬لقد كانت كل تلك املامرسات مربرة‪،‬‬
‫لكن هل كان ناجعا تطبيقها؟ رصاحة‪ ،‬نجيب بال وخصوصا إذا أخذنا بعني االعتبار‬
‫موقف امللك فيليبي الثاين الذي رفض إمداد مركيز موندخيار بتعزيزات لقمع حتركات‬
‫املوريسكيني‪ ،‬اللصوص والصعاليك منهم‪ .‬ومل تساهم تلك التدابري إال يف تأجيج احلقد‬
‫بداخلهم بسبب حرماهنم من ممارسة لغتهم ولباسهم وعاداهتم وكذا أسامئهم العربية‪،‬‬
‫وإجبارهم عىل تعلم القشتالية يف غضون ثالث سنوات‪ .‬مل تنفع هذه التدابري‪ ،‬فتمرد‬
‫املوريسكيون من جديد وهددوا أمن امللكية اإلسبانية وهيبتها(((‪ .‬وقد أطلعنا مركيز‬
‫موندخيار عىل فشل تطبيق تلك التدابري‪ ،‬إال أن فيليبي الثاين صمم عىل تنفيذ خطته ومل‬
‫يتنازل أمام توسالت املوريسكيني الذين وفدوا عىل بالطه ووسطوا فرانسيسكو نونييث‬
‫موالي إلثناء دون بيدرو دياث عن تفعيل وتطبيق تلك األوامر‪ .‬وبقي أمامهم خيار‬
‫واحد‪ ،‬هومحل السالح حلامية أرواحهم وعقيدهتم‪.‬‬
‫لقد كانت رضبة احلمراء يف ‪ 16‬من أبريل ‪ 1568‬موجعة ومؤرشا قويا عىل اهللع‬
‫والقلق املخيم عىل النصارى القدامى واجلدد‪ .‬ماركيز موندخيار نفسه‪ ،‬الذي وصل‬
‫لتوه من البالط أحس باخلطر هيدد مملكته‪ ،‬فسقطت يف يده مراسالت من داوود‪ ،‬الذي‬
‫يطلب محاية املورو وعدم إذايتهم باالضافة ملوقف ابن جهور ‪(Fernando de valor, el‬‬

‫((( مذكرات مركيز مونديخار‪ ،‬ص‪.17 .‬‬


‫((( هورتادو دي مندوثا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.75 .‬‬
‫((( نفسه‪.‬‬
‫((( تاريخ االسبان‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.626 .‬‬
‫‪189‬‬ ‫الفـصـل الــعــاشــر‬

‫)‪ ،zaguer‬الذي قاد موريسكيي البيازين(((‪ .‬مل يتأخر هؤالء يف إشهار سالحهم يوم ‪23‬‬
‫دجنرب بأقاليم أرجيفي والبشارات‪ ،‬وانترش التمرد كاهلشيم خالل أيام قليلة ليشمل أكثر‬
‫من ‪ 180‬موقعا بذلك املكان ومناطق أخرى مثل مارشينا‪ ،‬بلودي‪ ،‬واد املرايا‪ ،‬املنكب‪،‬‬
‫سلوبرينا‪ ،‬مارتيله واحلامة بقيادة فرناندو دي بالور يف ‪ 24‬من الشهر نفسه بغرناطة‪ .‬كان‬
‫رجال سيئا‪ ،‬عاداته بئيسة‪ ،‬ال يتفاهم مع أحد وال يقدر أحدا‪ ،‬رغم أنه جتري يف عروقه‬
‫دماء طيبة وكانوا يلقبونه بامللك(((‪ .‬وقد ترك لنا مؤرخون مثل هورتادو دي مندوثا‪،‬‬
‫وثائق هامة عن وحشية هذه املواجهات واملعارك((( وركز عىل كل اجلهود التي بذهلا دون‬
‫خوان دي أوسرتيا من أجل اقرار السالم(((‪ .‬هزمت السيوف البتارة للقبطان أولئك‬

‫((( هورتادو دي مندوثا‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ 84 .‬وما يليها‪.‬‬


