You are on page 1of 22

‫تطور دراسات جمهور وسائل اإلعالم‬ ‫ّ‬

‫‪ ‬من دراسات التأثير إلى دراسة التلقي‬

‫لقد تع ّد دت املقاربات يف حتديد ودراسة مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬وذلك نتيجة جملموعة من اجملهودات والدراسات والتحريات اليت‬
‫تفس ر سلوك مجهور‬
‫قام هبا الباحثون يف ميدان دراسات اجلمهور‪ ،‬حيث ُت ِّو َجت جهودهم بالوصول إىل جمموعة من النظريات ّ‬
‫وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫‪      ‬لكن وكم ا نعلم‪ ،‬ف إ ّن دراس ات اجلمه ور م رت بتط ورات ومراح ل خمتلف ة‪ ،‬بداي ة من النظ رة التقليدي ة فيم ا يتعل ق بالت أثري‬
‫املطلق (منبه ‪ -‬استجابة) وصوال إىل املقاربات احلديثة واليت تدرس فعل التلقي (استنطاق املتلقي) يف ح ّد ذاته‪.‬‬

‫‪      ‬لكن‪ ،‬وملعرف ة الرهان ات احلالي ة اللّص يقة بدراس ات اجلمه ور ودراس ات التلقي حتدي دا‪ ،‬الب د من الع ودة والت ذكري ببعض‬
‫األعمال املنجزة قرابة نصف قرن يف حقل دراسات مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬وهذا عرب املراحل التالية‪:‬‬

‫أنموذج التأثير‪))effect paradigm :‬‬ ‫‪-1‬‬


‫‪      ‬يعترب هذا التوجه مبثابة االنطالقة احلقيقية مليدان دراسة تأثريات وسائل اإلعالم على اجلمهور‪ ،‬حىت وإن كان هذا‬
‫األمنوذج يعترب قدميا قد جتاوزه الزمن‪ ،‬إال أنه يعترب مبثابة احللقة األوىل املش ّكلة لسلسلة الدراسات اليت أجنزت يف ميدان‬
‫حبوث االتص ال؛ ل ذلك الع ودة إلي ه ض رورية‪ ،‬ألن ه يعت رب خلفي ة مهم ة للتنظ ري والتأس يس للدراس ات احلديث ة وم ا بع د‬
‫احلديث ة خاص ة م ا تعل ق بتكنولوجي ا االتص ال احلديث ة ال يت تنطل ق إم ا من خلفي ة س يكولوجية أو سوس يولوجية‪.‬‬
‫‪      ‬ينقسم هذا األمنوذج إىل مسامهات إمربيقية وأخرى نقدية‪ ،‬فاألوىل كانت ترى أن تأثري وسائل اإلعالم هو تأثري‬
‫يتعرض ألي حاجز ومعوقات للتأثري على عقول اجلماهري اليت كان ينظر إليها بأهنا تشبه احلشود وتتميز‬
‫وقوي ال ّ‬
‫بالغ ّ‬
‫بالض عف وال متل ك أي مقوم ات للحماي ة من ت أثريات وس ائل اإلعالم‪ .‬فه و األمنوذج ال ذي ي رى ب أ ّن ت أثري الرس ائل‬
‫يتم يف شكل خطي (شاقويل)‪ ،‬حيث يستجيب من خالهلا كل شخص بشكل مشابه تقريبا‬
‫اإلعالمية على اجلمهور ّ‬
‫للرسائل اإلعالمية اليت تؤثر فيه مباشرة كما يؤثّر سائل احلقنة يف دم املريض‪)1( .‬‬
‫‪     ‬إذن‪ ،‬فالطرح اإلمربيقي األمري ــكي ناشئ من األمنوذج التقليـدي لـ ِ‪ - Harold Lasswell‬خاصة وأنه يبحث‬
‫عن التأثري‪ -‬ومن مثّ فإ ّن هذا األمنوذج ينظر للمتلقي بأنه سليب‪ ،‬ال ميلك القدرة على مواجهة الرسائل اإلعالمية وفق ما‬
‫حيتاج إليه إلشباع حاجياته ورغباته؛ وإمّن ا رسائل وسائل اإلعالم هي اليت تؤثّر فيه‪)2( .‬‬
‫ِّر القوة اهلائلة اليت متلكها وسائل اإلعالم للتأثري على اجلماهري‪،‬‬
‫‪      ‬وانطالقا من هذا االعتبار‪ ،‬فإ ّن هذا النموذج يُ َقد ُ‬
‫وذلك من خالل تقنيات اإلقناع واإلذع ان هلا‪ ،‬وبالتّ ايل حتقيق األهداف اليت يصبو إليها مالكو وس ائل اإلعالم ألهنا‬
‫ترى يف اجلمهور بأنه كتلة متجانسة له نفس االجتاهات والقرارات جتاه رسائل وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪      ‬أم ا املس امهة الثاني ة فتتمث ل يف النظري ة النقدي ة – مدرس ة فرنكف ورت ‪ -‬بري ادة ك ل من (أدورن و‪ ،‬هوركه امير‪،‬‬
‫ماركوز) وهي األخرى تندرج ضمن أمنوذج التأثري‪ ،‬إذ ترى هذه األخرية أ ّن وسائل اإلعالم تنتج صناعات ثقافية‪،‬‬
‫وذلك من خالل اعتبارها أن وسائل اإلعالم عبارة عن أدوات إيديولوجية يف يد السلطات احلاكمة تؤثّر تأثريا مباشرا‬
‫على عقول اجلماهري‪ ،‬وذلك من خالل الكم اهلائل من احملتويات اليت تق ّدمها واالستهالك املكثّف من طرف اجلماهري‪،‬‬
‫حيث تس تعملها الس لطات لتخ دير عق ول الن اس‪ .‬وانطالق ا من ه ذا املنظ ور‪ ،‬تعم ل املدرس ة النقدي ة على نق د الثقاف ة‬
‫اجلماهريي ة ال يت ت رى بأهنا آلي ة للهيمن ة على عق ول الن اس‪ .‬فاملش اهدون ليس وا ف اعلني حقيق يني وإمنا س لبيني َيَتلَ َق ْو َن‬
‫املنتج ات الثقافي ة ويس تهلكوهنا بص فة منطي ة (‪ ،)3‬وه ذا م ا ذهب إلي ه (م اركوز)‪ ،‬حيث ي رى أ ّن الص ناعة الثقافي ة‬
‫تقمصه هلذه الثقافة‪ ،‬وبالتايل فإ ّن هذه التبعية‬
‫أنتجت جمتمعا ذا بعد واحد يكون اإلنسان فيه تابعا وذلك من خالل ّ‬
‫تفسر جناح املنتوج الثقايف أمام اجلمهور الذي يف حقيقة األمر ال خيتار‪ ،‬لكنّه معرض لسيل هائل من الرسائل اليت تؤثر‬
‫ّ‬
‫فيه مباشرة‪)4(.‬‬
‫‪      ‬عالوة على ذلك‪ ،‬فهناك األحباث اليت تندرج ضمن تأثري وسائل اإلعالم ولكن ليس تأثريا مباشرا وإمنا تأثريا غري‬
‫مباش ر‪ ،‬وذل ك نتيج ة جملموع ة من اجمله ودات ال يت ق ام هبا بعض الب احثني األمريك يني من أمث ال‪( :‬هريت ا ه ريزوغ)‬
‫َو(روب رت م ريتون) َو(ب ول الزار س فيلد) َو(إليه و ك اتز)‪ ،‬حيث ق اموا بوض ع منهجي ة حبث جتري يب لدراس ات مجه ور‬
‫وسائل اإلعالم توصلوا من خالهلا إىل دحض النظرة املتشائمة جلمهور وسائل اإلعالم (‪ .)5‬ومن بني هذه اجملهودات‬
‫اليت ش ّكلت قطيعة مع أمنوذج التأثري املباشر؛ تلك اليت قام هبا ‪ Paul Lazar sfeld‬يف دراسته "اختيار الشعب"‪،‬‬
‫‪two‬‬ ‫‪step-flow‬‬ ‫إذ توص ل من خالل حبث ه إىل مفه وم ت دفق االتص ال على مرحل تني" ‪of‬‬
‫مهم ا يف الت أثري على أراء ومواقف اجلمهور‬ ‫رِب‬
‫‪ .communication‬حيث َي ْعتَ ُ أن االتصال الشخصي يلعب دورا ّ‬
‫أثناء احلمالت االنتخابية‪ ،‬وذلك عن طريق قادة الرأي‪  ‬الذين يستطيعون أن يؤثروا على اجلمهور لتغيري مواقفهم‪)6(.‬‬
‫‪      ‬وبالتايل‪ ،‬توصلت هذه النظرة إىل احلد من فكرة التأثري البالغ لوسائل اإلعالم؛ إذ أصبح ينظر إىل وسائل اإلعالم‬
‫بأهّن ا ال متل ك الق وة اخلارق ة للت أثري على اجلمه ور؛ وإمّن ا هن اك ع ّدة عوام ل تس اهم يف التّ أثري عليهم‪ ،‬وذل ك من خالل‬
‫العوامل الوسيطية كقادة الرأي واإلدراك واالنتقاء االختياريني‪.‬‬
‫‪      ‬ه ذه الق راءة املزدوج ة فيم ا يتعل ق ت أثري وس ائل اإلعالم‪ ،‬إمربيقي ة من جه ة ونقدي ة من جه ة أخ رى‪ ،‬تعت رب لبن ة‬
‫الدراسات املتعلقة بتأثري وسائل اإلعالم إىل غاية بداية‪  ‬الستينيات‪ ،‬فالدراسات اإلمربيقية تركز على دراسة أثر وسائل‬
‫اإلعالم على املدى القص ري والبعي د مس تعينة بالس ياق السياس ي واالقتص ادي والثق ايف ال ذي يت دخل يف تلقي اخلط اب‬
‫اإلعالمي‪ ،‬أم ا الدراس ات النقدي ة فتهتم بآلي ات التالعب يف عق ول اجلم اهري‪ ،‬فكلت ا املدرس تني ك ان ه دفهما األس اس‬
‫تـعمدنا الوقوف عند خلفيات‬
‫يتمثل يف معرفة أو الكشف عن سلوك اجلمهور ومواقفه جتاه اخلطاب اإلعالمي‪ .‬وقد ّ‬

‫‪2‬‬
‫ه ذا التوج ه لفهم التط ّور الت ارخيي لدراس ات اجلمه ور ومعرف ة كي ف ك ان ل ه أث ارا على دراس ات اجلمه ور لوس ائل‬
‫اإلعالم احلديثة‪.‬‬

‫‪ -2‬دراس ات اس تعمال وس ائل اإلعالم واإلش باع‪ :‬لق د أدى إدراك نت ائج الف روق الفردي ة والتب اين االجتم اعي بني‬
‫أفراد اجلمهور‪ ،‬وإدراك السلوك املرتبط بوسائل اإلعالم إىل ظهور منظور جديد للعالقة بني اجلمهور ووسائل اإلعالم‪،‬‬
‫املفض لة من‬
‫حتوالً من فكرة اجلمهور كعنصر سليب إىل عنصر فاعل يف انتقاء واختيار الرسائل واملضامني ّ‬
‫وكان هذا ّ‬
‫وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫رد فع ل لق وة وس ائل اإلعالم‪ ،‬أي نظري ة الت أثري املباش ر‪ ،‬ونظري ة انتق ال املعلوم ات على‬
‫‪      ‬وبالتّ ايل ش ّكل ذل ك ّ‬
‫مرحلتني‪.‬‬
‫ينصب حول‬
‫ّ‬ ‫‪      ‬إذ ش ّكل هذا النموذج قطيعة مع األمنوذج السابق (التأثري)‪ ،‬فابتداء من اخلمسينيات بدأ االهتمام‬
‫التس اؤل الت ايل‪ :‬م اذا يفع ل اجلمه ور بوس ائل اإلعالم؟ وليس م اذا تفع ل وس ائل اإلعالم يف اجلمه ور؟ وبالت ايل أص بح‬
‫االهتم ام ير ّك ز على دراس ة اس تعمال‪ ))usage‬اجلمه ور لوس ائل اإلعالم من أج ل إش باع رغب اهتم وتلبي ة حاجي اهتم‬
‫انطالقا من اختيارات عدة متنحها هلم الوسيلة اإلعالمية يف حد ذاهتا‪)7(.‬‬
‫‪      ‬إذن‪ ،‬فقد كانت هذه احلجة " ماذا يفعل اجلمهور بوسائل اإلعالم "‪ ،‬ذات أمهية كبرية يف دفع النقاش إىل األمام‬
‫من خالل بداية التطلّع إىل املشاركة الفعالة من جانب اجلمهور يف الربامج التلفزيونية‪ .‬ومل يعد هناك حديث عن اآلثار‬
‫اليت ختلّفها وسائل اإلعالم بقدر ما فتحت دراسات االستعمال الباب أمام مسألة اختالف االستعماالت بني اجلمهور‪.‬‬
‫إذ الحظ النقاد أنه جيب النظر إىل اجلمهور من منظور فردي‪ ،‬وذلك يف حدود االختالفات بني االستجابات النامجة‬
‫املكونة للشخصية يف ح ّد ذاهتا‪(.‬‬
‫عن الفروق الفردية ّ‬
‫‪      ‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإ ّن نظرية االستعماالت واالشباعات تركز على األسباب اخلاصة بالتعرض لوسائل اإلعالم‬
‫أي كيف يستعمل الناس وسائل اإلعالم‪ ،‬إذن اجلمهور ليس سليب كما كانت تنظر إليه دراسات التأثري وإمنا فاعل‬
‫حقيقي خيت ار م ا يتماش ى مع ه انطالق ا من مب دأ التع ّرض واإلدراك االنتق ائيني أي اس تعمال وس ائل اإلعالم ألغ راض‬
‫(وظ ائف) خمتلف ة (التس لية‪ ،‬التعليم‪ ،‬اإلعالم‪ .)...‬إالّ أ ّن ه ذه الوظ ائف تتحكم فيه ا حاج ات ودواف ع ال يت تعت رب من‬
‫احملركة لألفراد للتخفيف من أعباء احلياة اليومية ولتحقيق التوازن النفسي الذي يساعد على االستمرار مع‬
‫العوامل ّ‬
‫الغري‪ .‬وهذا من خالل احلديث الذي حيدث مع أعضاء اجملتمع أو ما يطلق عليه االنتقال من الفضاء اخلاص (الفردي)‬
‫إىل الفض اء العم ومي (اجملتم ع)‪ .‬وه ذه احلاجي ات وال دوافع‪ ،‬م ا هي إالّ جمموع ة من الق وى النّفس ية ال يت تس اعد على‬

‫‪3‬‬
‫حتدي د س لوك اجلمه ور (‪ ،)9‬ومن مثّ ف إ ّن اس تخدام وس ائل اإلعالم مره ون بالتب اين يف احلاج ات بني األف راد‪ ،‬ويفس ر‬
‫التباين يف سلوك التعرض بالكثافة الشديدة أو التعرض احملدود نتيجة عدم تلبية الوسيلة حلاجة أو حاجات لدى الفرد‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن هذه النظرية جتاوزت رؤية اعتبار اجلمهور ككتلة هامدة وسليب وال يتوفر على أية ميكانزمات دفاع على‬
‫املستوى السيكولوجي واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -3‬الدراسات المرتبطة باألبعاد الرمزية والسوسيو‪ -‬سياسية لوسائل اإلعالم‪ :‬يرتبط هذا التّوجه بدراسة وحتليل‬
‫العالق ة ال يت ترب ط كال من بني ة النظ ام السياس ي واالقتص ادي واألي ديولوجي م ع وس ائل اإلعالم‪ ،‬إذ أ ّن اجلدي د ال ذي‬
‫جاءت به هذه الدراسات هو ذلك االهتمام الذي ينصب على دراسة السياقات االجتماعية اليت يتم من خالهلا تلقي‬
‫الرسائل اإلعالمية‪ .‬ولقد ظهر هذا االجتاه يف حتليل الظاهرة اإلعالمية بربيطانيا يف إطار ما ي ــسمى " مبدرسة برمنغهام‬
‫‪ Birmingham "   Ecole de‬الّيت تُعرف أيضا باسم الدراسات الثقافية‪.‬‬
‫فعال ة يف جمال ه ذه الدراس ات الّ يت‬
‫‪    ‬ومن بني ال رواد يف ه ذا االجتاه ن ذكر‪Stuart  Hall  ‬الّ ذي ق ّدم مس امهة ّ‬
‫حتوال ج ذريا س واء فيم ا يتعلّ ق‬
‫أعطت لأليديولوجي ة موقع ا هام ا يف الدراس ات اإلعالمي ة‪ )10(.‬إذ ش ّكلت أعمال ه ّ‬
‫بالتحليل الوظيفي األمريكي أو االجتاه املاركسي بشكليه الكالسيكي وامل َح دَّث‪ .‬وهذا ما أشار إليه‪ Stuart Hall‬‬
‫ُ‬
‫يف مقاله الشهري الذي نشره عام ‪ 1973‬حتت عنوان (الرتميز‪/‬فك الرتميز)‪ ،‬حيث اعترب أن صريورة االتصال التلفزيوين‬
‫متر بأربع مراحل خمتلفة تتمثّل يف‪ :‬اإلنتاج والتوزيع واالستهالك وإعادة اإلنتاج‪ .‬فاجلمهور بالنسبة لـِ (ستيوارت هال)‬
‫ّ‬
‫التصور الّذي حتمله املؤسسة اإلعالمية‬
‫ميثّل مصدر الرسالة واملتلقي يف نفس الوقت‪ ،‬ذلك أ ّن حلظة الرتميز ال حتيل إىل ّ‬
‫ِّد الكاتب على‬
‫وليس إىل توقّعات اجلمهور فقط‪ ،‬وإمنّا إىل املعايري اليت تندرج ضمن العمل املهين ( ‪ .)11‬لذلك يُ َش د ُ‬
‫دور املواقع االجتماعية يف تفسري النصوص عن طريق وسائل اإلعالم عند خمتلف الفئات االجتماعية(‪ .)12‬ولقد اعترب‬
‫‪ Stuart Hall‬التلقي بأنّه ظاهرة مركبة ذات ثالثة أبعاد نتيجة لقيام اجلمهور بفك الرموز اليّت يتلقاها‪ ،‬وتتمثّل هذه‬
‫األبعاد يف‪:‬‬
‫املوقف املهيمن‪ :‬فاملتلقي يف هذا املوقف يدمج الرسالة بدون مقاومة يف إطار املفردات اليت خيتارها املرسل‪ .‬بعبارة‬ ‫أ‪-‬‬
‫أخرى‪ ،‬ميثّل هذا املوقف وجهات النظر الغالبة‪ ،‬أي أ ّن الذوق العام الغالب على النظام االجتماعي والفضاء املهين‬
‫ه و املرجعي ة التأويلي ة للجمه ور (‪ .)13‬ومبع ىن آخ ر اجلمه ور ي َكيِّف وخُيْ ِ‬
‫ض ع مواقف ه ملا ه و س ائد يف اجملتم ع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ب‪ -‬املوق ف املع ارض‪ :‬يق وم املتلقي يف ه ذه الوض عية بفك رم وز الرس الة اليّت اس تقبلها بطريق ة معارض ة ملا ك ان‬
‫ينوي املرسل إرساله (‪ .)14‬أي يقوم املتلقي بقراءة الرسالة بناءا على إطار مرجعي ورؤية خمتلفة للبيئة اليّت ينتمي‬
‫إليها(‪ .)15‬وهذا حيدث خاصة عندما تكون اجتاهات الفرد معارضة للخطاب اإلعالمي ويظهر هذا‪ ،‬مثال‪ ،‬يف‬
‫تلقي خطابات األحزاب السياسية من طرف أفراد مجهور ال ينتمي إليها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ويتم يف هذه الوضعية فك رموز الرسالة عن طريق دمج عدد مالئم من العناصر املعارضة‬
‫ج‪ -‬املوقف املفاوض‪ّ :‬‬
‫واملالئمة يف نفس الوقت (‪ .)16‬أي يقوم املتلقي بتبين جزء من الدالالت والقيم املهيمنة‪ ،‬لكنه يستم ّد من واقعه‬
‫املعيش بعض احلجج املتوافقة معه وذلــك لرفض بعض القيم املهيمنة واليّت ال ختدمه (‪ .)17‬مبعىن أن املتلقي َيَت َقبَّل‬
‫األفكار الّيت تالئمه وتتماشى مع أهدافه ويعدل األفكار اليت تعاكس موقفه‪.‬‬