‫((( مذكرات‪ ،‬سيق ذكره‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19 .‬‬
‫((( بفضل السيدة دوقة ألبه‪ ،‬وجدنا ضمن أرشيف بيتها رؤوس األقالم البيبليوغرافية اآلتية‪ - :‬عثرنا في أرشيف كاسا‬
‫دي ألبا بين بعض الوثائق التي سلمت من األلسنة النار‪ ،‬وثيقة تتكون من ‪ 23‬صفحة بدون مقدمة أو خاتمة‪ ،‬وضعها‬
‫سييء من جراء النار «يتعلق األمر بجرد وسرد بعض المعلومات عن الموريسكيين‪ ،‬عن قولهم وتصرفهم خالل‬
‫التمرد‪ ،‬أسبابه والخسائر التي أحدثت‪ .‬بعد ذلك وردت أسماء القرى واألحداث التي وقعت مفصلة في كل منها يوم‬
‫‪ 23‬دجنبر ‪( .1568‬البشارات)»‪.‬‬
‫((( منوغرافية لورينثو فانديرهامن إي ليون تحت عنوان دون خوان دي آوستريا‪ ،‬مجلد تبلغ عدد صفحاته أزيد من‬
‫‪ 650‬صفحة‪ ،‬طبعه لويس سانشيس‪ ،‬مدريد‪.1627 ،‬‬
‫يبدو مثيرا في الواقع النص الذي بعثه دون خوان دي آوستريا يشرح فيه السبل التي ستمكنه من التعامل مع الموريسكيين‬
‫بالبشارات سنورد بعض الفقرات منه‪ « :‬دون خوان دي آوستريا قبطان عام للبحرية بالمملكة الكاثوليكية المقدسة‪.‬‬
‫«فر الموريسكيون إلى البشارات مذعورين كالحيوانات المتوحشة‪ .‬لقد تعرضت نساؤهم للسبي واالغتصاب‪،‬‬
‫وسفكت دماء أبنائهم وشبابهم وشيوخهم‪ .‬وقد منحت في شهر أبريل الحالي رخصة التعامل مع النصارى الجدد‬
‫بالرحمة والصفح باسم صاحب الجاللة‪ .‬وقد تعاملنا باللين والعفو عن كل من جاء تائبا وعاد إلى رشده وتمسك‬
‫بالدين المسيحي‪ ،‬وإن كان ألحدهم بعض أفراد العائلة مثل االبن أو الزوجة أو األخ أم األب ضمن عبيد األسياد‪ ،‬فإنه‬
‫يتم تحريرهم إكراما لدخولهم في الدين الجديد‪ .‬وقد أمهلوا مدة أربعة عشر سنة العتناق الدين الكاثوليكي والتعاليم‬
‫السمحة‪ .‬ومن لم يخضع خالل هذه اآلجال فلن يقبل في أي مكان ولن يستفيد من أي عفو الحق وسيودع في مكان‬
‫بعيد إلى أن يهلك و يموت‪ .‬ونعطي األمان لكل النصارى الجدد إذ يمكنهم أن يلجوا كل األماكن العامة ويحضون‬
‫باالحترام والتقدير وال يتعرضون ألي أذى‪ ،‬ويعاملون كما يعامل باقي أفراد الشعب‪ ،‬وذلك في المدن اآلتية‪ :‬غرناطة‪،‬‬
‫بسطة‪ ،‬وادي آش‪ ،‬ألمرية‪ ،‬برشانة‪ ،‬البشارات وفي أماكن أخرى يحددها دوق سياسة‪ ،‬ولم نذكرها في هذا الموضع‪.‬‬
‫وكل من يتعرض منهم ألي اعتداء أو ظلم من طرف جنودنا فليتقدم لديوان جاللة الملك كما نعلنه اليوم بسانتا في‪،‬‬
‫في الثالث والعشرين من شهر أبريل ‪ .1570‬يوقعه دون خوان دي آوستريا‪ ،‬بتفويض من السيد دون خوان دي سوطو‪.‬‬
‫وقد كان في تلك اآلونة بالمدينة نفسها فرانسيسكو لوبيث وهرنانديث دي إسترادو»‪ .‬الوثيقة األصلية رقم ‪،762‬‬
‫ضمن مجموعة السيد دنبيال‪ ،‬ووجدنا في النص األصلي بعض األحرف واألسطر غير واضحة المعالم نظرا للحالة‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪190‬‬

‫املتمردين يف البشارات‪ ،‬إال أنه مل يستطع إذالهلم وإخضاعهم‪ ،‬مل يرتاجعوا وال ندموا‬
‫عىل ما فعلوه وال دخلوا يف الدين اجلديد‪ ،‬كانوا مستعدين عىل توقيع بقائهم ومقاومتهم‬
‫ببصامت الدم‪.‬‬
‫ضاق امللك ذرعا بكل تلك املامرسات واألوضاع البئيسة السيئة فأصدر أوامر‬
‫بإخراج وطرد كل املوريسكيني من مملكة غرناطة‪ ،‬فر من فر منهم ورحل الكثري والقليل‬
‫الباقي ضاع وتاه بني سالسل اجلبال(((‪.‬‬
‫وقد عرفت حركت التمرد هنايتها حينام اغتيل ابن عبو عىل يد أحد أتباعه سنة ‪.1571‬‬
‫عمل امللك عىل إعامر اململكة من جديد بعدما خلصها من الصعاليك املوريسكيني الذين‬
‫مل يكونوا يتوانون عن زرع البلبلة والفتنة‪ ،‬وكانت يف الواقع حرب بقاء من أجل الدين‬
‫والعقيدة‪ ،‬ومل تعرف تلك اململكة أمنها واستقرارها إال بجالء ذلك اجلنس عنها(((‪ .‬لكن‬
‫ذلك ال يعني انقضاءهم هنائيا‪ ،‬إذ بقيت بذرة منهم تنمو وتؤجج النعرات بالبشارات‬
‫وهتدد من بعيد سالم وراحة املسيحيني القدامى واالستقرارالسيايس والديني للمملكة‪.‬‬
‫أسوة حسنة لتتبع وإمخاد هذه النعرات‬ ‫(((‬
‫وقد كان لنا يف حماكم التفتيش ببلنسية‬
‫والثورات‪ ،‬خصوصا العقاب والزجر الذي تعرض له املوريسكي النبيل السيد قاسم‬
‫بن األمري(((‪ .‬يمكننا أن نقول بأن نشاط حماكم التفتيش يف بلنسية مل يتوقف منذ إصدار‬
‫كارلوس األول أوامره بتفعيل نشاطها واستمرت إىل غاية صدور قرار ‪ 1609‬الداعي‬
‫بطردهم وإخراجهم هنائيا من تراب اململكة‪ .‬يف احلقيقة يبدو لنا عدم خضوع واستسالم‬
‫الشعب املوريسكي يف إسبانيا أمرا واقعيا ال يمكن جتاهله‪ ،‬وشيئا بدهييا كنتيجة رضورية‪،‬‬
‫ألنه لوال متردهم وتعنتهم ألدنا القوانني التي أصدرهتا إسبانيا يف القرن السادس عرش‬