‫‪     ‬وبص فة عام ة‪ ،‬يعم ل الب احثون يف إط ار ه ذا االجتاه على حماول ة دراس ة رس ائل وسائــل االتص ال‪ -‬خاص ة‬
‫التلفزي ون ‪ -‬والواق ع املعيش يف نفس ال وقت من خالل تفس ري الكيفي ة ال يت تعم ل من خالهلا الرس ائل اإلعالمي ة‬
‫واجلمه ور يف إنت اج أنظم ة للرم وز والرس ائل املش رتكة؛ وذل ك عن طري ق تفس ري بعض األمناط الس لوكية‬
‫واالستهالكية والثقافية اليت ير ّكز عليها التلفزيون وعالقتها بالعامل املعيش‪)18(.‬‬
‫‪       ‬و َت ْعتَرِب ُ الدراسات الثقافية رسائل الربامج التلفزيونية جمموعة من النصوص املع ّقدة اليت يشارك املتلقي يف فك‬
‫رموزه ا وتش كيل معانيه ا‪ ،‬أي أهّن ا ترك ز على فك رة نش اط املش اهد ال ذي يُ َك ِّو ُن املع اين املختلف ة يف إط ار‬
‫املدونات املش رتكة للجمه ور والق ائمني باالتص ال ( املنتج ون للرسائـل‬
‫االختصاص ات واالهتمام ات ال يت توفّره ا ّ‬
‫تركـز علي ه قاعـدة ( التش فري‪/‬ف ك التش فري) يتمث ل يف النق اط التالي ة‪:‬‬
‫اإلعالمي ة)‪ ،‬إذ أ ّن الــدور األسـاس ال ذي ّ‬
‫•‪   ‬نفس الرسالة يتم فك شفرهتا بطرق خمتلفة من طرف اجلمهور املتلقي؛‬
‫•‪   ‬حتتوي الرسالة اإلعالمية الواحدة على أكثر من قراءة؛‬
‫•‪   ‬ترتبط مسألة فهم الرسالة اإلعالمية بإشكالية ممارستها‪)19(.‬‬
‫‪ ‬وبالتايل‪ ،‬فإ ّن ه ذه املسامهة واليت تعت رب التقلي د األساس يف دراس ات التلقي‪ ،‬تنطلق من اعتب ارات ع ّدة تتمثّ ل يف‬
‫الرتكيز على النص يف حد ذاته وخمتلف التأويـالت الّ يت ينشئها الفرد املتلقي نتيجة قراءته ملختلف النصوص‪ ،‬ممّا‬
‫يؤ ّكد مبدأ االختالفات الفردية يف تلقي وتفسري الرسائل اإلعالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬دراسة التلقي‪ :‬ابتداء من الثمانينيات تغرّي ت االعتقادات السائدة حول تأثريات وسائل اإلعالم على اجلمهور‪،‬‬
‫أي م اذا تفع ل وس ائل اإلعالم يف اجلمه ور؟ إذ أ ّن فهم س لوك اجلمه ور أص بح يش ّكل حج ر الزاوي ة يف دراس ات‬
‫التلقي‪ ،‬وأصبح مقرونا بفكرة دراسة املتلقي يف ح ّد ذاته‪ .‬ومل يعد الباحثون يف هذا التقليد يركزون على الرسائل‬
‫ص َّم َمة‪ ،‬وإمنّا أصبح اهتمامهم يدور حول الرسالة اليت متّ استقباهلا فعال من املتلقي (استنطاق املتلقي)‪.‬‬
‫املرسلة أو املُ َ‬
‫وهذا ما يرتبط ارتباطا وثيقا باإلجابة على السؤال التايل‪ :‬ماذا يفعــل اجلــمهور بوســائل اإلعالم؟ الّذي توصل إليه‬
‫‪ Katz‬من خالل أمنوذج االستعمال واإلشباع‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن حمتـوى الرسالة يتجاوز بكثري القصد األصلي‬
‫ملرس له‪ ،‬حيث أ ّن املتلقي أص بح ميثّ ل ج زءا من مجاع ات تأويلي ة ( ‪)communauté interprétative‬؛‬

‫‪5‬‬
‫ويتمثّل دوره يف فك رموز الرسائل اليت استقبلها متفاعال معها؛ نتيجة جملموعة من التفاعالت مع الرسالة يف ح ّد‬
‫ذاهتا ومع أعضاء اجلماعة (‪ .)20‬وهذا ما يُعرف عند (دافيد موريل) " بأمنوذج التفاعـل والتأويالت للنصوص‬
‫اإلعالمية " (‪ .)21‬والذي يُِق ُّر من خالله على أ ّن الفروق الفردية يف التفسري موجودة بالفعل‪ ،‬لكنه يش ّدد على‬
‫يفس ر الن اس هبا جتارهبم م ع التلفزي ون وذل ك عن‬
‫أمهي ة الف وارق االجتماعي ة واالقتص ادية يف تش كيل الط رق ال يت ّ‬
‫للمدونات‪)22(.‬‬
‫طريق التقاسم الثقايف املشرتك ّ‬
‫يفس ر فعل وسائل اإلعالم‬
‫‪      ‬وانطالقا من هذا املنظور‪ ،‬فقد متّ االنتقال خالل نصف قرن من النموذج الذي ّ‬
‫انطالق ا من املص در أو من املرس ل‪ ،‬إىل النم وذج ال ذي يعطي ال دور االجيايب (النش ط) للمتلقي الس تنتاج دالالت‬
‫مع اين اخلط اب اإلعالمي املوج ودة يف بيئت ه‪ .‬وبعب ارة أخ رى من منوذج أح ادي االجتاه أو ش اقويل (‬
‫‪ )unidirectionnel‬إىل منوذج تفـــاعلي أو حتاوري (‪ )conversationnel‬لعملي ة االتص ال‪ .‬وأصبــح‬
‫احلديث ي دور حــول ص ريورة االتصــال ض من منوذج ( نص‪/‬ق ارئ)‪ ،‬أو كــما تطل ق علي ه ‪Sonia‬‬
‫‪ Livingstone‬بأنّ ه مجه ور نش ط‪ ،‬مش اهد ناق د ‪Un public actif, un téléspectateur‬‬
‫)‪critique. (23‬‬
‫‪      ‬ويبحث هذا النموذج يف الطريقة اليت يُ َولِّ ُد هبا أفراد اجلمهور معانيهم اخلاصة من خالل قراءهتم للخطاب‬
‫اإلعالمي‪ ،‬أي أن النص وص ق د تع ين أش ياء خمتلف ة ألن اس خمتلفني يف أوض اع خمتلف ة‪ )24( .‬فه و ير ّك ز على م ا‬
‫يشاهد أو يقرأ أو يستمع إليه اجلمهور يف وسائل اإلعالم‪ ،‬وعلى املعاين اليت تنتج نتيجة تفسري النصوص اإلعالمية‪.‬‬
‫(‪                                                                                                                         )25‬‬

‫‪      ‬إذن‪ ،‬نس تطيع الق ول ب أ ّن ه ذا االجتاه اجلدي د م ا هو إالّ ت زاوج جله ود ك ل من املدرس ة الوظيفي ة واملدرس ة‬
‫النقدي ة يف إط ار الدراس ات الثقافي ة اليّت أص بحت ت ويل عناي ة خاص ة ملس ألة الق ارئ وس ياق التلقي‪ ،‬وبالتّ ايل ف إ ّن‬
‫منوذج ( النص‪/‬الق ارئ) احت ل مكان ه هام ة يف تقلي د دراس ات التلقي‪ ،‬ومبا أن التلقي ه و نشـاط إجيايب خيض ع‬
‫التطرق إىل األطروحات األربعة الشهرية اليت تتعلّ ق بفعل‬
‫الخـتيارات واهتمـامات املتلقي؛ فإ ّن هذا يؤدي بنا إىل ّ‬
‫التلقي؛ أال وهي‪:‬‬
‫‪)Quatre‬‬ ‫‪thèses‬‬ ‫‪sur‬‬ ‫‪la‬‬ ‫ع ( ‪réception‬‬ ‫ه األرب‬ ‫‪ -‬التل ّقي وأطروحات‬
‫‪      ‬يتعلّق احلديث عن وضعية التلقي حتما احلديث عن مفهوم اجلمهور‪ ،‬الّذي متّ النظر إليه انطالقا من مقاربتني‬
‫جمرد مستهدف سليب ال حيق له إضفاء‬ ‫رئيسيتني‪ ،‬األوىل يدور حمورها حول حتمية التأثري‪ ،‬اليّت يكون فيها املتلقي ّ‬
‫تع ديالت على ص ريورة االتص ال‪ ،‬أم ا الثاني ة فهي تل ك املتعلق ة بالرؤي ة االرتباطي ة أو النس بية ( ‪vision‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ )relativiste‬الّ يت تتداخل فيه ا ع ّدة متغريات لتفسري وتأويل الرسائل اإلعالمي ة انطالقا من شخص ية املتلقي‬
‫وجتربته املرتاكمة‪ ،‬أي أهنّا تدرس فعل التلقي يف ح ّد ذاته‪.‬‬
‫‪      ‬لكن‪ ،‬على الرغم من اختالف جوهر هاتني املقاربتني‪ ،‬إالّ أ ّن املقاربة الثانية تكاد أن تكون غائبة يف حقل‬
‫املمارس ات اإلعالمية‪ ،‬ولكنّه ا حاض رة يف بعض احلق ول األكادميي ة‪ ،‬خاص ة تلك املتعلّق ة بأعم ال مدرسة ‪Palo‬‬
‫‪ Alto‬حول االتصال التفاعلي واألحباث املنجزة يف أملانيا حول مجالية التلقي(‪.)26‬‬

‫نود اآلن أن نتطرق إىل أربعة أطروحات تتعلّ ق مبجال البحث يف ميدان التلقي‪،‬‬
‫‪      ‬وانطالقا من هذا التقدمي‪ّ ،‬‬
‫وال يت اختذهتا املقارب ة الثاني ة كأس اس تنظ ر إىل التلقي بأنّ ه بني ة حقيقي ة ت دور ح ول ديناميكي ة مش اركة املتلقي يف‬
‫استقباله للمضامني اإلعالمية‪ ،‬وتتمثل هذه األطروحات فيما يلي‪:‬‬
‫التلقي (االس تقبال)‪ ،‬يع ين القي ام بفع ل ‪ :))Recevoir, c'est agir‬يع ين التلقي يف ه ذا املق ام تسلس ل‬ ‫‪-1‬‬
‫األعم ال املنج زة‪ ،‬ف املتلقي عن دما يواج ه مباش رة عمال م ا‪ :‬ورق ة كت اب‪ ،‬شريـط فيلم (( ‪pellicule du‬‬
‫‪ ،film‬خلفي ة امللص قة‪ ،‬فهن ا ال توج د مع اين‪ ،‬وال أث ر للمع اين‪ ،‬لكن هن اك أش كال‪ ،‬أص وات‪ ،‬يعم ل وعي‬
‫املتلقي يف هذه اللّحظة على تقدمي دالالت ألنّه قد قام بتخزين الرموز اليت تلقاها‪ ،‬وبالتايل فإ ّن تعاقب األفعال‬
‫تكون معاين األشكال والصور اليت واجهها يف األول‪ ،‬فالتلقي هنا يشكل نشاطا أساسيا لتكوين املعىن نتيجة‬
‫ّ‬
‫الستقبال أشكال خمتلفة‪ ،‬كما يلعب االنتباه دورا هاما يف هذه املرحلة‪ ،‬حيث يقوم املتلقي باختيار وإقصاء‬
‫األفكار وذلك من أجل الفهم‪ ،‬وهذا يرتبط بالدرجة األوىل بنوعية املوضوعات اليت يستقبلها املتلقي‪ ،‬ويقوم‬
‫يصرح عنه النص عن طريق جتربته الشخصية‪ ،‬ألن النصوص ليست دائما كاملة وإمنّا املتلقي هو‬
‫مبلء ما مل ّ‬
‫الذي ميأل الفجوات اليّت حتملها (‪.)27‬‬
‫‪ – 2‬التلقي يعين معايشة ثالثة عوامل ‪ :) )"Recevoir, c'est mener trois "vies‬يرتبط التلقي‬
‫يف هذه األطروحة بالعالقة اليت يقيمها املتلقي مع النصوص اليت يتلقاها وذلك من خــالل ما يسمى بعملية‬
‫وتتم ه ذه املش اركة من خالل ثالث مس تويات (ع وامل) نوجزه ا فيم ا يلي‪)28( :‬‬ ‫املش اركة‪ّ .‬‬
‫األول‪ :‬هن ا املتلقي تربط ه عالق ة بني نظ ام من الرم وز امللموس ة (ك األلوان‪ ،‬األص وات مثال)‪ ،‬إذ‬
‫‪ -‬املس توى ّ‬
‫يقوم املتلقي هنا مبقارنة كل ما يتلقاه يف العامل الرمزي (وسائل اإلعالم) مع ما هو موجود يف العامل املادي‬
‫(احلقيقي)‪ ،‬علم ا أن احملي ط الرم زي م ا ه و إال حمي ط ت ابع للع امل الث اين (املادي)‪ ،‬فهن ا املتلقي يس تقبل خمتل ف‬
‫األفعال اخلاصة عن طريق إدراكه ومراقبته لبيئته‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يتم يف هذا املستوى إحداث نوع من التفاعل مع الرسالة اليت يتلقاها املتلقي‪ ،‬وهذا ما يتعلق‬
‫‪ -‬املستوى الثاين‪ّ :‬‬
‫برتكيز انتباهه ملا يستقبله عن طريق فهمه لسلوك الشخصيات وإمياءات وجوههم‪ ،‬وخمتلف املناظر املوجودة يف‬
‫الرس الة اإلعالمي ة‪ ،‬هن ا املتلقي يق وم بإص دار رد فع ل يتعل ق بالض حك‪ ،‬أو اخلوف أو ح دوث ن وع من املفاج أة‪.‬‬
‫‪ -‬املس توى الث الث‪ :‬يق وم املتلقي يف ه ذا املس توى مبقارن ة م ا متّ مش اهدته يف املس تويني الس ابقني وذل ك من أج ل‬
‫تقييم ونقد كل ما مت استقباله‪ ،‬وبعبارة أخرى التعلم ملا متّ مشاهدته يف الرسالة اإلعالمية‪ ،‬وذلك من أجل ختطي‬
‫العقبات اليت سوف يواجهها يف حياته‪.‬‬

‫‪ -3‬التلقي يعين التعبري ‪ :))Recevoir, c'est s'exprimer‬كيفما كان شكل االتصال‪(  ‬فيلم‪ ،‬إشهار‪،‬‬
‫يكوهنا املتلقي نتيجة لتجربته املرتاكمة‪ ،‬إذ هذا ال‬
‫ملصقة)‪ ،‬فإ ّن موضوع التلقي خيتلف باختالف الدالالت اليت ّ‬
‫مين ع من إقام ة مقارن ات بني ك ل م ا يس تقبله املتلقي‪ ،‬إذ هن ا يتم التعب ري عن ك ل م ا اس تقبله عن طري ق ح دوث‬
‫ويتم ذلك من خالل أربعة مراحل يظهر من خالهلا املتلقي شرحه وفهمه للنص‬
‫االنفعاالت‪ ،‬وإصدار األحكام‪ّ ،‬‬
‫اإلعالمي‪)29( :‬‬

‫‪ -‬ش كل املوض وع ال ذي يس تقبله واملعرف ة ال يت يكس بها‪ ،‬تس مح للمتلقي مبقارن ة ك ل م ا اس تقبله؛‬
‫‪ -‬فض ول املتلقي لفهم النص‪ ،‬يس اعده على اكتس اب نوع ا من الفائ دة ال يت من خالهلا يس تطيع املتلقي أن يقيّم‬
‫وحيكم على ما متّ استقباله؛‬

‫دل على املغ زى الّ ذي فهم ه املتلقي من‬


‫‪ -‬املواق ف ال يت يتّخ ذها املتلقي من ج راء تلقي ه للرس الة‪ ،‬هي األخ رى ت ّ‬
‫الة؛‬ ‫الرس‬
‫‪ -‬تلعب أفاق توقعات املتلقي وذوقه‪ ،‬دورا هاما يف شرح وفهم النص الّذي يتلقاه‪ .‬‬

‫‪      ‬إذن‪ ،‬التلقي يف هذه األطروحة هو مواجهة‪ ،‬صريورة غري منقطعة وذلك عن طريق املقارنة بني النص الذي‬
‫استقبله املتلقي وخربته أو ثقافته‪ ،‬وبالتّايل تر ّكز هذه األطروحة على نقطة مفادها احلكم وتقييم األذواق املوجودة‬
‫يف النص‪.‬‬

‫‪ -4‬التلقي يع ين تش كيل ص ور ( ‪ :)Recevoir, c'est faire des figures‬إ ّن التلقي ه و نظ ام من‬


‫األش كال‪ ،‬ألن املتلقي يق وم بوص ف وحتوي ل ك ل م ا متّ اس تقباله يف إدراك ه إىل أش كال وص ور‪ ،‬وبالتّ ايل يؤس س‬
‫دالالت خمتلف ة‪ ،‬ويتم ذل ك وف ق عملي ات متع ددة تتعل ق بإص دار عواط ف خمتلف ة‪ ،‬ك الفرح‪ ،‬احلزن‪ ،‬احلم اس‪،‬‬
‫التعاطف‪ ،‬وهذه العملية (تشكيل صور) تتداخل فيها جتربة وخربة املتلقي السابقة‪ .‬ولفهم كل ما يتلقاه ال ب ّد عليه‬

‫‪8‬‬
‫من ب ذل جمه ود يتعل ق بإدراك ه ملختل ف األح داث ووض ع خامتة لك ّل م ا يس تقبله‪ .‬تش ّكل ه ذه العملي ات احللق ة‬
‫األوىل لتش كيل السلس لة الص ورية‪ ،‬كم ا يش ّكل ال دافع ال ذي ي ؤدي ب املتلقي إىل اس تقبال العم ل ‪ -‬س واء ك ان‬
‫مكتوبا أو مسموعا أو مسعيا بصريا – أمهيّة تساعد على تشكيل صور خمتلفة للنص الذي يتلقاه‪ ،‬وميثّل هذا الدافع‬
‫تؤدي إىل تشكيل صور خمتلفة‪ ،‬إذ يساعد املتلقي على تشكيل دالالت عن طريق ترمجته للنص‬
‫احللقة الثانية اليت ّ‬
‫اليت تظهر يف شكل رجع صدى الّذي ميثّل يف ح ّد ذاته احللقة الثالثة يف سلسلة تشكيل الصور‪ ،‬وعادة ما تكون‬
‫هناك أنواع خمتلفة من رجع الصدى نوجزها فيما يلي‪)30( :‬‬

‫‪ -‬االنفعاالت الناجتة من جراء استقبال النصوص؛‬

‫تطورات أحداث النص اليت حتدث بطريقة غري مباشرة – وهنا نقصد فيلما أو رواية ‪ -‬جتعل املتلقي يعيش يف‬
‫‪ّ -‬‬
‫عامله اخليايل؛‬