‫السيئة التي كانت عليها النسخة األصلية‪.‬‬


‫((( مارمول‪ ،‬ج‪ ،2 .‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪.437 .‬‬
‫((( نفسه‪ ،‬ص‪.456 .‬‬
‫((( تاريخ منزل مونديخار‪ ،‬الفصل ‪ ،27‬الخزانة الوطنية بمدريد‪ ،‬تحت رقم ك‪ ،100 .‬عدد ‪.32‬‬
‫((( نظرا ألهمية الشخصية‪ ،‬سنقدم عنها نظرة مفصلة في قسم الوثائق الدبلوماسية‪ ،‬رقم ‪.19‬‬
‫‪191‬‬ ‫الفـصـل الــعــاشــر‬

‫والعتربنا احلكام واملسؤولني طغاة معتدين‪ .‬لكن كل تلك التدابري كانت رضورية لقطع‬
‫دابر ذلك اجلنس البئيس‪ ،‬الناكر للجميل الذي كان يريد تقمص دور «الضحية الشهيد»‬
‫ويستغل الشعور اإلنساين لكي يظهربصورة الشعب البطل الذي قاوم من أجل البقاء‪.‬‬
‫إال أن كتابات النقد التارخيي أثبتت لنا عدم وفائهم وخيانتهم املستمرة ملبادئ الدين‬
‫املسيحي وبالتايل للملكية‪ .‬من ذلك املنطلق كان ال هيدأ هلم وال يغمض هلم طرف‪،‬‬
‫يتحينون كل الفرص واملناسبات للثورة والتمرد من أجل حريتهم واستقالهلم(((‪.‬‬
‫يف أبريل من سنة ‪ 1565‬نظم اجتامع حاشد يف بلنسية من أجل تعديل القوانني الصادرة‬
‫يف حق املوريسكيني ويف ‪ 25‬من غشت للسنة نفسها‪ ،‬صدر عفو عن املوريسكيني الذين‬
‫مل ينقطعوا عن ممارسات شعائرهم الدينية وعقيدهتم االسالمية رغم انقضاء مدة السنة‬
‫التي رضبت كأجل إليقاف ذلك‪ ،‬وأمهلوا سنة أخرى من أجل تنرصهم‪ ،‬لكن كل‬
‫تلك التدابري باءت بالفشل الذريع ومل يكن هلا أي جدوى‪ .‬استمر نشاط اجلواسيس‬
‫منهم حتى بعدما شهدوا بأم أعينهم العقاب الذي حلق ببعض املورو يف لقيش(((‪ .‬كانت‬
‫الساحات تغص باملوريسكيني الذين ينتظرون دورهم إلحراقهم من طرف حماكم‬
‫التفتيش ويكونون عربة ملن يعترب‪ ،‬لكن ممارساهتم مل ختتف ومل تتوقف‪ .‬يبقى السؤال‬
‫املطروح‪ :‬ماهي الطرق الناجعة لتحقيق السلم واألمن‪ ،‬إذ مل جتد معهم كل تدابري العنف‬
‫واللني؟ حينام كان امللك يصدر أوامره بالعفو وبإمهاهلم فرصا أخرى إنام كان يف الواقع‬
‫يعرتف بعجزه وفشل سياسة احلديد والنار التي كان ينتهجها من حني آلخر للقضاء‬
‫عليهم‪ .‬لكنه كذلك مل يكن من التعقل واحلكمة إعطاء االستقالل لذلك اجلنس؟ لكن‬
‫ما العمل؟ إىل أي حلول ووسائل نحتكم؟ انرصمت سنوات وفيليبي الثاين ينصت‬
‫للجميع ويتدارس األمر مع اجلميع عله جيد حال شافيا وهنائيا ملعضلة املوريسكيني(((‪.‬‬

‫((( سيجد القارئ معلومات مستفيضة عن هذه األحداث في قسم الوثائق الدبلوماسية‪.‬‬
‫((( دانبيال‪ ،‬ص‪.172 .‬‬
‫((( الرسالة األصلية مؤرخة ببلنسية في ‪ 14‬غشت ‪ ،1567‬وتوجد محفوظة في أرشيف المتحف البريطاني‪ ،‬مسجلة‬
‫تحت رقم ‪ ،1510‬انظر الجزء الجزء الثاني من الوثائق الدبلوماسية‪.‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪192‬‬

‫اكتشف عدم جدوى املواثيق والقرارات والقوانني واالجتامعات‪ ،‬وتأسف عىل عدم‬
‫عقاب موريسكيي غرناطة يف بداية حتركهم‪ ،‬األمر الذي دفعهم لإلنتشار بني أهايل قشتالة‬
‫واإلجتامع يف أراغون وبلنسية‪ .‬أرشف بنفسه عىل جتريدهم من السالح سنة ‪،1563‬‬
‫تدخل بعد أحداث البشارات الدامية التي وقعت سنة ‪ ،1568‬ودفع باألب ݒيو اخلامس‬
‫أن يصدر مهلة ثالث سنوات ملوريسكيي بلنسية لكي يتمكنوا من التنرص رغم اعرتاض‬
‫املحقق العام عىل تلك املهلة‪ .‬أخرب املحقق مرياندا من بلنسية عن خطورة ذلك القرار‬
‫وما يمكن أن حيدثه من اضطراب‪ ،‬وبعث برسالة إىل املحقق العام(((‪ .‬ساهم يف تعطيل‬
‫األمر كذلك موت أسقف بلنسية دون مارتني دي أياال‪ ،‬الذي ما فتئ يتنافس يف تنصري‬
‫املوريسكيني وكذلك دون فرناندو دي لواثيس‪ .‬كان بعضهم أيضا خيرب املوريسكيني‬
‫بالنتائج الرسية لإلجتامعات التي تدور بينهم للبحث عن حلول وبدائل للتدابري املتخذة‬
‫خالهلا(((‪ .‬كل هذه العوامل‪ ،‬باالضافة إىل طباعهم وصالبة أحاسيسهم وقوة عقيدهتم‬
‫الدينية‪ ،‬جعلتهم يستميتون يف مقاومة التنصري والدخول يف الدين اجلديد‪.‬‬
‫بلغت املسألة املوريسكية شأوا بعيدا وعرفت منعطفا خطريا خالل تلك الفرتة من‬