‫ؤدي إىل تش كيل آراء خمتلف ة؛‬


‫‪ -‬معايش ة النص وذل ك عن طري ق إدراك ه بطريق ة مناس بة مما ي ّ‬
‫‪ -‬احلوافز اليت تؤدي إىل تبين سلوك معني‪ ،‬كسلوك الشراء يف حالة ما إذا كانت املادة اليت يستقبلها املتلقي تتعلق‬
‫باإلشهار ملنتوج ما‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫مير عن طري ق ح دوث ه ذه األطروح ات األربع ة ال يت هي ثابت ة يف مراحله ا‬
‫‪      ‬وتبع ا ملا قي ل‪ ،‬ف إ ّن فع ل التلقي ّ‬
‫ولكنه ا خمتلف ة يف جوهره ا من متل ق إىل آخ ر‪ ،‬أل ّن النظري ات احلديثة أ ّك دت أن مب دأ الف روق الفردي ة‪ ،‬والتجربة‬
‫واخلربة الس ابقة للمتلقي تلعب دورا كب ريا يف إض فاء دالالت خمتلف ة ختتل ف ب اختالف الس ياق ال ذي يوج د في ه‬
‫لكل واحد قراءة خاصة به‪.‬‬
‫املتلقي‪ ،‬ومن مثّة فإ ّن ّ‬
‫‪      ‬وكخالصة ملا متّ التطرق إليه يف خمتلف النقاط السالفة الذكر‪ ،‬فإ ّن تاريخ دراسات مجهور وسائل اإلعالم‬
‫التطورات؛ ّأوهلا ش ّددت السلطة على النص (الرسالة) أي حتمية اآلثار اليت ختلفها‬
‫ميكن النظر إليه بأنّه سلسلة من ّ‬
‫وسائل اإلعالم على اجلمهور؛ وآخرها منحت السلطة للجمهور سواء من خالل اختياراته وانتقاءه للربامج اليت‬
‫يشاهدها من جهة‪ ،‬والدالالت اليت يستنتجها من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ - )1( ‬ملفني ديفلر‪ ،‬ساندرا بول روكيتش‪ ،‬نظريات وسائل اإلعالم‪ ،‬ترمجة كمال عبد الرؤوف‪ ،‬ط ‪ ،05‬الدار‬
‫الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،2004 ،‬ص ‪.236‬‬
‫(‪Francis BALLE, Medias et Sociétés, Ed N°05, Ed Montchrestien, - )2‬‬
‫‪.1999, P44‬‬
‫‪Armand et Michel MATTELART, Histoire des Théories de la -)3( ‬‬
‫‪Communication, Ed la Découverte, Paris, 2002, P P 40- 46‬‬
‫(‪Harbert MARCUSE, L'Homme Unidimensionnel, Ed Minuit, Paris, -)4‬‬
‫‪: 1968, P 39.In‬‬
‫‪  ‬عزيز لعبان‪ :‬اخللفية النظرية لبحوث اإلعالم وعوامل بروزها‪ ،‬جملة الوسيط يف الدراسات اجلامعية‪ ،‬اجلزء ‪،4‬‬
‫اجلزائر‪ ،2003 ،‬ص ‪.18‬‬
‫(‪David MORLEY, Audience Research-)5‬‬
‫‪Source:‬‬
‫‪http://www.museum.tv/archives/etv/A/htmla/audiencerese/audience‬‬
‫‪.rese.htm.Le16/3/08‬‬
‫(‪ -)6‬حممد عبد احلميد‪ ،‬نظريات اإلعالم واجتاهات التأثري‪ ،‬ط ‪،3‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2004 ،‬ص‬
‫‪.237‬‬
‫‪Rémy RIEFFEL, Sociologie des médias, Ed Ellipse, France, 2001, P 119.-‬‬
‫)‪(7‬‬
‫( ‪.David MORLEY, Audience Research, op. cit-‬‬
‫(‪ -)9‬حممد عبد احلميد‪ ،‬نظريات اإلعالم واجتاهات التأثري‪ ،‬ط ‪ ،02‬عامل الكتب للنشر والتوزيع والطباعة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2004 ،‬ص ص ‪.217 ، 216‬‬
‫‪Rémy RIEFFEL, op.cit. p 131 -)10( ‬‬
‫(‪ -)11‬أرمان وميشال ماتالر‪ ،‬تاريخ نظريات االتصال‪ ،‬ترمجة نصر الدين لعياضي والصادق رابح‪ ،‬ط ‪،03‬‬
‫املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2005 ،‬ص ص ‪.123 ،122‬‬
‫‪Daniel CHANDLER, Watching Television Viewers: Key differences  -)12( ‬‬

‫‪10‬‬
‫‪…in Viewers' Interpretations of  TV‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪Source:http://www.aberac.uk/medias/Modules/TF33120/divergence.h‬‬
‫‪.tlm: Le 17/03/2008‬‬
‫(‪ -)13‬أرمان وميشال ماتالر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪.Rémy RIEFFEL, op.cit, p 131 -)14( ‬‬
‫(‪ -)15‬أرمان وميشال ماتالر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪.Rémy RIEFFEL, op.cit, p 131 -)16( ‬‬
‫‪ -)17( ‬أرمان وميشال ماتالر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪Judith LAZAR, Sociologie de la Communication de masse, -)18( ‬‬
‫‪:Armand colin, Paris, p 32. In‬‬
‫عزيز لعبان‪ ،‬اخللفية النظرية لبحوث اإلعالم وعوامل بروزها‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.20 ،19‬‬
‫‪.David MORLEY, Audience Research, op.cit - )19( ‬‬
‫‪.Rémy RIEFFEL, op.cit. p 132 -)20( ‬‬
‫‪ -) 21( ‬علي قسايسية‪ ،‬املنطلقات النظرية واملنهجية لدراسات التلقي‪ :‬دراسة نقدية ألحباث اجلمهور يف اجلزائر‬
‫‪ ،2006 -1995‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة يف علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬قسم علوم اإلعالم‬
‫واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪?Daniel CHANDLER, Why do People Watch Television -)22‬‬
‫‪Source:www.aber.ac.uk/media/Documents/short/usegrat.html-16k-.    ‬‬
‫‪.Le20/03/2008‬‬
‫(‪Communication et Théories Littéraires, Source: -)23‬‬
‫‪http://www.ditl.info. Le 26/01/2008‬‬
‫(‪John CORNER, (1996)" Reappraising Reception: Aims, Concepts -)24‬‬
‫‪and Methods" in, James CURRAN and Micheal GUREVITCH (eds)1996: ‬‬
‫‪.Mass Media and Society, Edition N°2, London, Arnold‬‬
‫ذكره السعيد بومعيزة يف‪ :‬أثر وسائل اإلعالم على القيم والسلوكيات لدى الشباب‪ :‬دراسة‪  ‬استطالعية مبنطقة‬
‫البليدة‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة يف علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬قسم علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬كلية‬
‫‪11‬‬
‫العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪Daniel CHANDLER, Why do People Watch Television? -)25(  ‬‬
‫‪Source:http://www.aber.ac.uk/media/Documents/short/usegrat.html‬‬
‫‪.-16k-.Le 20/03/2008‬‬
‫(‪Eric FOUQUIER, Jean-Claude LIORET, Définitions du Concept -)26‬‬
‫‪d'Audience: Analyse critique et Orientations,in L'Audience et les‬‬
‫‪Médias, préface de Gilles SANTINI,  Les Editions d'Organisation, Paris,‬‬
‫‪   .1989, p p 18-19‬‬

‫خلفيات دراسات جمهور وسائل اإلعالم‬

‫إن حتديد طبيعة الدراسات االتصالية املتعلقة جبمهور وسائل اإلعالم تتوقف على معاجلة العوامل الرئيسية احملركة‬
‫هلا وعلى أهداف اجلهة املمولة كما نتوقف على طبيعة العالقة القائمة بني اجلمهور و مقرري السياسة اإلعالمية‬
‫للمؤسس ة أو النظ ام االجتم اعي السياس ي‪ .‬تعم ل وس ائل اإلعالم يف إنت اج رس ائل إعالمي ة معين ة جلمه ور معني‬
‫لتحقيق أهداف معينة ‪ .‬وعلى الرغم من أمهية اإلطار اإليديولوجي و السياسي يف حتديد طبيعة اجلمهور إال انه ال‬

‫‪12‬‬
‫يعت رب الط رف النه ائي يف حتدي د العملي ة االتص الية ونقتص ر على معاجلة العوام ل املؤثرة يف ه ذه الدراس ات و أهم‬
‫نظريات تكوين اجلمهور‬

‫‪.1‬عوامل تطوير دراسات الجمهور‪:‬‬

‫و تتمثل يف أربعة عناصر متداخلة يف أسباهبا ووسائلها وخمتلفة يف أهدافها‬

‫‪‌ :‬أ)الدعاية ‪ :‬احتلت الدعاي ة جماال واس عا عن طري ق الص حافة املكتوب ة والس ينما املتنقل ة والس يما أثن اء احلرب‬
‫العاملي ة األوىل(‪ )1918-1914‬و الثاني ة (‪ )1945-1939‬لتش مل ع دد اك رب من أف راد اجملتمع ات اجلماهريي ة‬
‫ال يت تعريه ا النظري ات الفلس فية و الس يكولوجية على أهنم جمرد جتمع ا ت بش رية إذ يتحكم فيه ا الق ادة األقوي اء‬
‫واس تمرت الدعاي ة كمح رك نش يط لدراس ات اجلمه ور إىل ال وقت ال راهن م ع اختالف األس اليب و األه داف‬
‫باختالف املراحل التارخيية اليت أعقبت احلرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫اعتم دت دراس ات اجلمه ور على نت ائج أحباث العلم اء وفالس فة الس يكولوجية و السوس يولوجية و األثني ة أمث ال‬
‫دروس فروي د‪ ،‬م اركن‪،‬وآخ رون ال ذين وض عوا نظري ات ح ول الطبيع ة البش رية الفردي ة و اجلماعي ة وتفاعالهتا‬
‫النفسية و االجتماعية حماولة لفهم الشعوب مثال ‪ :‬النازية‪،‬الفاشية ‪ ،‬الشيوعيون‪،‬والليرباليون واستمرت الدعاية إىل‬
‫غاية اهنيار املعسكر الشيوعي يف هناية الثمانيات ‪ .‬وال تزال الدعاية اإليديولوجية لألحزاب و التيارات الفكرية‬
‫واح دة من العوام ل املنش طة للدراس ات املنتص بة على اجلمه ور س واء ب احلمالت االنتخابي ة الدوري ة و الظرفي ة‬
‫الستمالة الرأي العام لفرضه قضايا و أفكار معينة بأساليب دقيقة وعالية يف إعداد أو إجناز احلمالت واستفتاء يف‬
‫الرأي العام ونشاطات العالقات العامة الرامية إىل حتسني صورة الشخص أو املؤسسة أو النظام لدى اجلمهور ‪.‬‬

‫‌ب)اإلشهار‪ :‬يعترب اإلشهار واإلعالنات التجارية احملرك البارز يف إعطاء دفع قوي لدراسات اجلمهور سواء نعلق‬
‫األمر باملعلنني أو الناشرين أو موزعي الرسائل االشهارية على اجلمهور‪ .‬عرفت أحباث اجلمهور تطورا يف و م أ‬
‫بع د احلرب العاملي ة ‪ 2‬ليص بح مي دانا متخصص ا يس تجيب منوه الحتياج ات جمم وع ص ناعي إلك رتوين يرك ز على‬
‫اجلانب الس معي ‪ .‬و م ع انتش ار ظ اهرة "كوني ة" (النش اطات اإلعالمي ة ) و باس تعماله املكث ف لتكنولوجي ات‬
‫اإلعالم اجلدي دة وال يت تعم ل على ط ابع الكوني ة على اجلمه ور (عوملة ‪ )globalisation‬ب املوازاة م ع عاملي ة‬
‫االقتص اد والثقاف ة االس تهالكية و احلمالت التس ويقية أص بح باإلمك ان دراس ة ه ذا الش كل من اجلمه ور املتع رض‬
‫للرسائل االشهارية من القنوات الفضائية ومواقع شبكة الويب ‪ .‬إن العالقة بني اإلشهار والدعاية يكاد ختتفي أمهية‬

‫‪13‬‬
‫التفرقة بينهما إذ هناك ارتباط وثيق بينهما فاإلعالنات هي بشكل أو آخر دعاية للبضاعة أو خدمة وهي يف نفس‬
‫الوقت حتمل مضامني بيولوجية و ثقافية سائدة يف جمتمعات معدي ومرسلي الرسائل االشهارية‪.‬‬

‫‌ج)ال رأي الع ام‪ :‬يعت رب عام ل من عوام ل تنش يط دراس ات اجلمه ور و االس تجابة لفك رة الدميقراطي ة حيث تعم ل‬
‫احلكوم ات على كس ب تأيي د رعاياه ا يف الق رارات و احملافظ ة على قب ول الرعاي ا ومص احلهم حتس با لالنتخاب ات‬
‫الالحقة و تعمل األحزاب السياسية و األشخاص املتنافسة على السلطة ختصيص أموال معتربة للحمالت اإلعالمية‬
‫بتمويل الصحف و وسائل اإلعالم األخرى قصد كسب الرأي العام لصاحلهم‪ .‬كان ظهور دراسات الرأي العام‬
‫كالزم ة لألنظم ة الدميقراطي ة مث تلته ا دراس ات اجلمه ور م ع انتش ار وس ائل اإلعالم كمظه ر من مظ اهر ممارس ة‬
‫الدميقراطية‪.‬‬

‫و قد تكثفت حبوث اجلمهور خالل النصف الثاين من القرن ‪ 20‬ضمن تطور الدراسات اإلعالمية بصفة عامة‬
‫ح ىت أص بحت ص ناعة قائم ة حبد ذاهتا متخصص ة يف قي اس ال رأي الع ام تعم ل حلس اب األح زاب و احلكوم ات و‬
‫املصاحل املالية و التجارية مب فيها وسائل اإلعالم نفسها‪ .‬و يف نفس السياق تأثري األفكار اجلديدة حول األجيال‬
‫اجلديدة حلقوق اإلنسان يف تطور دراسات اجلمهور خاصة بعد اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان سنة ‪ 1948‬الذي‬
‫أنشأ اجليل اجلديد احلق يف اإلعالم و احلقوق اجملاورة و املشاهبة و أصبح هذا احلق قانونيا يف ‪ 1966‬بعدما كان‬
‫حق ا نظري ا يف ‪ 1948‬حيث من ح ق اجلمه ور أن يطل ع على املعلوم ات و اآلراء ال يت تل يب حاجات ه و تس تجيب‬
‫الهتماماته لذا استوجب فرض دراسات ملعرفة احتياجات اجلمهور اإلعالمية املتغرية بتغري ظروف املكان و الزمان‬
‫بصرف النظر عن كونه مستهلكا أو ناخبا‪.‬‬

‫‌د)االحتياجات العلمية‪ :‬برزت احلاجة إىل دراسة مجهور وسائل اإلعالم دراسة معمقة ألهداف علمية أكادميية‬
‫يف النصف الثاين من الق رن العش رين بعد التق دم اهلائ ل يف الدراسات املتعلقة بنظ ام مص ادر الرسائل اإلعالمية و‬
‫مضامينها و وسائل اإلعالم و اآلثار اليت قد حتدثها يف سلوكيات اجلمهور‪ .‬فالكم اهلائل من الدراسات التسويقية‬
‫و توجهات الرأي العام وفرت جوا للمقاربات االمربيقية مما دفع بالباحثني اإلعالميني إىل اختبار و إعادة صياغتها‬
‫من أج ل إث راء مش روع النظ ري العلمي ة لإلعالم و االتص ال و ق د ازداد االهتم ام هبذه الدراس ات و احلاج ة إليه ا‬
‫بعدما تبنت دول العامل الثالث أفكار احلداثة و التنمية و قدرات وسائل اإلعالم على املسامهة يف عملية االنتقال‬
‫من اجملتمع ات التقليدي ة إىل اجملتمع ات احلديث ة وفق ا لنظري ة اإلعالم اإلمنائي و ق د جتس د ذل ك يف إنش اء معاه دة‬
‫متخصصة يف الدراسات اإلعالمية على مستوى أغلب جامعات تلك الدول حتت إشراف اليونسكو على براجمها‪.‬‬
‫و كانت البداية الفعلية لالهتمام العلمي جبمهور وسائل اإلعالم مع ظهور فكرة الوظيفة التعليمية لوسائل اإلعالم‬

‫‪14‬‬
‫إذ أجرى علماء النفس السلوكي حبوثا يسرت نظريات التعليم واستعمال وسائل اإلعالم يف ألغراض تعليمية و‬
‫تدريبية لذلك جند جل الباحثني يف اجملتمعات احلديثة العهد باالتصال يكتفون بدراسات تعليمية للحصول على‬
‫درجة علمية أو ترقية مهنية‪..‬‬

‫تطور مقاربات الجمهور‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ ‬لق د ت بني من خالل ع رض بعض اجلوانب النظري ة و املفاهيمي ة املتعلق ة جبمه ور وس ائل اإلعالم و الدراس ات اخلاص ة ب ه أن‬
‫الب احثني املهتمني هبذا امليدان ال يتعاملون م ع أمنوذج واحد أو مقاربة واح دة لالتص ال اجلم اهريي ولكنهم يع اجلون ش يئا أكثر‬
‫بقليل من جمموعة من التطلعات البديلة‪.‬‬

‫إن الدراس ات اإلعالمي ة مل تتوص ل بع د إىل اعتم اد أدبي ات موح دة فهن اك مثال مص طلحات من مث ل “دراس ات االتص ال‬
‫اجلماهريي” ‪“ ،‬علوم اإلعالم و االتصال” جمودة يف األدبيات الغربية و قد يعود تنوع مصطلحات اإلعالم و االتصال إىل عدم‬
‫التوصل بعد إىل صياغة نظريات تعيد بلورة مبدأ تداخل العلوم الذي مت التخلي عنه منذ انفصال العلوم األخرى عن الفلسفة‬
‫واعتماد فلسفة التخصص و النماذج املتبعة يف البحث العلمي اإلعالمي و واقعه حىت يف الدول املتقدمة مل تتوصل بعد إىل صياغة‬
‫“كيان نظري متكامل لعلم االتصال” باعتباره أحد العلوم املستقبلية غري أن هذا األمر مل يوجد له مثيل يف الدول االنتقالية و يف‬
‫مق دمتها ال دول العربي ة و ال راجح أن هن اك عدي د من احملاوالت الن ادرة ال يت ق ام هبا بعض الب احثني الع رب يف مي دان الدراس ات‬
‫اإلعالمية مل تنشر على نطاق واسع ألسباب عدة لعل أن يف مقدمتها أن احلقائق املتعلقة بالواقع االجتماعي و لو أهنا نسبية و ال‬
‫تنتمي للعل وم الص حيحة األم ر ال ذي يلغي احلري ة العلمي ة املتمثل ة يف حري ة الفك ر و حري ة البحث العلمي و التعب ري عن النت ائج و‬
‫النشر‪.‬‬

‫و من هنا يبقى املصدر الوحيد للدراسات النظرية و اإلمربيقية ذات املصداقية و الداللة العلمية هو اجملتمعات املتطورة اليت جعلت‬
‫من العلم و املعرفة و التكنولوجيات الروافد األساسي‬

‫‪     .2‬نظريات تكوين الجمهور ‪:‬‬

‫الزالت الدراس ات الوص فية املنبثق ة عن التوس ع يف اس تعمال السوس يوغرافيا تش كل الط ابع الغ الب‪  ‬ألحباث اجلمه ور وج ل‬
‫الدراسات املهتمة باستعمال وسائل اإلعالم‪  ‬وتأثرياهتا على اجلمهور و لكن نتائج هذه األحباث ال تكتسي أمهية كربى بالنسبة‬
‫لل رتاكم املع ريف ألن منطلقاهتا وأه دافها الغالب ة إم ا جتارب أو انتخابي ة ظرفي ة‪  ‬وتنطب ق ه ذه املالحظ ة على اجملتمع ات املنتج ة‬
‫واملصدرة للتكنولوجيات و اإليديولوجيات “اإلعالميتني” وتنعدم مثل هذه الدراسات يف اجملتمعات اهلامشية ألسباب حضارية‬
‫سياسية و اقتصادية و ثقافية واجتماعية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وتبقى نتائج الدراسات التسويقية حمدودة القتصارها على عوامل دميغرافية واجتماعية تستعمل لتحديد حجم و تشكيل اجلمهور‬
‫وطبيعة أمناط سلوكياته ‪.‬‬

‫يرى مكويل (‪ )MCQUUIL 1984‬أن السن والطبقة والدخل ومستوى التعليم هلا أمهية كبرية يف حتديد حجم مجهور أي‬
‫وسيلة إعالمية ألن كل منها يتدخل يف حتديد حجم الوقت و كمية املال الالزمني الستعمال وسائل اإلعالم فالسن حيدد مدى‬
‫االس تعداد و احلري ة يف اختي ار واس تعمال وس ائل اإلعالم حيث أن األطف ال الص غار مثال خيض عون الختي ار العائل ة و يتعرض ون‬
‫للتلف زة أكثر من أي وسيلة أخرى وم ع تق دم السن يتغري إذ يكتسب حرية يف تعامله م ع وسائل اإلعالم في ؤدي إىل استعمال‬
‫الراديو و الذهاب إىل السينما وعندما يصبح الشخص رب العائلة يعود إىل السباق املنزيل ولكن باهتمامات خمتلفة مثال ختصيص‬
‫وقت أكرب لقراءة الصحف ‪.‬‬

‫أما الدخل املرتفع فيقلل من استعمال التلفزة هذه االعتبارات وغريها مثل النوع ومكان اإلقامة تساعد على وصف اجلمهور‬
‫وصفا مقبوال وتساعد على التقرب من حجمه ونوعيته ولقد أسفرت الدراسات عن تأسيس جمموعة من النظريات تتكامل فيما‬
‫بينه ا إلعط اء منطي ة وص فية‪  ‬للجمه ور ‪ ) ) typology‬هتدف إىل تص نيف اجلمه ور وف ق فئ ات وش رائح دميغرافي ة وحتدي د‬
‫خصائصها وأساليب اتصاهلا ليسهل يف النهاية حتليل واقعها يف سياق اجتماعي ثقايف و تارخيي‪.‬‬