‫((( «أسقف طرطوشة يعلن أمرا مخجال‪ ،‬لقد تم تنصير المورو قسرا ودون إرادتهم‪ ،‬ألنهم فقدوا كل امتيازاتهم‬
‫وممتلكاتهم‪ .‬يعيشون حالة ترقب ليعرفوا ماذا سيحصل للسجناء منهم في انتظار تنفيذ حكم محكمة التفتيش‪ .‬إنهم‬
‫يفضلون حياة المورو ويكرهون التنصر‪ .‬كان الحرق آخر الحلول بعد استعمال كثير من العفو والرحمة‪...‬ليحفظ‬
‫الرب صاحب الجاللة ملكنا المقدس ويعز به الدين الكاثوليكي‪ ،‬شأن كل العباد مثلي الذين يسعون لرضاه وتطبيق‬
‫تعاليمه‪ .‬بلنسة في ‪ 12‬مايو ‪ .1568‬خادمكم الذي يقبل يديكم‪ ،‬غريغوريو ميراندا»‪ .‬وثيقة ضمن مجموعة السيد دنب‬
‫يال‪.‬‬
‫((( تقدم في بلنسية بتاريخ الثالثين من شهر مارس لسنة ‪ ،1568‬الراهب جوزيبي بولي بدير ريميديو إلى المحقق‬
‫العام لمحكمة التفتيش حيث أقسم أن يقول الحق وال شيء غير الحق في ابالغ الموريسكيين نتائج االجتماع المنعقد‬
‫بشأنهم‪ ،‬ويرضي ضميره‪ « :‬لقد تم امهال الموريسكيين مدة تتراوح بين ‪ 30‬و ‪ 40‬سنة من أجل الدخول في الدين‬
‫الجديد وتعلم مبادئه والتشبع بسماحته‪ ،‬يؤدون صدقة مقابل ذلك خالل الفترة المحددة‪ – .‬إال أن الغريب في األمر‬
‫هو كيف يمكن تحرير ذلك الشأن باللغة العربية‪ -‬وتم الحقا اكتشاف أن الموريسكيين يؤدون تلك الصدقات دون أن‬
‫يتنصروا أو يهتموا بالدين الجديد وواصلوا حياتهم بطريقتهم السابقة‪ .‬لقد اتخذت هذه التدابير في الواقع لطمأنتهم‬
‫وفرض الصدقة عليهم‪ .‬يعتقد أن هدف الراهب أيضا كان هو جمع األموال من الموريسكيين فتمت معاقبته بحرمانه‬
‫من الخروج من بلنسية وفرض عقوبات أخرى عليه من طرف الكنيسة‪ ».‬األرشيف المركزي‪ ،‬محاكم التفتيش في‬
‫بلنسية‪ ،‬الوثيقة ‪.675‬‬
‫‪193‬‬ ‫الفـصـل الــعــاشــر‬

‫تاريخ اململكة‪ ،‬فاضطر امللك فيليبي الثاين الختاذ تدابري مستعجلة من أجل حماولة إجياد‬
‫حلول هلا وانتهج يف بعض األحايني سياسة «دع األمور تسري»‪ .‬لكن رغم كل التدابري‬
‫الصارمة التي أصدرها وإعادة تطبيق األوامر التي عرفت عىل عهد أبيه مل تعرف تفعيلها‬
‫الصحيح عىل أرض الواقع‪ ،‬وترك بعضها لإلمهال والضياع نتيجة الظروف التي كان‬
‫يفرضها الواقع‪.‬‬
‫عاش امللك فيليبي الثاين تناقضات داخلية حادة‪ ،‬كان يدعو للقسوة والرصامة وحيث‬
‫حماكم التفتيش عىل تطبيق قراراهتا الصارمة الكافية وهو يدين بداخله سلوك بعض‬
‫األسياد والنبالء اجتاه تابعيهم من املوريسكيني‪ .‬كان يتأرجح بني اللني والقسوة‪ ،‬بني ما‬
‫متليه عليه مصلحة اململكة ووحدهتا الدينية والسياسية‪ ،‬وبني اإلحساس اإلنساين بالرمحة‬
‫اجتاه شعب يدافع عن تصوراته من أجل البقاء‪ .‬كان كذلك خياف عىل شعبه من الدخول‬
‫يف حرب تأيت عىل األخرض واليابس وتزهق االرواح الربيئة وتريق أودية دماء متدفقة‪.‬‬
‫كانت رغبته حثيثة يف تطهري تراب مملكته من تعاليم القرآن املنترشة يف خمتلف أرجائها‪،‬‬
‫لكنه أيضا كان ينظر للحل الناجع الذي يمكنه من حتقيق ذلك‪ ،‬لذا كان يؤيد طردهم‬
‫وإخراجهم كحل هنائي حقنا للدماء‪ ،‬بعد فشل تنصريهم وجعلهم يعتنقون الكاثوليكية‬
‫كخالص ألرواحهم‪.‬‬
‫استمر التمرد يف ال ُب َشارات وانخرط عدد كبري من املوريسكيني يف املجموعات التي‬
‫كان يرأسها لصوص‪ ،‬صعاليك مشاغبون‪ ،‬إال أن جمموعة كذلك من نبالء بلنسية كانت‬
‫تداري وتتغاىض عن هذه اخلروقات وتوفر احلامية لعائلة املوريسكيني مثل دون لويس‬
‫ݒاياس(((‪ .‬استمرت بدورها عمليات احلرق اجلامعي يف حق املتمردين املتعنتني كام تم‬
‫العفو أيضا عن التائبني منهم وغري املتطرفني(((‪ ،‬بينام استمرت جمموعة منهم تدعو‬