‫و ميكن تقسيم هذه النظريات إىل ثالث أنواع‪:‬‬

‫‪      ‬النوع األول و يهتم بالعروض اليت تقدمها وسائل اإلعالم‬

‫‪      ‬النوع الثاين يهتم بشروط التوزيع و إمكانيات االستقبال‬

‫‪      ‬النوع الثالث يهتم بطلبات اجلمهور‬

‫و نتطرق إىل أهم النظريات املتداولة يف األدبيات اإلعالمية االجنلوسكسونية بصفة خاصة لكوهنا الرائدة يف هذا امليدان‪:‬‬

‫‪     .1 ‬نظرية الحدث التاريخي‪historical accident  :‬‬

‫إن النظري ة يف حد ذاهتا واس عة و لكنه ا تتض من عنص رين رئيسيني يف كل بني ة جلمه ور معني ويت دخالن بش كل مباش ر يف فهم‬
‫بعض جوانب تكوين مجهور وسيلة إعالمية معينة من وجهة نظر تارخيية‪:‬‬

‫العنصر األول‪ :‬و يتعلق بتاريخ وسيلة اإلعالم نفسها إذ أن هذه الوسائل تطورت تارخييا بالتدرج يف توجهها جلماعات اجتماعية‬
‫معينة قبل أن تتوسع جلماعات أخرى فاجلريدة مثال وجهت يف أول مرة إىل قراء ذكور مدنيني (حضر أي يقيمون يف املدينة)‬
‫ينتم ون إىل طبقة اجتماعية متوسطة ‪ ،‬يشتغلون يف حقل سياسي كم ا أن التلفزي ة وريث الفيلم و الرادي و ‪ ،‬الرتفيه و التسلية و‬
‫قضاء وقت الفراغ ‪ ،‬تتوجه يف الغالب إىل النساء و األطفال دون سن التمدرس و العجزة و املرضى و العاطلني عن العمل‬

‫‪16‬‬
‫العنص ر الث اين‪ :‬خيص جناح ات بعض وس ائل اإلعالم يف تك وين و تط وير هوي ة أو شخص ية اعالمي ة مميزة تتج ه لن وع معني من‬
‫اجلمهور مث ل هيئة اإلذاع ة و التلفزي ون يب يب سي و جري دة ‪ le monde‬فهذه النظرية تعىن بتفس ري نوعية مجه ور الوسيلة‬
‫اإلعالمية من خالل حتليل مضمون عرض الذي تقدمه و مرتبط مبجرى الزمن‪.‬‬

‫‪     .2‬نظرية إدارة السوق‪   market managment theory :‬‬

‫هتتم هذه النظرية بالعرض ال ذي تقدمه وس ائل اإلعالم ألهنا تعتين بشكل مباشر بالسوق س واء تعلق األم ر بالوسيلة اإلعالمية‬
‫كس لعة أو كناقل ة لرس ائل إش هارية ح ول س لع مادي ة أو خ دمات موجه ة لزب ائن و هي تش ري إىل ت أثري اإلش هار على السياس ة‬
‫اإلعالمي ة للمؤسس ات و مض امني الرس ائل اإلعالمي ة ال يت تنقله ا إىل مجه ور معني ف ل ميكن إقام ة مش روع إعالمي ن اجح دون‬
‫دراسة دقيقة توقيعية ملستهلكي الرسائل اإلعالمية اإلعالنية‪.‬‬

‫‪     .3 ‬نظرية الفروقات الفردية‪  individual differances theory :‬‬

‫تركز هذه النظرية على مقولة ” إعطاء اجلمهور ما يريد ” ‪ giving the public wat it wants‬ز تندرج ضمن‬
‫نظريات العروض اليت تقدمها وسائل اإلعالم و جوهر هذه النظرية أن تكوين مجهور وسيلة إعالمية هو نتيجة أفعال و خيارات‬
‫عدد واسع من األفراد و خيتلف كل فعل أو اختيار على اختالف األذواق و املصاحل و االهتمامات و اختالف القدرات العقلية‬
‫لألف راد و ت رى ه ذه النظري ة الرباغماتي ة أن أن واع احملت وى املق دم على أس اس الدراس ة و التج ريب من ش أنه أن ين بئ بتوقع ات‬
‫معقولة حول حجم وتكوين اجلمهور‪.‬‬

‫‪     .4 ‬نظرية اختالف مصادر الترفيه‪differential leisure resources :‬‬

‫تندرج هذه النظرية ضمن نظريات الطلب و تركز على االستعدادات و الفائدة من استقبال الرسائل االعالمية اكثر من تركيزها‬
‫على احملتوى من قبل اجلماعات االجتماعية كما أهنا تتوفر على ثالث عناصر‪ :‬وقت الفراغ املتوفر ‪ ،‬و املستوى التعليمي و وفرة‬
‫املال حيث ميكن النظر اىل استعمال وسائل اإلعالم من قبل خمتلف الفئات االجتماعية كمركب لكل من هذه العناصر و بالتايل‬
‫فان األطفال و النساء و املسنني هي فئات متوفرة لديها وقت فراغ و قلة من املال حيث هذه الفئات غري مكلفة و تأخذ وقتا‬
‫أوسع كما أن املستوى الثقايف له دور يف تكوين اجلمهور إىل جانب الدخل و توفر وسائل ترفيه وإعالم بديلة لوسائل اإلعالم‬
‫اجلماهريية‪.‬‬

‫‪     .5 ‬النظرية الوظيفية‪  functional theory :‬‬

‫من نظريات الطلب ‪ ،‬تتمحور على حوافز تدفع اجلمهور اىل استعمال وسائل اإلعالم اجلماهريية هبدف إشباع حاجاته و حلول‬
‫ملش اكله النفس ية و االجتماعي ة و حاجت ه إىل اإلعالم و الرتفي ه فه ذا حيدد حجم اجلمه ور و نوع ه ‪ .‬و تب دو ه ذه النظري ة أك ثر‬

‫‪17‬‬
‫مالءمة لدراسة تكوين اجلمهور إال أهنا ختلط بني احملتوى و الوظيفة يف عالقة واحد لواحد مع أن مضمونا واحد ال ميكن أن‬
‫يشبع احتياجات عديدة و متنوعة و ال ميكنه أن حيل مشاكل نفسية و اجتماعية خمتلفة‪.‬‬

‫‪     .6‬نظرية التفسير السوسيو ثقافي‪socio-cultural explanation :‬‬

‫إن تفسري ميكانيزمات تفسري مجهور وسائل اإلعالم وفقا لقانون السوق (العرض و الطلب) تقدم تفسريا جمزأ حسب الزاوية اليت‬
‫ينظر منها إىل تكوين اجلمهور‪:‬‬

‫من زاوية تارخيية‪ ،‬استهالكية‪ ،‬اختالفات فردية‪ ،‬وظائف وسائل اإلعالم االجتماعية …اخل و كل واحدة هتمل السياقات الثقافية‬
‫و االجتماعي ة ال يت يوج د فيه ا اجلمه ور و املرتبط ة بفض اء احلي ة احمللي ة حيث أن اإلف راد أو اجلماع ات مييل ون إىل إعط اء األمهي ة‬
‫للمحت وى اإلعالمي املتعلق ة باحملي ط الق ريب املألوف ل ديهم ختض ع للقيم االجتماعي ة و الروحي ة الس ائدة فمن هن ا ف ان من اهج‬
‫األحباث و الدراس ات املوض وعية املعتم د عليه ا تأخ ذ بعني االعتب ار ظ روف البيئ ة االجتماعي ة و الثقافي ة و االقتص ادية و خاص ة‬
‫ظروف املكان و الزمان لكل مجهور‪.‬‬

‫‪ ‬مـراحل تشكـيل مفـهـوم الجـمـهـور*‬

‫خيض ع مفـهـوم مجه ور وس ائل اإلعالم يف ص ياغته الراهن ة إىل جمموع ة من االعتب ارات هلا عالق ة ب التطور الس ريع ال ذي تش هده‬
‫اجملتمعات احلديث ة يف جماالت اإلعالم و االتصال اجلماهريي خاص ة انعكاس ات االس تعمال املكث ف لتكنولوجي ات االتصال اليت‬
‫أدت إىل التفك ري يف إع ادة ص ياغة بعض املف اهيم الس ائدة ح ىت تتمكن من اس تيعاب العناص ر املس تجدة الناجتة عن ه ذا التط ور‪.‬‬
‫غري أن إعادة صياغة املفاهيم غالبا ما تضيف عناصر جديدة مستجدة و ال تعين دائما بالضرورة إلغاء أو تعديل العناصر السابقة‬
‫اليت تدخل يف تكوين املفهوم‪.‬‬

‫و فيم خيص مصطلح اجلمهور فقد خضع يف تشكيله إىل مرحلتني مهمتني حيث قسمتا كالتايل‪:‬‬

‫‪.1‬مرحلة ما قبل ظهور وسائل اإلعالم‪:‬‬

‫كانت فكرة اجلمهور يف أصلها تعين هؤالء الذين يقبلون على عرض درامي أو لعبة أو أي استعراض عام يستقطب عددا من‬
‫الناس‪ .‬و كان هذا اجلمهور يتصف بعدة مميزات إذ أن مجيع أفراده معروفني ب ذواهتم و حمددين يف الزمان و املكان ذلك أهنم‬
‫سكان ملدينة أو قرية ما‪ ،‬وكان جتمعهم لتشكيل مجهور العبادة أو املسرح أو امللعب أو السوق غالبا منضما حبكم العادة و معني‬
‫املواقع وفقا للمراتب و املراكز االجتماعية تشرف عليه سلطة دينية أو روحية أو إدارية حيت كان جيلس سيد القبيلة يف األول‬
‫مث تأيت حاشيته مث النبالء حىت نصل إىل مجيع الناس وقد أضفت تلك السلطات على اجلمهور طابع مؤسسة تفرض سلوكات‬
‫مجاعية معينة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫العديد من هذه اخلصائص ال زال قائما يف املفهوم السائد يف االس تعماالت الراهنة للجمهور مع بعض التعديالت و التغيريات‬
‫الشكلية يف الرتتيب و األمهية‪.‬‬

‫‪.2‬مرحلة ظهور وسائل اإلعالم الجماهيرية‪:‬‬

‫وقد قسمت هذه املرحلة بدورها إىل أربع مراحل مهمة سامهت يف إضافة عناصر جوهرية و إدخال تعديالت شكلية على عدة‬
‫خصائص ويتجلى ذلك يف ما يلي‪:‬‬