‫((( سبق ذكره‪ ،‬رقم ‪ 20‬ضمن تصنيف الوثائق الدبلوماسية‪.‬‬


‫((( خالل مراسيم اإلعدام حرقا في حق الموريسكيين الذين لم يدخلوا في الدين الجديد ببلنسية سنة ‪-1568‬‬
‫‪ ،1570‬صدر قرار عفو في شأن بعضهم كان يتظاهر بالتنصر ثم تاب وعدل عن ذلك الحقا‪ « :‬بدأت االعترافات‬
‫الجديدة وعملية التنصير في بلنسية سنة ‪ 1568‬بعد اصدار مرسوم العفو‪ ،‬وكان عدد المقبلين على ذلك كبيرا ألن‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪194‬‬

‫الهدف الرئيسي للكنيسة هو نشر الطمأنينة وحفظ األرواح وزرع األمن واألمان‪ .‬أصدر الملك فيليبي الثاني قرار العفو‬
‫هذا بمدريد في ‪ 10‬مايو سنة ‪ .1568‬نقحه بيدرو دي أويا والمفتش العام دون دييغو دي إسبينوسا‪ ،‬أسقف سغوينثا‪.‬‬
‫نقحه بدوره أيضا ماتييو باثكيث‪ ،‬ككاتب للمجلس في ‪ 13‬من الشهر نفسه للسنة نفسها»‪ .‬األرشيف المركزي‪ ،‬محاكم‬
‫التفتيش في بلنسية‪ ،‬وثيقة ‪.56‬‬
‫«بدأت عملية التنصير واإلعتراف في شهر غشت من سنة ‪ 1568‬في فيال الباشي بحضور الشخصية المرموقة الالمعة‬
‫السيد المفتش ميراندا‪ ،‬و يرافقه كل من السيد أسقف مييديس و السيد أسقف سرقسطة‪ .‬وقد بلغ عدد المعترفين الذين‬
‫تابوا ودخلوا في الدين الكاثوليكي األرقام التالية في األماكن اآلتية‪:‬‬
‫‪320‬‬ ‫ ‬
‫في الباشي‬
‫‪200‬‬ ‫ ‬ ‫الكدية‬
‫‪83‬‬ ‫ ‬‫بني غفول‬
‫‪98‬‬ ‫ ‬ ‫سينسيا‬
‫‪196‬‬ ‫ ‬ ‫زناتة‬
‫‪294‬‬ ‫ ‬‫بني زعت‬
‫‪68‬‬ ‫ ‬
‫بني غزلون‬
‫‪117‬‬ ‫ ‬ ‫الخندقية‬
‫كاسترو وبني زيدور ‪144‬‬
‫بارونيا دي نوليس ‪146‬‬
‫‪44‬‬ ‫ ‬ ‫فيال نويبا‬
‫‪223‬‬ ‫ ‬ ‫تاليس‬
‫‪167‬‬ ‫ ‬ ‫أرطيسا‬
‫‪185‬‬ ‫ ‬
‫بني تندوث‬
‫‪160‬‬ ‫ ‬ ‫بوريول‬
‫‪120‬‬ ‫ ‬ ‫شيفرت‬
‫كاستيون دي البالنا ‪124‬‬
‫‪2689‬‬ ‫ ‬
‫المجموع‬
‫وبقي دون اعتراف العدد اآلتي في كل من‪:‬‬
‫‪23‬‬ ‫ ‬ ‫تاليس‬
‫‪60‬‬ ‫ ‬ ‫أرطيسا‬
‫‪10‬‬ ‫ ‬
‫بني تندوث‬
‫‪39‬‬ ‫ ‬
‫المجموع‬
‫وبعد انتهاء مراسيم كل يوم كان المعترفون يقسمون أمام المحقق العام بأن يكونوا أوفياء للدين الكاثوليكي وللملك‪:‬‬
‫«كانوا يقسمون جماعة باتباعهم للتعاليم السمحة لديننا المسيحي انطالقا من تلك اللحظة إلى غاية مماتهم وأال‬
‫يعودوا أبدا إلى دين محمد‪ ،‬وأنهم نادمون على ما فعلوه وعن الوقت الذي أضاعوه خارج ذلك اإلطار»‪ .‬األمر نفسه تم‬
‫اتباعه في مناطق أخرى‪ .‬ورغم قسمهم وأيمانهم المغلظة فقد واصل الموريسكيون حياتهم مثل المورو كما كانوا عليه‬
‫من قبل‪ ،‬ويبقى السؤال المطروح‪« :‬هل كان منطقيا ومعقوال إرهابهم وإجبارهم على القسم مقابل التنصر الصحيح‬
‫والصادق؟»‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫الفـصـل الــعــاشــر‬