‫•المرحلة األولى‪:‬‬

‫تعت رب ه ذه املرحل ة أهم مرحل ة يف ت اريخ وس ائل اإلعالم اجلماهريي ة و ال يت تنعكس على تش كيل مفه وم اجلمه ور بش كل م ا اذ‬
‫عرفت اخرتاع حروف الطباعة يف القرن اخلامس عشر على يد األملاين جوتنبورغ ذلك الذي أدى إىل ظهور مجهور القراء بفضل‬
‫التمكن من إص دار النش ريات و املطبوع ات مبا فيه ا الص حف الحق ا و توزيعه ا على نط اق واس ع مما ك ان علي ه احلال س ابقا‪.‬‬
‫و ق د اوج د ه ذا التط ور الن وعي تقس يما اجتماعي ا اقتص اديا ك ان معروف ا يف السابق بني األغنياء و الفق راء و احلض ر و الب دو و‬
‫ساعد هذا التطور على تكوين مفهوم أويل ملا يعرف حاليا باجلمهور العام ‪ Public‬كفكرة أو رأي يربط بني عدد غري حمدود‬
‫من أناس يوجدون ضمن السكان و خيتلفون عن عامة الناس تبعا الهتماماهتم و مستو تربيتهم و تطلعاهتم الدينية أو السياسية أو‬
‫ة‪.‬‬ ‫الفكري‬
‫•المرحلة الثانية‪:‬‬

‫التطور التارخيي الثاين الذي كان التأثري البالغ يف تشكيل اجلمهور هو اإلفرازات االجتماعية و الثورة الصناعية اليت أعطت دفعا‬
‫قويا للطباعة مما أسهم يف تنمية و تسويق الصحافة خاصة الصحافة الشعبية أو املوجهة إىل إفراد اجملتمعات اجلماهريية ‪Mass‬‬
‫‪ society‬اجلديدة اليت منت حول املدن الصناعية الكربى املكونة خاصة من شتات املهاجرين انتقلوا من األرياف اليت تسودها‬
‫الروابط العائلية و الصالت االجتماعية إىل املدن و اجملتمعات احلديثة اليت تتميز بالتباين بني إفرادها لغياب قيم ثقافية و تقاليد‬
‫وأعراف اجتماعية مشرتكة‪.‬‬

‫يف ه ذه املرحل ة التارخيي ة ب دأت الص حافة تتخ ذ ش كلها اجلم اهريي ال ذي ال زال يالزم وس ائل اإلعالم و االتص ال إىل ال وقت‬
‫الراهن مع بعض التعديالت الشكلية كما سنرى‪.‬‬

‫•المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫و من العوام ل ال يت س امهت يف تش كيل مفه وم اجلمه ور و رس م معامله احلديث ة ظه ور وس ائل اإلعالم االلكرتوني ة من إذاع ة يف‬
‫عش رينات الق رن املاض ي و التلفزي ون من نفس الق رن فق د أص بح اجلمه ور غ ري حمدد يف املك ان حيث باع د البث اإلذاعي و‬
‫التلفزي وين بني أف راد اجلمه ور من جه ة و بينهم و بني املرس ل أو الق ائم باالتص ال من جه ة أخ رى فظه ر ش كالن جدي دان من‬
‫أشكال اجلمهور مها املستمعني و املشاهدين الذين مل تعد األمية و احلواجز الطبيعية حتوالن دون تعرضهم للرسائل اإلعالمية كما‬
‫كان الشأن بالنسبة للصحافة املكتوبة‪.‬‬

‫•المرحلة الرابعة‪:‬‬

‫و يتمثل العنصر التارخيي الرابع يف اعتناق نظريات الدميقراطية السياسية الذي تعترب وسائل اإلعالم و حريتها أحد أهم مظاهرها‬
‫فقد انعكس تطبيق األفكار الدميقراطية يف أنظمة احلكم على مهم و وظائف وسائل اإلعالم و على الرقابة السياسة و االجتماعية‬
‫و مب ادئ الوص ول إليه ا و املش اركة فيه ا كم ا انعكس على وعي اجملتم ع كك ل بأمهي ة اإلعالم و دوره يف احلي اة السياس ية و‬
‫االقتصادية و الثقافية‪.‬‬

‫فلم يع د اجلمه ور فق د جمد ق راء للص حف و مس تمعي إذاع ات ومش اهدي تلفزيون ات و إمنا يف نفس ال وقت يتض من ن اخبون و‬
‫مس تهلكون للس لع و اخلدمات حيث ظه رت مص طلحات هلا عالق ة وطي دة ب اجلمهور مث ل اجلمه ور الن اخبني ‪mass‬‬
‫‪ electorate‬و مجهور السوق ‪, mass market‬‬

‫إن هذه املراحل األربعة اليت ذكرناها ال تعين أن تطور مفهوم اجلمهور قد توقف عند هذا احلد و إمنا ال تزال هناك تطورات يف‬
‫هذا املفهوم مع تطور تكنولوجيات االتصال حيث بدأت تظهر بعض املصطلحات اليت ترتبط بتقنية االنرتنت مثل مجهور الواب‬
‫‪ web audience‬و ‪ ubiquitous‬و ‪ netizen‬و ‪ online audience‬و ‪ offline audience‬و غريه ا من‬
‫املصطلحات‪.‬‬

‫‪   * ‬مـفـه ــوم الج ـم ـهــور‪*  ‬‬

‫إن العملية اإلعالمية ترتكز أساسا على أربع عناصر أساسية هي املرسل ‪ sender‬أو ‪ source system‬الذي يقوم بتوجيه‬
‫عنصر الرسالة ‪ message‬عن طريق الوسيلة اإلعالمية ( الصحيفة‪ ،‬اإلذاعة‪ ،‬التلفزيون و االنرتنت) إىل املتلقي‪ reciever‬أو‬
‫‪ reception system‬و ه و م ا يع رف ب اجلمهور أم ا العملي ة االتص الية فيك ون في ه باإلض افة إىل عناص ر العملي ة اإلعالمي ة‬
‫عنص ر رج ع الص دى حيث تنعكس في ه العملي ة اإلعالمي ة فيص بح املتلقي مرس ال و املرس ل متلقي ا ‪.‬‬
‫إذن فمن ه ذا املنطل ق ومن املراح ل ال يت تناولناه ا يف تش كيل مفه وم اجلمه ور ميكن أن نق ول ب ان اجلمه ور ه و ذل ك املتلقي أو‬
‫املتفاعل مع رسالة إعالمية مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو الكرتونية حتتوي على أهداف سياسية أو اقتصادية أو إيديولوجية‪.‬‬

‫أنـواع الج ـمـهــور‬

‫‪20‬‬
‫‪.1‬الجمهور العام‪:‬‬

‫هو أكثر حجما من التجمعات األخرى أعضاؤه أكثر تبعثرا ‪ ،‬متباعدين يف املكان و أحيانا يف الزمان و لكنه ذو دميومة أكثر‬
‫يتشكل حول قضية مشرتكة من احلياة العامة هدفه الرئيسي تكوين اهتمام أو رأي عام حول قضية أو العام كظاهرة اجتماعية‬
‫ارتبط ظهوره و تطوره بالربجوازية و الصحافة حىت أصبح خاصية من خصائص جمموعة من القضايا للوصول إىل تغيري سياسي‬
‫و هو عنصر أساسي للمشاركة يف املؤسسات الدميقراطية و يعترب اجلمهور الدميقراطية ‪ ،‬فهو يتميز بوجود مجاعة نشطة متفاعلة‬
‫و مستقلة يف وجودها على الوسيلة اإلعالمية اليت تعمل من خالهلا‪.‬‬

‫و ق د عرف ه دي وي على أن ه جتم ع سياس ي جملموع ة من األف راد يش كلون وح دة اجتماعي ة من خالل االع رتاف املتب ادل بوج ود‬
‫مشاكل مشرتكة ينبغي إجياد حلول مشرتكة هلا‪.‬‬

‫‪.2‬الجمهور الخاص‪:‬‬

‫هو اجلمهور الذي جيمع أفراده بعض االهتمامات أو احلاجات أو االجتاهات املشرتكة اليت متيز عضويتهم يف هذا اجلمهور مثل‬
‫االف راد املش رتكني يف ص حيفة م ا و يص بح من بع د ذل ك من واجب وس ائل االعالم استش ارة ه ذا االهتم ام و تدعيم ه و تلبي ة‬
‫حاجاته حبيث ميكن أن حتتفظ هبذا اجلمهور الذي يندمج أعضاؤه يف الرتكيز اجلمعي و ينشرون بذلك االتصال الذي يرتبط هبذا‬
‫الرتك يز و ع ذا م ا ي ربر اختي ار وس ائل اإلعالم للموض ع الش ائع بني ه ذا اجلمه ور ال ذي تتخ ذه م دخال لتنظيم االهتمام ات و‬
‫تكييفها ‪.‬وقدم الباحث األمريكي كلوس حتليال عدديا للجمهور حسب درجات مسامهته كما يلي‪:‬‬

‫•الجمهور المفترض‪:‬‬

‫هو جمموع السكان املستعدين الستقبال عرض وحدة اتصال أي الذين ميلكون الوسائل املادية و التقنية اليت متكنهم من استقبال‬
‫الرسائل اإلعالمية لوسيلة معينة و من هنا فإن كل من ميتلكون أجهزة استقبال تلفزيون أو إذاعة يشكلون اجلمهور املفرتض هلما‬
‫و اجلمهور املفرتض للصحيفة يقاس بعدد نسخ السحب أما مجهور الواب املفرتض حسب هذا املنظور فهو أكثر تعقيدا ألنه‬
‫يتطلب توفر جهاز كمبيوتر و خط هاتفي و مودام إىل جانب اشرتاك يف االنرتنت‪.‬‬

‫•الجمهور الفعلي‪:‬‬

‫ه و جمم وع األش خاص ال ذين اس تقبلوا فعال الع رض اإلعالمي مث ل املواظ بني على برن امج تلفزي وين أو املس تمعني املداومني على‬
‫حصة إذاعية معينة أو قراء صحيفة أو زوار موقع الكرتوين يسجل حضورهم مبجرد النقر على الرابطة‪.‬‬

‫•الجمهور المتعرض‪:‬‬

‫و هو جزء من اجلمهور الفعلي الذي يتلقى الرسالة اإلعالمية بصرف النظر عن إدراكها و عن املوقف الذي يتخذه‬

‫‪21‬‬
22

You might also like