‫للتشبث بالعقيدة االسالمية(((‪ .‬لقد كان تسيري أسقفية بلنسية يطرح عقبات عدة نظرا‬
‫لتأزم وضع القضية املوريسكية هبا وتعقيدها‪ ،‬ويف ‪ 22‬من شتنرب ‪ 1569‬كتب األسقف‬
‫ݒيو اخلامس إىل بعض رجال الدين والقساوسة يذكرهم بمسؤوليتهم الدينية أمام الرب‬
‫وحيثهم عىل القيام باملهمة التي كلفهم هبا(((‪ .‬كانت هذه األوضاع تقلق البطريرك ريبريا‬
‫وتدفعه لالجتهاد للبث يف هذه القضية خصوصا أمام تعنت املوريسكيني الذين واصلوا‬
‫عيشهم بتحد مثل املورو‪ ،‬وكانت كل عمليات وطرق تنصريهم عقيمة‪ ،‬ومل جتد ال‬
‫الشدة وال اللني‪ ،‬بكل بساطة وتعقيد وأيضا كان مستحيال متازج ذلك اجلنس رغم كل‬
‫حماوالت دجمهام‪ .‬دقت ساعة التهجري والرتحيل يف غرناطة‪ ،‬فامذا بقي يف وسع ريبريا‬
‫فعله ببلنسية؟ مل يكن يف وسعه إال االنسياق لرأي رجال الدين الذين كانوا ينادون إما‬
‫بالتنصري أو الطرد والتهجري للذين مل خيضعوا للرشوط والضوابط املسطرة للمهزومني‪،‬‬

‫األرقام التي أوردناها استقيناها من األرشيف العام المركزي‪ ،‬محاكم التفتيش ببلنسية‪ ،‬الوثيقة رقم ‪.302‬‬
‫((( يوجد في األرشيف المركزي مجموعة من الوثائق الهامة التي تطرقت لنشاط محكمة التفتيش و لألسباب التي‬
‫عرضت بعض الموريسكيين لإلعدام حرقا‪:‬‬
‫‪ -‬ألونسو منطيرو‪ ،‬قرب سهلة بني رزين‪ ،‬أحرق سنة ‪ 1536‬ألنه كان يمارس بعض الطقوس العربية‪.‬‬
‫‪ -‬الشرقي‪ ،‬جاء من المدجر‪ ،‬أعدم سنة ‪ 1567‬للسبب نفسه والستحضاره األرواح والشساطين‪.‬‬
‫‪ -‬بيرتي بانيثا‪ ،‬أخ فرانسيسكو بانيثا‪ ،‬قاضي ربض شلف‪ ،‬أحرق سنة ‪ 1568‬لتواطئه مع بعض المتمردين‪ ،‬وذلك ‪31‬‬
‫غشت حينما واجه الموريسكيون المسيحيين وتحدوهم‪ .‬وكان يؤيد ممارسة الموريسكيين لشعائرهم وعاداتهم‪.‬‬
‫‪ -‬ميغيل موسى‪ ،‬قدم من شيفا‪ ،‬أحرق سنة ‪ ،1573‬ألسباب اثبتها في حقه كثير من الشهود‪« :‬أوال‪ ،‬رمى بالصليب على‬
‫األرض‪ ،‬ثانيا‪ ،‬لم يتكلم قط وال كتب بغير العربية‪ ،‬ثالثا‪ ،‬عند حلول رمضان كان يبعث الرسائل والمراسيل للمناطق‬
‫المجاورة إلخبارهم بذلك يحثها على الصيام‪ ،‬رابعا‪ ،‬كان يمنع بعض الصبية من الذهاب إلى المدرسة حيث يتعلمون‬
‫القشتالية وتعاليم الدين المسيحي ويعطيهم دروسا في بيته لتلقينهم الصالة والقرآن والشعائر اإلسالمية‪ .‬خامسا‪ ،‬كان‬
‫يجمع الشباب والشيوخ في بيته ويتدارسون القرآن‪ ،‬وكتابا آخر كان يتحدث عن مناظرة بين المسيح ومحمد تغلب‬
‫فيها هذا األخير‪ .‬سادسا‪ ،‬حسب القانون المطبق على المورو كان يحدد المهور التي تحصل عليها النساء خالل‬
‫زواجهن حسب ما جاء في الشريعة االسالمية‪ ،‬ويمكنهم أيضا للرجال أن يتزوجوا ألكثر من مرة‪ .‬سابعا‪ ،‬كان يذهب‬
‫كل جمعة إلى ساقية زاكور حيث يتوضأ ويصلي‪ .‬ثامنا‪ ،‬في العيد األضحى‪ ،‬كان يذبح ذبيحة ويوزعها على الجيران‬
‫والمحتاجين من ذويه سرا بواسطة أحد الخدم‪ ،‬إذ كان يحتفظ دائما ضمن قطيعه بذبيحة سمينة لذلك الغرض‪ ،‬وقد‬
‫قتل أحد خدمه حينما علم بأنه أخبر محقق التفتيش بما يمارسه من شعائر وعادات محمدية»‪.‬‬
‫عن هذه األحداث وغيرها‪ ،‬نجد مقتطفات في أرشيف كوربوس كريستي وكتابا هاما تحت عنوان‪ :‬وثائق تتعلق‬
‫المورو‪ ،‬المدجنين والموريسكيين‪ .‬وفيما يتعلق بانتفاضة موريسكيي سهلة بني رزين‪ ،‬يمكن مراجعة المجلد بأكمله‪،‬‬
‫‪ ،1833‬المتحف البريطاني‪.‬‬
‫((( انظر رسالة بيو الخامس في خيمينيث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 .‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪196‬‬

‫الذين ما فتئوا يستغلون الفرص لزرع البلبلة وإثارة هلع وغضب الرأي العام(((‪ .‬مل يدخر‬
‫البطريرك ريبريا جهدا للبحث يف كل السبل حلل املشكل املوريسكي منذ ‪ 1569‬إىل غاية‬
‫‪ ،1610‬فعمل كل ما بوسعه للجمع واملزج بني اجلنسني عن طريق الدعوة والرتغيب‬
‫والرتهيب يف حاالت أخرى‪ .‬وال يمكن للتاريخ أن يتجاهل املجهودات والسبل التي‬
‫بذهلا ذلك الرجل العظيم حلل تلك املعضلة‪ ،‬وبقيت مراسالته التي وجهها لفيليبي الثاين‬
‫والثالث شاهدة عرص عن تلك املرحلة يف أسقفية بلنسية(((‪.‬‬
‫ال ننكر أنه ساهم بدوره يف طرد املوريسكيني إال أنه جيب علينا أن نذكر أيضا بكل‬
‫املراحل واملحاوالت التي قام هبا إىل أن وصل إىل ذلك النفق املسدود‪ .‬هذا ال يعني أيضا‬
‫أننا يف حاجة إىل مدح وتبييض وجه تلك الشخصية الفريدة التي كانت جتسد فكرنا‬
‫وروحنا خالل القرن السادس عرش(((‪ .‬لكننا لن ننهي هذا الفصل دون أن نعرتف بأن‬
‫هناك اعداء للكاثوليكية‪ ،‬كبعض الوزراء والعاملني يف احلقل الديني الذين استغلوا‬
‫الوضع السائد يف مملكة إسبانيا خالل القرن السادس عرش ونصحوا وأشاروا عىل فيليبي‬
‫الثالث بطرد املوريسكيني‪ ،‬إال أن هذا ال يعني أيضا أن هؤالء كانوا أبرياء طييبني‪ ،‬بل‬
‫كانوا يف أغلب األحيان يتعنتون ويعاندون ويرصون عىل تطبيق كل تعاليم رشيعتهم‬
‫وممارسات عقيدهتم االسالمية(((‪ ،‬باإلضافة للهلع والرعب الذي نرشوه بني ساكنتنا‬
‫نظرا لعالقتهم بالقراصنة األتراك والفرنسيني الربوتستانتيني‪ .‬كانت كراهية كل ما له‬
‫عالقة باملورو وباإلسالم متجذرة يف كيان شعبنا‪ ،‬ألن ذلك كان مرادفا للخطر واخلوف‪.‬‬
‫فهل كان هذا الشعور جزافيا ال يرتكز عىل أسس؟ هل كان املسيحيون القدامى مصيبون‬
‫يف التبليغ عن املوريسكيني املتشبثني بتعاليم القرآن واملامرسات املحمدية وكرههم لكل‬

‫((( اعترافات‪ ،‬ص‪.182 .‬‬


‫((( اعترافات‪.152 ،‬‬
‫((( حوليات‪ ،‬المجلد الثامن‪ ،‬ص‪.74 .‬‬
‫((( مجلد رقم ‪ ،25‬الفصل الرابع ضمن مجموعة خزانة السيد كرويليس يتكلم عن دور القصر اتجاه المسألة‬
‫الموريسكية وعن الحقائق التي تبرر دوافع القصر وتدابيره اتجاههم في بلنسية خالل ‪ 1626‬و ‪.1645‬‬
‫‪197‬‬ ‫الفـصـل الــعــاشــر‬

‫ما هو اسباين؟ كان بعض رجال الدين يدينون ممارسات املوريسكيني حتى وإن كانت‬
‫«عادية»(((‪ .‬لكن ما كان يؤجج غضب وسخط الرأي العام هو دعمهم املستمر للقراصنة‬
‫وحتينهم الفرصة لألذان بالصالة من جديد فوق تراب مملكتنا(((‪ ،‬إال أننا ال نسيئ الظن‬
‫يف كل األحوال باملتنرصين اجلدد(((‪ ،‬إذ عمد جلهم إىل محاية األسياد والنبالء‪ .‬كانت‬
‫سلوكاهتم املشينة تؤجج غضب الرأي العام ضدهم‪ ،‬ويامرسون شعائرهم عالنية‬
‫ويتآمرون عىل مصلحة وطننا‪ .‬فكانت إسبانيا آنذاك لإلسبان وما كان جيب أن تكون‬
‫إال ذلك‪.‬‬

‫((( الوثائق الدبلوماسية‪ ،‬عدد ‪ ،14‬يتضمن بعض المعطيات عن فيليبي الثاني وابنه‪ ،‬وعن الحجج التي كانت تقدم‬
‫كتبرير لعقاب الموريسكيين جراء سلوكهم وعنادهم واألذى الذي كانوا يلحقونه بالمسيحيين القدامى والحقد الذي‬
‫يكنونه لهم‪.‬‬
‫((( أرشيف الكاسا ألبا‪ ،‬حسب ما أورد دون باث إي ميليا‪« :‬بعض الرسائل أحرق التوقيع بها‪ ،‬بمثابة إجابة عن‬
‫بعض المسائل التي كان يريد الملك بحثا وتقريرا بشأنها‪ ،‬مثل تمرد الموريسكيين في أراغون سنة ‪ ،1575‬مرسية‬
‫والبشارات‪ ...‬وعن الموريسكيين وهم يحاولون الحصول على استقاللهم‪ ،‬حيث كتب المحقق العام إلى رجاله‬
‫في بلنسية يقول لهم‪« :‬ليعاقب بصرامة كل الموريسكيين المتمردين في بارباروخا»‪ ،‬األرشيف العام بشانت مانكش‪،‬‬
‫وثائق حول محاكم التفتيش‪ ،‬رقم ‪ ،78‬ص‪ 34 .‬و ‪ ،152‬ب‪.‬‬
‫((( رغم قرار العفو الذي أصدره بيو الخامس في حق الموريسكيين يوم ‪ 6‬شتنبر سنة ‪ 1567‬لم يستفد منه إال القليل‬
‫لتشبثهم بوضعهم وبتعاليم دينهم وكذلك نظرا لتحفظ الحبر األعظم الذي كتب رسالة بتاريخ ‪ 6‬غشت سنة ‪1574‬‬
‫«يخبر فيها دون غاسبار دي كيروغا والمحقق العام بعدم تمكن كل المحققين والفاعلين التنسيق من أجل امتصاص‬
‫غضب المورو الذين يعيشون في مملكة أراغون وبلنسية‪ ،‬والذين لم يتفاعلوا مع هذه األحكام رغم المحاوالت‬
‫المتكررة معهم»‪ .‬األرشيف العام سانت مانكش ( سيمنكاس)‪ ،‬مجلس محاكم التفتيش‪ ،‬وثيقة رقم ‪.6‬‬
‫‪199‬‬ ‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬

‫الفهرس‬

‫إهدء ‪07 ...................................................................................................................‬‬

‫شكر ‪09 ...................................................................................................................‬‬

‫مقدمة املرتمجة ‪11 .......................................................................................................‬‬

‫تقديم الرتمجة ‪13 .......................................................................................................‬‬

‫إهداء املؤلف ‪19 ........................................................................................................‬‬

‫تقديم املؤلف ‪21 .......................................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬اكتساح العرب لرتاب إسبانيا‪/‬بياليو‪/‬مفهوم االسرتداد‪/‬املستعربون‬


‫واملدجنون‪/‬طباع الغزاة‪/‬استحالة التامزج بني الغالب واملغلوب‪/‬العرب واملسيحيون إىل غاية‬
‫القرن العارش ‪43 ........................................................................................................‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬سياسة ألفونسو السادس‪/‬الفارس السيد القمبيطزر‪/‬انتصارات ألفونسو السابع‬


‫ضد األفارقة‪/‬سياسته من أجل عملية االسرتداد‪/‬سياسة امللوك اإلسبان لدعم إسرتاتيجية‬
‫االسرتداد إىل غاية أواسط القرن الثالث عرش ‪65 .............................................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬دون خايمي األول يف أراغون‪/‬اسرتداد ميورقة‪/‬بلنسية ومرسية‪/‬التأثري‬


‫الفعال والدور الريادي لدون خايمي يف توسيع رقعة إسبانيا املسيحية ‪89 ...........................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬امللوك الكاثوليكيون‪/‬إرساء حماكم التفتيش‪/‬اسرتداد غرناطة‪/‬طرد اليهود‪/‬‬


‫مترد املورو يف البشارات‪/‬بوادر املسألة املوريسكية‪/‬بعدها القانوين وطابعها الديني ‪105 ........‬‬
‫الموريسكيون اإلسبان ووقائع طردهم‬ ‫‪200‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬دون كارلوس األول‪/‬الثورات الشعبية بقشتالة‪/‬جمموعات املتمردين‬


‫اخلرمانوس ببلنسية ‪ /‬املتمردون واملوريسكيون‪/‬تنصريهم القرسي والصبغة الدينية للمسألة‪/‬‬
‫التدابري امللكية ضد اجلنس املوريسكي ‪123 ....................................................................‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬تدابري جديدة من أجل توجيه وتنصري املوريسكيني البلنسيني‪/‬طرد املورو‬
‫الرافضني للتنصري‪/‬مترد وثورة املوريسكيني يف برنية‪ ،‬بني الوزير‪ ،‬المويال دي كورطيس‪/‬‬
‫االتفاق الذي تم بني املوريسكيني وامللك‪/‬تأمالت يف املسألة املوريسكية ‪135 ......................‬‬

‫الفصل السابع‪ :‬اإلصالح الديني الربوتستانتي يف إسبانيا واملسألة املوريسكية‪/‬املصاعب‬


‫التي خلقها املتنرصون اجلدد للنظام امللكي‪/‬تدابري لتسهيل عملية تنرصهم واألسباب التي‬
‫تعرقلها‪/‬وضعية املوريسكيني ‪147 ...............................................................................‬‬

‫الفصل الثامن‪ :‬حقيقة طباع اجلنس املوريسكي‪/‬القديس طوماس دي فيال نويبا‪/‬جملس‬


‫بايادوليد سنة ‪ 1548‬من أجل تعديل قانون التعامل مع املوريسكيني‪/‬مطران بلنسية يؤكد عىل‬
‫رضورة قمع جسارة هؤالء‪/‬اجتامع جملس غرناطة‪/‬جهود دون فرانسيسكو دي نافارا من أجل‬
‫تنصري موريسكيي نافارا ‪159 ......................................................................................‬‬

‫الفصل التاسع‪ :‬فيليبي الثاين‪/‬املسألة املوريسكية يف غرناطة وبلنسية‪/‬مناسبات‪ ،‬ممارسات‪،‬‬


‫عادات ولغة املوريسكيني‪/‬تقرير دون غريغوريو دي مرياندا‪/‬جتريد املوريسكيني البلنسيني من‬
‫السالح سنة ‪/1563‬اجتامع جملس مدريد املنعقد سنة ‪/1564‬قلق واضطراب موريسكيي‬
‫غرناطة ‪169 .............................................................................................................‬‬

‫الفصل العارش‪ :‬مترد املوريسكيني يف البشارات‪/‬التمرد املستمر لذلك اجلنس وعدم خضوعه‪/‬‬
‫قلق فيليبي الثاين‪/‬تعيني قسيس بداخوث يف يف مركز األسقفية ببلنسية‪/‬مالحظات ‪185 ........‬‬

You might also like